صفحات سوريةنور الله السيّد

الدين والسياسة في’سوريا


د. نور الله السيّد

مناصرة رجل الدين للحق أمر طبيعي جداً في وعي عامة الناس، أكان صاحب الحق الفقير أو الأمير، وعكس ذلك أمر مستهجن. الحق باعتباره جامعاً لأهم القيم الإنسانية سواء في حق الحياة والملك والحرية والعدل إنصافاً الخ. هذا إن كنا نتحدث عن رجل دين فقط، أما عندما يتعلق الأمر برجل دين وسياسة في آن واحد فالمسألة فيها نظر.

يبدو أن الدين والســــياسة لا يستقيمان عند اجتــــماعهما في شخص واحد. الســـياسة باعتـــــبارها فن إدارة المصـــالح والدين باعتباره راعي القيم الإنسانية وزارعها في النفوس.

ليس لرجل الدين أن يكون سياسياً وكذلك ليس لرجل السياسة أن يكون رجل دين، والتاريخ مليء بحالات الجمع بين الاثنين ونتائجه المفجعة. وهنا نذكر تاريـــخ الكنيسة في أوروبا في القرون الوسطى ودورها الأسود أحياناً، وحروب الهرطقة تكفي مثالاً. قتل فيها الآلاف لأسباب سياسية تحت غطاء ديني جافى فيها رجال الدين أحياناً حدود المعقول، وحكاية المدينة الفرنسية الساحلية بيزيي B’ziers وما قاسته من مذبحة رهيبة ارتبط اسمها بما قرره الممثل البابوي عندما سأله قائد الجيش الذي حاصرها عام 1209 بكيفية التمييز بين المهرطقين والمؤمنين عند اقتحام المديــــنة في الغد، فانتفض الممثل البابوي وقال لقائد الحملة: اقتلهم جميعاً وسيتعرف الله إلى أحبابه وبالفعل فقد قُتل نصف سكان تلك المدينة في يوم واحد.

والجمع بين الدين والسياسة في الحالة السورية يتجسد في شخصين: السيد حسن نصر الله وآية الله الخامئني. فالأول يؤازر وحزبه نظام يكرهه اللبنانيون بأكثر مما يكرهه السوريون، لما قاسوه منه على مدى ثمانية عشر عاماً. وهو يقول قول النظام بالمؤامرة مع أنه يعرف الحقيقة في سورية أكثر مما يعرفها الأسد، وهو يفعل ذلك لمجرد مصلحة حزبه، وإن كان طريق ذلك التغاضي عن قتل الأبرياء. بل وأكثر من ذلك، فبعض رجال حزبه شاركوا في القتال ضد السوريين معتبراً أن قيامهم بذلك هو جهاد. كيف يمكن لرجل الدين أن ينسى كل قيمه الدينية ويتصرف كرجل سياسة؟ .الورطة أكثر من أخلاقية، خاصة وأنه مطالب كرجل دين أن يتصرف وفقاً لمبدأ الحق حتى لو كان لصالح من يكرههم ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى (المائدة)، وهو يعرف أن النظام السوري لا يعترف لا لشعبه السوري ولا للشعب اللبناني بأي حق، زد على ذلك أن الدين يحض على الإحسان إلى من أساء إليك، فكيف يجب أن يكون تصرف نصر الله عندما يتعلق الأمر بمن أحسن إليه؟.

وفي حالة آية الله الخامئني، فحبكة النظام السوري هي في الأغلب إيرانية التأليف والإخراج. فشياطينه هم شياطين النظام السوري كما جاء في كلمته التي وجهها إلى الحجاج مساء عيد الأضحى الأخير: ‘إنهم يخلقون الأزمات في سورية بمساعدة عملائهم في المنطقة ليصرفوا أذهان الشعوب عن قضايا بلدانها المهمة والأخطار التي تحدّق بهم، إلى الأحداث الدامية التي ساهموا إسهاماً أساسياً في خلقها. الحرب الداخلية في سورية ومقتل الشباب المسلمين على أيدي بعضهم جريمة بدأت وتمّ تأجيجها من قبل أمريكا والصهيونية والحكومات المطيعة لهما’. كيف له أن يقول ذلك والعالم كله يعرف أن أمريكا وقفت ضد تسليح المعارضة السورية، وأن العالم ينتظر انتهاء الانتخابات الأمريكية كي يرى فيما إذا كان الأمريكيون سيقومون بفعل ما وكيف له أن يتهم الصهيونية بأنها كانت وراء ما يحدث في سورية وهي التي تغنت دائماً بهدوء حدودها مع سورية وأصبح الجولان من أهم مراكز السياحة الداخلية في إسرائيل؟ سفارة إيران على علم بتفاصيل الحياة في مختلف البلدات والمدن السورية وهي نقلت له كيف تدك المدافع والطائرات ريف دمشق، ونقلت له خبر هجوم الطائرات السورية على جوبر احتفاء بنهاية العيد وألقت بقنابلها على أناس سوريين أبرياء. وطائرات النظام هي من تقصف الأفران والمصطفين على أبوابها لشراء الخبز، ومن قتل من الناس ليسوا إلا سوريين بسطاء كيف يمكن أن يكون له مثل هذه اللغة الخشبية وهو المرجع الشيعي الأعلى؟ وكيف له أن يتناسى أن المتدخل الأكبر حتى الساعة هو إيران وليست أمريكا؟ ومن المؤكد أن المرشد الأعلى يعرف أن القتل في الدين بغير حق حرام (وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاّ بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا (الإسراء)، من المؤكد أنه يعرف القرآن عن ظهر قلب. فكيف لرجل دين بمكانته أن يتناقض في تصرفاته وأبسط القيم الدينية التي يفترض به أن يكون المدافع الأول عنها؟.

من المفهوم أن يقوم شخص مثل لافـــروف بالإدعاء بصـــلف عز نظيره بأن من يحارب النظـــام السوري هم مرتزقة يساعدهــم متمردون سوريون وأن الأسد باق، وهــــو قول زاد الأسد في الحال شهـــــية للسفك فانقضــــت طائراته على ريف دمشق كما لم تنقض عليها أية طائرات من أية جنسية. ولكن لافروف رجل سياسة وليس رجل دين، يبحث عن مصالح بلده التي أسكتت أصـــوات الشيشان المسلمة بالرصاص والنار ولم ينبس آية الله بكلمــــة واحدة وقتها. يبحث لافروف وبوتين عن عظمة ضائعة لروسيا، لكنهما لن يحققاها إن انتهجا سياسة بلا أخلاق، واسألوا في ذلك المؤرخ أرنولد توينبي.

كان في سياسة العرب والمسلمين ودينهم التوقف عن القتال في الأشهر الحُرُم، وهي أربعة أشهر، ثلاثة متصلة وواحد منفصل، حبذا لو أن حسن نصر الله والخامئني تذكرا أننا نحن في الثلاثة المتصلة الآن وطالبا باحترامها لكانا فعلاً رجلي سياسة ودين ولما احتاج الإبراهيمي لتمني هدنة لأربعة أيام العيد فقط. وهو العيد الرابع الذي يمر على السوريين بالكثير من المرارة والألم. إذا تصرف الاثنان باعتبارهما رجلي دين فقط، سيعيش السوريون العيد القادم عيداً كباقي البشر، هذا إن بقوا سالمين حتى ذلك الحين، ولكنهما لن يفعلا. هكذا رأت زرقاء اليمامة.

‘ استاذ جامعي سوري

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى