صفحات الناس

الركبان، اللجوء إلى الصحراء/ فراس علاوي و رامي أبو الزين

 

 

يقع مخيم الركبان في أقصى الجنوب الشرقي من الحدود السورية، في المثلث الحدودي السوري العراقي الأردني، يبعد عن معبر الوليد الحدودي مع العراق نحو 17 كم باتجاه الحدود الأردنية، وتنتشر معظم خيامه بين ساترين من التراب، الأول يقع على الحدود الأردنية مباشرة، والثاني على بعد 4 كم من الأول باتجاه الأراضي السورية.

يضم المخيم حسب آخر التقديرات والإحصائيات غير الرسمية نحو 70 ألف نسمة من معظم المحافظات السورية، ريف دمشق ودير الزور والرقة وأرياف السويداء وحماة وحلب وإدلب، ونسبة كبيرة من قاطنيه هم من أبناء البادية السورية، من عشائر بني خالد والعمور والحديديين.

يقول أبو كرم، وهو أحد المشرفين على المخيم بالتنسيق مع منظمة جسور الأمل العاملة داخله: «تم إنشاء المخيم قبل نحو عامين، عندما تقطعت السبل بعوائل من ريف حلب والرقة، فقاموا ببناء خيم عشوائية في المنطقة بأنفسهم. كان إنشاء المخيم ضرورة للمرحلة التي تلت سيطرة داعش على بعض المدن السورية، وما نتج عنها من نزوح للأهالي باتجاه البادية وعدم توفر المأوى للهائمين في الصحراء».

يقع المخيم في بقعة صحراوية، يسكن اللاجئون فيه خياماً بعضها مدعمٌ بجدران طينية، ويفتقد للتنظيم ويعاني قلة الدعم والاهتمام من المنظمات الدولية والمحلية. يعتبره تنظيم داعش مخيم «المرتدين»، وعلى الجانب الآخر فإن المنظمات الدولية والغربية لا تقدم الدعم لقاطنيه، ويقول أبو كرم إن «الصورة عن أهل المخيم بالنسبة للمنظمات الدولية غير واضحة، ويبدو أنهم يعتبرون سكان المخيم إما دواعش او على صلة مع الدواعش، وبالمقابل فإن داعش تعتبر ساكني المخيم من أهل الردة، وحاولت تنفيذ عمليات تفجير أكثر من مرة ضمن المخيم».

المنظمة الغربية الوحيدة التي عملت في المخيم هي وورد فيجين/World Vision، ويقول السيد عماد، وهو إعلاميٌ عمل في المخيم مع تلك المنظمة، إنها «باشرت العمل بالمخيم منذ 7 أشهر، واستمر عملها لمدة 4 أشهر، ثم توقف بسبب الوضع الأمني والتفجيرات التي حصلت قرب المخيم، وبسبب فساد جيش أحرار العشائر، الذي يعتبر المنفّذ لأعمال وورد فيجن في المخيم».

من يود الوصول إلى مخيم الركبان، سيكون مجبراً على سلوك طريق صحراوي محفوفٍ بالمخاطر، حيث يكون عرضة لعمليات السلب من قبل قطاع الطرق المنتشرين في المنطقة، أو الافتراس من الحيوانات البرية المنتشرة في الصحراء، كما أن الأمر يتطلب مساعدة شبكات التهريب المنتشرة في البادية لتحقيق وصولٍ آمن، حيث يصل المبلغ المطلوب لإيصال اللاجئين إليه إلى 250 ألف ليرة على الشخص الواحد، أي أن اللاجئ سيعاني الهروب والنزوح، وفوقها سيدفع ليقطن خيمة على أطراف البادية.

داخل أسوار المخيم الافتراضية، يعيش قاطنو المخيم ضمن مجتمع سوري مصغر يسوده الفقر الشديد، ويفتقر لأدنى المقومات الإنسانية للحياة. يقول أبو كرم متحدثاً عن الوضع الاقتصادي والحياة المعيشية ضمن المخيم: «في بداية نشوء المخيم عندما كانت الأعداد قليلة، كانت تدخل إليه مساعدات عن طريق منظمة اليونيسيف بكميات قليلة يتم توزيعها بشكل غير منظم، حيث كان يتم إفراغ المساعدات عند الساتر الأردني، ويتم التوزيع بشكل غير عادل إضافة للهدر الذي يرافق ذلك.

بعد فترة قصيرة حدث تفجير بالقرب من الحدود الأردنية نفذه تنظيم داعش، فقام الجيش الأردني برفع السواتر رداً على هذا التفجير وإغلاق الحدود بشكل كامل، مما أدى لتوقف المساعدات، وبالتالي لم تصل للمخيم أي مساعدة لمدة ستة أشهر كاملة، كانت كفيلة بخنق الناس داخل المخيم وزيادة معاناتهم من قلة الغذاء والدواء. كانت تتوفر القليل من البضائع المهربة من محافظة السويداء أو مناطق سيطرة داعش، وبأسعار عالية تصل إلى سبعة أضعاف سعرها الحقيقي، حيث يستفيد تجار الأزمات والحروب من هكذا أوضاع».

أما عن مياه الشرب في المخيم، يقول الإعلامي السيد عماد: «مياه الشرب عبارة عن مياه كلسية تصبح بعد تصفيتها في الأراضي الأردنية صالحة للشرب بنسبة 75 %، بالرغم من ذلك فالحصول على الماء يرافقه حالة من الفوضى والاقتتال بين القاطنين في بعض الأحيان، بسبب الكميات المحدودة من الماء التي تصل يومياً عبر صهاريج».

يدفعُ الفقر والجوع أعداداً كبيرة من شباب المخيم إلى الاتجار بالممنوعات كالحبوب المخدرة والحشيش وترويجه، والتعامل مع مهربين للحصول على تلك المواد، إذ تنتشر ظاهرة الإدمان على الممنوعات بين بعض ساكني المخيم. غير أن الأطفال والنساء هم الأكثر عرضة للانتهاكات والأذى داخل الركبان، فمن سوء التغذية والأمراض الناتجة عنه التي تفتك بالأطفال، إلى عدم وجود البيئة الصحية الحاضنة للطفل صحياً ونفسياً، إلى الابتزاز الذي تتعرض له النساء في الكثير من المواقف وخصوصاً النساء اللواتي لا يوجد لديهن معيلاً في العائلة.

لا توجد في المخيم أي نقطة طبية، والنقطة الطبية الوحيدة في المنطقة توجد على الحدود ضمن الأراضي الأردنية. يقوم بعض الأشخاص مما يسمى جيش أحرار العشائر بتسجيل أسماء المرضى والحالات وانتقاء أعداد معينة. هذا الانتقاء حسب الأهالي لا يخلو من المحسوبيات والرشوة ومن ثم نقلهم إلى النقطة الطبية، وهذه الإجراءات غير المنتظمة سببت العديد من الوفيات بين الأطفال والنساء، وخاصة الحوامل.

معاناةٌ أخرى لا تقل أهمية عما سبق، وتتمثل بزواج القاصرات. أم محمد امرأة أربعينية وأم لثلاثة أطفال، تصف ظاهرة الزواج المبكر في المخيم: «بسبب الفقر والأوضاع المادية لأهالي المخيم، باتت عائلات كثيرة تسعى إلى الخلاص من بناتها بأي طريقة كانت، لأنهم لم يعودوا قادرين على تحمل نفقاتهم ومصاريفهم، مما أدى إلى انتشار ظاهرة زواج القاصرات بشكل كبير جداً. بناتٌ لا تتجاوز أعمارهن 12 عاماً تم تزويجهن، وبعض الفتيات دون سن 18 هم أمهات الآن، والظاهرة لاتزال متفشية للآن وبازديادٍ للأسف».

عدة منظمات كانت لها محاولات للعمل داخل المخيم، كمنظمة نماء وأطباء بلا حدود، لكن جميعها باءت بالفشل بسبب عدم التواصل المناسب بين هذه المنظمات وإدارة المخيم أو المشرفين عليه سابقاً. التواصل بين المنظمات وأهالي المخيم يتم عن طريق جيش أحرار العشائر، المدعوم من الحكومة الأردنية.

يقول أبو كرم: «أدخلت منظمة أطباء بلا حدود مشفىً مسبق الصنع متكاملاً إلى المخيم وقامت بتجهيزه، لكنه استهدف بعد فترة قصيرة بتفجيرٍ بالقرب منه وتم اتهام تنظيم داعش بالمسؤولية عنه، مما أخرجه عن العمل دون عودة، والدواء الذي كان موجوداً أصبح يباع للأهالي بأسعار عالية، رغم أنه مكتوب عليه يوزع مجاناً».

أشرف على المخيم عند إنشاءه جيش أسود الشرقية، لكن تمت عرقلة عمله من قبل جيش أحرار العشائر المدعوم من الحكومة الأردنية، ما أجبره على الانسحاب من إدارة المخيم. ويقول بعض من تواصلنا معهم داخل المخيم إن واقعة عرقلة عمل أسود الشرقية من قبل أحرار العشائر واقعة معروفة للجميع، ويُقال إن الأخير رفع تقارير إلى الحكومة الأردنية أدت إلى إقصاء أسود الشرقية.

يعيش المخيم حالة عارمة من الفوضى، إذ أصبح السلاح رائجاً فيه، وسجلت عدة حالات من السلب داخله كما حدثت عدة حالات اقتتال مسلح لأسباب مختلفة أغلبها له علاقة بالحياة الصعبة داخل المخيم أو لخلافات شخصية.

تعمل الآن ضمن المخيم ومنذ فترة قريبة منظمة جسور الأمل، التي اهتمت بالجانب المدني والطبي والتعليمي، فعملت على تفعيل عمل المجلس المحلي الذي تم تأسيسه بتاريخ 4/2/2017 بناء على مبادرة سابقة كان قد تقدم بها وجهاء المخيم، وساعدت في هيكلة مكاتبه. كما عملت على إنشاء مستوصف أقرب إلى أن يكون مشفىً مصغراً داخله، والدواء يوزع من خلالها مجاناً، ويصل متوسط عدد المرضى الذين يدخلون المستوصف بشكل يومي إلى 120 مراجعاً، وقد يصل العدد إلى أكثر من ذلك.

لا توجد أي مدارس داخل المخيم والأطفال جميعهم خارج العملية التعليمية، وتقوم المنظمة بإجراءات إسعافية مؤقتة ريثما يتم إحداث مدارس، من خلال اتخاذ خيام أو غرف صغيرة كشعب مدرسية لتقديم الدروس للطلاب.

كذلك يتعرض المخيم بين وقت وآخر لهجمات من داعش، حيث يتم تفجير سيارات مفخخة فيه أو على مقربة منه بتهمة أنه يأوي مرتدين وعائلاتهم، وهو ما يجعل قاطنيه يعيشون حالة من الرعب والخوف الدائم على أهاليهم وأبنائهم. وتتواجد في مناطق قريبة من المخيم فصائل عديدة تخوض معارك مع تنظيم الدولة، منها جيش أسود الشرقية ومغاوير الثورة (جيش سوريا الجديد سابقاً) وغيرها، ولبعض المقاتلين في هذه الفصائل عائلاتٌ تقطن المخيم، وهو ما يدفع تنظيم الدولة الإسلامية إلى وصفه بمخيم «المرتدين».

ليست هذه إلا جوانباً من المعاناة التي يعيشها سكان أحد مخيمات اللجوء، وهو جزء من معاناة السوريين التي يعيشونها في ظل التجاهل العام لمأساتهم، ويمثل مخيم الركبان أعلى حالات التجاهل والاستهتار غير المفهومة، إذ ليس ثمة أجوبةٌ مقنعةٌ حول سبب ترك سبعين ألف شخصاً يعيشون في الصحراء.

موقع الجمهورية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى