صفحات العالم

الربيع العربي لم يسقط المنظومات الإعلامية


داود كتَاب

هل ساعدت وسائل الإعلام المستقلة في إحداث الربيع العربي أم أن الثورة العربية نجحت في تحرير وسائل الإعلام المحلية في العالم العربي؟ هذا السؤال وغيره ، قد أحدث جدالاً بين الخبراء والناشطين في مجال حريات التعبير العرب والدوليين.

كان مصطلح الربيع العربي الكلمة الطنانة في مؤتمرين متتاليين لوسائل الإعلام الدولية عقدا في عمان مؤخرا. فقد عقدت مؤسسة “إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية” (اريج) مؤتمرها السنوي الرابع حيث التقى صحفيون من مختلف أنحاء العالم العربي مع زملائهم في المهنة. وافتتح الصحفي المصري والمحقق السابق في قناة الجزيرة يسري فوده المؤتمر بكلمة قوية ركز خلالها على استمرار الصعوبات لتحرير الإعلام في العالم العربي رغم الربيع العربي. ولم يخفِ فوده الذي يقدم برنامجا تلفزيونيا في قناة مصرية كان له دور ناشط في الثورة المصرية ، شكه في وجود علاقة غير سليمة بين رأس المال العربي ورجال الأعمال الإعلاميين والحكومات.

كما نظم مركز حماية وحرية الصحفيين منتدى للمدافعين عن حرية الإعلام في العالم العربي احتضنته الأردن وتم خلاله مناقشة دور وسائل الإعلام في الربيع العربي. وكانت النتيجة الأهم التي خلصت اليها دراسة قام بها مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية وذلك بالتنسيق مع المركز الاعلامي المضيف أن 53% من المسوحات التي تمت كجزء من الدراسة خلصت إلى أن القنوات الفضائية العربية لعبت دور “المحرض” في الربيع العربي. ورغم ذلك يصر الإعلاميون العرب وكذلك الفضائيات العربية على أن عملهم معلوماتي يعكس الواقع وأنه ليس لهم دورفي تغيير النظام.

ومن البديهي أن اتهام المحطات الفضائية بالتحريض مثل الجزيرة والعربية التي تملكها وتمولها الحكومات أو الأسر الحاكمة (أمير قطر والعائلة المالكة السعودية على التوالي)، يجعل من السهل اتهام هذه الدول الخليجية بأن لها دوراً مباشراً في الربيع العربي.

كذلك يرفض بعض الثوار العرب تسمية الغربيين الحركة التي اسقطت أنظمة بن علي ومبارك بمصطلحات مثل انتفاضة الفيسبوك أو ثورة التواصل الإجتماعي.

إن المحطات التلفزيونية الفضائية وكذلك المدونون ونشطاء التواصل الاجتماعي قد ساهموا بالتأكيد في التغييرات التي تواجه العالم العربي. ومع ذلك، فإن تجاهل شجاعة وعزم الملايين من العرب الذين شاركوا في احتجاجات غير مسبوقة فضلاً عن عشرات الآلاف الذين دفعوا حياتهم ومعيشتهم يمثل إهانة شديدة لهم.

وفي حين أن مختلف أنواع وسائل الإعلام الالكترونية وخصوصا تلك التي يوجد مقرها خارج بلد ما تحت الثورة، قد ساهمت في الربيع العربي، فإن هذه الأخيرة لم تكن قادرة على تغيير احتكارات وأنظمة وسائل الإعلام التي استمرت لمدة طويلة. وبالعكس فمع انطلاق الثورات في بعض البلدان كانت هناك محاولات لفرض مزيد من القيود على الإعلام المحلي.

إن القدرة على تغيير أنظمة وسائل الإعلام والبيئة الإعلامية السائدة في البلدان التي احتفلت بسقوط حكم دكتاتوري دام لمدة طويلة كانت صعبة. فقد استمرت وسائل الإعلام التي تديرها الدولة تعمل كما في السابق بعد الثورة مع تعديلات طفيفة. كان من الممكن أن يختفي كبار المحررين أو الناشرين في ليبيا أو تونس أو مصر ولكن بقية الموظفين والأهم من ذلك السياسة الإعلامية والمضامين الإعلامية لم تتغير.

لاحظ المراقبون في مؤتمرات وسائل الإعلام كيف أن صحيفة تديرها الدولة مثل الاهرام كانت تنكر أو تقلل من حجم الحركات الاحتجاجية، قد تحولت بسهولة بين عشية وضحاها إلى دعمها. كما لاحظ أحد المراقبين كيف تحولت محطة راديو FM التونسية خلال أيام أيضا بسلاسة من تمجيد الرئيس الى عكس ذلك.

إن ما يمكن عمله بشأن العدد الضخم من موظفي وسائل الإعلام التي تديرها الدولة أصبح يمثل صداعا كبيرا بالنسبة للسلطات الجديدة. لم يبدِ أحد أي جهد أو تفكير جدي يعبر عن اهتمام في تغيير هذا الإعلام إلى وسائل إعلام مستقلة حقيقية في خدمة المجتمع.

يضاف الى كل ذلك أن أنظمة وهيئات ترخيص وسائل الإعلام التي تسمح بإنشاء وسائل إعلام خاصة ومجتمعية، خاصة في مجال السمعيات والبصريات لم تر النور بعد في هذه البلدان.

والمطلوب الآن هو حشد التأييد الجدي والفعال لحرية الإعلام والعمل على انطلاق مبادرات إعلامية لمثل هذه الوسائل من أجل ترجمة الربيع العربي في مجال تغيير جذري في الإعلام وليس اقتصار التغيير على مستوى القصورالرئاسية فقط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى