صفحات العالم

السلاح الكيميائي في سوريا: “خط أحمر” يتلاشى

انها قصة خط متحرِّك، خطٌ أحمر يزداد رقّة ويقلّ إحمراراً. جورج ليتيل، الناطق الرسمي باسم البنتاغون، وهو أول من أطلق كلمة “الخط الأحمر” في الثالث عشر من تموز 2012، هل هو نادم الآن على التفوّه بها؟ في ذلك الوقت، ومنذ عام تقريباً، سئل هذا االمسؤول عن الأنباء التي تتحدث عن استخدام مخزون السلاح الكيميائي في سوريا، فأجاب بأن إستخدام هذه الترسانة من الأسلحة “يعني تجاوز خط أحمر خطير”.

ومنذاك والعبارة تتنقل هنا وهناك: فبعد شهر تماماً، كانت على لسان هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية الأميركية السابقة، أثناء زيارة لها الى تركيا. بعدها مباشرة، انجذب باراك أوباما لهذه الكلمة الساحرة، التي تضفي على قائلها هالة من الصرامة. أعلن وقتها: “كنا واضحين مع نظام الأسد، وأيضا مع كل أصحاب الأدوار على الأرض… بأن الخط الأحمر بالنسبة لنا هو عندما نشاهد نقل أو استخدام كمية كبيرة من السلاح الكيميائي. لو حصل ذلك، فسوف تتغير حساباتي، سوف تتغير معادلاتي”.

في شهر أيار من الماضي، أي بعد هذا التصريح الرئاسي بثمانية أشهر، كتبت صحيفة “نيويورك تايمز” بأن عبارة “الخط الأحمر” ليست من قاموس الرئيس. وبحسب الصحيفة، فان البيت الأبيض كان ينوي، بواسطة هذه العبارة، أن يبعث برسالة قوية الى السلطات السورية. أما مجلة “التايم”، فقد اعتبرت بأن الرئيس استخدمها حباً بالبلاغة وحسب…

في الأشهر الأخيرة، تبنّت الديبلوماسية الأميركية مصطلحات أخرى. لم يَعد الكلام عن “خط أحمر” إنما عن “عنصر يبدّل اللعبة”. ففي حال استخدام أسلحة غير تقليدية، لم يعد باراك أوباما يعِد إلا بـ”نتائج سلبية”، وهي عبارة أقل إلزامية.

هل هي مجرّد صدفة؟ هذا التطور اللغوي يتزامن مع أولى الشهادات التي تتهم النظام السوري باستخدام الغاز السام ضد المتمردين. هنالك أولا حادثة حمص (23 كانون الأول 2012)، وحادثة حي البياضة (19 آذار 2013)، وحي عتيبة وعدرا في ضاحية دمشق بالتاريخ نفسه. أما الشبكة الالكترونية، فقد امتلأت بسيل من شرائط الهواة تصور سوريين يختنقون، وبؤبؤ عيونهم متقلص وعلى شفاهم رغوة بيضاء. وكلها عوارض شهدها مراسلو صحيفتنا في ضاحية دمشق؛ وقد تكون شهادتهم مفيدة في حال التحقيق باستخدام النظام السوري أسلحة كيماوية.

في الأمم المتحدة تتكلم مصادر ديبلوماسية عن “براهين ثابتة” باستخدام هذا السلاح. لكن كبار الرسميين هم أكثر حذراً. إذ يقول الفرنسيون منهم انه، من دون تنفيذ بروتوكولات التصديق، ومن دون أخذ العينات وفحصها في المختبرات، فانه من المستحيل التأكّد من استخدام هذا السلاح. ومع اقتراب مؤتمر جنيف 2 الذي قد يحضره مندوبون عن النظام والمعارضة، فان مسألة الكيميائي تصبح اقل إلحاحاً. ان حجة “الخط الأحمر” يفترض بها أن تخيف دمشق. ولكنها اليوم، الحجة نفسها أصبحت تربك القوى الغربية.

ميشال غيرين ـ صحيفة “لوموند” الفرنسية (الأول من حزيران )

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى