صفحات سوريةفايز ساره

السوريون الأكراد في الخريطة السياسية: مخاض الولادة

 

فايز سارة

يشكل السوريون الأكراد بحسب تقديرات متفاوتة ما بين (6 و10) في المائة من سكان سوريا، وهي نسبة عالية، تشير إلى وجود ما بين مليون ونصف مليون إلى مليوني ونصف مليون من الأكراد، وهو رقم مهم ومؤثر في الخريطة السكانية من جوانبها السياسية والاجتماعية. ورغم أن قسماً كبيراً من الأكراد، يتمركز في شمال وشمال شرقي سوريا وخاصة في محيط حلب ومحيط الحسكة، فإن الأكراد موجودون في غالب المحافظات السورية وخاصة في مدينتي حلب ودمشق، حيث لهم وجود ملموس.

ويسجل السوريون الأكراد حضوراً في الخريطة السياسية للبلاد يوازي حضورهم في الخريطة السكانية أو يزيد قليلاً في ضوء تجربة الأحزاب والجماعات السياسية والمدنية الناشطة في أوساط الأكراد، خصوصاً في العامين الأخيرين واللذين فرضا تبدلات كثيرة وكبيرة في طبيعة الحراك السياسي والمدني السوري عموماً بما فيه الحاصل منه في الوسط الكردي، حيث سجل تزايد الأحزاب والتحالفات السياسية والجماعات المدنية معدلات لم تشهدها سوريا من قبل، وهي حالة ليست محصورة في المناطق التي انكفأ الوجود الأمني والسياسي للنظام عنها، إنما أيضاً في المناطق التي ما زال النظام حاضراً فيها، وتشير الوقائع الراهنة إلى وجود علني لأكثر من مائة حزب وجماعة سياسية، إضافة إلى عشرات التحالفات التي انضوت فيها جماعات سياسية، ومثلها من تنظيمات لجماعات من المجتمع المدني، وكلها أخذت شرعيتها من الأمر الواقع، وليس من الترخيص الذي تمنحه الجهات الحكومية للجماعات السياسية والمدنية بحسب قانون الأحزاب أو قانون الجمعيات.

والدخول في واقع الوجود الكردي في الخريطة السياسية السورية الراهنة مرتبط بنقطتين أساسيتين، الأولى هي بدء التمايز السياسي الكردي عن الخريطة السياسية السورية وتطوراته وولادة الحزب الأم الذي أسس للنشاط الكردي المستقل أو المنفصل عن الجماعات السياسية القائمة، والثانية التأثيرات التي فرضتها ثورة السوريين على الحركة السياسية الكردية في الشقين السياسي والمدني، وما ترتب على الأخيرة من نتائج في المجالين الكردي والوطني العام.

يعود بدء التمايز السياسي الكردي في سوريا إلى النصف الثاني من الخمسينات. ففي العام 1957، تأسس الحزب الديموقراطي الكردستاني في سوريا). (P.D.K.Sبجهود نخبة من المثقفين والسياسيين الكرد بينهم رشيد حمو، عثمان صبري، حمزة نويران، شوكت حنان (نعسان)، خليل محمد، حميد حاج درويش، محمد علي خوجه، وكان الهدف العام لهذه الخطوة تنمية شؤون الأكراد السوريين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتعزيز مكانتهم ومشاركتهم في الحياة العامة السورية، الأمر الذي يعكس نزعة النخبة من الأكراد إلى التمايز عن بقية السوريين من جهة، وإحساسهم أن وجودهم في الجماعات السياسية الوطنية القائمة آنذاك، لا يتوافق مع تلك الطموحات، رغم أن الأكراد السوريين كانوا في ذلك الوقت حاضرين ومشاركين في مختلف جماعات وأحزاب تلك الفترة وقبلها، كما في حضورهم الواضح داخل الحزب الشيوعي السوري، وفي جماعة الإخوان المسلمين والحزب الوطني وحزب الشعب، بل إنهم كانوا موجودين أيضاً في تنظيمات حزب البعث العربي الاشتراكي في أماكن مختلفة من البلاد.

إن جدة تأسيس أول حزب كردي في سوريا عام 1957 على أهميتها، كانت تحمل مجموعة من المشاكل الطبيعية نتيجة عدم وجود أي خبرات وتجارب، إضافة إلى التفاوت الطبيعي بين العناصر المكونة للحزب، وحداثة طرح الأهداف واتساع المطالب التي طرحها، إضافة إلى ردة الفعل القمعية التي قوبل بها تشكيل الحزب الديموقراطي الكردستاني في سوريا، وهذه كلها كانت بين العوامل المفجرة للحزب بعد سنوات من ولادته، حيث انقسم الحزب إلى حزبين في العام 1965، حاول كل منهما التعبير عن اتجاه وتوجه داخل الحركة السياسية الكردية الناشئة والمستقلة عن الحركة السورية الأم وأحزابها الرئيسية، وكان أول الحزبين، الحزب الديموقراطي التقدمي الكردي بقيادة عبد الحميد درويش حزباً أقرب إلى القوى التقليدية في الوسط الكردي، فيما كان ثانيهما الحزب الديموقراطي الكردي السوري (اليساري) بقيادة عثمان صبري والذي خلفه لاحقاً صلاح بدر الدين الممثل الأوضح للتيار الديموقراطي في وسط الأكراد، وبهذا الانقسام صار على الحركة السياسية الكردية، التي حاولت أن تشكل مركزاً للصراع السياسي حول القضايا التي تشغل بالها وتهمها في سوريا، أن تدير إضافة إلى الصراع الخارجي صراعاً داخلياً بين الحزبين اللذين خرجا من الحزب الأم الحزب الديموقراطي الكردستاني.

لقد استمر الصراع داخل الحزبين حتى العام 1970، ففي هذا العام حصل تطور مهم على صعيد الحركة القومية الكردية، إذ تم توقيع اتفاق 11 آذار في العراق بين السلطات العراقية والأكراد بقيادة الملا مصطفى البارزاني، اعترفت الحكومة العراقية بموجبه بالحكم الذاتي في إقليم كردستان العراق، وحيث إن البارزاني يحظى بمكانة كبيرة ومؤثرة لدى النخبة الكردية في سوريا، فقد دعا قادة الحزبين إلى لقاء يجمعهم في كردستان العراق، لأن يبحثوا برعايته أوضاع أكراد سوريا والحركة الكردية فيها, وتوصل المجتمعون إلى ضرورة توحيد الحزبين المذكورين في حزب واحد، وكلف البارزاني قيادات في الحزبين وشخصيات وطنية غير منظمة للقيام بذلك، وكان من ثمار جهودهم عقد المؤتمر الوطني لأكراد سوريا برعاية البارزاني، وأقرّ فيه المنهاج والنظام الداخلي لحزب جديد جامع هو الحزب الديموقراطي الكردي السوري (يكيتي(, وانتخبت قيادة موقتة للحزب الذي دعا في منطلقاته الأساسية إلى احترام الخصوصية الكردية والاعتراف رسمياً بوجود الشعب الكردي في سوريا والالتزام بمضمون ذلك وإلى المشاركة الكردية في السلطة وإدارة البلاد وبناء مجتمع مدني قادر على توفير مقومات بناء سلطة وطنية ديموقراطية على أساس الانتماء الوطني السوري الذي يحترم التعدّد والتنوّع بكافة أشكاله الإثنية والثقافية والسياسية.

ورغم أهمية تدخل الملا البارزاني في إعادة ترتيب الوضع السياسي للسوريين الأكراد في العام 1970، إلا أن الأمر، لم يحقق المطلوب، فعاد الوضع إلى ما كان عليه من انقسام بين عامي 1957و1965، وزاد إليه ولادة حزب جديد هو الحزب الديموقراطي الكردي السوري البارتي، وهذا إلى جانب الحزبين الآخرين أخذوا بالانقسام والتوالد بعد وقت قليل، الأمر الذي يمكننا من القول، إن غالب الأحزاب الكردية الناشطة في سوريا، تعود في أصولها إلى الحزب الأم الذي خرجت منه الأحزاب الثلاثة ومنها الحزب التقدمي الديموقراطي الكردي والحزب اليساري الكردي في سوريا، والحزب الديموقراطي الكردي (البارتي)، وقد أضيف الى ما سبق نوعان آخران من الأحزاب الكردية في سوريا، أولها أحزاب تنتمي إلى الخط الذي يمثّله حزب العمال الكردستاني (p.k.k) ومنها حزب الاتحاد الديموقراطي والانشقاقات التي خرجت منه مثل حزب الوفاق، والثاني هو التيار الإسلامي وما ولد في إطاره من أحزاب وجماعات إسلامية، مثل وحدة العمل الوطني لكرد سورية والحزب الإسلامي الكردي السوري.

لقد أدت الانقسامات داخل الحركة السياسية الكردية الى ضعف عام فيها، وإلى ضياع جهود وطاقات الأحزاب والنخبة الكردية، وغرقها في التشتت والانقسام السياسي، وبالتالي عدم القدرة على تحقيق إنجازات تساعد السوريين الأكراد في التغلب على التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي يواجهونها، والوصول بهم إلى مشاركة حقيقية وفعالة مع بقية السوريين من أجل بناء نظام يوفر الديموقراطية والعدالة والمساواة لكل السوريين، وقد حاولت غالبية الأحزاب الكردية مداراة فشلها في إنجاز مهماتها عبر التوجه نحو خطاب شعبوي متشدّد للاستحواذ على مشاعر الشارع الكردي وكسبه ومحاولة عزله عن محيطه السوري، بدل أن تقدم له إنجازات على طريق تحسين ظروفه وحياته وسيراً أفضل نحو مشاركته الفاعلة والنشطة بالحياة العامة السورية مع حفظ وتطوير خصوصياته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى