صفحات الناس

الدروز والثورة السورية–تحليلات ومقالات-

 

“حزب الله” وتكفير الدروز/ مازن عزي

تشنُّ ماكينة إعلام “حزب الله”، الناطق الرسمي باسم الجمهورية الإيرانية، حملة تخوين لدروز السويداء. تخوين المليشيا الشيعية للدروز، يأتي على خلفية أصوات درزية من الداخل الفلسطيني، تضغط على حكومة إسرائيل للتدخل لحماية دروز السويداء. الجدل الداخلي في إسرائيل، صار معياراً لتخوين الدروز في السويداء، ومصدراً لتكفيرهم.

الحزب الشيعي بات يستخدم صيغته من “الولاء والبراء” الداعشي، لقياس مقدار وطنية الطوائف والمجتمعات، بحسب إيمانها بـ”المقاومة”. ومليشيا الحزب، بعدما أفتت بتكفير السنّة في سوريا، لأنهم ضد المقاومة التي تقاتلهم “دفاعاً عن فلسطين”؛ نقلت بندقيتها اليوم، وصوبتها إلى الدروز، وأطلقت نيرانها التحذيرية. وفي العمق، موقف المليشيا التكفيري، لا يتعلق بالصوت الدرزي في فلسطين، بل باحتمال تغيير ميزان القوى في جبل الدروز، لغير مصلحة النظام السوري.

قد تبدو السويداء اليوم، “مجموعة تائهة، تطلب الحماية، ومستعدة لأداء أي دور يبقيها على قيد الحياة”، بحسب إعلام “حزب الله”. لكنه يُغفل، جهلاً، أنها كانت دائماً، على أبواب التحولات الكبرى، تعيش هذا التناقض. ثمة ما لا يفهمه أصحاب “الممانعة”، وهو قدرة الناس على تحديد أغراضهم، وأهدافهم وطرق عيشهم، وأحلافهم. ثمة وصاية يمارسونها على الجميع، لفرض هيمنتهم، ومشروعهم، من دون الأخذ بخيارات الناس، وحاجاتها. إدراك الحزب الإلهي لوجوده، في منطقة تتفتت وتنهار، بات قائماً على نزعة امبريالية إيرانية، تريد الاستحواذ على كامل المنطقة.

وينسى أشياع المليشيا الإيرانية، دائماً، أن من جاوز في بقائه عشرة قرون، كطائفة دينية، وعشرين قرناً كقبيلة، ليس بسيطاً ولا تائهاً. إنها طريقة هذه المجموعة، وجدلها الداخلي، لصياغة تيار سائد ضمنها. ثمة “ديموقراطية” ضمنية غريزية، تتيح لجميع الأصوات الداخلية أن تطفو، ثم يتم اختيار الأنسب، والأقدر على حماية الطائفة. هكذا فعلوا، ومنعوا العثمانيين من الدخول إلى الجبل، عقوداً طويلة، في حين كانت مناطق السنّة والشيعة والمسيحيين، في المشرق، تدفع الجزية والضرائب، وفق نظام الملّة. ينسى قومجيو ويساريو مليشيا “حزب الله” الشيعي، أن دروز السويداء، منعوا محمد باشا من دخول أرضهم، وهو الذي جرّد جيشين من خيرة قواته لغزوهم، وسمّم مياههم، وجوّعهم، وانكسر دونهم، وهو الذي لم تعصَ عليه منطقة أخرى في بلاد الشام.

قد يستند الحزب إلى المجزرة التي طالت دروز قرية قلب لوزة بجبل السماق في ريف إدلب، على يد مجموعة “الأمير” أبو عبدالرحمن التونسي من “جبهة النصرة”، للدلالة على عدم وجود من يحمي الطائفة. المزايدة بدأت مع خطاب سابق للأمين العام للحزب، حين تساءل: “من يحمي دروز السويداء؟”. “النصرة” بوصفها شمولية دينية مماثلة، كانت قد هدمت “مزارات وأضرحة شركية” لدروز إدلب، وأرسلت إليهم دعاة، لتصحيح “أغلاطهم العقدية”، كما ذهب أمير “النصرة” الجولاني. في الحالتين، هناك رغبة بمسح وجود الطائفة، واخراجها من سياقها التاريخي، وإلحاقها بمجموعة شمولية، بعد تقديم قرابين تستحق الطائفة من أجلها صكوك غفرانها.

وبالعودة للسويداء، فإن آلية الدروز الداخلية، لانتاج قرار جامع، تتعلق بعدد كبير من العوامل، وما يبدو اليوم ضياعاً، هو بحث داخلي محموم عن مكمن قوتهم، في ظل الفوضى العامة التي تعيشها المنطقة؛ واسترجاع لصداهم الداخلي، وتفاعل يصعب إدراكه من الخارج. قبيل أشهر من الثورة السورية الكبرى ضد الانتداب الفرنسي، كتب الكولونيل الفرنسي كاترو، المكلف بصياغة منهج سياسي فرنسي خاص للدروز: “ما لا يعلمه المرء هو أية سلطة أو شخصية من المتوقع أن تكون قادرة على التأثير في الجمهور”. وتابع: ” إذا لم يتمكن المرء من ترتيب مركز السلطة والقرار، فربما لا يوجد هذا المركز”.

تكفير مليشيا الحزب الشيعي لدروز السويداء، يشبه تكفيرهم من قبل تنظيم “الدولة الإسلامية”، وإن كان يختلف في مقدار جرعته العلمانية-الطائفية. فالموضوع المُكفّر به، يتراوح من الخروج عن شرع الإسلام، إلى الخروج عن غاية “المقاومة”. ثمة تحريض بيّن، ومتزامن بين الطرفين، على دروز السويداء، وكأنهما في سباق للوصول إليها. هذا فعلياً ما يحدث على الأرض، الحزب أقام مليشيا له في السويداء، باسم “حزب الله السوري” أو “لبيك يا سلمان”، وبات الحديث علنياً عن محاولات التشييع التي يمزجها الحزب بعطايا مالية، ومكاسب سلطوية. “الدولة الإسلامية” تخوض معركة مماثلة، تزرع خلاياها النائمة بين بدو المحافظة، وتحظى بدعم، لم يعد خافياً من بعض أجنحة النظام، لفتح خطوط إمداد، وتطويق السويداء من الشرق والشمال الغربي.

التقاتل على الكعكة الدرزية، يتم في وقت تسحب فيه قوات النظام سلاحها الثقيل، وتعيد تذخيره، جنوبي دمشق، للدفاع عن مشروع التقسيم. يحدث ذلك، تماماً بالتوازي، مع تحرر محافظة درعا، شبه الكامل، من قوات النظام. واقتراب تنظيم “الدولة” من الشرق. بحيث أن ثلاث قوى باتت تحوم حول السويداء؛ إحداها تحاول كسب العقول والقلوب فيها، كما تفعل الجبهة الجنوبية من أهالي حوران. والثانية تدير التوحش، كما تفعل “الدولة الإسلامية”. والثالثة تلجأ إلى التشييع والإغراء والتخوين، كما تفعل مليشيا الحزب.

في نهاية عمر الاتحاد السوفياتي، كتب الروائي الروسي ألكسندر سولجنستين: “الاتحاد السوفياتي أشبه بعمارة خرسانية هائلة، وجلّ ما أخشاه، أن تنهار فوق رؤوسنا”. واليوم، والمشاهد الحية تنقل تفاصيل اهتراء النظام، وانهياره، لا أحد يستمع إلى صوت المجتمعات المحلية، وما تريده حقاً. وكل ما يتوافر لدى المتحزبين للمشاريع الكبرى، مجموعة مساطر متخيلة، يقيسون بها إيمان المجموعات البشرية، بقضاياهم.

المدن

 

 

 

 

دروز سوريا على المحكّ

تتسارع التطورات الميدانية في سوريا، بشكل درامتيكي، حيث تشهد عدد من المحافظات تبدلات سريعة في موازين القوى لمصلحة المعارضة السورية، في مقابل انسحابات مفاجئة لقوى النظام السوري، الأمر الذي يجعل طائفة الموحدين الدروز في سوريا أمام تحديات كبيرة، خصوصاً بعد أن تخلّى النظام عن مواقعه في محافظة السويداء، المعقل الأبرز لدروز سوريا، تاركاً إيّاهم في مواجهة فصائل المعارضة التي تعتزم إكمال تقدّمها نحو العاصمة السورية دمشق.

في هذا السياق فقد فقدت قوات النظام السوري سيطرتها في الفترة الأخيرة على مساحات واسعة من المنطقة الجنوبية القريبة من الحدود مع الأردن وإسرائيل لحساب العديد من الجماعات المسلحة، أبرزها “جبهة النصرة”، كما تشهد المنطقة تسللاً لعناصر “الدولة الإسلامية” من جهة الشرق باتجاه محافظة السويداء.

وفي آخر التطورات الميدانية أعلنت جماعات مسلّحة تطلق على نفسها “ثوار حوران” الأربعاء بأنّها شنّت هجومًا على المطار العسكري في الثعلة، غرب السويداء، والذي قالت إن القوات السورية تستخدمه في شن غاراتها على مناطق يسيطر عليها المعارضون في الجنوب.

وما زاد في الأمور تعقيداً حصول حادثة خطيرة في قرية قلب لوزة الواقعة في جبل السماق بريف إدلب بين عدد من الأهالي الدروز وعناصر من جبهة النصرة أدّت لسقوط 23 قتيلاً من الدروز وعدد آخر من النصرة، ما جعل الأمور تتدهور سريعاً في منطقة ريف إدلب حيث ينتشر الدروز في عدد من القرى التي تسيطر عليها جبهة النصرة، وقد كان أميرها هناك عبد الرحمن التونسي طلب من الدروز إشهار إسلامهم وإرسال أبنائهم إلى مخيمات حركته، وهدم القبور وتغيير الزيّ.

وعمل النظام السوري فوراً على استغلال هذه الحادثة، وأشاع أتباعه في لبنان حصول عمليات ذبح لـ40 درزياً في جبل السماق. وحمّل الوزير الدرزي السابق في لبنان وئام وهاب مسؤولية ما حصل في جبل السماق للدولة التركية ولقطر اللتين “تدعمان النصرة”، واصفاً ما جرى بـ”المجرزة”، ودعا بشار الأسد إلى “مدّ الدروز في السويداء بالسلاح”.

وعلى خلفية الحادثة باشر رئيس اللقاء الديمقراطي في لبنان النائب وليد جنبلاط، الزعيم الدرزي الأبرز، عدداً من الإتصالات لتهدئة الأوضاع في منطقتي إدلب والسويداء، وللململة ذيول حادثة جبل السماق، وأصدر الحزب التقدمي الاشتراكي بياناً أكد فيه إستنكاره لما جرى وسعيه لمعالجة هذا الحادث مع المعارضة السورية، وأشار إلى أن “اتصالات جنبلاط مع فصائل المعارضة ومع قوى إقليمية فاعلة وموثرة أثمرت سعياً مشتركاً لضمان سلامة أبناء تلك القرى الذين وقفوا إلى جانب الثورة منذ إنطلاقتها وإستقبلوا النازحين في بيوتهم وحرصوا أشد الحرص على الوحدة الوطنية بين أبناء الشعب السوري”.

وأكد بيان “التقدمي” أن “المعلومات التي تم الترويج لها مغايرة للحقيقة خصوصاً لناحية ما تم تداوله عن ذبح تعرض له الموحدون الدروز”، كما استغرب “حملة التحريض المنظمة التي قامت بها بعض الأوساط السياسية والإعلامية بهدف تأجيج المشاعر وإذكاء نار الفتنة”، داعياً المواطنين إلى “عدم الأخذ بها لا سيما وأن ما يحصل، على جسامته، هو جزء من المعاناة التي يعيشها الشعب السوري التي تعرض فيها لحرب طاحنة وأودت حتى اللحظة بمئات الآلاف من أبناء الشعب السوري وتهجير الملايين منهم إلى دول الجوار”.

في سياق متّصل، وفي محاولة لمعاقبة أهالي السويداء وجرّهم إلى الاقتتال خصوصاً بعد ارتفاع نسبة عدم مشاركتهم في القتال إلى جانب النظام، وتخلّف أكثر من 25 ألف مجنّد عن الخدمة في جيش الأسد، سعى النظام إلى سحب قواته من المحافظة في محاولة لإنزال العقاب بأهلها، وذلك عبر تجريد المنطقة من قدراتها الدفاعية في وجه تقدم محتمل لتنظيم داعش. الأمر الذي دفع أهالي المنطقة إلى اعتراض أرتال عسكرية حاول نظام الأسد سحبها باتجاه العاصمة دمشق.

وآخر انسحابات قوات النظام السوري كانت من مركز اللواء 52 الذي يعدّ من أكبر المراكز التابعة لجيش النظام في كل سوريا، والذي يقع بين محافظتي السويداء ذات الأكثرية الدرزية، ودرعا ذات الغالبية السنّية المعارضة للنظام والتي تقع تحت سيطرة فصائل المعارضة السورية.

في هذه الأثناء، برز الشيخ الدرزي وحيد البلعوس، في منطقة السويداء، كمحرّك فاعل لتوجهات أبناء الطائفة هناك، وأكد أنّ تحرك الأهالي جاء كضرورة لا بد منها منعاً لإخراج السلاح من المحافظة. وجاء في البيان الذي نشره الشيخ البلعوس على صفحته على موقع فيسبوك:” إن السلاح هو حق الشعب للدفاع عن نفسه أمام كل المخاطر”. كما حذر البلعوس من مخطط النظام الذي يسعى إلى الانسحاب من المدينة، حيث تحدثت مصادر عن ان قوات النظام أفرغت متحف المدينة من كافة المقتنيات الأثرية الهامة الخاصة بالمحافظة، كما عمدت إلى اخلاء المصرف المركزي في المدينة من الأوراق النقدية.

وكان البلعوس وجه تهديدات بمواجهة أي محاولة اعتقال بقصد التجنيد، التي تنتهجها قوات الأسد بحق أهالي محافظة السويداء، متوعدا بأن الرد سيكون قاسياً.

وأمام كل هذه التطورات، دعا شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز في لبنان الشيخ نعيم حسن، الذي كان استنكر حادثة جبل السماق، إلى اجتماع طارئ للمجلس المذهبي للطائفة عصر الجمعة، لبحث آخر الأوضاع والتطورات. ومن المتوقّع أن يحضر جنبلاط ومختلف القيادات السياسية والدينية الدرزية هذا الاجتماع لتدارس الوضع في سوريا وكيفية التعامل معه.

يشار إلى أنه منذ انطلاقة الثورة السورية عام 2011 اتّجهت الأنظار نحو طائفة الموحدين الدروز التي ينتشر أتباعها في عدد من المحافظات في سوريا، ويقارب عددهم الـ700 ألف نسمة، ويتوزّعون في السويداء، مركز ثقلهم، ودرعا، والقنيطرة التي يتبع لها الجولان المحتلّ، وريف دمشق، وريف إدلب وجبل السماق.

وقد جهد نظام بشار الأسد منذ بداية الثورة على وضع الدروز في خانته، وقام الأسد شخصياً بزيارات متتالية إلى مناطقهم محاولاً تكريس مقولة “حلف الأقليات” التي كانت أُطلقت زمن والده حافظ الأسد، على اعتبار أن طائفة الأسد العلوية، كما طائفة الموحدين، والاسماعيليين، والمسيحيين، هم أقليات أمام الأكثرية السنّية.

في المقابل حاول جنبلاط إقناع دروز سوريا بالوقوف على الحياد إنْ لم يكن باستطاعتهم تأييد الثورة، وعمل عدد من كوادر الحزب التقدمي الإشتراكي الذي يترأسه جنبلاط إلى التواصل مع شخصيات درزية سوريّة وتشجيعها على الانخراط في المعارضة السورية السياسية، ولاحقاً العسكرية، وذلك لاعتبار جنبلاط أن مصير الثورة هو الانتصار ومصير بشار الرحيل، ومن الطبيعي أن يؤمّن الدروز لأنفسهم موقعاً في مرحلة ما بعد بشار وذلك بالتواصل الطبيعي بينهم وبين جيرانهم وأبناء وطنهم.

إسرائيل كعادتها دخلت على خطّ الأزمة التي يواجهها دروز سوريا، وقد عبّر الرئيس الإسرائيلي ريئوفين ريفلين عن “قلقه”، للولايات المتحدة، على مصير دروز سوريا. إذ في لقاء جمعه برئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة الجنرال مارتن ديمبسي في القدس، صرح الرئيس الإسرائيلي بأن “ما يجري في الوقت الحالي ترهيب وتهديد لوجود نصف مليون درزي في جبل الدروز القريب جداً من الحدود الإسرائيلية”. ويذكر أن عدداً من دروز إسرائيل وجّهوا الدعوة للمساعدة بالنيابة عن أبناء طائفتهم في سوريا في الداخل والخارج.

وفي بعض تفاصيل اللقاء الذي جمع الرئيس الإسرائيلي بالجنرال مارتن ديمبسي، قال مسؤول أميركي إن تسليح الدروز لم يطرح في مباحثات ديمبسي في إسرائيل على الرغم من أن الموضوع السوري كان في أول نقاط أجندة المباحثات. وأضاف المسؤول بأن الدروز أنفسهم هم من طلبوا من الجميع تسليحهم، مشيرا إلى أن دروز إسرائيل أثاروا الأمر مع إسرائيل والولايات المتحدة والأردن والكثير من الدول، حسب تصريحاته.

جنبلاط، يخشى كثيراً من التدخل الإسرائيلي في هذه القضية لتخوّفه من المشروع الإسرائيلي الدائم الرامي لإقامة دولة درزية مستقلة تمتد من السويداء إلى القنيطرة وجبل الشيخ والجولان في سوريا، مروراً بحاصبيا وراشيا وصولاً إلى جبل لبنان الجنوبي، وامتداداً إلى الجليل الشمالي في فلسطين المحلتة، وهو لذلك دعا الدروز في جنوب سوريا إلى التحالف مع التجمعات السكانية الأخرى من أجل حماية أنفسهم، وغرّد على حسابه الشخصي في موقع “تويتر” قائلا: “إلى أهل جبل العرب أقول، وحدها المصالحة مع أهل حوران وعقد الراية تحميكم من الأخطار. المصالحة مع أهل درعا والجوار هي الحماية والضمانة”.

(وكالات)

 

 

السويداء: معركة مطار الثعلة مستمرة..والدروز يطاردون رئيس الأمن العسكري

تشنّ فصائل الجبهة الجنوبية التابعة للجيش السوري الحر، بقيادة “جيش اليرموك”، هجوماً عنيفاً، لليوم الثاني، على مطار الثعلة العسكري بريف السويداء الغربي، انطلاقاً من ريف درعا. وأعلنت المعارضة أنها اقتحمت المطار، في إطار معركة “سحق الطغاة”، وأن اشتباكات تجري بداخله. وتحركت أرتال وتعزيزات عسكرية للمعارضة إلى محيط المطار وقصفته براجمات الصواريخ بغرض إبعاد خط الجبهة عن بلدات ريف درعا الشرقية.

وكانت فصائل المعارضة قد سيطرت الأربعاء على بلدة سكاكا وأطراف بلدة الدارة بريف السويداء، والتي شهدت موجة نزوح كبيرة. وتأتي هذه المعارك بعد سيطرة المعارضة على اللواء 52 وبلدة رخم وبلدة المليحة الغربية، بريف درعا الشرقي. وأسقطت المعارضة، الخميس، طائرتين حربيتين لقوات النظام، قرب كتيبة الرادار بين بلدتي ناحتة وبصرى الحرير بريف درعا الشرقي.

وبالتزامن مع معركة المطار، سقطت حوالى 9 قذائف هاون على مدينة السويداء التي تبعد مسافة 20 كيلومتراً عن مطار الثعلة العسكري. وعُرف أن مصدر القذائف من منطقة حُرش الزيتون، على أطراف المدينة، والذي تقطنه عشائر بدوية. وسرت أنباء عن اعتقال القوى الأمنية والمليشيات الموالية للنظام، لأربعة من البدو مطلقي القذائف، من دون أن يتوقف سقوطها. واستهدفت القذائف أحياء الدبيسي وقنوات وساحة النجمة، وتسببت في مقتل شخص، وإصابة عدد من المدنيين بجروح. وقامت مليشيا الحزب “السوري القومي الاجتماعي” ومليشيا “حماة الديار” بمحاصرة منطقة المقوس، التي يعتقد بأن القذائف تخرج منها، وسط تشكيك المعارضة الدرزية التي اتهمت القوى الأمنية، وبخاصة جهاز الأمن العسكري برئاسة وفيق ناصر، بالوقوف خلف عمليات قصف المدينة بالقذائف، من خلال عشائر بدوية يمولها الجهاز.

واستغربت المعارضة، أماكن سقوط القذائف، وتزامنها مع الهجوم على مطار الثعلة، وسط دعوات بمكبرات الصوت، تدعو شباب المدينة المتخلفين عن الخدمة العسكرية للالتحاق بمعسكر لقوات النظام في منطقة سد العيّن.

وكان الناطق الرسمي باسم “الجبهة الجنوبية” الرائد عصام الريس، قد قال لهيئة الإذاعة البريطانية “BBC” إنه “لم يحدث سابقاً أن تعرضت أية قرية من قرى أهلنا الدروز لقصف من قبل الجيش السوري الحر، بل النظام هو من سحب جيشه من قرى شرق السويداء ويسمح لداعش باستلام تلك القرى و الاستقرار فيها. الجبهة الجنوبية هي من تقف بوجه داعش، وقتلى داعش على يد فصائل الجبهة الجنوبية”. وأضاف “من يحمي شرق السويداء هو الجيش الحر ولا يوجد أية نوايا لدخول السويداء أو المناطق الأمنة من قبل الجبهة الجنوبية”. الريس أكد أن “الهجوم على مطار أو ثكنة عسكرية فيها مجرمين يلقون البراميل على المدنيين هو عمل وأمر مشروع. العمل بالنهاية هو باتجاه دمشق ولكن لن نسمح ببقاء مطار موجود للنظام تخرج منه طائرات لكي تأمن غطاء جوياً لقوات النظام، أو تلقي براميل على المدنيين”.

من جهة ثانية، دعا قائد “جيش اليرموك” بشار الزعبي، أبناء السويداء إلى التيقظ للمخطط الإيراني في المنطقة الذي ينفذه النظام السوري، بعد أن أدخل النظام مجموعات من مقاتلي داعش إلى السويداء، بهدف تحويلها إلى “كوباني” أخرى. وقال الزعبي في مقابلة مع جريدة “الأنباء” اللبنانية، إن “معركة مطار الثعلة الذي يقع في منطقة السويداء هي عملية محض عسكرية ولا تؤثر على علاقة جيش اليرموك بأبناء السويداء، لا بل أعرب عن إطمئنانه لحسن سير الأمور على هذه الجبهة، وكشف عن تواطؤ وإتفاق بين مقاتلي جيش اليرموك وأبناء بلدة الثعلة الذي يتعاونون معه ضد مقاتلي النظام الهاربين إلى المطار، فأهالي السويداء وأبناء الثعلة يطمئنون إلى مقاتلي جيش اليرموك”.

ولم يخف الزعبي قلقه من محاولة النظام إستخدام الشبيحة ومليشيا اللجان الشعبية للايقاع بين أهالي السويداء ومقاتلي “جيش اليرموك” وأبناء القرى المجاورة، متمنياً على أهالي السويداء التنبه إلى مخاطر أن يخدعهم بعض الشبيحة بجر مقاتلين مدنيين بين مقاتلي النظام حيث قد تأخذ حينها الأمور منحى أخر.

وفي تطور بارز، أصدر تشكيل “مشايخ الكرامة” المسلح، الذي يقوده الشيخ وحيد البلعوس، بياناً أعلن فيه أن رئيس فرع الأمن العسكري في محافظة السويداء العميد وفيق ناصر اصبح مطلوباً. وطالب البيان أهالي السويداء بـ”الاستنفار و الجهوزية الكاملة من أجل التصدي لكل طارئ، ومراقبة كافة مداخل و مخارج و طرقات المحافظة و الاعتقال مدنياً لرئيس فرع الأمن العسكري في السويداء المدعو وفيق ناصر، ومحاسبته على مخططات الفتنة التي كان ومازال يقوم بها ويعمل على تأجيجها” في اتهام مباشر للعميد ناصر بالوقوف وراء قذائف الهاون التي سقطت الخميس.

في المقابل، أصدرت “الجبهة الجنوبية” بياناً موجهاً إلى دروز السويداء، الخميس، جاء فيه: “إلى أهلنا بني معروف في جبل العرب وفي سائر المناطق السورية، إن القيادة المشتركة للجبهة الجنوبية للجيش السوري الحر تدين بشدة محاولات النظام الآثمة لزرع الفتنة بين أطياف المجتمع السوري، وخصوصاً بين محافظتي درعا والسويداء الجارتين بهدف إشعال فتيل التوتر الطائفي؛ خصوصاً بعد الهزائم التي يتعرض لها النظام مؤخراً على جبهات الجنوب السوري”. وأدانت الجبهة عمليات قصف المناطق المدنية، وقصف مدينة السويداء بقذائف الهاون الذي حدث الخميس، واعتبرته “جزءاً من لعبة النظام لتخويف أبناء السويداء ولعزلهم عن محيطهم الحيوي في الجنوب السوري”. الجبهة أكدت أن “أبناء السويداء هم أخوتنا وأهلنا، وأننا لم ولن نقاتلهم، وأننا سنكون معهم يداً بيد بمواجهة جميع المخاطر التي تهدد محافظة السويداء في حال طلبوا منا ذلك”. وعرضت الجبهة على أهالي السويداء، المساعدة لمواجهة خطر تنظيم “الدولة الإسلامية” قائلة: “تمد (الجبهة) يدها للأهل والأخوة في محافظة السويداء وفي جميع المناطق السورية من أجل مواجهة خطر داعش”.

وكان “مشايخ الكرامة” بقيادة الشيخ وحيد البلعوس، قد أوقفوا مساء الأربعاء، قافلة أسلحة وصواريخ في بلدة المزرعة كانت تتوجه إلى دمشق. ويقوم النظام بترحيل هذه الأسلحة إلى مطار بلي العسكري الواقع بين محافظتي السويداء وريف دمشق، وهي سياسة بات يتبعها لإفراغ محافظة السويداء من السلاح الثقيل. وتأتي هذه العملية بعد أيام على خطوة مماثلة قام بها “مشايخ الكرامة”، ومنعوا فيها إخراج رتل من الدبابات من المحافظة. وبثّت صفحات المعارضة في السويداء، في مواقع التواصل الاجتماعي، مقاطع مصورة، للحظة اعتراض القوافل وتأمينها في كتيبة قريبة تحت إشراف المشايخ، على وقع هتافات مناهضة للنظام: “سوريا لينا وما هي لبيت الأسد”.

المدن

 

 

جنبلاط يطوق حادثة إدلب:ممنوع إستثمارها من قبل النظام!

تتوالى الهزائم التي يمنى بها النظام السوري على كامل المساحة السورية، بعد هزائم الشمال، بدأت هزائم الجنوب بالتوالي. لا يحتاج أحد إلى كثير عناء لاكتشاف حرج النظام، ويقود الحرج في ظروف كهذه إلى الإستثمار في أي شقاق لصرف النظر عن الخسائر، وإن عبر زرع الشقاق بين مختلف المكونات، وعليه فإن النظام يحاول جاهداً استثمار ما جرى في إدلب من اشتباك بين عناصر من جبهة “النصرة” وعدد من أهالي قرية قلب لوزة في جبل السماق لتوظيفه في معركة الجنوب السوري.

بعيد الاشتباك الذي حصل في القرية على خلفية دخول عناصر الجبهة إلى منزل أحد الشبان الدروز المنتمي إلى الجيش السوري، جهدت الماكينات الإعلامية التابعة للنظام في سوريا ولبنان، إلى الحديث عن حالات ذبح وإعدامات واغتصاب، في محاولة لتأجيج المشاعر المذهبية واستنفار الدروز في كل سوريا للقتال إلى جانب النظام، وهنا تؤكد مصادر “المدن” أن أياً من هذه الأخبار لم يكن صحيحاً، إلّا أن حجم الضخ الإعلامي كان الهدف منه الإستثمار في مكان آخر.

وتفيد مصادر “المدن” أن الإشكال حصل، بعد دفاع أقرباء الشاب الدرزي عن منزلهم حيث قتل أحد عناصر النصرة داخل المنزل ما أدى إلى حصول إشتباك خلّف ما خلّف من الضحايا، وسرعان ما تدخّل عدد من الكتائب السورية المعارضة هناك لرأب الصدع، وتؤكد مصادر “المدن” أن قوة من أحرار الشام، وفيلق الشام، دخلتا إلى القرية لحلّ الموضوع ومكافحة أية تداعيات له، خصوصاً أن أمير النصرة الذي قام بالإعتداء على حرمة البيوت هناك هو من التابعية التونسية، وقد أصدرت النصرة قراراً بسحب فصيله من المنطقة ككل، كما أحالته إلى التحقيق والمحاكمة، لكن المصادر لم تؤكد إن تم إلقاء القبض عليه أم تمكّن من الهرب.

في لبنان كان النائب وليد جنبلاط يتابع عن كثب ما جرى بكامل تفاصيله. أجرى سلسلة إتصالات بمختلف الأفرقاء في المعارضة السورية من أجل التأكيد على هوية الدروز العربية، ومن أجل الحفاظ على حسن الجيرة، ومكافحة أي ظواهر قد يستثمرها النظام الذي يحاول اللعب على أوتارها منذ أربع سنوات، ولا يتوانى جنبلاط عن التأكيد على أن سياسة النظام التحريضية هي التي أوصلت إلى هذه الأحوال، ومن هنا يشدد جنبلاط على ما يتخطى هذه الحادثة، وهو أهمية المصالحة بين أبناء درعا والسويداء، وذلك لعلمه بأن النظام السوري يريد إستثمار حادثة ادلب لزرع الشقاق بين أهل درعا والسويداء، لذلك يستمرّ جنبلاط بالإتصالات من أجل قطع الطريق على أي محاولة من هذا النوع، والتي تتأكد من خلال الكلام الذي خرج به رئيس حزب التوحيد العربي وئام وهاب الذي دعا إلى التسلح وتشكيل جيش لقتال النصرة والمتعاطفين معها.

هذا الكلام تعتبره مصادر “المدن” إحدى “محاولات النظام السوري لاستدراج الدروز إلى القتال في صفوفه ضد إخوتهم في درعا، لا سيما بعد الخسائر التي يمنى بها النظام هناك”، وتقول المصادر إن “الهدف من الدعوات إلى تسليح أبناء السويداء يصب بهدف إشعال الحرب بين الجيران، وبذلك يدخل الدروز في حرب عن النظام بمواجهة المعارضة دفاعاً عن النظام”، خصوصاً أن لا وجود حتى لـ”النصرة” في درعا.

وفي مواجهة ذلك، فإن المجلس المذهبي الدرزي في لبنان، سيعقد إجتماعاً طارئاً غداً للبحث في كل ما جرى، وللتأكيد على أن الدروز جزء لا يتجزأ من النسيج السوري، ومكون أساسي من مكوناته، مع رفض إقحام الدروز في أي إشكال مع أبناء الشعب السوري.

وتشير مصادر “المدن” إلى أن جنبلاط بصدد إيفاد الوزير وائل أبو فاعور إلى تركيا خلال الأيام المقبلة من أجل الإجتماع مع ممثلين عن الدولة التركية، وعدد من الفصائل المعارضة الفاعلة على الأرض بالإضافة إلى الإئتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، من أجل معالجة أي تداعيات أو ذيول لحادثة ادلب، ومن أجل حماية الدروز في مناطقهم لقطع الطريق على أي محاولات اصطياد بالماء العكر.

المدن

 

 

 

 

 

«جبهة النصرة» وحادثة القرية الدرزية في إدلب

رأي القدس

قتل عشرون مواطنا (وفي رواية أخرى ثلاثة وعشرون) من طائفة الموحدين (الدروز) السوريين في قرية قلب لوزة بمحافظة إدلب بعد خلاف مع عناصر من «جبهة النصرة» الذين قتل ثلاثة منهم. الحدث كما رُوي من عدة مصادر جرى بعد محاولة قيادي تونسي في الجبهة مصادرة منزل في القرية بحجة أن صاحبه موال للنظام ورفض أقرباء أصحاب المنزل ذلك.

الحدث جرى في وقت حرج للغاية بعد أن قامت المعارضة السورية خلال الأيام السابقة بالاستيلاء على موقع كبير للنظام (اللواء 52) متاخم لمحافظة السويداء التي تحتضن الثقل الأساسي للدروز في سوريا، وتبع ذلك الاستيلاء على مطار الثعلة العسكري، وهو مطار يقع ضمن أراضي قرية درزية، ما أثار تساؤلات حول وجهة حركة قوات المعارضة السورية المقبلة، لأن توجههم باتجاه السويداء وبلداتها وقراها سيضع أهل هذه المحافظة المعتدّين باستقلاليتهم، أمام خيارات صعبة.

جرى الحدث بعد فترة قصيرة من لقاء تلفزيوني مع زعيم «جبهة النصرة» أبو محمد الجولاني تحدث فيه عن عودة العلويين إلى الإسلام، كما توازى مع تهديدات خلقتها فصائل محسوبة على تنظيم «الدولة الإسلامية» حاليا لقرى الدروز.

يتمتع الموحدون الدروز في سوريا بوضعية اجتماعية وسياسية ودينية خاصة فهم يشكلون ما يقارب ثلاثة بالمئة فقط من عدد السكّان، وتتوزّع أجزاء من الطائفة في لبنان وفلسطين والأردن، وقد عانوا مثل غيرهم من مواطني سوريا من بطش المركب العسكري الأمني لحزب البعث، ويمكن اعتبار اغتيال اللواء سليم حاطوم إثر عودته من الأردن بعد حرب 1967 نقطة علاّم تاريخية لأنها كشفت مسار خطّ تهشيم الوزن النوعي للدروز في المؤسسة العسكرية السورية، مروراً باضطهادهم سياسياً والتلاعب على خلافاتهم العشائرية والعائلية وصولاً إلى إفقارهم المتقصد وتهميشهم وهو ما أدى إلى هجرة عشرات الآلاف منهم إلى خارج سوريا.

بسبب قلتهم العددية، وتوقياً من انتقام لا يستطيعون تحمّل كلفته الباهظة، ترك الدروز السوريون، بينهم وبين الأسد ونظامه مسافة كافية، فأبقوا على مؤسسات الدولة ورموزها، ولكنهم حافظوا على كينونتهم محاذرين الانخراط في المجزرة الكبرى الجارية رغم تهديدات النظام المستمرة لهم، كما أنهم لم يعادوا المعارضة السورية، فاستضافوا أكثر من 150 ألفا من نازحي درعا وبقية المناطق السورية، وامتنع الآلاف من شبابهم عن الخدمة العسكرية في الجيش النظامي.

أطلق حادث القرية الإدلبية سباق استثمار لأبعاده بين النظام السوري الذي يطرح نفسه للعالم كمدافع عن الأقليات، وبين إسرائيل التي أعرب رئيسها ريئوفين ريفلين للولايات المتحدة عن «قلقه بشأن مصير الأقلية الدرزية» قائلا إنهم «مهددون من قبل متشددين إسلاميين»، وتلاه وزير الأمن نفتالي بينيت مخاطباً «المجتمع الدولي» بالقول: «قفوا معنا واعترفوا بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان الآن»، وهي مرتفعات سكانها من الدروز السوريين.

وما لبث بعض اللاعبين الصغار أن بادروا في تأجيج الموقف مثل السياسي الدرزي اللبناني وئام وهاب الذي كان أحد متعهدي توريط الدروز السوريين في التسلح للمشاركة في حرب النظام السوري، بينما نبّه الزعيم اللبناني وليد جنبلاط إلى حملة التحريض المنظمة ودورها في إذكاء الفتنة.

لقد أرسلت «النصرة» رسائل سياسية عديدة سابقة للعالم تؤشر فيها إلى ابتدارها طريقا يميّزها عن تاريخ تنظيمها الأم «القاعدة»، فرفعت علم الثورة السورية في الجولان، وعبّرت عن قدرة على تفهم أولويات سياسية أساسية فتحالفت مع منظمات إسلامية أخرى (مقارنة بتنظيم «الدولة الإسلامية» الذي يقضي على أي طرف لا يبايعه أو يواليه تماماً)، لكن ما فعلته في القرية الدرزية، وإبقاءها على بيعتها لتنظيم إرهابي «القاعدة»، يجعلانها خارج الشرعيّة الدولية والإنسانية.

تتحمّل «جبهة النصرة» وزر هذه الجريمة ومفاعيلها السياسية التي فتحت المجال واسعا للاستثمار السياسي والإعلامي لكل من إسرائيل والنظام السوري (وأتباعه اللبنانيين) للتشهير بنضال الشعب السوري ضد نظامه المستبد، وحسابها سيكون مع هذا الشعب.

القدس العربي

 

 

 

 

جريمة “قلب لوزة” خدمة مجانية للنظام السوري/ عبسي سميسم

لم يكد يمضي أسبوعان على تصريحات زعيم “جبهة النصرة” أبو محمد الجولاني على قناة “الجزيرة” الفضائية حول القرى الدرزية في ريف إدلب، وتأكيده “أن هناك قرى درزية في المناطق المحررة لم تتعرض لأذى، وهم محلّ دعوتنا”، حتى قام عناصر من الجبهة بقيادة المهاجر أبو عبد الرحمن التونسي عصر الخميس الماضي، بارتكاب مجزرة بحق أهالي بلدة “قلب لوزة” (إحدى القرى الدرزية)، راح ضحيتها 24 قتيلاً من أهالي البلدة، من دون صدور أي بيان عن الجبهة، والاكتفاء بروايات عن عناصرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي تباينت بين من نفى الجريمة، ومن ربطها بروايات تشبه إلى حد كبير الحجج التي يروّجها النظام السوري عقب كل جريمة يرتكبها. وكان الجولاني قد اشترط على المواطنين السوريين من المكونات الدينية غير السنية، ما سماه “العودة إلى الإسلام” وعدم القتال مع القوات النظامية في مقابل عدم التعرض لهم.

ضغط على الأهالي؟

وأوضح شاهد عيان طلب عدم الكشف عن اسمه، أن عناصر مجموعة أبو عبد الرحمن التونسي، والملقب “سفينة”، من جبهة “النصرة” (من الأجانب أو “المهاجرين” المعروفين بتجاوزاتهم العديدة) دخلوا إلى قرية “قلب لوزة” الواقعة قرب بلدة حارم القريبة من الحدود السورية التركية في ريف إدلب الشمالي، محاولين الاستيلاء على منزل لعائلة الشبلي يخدم ابنهم في صفوف قوات النظام السوري، ليقوم إخوة الشاب بالاعتراض على عمل المسلحين التابعين لـ “النصرة”، ما أدى إلى مشادة بين الطرفين، قام على أثرها أحد عناصر النصرة بإطلاق النار على احد أخوة الشاب صاحب المنزل، ومن ثم على أخيه، ليبدأ أهالي القرية بالتجمع والصراخ على عناصر “النصرة” الذين قاموا بإطلاق النار على الأهالي المتجمعين فقتلوا أربعة آخرين منهم، ليبدأ الأهالي المتجمهرون بمهاجمة عناصر “النصرة” بالحجارة، قبل أن يقوم عناصر “النصرة” بإطلاق النار عليهم، ليتسبب ذلك بمقتل ثمانية عشر آخرين من أهالي القرية، بينهم عدد من الرجال المسنين وطفلان. وأشار الشاهد إلى أن المجزرة التي ارتكبتها “النصرة” تسبّبت بحالة رعب عند سكان المنطقة المعروفة باسم جبل الدروز، وهي عبارة عن مجموعة قرى متجاورة في المنطقة الواقعة بين بلدات كفرتخاريم وحارم وارمناز في ريف إدلب يسكنها الموحّدون الدروز، من بينها قرية “قلب لوزة” التي حصلت فيها المجزرة.

واقتصر تعليق “النصرة” على الحادثة من خلال روايات لعناصرها على موقع “فيسبوك”، والتي تقول إحداها، إن ما حدث كان نتيجة رفض أحد الأقارب تسليم بيت قريبه “الشبيح” لـ “النصرة”، وقد قام أحد عناصر الجبهة بترك سلاحه خارجاً والدخول إلى البيت لمحاولة إقناعه بتسليم البيت، لكن أحد الأهالي قام بالتقاط السلاح وإطلاق النار على العنصر، مما أدى لوفاته، وأشعل الاشتباكات بين المدنيين وعناصر من “النصرة”.

وقال أحد أبناء المنطقة ويُدعى أبو خالد لـ “العربي الجديد”، إن “تعليق النصرة عن المجزرة التي ارتكبتها بحق المدنيين يشبه ادعاءات النظام بعد كل جريمة يرتكبها، لكن الحقيقة أن النصرة تحاول جاهدة، منذ مدة طويلة، الضغط على أهالي القرى الدرزية في الجبل لإجبارهم على الرحيل من المنطقة وتفريغ قراهم وبيوتهم، مع أن النصرة تحتمي بالمدنيين في هذه القرى خوفاً من ضربات طيران التحالف”. ولفت إلى أن “للجبهة مقراً دائماً في قرية قلب لوزة، وقد سبق وأجبرت الناس هناك على إزالة أماكنهم الدينية، كما أجبرت النساء على ارتداء الحجاب والخمار. ومنذ فترة قريبة أصرت النصرة على سحب أطفال هذه القرى لتعليمهم في المدارس الشرعية. كل هذا ولّد الكثير من الاستياء والاحتقان اللذين انفجرا البارحة”.

ردود قاصرة

وجاءت حادثة الاعتداء على “قلب لوزة”، لتُقدّم خدمة كبيرة للنظام، الذي بدأ يتاجر بالحادثة ليصوّر نفسه كحامٍ للأقليات، ويُقدّم الحادثة على أنها حرب إبادة ضد الأقلية الدرزية، خصوصاً أنها جاءت متزامنة مع انتصارات المعارضة السورية في الجبهة الجنوبية، والتي كان آخرها سيطرة المعارضة على مطار الثعلة العسكري وقبله على اللواء 52 في درعا الذي يُعدّ ثاني أكبر لواء مدرعات لدى جيش النظام. ويبدو أن وجود عناصر أجانب في صفوف “النصرة”، سيُعقّد من محاولة الجبهة تصوير نفسها كفصيل معارض يسعى لإسقاط النظام، كما تشير المجزرة التي وقعت أمس الأول إلى أن عناصر “النصرة” لا يزالون منقسمين بين مهاجرين قريبين في تطرفهم من تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش)، وبين عناصر سورية أقل تطرفاً، وهو مؤشر على صراع خفي بين هذين الجناحين.

واقتصر رد فعل الفصائل المتواجدة في المنطقة والمتحالفة مع “النصرة”، وعلى رأسها حركة “أحرار الشام”، على التوسّط لدى الجبهة من أجل فك الحصار عن القرية، واستبدال العناصر التي ارتكبت المجزرة بعناصر من أبناء المنطقة، وتأمين العائلات التي نزحت من القرية، من دون أن تتخذ أي موقف من الجبهة أو تصدر بياناً يدين الحادثة، ما يرجح أن تبقى المواقف من مثل هذه الحوادث مرتبطة بمدى قوة الفصيل على الأرض، وقدرته على فرض ما يريد من دون إدانة أو ردع من أحد؛ وذلك حفاظاً على العلاقات الودية بين الفصائل.

حتى الائتلاف الوطني المعارض لم يتخطَ موقفه من المجزرة مواقف الفصائل، إذ اقتصر على تأكيد التمسّك بوحدة الشعب السوري وسلامة كامل أطيافه على كل المساحة السورية، وذلك من خلال بيان عبّر عن استنكار الائتلاف “بكافة المعاني لأي شكل من أشكال الاقتتال الداخلي الذي يوظف ويستثمر من قبل قوى عديدة، ويحقق أهدافاً ومآرب لا تخدم إلا مصالح النظام الطائفي والمتربصين بالثورة السورية والمجتمع السوري، وتعمل على تضليل الرأي العام ببث أخبار مغلوطة حول الأحداث، كما حصل في الحادث المؤسف يوم أمس، إذ خرج البعض يتحدث زوراً عن حصول إعدامات وحالات اغتصاب”.

العربي الجديد

 

 

 

 

التدخل في سوريا/ غي بخور

«علينا ان نعد قوانا ليوم الأمر، سواء في جبهة لبنان ام في الجبهة الشرقية»، قال هذا الاسبوع قائد المنطقة الشمالية أفيف كوخافي، وحسن أن هكذا فكر. فالجيش الإسرائيلي ملزم بان يتدرب استعدادا لامكانية أن تهاجم المنظمات السنية ـ تنظيم الدولة وامثاله ـ حدودنا من المنطقة السائبة التي كانت تسمى ذات يوم سوريا. فمن واجب الجيش الإسرائيلي أن يستعد لكل سيناريو، ولكن بالتأكيد الا يحفز الهجوم علينا.

تتعاظم في الآونة الاخيرة الحملة الإعلامية ـ السياسية التي تطالب إسرائيل في أن تخرج لصالح نحو 700 الف درزي يعيشون في جنوب سوريا ـ على مسافة غير بعيدة من الحدود الاردنية. مثل هذا التدخل، اذا ما تم، ليس اعدادا ليوم الامر، حين يهاجمنا العدو، بل تحفيزا للعدو لمهاجمتنا ـ وعليه فمحظور حظرا خطيرا أن يتم. لم يكن الدروز في سوريا يرتبطون بنا أبدا، بل العكس ـ كانوا من العواميد الفقرية في نظام الشر بقيادة بشار الاسد، وهم اليوم حلفاء حزب الله. سمير قنطار، سيء السمعة، ارسله مؤخرا نصرالله لتنظيمه تحت رعاية التنظيم الشيعي. فهل يعقل أن توفر إسرائيل بالذات السلاح او ان تتدخل في صالح حلفاء حزب الله؟ وفي نفس الوقت نجعل أنفسنا، وعن حق، اعداء السنة في سوريا على مدى الاجيال.

حملة مشابهة تمت فور حرب الأيام الستة، عندما تجمعت مجموعة ضغط مؤيدة للدروز حول رئيس بلدية حيفا، آبا حوشي، مع غيورا زيد ودروز إسرائيليين، وضغطت على وزير الدفاع موشيه دايان لاعادة دروز هضبة الجولان ممن فروا إلى سوريا. وبالفعل، سمح لهم العودة إلى قراهم. غير أن دروز الجولان كانت زعامتهم، ولا تزال، معادية لدولة إسرائيل التي انقذتهم.

في سوريا ـ العراق ـ لبنان اليوم طوائف كاملة تباد وغيرها ستباد، وعليه فانها ستتمسك بكل شيء، إلى أن يهجروها وينتقلوا إلى التحالف الوفير التالي ـ كل ذلك فقط من أجل البقاء. وعليه، فالغبي وحده يدخل إلى مثل هذه المعركة الخيانية. درسنا سبق أن تلقيناه، في لبنان، بإسرائيل يتمسكون فقط اذا لم يكن هناك أي خيار آخر، ولكنهم يهجرونها فورا ما أن تظهر امكانية جديدة، ونحن نبقى لنلعق جراحنا.

لقد رأى مناحيم بيغن في مسيحيي لبنان أقلية تذبح، ولهذا فقد بدأ يساعدهم ـ بداية بتزويدهم سرا بالسلاح وحتى غزونا الكامل وذلك ايضا من أجل طرد المخربين الفلسطينيين. وقد انتهى هذا بجيل ضائع مع 18 سنة حرب، والف جندي قتيل من الجيش الإسرائيلي. وكل هذا، من اجل ماذا؟ من اجل المسيحيين الذين سرعان ما خانونا، وانتقلوا إلى حليفهم التالي؟ درسنا تعلمناه ـ هذا هو المستنقع الطائفي للعالم العربي، ونحن بصراحة لسنا جزءا منه، ولن نكون ايضا.

في شمال سوريا سقطت مؤخرا عدة قرى درزية في يد تنظيم الدولة، وسارع السكان فأسلموا وهكذا انقذوا أنفسهم. هذه حسابات شرقي أوسطية داخلية ستستنفد نفسها ايضا داخليا، والا فإننا سنجد أنفسنا في اوضاع صبرا وشاتيلا ـ حين يصفي العرب العرب، ولكن إسرائيل هي التي تتهم في العالم. إذا تدخلت إسرائيل، فان اضواء عالمية كبرى ستوجه الينا على الفور، وليس في صالحنا، واعمال الذبح السورية ستعلق بنا على الفور.

سوريا أكبر عشر مرات من لبنان، وخطرها اكبر بكثير. واجب علينا أن نحمي الذخر الاغلى لنا حتى اليوم في مواجهة الانهيار الاقليمي: عدم تدخلنا. نحن لسنا سُنة ولا شيعة، وعليه فاننا معفيون مسبقا من هذه الحرب العالمية. عدم تدخلنا وردعنا سيبقيان يحافظان علينا، في هذا الواقع التعيس. يوم الامر؟ فقط عندما تكون حدودنا مهددة، لا قل ولا اكثر.

يديعوت 11/6/2015

القدس العربي

 

 

 

 

السويداء تُحصّن حدودها لأيام صعبة/ دمشق ــ ريان محمد

على بعد نحو 100 كيلومتر، جنوب دمشق، يقع المعقل الأكبر لطائفة الدروز في محافظة السويداء، التي سماها الرئيس المصري، جمال عبد الناصر، منتصف القرن الماضي بـ”جبل العرب”. يستشعر سكان المحافظة مخاطر الفصائل المتشددة، وعلى رأسها تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش)، مع ازدياد أعداد مقاتليه على طول الحدود الشرقية للمحافظة المحاذية للبادية السورية، الممتدة إلى معاقله في الشمال السوري.

وعدا عن “داعش”، فإن سكان المحافظة غير مطمئنين لوجود “جبهة النصرة” وبعض الفصائل المتشددة على حدود السويداء الغربية مع محافظة درعا، كما فقدوا الثقة في قدرة النظام على الدفاع عن منطقتهم، في ظلّ ما يتعرّضون له من ابتزاز من عناصره والمليشيات الموالية له.

وفي ظلّ مستقبل مجهولٍ ينتظر السويداء، يقول الناشط المدني أبو معروف، لـ”العربي الجديد”، إن “الناس هنا يعلمون أن أياماً عصيبة تنتظرهم في المستقبل، جراء المواجهات التي تحدث بين فترة وأخرى في محيط المحافظة، ما يدفعهم في اتجاه خيار الدفاع عن الذات”.

” ويُشير أبو معروف إلى سوابق لأهل السويداء مع النظام في مسألة “الثقة”، شارحاً “لدينا تجارب سيئة مع القوات النظامية في العديد من القرى، منها داما وبكا والحقف، حيث تُرك الأهالي يواجهون الخطر المحدق بهم وحيدين”.

وأضاف “وما زاد قناعة الأهالي بأنهم متروكون لمصيرهم، ما نقل عن لقاء مشايخ عقل الطائفة بالرئيس السوري، بشار الأسد، الشهر الماضي، الذي وُصف بالمتوتر. تنصّل الأسد من مواجهة عناصر داعش، المتمركزين بأعداد كبيرة شرق المحافظة، مطالباً بتسليم أكثر من 16 ألف شاب متخلف وفار من الخدمة العسكرية الإلزامية”.

ولفت إلى أن “مشايخ عقل الطائفة رفضوا هذه المقايضة، داعين إلى اعتماد الدفاع الذاتي عن المحافظة، وعُقد اجتماع أخير بين المشايخ وعدد من كبار ضباط السويداء المتعاقدين، والمشهود لهم بالنزاهة والكفاءة، أمثال العميد المتقاعد، نايف العاقل، واللواء الطيار، مجيد الزغبي، وهم من أبطال حرب أكتوبر/تشرين 1973 ضد العدو الإسرائيلي”.

من جهته، أكد ناصر، وهو موظف في القطاع العام، في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، أنه “لا نخاف الدواعش حاملي البنادق، إنما نخاف الدواعش الذين بيننا، الذين قد يبيعوننا”. وتحدث عن “تخلي القوات النظامية عن مسلحي المحافظة في مواجهات عدة خاضوها على أطراف المحافظة، وكذلك في جبل الشيخ، الذي يتربع على السفوح الملاصقة للحدود السورية اللبنانية من الشمال، ومع الجولان المحتل من الجنوب، إضافة إلى تخلّي النظام عن حماية قرى الموحدين في إدلب”.

بدوره، قال ناشط حقوقي في محافظة السويداء، رفض الكشف عن اسمه، لـ”العربي الجديد”، “في السويداء هناك صراع بين ثلاثة سيناريوهات للمرحلة المقبلة. السيناريو الأول يحثّ على إبقاء التحالف مع النظام السوري على أساس المحافظة على مؤسسات الدولة المرتبطة بالعاصمة دمشق، على أن تقوم القوات النظامية بصدّ الفصائل المتشددة على أطراف المحافظة، بالاضافة إلى تأمين مستلزمات المعيشة اليومية، لكن التجارب الماضية أظهرت أن النظام غير مؤهل لهذه المهمة”.

ويتابع “ينصّ السيناريو الثاني على التحالف مع الفصائل المسلحة المعارضة في الجنوب، خصوصاً في درعا، والعمل على الاعتماد على الإمكانات الذاتية للدفاع عن المحافظة. ولهذا السيناريو مخاوف مشروعة، على رأسها مدى إمكانية إنشاء مثل هذا الحلف، خصوصاً أن الفصائل المسلحة في درعا لم تستطع، حتى اليوم، أن تقدم نفسها ككيان عسكري صلب، بفعل تجدّد الاقتتال الداخلي فيما بينهم، وعدم قدرتهم على ضبط الفصائل المتقاتلة، وعدم قدرة غرفة عمليات الأردن (الموك) على ذلك أيضاً”.

ويشير إلى أن “السيناريو الثالث، وهو الأخطر، فهو قيام بعض الشخصيات الدرزية المتواجدة في الخارج بتسويق فكرة بأن السويداء منطقة محمية من قوى إقليمية ودولية، عبر الحديث عن استعداد الموحدين الدروز الموجدين في دول الجوار من الأردن إلى لبنان، بمن فيهم الموجدون في فلسطين المحتلة من العدو الإسرائيلي، وفيهم جزء كبير ممن يخدم في الجيش الإسرائيلي وعلى أعلى المستويات، استعدادهم للتدخل لحماية إخوانهم في سورية. وهذا ما قد تستغله إسرائيل للتدخل في سورية عبر أبناء الطائفة لديها”.

ويوضح أن “نجاح أي سيناريو يعتمد على سرعة تبنّي أهالي السويداء له، مع بدء الحديث في العلن عن ضرورة تجهيز المحافظة لمواجهة الأخطار التي تهددها، في ظلّ تزايد الطلب على السلاح من الأهالي”. مع العلم أن أنباءً تواردت عن إفراغ المتحف الوطني من نفائسه، وعن سحب القطع الأجنبية من المصارف العامة، وعن إفراغ صوامع الحبوب، فضلاً عن سحب كمية كبيرة من السلاح الثقيل، ما يُشير إلى دقة المرحلة المقبلة في السويداء.

العربي الجديد

 

 

 

 

محافظة السويداء وثِقل التاريخ/ مرزوق الحلبي

ترنو عيون أبناء طائفة الموحدين الدروز في فلسطين إلى الشمال الشرقي حيث التوتّر عالٍ على حدود محافظة السويداء مع استمرار حشود «داعش» وفصائل تكفيرية هناك. ويزداد القلق في ضوء ما يرد من أخبار ومعلومات عن «خيانة» نظام دمشق للمحافظة وأهلها ورفض مطلب وفدين قياديين من السويداء تزويد الأهالي بالسلاح وتمكينهم في ساعة الحشر من تدبّر أمر المعتدين أو أن يقوم الجيش النظامي بالمهمة، لاسيما أنه يرابط في الجوار.

إن تحليل المعادلة السورية في هذه المرحلة يزوّد الطائفة المعروفية في فلسطين وسورية نفسها ولبنان والأردن بأسباب القلق ويزيده. وكأي أقلية، فإنها تُعمِل كل حواسها لالتقاط التفاصيل ومعرفة جهة الريح وجهة الحرب. وأمكننا أن نقول إن التخلّف الجماعي لشبان جبل العرب ومحافظة السويداء عن الالتحاق بجيش آل الأسد والذي بدأ قبل سنتين وأكثر إنما يؤكّد الوعي السياسي والوطني هناك، واقتناع طائفة الموحّدين هناك بأن النظام إلى انحسار إذ لم يكن إلى اندثار وأن عليهم الاستعداد لمرحلة ما بعد النظام والدولة.

ويُفيدنا تحليل خطاب قيادات مستقلّة في محافظة السويداء بأن في المحافظة مَن يُدرك اللحظة التاريخية ويرفض أن يكون مهدّة في أيدي النظام أو وقوداً لحربه. بل اتضح أن النظام أسرع بكثير في خيانة هذه المحافظة وأهلها من ارتدادها عنه وأنه انتقل من الضرب بها إلى المناورة بها وضدها!

النُخب في طائفة الموحدين الدروز في فلسطين التاريخية مشغولة بكل طاقاتها بالبحث عن سُبل لتقديم العون. وبالنسبة لها، كل الخيارات ممكنة حتى الالتحاق بالقوات التي تحمي السويداء الآن. إلا أن النشاط متمحور بالأساس حول الدعم المالي والإغاثة ورفع المعنويات. يتم هذا من خلال مشاورات واتصالات مع كل الجهات الضالعة في المأزق السوري ومن خلال تنظيم حملات شعبية في كل التجمعات الدرزية لجمع المساعدات. وعادة ما يترافق هذا مع خطاب وثقة بالنفس وبقدرات دروز السويداء على ردّ أي اعتداء وقهر المعتدي أياً كان – «داعش» أو غير «داعش» – على اعتبار أن جبل العرب مقلع عزة وكرامة وصمود!

طبيعي أن يحصل هذا لأقلية مُشبعة بخطاب بطولي – وطني يمتدّ من السويداء في الشرق إلى جبل لبنان في الغرب كجزء من دفاعها عن صورتها وعن وجودها. وهو طبيعي، لأقلية تستشعر أن وجودها مهدد وليس أمنها أو مصالحها فقط. فجرائم «داعش» حيث حلّت لا تُبقي مجالاً للشك أو التخمين. كما أن خطابها الديني التكفيري يُعيد التاريخ إلى الواجهة، وصراع دعوة التوحيد مع المؤسسة السنية – الحديثية كان دامياً في الذهنية العقيدية.

مشكلة الحراك بين طائفة الموحدين الدروز في فلسطين هو ارتداع قيادات محافظة السويداء عن قبول مساعدة أو عون، خاصة إذا كانت إسرائيل الدولة حاضرة! وهي الشكوى التي أسمعها من القيادات في الجليل والكرمل. «نحاول أن نضع كل مقدراتنا تحت تصرّفهم لكنهم يرفضون ذلك ولا نعرف لماذا؟». أذكّر المستغربين بحقيقة أن دروز فلسطين بقيادتهم الدينية بالأساس، وهي القيادة الأقوى في حينه، اختارت في العام 1948 بعد قيام إسرائيل، الوقوف على الحياد في الصراع الصهيوني – العربي حتى العام 1966. وحتى ذاك العام فشلت الدولة العبرية في فرض قانون التجنيد الإجباري على أبناء الطائفة وتموضَعت الرئاسة الروحية في مربع الحياد الإيجابي. وكذلك الموحدون في السويداء الذين لا تزال أوضاعهم حساسة وحرجة ولا يريدون أن يظهروا بعد أن كشفهم النظام الأسدي وتركهم لمصيرهم كمَن يتلقى مساندة من إسرائيل أو ممن يرتبطون بها. بمعنى، أنني أشير على كل مَن يريد المساندة أن يلتفت إلى هذا الحرج وإلى حساسية الموقف في السويداء الآن.

وعلى المستوى نفسه، ينبغي أن نفهم رفض القيادات في السويداء لأي مقترح قد يأتي من إسرائيل الرسمية. وكان قياديون في الحركة الصهيونية أرادوا في الثلاثينات تمرير مشروع الدولة الدرزية في شمال فلسطين كجزء من تموضع اليهود في المنطقة، وهو مشروع رفضه المعنيون في حينه. لكن هناك مَن يهتم باستحضاره الآن معتقداً وجود لحظة تاريخية لتمريره.

لا أحد يستطيع أن يأخذ من دروز فلسطينيين صِدق قلقهم على أبناء عقيدتهم وأهلهم خاصة وأن كل دروز فلسطين أتوا إما من جبل العرب وإما من جبل لبنان، ولكل عائلة هنا فروعها أو أصلها هناك، ولعائلتي الحلبية أيضاً. بمعنى أن القلق إنساني ووجودي يتجاوز السياسة في حدودها المعروفة. ونراه يوحّد في شكل غير مسبوق كل مشارب طائفة الموحدين في فلسطين وكل قياداتهم. ولا أحد بالمقابل يستطيع أن يتجاهل تعقيد الحالة في محافظة السويداء وحساسية وضع أهلها كأقلية وسط حرب ليست لها بالمُطلق بين نظام أقلوي وبين شعب ثائر أو بين جيش النظام وبين فصائل تكفيرية عنيفة في خطابها ودموية في حروبها. ومن الحكمة إيجاد نقطة التوازن بين هذه وتلك. بين الذين يريدون تقديم العون كواجب أولي لمجموعة الانتماء الوشائجية وبين المحتاجين إلى المساندة. بين سعي مكثّف شعبــي مدنــي بالأساس للقيــام بالواجب وبين قيادات مُحـــاصـــرة بـــواقـــعها وبـــضغط الميدان والتاريخ وبالمسؤوليـة عن المستقبل.

كنتُ عبّرتُ عن اعتقادي في أكثر من منبر ومناسبة من أن قوات «داعش» ستتقهقر في مفصلين، عند الأكراد في شمال سورية وعند الدروز في جنوبها، لأن حرب هاتين المجموعتين مختلفة عن حروب الآخرين ولأن للمجموعتين تاريخاً وتجارب وحروباً خرجت منها واقفة وإن تكبّدت خسائر فادحة. لكننا لسنا بحاجة إلى مزيد من البطولات من أهل السويداء المدينة والمحافظة. فقد كانوا عنواناً لها. وهم ليسوا في امتحان وطني لأنهم فازوا في مثل هذا الامتحان عندما غدر الآخرون. كما أنه من غير المُنصف أن نرى إلى قضيتهم الآن على هذا النحو الرومانسي. بل المطلوب الوصول إلى كل ضالع في المأزق السوري للضغط عليه، لتجنيب المحافظة هول الحرب ومآسيها. فمصلحة الأردن ألا يكون «داعش» على حدوده الشمالية. ومصلحة المملكة العربية السعودية أن تُضعف «داعش» في هذه المناطق القريبة من حدودها. وكانت المملكة فيما مضى حمت قيادات جبل العرب إبان الثورة السورية (في النصف الثاني من عشرينات القرن الماضي) وأمنت لها سكناً ودعماً تموينياً في منطقة النبك كجزء من دعمها للثوار وأُسرهم بعد اشتداد المعارك. وينبغي الضغط على محاور دولية وأممية لمنع وقوع الكارثة من خلال قرارات دولية أو إقليمية. وهكذا، ينبغي تحليل المعادلة بردها إلى عواملها لإيجاد طريقة تجنّب أهالي محافظة السويداء تجربة كوباني والأيزيديين كأقلية نوعية الذين طحنتهم الحرب وهم منها براء.

سيُحسن الجميع صُنعاً لو أنهم عملوا في السرّ وبتواضع كجزء من متطلبات الواقعة التي أمامنا وشروط لعبتها. وهي واقعة تستدعي الحكمة لا البطولة. وحريّ بالمحاصرين في السويداء أن يكونوا أبطالاً في السياسة كما كانوا في الحروب. وبين هذه وتلك من محاذير، هناك ضرورة بتسريع الاتصالات والتدابير على كل مستوى لتأمين الحماية لمحافظة السويداء وأهلها.

الحياة

 

 

 

المصير الصعب لدروز سورية/ الياس حرفوش

الدروز في سورية اليوم، مثلهم مثل باقي الطوائف، منقسمون بين موالاة النظام خوفاً من بطشه، وموالاة المعارضة تحسباً للمستقبل وما يحمله من احتمال انهيار حكم بشار الاسد وسيطرة الاكثرية السنّية في سورية على الحكم.

يشذ عن هذا التعميم وضع الطائفة العلوية. هذه الطائفة التي تحمي النظام وتحتمي به في الوقت نفسه. ومن سوء حظها ان آل الاسد وضعوها في موقع الضحية هذا، فباتت صورتها في عيون اكثرية السوريين صورة الطائفة التي تحمي قمع النظام لأكثرية مواطنيها وسرقة ثرواتهم والدوس على كراماتهم.

غير ان الدروز عرفوا كيف يبقون بعيدين عن هذه الموالاة المطلقة. لم يقطعوا بالكامل مع النظام، فشارك بعض ابنائهم الى جانب قواته في المعارك التي تدور في مناطقهم، غير انهم من جهة أخرى ظلوا على تواصل مع المعارضة، وخصوصاً مع «الجيش السوري الحر»، وخصوصاً في درعا، يساعدون ما استطاعوا في المجالات التموينية والطبية والانسانية، بل يحمون احياناً من يلجأ من مقاتلي المعارضة اليهم طلباً للحماية.

غير ان النظام الذي يضع في رأس وظائفه دور «حماية الاقليات»، لم يكن سهلاً عليه ان يكتفي بهذا الدور الوسطي، لا من الدروز السوريين ولا من سواهم. فعلى هذه الأقليات ان تدفع الولاء للنظام ثمناً للحماية، ومهما بلغت بشاعة ارتكاباته. فهو يسعى الى الولاء الكامل من قبل الجميع، في ظل نظرية «الحرب الكونية» التي يخوضها مع الارهاب. وبات مطلب الولاء هذا أكثر إلحاحاً مع تفاقم الوضع الميداني للنظام أكثر من أي وقت، منذ بداية الثورة الشعبية عليه قبل اكثر من اربع سنوات.

من هنا جاء الدور الاساسي الذي لعبه عدد من المقاتلين الدروز في السويداء الى جانب قوات النظام في المعركة الاخيرة التي انتهت بهزيمة مقاتلي المعارضة هناك وانسحابهم من المناطق الاستراتيجية التي سبق ان سيطروا عليها في هذه المحافظة. لقد وجد الدروز أنفسهم بين خيار الوقوف على الحياد في المعارك التي تحصل في مناطق تواجدهم، والتفسير الوحيد لذلك من جهة النظام هو موالاتهم للمعارضين، او المشاركة في المعارك، كما حصل، ما يعني في نظر المعارضة اصطفافهم مع النظام، مع ما يترتب على ذلك من ردود فعل، خصوصاً من قبل المجموعات الاكثر تطرفاً في المعارضة، مثل «داعش» و»جبهة النصرة»، وهي مجموعات تكفيرية في الاصل، وليست في حاجة الى تبريرات لارتكاب جرائمها في حق من تعتبرهم مخالفين لها في الرأي أو في العقيدة.

في هذا الاطار جاءت المذبحة التي تعرض لها الدروز في إحدى قرى ريف ادلب على يد أحد قادة «جبهة النصرة» من غير السوريين. جريمة كهذه لا يمكن ان تحسب الا في مصلحة النظام وفي مصلحة الخيارات التي يطرحها على المواطنين: أنتم معي أم مع هؤلاء الارهابيين؟ والنتيجة الطبيعية لهذا الخيار الصعب ان النظام لا يتورع عن ترك المناطق التي يعجز عن حمايتها او الاحتفاظ بالسيطرة عليها في يد «الداعشيين» بعد ان يخليها جنوده، كما فعل في الرقة وتدمر وفي عين العرب. وهو ما يعني ان ابناء هذه المناطق يدفعون الثمن مرتين: مرة على يد جلاوزة النظام ومرة أخرى على يد مجرمي هذه التنظيمات الارهابية، الذين يقتصر الحل الذي يقدمونه في سورية أو في أي مكان آخر يسيطرون عليه على حماية من يدينون لهم بالولاء والطاعة وقتل الآخرين.

من البديهي القول ان النظام الطائفي لا يستطيع التعامل مع المواطنين الا من منطلقات طائفية. هكذا تصبح ازمة الاقليات في سورية، باستثناء الاقلية الحاكمة حالياً، ازمة عيش ومصير. ينطبق هذا على المسيحيين والدروز مثلما ينطبق على الاكراد. فالحل الذي يضم الجميع الى الوطن على قدم المساواة اصبح حلاً بعيد المنال. وامام الحلول الطائفية الباقية، سواء من قبل النظام او من قبل الجماعات التكفيرية في المعارضة، لا يبقى امام هذه الاقليات سوى الخنوع او الرحيل او … دفع الجزية بما تيسّر للسلطة الحاكمة.

الحياة

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى