رشا عمرانصفحات الثقافة

السؤال السوري الصعب/ رشا عمران

 

 

من العبث أن تحاول إقناع بعض المثقفين العرب اليساريين، أو القوميين، بأن ما يرونه على شاشات الفضائيات، أو ما يقرأونه على صفحات التواصل الاجتماعي، ليس هو الصورة الوحيدة عن الوضع السوري، وليس هو قاعدة الثورة السورية، من العبث إقناعهم بأن مَن يعرفونهم من نجوم المعارضة السورية ليسوا هم مَن قاموا بالثورة، وليسوا ناطقين باسم السوريين الثائرين، كما يدّعون، ولم يفوّضهم أحد، ولا يمثّل أحدهم شريحة الثورة الكبرى، حتى لو تابعه على صفحته عشرات آلاف السوريين. من العبث إقناع هؤلاء بأن الثورة السورية هي ثورة شعب ضد الظلم والقهر والإقصاء والقمع والفساد وانعدام الأفق وضيق الحال والتجهيل الممنهج وتفتيت المجتمع، وبث فيروسات الخراب في داخله، وليست ثورة إسلاموية يقودها الجهاديون، وتهدف إلى زعزعة استقرار المجتمع السوري، المكوّن من تنوّع الأديان والمذاهب والإثنيات.

“كيف ستقنع مثقفاً اعتاد على منطق نظرية المؤامرة، في تحليل أي حدث سياسي تغييري، وعلى رؤية الظواهر الاجتماعية والسياسية بالمنظار الأيديولوجي، من دون حساب الزمن ومتغيّراته، وشروطه، وتأثيره على طبقات الوعي المجتمعي، محرّك هذه الظواهر. كيف ستقنعه بأحقية الثورة السورية، وأحقية مطالبها، وأحقية ضرورتها”

كيف ستقنع مثقفاً اعتاد على منطق نظرية المؤامرة، في تحليل أي حدث سياسي تغييري، وعلى رؤية الظواهر الاجتماعية والسياسية بالمنظار الأيديولوجي، من دون حساب الزمن ومتغيّراته، وشروطه، وتأثيره على طبقات الوعي المجتمعي، محرك هذه الظواهر. كيف ستقنعه بأحقية الثورة السورية، وأحقية مطالبها، وأحقية ضرورتها، وهو يؤمن بأن نظام بشار الأسد علماني، ومقاوم للمشروع الصهيوني الأميركي في المنطقة، وهو وأنت تستمعان معاً، بالمصادفة المحضة، إلى نشرة أخبار فضائية في محطة ما، تستضيف محللاً سورياً (استراتيجياً)، يقول إنه “يكفي الثورة السورية إنجازاً أنها حرمت ثلاثمئة ألف امرأة (علوية) من رؤية زوجها”، أو تستمعان إلى معارض سوري سياسي كان، إلى فترة قريبة، ينتمي إلى تنظيم يساري، وهو يدافع عن التنظيمات الجهادية التكفيرية، ويعتبرها جزءأ أساسياً من الثورة السورية، أو تستمعان إلى معارض بارز، يتحدث إلى قناة فضائية إسرائيلية، ويطالب إسرائيل بالتدخل لإسقاط الأسد! كيف ستقنع هذا المثقف، وهو يفتح لك صفحة مثقف سوري على “فيس بوك”، وصديق مشترك بينكما، ويقرأ لك منشوراته التي يؤكد فيها أن الثورة السورية إسلامية، وأن مَن قام بها هم الإسلاميون، وأن مَن هم ليسوا إسلاميين في الثورة مجرد طابور خامس، أو ربما عملاء للنظام، وأن النظام القادم سيكون إسلامياً حتماً، وأن من حق الجهاديين غير السوريين في سورية تحديد شكل الدولة المقبلة، ثم يقرأ لك تعليقات مؤكدة ومؤيدة منشور الصديق المشترك، وكلها من سوريين بأسماء مستعارة، أو سوريين بأسماء صريحة، لكنهم يعيشون في الخارج منذ مدة طويلة!

كيف ستقنع هذا المثقف بأن نظريته عن المؤامرة تصح، هنا، بالتحديد، في تشويه صورة الثورة، وفي ضخ المال السياسي لإفسادها، وتحويلها من قضية شعبٍ، يناضل لنيل حريته، واستعادة حاضره ومستقبله، من بين أيدي عصابة مافياوية حاكمة، تستخدم كل ما ينتجه خيال الإجرام لقمع الثورة، إلى أزمة داخلية، تشبه حرباً أهلية، يقودها نظام نجح في المحافظة على توازن خطابه الإعلامي الخارجي، ولم ينحدر فيه إلى التدني الطائفي، بينما ممارساته ضد السوريين الثائرين، وتجييشه فئات المجتمع السوري وتحالفاته الخارجية، واستقدامه ميليشياتٍ طائفيةٍ من الخارج، وتشكيله عصاباتٍ داخليةٍ ذات طابع طائفي، تفضح بما لا يقبل الشك منهجه الطائفي في قمع الثورة، وتقابله ميليشيات تكاثرت مع انتشار فوضى تسليح الثورة وشراء الولاءات، مقابل السلاح ورغبة المجتمع الدولي في إطالة عمر (الأزمة) السورية، وخضوع كثيرين من رموز المعارضة إلى أجندات لا وطنية، وتبعيتهم لأنظمة وأجهزة استخبارات دولية، والتغاضي الدولي المريب عن تدفّق تنظيم القاعدة إلى سورية، تحت أسماء مختلفة (غرباء الشام والنصرة وداعش…)، وعثورهم في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام على مناصرين، عن قناعة أو عن حاجةٍ، أو عن يأس، وتبنيهم، وإضفاء المشروعية عليهم من صقور المعارضة السياسية السورية، ميليشيات مسلحة، يقودها مَن يسمون أنفسهم “أمراء” سوريين وغير سوريين. وتشكلت معها عصابات مسلحة بهدف السلب والنهب، وبدأت غزواتها لاحتلال ما يمكنها احتلاله بقوة السلاح والفتاوى الظلامية، وبهدف القضاء الكامل على ما تبقى من “الجيش الحر”، الممثل للثورة وأهدافها، وتحويله إلى ميليشيا حرب، لا علاقة للثورة بها.

هل ستعرف، أنت السوري، الذي يرعبك المشهد الذي تصفه، ويرعبك حال المدنيين في سورية والباقين عرضة لإجرام الطرفين، وعرضة للكوارث الناتجة عن هذا الجنون الإجرامي المنفلت من عقاله، وعرضة للتشويه في وسائل الإعلام العربية والعالمية التي يحلو لها استضافة السوريين البارعين في تشويه صورة المجتمع السوري، وصورة الثورة السورية. هل ستعرف أن تجيب على سؤال المثقف العربي اليساري، أو القومي، وهو يسألك السؤال التالي: عن أية ثورة تتكلم أنت؟ سوى بجواب واحد فقط: ثورة السوريين الباقين في سورية، والرافضين لهذا الجنون، وثورة المعتقلين المعرّضين يومياً للموت تحت التعذيب في سجون الأسد، وثورة المشردين والفقراء، وأطفالهم أصحاب الحق بالمستقبل السوري، طالما حاضرهم يغتصبه الجميع.

العربي الجديد

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى