صفحات سورية

الذين يطالبون بالحرية لا يتطلعون لديكتاتورية سلفية


سلام سعيد

من الغريب جداً أن تأتي نداءات تشكّك بمصداقية وجدّية الثورة في سورية من كاتب مثقف وعالم بتاريخ سورية، مثل الأستاذ فراس السواح. فالسؤال الذي يطرحه كل إنسان متعلم ومثقف يعرفه ويعرف كتبه لدى قراءته نداءاته: هل نحن ساذجون لهذه الدرجة؟ هل المظاهرات هي مظاهرات سلفية بحتة فعلاً؟ وأن النظام الحالي ببطشه ودمويته أفضل من حتى محاولة التغيير؟

من الغريب جداً أن يذكر السيد السواح في ندائه الثاني للشباب الديمقراطي شعارات تعصبيّة تثير الفتنة وهي حقاً سلفية، وينسى آلاف الهتافات من نوع ‘الشعب السوري واحد واحد واحد’ أو ‘لا سلفية لا إرهاب…الشعب السوري يريد الحرية وبس’.

الشعب السوري يريد التوقف عن الهتاف لشخص واحد، بغض النظر إن كان هذا الشخص الأب، الابن، ابن العم أو ابن الخال، أو إذا كان هذا الشخص (الديكتاتور) مسلماً سنياً، علوياً، درزياً أو مسيحياً. لا أحد يعرّض نفسه لخطر الاعتقال والموت ليزيل ديكتاتورية علمانية (نسبياً) ويستبدلها بديكتاتورية سلفية. حتى المسلمون السنة لا يريدون سعودية ثانية في سورية فهم يطرحون النموذج التركي. الشعب السوري أوعى بكثير من أن يؤمن بهذا النوع من الأنظمة التي ولّى زماتها في عصر العولمة والتكنولوجيا والانفتاح.

قد تكون هناك فئة وأعيد كلمة ‘فئة’ من الناس التي قد تردّد هذه الهتافات، بوعي أو بدون وعي، ولكنها تبقى فئة لا ترقى ان تشكّل نسبة لا من الوطن ولا من المتظاهرين. وإن كانت موجودة أسأل السيد فراس السواح: لصالح من وجود مثل هذه الفئة في هذا التوقيت بالذات؟ فهي تخدم بالدرجة الأولى الخطاب الطائفي والفتنة اللذين يحاول النظام تسويقهما منذ بداية الثورة. فهذا ما يريده النظام: أن يكتب المثقفون ـ وقد فعلتها يا سيدي ـ نداءات تشكّك بالثورة التي حلم بها أجيال من الشعب السوري بكافة أطيافه وأقول لك، الشيوعي والتقدمي والعلماني قبل الديني والسلفي. وإذا كان النظام ليست له يد في دعم مثل هذه الظاهرة ‘السلفية’ مباشرة ـ وهذا ليس بغريب على نظام يقتل ويُفظع بالإنسانية من أجل كرسي الحكم والسلطة الأبدية والأمثلة من تونس ومصر لا زالت حاضرة ـ فإن لهذا النظام دورا في تغذية مثل هذه الحركات عبر سياسات القمع والانتهاك الإنساني على مدى عقود. ففي النهاية السلطة وممارساتها هي رأس الفتنة لا المتظاهرون الشباب.

لقد كتبت في ندائك الثاني عن مشاركتك في مظاهرات منذ سنّ السابعة، وكم كنت سعيداً بالقدرة على التعبير والدفاع عن قضية هي بالنهاية قضية حرية، كما هي قضيتنا الآن. نحن نطالب بالحرية والديمقراطية فقط، وإن كان هذا النظام قادرا على منحنا إياهما رغم فشله بذلك طوال 45 سنة، فنحن لا نريد أن يراق دمنا هدراً ولا نريد زعزعة الأمن، لا في سورية ولا في المنطقة. ولو كان النظام قادراً فعلاً على منح الحرية والديمقراطية ولو بشكل تدريجي، فاسأل كل إنسان في العالم وفي سورية تحديداً: لماذا يهاجم رجال الأمن الاعتصامات الصامتة في ساحات المدن السورية وجامعاتها بعنف؟ لماذا يعلن الحرب على مظاهرات الشموع وأغصان الزيتون؟ هل من يعتصم ويصمت تعبيراً عن الحداد والحزن العميق لإراقة دماء المدنيين العُزّل أصبح سلفياً؟ هل الاعتراض على محاصرة المدن السورية وحرمان الأهالي من أبسط حقوق الإنسان والمواطنة، بالكهرباء والماء والغذاء أصبح مؤامرة خارجية؟ هل الأطفال الذين ماتوا أو أُصيبوا أو تعذّبوا سلفيون؟ وإذا كانت هناك أياد سلفية فعلاً تُحرّك المظاهرات، فلماذا يمنع النظام الإعلام العالمي من التصوير وكتابة التقارير الإخبارية؟ لماذا لا يسمح النظام لمظاهر الحزن والحداد الإنساني المشروع لكل إنسان؟ ولماذا لم يبدأ النظام بمحاورة المعارضة ‘غير السلفية’ حتى الآن لكي يعزل السلفيين والمتآمرين ويوقف الاصطياد بالماء العكر من قبلهم؟ فبدلاً من ذلك قام النظام بتهديدهم واعتقالهم أو إعادة اعتقالهم.

هل تؤمن حقاً بأن هذا النظام قادر على القيام بالإصلاح؟ هل تؤمن حقاً بأن رجالات هذا النظام والمستفيدون منه لهم مصلحة في التغيير الديمقراطي بوقف الفساد والرشوة والمحسوبيات والواسطات التي أرهقت الاقتصاد الوطني كما الكرامة الإنسانية للمواطن السوري على حد سواء؟ هل يستطيع النظام والسلطة تطهير أنفسهم من الفاسدين؟ وهل هم قادرون أصلاً على محاسبة أنفسهم؟ عندما أُلغي قانون الطوارئ قال الرئيس الأسد: الآن تم إلغاء قانون الطوارئ فلا داعي للتظاهر بعد الآن وعلى من يتظاهر أن يحصل على موافقة أو تصريح من وزارة الداخلية. عندما سمعت ذلك، طرحت على نفسي ثلاثة أسئلة:

هل يفهم الأسد ما معنى رفع قانون الطوارئ؟

إن رفع قانون الطوارئ بمعناه البسيط، كف يد الأمن والجيش عن حياة العامة والسماح للمجتمع والمدنيين بالتظاهر السلمي والمطالبة بحقوقهم، إلا أنه بعد رفع قانون الطوارئ ازداد عنف النظام وبدأت محاصرة المدن بالدبابات والجيش.

هل سيحتاج الطلب إلى تصريح تظاهر واسطة أو رشوة؟

فكل ورقة رسمية حتى ولو كانت بسيطة، يجب أن ترفقها بورقة من فئة 500 ليرة سورية على الأقل لتحصل عليها، هذا ثمن الحصول على’حقك’ من الأوراق البيروقراطية الكثيرة في الدولة السورية.

هل يستطيع النظام وهو الديكتاتوري ـ الذي يلغي الآخر ولا يسمح إلا لحزب ورأي واحد أحد ـ أن يقبل بالتظاهر ضده أو انتقاده؟

لقد كتبت يا سيدي عن مشاركتك بالمظاهرات وأنا اقول لك، أنا وُلدت في حقبة البعث والحزب الواحد وحُرمت هذا الحق وحُرمت بذلك من الشعور بالوطنية، لأن التظاهر عندنا فقط لشخص واحد ومن أجل قضية ليست قضيتنا. لم أشعر يا سيدي بأني فخورة بجنسيتي السورية كما أشعرالآن بعد الثورة، لأن سورية التي كانت مفروضة عليّ، على عملتي النقدية، على جواز سفري، وعلى كل شيء هناك هي سورية الأسد وليست الجمهورية العربية السورية بكل أطيافها، ليست حسن الخرّاط، ليست يوسف العظمة وليست سلطان الأطرش… فهي سورية الأسد فقط.

وانا لا أقول ‘الأسد’ لأنني ضد عائلة الأسد، فقط تكون عائلة أخرى لكنّ سورية اصبحت رمزياً، فعلياً واقتصادياً ملكا لعائلة واحدة. وهنا أريد توجيه رسالة إلى كل الشباب الديمقراطي الذي خاطبته حضرتك: مشكلتنا ليست مع عائلة الأسد ولا مع الطائفة العلوية، مشكلتنا مع حكم الأقلية السياسية المتفرّدة بالحكم. فحسني مبارك وزين العابدين بن علي كانا من الأكثرية الدينية ومع ذلك استطاعا أن يبنيا امبراطورية سياسية واقتصادية حاكمة تعيث بأوطانها فساداً اقتصادياً، أخلاقياً وإنسانياً. مما قاد شعوبها للانتفاضة وكسر الخوف من البطش والقمع الديكتاتوري المتنكّر بالزيّ الجمهوري الديمقراطي العلماني.

قد لا تكون منتمياً لأيّ جهاز حكومي ولست عميلاً أو مندساً لصالح الحكم الديكتاتوري القائم، لكنّ مخاوفك من الثورة ونداءاتك تنسجم مع مصالح هذا النظام وغاياته. هذا ما يريده النظام، بثّ الخوف في نفوس الناس من الثورة ومن النظام الاستبدادي نفسه ليصبح القسم الأكبر من الشعب عاجزاً عن الحركة، فهو أمام حلين أحلاهما مرّ، فإمّا العودة إلى النظام القمعي الذي ستزداد وحشيته وشراسته، خصوصاً تجاه كل من ساهم في الثورة بشكل مباشر أو غير مباشر أو الوقوع بمخالب الفتنة ‘المزعومة’ التي لا ترحم. النظام سينتقم من الثورة لأنّه لا يعرف الرحمة ولا يعرف سوى لغة واحدة ‘نحن… وفقط’ حتى ولو كلّفه ذلك دم مليون سوري واعتقال وتعذيب مليون آخر وإرهاب ما بقي منهم، فنحن ثلاثة وعشرون مليونا وهذا ما قرأته في صفحات الفيسبوك الموالية: ‘درعا بريفها أقل من نصف مليون، فماذا بعد؟ إذا تمّ قتلهم جميعاً سينقص السوريون نصف مليون…هذا كل شيء’. أرجو للمصداقية العلمية أن تأخذ بعين الاعتبار مثل هذه الشعارات في ندائك الثالث للشباب الديمقراطي، أو على الأقل خاطب لمرة واحدة فقط النظام ‘اللا سلفي’ البعثي.

في هذا السياق أود سؤال حضرتك، أوليست مثل هذا الشعارات سلفية أيضاً؟ لا بل عنصرية تريد إلغاء الآخر؟ فالفرق بينها وبين الخطاب السلفي الديني أنها مستندة إلى استبعاد تيارات سياسية مختلفة عنها، حيث أن السلفيين يريدون استبعاد تيارات دينية أخرى، فهما إذاً وجهان لعملة واحدة.

أيضاً أود سؤال حضرتك: هل أقنعتك فعلاً روايات التلفزيون السوري عن السلفيين؟

لا أستبعد أن تكون هناك مبالغة من الطرفين في مسألة تسييس الإعلام المسيّس أصلاً، لكن في نفس الوقت أصدّق قصصاً كثيرة عن النظام كنت قد عشت بعضاً منها شخصياً في سورية مثل:

إجبار الناس على الخروج في مظاهرات تأييديّة للنظام لإعطاء الانطباع بأن الرأي العام السوري مع النظام وليس ضدّه.

ابتزاز العاملين في الدولة لإظهار الدعم والولاء بأقصى درجاته للحفاظ على وظائفهم ومصدر رزقهم.

ابتزاز أهالي الضحايا، معتقلين منهم وقتلى، للإدلاء بشهادات مزيّفة لصالح روايات النظام أمام الإعلام الرسمي (قصص شهود العيان والاعترافات بالسلفية).

ظهور الشبّيحة أو التابعين للنظام بهيئات سلفية، لنشر ظاهرة السلفية وبثّ الرعب في نفوس الأهالي، وإظهار النظام بصورة المخلّص والمنقذ من خطر السلفية والإرهاب وهو في الحقيقة أقبح وجه من وجوهها.

تهديد واعتقال والتعدّي على أهالي وأصدقاء المطلوبين والناشطين ـ والكثير منهم ليسوا مسلمين سنّة – حتى يحصلوا عليهم.

أخيراً وليس آخراً، أتوجّه بالسؤال لكل مثقّف وشريف في العالم ومن منطق إنساني بحت: هل ما يفعله الشبّيحة وأجهزة الأمن والمخابرات بالأطفال والنساء والرجال في سورية هو مجرد دفاع عن النفس ضد السلفية؟

ندائي إلى كل الشباب الديمقراطي في سورية والعالم: يجب أن نرفع صوتنا عالياً ليصبح أعلى من كل الفئات السلفية والقمعية ولنثبت للعالم أن عدوّنا هو ليس طائفة وليس شخصا وليست عائلة وإنما هو نظام القمع والظلم والحزب الواحد.

‘ كاتبة سورية مقيمة في المانيا

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى