صفحات العالم

الدعاية ليست إصلاحاً

 


حسام عيتاني

بين اعتبار مرشد الثورة الإيرانية السيد علي خامنئي أن الثورات العربية جاءت كلها بتأثير الثورة الإسلامية في إيران وبين قول المتحدثين باسم الحكم في دمشق إن الثورات ذاتها اختلقتها إسرائيل والولايات المتحدة لاستهداف سورية وضربها، مكان واسع للتلفيق والترقيع.

فقد رأى السفير الإيراني لدى سورية أن الأحداث التي شهدتها درعا واللاذقية ودوما والصنمين وغيرها من المدن والبلدات السورية، ليست إلا صدى ما جرى في إيران في حزيران (يونيو) 2009، بعد الانتخابات التي جدد فيها محمود أحمدي نجاد ولايته الرئاسية.

لا يعنينا كثيراً إصلاح الفتق في الثوب الايديولوجي للنظامين الإيراني والسوري، ولا سد الثغرات في البنية المتهالكة لمنطقهما. ويعنينا أقل من ذلك بعد التساؤل عن «الأدوات المعرفية» التي ينظران بها إلى العالم ويريان تغيراته وحركة التاريخ فيه. عينة على «ابيستمولوجيا» الحكم في سورية كانت اللجوء إلى من أرجع الحراك السوري الواسع إلى «الغضب الإلهي» جراء عرض مسلسل تلفزيوني…

وفي وسع النظامين الاستمرار إلى ما شاء الله لهما، في توجيه الاتهامات إلى الإيرانيين والسوريين الذين خرجوا إلى الشوارع مطالبين بالكرامة والحرية والحقوق الأساسية، ووصمهم بالعمالة والارتزاق والخيانة. وحدهم أبناء الشعبين من يحق له إصدار الأحكام على السلطات في دمشق وطهران اللتين تتبادلان الدعم في هذه الأوقات الصعبة لهما.

المهم أن النظام، عبر الاعتراف بالجنسية السورية لحوالي مئة ألف مواطن وإعادة المدرسات المنقبات إلى أعمالهن وغيرها من الإجراءات، يبدو مترنحاً جراء التظاهرات الشعبية التي لم ينجح لا في قمعها ولا في احتوائها. الخطوات المصممة لاسترضاء الداخل الغاضب ولإجهاض أي محاولات لتجذير التحرك ونزع أي أبعاد سياسية عنه وحصره في مشكلات فساد في المستويات الدنيا، تسير متوازية مع حركة ديبلوماسية وسياسية عربية وإقليمية ترمي إلى تجديد التحالفات التي استندت دمشق اليها في العقود الماضية.

ومنذ إعلان وزير الخارجية السوري وليد المعلم، أثناء زيارة الى طهران وفي مقابلة صحافية، تأييد حكومته لدخول قوات «درع الجزيرة» الى البحرين، ظهر أن سورية في غير وارد المجازفة بفقدان نقاط الاستناد العربية. وعلى رغم ظهور بعض «الملكيين أكثر من الملك» على الشاشات السورية لاتهام دول عربية وشخصيات بعينها بالوقوف وراء الاضطرابات التي تشهدها سورية وتمويلها، إلا أن السلطات في دمشق تعلم علم اليقين هزال هذه الأقوال. فالأحاديث المرسلة تلك، ليست سوى من «حواضر البيت» مثلها مثل «الجاسوس المصري» الذي أفرج عنه بعد أيام قليلة من اعتقاله وتوجيه اتهامات له تكفي لشنقه، عززها «اعترافه» التلفزيوني.

الاعتراف بالجنسية السورية لمئات الآلاف من الأكراد، المحرومين منها منذ خمسين عاماً، موجه، في جانب منه، إلى تركيا التي خرجت منها إشارات إلى ضيق شديد بالأسلوب الذي تعالج دمشق به مشكلاتها المتفاقمة والقابلة للانتقال الى الداخل التركي.

زبدة القول، أن البحث في الخارج عن أعمدة دعم لشرعية الحكم في سورية جارية على قدم وساق وأنها تلاقي نجاحاً لا يمكن إنكاره وسط مخاوف عدد من الحكومات في المنطقة من تغييرات غير محسوبة ومن تسليم نياط السلطة الى أشخاص مجهولين وغير مجربين. وبيّنٌ أن الحدود التي يمكن أن تصلها العملية هذه يرسمها المواطنون السوريون في الأول وفي الآخر. لكن إذا كان من درس يمكن استخلاصه من الهبّة السورية فهو أن المبالغة في الحديث عن نجاحات في السياسة الخارجية لا يغني عن إصلاح واقعي وعميق.

الحياة

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى