صفحات الرأي

السردية الأميركية..أسدية/ رشا الأطرش

لا يبدو الرئيس الأميركي باراك أوباما متحمساً للضربة العسكرية على النظام السوري. ورغم أنه، هو نفسه، مَن رسم “الخطوط الحمر” في ما يتعلق باستخدام السلاح الكيماوي (متجاهلاً أكثر من 100 ألف قتيل بالأسلحة التقليدية وملايين اللاجئين!)، وفريقه هو الذي يروج الآن لعمل عسكري (تأديبي، محدود، لا يتوخى إسقاط النظام)، فإنه آثر عدم استخدام صلاحياته في المضي بها من دون إشراك الكونغرس ومجلس النواب الأميركي في القرار، مع علمه بأن الخطوة هذه ستبطئ آلية اتخاذه، بل ربما تطويه بالرفض. كما لم يبدُ أوباما ممانعاً لطرح “الضربة” على التصويت في مجلس الأمن، بل تلقفت إدارته (ولو بشيء من التشكيك) الاقتراح الروسي بوضع السلاح الكيماوي السوري ومخازنه تحت المراقبة الدولية، في مقابل العدول عن الضربة المرتقبة.

بالتأكيد ثمة، في تفسير الصورة هذه، ما يتعلق بالنظام السياسي الأميركي و”لعبته” المثيرة للاهتمام، وقنواته المفضية إلى دوائر ديموقراطيته الداخلية وقواها المتجاذبة دوماً. لكن هناك مناظير أخرى للرؤية، للشرح، قد يتمثل أبرزها في السردية المهيمنة على الحياة السياسية، والصوت الأعلى في مساحات الشأن العام، بدءاً من مياوم في البيت الأبيض أو البنتاغون، وصولاً إلى رجل الشارع.

لكن كيف نفهم الخطاب هذا؟ وكيف نقيسه أو نفككه؟ قد تكون المؤسسات البحثية  المسمّاة “خزانات التفكير” الأميركية والأوروبية (Think Tanks) أداة مفيدة ههنا. فمثل هذه المؤسسات، في تلك البقاع من الأرض، سواء كانت رسمية أو مستقلة، لها وزن وتأثير في تشكيل المفاهيم والآراء. تكاد لا تشبه في شيء “مثيلاتها” في عالمنا الثالث، تلك التي يهدر معظمها ورقاً وحبراً وموازنات (حكومية في الغالب) كيما يقول القائمون عليها إنهم باحثون ومفكرون.. ولا من يقرأ ولا من يتأثر. إذ تضطلع “خزانات التفكير” الرئيسة في العالم، وعددها يربو على ستة آلاف وأكثر من نصفها موجود في أميركا الشمالية وأوروبا، ببحوث ومقالات تحليلية مهمّتها أن تتيح لصنّاع القرار، كما عموم قرائها المهتمين، اتخاذ قرارات/مواقف على أسس واضحة، مدعّمة بالمعطيات. هي جسر بين أكاديميين وخبراء وجماعات صناعة القرار، وأيضاً بين مؤسسات الدولة والمجتمع المدني.

 يصنف تقرير سنوي، يصدر عن جامعة بنسيلفانيا، مؤسسات البحوث والمجتمع المدني حول العالم، وهو مرجعية معتمدة للمشتغلين في المجال هذا. فيتبوأ “المعهد الملكي للشؤون الدولية” (بريطانيا) المعروف بـ”تشاتهام هاوس” (Chatham House) المركز الأول عالمياً – باستثناء الولايات المتحدة – للعام 2012، والمركز الثاني عالمياً – مع احتساب الولايات المتحدة، يليه هنا في المركز الثالث “وقف كارنيغي للسلام الدولي” (أميركا)، الذي يحلّ ثانياً على مستوى الولايات المتحدة، فيما يحوز “مركز كارنيغي للشرق الأوسط” المرتبة الأولى في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

 “ثورة” أم “حرب أهلية”؟

نديم شحادة باحث في “تشاتهام هاوس”، ويعتبر نفسه من “المشاغبين” على الأفكار السائدة غرباً حول الملف السوري. وفي رأيه إن “غالبية المؤسسات البحثية الكبرى تصوغ خطاباً يصب في مصلحة النظام السوري، مثل مجموعة الأزمات الدولية (ICG) والمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية (ECFR)، وغيرها.. كلها ينظّر للتعامل/التفاوض/التخاطب مع بشار الأسد، لسان حالها عموماً أنه يجب الضغط على مصر وتركيا والسعودية لتتوقف عن تسليح المعارضة كي يفهم المعارضون أنه لا خيار لهم سوى الجلوس مع النظام وعمل تسوية”. وبعد الإجابة بالنفي على سؤال “المدن” حول مدى اهتمام مؤسسات البحوث بالتاريخ السياسي أو الاجتماعي – الثقافي لسوريا، على اعتبار أنه قد يساعد في فهم الأزمة الراهنة بشكل أفضل، يؤكد شحادة أن تركيز “خزانات التفكير” ينصب على الإشكالية الراهنة، ويحيلنا إلى مقال له نشره في موقع Open Democracy يحلل فيه السيناريوهات المهيمنة في الغرب وكيف أنها تطابق سردية النظام السوري: “من التبسيط بمكان تصنيف ما يحدث في سوريا كحرب أهلية، فمعارضة النظام هي في الغالب أكثر حدّة، داخل كل طائفة أو جماعة، بين القابضين على السلطة فيها وبين الثائرين عليها. وعندما يقول النظام إن إضعافه سيؤدي إلى حرب أهلية حجمها أضعاف الحالة الأفغانية، فهذا ما يجب تفسيره على أنه تهديد، وليس وصفاً… أهمية السردية (المهيمنة) تتجاوز الدلالة اللفظية، فكل مكوِّن فيها يحمل في طياته مؤشرات للسياسة. إن سمّينا الأحداث في سوريا “ثورة” بكل ما يعني ذلك من شعب في مواجهة نظام يقتله، فإن الخطة المضمرة ستذهب إلى أن الشعب في حاجة إلى حماية. أما إذا سمّيناها “حرباً طائفية أهلية”، فالمُضمر سيفضي إلى أنه على الأطراف كافة وقف العنف، والجلوس حول طاولة واحدة لحل الخلافات، مع الحفاظ على مؤسسات الدولة لاستعادة الاستقرار والقانون. الوصف الأول يدعم سردية الثورة، والثاني يصادق على خطاب النظام السوري”.

 واللافت أننا سنجد تناغماً بين مقال شحادة ومقال للكاتب والناشط السوري، ياسين الحاج صالح، نشره في “نيويورك تايمز” مؤخراً، تحت عنوان “صرخة سوري مستغيث”.

 يقول شحادة: “إذا أخذنا أياً من نصوص المؤسسات البحثية الأميركية أو الغربية، وصفّيناه من المقدمات – المآخذ على نظام بشار الأسد، وبمجرد أن يبدأ الحديث عن حرب أهلية طائفية في سوريا، على غرار العراق، ومعه الكلام عن سنّة وشيعة وإرهاب، فالمعنى أنه يريد إيصالنا إلى أن الأسد هو الخيار الأفضل. والنموذج الأسطع على ذلك هو جوشوا لانديس (مدير مركز الدراسات الشرق أوسطية في جامعة أوكلاهوما وهو أحد الضيوف-النجوم في الإعلام العالمي وبعض الإعلام العربي)، الذي غالباً ما يتوّهنا بالقول إن الأسد انتهى وأنه مجرم، لكن نواة كلامه، عملياً، تدعم سردية النظام”.

 ولعل جولة سريعة على منشورات المؤسسات البحثية الغربية الأبرز، ومواقعها الإلكترونية، تُظهر الكثير من الصواب في كلام شحادة، بمعزل عن رأي بالحفاظ على حد أدنى/أقصى من نظام الأسد، وآخر مناوئ له بالكامل. الكلام هنا عن “مؤامرة” سخيف بالطبع، لكن الشروحات تتعدد.

 “ديبلوماسية الخط الثاني”

يقول مدير “مركز كارنيغي للشرق الأوسط” في بيروت، بول سالم، لـ”المدن” أن بحوث المركز تعتمد على اهتمامات واقتراحات الباحثين، طبعاً بالتشاور مع إدارة المركز: “لطالما صب اهتمامنا، قبل الثورات العربية، في الإصلاح السياسي والاقتصادي والتربوي، حقوق الإنسان، الديموقراطية، الشفافية.. وفي الإصلاح السياسي أيضاً شق خارجي يؤثر في العلاقات الإقليمية، العربية – الإيرانية – التركية مثلاً.. وحدث أن الثورات العربية حاكت ما كنا نعمل عليه أصلاً، فاستمرينا في خطنا البحثي مع التركيز على البلدان التي حصل فيها التغيير، لا سيما مصر وتونس واليمن”. والجدير بالذكر ان من خيارات “كارنيغي” الابتعاد عن عناوين الصراع العربي/الفلسطيني – الإسرائيلي، “فكثر غيرنا يعملون على هذا الملف، في كارنيغي واشنطن مثلاً، وهنا في بيروت، في مؤسسة الدراسات الفلسطينية والوحدة العربية”، يقول سالم، “كما أن هذا موضوع يائس، لا نرى أنه ما زال إشكالية معرفية، وهي ليست إشكالية ذاتية، بمعنى أنها لا تحلّ في بيروت، في حين أننا نحاول العمل من أجل التأثير من الداخل”. لكن ثمة متغيرات في البنية السياسية الفلسطينية الداخلية… “ربما تكونين على حق”، يقول سالم، “لكن هذا هو الحال”.

 وماذا عن سوريا؟ أليست من لدن الثورات العربية التي يتابعها “كارنيغي” منذ البداية؟ يقول سالم إن الموقع الإلكتروني للمركز ينشر باستمرار مقالات تحليلية للوضع العام السياسي والأمني والإقليمي، وتأثيراته، لمسار الأزمة وتداعياتها الأميركية والدولية. لكن هذه مقالات، نراها يومياً في الصحف والمواقع. فماذا عن الدراسات؟ العمل البحثي؟ ألا يحتاج الفاعلون في السياسة الخارجية الغربية إلى الفهم؟ إلى نظرة معمقة وموثقة؟ نرى مثلاً في منشورات “المبادرة العربية للإصلاح” (ARI) دراسة لمديرة المبادرة، بسمة قضماني، التي كانت عضواً مؤسساً في المجلس الوطني السوري حتى استقالتها في آب/أغسطس 2012، وتفنّد فيها، بالاستناد إلى مقابلات وجهد ميداني، كتائب “الجيش الحر” وألويته وتشرح تركيبة المعارضة السورية الراهنة. وانطلاقاً من البحث الساخن في ضربة عسكرية أميركية/أقليمية/دولية لنظام بشار الأسد، تطرح أسئلة تعتبرها ملحة، من نوع: كيف يجب التعامل مع المعارضة المسلحة؟ أي قوى يمكن الاعتماد عليها؟ وكيف يمكن احتواء المتطرفين؟ وخلاصة الدراسة أن “التردد في تقديم الدعم المناسب، وفي الوقت المناسب، لم يؤدّ إلى أموال وأسلحة أقل في أيدي الثوار، بل سمح للمصادر الخاطئة بأن تصبح ممولة رئيسة. ومع ازدياد الدعم، المشروط بولاء لأجندة إسلامية، تصاعدت مخاوف بين عدد متزايد من السوريين في شأن نتائج الصراع، وعمّقت إيران مشاركتها إلى جانب نظام الأسد لمجابهة ما تعتبره مخططاً سعودياً لإرساء هيمنة ذات طابع وهابي على المنطقة بأسرها.. وقد حان الوقت لتوضح الحكومات الغربية لحلفائها الإقليميين بأن دعم مجموعات ذات أجندات لاديموقراطية يخيف السوريين ويؤخر سقوط الأسد”.

 يعلّق بول سالم: “نحن ننظم، منذ سنة ونيف، سلسلة مؤتمرات عن الأزمة السورية، على طريقة ديبلوماسية الخط الثاني، أي أننا ندعو شخصيات الصف الثاني بعد القادة الديبلوماسيين، كالمستشارين والخبراء الخ.. ويشارك في مؤتمراتنا مقربون من السلطة في بكين وموسكو وبرلين وباريس ولندن وواشنطن ونيويورك (الأمم المتحدة) وتركيا وإيران والسعودية ومصر والجامعة العربية”. ويضيف: “طبعاً لا صفة رسمية لتلك الاجتماعات، لكن من تأثيراتها انها مهّدت مثلاً لاجتماع كيري ولافروف في أيار الماضي. صحيح أنه ليس مشروعاً بحثياً، لكنه مشروع حواري تواصلي، يتولى فيه مركز كارنيغي وضع جدول الأعمال وإدارة النقاش، والاجتماع التالي يُعدّ له في الأردن، الشهر المقبل، لنقاش الموضوع السوري أولاً، والمصري ثانياً”.

 “قدر” الصراع السوري

أما البحوث والدراسات المعمقة في الشأن السوري، فتركز، في “كارنيغي”، على الشقين الاقتصادي والاجتماعي أكثر من السياسي، “وهذا في رأينا هو المحور الأساس بالنسبة إلى الناس”، يقول سالم، “لكننا طبعاً ننشر متابعات أسبوعية للوضع السياسي والأمني.. هناك مبادرات بحثية كثيرة عن سوريا، عن نقل السلطة وعن الجيش والحكومة الانتقالية، الخ.. مجموعات أخرى كثيرة تدرسها.. لا أقول إن هذا الخيار الأفضل، لكننا وجدنا أنه الأنسب”.

 هل لأن هذا أكثر “أماناً”؟ يجيب سالم: “لا، الشق السياسي الآن، في رأيي، ليس موضوعاً بحثياً ميدانياً يتطلب فريق عمل يجمع معلومات، بل يمكن أن يناقش في غرفة، خصوصاً مع صعوبة استضافة شخصيات من المعارضة السورية في لبنان، يخافون المجيء، فنقابلهم في اسطنبول أو بيروت”.

 والحال إن سالم نفسه أورد في مقال له في موقع “كارنيغي”: “رغم أن الضربة قد تخلق زخماً كافياً لمؤتمر جنيف-2، فإن قدر الصراع السوري يبدو محتماً في اتجاه استمراره سنوات. سيرضى النظام بالاحتماء في مناطق نفوذه، وهو غير مهتم بالتفاوض مع المتمردين، والمتمردون يبدون منقسمين وراديكاليين لدرجة تحول دون تبصرهم او دخولهم في عملية تفاوض جدي.. ربما تكون الضربة الأميركية ضرورية لمنع استخدام السلاح الكيماوي في المستقبل، لكنها، على الأرجح، لن تغير جذرياً في مسار الصراع السوري”.

 لوبي الأمر الواقع

أما تفسير شحادة لهيمنة خطاب “اللاضربة” غرباً، كرأي عام وساسة، يكمن في “لوبي الأمر الواقع لصالح نظام الأسد، بأثر من العراق. العامل الأساس لا علاقة له بسوريا، بل نقاش العراق كتجربة استخلصنا منها دروساً مغلوطة. العراق لم يتهاوَ بسبب إطاحة صدّام حسين، وليس صحيحاً أن الديكتاتورية تحفظ استقرار الدول النامية. الدرس الصائب يجب استخلاصه بعيداً من النقاش السياسي في أميركا، لأن سياسيي الحُكم هم المؤرخون الأسوأ، فهم دائماً يتهمون أسلافهم بالفشل ويحملونهم مشاكل الراهن. حزب الديموقراطيين هو كاتب تاريخ التدخل في العراق، وفازت سرديته: كان التدخل غلطة وفشلاً وهزيمة”. ويتابع شحادة: “عندما نقول لأميركيين أن أولادهم قتلوا أو أصيبوا في العراق بسبب كذبة أو حرب غير قانونية، أفضت إلى هزيمة، فمن المؤكد أنهم سيكونون ضد تدخل ثان. أما إذا اعتمدنا نظرية تاريخية نقدية، فسنرى العراق من زاوية أوسع، تبدأ من العام 1991، بل منذ 1980 (عندما شجع الغرب الحرب العراقية – الإيرانية، وبدايات الشرخ السنّي-الشيعي).. كان الغرب داعماً لصدّام الذي اعتقد أن كل شيء مسموح، وأغمض الغربيون عيونهم عن مجزرتي الأنفال وحلبجة. تُرك صدّام ليقمع الثورة عليه من الداخل، العام 1991، علماً أن الثورة نشبت، خلال أسبوعين، في 14 من أصل 18 محافظة عراقية، وجفف الأهوار. وظل الأميركيون في موقف المتفرج وتركوه يدوس على الثورة، وبدلاً من إزاحته، كسروا الشعب العراقي بالعقوبات والحصار، في حين أننا ما زلنا، حتى الآن، نكتشف مقابر جماعية من تلك الفترة”.

 فلماذا لا يكتب للسردية الثانية، أي الداعمة للثورة السورية، أن تأخذ حقها من الضوء الغربي؟

يجيب شحادة: “فلنضع أنفسنا مكان باراك أوباما وهيلاري كلينتون وجون كيري، هم خاضوا حملتهم الانتخابية ضد جورج بوش. اعتمدا خطاب “العراق غلطة، هزيمة،…”، بل ربطوا خطابهم هذا بالأزمة المالية أيضاً. عارضوا فكرة مدير وكالة الاستخبارات “سي آي ايه”، ديفيد بترايوس، القائلة آنذاك بتشجيع “الصحوات” على محاربة “القاعدة” في العراق. وقتها، قام اقتراح بترايوس على زيادة الحضور العسكري الأميركي بنحو 30 ألف جندي، يتواجدون بشكل مكثف في منطقة واحدة، “يطهرونها” ويساعدون “الصحوات” على التخلص من “القاعدة”، فتعود الحياة تدريجياً إلى هذه المنطقة، ويتشجع سكان منطقة ثانية على التعاون لتكرار التجربة، وهكذا.. لكن رئيسة مجلس النواب (سابقاً) نانسي بيلوسي، إضافة إلى هيلاري كلينتون وجون كيري، كانوا جميعاً ضد الاقتراح، تحت شعار: فلننسحب فوراً لأننا لا نستطيع إصلاح الهزيمة”.

 تعامُل، حوار، صفقة

ربما تأثر القرار السياسي الأميركي/الغربي بتجارب الثورات في مصر وتونس وليبيا. لكن، مجدداً، المقاربة تختلف باختلاف التفاسير. فإذا قمعت ولداً 15 سنة، ثم أطلقته أو خرج من تحت سلطتك مجرماً، فهل معنى ذلك أنه يجب أن يبقى تحت الجزمة؟ أم أن قمعه لم يكن جائزاً منذ البداية؟ “الارتباك الذي نراه في بلدان الانتفاضات سببه القمع، لا الحرية”، يقول شحادة، “بطريقة ما، تمت أبلسة خطاب المحافظين الجدد، بل صار لقب المحافظين الجدد أقرب إلى الشتيمة. لكن الحق أن خطابهم فحواه: طوال عقود، دعمنا أنظمة قمعية في الشرق الأوسط، فلم يولّد ذلك سوى الإرهاب، وإذا لم نصلح المنطقة فلن نتخلص من الإرهاب.. ولعل مشكلة هذا الخطاب اليوم أنه استُخدم لتبرير الحرب على العراق بأثر من هجمات 11 أيلول. وبما أن تلك الحرب اليوم محلّ نقد، بات الخطاب أيضاً محل نقد”… هكذا، ربما، أصبحت السرديات المهيمنة هي التي تصب في مصلحة نظام الأسد، الذي يدّعي محاربة إرهابيين ومتطرفين، ويتوعد بالفوضى الكاملة من بعده.

 والحال أنه إذا كانت إدارة جورج بوش سارت بشعار “عزل، تدخل، تغيير نظام”، فإن شعار إدارة أوباما اليوم هو “تعامُل، حوار، صفقة”. ولعل هذا ما يُطبّق مع الأسد الآن، بل منذ أكثر من سنتين، في محاولة مستمينة لإثبات فعالية النظرية. كانت بيلوسي أول من زار بشار الأسد، وزاره كيري مرتين وتناول العشاء مع الأسد وزوجته، وتوالى على زيارة سوريا أكاديميون ورجال أعمال… والأرج أن تغيير أوباما لتوجهه الآن، سيكون بمثابة الاعتراف بأن جورج بوش لم يخطئ في العراق، بل سيضرب انحراف من هذا النوع الفكرة التي أوصلت أوباما وحزبه إلى السلطة.

“إذا حلّلنا تصاريح كلينتون، خصوصاً العام الماضي عندما زارت تركيا وكان أردوغان يحمّسها ضد الأسد”، يقول شحادة، “سنجد أنها تحدثت عن بقاء الجيش، وحزب البعث، والمؤسسات الأمنية… كأنها تتحدث عن العراق! كأنها تناقش بوش. هذه هويتها السياسية. ويبدو أن الثورة السورية ليست على الأسد وحده، بل على منظومة تفكير عالمية في الغرب”.. هي إرث السردية الأميركية الفائزة.. حتى اللحظة.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى