صفحات العالم

الدولي يحجّم الإقليمي/ محمد ابرهيم

 

 

قبل التدخل الروسي المباشر في الأزمة السورية مرّت أزمات المنطقة المفتوحة في سوريا واليمن وليبيا بمرحلة بدا فيها أن القوى الدولية الأساسية تركت المنطقة تدبّر أمورها بنفسها. الولايات المتحدة من منطلق أن أولوية الرئيس الحالي باراك أوباما هي عدم تكرار أخطاء إدارة سلفه جورج بوش بالتورط العسكري المباشر، وتوهّم القدرة على توليد شرق اوسط جديد، وروسيا من منطلق عدم القدرة على توسيع المجابهة الأوكرانية، قبل اتضاح مستوى الرد الغربي.

كانت المعطيات تشير الى انقسام القوى الإقليمية في كل ملف بما يحجز مشروعات الهيمنة المنفردة. وهذا كان ضمنا ما ترتاح اليه الولايات المتحدة، وما كانت موسكو بعيدة عن التأثير فيه. أما الاستثناء الوحيد المحرج للإدارة الأميركية فكان احتمال تفاقم الملف النووي الإيراني بما يضع الولايات المتحدة مجددا في المواجهة المباشرة. لكن بعد الاتفاق النووي اصبحت قواعد اللعبة أكثر ملاءمة لواشنطن، خصوصا أن حلفاءها كانوا في حالة تحقيق مكاسب في كل من اليمن وسوريا، وهو ما لا يخل بالتوازنات العامة في المنطقة، حتى مع تسجيل حسم في الملفين، فمقابل سوريا يبقى العراق إيرانيا، أما اليمن فإن فتح ملفه على مصراعيه كان في الأصل رد فعل على الخسائر التي منيت بها إيران في سوريا والعراق، والتفافا على خصومها في المعركة الإقليمية الواحدة.

هذه الإدارة الأميركية للصراع السني- الشيعي في المشرق، وللصراع داخل المعسكر الإقليمي الواحد في ليبيا، كانت ناجحة، بمقاييس المصلحة الأميركية، لولا حصول تطوري التدخل الروسي المباشر في سوريا، وانفلات “داعش”، خصوصا في ليبيا عند بوابة أوروبا، وفي اليمن حيث تشن واشنطن حربا، سابقة على الأزمة اليمنية، على “القاعدة”. والتدخل الروسي استدعى تدخلا أميركيا عندما بدا أن الاندفاعة الروسية تتجه الى الحسم العسكري في سوريا لمصلحة النظام، وهو ما يشكل هزيمة لحلفاء أميركا الإقليميين، والأهم انه يعطي روسيا على الصعيد العالمي رصيدا يأكل مباشرة من رصيد الرئيس الأميركي داخل الولايات المتحدة، قبل خارجها.

التدخل الأميركي في وجه استفحال الدور الروسي واستفحال “داعش” لم يأخذ شكل التدخل العسكري المباشر وإنما شكل التلويح المتكرر بقدرة واشنطن على تحويل وجود موسكو في سوريا ورطة. وآخر ذلك التسريبات عن إمكان تزويد المعارضة السورية بوسائل تهدد جدّيا الغطاء الجوي الروسي.

ليس صدفة ان تتزامن في سوريا واليمن وليبيا المساعي الجدية للوصول الى تسوية سياسية، فهي اليوم تعبير عن قرار دولي بتحجيم القوى الإقليمية وطموحاتها، والإشراف مباشرة على إعادة تركيب المنطقة، باستيعاب الجميع، واستئصال “داعش”.

النهار

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى