صفحات العالم

السبت الاسود

 

ساطع نور الدين

كان يوم السبت مجرد تذكير اضافي بان من يعتقد ان ثمة قوة أو قوى خارجية تستطيع ان توقف الحرب في سوريا، هو أما واهم أو جاهل. هو استنتاج مفجع. لكن عودة السلام الى الربوع السورية باتت تتطلب في الحد الأدنى، وفي الحد الأقصى تدخلا إلهيا غير متوافر عند الطلب.

عمليات الخطف الجماعي على الهوية، التي طاولت المئات من المواطنين السوريين في بعض أنحاء الشمال السوري، هي أحط أشكال تلك الحرب وأخطرها، وهي قفزة هائلة نحو خيار الإبادة الجماعية الذي كانت سوريا تعد به منذ اللحظة الأولى التي ألصقت بثورتها صفة الفتنة الطائفية، لكن يبدو انه صار حتميا، ولا مجال للرجوع عنه بعد الآن.

وهي مثل أي حرب أهلية، يدخلها المحاربون واثقين تمام الثقة أنهم منتصرون لا محالة. وهو ما لا ينفيه التاريخ الذي اثبت ان جميع الحروب الداخلية انتهت الى غلبة فريق على آخر، ولم تكن عبثية أبدا، على ما يحلو للبعض أن يسميها، بل خيضت عن سابق تصور وتصميم.. وبأقسى درجات الوحشية التي تعيد العامة، لا المقاتلين وحدهم الى أصولهم الحيوانية.

كان لأخبار الخطف على الهوية وقع مخيف في لبنان الذي شهد مثل هذا السبت الأسود، والكثير من الأيام السوداء المماثلة. ولم يكن التلقي اللبناني محايدا، ولا كان متسائلا عن البادىء أو المسؤول، بل فقط عن دين المخطوفين.. وعن الحدود الوهمية التي يمكن ان تقف عندها المزحة السمجة المسماة ب “النأي بالنفس”، عما يدور بين أبناء الشعب الواحد في دولتين..واهيتين.

قبل السبت السوري الأسود، كانت التسوية صعبة جداً. بعده صارت مستحيلة، من دون تغيير جذري في الديموغرافيا السورية التي لم تصدم احدا في تفككها وانهيارها السريع، بناء على تجربة العقود الأربعة الماضية من الحكم المنكفىء بشكل تدريجي الى أضيق دائرة ممكنة وأشدها قسوة.

حتى ولو اجتمعت أمم الأرض كلها على مثل هذه التسوية المفترضة فان الجمهور السوري الذي ثارت غرائزه بأبشع صورة ممكنة، لن ينضبط ولن يعود الى رشده. الدم يستسقي الدم. والخطف على الهوية يصبح أنفعالا عابرا حتى للقيم التي يعتمدها المحاربون عادة، في أي حرب.. والتي تجعلهم يبدون حرصا مزعوما على المدنيين، الأبرياء.. الذين لا يحملون من ذنب سوى هويتهم.

في مثل هذه الحالة، لا توجد دولة أو دول يمكن ان تخاطر بجنودها من أجل الفصل بين المتنازعين المنتشرين في كل بيت. الحكمة الدولية التي سبق لكثير من البلدان المنكوبة ان  خبرتها، تفيد بالانتظار والتفرج من بعيد، لان مثل  هذه الحروب لن تتوقف إلا من تلقائها، وبعد ان يقتل المحاربون أو يجرحوا او يصابوا بالإعياء.

مع ذلك، ثمة من يتحدث عن صفقة أميركية روسية يمكن ان تنهي المذبحة السورية، وثمة من يتوقع ان يلقي الجميع في سوريا السلاح اذا ما صدر الامر العربي او التركي او الايراني.. وثمة من يتوهم بان التسوية ما زالت ممكنة، مع ان طرفي الحرب السورية لا ينشدان سوى المزيد من الوقت والمال والسلاح من اجل ما بدآه.. ولو بمواعيد مختلفة وهمم متفاوتة.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى