صفحات الناس

السلاح و الخلافة: توابع الزلزال العراقي تضرب سورية/ ألكسندر أيوب

 

لطالما كان العراق هو الغائب الحاضر في الأزمة السورية نظراً للاعتبارات الجيوسياسية الخاصة بالتقارب الجغرافي والتداخل الإثني والعرقي بين البلدين، واليوم يحدث العكس تماماً، إذ تنعكس التطورات الأخيرة في العراق والتقدم الذي أحرزه تنظيم الدولة الإسلامية هناك على مسار الثورة السورية، حيث تمتد إقطاعية داعش اليوم على 200 ميل مربع. من الباب في شرق حلب في سوريا إلى مناطق الأنبار وشمال العراق، فما هي تداعيات الأزمة العرقية على المشهد السوري؟

السلاح والحدود

تمتد الحدود المشتركة بين سوريا والعرق إلى 600 كيلومتر، ولا تتمتع برقابة جيدة من الجانبين، فمعظمها مناطق رخوة أمنياً، تلك الحدود كانت محط أنظار كل من تنظيم الدولة والجيش السوري الحر خصوصاً جبهة المنطقة الشرقية، التي كانت تبشر بثورة العشائر في العراق قبل أن يتصدر “داعش” الموقف.

قائد المنطقة الشرقية المقدم محمد العبود كان أحد المتفائلين بهذه الثورة، يتحدث لـ”العربي الجديد” قائلاً: “بحكم قربنا من العراق جغرافياً وعشائرياً ومعرفتنا بخفايا ما يجري هناك، كنا نراقب عن كثب تطورات الأمور، ورسمنا كثيراً من الصور الإيجابية لمستقبل الثورة في سوريا عامة وفي المنطقة الشرقية خاصة، إذ إن انتصار ثورة العراق التي يقوم بها أبناء العشائر وفصائل الثوار هناك سينعكس إيجابياً على دعم ثورتنا ومنطقتنا، ولكن للأسف فجأة تتصدر داعش المشهد فتخلط اﻻوراق”.

ويضيف قائد المنطقة الشرقية مؤكداً، “إن أسلحة ثقيلة ومتطورة وصلت إلى يد داعش في المنطقة الشرقية عبر الحدود السورية العراقية وخصوصاً بعد سيطرة التنظيم على أغلب المعابر، مما زاد الضغط على فصائل الجيش الحر التي تفتقر للدعم الكافي”.

ويبدو أن المنطقة الشرقية من سوريا كان لها النصيب الأكبر من الضغط، في حين شهدت جبهات ريف دمشق انسحابات لميليشيات عراقية كانت تقاتل في صفوف الأسد، يؤكد سامر مصطفى أحد القياديين في المنطقة الجنوبية من دمشق، أنه على وقع التطورات في العراق تم انسحاب بعض المليشيات الإيرانية والعراقية التي كانت تقاتل في منطقة الست زينب والذيابية، ولكن مع ذلك كانت هذه الانسحابات على مستوى قيادات ونخب وليس جميع المقاتلين، وبالتالي لم يكن لذلك التأثير الفاعل”.

أزمة الخلافة

بعد التقدم الكبير الذي أحرزه تنظيم “داعش” في العراق، وكمية الأسلحة الكبيرة التي اغتنمها، عاد إلى سورية بقوة أكبر ليخوض معاركه للسيطرة على محافظة دير الزور، والتي باتت أغلب مناطق ريفها بيد داعش، ولم يكتف التنظيم بذلك، بل فاجأ العالم بخطوة إعلان الخلافة الإسلامية وتنصيب قائد التنظيم، أبو بكر البغدادي كخليفة للمسلمين بتاريخ 29 يونيو/ حزيران 2014. الخطوة التي رآها الكثيرون مدعاة للسخرية، بينما يعتقد الضابط رامي سلمان العامل في الجبهة الشرقية من سورية، أن الخطوة أبعد من مجرد إعلان خلافة. ويضيف: “طرح فكرة الخلافة بهذا التوقيت إن دلت على شيء فهي تدل على أن التنظيم مرتاح عسكرياً ومعنوياته مرتفعة، ويدرك أن ظرف المنطقة يخدمه لذلك جاءت هذه الخطوة “.

ويؤكد الضابط سلمان إن هذه الخطوة “ستكون طرحاً للتقسيم، ومساعدة لبقاء المالكي والأسد كمقاومين في وجه الجهاديين والإرهابيين، لذلك فإعلان التنظيم للخلافة بهذا الوقت محسوب ومدروس، فإن دولاً واستخبارات تقف خلفه وليس مجرد أشخاص”.

وفي وجه العودة القوية لقوات “الخليفة” و”داعش”، لوحت الفصائل المسلحة التي لا تنضوي تحت تنظيم الدولة بسحب عناصرها وإنهاء المعركة خصوصاً بعد سيطرة التنظيم على مدينة البوكمال الحدودية.

“تحالفات داعش على الأرض هي مصدر اختلاف التصريحات، إذ تقاتل داعش في العراق على جبهة المالكي فقط و تتوحد ضمن عشائر لها مطالبها وتنظيمها، مما ساعد على تقدمها بشكل سريع، بينما يقاتل تنظيم الدولة في سوريا، العشائر العربية وجبهة النصرة وأخيراً جبهة وهمية هي النظام. لذلك فصراع داعش مع جبهة النصرة يمثل حرباً أهلية بين الجهاديين لا تريد الولايات المتحدة إيقافها، إلى أن ينهوا بعضهم البعض، مما جعل التحرك الدولي بطيئاً جداً تجاه سوريا بعكس البوادر التي تظهر في العراق”.

وأبرز ملامح هذه الحرب الجهادية الأهلية ما دار في قرية شحيل التابعة للريف الشرقي لمحافظة دير الزور. كانت هذه القرية من أوائل القرى التي ثارت في وجه النظام السوري ضمن المحافظة. ويعرف أبناء هذه المدينة بحدة الطباع وبأنهم على قلب رجل واحد، وفي بداية حرب العراق عام 2003 ذهبت نسبة كبيرة من شباب هذه القرية باتجاه العراق للوقوف ضد الأميركيين، وهم النسبة الكبرى في محافظة دير الزور التي توجهت إلى العراق، وذلك بسبب التداخل الجغرافي والثقافي والعشائري بين محافظة دير الزور والمحافظات الحدودية في العراق. ومع بداية الحملة الشرسة لتنظيم الدولة الإسلامية على ريف المحافظة، اتخذت جبهة النصرة من شحيل مقراً لها يتمركز فيه كل عناصرها، كما يقيم فيها القاضي الشرعي لجبهة النصرة وقائد العمليات العسكرية لها في المنطقة الشرقية، أبو ماريا القحطاني، والذي يعرف بمحبة أهل الشحيل الشديدة له، فكان أن خاضت هذه القرية أشد المعارك ضد تنظيم الدولة. وفي المعركة الكبرى التي خاضتها شحيل ضد تنظيم الدولة في منطقة مركدة خسرت قرابة 65 شابا في يوم واحد فقط، مع العلم أن تعداد سكان هذه المدينة لا يتجاوز 30 ألف نسمة.

ومع التقدم الكبير الذي أحرزه تنظيم الدولة في العراق وسيطرته على أسلحة ثقيلة عاد بقوة أكبر إلى ريف دير الزور وبدأ بإحراز تقدم كبير لم تستطع بعض القرى وفصائل الجيش الحر والعشائر صده وسط نقص الأسلحة والذخائر، وما كان من بعض القرى إلا أن أعلنت البيعة للتنظيم ومنها الشحيل، إذ بايعت عشائرها وفصائلها “مرغمة” عبر بيان بث على موقع “يوتيوب”. أما جبهة النصرة التي تمركزت في المدينة فرفضت البيعة وانسحب عناصرها باتجاه منطقة القلمون التابعة لريف دمشق، والتي وصلوها مع سلاحهم عبر بادية دير الزور التي تصل إلى حمص ثم اتجهوا منها إلى القلمون.

وفي المقابل، يؤكد الناشط الإعلامي في دير الزور، محمد الخليف، “كبدت تلك القرية الصغيرة تنظيم الدولة خسائر كبيرة، لدرجة أن التنظيم مع دخوله للقرية بعد إعلان بيعتها للبغدادي، قام بإعدامات ميدانية وبتفجير أغلب منازلها على الرغم من أن شروط البيعة كانت تنص على عدم المساس بالمدنيين، كما نصت شروط البيعة على بقاء أهالي القرية وعدم خروجهم من أرضهم، واحتفاظهم بأسلحتهم، وتنصيب أمير من أهالي الشحيل، يتكفل بإدارة الأمور”.

ويضيف محمد: “بعد سقوط شحيل بيد تنظيم الدولة الإسلامية، سقطت عدة قرى منها المايدين، العشارة، الصور، القورية، وذلك لأن شحيل كانت تمثل ثقلا عسكريا ومعنويا في وجه داعش”.

وحول ما أشيع في الأيام الماضية بأن قائد “جبهة النصرة” في سوريا والملقب بأبي محمد الجولاني، هو أسامة الحداوي من أبناء قرية الشحيل، و الذي كان يدرس الطب البشري قبل أن يذهب للجهاد في العراق ويختفي هناك، ليعود مع بداية الثورة السورية ويؤسس ما يسمى جبهة النصرة، يؤكد بعض الضباط من أبناء دير الزور وممن شاركوا جبهة النصرة عدة معارك، بأن أسامة ليس هو أبو محمد الجولاني، وإنما هو أحد القادة لجبهة النصرة وربما يكون الرجل الثاني، ولكن ليس أبو محمد الجولاني، ويضيفون بأن الجولاني من محافظة القنيطرة.

تحالف دولي

ويبدو أن تنظيم الدولة الإسلامية سيمثّل مفارقة تاريخية بصفته نقطة التقاء بين المصالح والأجندات لكل من الأميركيين والإيرانيين والبعثيين في سورية. هذا الالتقاء الذي يمكن أن يفرز تحالفات جديدة في المنطقة. ففي ندوة أجرتها مجلة “فورين بولسي” بالتعاون مع معهد الولايات المتحدة للسلام في أبو ظبي توقع المشاركون أن يكون للانتصارات التي حققها تنظيم “داعش” في العراق تأثير على سوريا. ورأوا أن صعود “داعش” يشكل فرصة لإحداث تغيير في الأزمة السورية وتبدل الوضع هناك. وتوقع هؤلاء أن يشكل خطر “داعش” دافعاً لنشوء تحالف يجمع دولاً عربية إلى جانب تركيا والولايات المتحدة وروسيا وأوروبا وإيران، لمواجهة خطر انتشار التطرف. وأن اجتماع هؤلاء الأطراف معاً لمواجهة خطر “داعش” سينعكس حتماً على الأزمة السورية. ومن المعلوم أن نظام الأسد يستمد قوته من خلال الدعم الذي يحصل عليه من الدول الصديقة له ضد الدول المعادية، لكن الاثنين اليوم يجمعهما الخوف من أن يؤدي الوضع في سوريا إلى زيادة قوة “داعش”.

المحلل السياسي وعضو التيار الوطني الحر بديع حلاوة، يعتقد أن بوادر هذا التحالف موجودة ولكنه يشكك في إيجابيته تجاه الثورة في سوريا، ويضيف للعربي الجديد شارحاً، “بوادر الحلف بدأت تتشكل من القوى الإقليمية الرئيسية والقوى الدولية، وما حالة التضخيم الإعلامي المرافقة لداعش إلا تأكيد على مخطط إنهائها”.

ويضيف: “لا يمكن أن يكون هناك أثر إيجابي على الثورة السورية، إلا إذا كانت القوى الناشئة والقيادات الجديدة في العراق قادرة على تحجيم الآثار السلبية لهذا التحالف، بسبب فقدان الثورة السورية لقيادة مؤثرة، بينما في العراق القيادة حقيقية للحراك وستواجه داعش من خارج الحلف الإقليمي والدولي، بينما في سوريا للأسف هناك بنادق مأجورة مأمورة من الداعمين”.

العربي الجديد

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى