صفحات مميزة

السوريون … خبر الصفحة الأخيرة/ جفرا بهاء

 

 

جاء خبر قتل «داعش» حوالى 400 سوري في مدينة الرقة قبل أن يدلي الرئيس الأميركي باراك أوباما بتصريحاته التي انتقدتها الصحافة الغربية بسرعة تكاد تكون قياسية. وربما تكون الفيديوات التي نشرها تنظيم الدولة الإسلامية والتي لم يستطع كثيرون مشاهدتها حتى النهاية بسبب قسوتها الشديدة، السبب وراء شن هذه الحملة على أوباما وعلى جملته التي وصفت بـ «الخرقاء» «لا نملك استراتيجية بعد».

أميركا لا تمتلك إذاً استراتيجية حتى الآن في ما يخص ضرب «داعش» في سورية، ولكنها امتلكت هذه الاستراتيجة بأقل من شهر لضرب التنظيم نفسه في العراق، ليصبح حيز الموت السوري الصفحة الأخيرة.

ومعلوم ان الصفحة الأخيرة تختص بأخبار المنوعات والأحداث الغريبة، وآخر صرعات الموضة. واليوم يبدو الموت السوري ضرباً من الموضة العالمية، فأصبح ترتيبه الأخير في النشرات، ويعتبر الأغرب في المنوعات، وخبراً شبه عادي في الصحف اليومية. وسقط اسم سورية من الإعلام، وبقي اسما الأسد و»داعش» قابعين في وجدان السوريين وحدهم.

محاولة فهم شعور أولئك الجنود والمعتقلين الذين أجبرهم تنظيم «داعش» على الركض بثيابهم الداخلية والهتاف للمجرم الذي سيقتلهم بعد بعض الوقت، لا يوصل الى أي نتيجة. ماذا كانوا يفكرون وهم مساقون للذبح وليس للقتل، هل كان ثمة قلب ينبض داخل ضلوعهم، وهل هم جميعهم من جنود الأسد، كيف سنتأكد ويتأكد أولادنا من أن هؤلاء الذين هزوا الضمير العالمي من جديد كلهم من قاتلي السوريين، وليس بينهم معتقلون أخرجوا من سجنهم في مطار الطبقة المعروف بأنه يضم معتقلاً. وبدلاً من أن يخرجوا الى النور خلعوا ملابسهم وركضوا تحت الشمس وهتفوا للقاتل، وقتلوا ورميت جثثهم بعضها فوق بعض ودُفنوا في مقابر جماعية من دون أسماء.

لسنا بعيدين عن شهادة «قيصر»، المصور في الشرطة العسكرية السورية الذي انشق وهرب حاملاً 55 ألف صورة لـ 11 ألف ضحية تم تعذيبها في سجون النظام السوري حتى الموت. فماذا فعل العالم حتى اللحظة؟ دقق في الصور وأثبت أنها صحيحة، وأكد أن الأسد قتل الآلاف من السوريين بطرق شنيعة. قتـلهم قصفاً وتدميراً وتجويعاً وتعذيباً، ولكن كل تلك الصور والإثباتات لم تقنع أوباما بأن يمتلك استراتيجية للتدخل في سورية بعد.

سورية اليوم بلد بلا حياة، مدن مدمرة عن بكرة أبيها، نساء ثكالى وأولاد أيتام، شعب مشرد في أصقاع الأرض، وأميركا والعالم لم يتخذا قراراً بعد بشأن سورية.

وسورية قبل «داعش» ليست كسورية بعدها، فالعدو أصبح عدوّين. والقتل تضاعف، والذبح والصلب باتا المشهد الأكثر انتشاراً. ولكن كل ذلك الدمار والموت لم يجبر الإنسان داخل الغرب على التحرك كما تحركت أميركا من أجل الإيزيديين بعد أيام قليلة من إرهاب المتطرفين لهم. ولم يساوِ بين المسلم الذي يقتل على يد «داعش» في سورية وبين المسيحي الذي مورس عليه الإرهاب في العراق، وبقى المواطن المسيحي والإيزيدي العراقي يساوي مئة قتيل وأكثر من السوريين، ولتقتل الرقة وأحداثها المأسوية ما تبقى من حياة في داخلنا كسوريين.

* صحافية سورية

الحياة

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى