صفحات العالم

السوريون «في عين العاصفة»


غسان الإمام

هذا العنوان ليس لي. أستعيره من الراحل غازي القصيبي. عندما غدر صدام بالكويت، كان القصيبي سفيرا للسعودية لدى البحرين. غيرته الوطنية والقومية حولته من دبلوماسي. وشاعر. وكاتب، إلى صحافي. كان قلمه سلاحا أمضى من سلاح مليون جندي حشدهم صدام على حدود السعودية.

«في عين العاصفة»، اختار القصيبي فضح صدام، عبر لقطات صحافية، نشرها هنا في «الشرق الأوسط». وكانت أبلغ من مقالات طويلة، نشرت في الصحافة العربية، بعدما انحسر ظل صدام عن الكويت، وتهاوى خطره وتهديده لحرية الكلمة العربية.

كافأت السعودية القصيبي. فاختارته سفيرا لها لدى بريطانيا. غدا القصيبي العمدة السعودي للعرب في أوروبا. ثم اختارته السعودية وزيرا للعمل والشؤون الاجتماعية. فتصدى لمشكلة البطالة، ولتشجيع الشباب الخليجيين على اختراق ميدان العمل.

غادر القصيبي دنيانا قبل الأوان. لكن ترك، لا سيما في محنة العرب بنظام المجزرة في سوريا، درسا لكل عربي. أن يقول بجرأة: لا. لبشار. كما قال: لا. للقذافي. ولا. لصدام.

بعد عزلته الدولية، سيجد نظام بشار نفسه في عزلة عربية. الموقف الخليجي الحازم من التسويف والخداع ستنتكس آثاره سريعا على اقتصاد نظام بشار. مئات ألوف الخليجيين، غابوا عن منتجعات الصيف السورية. ستتأثر مشاريع استثمارية وتنموية للخليجيين في سوريا، قيمتها عشرات مليارات الدولارات. رجال أعمال خليجيون بارزون يشكون من فساد وبطء القضاء التجاري السوري. ومن «الخوات والعمولات» التي فرضها رجال البزنس والبطانة الاقتصادية المستفيدة من الفساد.

في استغرابها لتصويت لبنان، إلى جانب اليمن، ضد قرار تعليق عضوية النظام السوري في جامعة الدول العربية، يتوقع أن تأخذ دول خليجية الموقف العربي «المناسب»، من حكومة نجيب ميقاتي. يبدو أن ميقاتي «لا يمون» على وزير خارجيته عدنان منصور المحسوب على الشيعة والذي سبق له العمل في طهران.

كان الظن أن لبنان سيمتنع عن التصويت، على الأقل كما فعل العراق. لكن ظهر واضحا أن نفوذ إيران وحزب الله على الحكومة الميقاتية، أكبر من نفوذها على الحكومة المالكية! ميقاتي الذي كان «الأداة» السنية، لقلب حكومة الحريري السابقة، رجل أعمال شديد الاعتزاز بالتقرب من بشار ونظامه. ولا يستبعد أن تتأثر نشاطاته الاقتصادية في منطقة الخليج.

موقف الدول الخليجية الحازم من نظام بشار، هو أول تحرك خليجي ملموس، يؤكد انتقال مركز الثقل السياسي والمادي العربي إلى الخليج. فقد اتخذت دول مجلس التعاون موقفا موحدا من قضية قومية، على مستوى إدانة النظام السوري. في مبادرة تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية، يثبت النظام الخليجي، وفي مقدمته السعودي والقطري، غيرته القومية وتعاطفه مع معاناة مجتمع عربي شقيق، واستعداد الخليج لتحدي المخطط الإيراني. احتواء إيران لسوريا ولبنان، لم يكن ليحدث لولا حلف نظام الأب والابن مع نظام طهران.

كادت «الخناقة» الحامية بين معارضي الداخل والخارج السوريين، على أبواب الجامعة العربية في القاهرة، تفوت الفرصة المتاحة لعزل نظام بشار عربيا. من دون انحياز لأي من الطرفين، فقد كان اللجوء إلى أسلوب «التخوين» غير منسجم مع لغة الحوار السلمي.

مآخذ بعض السوريين على «تكتيك» حسن عبد العظيم المعارض السوري الأبرز في «هيئة التنسيق» الداخلية. تتلخص في احتضانه لأعضاء كانوا محسوبين سابقا على نظامي صلاح جديد وحافظ الأسد، وقاموا بعد «توبتهم» وانضمامهم إلى الانتفاضة، باحتلال شاشات الفضائيات العربية.

حسن عبد العظيم تعرض لإيذاء طويل من النظام. وهو أصلا محام نشيط يتولى زعامة حزب «الاتحاد الاشتراكي العربي» الذي أسسه الراحل الدكتور جمال الأتاسي قبل أكثر من أربعين سنة. وبعد وفاة الأتاسي (سنة 2000)، تمكن عبد العظيم من ضبط التنظيم، واستعادة تماسكه، بعد سلسلة الاختراقات الطويلة التي تعرض لها خلال عهد الأب والابن.

يعتبر التهديد بـ«تدويل» الأزمة السورية أهم بند في قرار مجلس الجامعة العربية الذي منح نظام الأسد مهلة أربعة أيام فقط لتنفيذ تعهده السابق بالانسحاب العسكري من المدن، والسماح بنشر مراقبين عرب في المناطق والمدن المنكوبة.

وجاءت دعوة تركيا لحضور اجتماع لجنة المتابعة العربية غدا (الأربعاء)، بعد صدور إشارات من أنقرة، باحتمال إقامة تركيا منطقة عازلة داخل سوريا، لحماية اللاجئين والنازحين. وكانت تركيا قد وجهت إنذارا للنظام، بعد مقتل 24 جنديا تركيا، في عملية لإرهابيي حزب العمال الكردي، محذرة من استخدام الأراضي السورية قاعدة للانطلاق نحو الأراضي التركية، عبر كردستان العراق.

«طز في الجامعة!». لن يتمكن يوسف الأحمد سفير بشار في القاهرة، وحصان طروادة الرسمي في مجلس الجامعة، من دخول مقر الجامعة العربية، بعد العبارات والمفردات البذيئة التي استخدمها ضد العرب في جلسة قرار تعليق عضوية النظام السوري.

المعروف عن يوسف الأحمد في أوساط النظام السوري أنه دبلوماسي فاشل، ولم ينجح في اختراق محافل النفوذ والقرار المصري. لكن بقاءه الطويل في منصبه يعود إلى كونه مصاهرا لعائلة الأسد الحاكمة.

بعد اجتياح شبيحة بشار لمبنى السفارة السعودية في دمشق، ومحاصرتهم لسفارات عربية وأجنبية، ينتظر أن تسحب دول خليجية سفراءها في العاصمة السورية. وقد بدأ دبلوماسيو السفارة التركية بدمشق حزم حقائبهم، استعدادا لمغادرة عاجلة، بعد اجتياح القنصلية التركية في اللاذقية.

كانت صدمة نظام بشار كبيرة، بتصويت الجزائر والسودان إلى جانب القرار العربي، بتعليق عضوية سوريا في الجامعة. لكن حكومتي البلدين آثرتا التضامن مع الأشقاء العرب، على العلاقة الوثيقة التي تربطهما بنظام بشار.

بدأ شبلي العيسمي (89 سنة) حياته السياسية قبل سبعين عاما قوميا عربيا، على مبادئ البعث السوري. وجعله قربه الشديد من معلمه ميشيل عفلق أحد «كتاب الوحي». وكان عفلق يملي مقالاته وأفكاره، على شلة من تلامذته، في مقدمتهم العيسمي. وقد لاقى الرجل الأهوال من جراء هذا الالتزام. ولحق بعفلق إلى العراق عندما فر من سوريا. وعانى من معاملة صدام السيئة للاجئين من البعثيين السوريين.

بعد سقوط صدام، لجأ العيسمي (الدرزي السوري) إلى لبنان، فاحتضنته طائفته الدرزية القوية هناك. واعتبر الرجل العجوز، في حماية زعيم الطائفة وليد جنبلاط. بعد الانتفاضة، نشر العيسمي سلسلة مقالات صحافية اعتبرها نظام بشار ضده.

اختفى العيسمي في أيار (مايو) الماضي. وأشيع أن عملاء بشار خطفوه ونقلوه إلى سوريا. وعندما سأل جنبلاط هاتفيا بشار الإفراج عن العيسمي رحمة بشيخوخته، رد بشار بأن العيسمي غير موجود عنده، وأن أخلاقه لا تسمح له بخطف المعارضين.

أخيرا، كان اللواء أشرف ريفي أحد رؤساء أجهزة الأمن في لبنان، من الشجاعة والجرأة، بحيث كشف أن ضباطا في جهاز أمني لبناني آخر خطفوا العيسمي. وسلموه إلى تنظيم فلسطيني مسلح موال لبشار، في لبنان.

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى