صفحات سورية

الذين يرفضون تسليح الشعب السوري .. بأي حق ينصبون أنفسهم أوصياء عليه؟!

 

الطاهر إبراهيم

المسالخ البشرية التي يقيم سوقَها يوميا أناسٌ تجردوا من آدميتهم من زمرة بشار أسد، أثبتوا أنهم لا تربطهم بسورية أي صلة مواطنة. كما أن إيران دخلت على خط القتال منذ بداية الأزمة وأرسلت جنودا لها يقنصون من فوق الأبنية كل من يمر في الشوارع، حتى لو لم تكن هناك أي مظاهرة. ولا يعني هذا أن جنود بشار وشبيحته كانوا أقل إجراما من فيلق القدس الإيراني.

استطرادا، إذا كنا لا نريد أن نستبق السياق الزمني، إلا أننا ينبغي أن نؤكد أن المعادلة خرجت عن مألوفها المعتاد بين طهران وواشنطن، وهو الخصومة على طول الخط، كما كانت منذ عهد الإمام الخميني. فبعد أحداث 11 سبتمبر 2001 حانت الفرصة لطهران كي تكتب فصلا مختلفا مع واشنطن لتنتقم من النظامين الجارين في (أفغانستان والعراق). فقد سمح للطيران الأمريكي بالعبور في أجوائها عام 2001 لقصف جيش طالبان السني، وفي عام 2003 لقصف الجيش العراقي من مؤخرته من جهة إيران، الأمر الذي اعترف به الرئيس ‘محمد خاتمي’ وهو يطالب واشنطن بسداد ‘جميل’ تلك المساعدة التي قدمتها طهران لواشنطن. إذا كان الإمام الخميني سمى أمريكا ‘الشيطان الأكبر’، فإن القضية لم تعد بين واشنطن وطهران خصومة على طول الخط، بل خصومة انتقائية حسبما تقتضيه مصلحة كل منهما.

اعترفت واشنطن لطهران بمركزها كلاعب رئيس في المنطقة بعد سماحها لها بعبور طائراتها أجواءها لقصف أفغانستان والعراق، فلم تضع واشنطن حزب الله على قائمة الإرهاب، بالرغم من تاريخه الطويل في القيام بأعمال إرهابية (حسب المفهوم الأمريكي)، خارج أرض لبنان وآخرها ماجرى من اتهام بلغاريا حزبَ الله في التفجير الذي خلّف خمسة قتلى إسرائيليين لحظة مغادرتهم المنتجع السياحي في ‘بورغاس’ الواقعة على البحر الأسود في تموز 2012. بينما لم تتأخر واشنطن في وضع جبهة ‘النصرة’ -التي يتكون مقاتلوها من ‘السنة’- على قائمة الإرهاب، مع أنها تقاتل على الأرض السورية، ولم يسجل عليها أنه استهدفت غير جنود بشار أسد وشبيحته، وفوق الأرض السورية. كما لم يسجل عليها أنها استهدفت مدنيين، إلا أن يكونوا في جيش النظام.

وعودة إلى التطورات المتسارعة في سورية وانعكساتها الإقليمية والدولية. فقد شعر السوريون بالغضب وهم يرون العالم يتفرج على المذابح في سورية، بنظرات لا مبالية إلى مئات الأرواح تزهق يوميا في مدن سورية، من درعا جنوبا، إلى ‘تل كوشك’، في أقصى الشمال الشرقي على الحدود السورية مع كل من العراق وتركيا. انعكس هذا الوضع على معارضين سوريين، فقرر ‘أحمد معاذ الخطيب’ الذي يقود الائتلاف الوطني مقاطعة الحراك الدولي، وأعلن أنه لن يشارك في مؤتمر أصدقاء الشعب السوري في روما الخميس 28 شباط الماضي. ثم عدل عن موقفه فحضر المؤتمر، لكنه خرج بعده ليقول: إن العالم يريد استمرار القتال في سورية.

هذا العالم لم يكفه أن تبلدت أحاسيسه تجاه جرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب التي يقترفها بشار أسد في سورية، بل نصبت بعض دوله من نفسها قيمة على الشعب السوري بفبركة حلول، هي أقرب إلى إعادة إنتاج النظام القاتل منها إلى الحل، ولكن بصيغة وعباءة مختلفة.

من أعجب العجب أن طهران الشريك المضارب الأكبر في ذبح الشعب السوري، ما فتئ وزير خارجيتها ‘علي أكبر صالحي’ يقدم طهران وسيطا للمصالحة بين الرئيس القاتل وبين الشعب الذي يقتل، ثم يبشر بأن بشار أسد سيبقى حتى تنتهي ولايته في عام 2014.

أما واشنطن فتدعو إلى حل سلمي في إطار وثيقة جنيف، في وقت ما يزال النظام يعتمد الحل الأمني. كما كلف كل من الرئيس الأمريكي’باراك أوباما’ وزير خارجيته ‘جون كيري’ والرئيس الروسي ‘فلادمير بوتين’ وزير خارجيته ‘سيرجي لافروف’ بالبحث عن مبادرات مع أنه ليس هناك ما يبشر بنجاح الخطة التي أجمعت عليها واشنطن وموسكو.

لو تركنا جانبا موسكو المنحازة إلى نظام بشار أسد منذ أن بدأت الأزمة، فسنجد أن واشنطن قد خذلت أصدقاءها من الدول العربية الذين لهم مصلحة في رحيل بشار أسد بسبب وقوفه ووقوف والده من قبله مع طهران التي ما فتئت تهدد استقرار المنطقة بنفسها أو من خلال ذراعها حزب الله في لبنان، فإننا لم نسمع حتى الآن كلمة واحدة من رموز الإدارة تشجع على إطاحة بشار عن طريق القوة، بعد أن رفض أي حل إلا الحل الأمني.

فهذا ‘جون كيري’ يقول يوم الاثنين 4 آذار في الرياض، ردا على من طالبه بتسليح المعارضة السورية: إنه يخشى وقوع هذا السلاح في الأيدي الخطأ، مع أنه لا يستطيع تأكيد هذا التخوف. ونحن بدورنا نسأل كيري ماذا فعل مع بشار أسد الذي بيده الأسلحة الكيماوية ويهدد باستعمالها؟

أما نائب الرئيس ‘جو بايدن’ فقد كان أكثر وضوحا من ‘كيري’ عندما قال أمام لجنة ‘إيباك’ في مؤتمرها السنوي: (إن بشار أسد يظهر عدم الاكتراث، كما والده، بحياة الإنسان السوري، وهو منخرط في عملية إجرام وحشي ضد شعبه. موقفنا من المأساة .. إن على الأسد أن يرحل، إنما نحن لن نتبنى عصابة إجرامية لاستبدال الأخرى في دمشق … معرضا بجبهة النصرة).

ونحن هنا ننوه بالتصريح الذي رد به وزير الخارجية القطري ‘حمد بن جبر آل ثاني’ على ‘جو بايدن’ في المؤتمر الصحفي مع جون كيري يوم 5 آذار الجاري في الدوحة عندما أكد: بأن الإرهابي الأكبر في سورية هو بشار أسد.

كما لا يفوتنا هنا أن ننوه بما قاله وزير الخارجية البريطاني ‘ويليام هيغ’: بأن التسوية السياسية أغلقت تماما في سورية، لأن الأسد يرفض التنحي، وأن الحرب في تصاعد. أضاف هيغ: (إننا في بريطانيا نعتقد أن علينا أن نكثف من دعمنا للمعارضة السورية، وذلك بأبعد من المساعدات الإنسانية، لا يمكن لسياستنا أن تبقى جامدة، بينما الأمور تتطور أسبوعا بعد أسبوع).

الشعب السوري يرفض الموقف الأمريكي، الذي أقل ما يقال فيه أنه غامض، لا ينص صراحة على تغيير كامل للنظام. كما يرفض تقسيم المقاتلين إلى فصائل معتدلة وأخرى متطرفة. ويقف مع كل الكتائب التي تقاتل بشار أسد وعصابته، بمن فيهم جبهة النصرة والجيش الحر والكتائب الأخرى، لأن قوام تلك الكتائب هم الشباب السوري الذي يقاتل دفاعا عن كرامة السوريين وعن وحريتهم وأعراضهم. ولا يهمه، بعد ذلك، في قليل أو كثير تصنيفات إدارة ‘أوباما’، لأنها لا يهمها ما يهم السوريين. واستطرادا فإن الوصاية الأمريكية مرفوضة جملة وتفصيلا، خاصة بعد أن رفض رموز إدارة ‘أوباما’ تسليح الجيش الحر.

‘ كاتب سوري

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى