صفحات الناس

السوريات بين النظام والقوى الظلامية/ ريما فليحان

 

 

قضية النساء في العالم إنسانية عالمية، حيث تشترك كل نساء الأرض في تقاسم التمييز والألم بنسب متفاوتة، تتسع أو تضيق، بحسب عوامل ترتبط بالمكان والثفافة والوضع الاجتماعي والأعراف والتقاليد والدين والقانون. غير أن لحالة النساء في سورية، اليوم، خصوصية ترتبط بالمرحلة والوضع على الأرض، وكذلك بعوامل دخيلة على المجتمع، وفدت بغزو همجي لشرائح غوغائية، تحمل فكراً رجعياً متخلفاً، تتمثل في القاعدة وأخواتها، وخصوصاً ما يسمى تنظيم داعش، ترجم هذه التشكيلات النساء وتجلدهن وتمنعهن من أبسط حقوقهن في الحياة، ومن حرياتهن الشخصية والفكرية، إضافة إلى أن هذه التنظيمات تهدد التركيبة الديموغرافية لسورية والمنطقة، وللأسر المحلية، أيا كان معتقدها، بما فيها الأكثرية السنية التي اتسمت بالاعتدال عبر تاريخ سورية الغني بالتنوع والعيش المشترك.

ويبرز سؤال محق لدى السوريين، والمراقبين عموماً، يوجه إلى المجتمع الدولي والقوى الإقليمية، عن كيفية تنامي دور تلك القوى، وقدراتها في ابتلاع وقرض مناطق سورية عدة، واحدةً بعد أخرى، وعن امتلاكها أسلحه ثقيلة وتمويلاً، ويسر تحركها ورفدها بمقاتلين من المرتزقة الأجانب الذين باتوا يشكلون تهديداً حقيقياً، إن لم يتم إيقافهم عن ابتلاع بلادنا، وثوراتنا، وأحلامنا المحقة في الحرية والكرامة والديموقراطية.

على مستوى آخر، تعاني النساء السوريات، اليوم، من القتل اليومي والاعتقال والتعذيب والاغتصاب المرتكب من النظام والشبيحة، حيث ما تزال آلاف السوريات في المعتقلات، في ظروفٍ، لا يمكن احتمالها أمام تعذر إيجاد أساليب ضغط كافية على النظام، من أجل إطلاق سراحهن، أو وقف العمليات الإجرامية التي يقوم بها من قصف عشوائي للمدنيين، واستهداف طال حتى المخيمات.

ولا يُنسى حجم العبء والألم الذي تمر به اللاجئات السوريات خارج بلدهن، أو النازحات داخله، فقد باتت مئات آلاف الأسر بلا معيل في ظرفٍ من الحرمان الاقتصادي والاجتماعي، وفقدان أبسط معايير الأمان الأسري، مع ازدياد حالة الرفض من المجتمعات الحاضنة للاجئين السوريين، بسبب تفاقم آثار حجم الكارثة الإنسانية، وانعكاساتها على تلك المجتمعات من جهة، وتجاذبات الانتماءات السياسية داخل مكونات تلك المجتمعات، من جهة أخرى. وتضاف إلى ذلك حالة التوتر الطائفي، والذي قد يشعل المنطقة بكاملها، في ظل تأجيج للهب من قوى خارجية ومحلية، وانعدام المسؤولية لدى القوى الاجتماعية والسياسية المؤثرة التي يمكن أن تقوم بما قد يمكنّها من تلافي حربٍ أهلية، تشعل المنطقة برمتها، إن تحلت بالحس الوطني والإنساني الكافي، بعيداً عن التخندق الطائفي والمصالح الضيقة.

كل تلك الظروف كانت تستوجب على “المعارضة السوريه مثلاً”، كونها زعمت تمثيلها الثورة السورية، والتي برزت فيها النساء محركات وناشطات وقيادات، أن تنصف المرأة في التمثيل السياسي، وتمكنها من المشاركة في صنع القرار، إن كنا سنتحدث عن المشاركة السياسية للنساء السوريات اليوم. ولكن، ما حدث كان معاكساً تماماً، فما طفا على السطح كان سلوكاً تمييزياً إقصائياً للنساء، حيث لا تمثيل منصفاً، من حيث العدد والوظيفة ومراكز صنع القرار في داخل تلك القوى، والإشارة هذه إلى معظم قوى المعارضة السورية، وليس إلى كيان بذاته. وزيدت على ذلك حملات مسعورة، استهدفت النساء البارزات والناشطات، سوقتها قوى أو شخصيات تحمل أجندات متخلفة، أو منافسات تافهة، أضافت بذلك السلوك إلى المعارضة عيوباً إضافية، كان ممكناً تلافيها، بتغليب المصلحة الوطنية العامة على أي شأن آخر.

من هنا، أنشأت مجموعة من السوريات “اللوبي النسوي السوري”، وأُعلن عنه في اسطنبول يوم 15 يوليو/تموز 2014، ويضم ناشطات في حقوق المرأة والسياسة، من خلفيات متنوعة، ويهدف إلى تقوية مشاركة النساء السوريات في عمليات صنع القرار السياسي الذي يؤثر في مستقبل وطنهن. ويعد اللوبي نفسه كياناً مستقلاً، غير حزبي، وقد أعلن التزامه بالوصول إلى المشاركة المتساوية للمرأة والرجل في عمليات صنع القرار السياسي في سورية، وعلى جميع المستويات، حيث يؤمن أعضاؤه بأن الديمقراطية لا يمكن أن تبنى، من دون الاحترام والتنفيذ الكامل لحقوق المرأة، باعتبارها حقوقاً عالمية للإنسان، وكذلك مبادئ المساواة الكاملة بين المرأة والرجل في الحياة الخاصة والعامة.

ورؤية اللوبي أن سورية دولة مدنية ديمقراطية تعددية، ملتزمة بالحقوق العالمية للإنسان وحقوق النساء الإنسانية، وتسعى إلى مجتمع خال من التمييز على أساس القومية، أو الجنس، أو الطبقة، أو الدين، لتحقيق مبادئ العدالة الاجتماعية والمساواة والمشاركة الكاملة بين المرأة والرجل، في اتخاذ القرارات في حياتهما ومستقبل بلادهما. ويهدف اللوبي إلى الضغط من أجل دور فاعل ومشاركة متساوية للمرأة في عمليات صنع القرار السياسي، في أطياف المعارضة المؤمنة بالديمقراطية، وعلى جميع المستويات والمجالات، بحيث تؤخذ حقوق المرأة والمساواة بين الجنسين أولوية على الأجندات الوطنية، من أجل تقرير مستقبل سورية الجديدة وبنائه.

وعلى الرغم من أن التجربة السورية، في هذا المضمار، حملت ولادة قوى نسوية عديدة تختلف في الأهداف، وتتفق في محور المرأة كأساس، إلا أن لكل تجربة خصوصيتها وآفاقها التي يجب أن تنتج، أخيراً، إنصافاً للنساء، وتحقيق المساواة الكاملة مع الرجال في مجتمعاتٍ، تريد أن تكون حرة وديموقراطية، وتتخلص من كل أشكال الديكتاتورية، السياسية والدينية والاجتماعية، لأنها نتجت من ثورات، والثورات يجب أن تحمل التغيير نحو الأفضل، وليس الرجوع إلى الوراء.

وعلى الرغم من اعتبار كثيرين، للأسف، قضية المرأة هامشيةً في ظل ما يحصل على الأرض في سورية من دمارٍ وقتلٍ، وحالة مخاض سياسية اجتماعية، إلا أن تجارب سابقة لشعوب المنطقة أثبتت أن ترك تلك القضايا على الهامش، في مرحلة المخاض، يؤدي إلى إبقاء تلك القضايا على الهامش، في مراحل الاستقرار، بل إلى تهميشها أكثر، وقد يقود، أيضاً، إلى تراجعٍ مرعبٍ، على مستوى حقوق النساء، والإنسان عموماً.

لا يمكن أن تكون ثورات الربيع العربي ثوراتٍ للربيع، إن لم تنصف النساء اللواتي شاركن في صناعتها، وفي صنع التغيير، ولا يمكن أن تؤدي التغيير الاجتماعي المطلوب إن لم تحمل في نتائجها تقدماً ملموساً، على مستوى الحريات وحقوق الإنسان، وتطوراً في قيمة الإنسان، رجلاً وامرأة.

العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى