صفحات سوريةمازن كم الماز

الديكتاتور و الرب


مازن كم الماز

كان إعلام حافظ الأسد يصف “إعادة انتخابه” كديكتاتور بوصف تراثي قح “تجديد البيعة” , ظهرت كلمة البيعة تاريخيا بعد سقيفة بني ساعدة و بعد أن كانت تقتصر على قلة سميت بأهل الحل و العقد مسخت نهائيا مع وصول معاوية للسلطة لتصبح بيعة شكلية , كان هذا أيضا حال السوريين على امتداد عقود حكم الأسد الأب , رغم أن النظام لم يقصد هذا بالطبع لكن هذه العبارة كانت بالفعل أفضل وصف لعلاقة السوريين بسادتهم الجدد , وصل الأسد الأب إلى السلطة على ظهر دبابة , أما بشار الأسد فقد “انتخبه” والده المرحوم فقط و هو أيضا يريد أن يحتفظ بالسلطة التي ورثها عنه باستخدام الدبابات أيضا ( النظام و أزلامه يعتبر فرض ديكتاتوريته بالدبابات عمل “وطني” و يخون فقط من يريد الوصول إلى السلطة على ظهر دبابة أمريكية ) , كان من الصعب بالتالي اعتبار أن هذا الزواج الكاثوليكي بين الديكتاتور و الشعب السوري يقوم على أساس الحب .. لا يوجد أي شيء عقلاني في توصيف علاقة الديكتاتور بشعبه , و لا في الصورة التي تعمل أجهزة إعلامه و تلميعه على خلقها بين الجماهير التي يحكمها , إنها مضطرة لأن تعكس حقيقة وجود الديكتاتور ككائن فوق البشر الآخرين , كسيد , لم يختره أحد , هذه في الحقيقة ميزة أحيانا , فهذا يفتح المجال أمام خيالات ميتافيزيقية عن القضاء و القدر , عن قدر الديكتاتور و قدر الشعب في نفس الوقت , إن أسهل الأشياء في الدنيا و أعقدها هي محاولة تبرير علاقة السيد – العبد التي توجد بين الديكتاتور و شعبه , كل هذه التبريرات , قديمها و جديدها , الدنيوي منها و الديني , “العلمي” منها و الميتافيزيقي , كلها تقوم على نقطة مركزية لاعقلانية و غبية أيضا تقدم على أنها بديهية : “وحدانية” الديكتاتور , “تفرده” ليس فقط كديكتاتور مفروض بالقوة و القمع كما هو الحال في الواقع , بل ككائن فوق إنساني , فوق الآخرين , سيدهم , الديكتاتور هنا لا يشبه الأنبياء و لا القديسين و لا رجال الدين , إنه بشكل ما فوق الدين أيضا , إنه من يختار دين شعبه , يمكن هنا أن نذكر كل تلك القصص عن تنصر الرومانيين مثلا بقرار من إمبراطورهم , تحول إمارة كييف و موسكو إلى المسيحية بتنصر أميرها , تحول شعب الخزر إلى اليهودية بقرار من ملكهم , لكن أبعد من هذا , فإن عبادة الديكتاتور هي الدين الفعلي في دولته , المفروض على شعبه , ليس من حل لهذه القضية إلا في تصوير الديكتاتور , بشكل مباشر أو غير مباشر , على أنه إله , فعلي , حقيقي , في محاولة تبرير حالته فوق البشر الآخرين , فوق العقل و فوق النقد , كما هو في الواقع الفعلي بقوة القمع و الخداع , لكن هذه المرة باستخدام تبرير ما , “فكري” “إيديولوجي” , ميتافيزيقي لاهوتي أيضا و إن استخدم في بعض الأحيان أفكارا معادية للدين .. لذلك لا بد أن يترافق سقوط الديكتاتور بسقوط التبرير الميتافيزيقي لديكتاتوريته , و لذلك يتسبب بنوع من الاضطراب و الفراغ الفكري و الإيديولوجي أو “الروحي” بالضرورة , أو أنه قد يأخذ شكل صراع بين الخطاب الميتافيزيقي لديكتاتوريته و بين خطابات أخرى بديلة , ميتافيزيقية أو غير ميتافيزيقية , يكفي أن نذكر عملية خلق و تشكيل الخطاب الديني و الفكري الرسمي للسلطة العباسية بعد إسقاطها للسلطة الأموية , من فرقة شيعية محسوبة على الشيعة الكيسانية , ظهرت فيها هي أيضا نزعات للغلو شاهدناها في تأليه بعض أفرادها للخليفة العباسي الثاني أبي جعفر المنصور , إلى تبني خطاب المعتزلة العقلاني لدرجة محاولة فرضه على كامل المؤسسة الدينية يومها بالقوة إلى العودة مرة أخرى إلى فكر إرجائي تسليمي تكفيري للفرق المعارضة يقول بأحقية الجماعة المتمحورة حول فكرة السلطة المركزية يشبه تماما الفكر الرسمي للدولة الأموية .. يتعلم السوريون اليوم السياسة مرة أخرى , إنهم يتجاوزون بسرعة هائلة تراث عقود من الصمت و العزلة و الانكفاء , طبيعي أن يجرب الشباب الثائر اليوم كل شيء , هذه الثورة هي المدرسة الحقيقية لنا جميعا , و نحن اليوم جميعا نحاول أن نجيب عن سؤالين أساسيين يتوقف عليهما حاضرنا و مستقبلنا : كيف نهزم الديكتاتورية , و بأي شيء نستبدلها ؟ طبيعي أن نبدأ بالبحث بين ركام الأفكار السائدة , السلطوية في معظمها , لكن القضية الأساسية هنا هي كيف نصل هذه المرة إلى حريتنا الحقيقية , حرية هذا الشباب و حرية كل السوريين , أشك شخصيا في أن تقدم لنا الخطابات السائدة شيئا أكثر من مشاريع لديكتاتوريات جديدة , لكن لكي ننتزع حقنا هذا في أن نجرب الأفضل لنا جميعا انتفضنا , في سبيل الحرية , حريتنا , في أن نعيش من دون ديكتاتور

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى