صفحات سورية

الرهان الخاسر للعمال الكردستاني في سورية/ داريوس الدرويش

 

 

قامت سلطات إقليم كردستان العراق أخيراً باعتقال حيدر ششو قائد قوات حماية شنكال، وهي قوات إيزيدية شكلت بعد احتلال «داعش» المنطقة، ومن المعروف أن حزب العمال الكردستاني يقف وراء تشكيل هذه القوة وإمدادها بالسلاح والتدريب.

الدوافع المعلنة وراء تشكيل هذه القوة استندت إلى الجرح العميق الذي خلفه هجوم «داعش» المباغت على شنكال من قتل وتشريد وسبي للنساء وبيعهن في سوق النخاسة، يضاف إليها الحملات الإعلامية للجهات التابعة للكردستاني والتي تركزت على نقطتين: الأولى خلق إيحاءات بوجود انقسام حزبي ضمن قوات البيشمركة، والتي من شأنها خلق التبرير الأخلاقي لوجود قوة حزبية ثالثة تتبع الكردستاني طالما أن لكل من الديموقراطي والاتحاد الوطني بيشمركته الخاصة به.

النقطة الثانية، التسويق لخذلان البيشمركة للإيزيديين في شنكال، إما عبر الترويج لنظرية الانسحاب المقصود لـ «بيشمركة البارزاني»، أو عبر تبرير انسحاب «بيشمركة الاتحاد» بالضعف وقلة العدد، لتكون النتيجة فقدان ثقة الإيزيديين برغبة (أو قدرة) البيشمركة على حمايتهم، وبالتالي تبرير إنشاء قوات إيزيدية خاصة بهم تحميهم وتستطيع ذلك.

يبدو الأمر مفهوماً إلى هذا الحد، فهو يقع ضمن إطار الصراعات الحزبية التي اعتدناها بين الكرد خصوصاً. ما ليس مفهوماً مقدار التهور الذي وقع فيه العمال الكردستاني في المراهنة على هذه الصراعات بكل ما لديه، ومن دون فائدة تُرتجى. وهذا ليس لأن الرهان سيكون خاسراً حين تُسند قيادة هذه القوات إلى شخص كحيدر ششو، العضو القيادي في الاتحاد الوطني، المقيم في أوروبا، والذي قد لا تتجاوز خبرته القتالية بضع معارك بالأيدي! عدا تسليمه مهمات يستصعبها عسكري مخضرم برتبة جنرال. كذلك لا يعود التحفظ إلى أنه تم إدخال ششو في صراع ضمن بيئة عشائرية لن يستطيع غالباً المنافسة فيها في مواجهة عمه قاسم ششو (البيشمركي المخضرم)، وليس لأن «وحدات حماية شنكال» لم تقم فعلياً بأي من المهمات التي أخذتها على عاتقها وكانت المبرر الأول لوجودها، إذ هي لم تستطع حماية الإيزيديين ولا تحرير شنكال، ولم تساهم في ذلك إلى حين وصول قوات البيشمركة وتقدمها. وليس الأمر كذلك لأن هذه القوة نسبت نفسها إلى ميليشيات الحشد الشعبي (للالتفاف على الولاية القانونية للإقليم عليها)، فأغلب الظن أن هذه «النصيحة» قدمت لهم من حزب العمال نفسه. وليس كذلك لأن العمال الكردستاني، وعبر هذه القوات، يحاول إنشاء طرف ثالث غير دستوري ينازع على أراضٍ متنازع عليها دستورياً بين بغداد وأربيل.

التهور ليس في تلك الأسباب، فهي رهانات لا تكلف العمال الكردستاني شيئاً، وإن كلفت الكرد الكثير. لكن المؤكد أن دعم أعمال هذه القوات في القرى العربية في محيط شنكال (وهو ما أظهرته وسائل الإعلام) من انتهاكات لحقوق الإنسان وحالات انتقامية تحمل طابعاً عنصرياً واضحاً، هو التهور بعينه. فدعم اتجاه كهذا لا يهدد فقط مصير العلاقات العربية – الكردية في العراق وسورية، بل يهدم كل ما بُني عليه العمال الكردستاني الذي لم يحدث سابقاً أن تبنى أية أيديولوجية قومية عنصرية ضد الأتراك حتى أثناء خوضه أشد معاركه ضراوة مع الجيش التركي، بل كان يفخر بأن بعض مؤسسيه وقادته من القومية التركية، وها قد أصبح يدعم اتجاهاً يمارس أعمالاً انتقامية بدوافع عنصرية حيال العرب.

كما أن هذا الحزب الذي حافظ على سجله نظيفاً إلى حد بعيد من خرق قواعد الحرب المعمول بها دولياً، وذلك حتى أثناء أشد معارك جناحه السوري ضد «داعش»، أصبح يدعم الآن قوات تخرق هذه القواعد بسهولة تشبه سهولة تأسيس هذه القوات نفسها. إضافة إلى ذلك فدعم قوة لا يملك الحزب سيطرة مباشرةً عليها، ولا تمتثل لمعايير أيديولوجيا الحزب، لا يمكن اعتباره تقوية مباشرة لموقعه، بل هدم لمواقع الآخرين (والمستهدف في هذا هو إقليم كردستان العراق) يؤدي في النتيجة إلى تعريض الشعب الكردي، مجاناً، للخطر.

والحال أن من المستبعد أن يمر سلوك كهذا مرور الكرام، فبيشمركة الإقليم وقفت بالضد من تصرفات كهذا، بل طردت من تلك القرى وحدات ارتكبت فيها انتهاكات، لكن الأبعد من هذا أن جهود الكردستاني في الانفتاح على الغرب ستعاني أيضاً من حملٍ ثقيل. فالغرب الذي وجد أحد مبررات تدخله في كوباني في وجود المقاتلات الكرديات، بما يوحيه من اختلاف قيمي عن «داعش»، لن يملك مبرراً كهذا بعد الآن، خصوصاً أن اللوبي التركي في الغرب يستخدم هذه التصرفات لتعميمها على حزب العمال كاملاً، ولن يكون مُستغرباً أن تنجح هذه الجهود ذات يوم.

* كاتب كردي سوري

الحياة

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى