صفحات الرأي

السنة أم الشيعة.. مع من يجب أن تتحالف الولايات المتحدة في الشرق الأوسط؟/ جورج فريدمان

 

 

ترجمة وتحرير شادي خليفة – الخليج الجديد

أكّدت إيران الأسبوع الماضي تجربتها إطلاق صاروخ باليستي. وردّت الولايات المتّحدة بفرض عقوباتٍ جديدة على إيران وأعلنت أنّ إيران لا تزال مصدرًا رئيسيًا للإرهاب وتهديدًا للمصالح الأمريكية. وتخضع سياسة الولايات المتّحدة تجاه إيران الآن للمراجعة. وفي الوقت نفسه، أعلن الرئيس «دونالد ترامب» عزمه سحق «الدولة الإسلامية»، وهي سياسة الولايات المتّحدة منذ ظهور تنظيم الدولة. يرى «جورج فريدمان» أن واشنطن لا يمكنها أن تعادي الجميع في آن واحد، وأنه في الشرق الأوسط يجب عليها أن تختار بين التحالف مع السنة أو مع إيران الشيعية وحلفائها.

معضلة العراق

وكانت سياسة الولايات المتّحدة في العراق قبل زيادة القوّات عام 2007، هي معارضة طلبات كل من السنّة والشيعة في الأحقية بالسلطة في العراق. وحاولت الولايات المتّحدة صياغة حكومة مستقلة في بغداد لا تميل لأي من الطائفتين، ما يعني حكومة علمانية تتحالف مع الولايات المتّحدة. شكّلت الحكومة، لكنّها لم تكن فعّالة. فقد استطاع الشيعة، بدعم من الإيرانيين، التوغّل بعمق في الحكومة، والأهم من ذلك، لم تحظَ الحكومة بدعم خارج التحالف الذي شكّلها. وكانت القوى الأكثر ديناميكية في العراق داخل المجتمعات السنّية والشيعية. وكلاهما استمدّ قوّته من خارج العراق، السنّة من السعودية والشيعة من إيران.

وما رغبت الولايات المتّحدة فيه كان مختلفًا كثيرًا عن الواقع على الأرض. وأثناء زيادة القوّات، أدركت الولايات المتّحدة ذلك، ورأوا الشيعة المدعومين من إيران تهديدًا أكبر، وحاولوا إحداث توازن بالتوصّل إلى تفاهمات مالية وسياسية مع القيادة السنّية. وبعيدًا عن إعطائها الفرصة للولايات المتّحدة للخروج المشرّف، لم تحل زيادة القوّات المشكلة الاستراتيجية التي كانت الولايات المتّحدة تتعامل معها. وصعدت «الدولة الإسلامية» كبطل بين السكّان العرب السنّة، وأصبحت الحكومة العراقية، إلى حدٍّ كبير، أسيرة لدى إيران. وظلّت الولايات المتّحدة عاجزة عن الوصول إلى العراق التي أرادتها. (الخريطة: السنة والشيعة حول العالم)

ووق «فريدمان» تملك الولايات المتّحدة الآن خيارات استراتيجية ثلاثة. الأول، بعد 15 عامًا من القتال غير الفعّال، قبول الهزيمة في المنطقة، والانسحاب والسماح للمنطقة بالتطوّر كيفما ستكون. وتكمن ميزة هذا الخيار في قبول الحقيقة وتبعات الـ 15 عامًا السابقة، وإيقاف النهج غير الفعّال. ويكمن ضعف هذه الاستراتيجية في أنّ قبول التطوّر في المنطقة قد ينتج عنه مواجهة الولايات المتّحدة لعالم سنّي قوي وإيران شيعية قوية. وبعد الشعور بالارتياح، قد يتحوّل إلى صداعٍ لا يطاق.

الخيار الثاني، استخدام الجيش الأمريكي في سحق «الدولة الإسلامية» وعزل إيران، أو إذا تعذّر ذلك، شغل إيران في عملية عسكرية قد تستهدف برنامجها النووي. ولا تملك الولايات المتّحدة القوّة الكافية لشنّ حربٍ واسعة من البحر المتوسّط إلى إيران وفي أفغانستان أيضًا. وقال وزير الدفاع السابق «دونالد رامسفيلد» في بداية الحرب على العراق أنّك تقاتل بالجيش الذي معك. وكان عليه أن يضيف أنّه إن لم يكن الجيش الذي معك كافيًا، ستخسر، أو على أقل تقدير ستواجه مأزقًا لا ينتهي. والهدف من هذه الاستراتيجية لن يكون فقط سحق المنظمات الحالية التي تقاتل من أجل السنّة أو الشيعة، بل تدمير إرادة العالمين العربي والفارسي لخلق منظّمات جديدة من رماد القديمة. ولم تدخل الولايات المتّحدة أبدًا حربًا أجنبية كبيرة دون تحالف قوى. ويعني بعدها عن الساحة الأوروآسيوية ضرورة الحصول على الدعم اللوجيستي. ولهذا السبب يوجد نقاش حول التحالف مع روسيا. لكنّ روسيا ليس لديها نفس المصالح في إيران مثل الولايات المتّحدة، ولا تسعى لنفس النتيجة.

وينبني الخيار الاستراتيجي الثالث على حقيقتين. الأولى، تملك الولايات المتّحدة قوّات محدودة، وحلفاء متردّدين أو مخالفين، ولا يمكنها الفوز بحرب من هذا الحجم. والثانية، العالم الإسلامي منقسم بشدّة على أسس دينية وعرقية. ويوجد الانقسام بين الشيعة والسنّة، والعرب وغير العرب. وبعبارةٍ أخرى، الإسلام ليس نسيج واحد، وهذه الانقسامات هي نقطة الضعف. وستتطلّب الاستراتيجية الثالثة التحالف مع فصيل واحد لمنحه أفضل ما يرغب به، هزيمة الآخر.

استغلال الانقسامات

ومنذ بداية التاريخ الأمريكي، استغلّت الولايات المتّحدة الانقسامات حول العالم لتحقيق غاياتها. وسادت الثورة الأمريكية باستغلال التوتّرات بين بريطانيا وفرنسا لإقناع فرنسا بالتدخّل. وفي الحرب العالمية الثانية، في المواجهة بين ألمانيا النازية والاتّحاد السوفييتي الستاليني، فازت الولايات المتّحدة بالحرب عن طريق تزويد السوفييت بالمال الكافي لاستنزاف الجيش الألماني، الأمر الذي فتح الباب أمام الغزو الأمريكي، واحتلال أوروبا بصحبة بريطانيا.

وحتّى تمتلك القوّة الحاسمة، فإنّ الخيارات الوحيدة المتاحة أمامك هي تخفيض درجة القتال، أو زيادة قوّاتك العسكرية بتكلفة ووقت باهظين، أو استغلال المصالح المتعارضة لإيجاد تحالف يشاركك أهدافك الاستراتيجية. أخلاقيًا، يكون الخيار الثالث دائمًا استراتيجية مؤلمة. وكان طلب الولايات المتّحدة مساعدة الملكيين في عزل بريطانيا في معركة يوركتاون بطريقةٍ ما صفقة مع الشيطان. وكان تحالف الولايات المتّحدة مع النظام السوفييتي القاتل والظالم لهزيمة نظامٍ قاتلٍ وظالمٍ آخر صفقة مع الشيطان أيضًا. وقام كل من «جورج واشنطن» و«فرانكلين» روزفلت بهذه الصفقات بكل سعادة، وكلاهما يعلم عن الاستراتيجية القائلة: ما يأت بعد الحرب يأت بعد الحرب. والآن، فإنّ الغاية هي الوصول لنهاية الحرب منتصرًا. (الخريطة: الانقسام العرقي في الشرق الأوسط)

مع من ضد من؟

وفي حالة الشرق الأوسط، يرى «فريدمان» أنّ الولايات المتّحدة تفتقر للقوّات وحتّى لاستراتيجية متصوّرة لسحق صعود السنّة أو إيران. وإيران هي دولة ذات 80 مليون نسمة محمية من الغرب بجبالٍ وعرة ومن الشرق بصحراء قاسية. وهنا سيقول شخصٌ ما أنّ الولايات المتّحدة ينبغي أن تستخدم القوّة الجوية. لكن أنا هنا سأقول أنّه كلّما أراد الأمريكان كسب الحرب دون دفع ثمنٍ باهظ، فإنّهم يلجأون للقوّة الجوية لقلّة تكلفتها وأنه لا يمكن مقاومتها. لكنّ القوّة الجوية هي عامل مساعد للحرب البرية. ولم تثبت أبدًا أنّها بديل فعّال.

والفكرة هي أنّ شنّ الولايات المتّحدة حروبًا متزامنة في سوريا والعراق وإيران وأفغانستان، ثمّ حصد النصر، هي فكرة خيالية. أمّا الواقع فيقول أنّ العالم الإسلامي منقسم إلى حدٍّ كبير، استراتيجيًا وتكتيكيًا. وعلى الولايات المتّحدة أن تقرر من هو العدو. ورغم أن الإجابة بـ «الجميع» ربما تكون مرضية للبعض، لكنّها ستقود للهزيمة وفق فريدمان». لا يمكن للولايات المتّحدة أن تحارب الجميع من البحر المتوسّط حتّى هندوكوش. يمكنها شنّ غارات وعمليات أخرى لا نهاية لها، لكنّها لن تستطيع الفوز.

لصياغة استراتيجية فعالة، على الولايات المتّحدة العودة للأسس الجمهورية، الاستعداد للتحالف مع عدو لهزيمة الآخر. ويرى «فريدمان» أنه ينبغي أن يكون الهدف هو التحالف مع العدو الأضعف، أو العدو صاحب المصالح الأخرى، حتّى لا تقود حرب مباشرةً إلى الأخرى. وفي هذه اللحظة، السنّة أضعف من الإيرانيين. لكن هناك الكثير من السنّة، ويغطّون مساحات شاسعة من الأرض، ويتمتّعون بنشاطٍ أكثر من إيران. وحاليًا، إيران أكثر قوّة، لكن قد يكون السنّة أكثر خطرًا. لذلك، يقترح «فريدمان» تحالفًا مع الإيرانيين، ليس لأنّنا نحبّهم أكثر (ولم يكن ستالين أو لويس السادس عشر كذلك)، لكن لأنّهم هم الخيار المناسب. (الخريطة: طوبوغرافيا إيران)

يكره الإيرانيون السنّة ويخشونهم. وسيوافقون على أي فرصة لسحق السنّة. والإيرانيون أيضًا نفعيون وواقعيون مثلما كان «جورج واشنطن». لكن في واقع الأمر، قد ينجح أيضًا التحالف مع السنّة ضدّ الشيعة أيضا وفق رؤية «فريدمان»، حيث إن السنّة يحتقرون الإيرانيين، ولديهم الأمل في سحقهم، وقد يتخلّى السنّة عن «الإرهاب» لذلك. وسيثار الكثير من الجدال في الجانبين، كما كان الحال في أفغانستان.

وفي رأي «فريدمان»، ما لا يمكن دعمه هو الصراع المتزامن مع السنّة والشيعة، والعرب والفرس لأنه لايمكن تحقيق مثل هذا الفوز. ولا معنى لمحاولة تحقيق ما فشل تحقيقه في العراق وعلى نطاقٍ أوسع. وتقسيم أعدائك هو مبدأ أساسي في الاستراتيجية. أمّا توحيدهم، أمرٌ غير منطقي. وبالتالي، فإنّ شنّ حروبٍ متزامنة على السنّة والشيعة شيءٌ غير عقلاني. والانسحاب ببساطة من المنطقة ينطوي على مخاطر أكبر على المدى البعيد.

في النهاية، أراد واشنطن هزيمة بريطانيا، وأراد «روزفلت» هزيمة «هتلر». وبدون الفرنسيين أو السوفييت، لكنّا خسرنا هذه الحروب. وفي النهاية، تمّ تدمير «آل بوربون» والسوفييت. ولم يكن واشنطن أو «روزفلت» على عجلة من أمرهما. فهناك دائمًا وقت للفائز ليصل إلى الغاية التي يريدها. لكن لا يوجد وقتٌ أبدًا للخاسر.

جيوبوليتيكال فيوتشرز

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى