صفحات سوريةعارف حمزة

الزمن كسلاح ضد الثورة السوريّة/ عارف حمزة

متى سيُنهك السوريّون من ثورتهم؟ متى سيُعلن قادة الكتائب في الجيش السوريّ الحرّ تسليم سلاحهم، وسلاح أفراد كتائبهم، إلى قوّات الجيش النظامي، والاستفادة من ميّزات العفو المتتالية التي أطلقها النظام؟. متى سيضغط النازحون داخل الأراضي السوريّة على الثوّار؟ متى سيُحاربونهم بأنفسهم كي يُخرجوهم من مدنهم المدمّرة والمنتهكة بالبراميل والصواريخ؟ متى سيتظاهر اللاجئون السوريّون ضدّ ثورة أبنائهم الشهداء والمفقودين، ويُطالبون برحمة من الأسد؟ هذه نماذج قليلة من الأسئلة التي يطرحها، في سرّه، العالم المتماسك في موقفه مع نظام بشّار الأسد، ضد السؤال الذي يطرحه أي طفل في سوريّا: متى سيستيقظ ضمير العالم؟

كلّ الأسئلة، على قلّتها، التي طرحناها في الأعلى هي أسئلة تخصّ الزمن. كأنّ العالم نسي مع مَن يقف، أو مع مَن يتضامن على الأقل. وتناسى مَن هو الظالم ومَن هو المظلوم. واستطاع العالم بكلّ بساطة أن يُدير ظهره لمآسي الشعب السوريّ ومعاناته، حتى عندما تمّ قصفه بالسلاح الكيميائيّ، بذريعة الخوف من أنّ القاعدة هي التي ستحكم سوريّا، لا محالة، إذا سقط نظام بشّار الأسد!!. لدرجة أنّ إسرائيل نفسها تكاد ترسل قوّاتها بشكل علنيّ، إلى جانب قوّات حزب ألله والميليشيات العراقيّة والطيّارين الروس والكورييّن، لمنع حصول “القاعدة” على ذلك الجوار منها! وكأنّ السورييّن بدأوا ثورتهم بجلب الأفغان والتوانسة والشيشان والليبييّن وكلّ السلفييّن الجهادييّن الآخرين كي يُحاربوا الأسد بهؤلاء! وكأنّهم هم، وليس نظام الأسد، من أرسلهم إلى العراق للقيام بالتفجيرات أثناء الاحتلال الأمريكي لها! وكأنّ المواطنين السورييّن العادييّن والعزّل مَن كانوا مسؤولين عن النقاط الحدوديّة، فأدخلوا الجهادييّن والسلفييّن وكلّ هذا السلاح الروسيّ الصنع ليد فصيل معيّن. وكأنّهم درّبوا مقاتلي القاعدة لسنوات قبل أن يقوموا بثورتهم! وكأنّهم رفعوا المصاحف في مسيراتهم وليس الأعلام واليافطات الحضاريّة المطالبة بدولة المواطنة والتعدّد! وكأنّهم طالبوا بالخلافة وليس بالحرية!. وكأنّ السورييّن المظلومين المقهورين الذين نادوا بالحريّة هم بالضبط مَن تنطبق عليهم صفات الإرهاب.

في كلّ مرّة كان العالم يُعطي فرصة جديدة للأسد كي يحرّك بيادق وحشيّة جديدة على الرقعة البريئة لهذا البلد. وسيرى العالم تلك البيادق في القسم الخاص للثوّار السورييّن، وليس في قسمه هو. وتدرّجت قناعة العالم، وتعليق آماله بدرجات مهارة الأسد حتّى أوصلته لتحريك عناصره من القاعدة والميليشيات الوحشيّة الأخرى، كي تأتي وتخلّصه مّما تبقّى من الشعب السوريّ الثائر كي تخلّصه، أي تخلّص العالم، منهم، وينتهي كابوس ضمير العالم الذي لا ينام.

يحبّ العالم أن يُصدق أنّ النظام السوريّ يخاف من اشتعال الحرب الأهليّة في سوريّا، وكأنّ ما قام به النظام لحدّ الآن ليست حرباً أهليّة! حتّى لو كان من الضروري أن نأخذ بالتعريف الدقيق والصارم للحرب الأهليّة، كما جاء في الويكيبيديا مثلاً، بأنها هي الحرب الداخلية في بلد ما، والتي يكون أطرافها جماعات مختلفة من السكان. كلّ فرد فيها يرى في الآخر عدوه، وفي من يريد أن يبقى على الحياد، خائنا لا يمكن التعايش معه، ولا العمل معه في التقسيم الترابي نفسه… ألا يُعتبر النظام قائداً للحرب الأهليّة وفق هذا الوصف، ولسبب أقلّه سياسيّ؟

حتّى هذه اللحظة يحذّر النظام من الحرب الأهليّة، كي يوهم العالم، ومؤيّديه المتورّطين معه، بأنّه يحارب من أجل عدم وقوعها بين مكوّنات “شعبه”. رغم أنّ كلّ الحقائق تدلّ على أنّ النظام توسّم في نفسه القدرة على إشعالها حتّى قبل سنوات طويلة من هذه الثورة اليتيمة.

هل ما يحدث للسورييّن هو أقل ممّا حدث في يوغسلافيّا السابقة؟. أقل ممّا حدث في راوندا؟. يبدو أن الأمر مختلف مع السورييّن؛ حتّى مع نزوح أكثر من سبعة ملايين نسمة، للداخل والخارج، ومقتل عشرات الآلاف، وفقدان واعتقال عشرات الآلاف أيضاً، وتهديم عشرات المدن وآلاف القرى ومحوها عن الأرض.

إنّها حرب أهليّة بكلّ معنى الكلمة التي تجري من طرف النظام السوريّ. وأراد النظام إكمال طقوس تلك الحرب بإدخال فصائل من القاعدة، كانت تخدم تحت إمرته في العراق ومناطق أخرى، لترويع العالم بأنّ الأكثريّة تحارب الأقليّة في سوريّا! وكأنّها لن تكون حرباً أهليّة، بالعرف القانونيّ، لو أنّ الأقليّة، التي تملك السلطة والسلاح وقيادة الجيوش، هاجمت الأكثريّة وقتلتهم وهدمت بيوتهم وهجّرتهم؟

النظام السوريّ أيضاً يلعب على مسألة الزمن، منتظراً إنهاك القوّة بالنسبة لفصائل الجيش السوريّ الحرّ، وبالتالي قبول المعارضة السياسيّة بالجلوس على طاولة المفاوضات، وفق شروط النظام وقوّته. فهو يُراهن على عدم وجود قيادة عسكريّة موحّدة على الأرض، وبالتالي عدم وجود قرارات متينة تمنع الاقتتال بين الفصائل نفسها، واضمحلال قواها مع إطالة زمن عدم تحقيق انتصارات كبيرة.

من حقّ النظام السوريّ أن يعتمد على عامل الزمن؛ طالما أن الدعم، ماليّاً وعسكريّاً، ما زال يصله لحدّ الآن، مع غضّ النظر بشكل مريب من الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدوليّ عن ممارساته الوحشيّة التي تجاوزت كلّ الخطوط الحمراء التي وضعها القانون الدوليّ. وفي الوقت نفسه فإن الطرف المقابل لا يلاقي ذلك الدعم بشكل مستمرّ، وليس بشكل تصاعديّ، مع وجود الخلافات العميقة بين الدول الداعمة للمعارضة السوريّة، والجيش السوريّ الحرّ.

هناك “بطش زمنيّ” أيضاً بالإضافة إلى البطش الذي يجري على الأرض ومن الجو. ويبدو العالم مرتاحاً في السكوت عن فظائع الأسد. لدرجة أنّ العالم صار ينتظر “الأكثريّة” أن تهجم على مناطق “الأقليّة” المحميّة حاليّاً بقوّات كبيرة من النظام، كي يجد مبرّراً قويّاً لاتهام قوّات المعارضة بتحويل الصراع إلى حرب أهليّة، وإجبار الدولة على التقسيم كما يرغب في ذلك، ويتخوّف منه، النظام!

الزمن ليس في صالح المعارضة. يراهن على ذلك الكثيرون، وفي الوقت نفسه يُراهن الكثيرون على أنّ إطالة الزمن لن يكون في مصلحة النظام أيضاً.

صار معدّل الضحايا من المدنييّن /70/ قتيلاً في اليوم. وهو رقم مهوول بكلّ المقاييس، مع فرصة دخول الثورة السوريّة عامها الثالث. ومن أجل أن لا يعيش العالم هول هذه الأرقام قرّرت الأمم المتحدة التوقّف عن إحصاء عدد القتلى السورييّن!

في الوقت الذي كان على العالم التدخّل لإنقاذ الشعب السوريّ أعمى أعينه عن استخدام النظام السوريّ للسلاح الكيميائيّ، وللصواريخ البالستيّة وللقنابل الفوسفوريّة وللبراميل المتفجّرة. وأعطوه فرصة جديدة من أجل تسليم سلاحه الكيميائيّ! وهذه مسألة غاية في الخطورة؛ إذ متى كانت العدالة تكتفي بتسليم المجرم الجنائيّ العاديّ، وليس السّفاح ومؤسّس المقابر الجماعيّة والمجازر بحقّ المدنييّن، سلاحه في القتل، ثمّ يطلبون منه الذهاب إلى القصر الجمهوريّ وإكمال مهمّاته النبيلة؟

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى