صفحات المستقبلنائل حريري

الدردري عاد… أين المعارضة في الإقتصاد؟/ نائل حريري

 

حلب – نائل حريري

بعد صمتٍ مريب من جميع رموز الاقتصاد السوري على مدى عامين من الأزمة السورية، يعود اسم عبد الله الدردري ليطرق الباب الإعلامي فجأة. الدردري شغل منصب نائب رئيس الحكومة للشؤون الاقتصادية في الفترة التي أوحت بعهد اقتصادي جديد وعد بالانفتاح والتطوّر الكبيرين بعد تولّي الرئيس بشار الأسد سدّة الحكم في سوريا. اليوم يعمل بالتعاون مع مكتب الأمم المتحدة في بيروت للوصول إلى خطّة تضمن إعادة إنعاش البلاد في مرحلة ما بعد النزاع.

الظهور الإعلامي المفاجئ للدردري مبهم ومفاجئ، بعكس تصريحاته التي كانت واضحةً جداً ومتوقعة كذلك. لم يعد من المختلف عليه الحديث عن انهيار اقتصادي للبنى التحتية أو عجز فادح في الميزان الاقتصادي للدولة. يقول الدردري لوكالة “رويترز” للأنباء من مكتبه في بيروت “تجاوزت كلفة هذه الحرب 80 مليار دولار متضمنة انهيار البنى التحتية الأساسية”. وفي حين أن النظام السوري يتغاضى عن المأساة الاقتصادية مولياً جلّ اهتمامه لدفع رواتب الموظفين وحشد العمل العسكري، لم يعد من مجالٍ للشكّ في أنّ سياسته المالية الحالية تعجّل في احتضار الاقتصاد السوري وتدفع بالبلاد نحو الهاوية. يؤكد الدردري أنّ الدولة برغم جميع محاولاتها “ستكون عاجزةً عن دفع رواتب موظفيها مع انتهاء العام الحالي”. أرقام أخرى يطرحها الدردري في السياق ذاته تتحدث عن “تقلص الاقتصاد السوري بما يقارب 40%” محذراً من “ارتفاع معدل البطالة من حوالي 8.3% إلى 33%”، ومرّةً أخرى يبدو أنّ الأمر الوحيد الذي يمكن الاختلاف بشأنه في تصريحات الدردري هو الأرقام الدقيقة.

بعكس التصريحات السياسية “الإنشائية” التي طرحها عدد من السياسيين عن “لبننة” أو “أفغنة” أو “صوملة” سوريا… يقدّم الدردري طرحاً علمياً مقترناً بوثائق وأرقام عن الصوملة المحتملة للبلاد. يؤكد الدردري: “بدايات الأزمة شهدت وجود 12% من السوريين الذين يرزحون تحت خط الفقر المدقع، ومع استمرار الحرب حتى العام 2015 سيرتفع هذا الرقم إلى 44%، النسبة نفسها الموجودة في مالي الآن، وهي تربة خصبة وأساسية للتطرف والأصولية وتشظي المجتمع”.

الحديث الذي يتجاهله النظام السوري أحياناً ويرفضه غالباً، يطرقه الدردري بوضوح حيث لم يعد هناك مجال للحديث عن صمود الاقتصاد السوري، بعبارة أدق الحديث الآن عن إيقاف الحرب لتمكين إعادة بناء الوطن “بقدرٍ مقبول من المساعدات والديون الخارجية”. المصطلح الذي ينطلق إعلامياً للمرة الأولى لم يرد قط على لسان أي من رجال السياسة السوريين من كل الأطراف. يضيف الدردري “نحن على مفترق طرق الآن، دورنا في الأمم المتحدة هو تقديم الحقائق، وندرك تماماً أنّ الأطراف المتصارعة لا تبدي مرونةً كافيةً في التعامل مع هذه المسألة”.

ظهور الدردري الآن يسدّ فراغاً في المشهد السياسي السوري والصورة الضبابية القاتمة عن المشهد الاقتصادي خصوصاً. الإنذار الذي وجهه الدردري في لقائه الصحافي يتقاطع في ذاكرة السوري مع صورة معاذ الخطيب الذي كان قد أطلق تصريحاتٍ مشابهةً في وقت سابق حركت المياه السياسية الراكدة. وفي الوقت الذي اتهم فيه الخطيب أطرافاً عدّة بزجّ سوريا في حربٍ قد تستمرّ سنوات عدة بهدف إنهائها، يوجه الدردري نداءه الأهم: “من يقول: لنحقق أهدافنا الاستراتيجية أولاً ثمّ لنر كيف يمكننا بناء سوريا، أقول له أنني لست متأكداً أن سوريا ستبقى موجودةً حتى العام 2015 كي نعيد بناءها”.

ليس من المستغرب أن تنقشع فترة العقم السياسي والعدمية الثورية التي غلبت على العام الثاني من الثورة السورية لتظهر من بعدها آراء جديدة أكثر واقعيةً وأكثر وطنية من شخصيّات غير مهتمة بالعمل السياسي في ذاته، وليس من الغريب أن نلاحظ التجاوب الشعبي العام مع طروحاتها التي كانت من قبل مرفوضةً من باب الاندفاع العاطفي الثوري المؤدلج.

كان بوسع الدردري السير مع الخيار الإعلامي الأكثر شعبويّة في حديثه عن أسرار وتفاصيل الاقتصاد السوري الأسدي – الأمر الذي سيجعل منه نجم الأسبوع الإعلامي ويفرز تصريحاته لحساب طرفٍ دون آخر – لكنّ اهتمامه توجّه نحو خطّة يصفها بـ”الجادة” و”الطموحة” ويعتقد أنّها قد تكون السبيل الأسلم لحماية ما تبقى من سوريا. الأهمّ من ذلك كلّه هو أن الظهور الإعلامي المفاجئ للدردري جرس إنذار صارخ للمعارضة السورية ينبهها إلى الفجوة الكبيرة التي لم يشغلها رجال الاقتصاد السوري حتى هذه اللحظة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى