صفحات العالم

السؤال عن «ملحمة حلب الكبرى» ورؤية المحيسني؟!/ ماجد كيالي

 

 

«سنزلزل الأرض تحت أقدامهم»، هذه هي العبارة التي اعتاد بعض قادة الفصــــائــــل الفـــلســـطينية إطلاقها، في كل مرّة كانت تقوم إسرائيل باغتيال أحد القياديين أو ارتكاب مجزرة بحق الفلسطينيين، متوعّدين إياها برد لم يأت أبداً، في حين الأرض ظلّت لا تتزلزل إلا تحت أقدام الفلسطينيين الذين دفعوا باهظاً ثمن مثل هذه «العنتريات»، أو ثمن الانفصام عن الواقع.

للأسف الشديد، مثل هذا تكرّر كثيراً، أيضاً، في الصراع السوري. مثلاً، منذ دخول جماعات «الجيش الحر» إلى أجزاء من مدينة حلب (تموز – يوليو 2012) ظلّ قادة الفصائل العسكرية يعلنون أن الأسبوع المقبل سيكون موعد السيطرة على حلب كلها، وهذا لم يحصل كما نعلم حتى الآن، من دون أن يقدم أصحاب تلك الإعلانات أية تفسيرات أو اعتذارات. هذا يشمل مناطق أخرى، كإعلان «غزوات» أو حملات في الجبهة الساحلية والجنوبية، وجبهة الغوطة في دمشق، حتى أننا سمعنا مرات عن ساعة صفر تلو أخرى للهجوم على معاقل النظام في دمشق، في مبالغات أقحمت ثورة السوريين في مغامرات لا طاقة لها بها، وقبل أوانها.

يأتي في عداد مثل هذه الادعاءات المضرّة عدد من الحوادث المريبة، أهمها مثلاً اغتيال أعضاء من «خلية إدارة الأزمة» (تموز 2012)، التي ضمت بعض أبرز قادة النظام، كداود راجحة وآصف شوكت وحسن توركماني وهشام الاختيار، إذ تم تمرير تبنّيها من قبل بعض المعارضة بطريقة ساذجة متسرّعة.

وتبيّن أن هذه العملية تمت، على الأرجح، في إطار عمليات تصفية داخلية في النظام، لتأمين رأسه، وتحقيق السيطرة الإيرانية على القرار السوري، الأمر الذي فوّت على المعارضة، في حينه، توظيف العملية سياسياً في عزل النظام وتعظيم التناقضات بين صفوف الموالين له.

كما تأتي ضمن ذلك قصة سيطرة جماعات احتسبت على «الجيش الحر» على مخيم اليرموك ومحيطه، الأمر الذي أدى إلى تهجير أكثر من مليون من السوريين، ضمنهم حوالى مئتي ألف من الفلسطينيين، في منطقة كانت تعتبر حاضنة شعبية للثورة السورية، وحتى الآن لا أحد يعرف من أخذ هذا القرار، أو لمصلحة من اتخذه، علماً أن مثل ذلك حصل في مناطق أخرى، ولم يستفد من ذلك إلا النظام.

لا نشكّك بنيات أصحاب مثل هذه التصريحات أو الادعاءات أو المواقف، وإنما القصة تتعلق بافتقاد أصحابها للتفكير العقلاني السليم، وغلبة الروح الرغبوية، كما تتعلق بمدى أهليتهم لخوض صراعات عسكرية تفترض معرفتهم بأنها تخاض بوسائل معينة، وليس بالأمنيات والعواطف، كونها تعتمد على قدر مناسب من تكافؤ ولو نسبياً في السلاح والعتاد والإدارة وطول النفس والمعطيات السياسية المواتية للتوظيف، إذ ليس فقط تحولت المناطق التي تخضع لهذه الجماعات إلى مناطق محاصرة، وبمثابة حقل رماية لطائرات النظام ومدفعيته، وإنما باتت مناطق هجرها سكانها، أيضاً، ما أضعف المعارضة والبيئات الشعبية الحاضنة لها.

المشكلة أن المعارضة السورية، بكياناتها السياسية والعسكرية والمدنية، لم تقم ولا مرة بمراجعة هذه المواقف، والتبرؤ منها، ونقدها، ووضع حد لها، كما ولم تقم مرة بمساءلة أصحابها، عن ادعاءاتهم، الأمر الذي قوّض صدقيتها، أمام شعبها، وأضعف التعاطف معها لدى الرأي العام عربياً ودولياً، ما سهّل على النظام وحلفائه تحويل القضية السورية من قضية سياسية إلى قضية إنسانية او قضية طائفية او قضية صراع ضد الإرهاب.

في السياق ذاته، وقبل أكثر من أسبوع أيضاً، كان القائد العام لحركة «نور الدين زنكي» أعلن قرب إطلاق «ملحمة حلب الكبرى»، وهو ما لم يحصل، كما نعلم، بل إن هذه «الملحمة» حصلت بالطيران الروسي والسوري الذي ظل يلقي حممه على السوريين، في مناطق حلب وإدلب، حيث قضى مئات منهم، ضمنهم 27 من أطفال مدرسة في بلدة حاس مع عشرات الجرحى حيث لا أحد يستطيع شيئاً مع القصف بالبراميل المتفجرة والصواريخ الفراغية والقنابل الارتجاجية، علماً أن القصف يطاول مستشفيات ومساجد ومدارس وأسواق.

عندما أطلق القائد زنكي تصريحه لم يفكر في أن قواته، وقوات المعارضة، لا تملك من الأسلحة والعتاد ما تملكه قوات النظام التي تدعمها دولتان (روسيا وإيران)، ولا أن من الخطأ التصارع وفق معادلة: جيش مقابل جيش، ولا أن الصراع بات عملياً ضد روسيا بوتين، بطائراتها وصواريخها بعيدة المدى وقنابلها الارتجاجية وأسطولها الحربي، والتي ترفع شعار: «الموت أو الرحيل» أو خيار غروزني، وهو ما صرح به الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند والمستشارة الألمانية أنغيلا مركل اثناء لقائهم في برلين (20/10). ولم يفكر ذلك القائد، وأمثاله، بأن القرار الدولي، بخاصة الأميركي، في شأن حسم الصراع السوري لم يأتِ بعد، وأن كل ما هو متاح هو مد المعارضة بأسلحة وذخيرة محدودة، تمكّنها فقط من الحفاظ على ديمومة الصراع، ولا تحمي السوريين من شيء. ليس فقط قائد زنكي لم يفكر بكل ذلك بل إن المعارضة السورية كلها سكتت عن تصريحه، وربما استقبل بعضهم التصريح بحماسة وبات يتحدث عن قرب تحرير حلب وحماة، على طريقة «سنزلزل الأرض تحت أقدامهم».

لا يتوقف الأمر عند كل ذلك، إذ طالما عانت الثورة السورية من تصريحات أو «فتاوى» بعض المشايخ أو المدّعين (لا نناقش النوايا ولا الخلفيات الدينية)، الذين برق نجمهم مع صعود الثورة، بحيث وصلنا إلى أن عبدالله المحيسني (من قادة جبهة النصرة)، يعتبر ما يتعرض له السوريون في حلب من مجازر ومآسٍ بمثابة عقاب إلهي، ما يذكّر بتصريح مماثل لأحد أبرز مشايخ دمشق قبل عقدين او ثلاثة بحق الفلســـطينيين، كأن باراك أو شارون أو بوتين أو الأســـد ينفذون مشيئة إلهية… وهو بدوره التــصريح الذي لم يلقَ الردّ المناسب من المعارضة السورية، بكياناتها السياسية والعسكرية والمدنية، الأمر الذي يضر بصورتها وصدقيتها، وإجماعات السوريين. هذه تصريحات ومواقف ينبغي وضع حد لها.

الحياة

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى