صفحات الرأي

الدولة المدنية.. كحل للمسألة للطائفية/ المصطفى المصدوقي

(ما كنا نظن أنه متجاوز وماض نجده على الطريق ينتظرنا ويترقبنا)

الأنثربولوجي المغربي د.عبد الله حمودي

ربما كان من سيئات الربيع العربي، أو ربما من حسناته، أنه كشف بشكل غير إرادي عن كل التناقضات العرقية والطائفية التي يعج بها العالم العربي شرقا وغربا. كل ما كان مستورا مكبوتا، انكشف للعيان. كل المشاكل الطائفية والمذهبية تنفجر في وجوهنا الان كالقنابل الموقوتة. فقد ساهمت الثورات العربية في كشف كل الاختلالات القبلية والطائفية التي تنهش في جسد الدول العربية.

ويبقى العنوان الأبرز للمسألة الطائفية الاحتقان السني – الشيعي. فما هي جذور نشأة هذا الصراع الطائفي اليوم في العالم العربي.. ومن المستفيد منه.. وكيف يمكننا الخروج من الوضع الطائفي المتردي في المنطقة العربية؟

قبل تقديم إضاءات حول أساس هذه المشكلة الطائفية التي تنخرفي جسد الوطن العربي، أبدأ بالقول إن الطائفية هي الولاء الأعمى القائم على أساس التحيز لطائفة في الحق والباطل، وهي من هذه الناحية لا تختلف عن العشائرية. وقد صارت الطائفية والمذهبية العنوان الذي تسبب في نزيف الدم العربي، وبات حاضرا وبقوة في كل نقاش حول مصير هذه الأمة ومستقبلها. ومنه، يمكن القول إن الصراع الطائفي له جذور سياسية اجتماعية وقبلية وعائلية واقتصادية، لكنه أعطي منحى دينيا طائفيا حتى يسهل استغلاله.

فلنتذكر أن …

الإسلام ليس فيه سنة ولا فيه شيعة، وليس فيه مذاهب ولا فرق، فالنبي (محمد صلى الله عليه وسلم) لم يكن سنيا ولا شيعيا، كان نبي الله المبشر والداعي والهادي والمرشد. ولم يكن أبو بكر ولا عمر سنيين، ولم يكن علي شيعيا هذه اختراعات، هؤلاء كانوا مسلمين. القصة كلها كانت صراعا سياسيا على الحكم والخلافة، سقط فيه قتلى ومات فيه ضحايا بين علي أمير المؤمنين من جهة ومعاوية الذي انشق على إمارة علي، وكان لابد لهذا الصراع السياسي من مبررات غير سياسية ظهرت كلها بعدما انتهت الحرب، وجاء السؤال عن شرعية القتال بين فئتين من المسلمين.

وهذه الرؤية تتساوق مع أفكار المفكر محمد المختار الشنقيطي أستاذ تاريخ الأديان في محاضرة له عن ‘الطائفية في زمن الثورات العربية’: ‘الصراع السني- الشيعي هو عرض لأزمة أعمق، وهي ما أسميه الأزمة الدستورية في الحضارة الإسلامية. فهذا الصراع لو وضعناه في سياق الخلاف داخل الأديان، فهو ليس صراعا عميقا من الناحية الاعتقادية، إنما الذي جر كل كل هذه الدماء عبر التاريخ، هما مسألتان: شرعية السلطة والذاكرة التاريخية’.

في هذه الأيام، أيام الربيع العربي، يتكرر ما تكرر في التاريخ. إن الصراع السياسي بين ايران من جهة والسعودية ودول الخليج من جهة، يحاول أن يخلق له مبررا ودافعا شرعيا، بزعم الدفاع عن الإسلام الحقيقي، وكل هذه مجرد صراعات سياسية يدفع ثمنها المسلم العادي الذي يتصور أن عبادته لله تستلزم منه أن يكره طريقة عبادة الاخرين لله نفسه.

وقد أشار الكاتب والمفكر محمد المحفوظ وهو من أبرز المهتمين ببحث المشكلة الطائفية لهذا بكلمات يجدر إيرادها بالكامل: ‘الطائفية كمشكلة هي وليدة بنية الدولة التي لا تتسع لجميع المواطنين، ووليدة الخيارات السياسية المتبعة، فهي ذات طبيعة سياسية، ويستخدم السياسي الديني لتسويغ وتغطية نزعاته الإقصائية والنبذية والتمييزية’.

أيضا… المشكلة الطائفية، التي تعصف ببلدان عربية واسلامية عديدة، يمكن القول بأنها تحولت إلى سلاح في يد القوى المضادة لثورات الربيع العربي- داخليا وخارجيا – لخلق ظروف غير مؤاتية للتغيير السياسي، ولتحجيم الثورات العربية وضربها ومكافحتها. فقد بادرت القوى الاكثر محافظة إلى تعبئة موارد مالية ضخمة ووسائل إعلامية لإذكاء الحروب الطائفية بالعديد من الأقطار العربية، ففي نص بالغ الدلالة يقول الأمين العام لحزب البديل الحضاري المغربي د. مصطفى المعتصم: ‘الخطير في النزاع السني الشيعي اليوم هو امكانية توظيفه من طرف القوى النيواستعمارية من اجل اثارة الفوضى الشاملة في منطقتنا، ومن اجل الدفع الى اقصى الحدود للفتن في افق اعادة تفكيك جديد لمنطقتنا’ .

ومن ثم يصح القول بأن الغرب الأوروبي- الأمريكي يسعى إلى تقسيم العالم العربي إلى دويلات وكانتونات صغيرة، فقد أوردت صحيفة الـ’نيويورك تايمز′ أن هناك خريطة جديدة للشرق الأوسط تقسم سورية والسعودية وليبيا والعراق واليمن إلى 14 دولة، وهذا يتقاطع مع مشروع المستشرق الصهيوني برنارد لويس، يسهل استغلال ثرواتها والهيمنة عليها. ولتحقيق ذلك يعمل هذا الغرب على تأجيج الصراع السني- الشيعي.

كما يسعى هذا الغرب الى إحلال الصراع السني ـ الشيعي محل الصراع العربي- الاسرائيلي، وتخفيف الضغط على الكيان الصهيوني، وصرف الأنظار عن بلع الضفة الغربية وتصفية ما تبقى من القضية الفلسطينية.

في الخلاصة، وفي افاق الحل..

كان الجنرال شارل ديغول يقول: ‘مشكلتي مع الفرنسيين أنهم يعتقدون أن لكل مشكلة حلا’ لا ريب أن لكل مشكلة حلا. فما هو الحل الممكن لتجاوز حالة الاحتراب الطائفي؟ طبعا، الحل لن يكون بانتصار طائفة على أخرى، وعبرة التاريخ بين أيدينا في الصراعات الطائفية بين البروتستانت والكاثوليك، التي دامت 137 عاما ولم تنتصر أية طائفة منهما.

في النهاية يجب ان يكون حل الطائفية حلا استراتيجيا، كيف ذلك؟ كان الفيلسوف هيغل يقول: ‘لا يمكن تجاوز شيء إلا بعد مواجهته ومناطحته ودفع ثمن المواجهة عدا ونقدا’، وعليه لا يمكن تجاوز الطائفية إلا بمواجهتها وتفكيك الفكر الديني الذي يخلع عليها المشروعية . ينبغي تفكيك كل الافكار العتيقة البالية الموروثة عن الماضي لكي تنهار وتحل محلها أفكار الحداثة والتنوير والتسامح واحترام الكرامة الانسانية.

عن هذا يتحدث المفكر شاهم صالح قائلا: ‘لا يمكن للطائفية أن تفقد مشروعيتها ومصداقيتها المتجذرة في أعماق الجماهير، إلا إذا تصدى لها فكر تنويري حقيقي يكشف الغطاء عن جذورها الدفينة التي تعود الى مئات السنين. أقصد بذلك يكشف عن تاريخيتها وبشريتها وينزع عنها غطاء القداسة والمعصومية المتراكمة والمترسخة عبر الاجيال’.

لذلك…

نرى أنه لا مفر من الدولة المدنية الوطنية الحديثة في نهاية المطاف كحل منقذ للجميع من الحالة الطائفية، على اعتبار أن الدولة المدنية هي دولة لا طائفية، وهي الدولة التي لا تميز دينا على دين، ولا تقدم ابناء طائفة على أخرى، ولا تخص وظائف الدولة بأبناء طبقة بعينها دون سائر الوظائف.

الدولة المدنية هي المحصن الأساسي من الطائفية، إذ أنها تقوم على حكم الدستور والقانون، وعلى المواطنة كمرتكز رئيسي فيها، وعلى التعددية الفكرية والاجتماعية والسياسية، في إطار حداثي ديمقراطي تنموي أساسه الحرية بمفهومها الانساني التقدمي، تؤمن بالعدالة والمساواة.

وفي الختام، إليكم هذه الواقعة التي أوردها الدكتور علي الوردي في كتابة ‘مهزلة العقل البشري’، وأنقلها بدون تعليق: ‘كنت أتحدث مع أحد الأمريكيين عن الصراع بين السنة والشعية، فسألني الأمريكي عن علي وعمر ‘هل هما يتنافسان الان على رئاسة الحكومة عندكم كما تنافس ترومن وديوي عندنا’ فقلت له :’إن عليا وعمر يعيشان في الحجاز قبل ألف وثلاثمئمة سنة. وهذا النزاع الحالي يدور حول أيهما أحق بالخلافة؟’. فضحك الأمريكي من هذا الجواب حتى كاد يستلقي على قفاه.. وضحكت معه ضحكا فيه معنى البكاء’ .

وشر البلية ما يضحك.

‘ كاتب مغربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى