صفحات العالم

السفينة السورية


أمجد عرار

بتشكيلها مكتباً تنفيذياً لهيئة التنسيق الوطنية للتغيير الوطني الديمقراطي، وعبر تصريحات رموزها الواضحة والقاطعة بعد هذه الخطوة، تقيم المعارضة الوطنية في سوريا حاجزاً مرتفعاً يفصلها عن إطار الخارج الذي يسعى بعض أركانه لاستدراج تدخّل عسكري خارجي في هذا البلد، رغم معرفتهم المسبقة بالتداعيات المدمّرة لمثل هذا التدخّل في منطقة ملتهبة أصلاً .

لم يخف هؤلاء المعارضون انتقادهم لأطر تشكّلت في الخارج، وبإيحاء منه وتحت رعايته بسبب طلبها تدخّلاً خارجياً تحت يافطة “الحماية الدولية”، لأن أول من سيتأثر بمثل هذا التدخّل هو الحراك السلمي في المشهد السوري الذي يبدو أنه لا يروق لرموز ستخرج بسببه “من المولد بلا حمّص”، وتسعى بدل ذلك لإذكاء العنف الداخلي الذي يتيح لها ظروفاً تعيدها على ظهر دبابة أجنبية .

منذ بداية الأحداث يحذّر المعارضون في الداخل، وكثيرون ممن يريدون الوصول بالسفينة السورية إلى بر الأمان عبر تغيير جذري وحقيقي ونوعي، من أن إصرار السلطة الحاكمة على انتهاج الحل الأمني للأزمة من شأنه فقط أن يزيدها تعقيداً، ويمنح بعض الأدوات ذريعة لاستدراج التدخل الخارجي بطبعته العسكرية، مثلما يشكّل بيئة مناسبة لعناصر تصب الزيت على نار العنف لدفع البلاد إلى الفوضى غير الخلاقة . هذه السلطة منذ البداية رغم حديثها عن مدسوسين وعن مؤامرة خارجية، تقر بوجود متظاهرين وطنيين يريدون الإصلاح والتغيير الديمقراطي، إذن من الطبيعي أن نستنتج من هذا التشخيص وهذا الإقرار أن الأسلوب الأمني الذي انتهجته منذ سبعة أشهر حتى الآن لم يوفّر حلولاً للأزمة .

حتى لو كان هذا الأسلوب يهدف لمواجهة مجموعات مسلّحة، فمن حق المطالبين بالإصلاح، وهم بالتأكيد يشكّلون الأغلبية الساحقة من الشعب السوري، أن يروا خطوات جذرية وحقيقية تؤشّر على معالم المستقبل الذي يريده السوريون والعرب وأصدقاؤهم لهذا البلد العربي من خلال إقامة نظام ديمقراطي أساسه تداول السلطة، وبناء وطن يكفل الحرية ويحقق المساواة بين كل أبنائه على اختلاف طوائفهم ومعتقداتهم وأيديولوجياتهم الفكرية والسياسية، وعبر صياغة دستور عصري يفصل بين السلطات الثلاث، ويجعل مبدأ المواطنة أساساً لمعادلة الحقوق والواجبات، ويلغي حصرية قيادة الدولة والمجتمع في يد حزب واحد، ويستبدلها بقانون أحزاب يعبّر عن الإرادة الحقيقية للشعب .

آن الأوان أن تعترف السلطة بالجذور الحقيقية للأزمة، وعدم حصرها بالمؤامرة، ذلك أن المؤامرة على سوريا والأمة العربية كلّها، ليست حالة طارئة ولا هي وليدة اليوم . فهل تعني حقيقة كون المؤامرة الخارجية حالة دائمة، أن تستمر الأزمة ويستمر نزيف الدم على هذه الحال؟ .

السلطة في دمشق بيدها الآن مفاتيح الحل من خلال المبادرات الجادة والإجراءات على الأرض والاستماع للأصوات الصادقة من بين أبناء شعبها وفعالياته السياسية الوطنية، ولنصائح أصدقائها الذين يزاوجون بين رفض التدخل الخارجي لفرض التغيير، والدعوة لخطوات فعلية في إجراء الإصلاح الشامل .

من حق المعارضة في الداخل ومن حق الحريصين على وحدة سوريا واستقلالها، أن يقلقوا من ارتفاع الأصوات وتكثيف محاولات التدخل العسكري الخارجي الذي من شأنه أن يجهض وحدة الحراك الشعبي النقي، ويفضي إلى انقسام الشارع، ما يعني استطالة الأزمة، بل وخدمة الحل الأمني الذي بدوره لا يفعل سوى استمرار نزيف الدماء وإغراق السفينة السورية، وتكرار النموذج العراقي لا سمح الله .

الخليج

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى