صفحات الناس

السوريون وغارات “التحالف الدولي” – مقالات مختارة –

 

 

 

سورية: حذر من الغارات واجماع على الخذلان بمناطق المعارضة/ ألكسندر أيوب

تفاوتت ردود فعل المدنيين في الشارع السوري، بشأن غارات “التحالف الدولي”، الذي بدأ أولى ضرباته الجوية في سورية، أول أمس (الثلاثاء)، مستهدفاً مراكز تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، ومقار لـ”جبهة النصرة” في محافظات دير الزور، والرقة، وإدلب، وحلب والحسكة.

في دير الزور، وتحديداً في مدينة “البوكمال” الحدودية، حيث نفذت طائرات التحالف أكثر من 24 غارة جوية، شهدت المدينة حالة من الخوف والهلع، وسط موجة نزوح إلى القرى المجاورة.

يستعيد محمد يونس، مدرّس في مدينة البوكمال، وعضو مجلس محلي سابق، اللحظات التي تلت الغارات والخوف الذي اعترى الأهالي. ويقول لـ”العربي الجديد” “ما أن انتهت الغارات، حتى بدأ النزوح إلى قرى مجاورة، خاضعة لسلطة التنظيم، لكنّها لا تضمّ مقار له، وهو ما يجعلها أكثر أماناً من المدينة”. ويؤكّد يونس أنّ أهالي البوكمال “ضاقوا ذرعاً من سيطرة تنظيم “داعش”، ولكن في الوقت ذاته يتخوفون من استهداف المدنيين ضمن الغارات”، مضيفاً: “إذا لم تنه هذه الغارات نظام الأسد وتنظيم “الدولة”، على حدّ سواء، فهي بلا نتيجة”.

على بعد 180 كيلومتراً من دير الزور، تقع محافظة الرقة، والتي كان لها نصيبها من غارات التحالف، مع أكثر من 20 غارة استهدفت مراكز “داعش” في المدينة وريفها، في وقت يزداد فيه توتّر السكان، نتيجة سيطرة التنظيم على كامل المحافظة.

ويقول الناشط الإغاثي مرهف الخلف، لـ”العربي الجديد”، إنّ “الغارات أضاءت عند الرابعة فجراً ليل الرقّة، وسط ذعر الأهالي”، موضحاً أنّ “غالبية الناس يرغبون في إخراج “داعش” بأي طريقة، لكن بمجرد بدء الغارات، شعر الجميع بجديّة الموضوع، وكانت الأجواء أشبه بالمقاطع المصورة التي شاهدناها في حرب العراق”، على حدّ تعبيره.

وعلى الرغم من إخلاء التنظيم لأغلب مقاره في المدينة، لكنّ الخشية تبدو كبيرة من استهداف مراكز مدنيّة، ناهيك عن إدراك السكان أنّ الضربات الجوية لن تفيد، خصوصاً في الرقة، حيث يتمترس التنظيم ويسيطر على المدينة بالكامل. ويوضح الخلف أنّ “المدنيين ينتظرون إنهاء السبب الرئيس لمعاناتهم والمتمثل في نظام بشار الأسد”.

سخط من الغارات

وإذا كانت آراء عيّنة من السوريين، شرق البلاد، تتراوح بين الخوف والحذر، يبدو أنّ السوريين في الشمال، وتحديداً في ريف إدلب، أكثر سخطاً تجاه أولى غارات التحالف، خصوصاً بعد استهدافها خمسة مواقع في قرية كفردريان، في الريف الشمالي للمدينة، طالت أربعة منها مداجن شرقي القرية، تتخذها جبهة النصرة مقار لها ومستودعات للأسلحة. واستهدف الصاروخ الخامس مبنى من طابقين، يقطنه نازحون، مما أسفر عن سقوط عشرة قتلى مدنيين ونحو 15 جريحاً.

وبانفعال وغضب، يقول مالك مشرف، أحد عناصر الدفاع المدني في مدينة إدلب لـ”العربي الجديد”: “هذا أول الغيث، إذ كان أول ضحايا قصف التحالف لـ”داعش”، من المدنيين في إدلب، وهذه الضربات ستزيد الطين بلّة”. ويضيف “مسبّب “داعش” موجود بقصره في دمشق، وكان أولى توجيه تلك الصواريخ إليه، أما التنظيم فتسليح الجيش الحر كفيل بإنهائه”.

وفي ريف إدلب، خرجت تظاهرة رافضة للتحالف في بلدة كفر روما، ومطالبة بوقف غاراته. ويبرّر مازن عيدو، أحد منسقي التظاهرة، خروج التظاهرة بالقول لـ”العربي الجديد”: “لسنا مع داعش، ولكن أن نُقتل طيلة 3 سنوات، بمختلف أنواع الأسلحة على يد نظام إرهابي، لا يقلّ إجرامه عن “داعش”، ومليشيات مرتزقة إلى جانبه، ولا يتحرّك العالم، لينتفض اليوم لإيقاف خطر التنظيم، فهذا مستفز”. ويبدي أسفه لأن “فاتورة الخطوة الأولى كانت من المدنيين، فكيف إذا استمرت بقية الخطوات التي لا نعرف إن كانت تسير باتجاه دعم الثورة أو نظام الأسد”.

إجماع على الخذلان

يرى عضو التجمع المدني “حلب الحرة”، منذر الخياط، وتعليقاً على استهداف مقاتلات التحالف مراكز للنصرة في مدينة الأتارب في ريف حلب أنّ “التحالف لم يأت لخدمة الشعب السوري، وإنما لزيادة معاناته”، لافتاً إلى أنّ “استهداف النصرة سيزيد من الحاضنة الشعبية لها”.

ويقول لـ”العربي الجديد”: “النصرة فصيل مشهود له في معارك الثورة السوريّة ضدّ النظام، ربما تتبع جذوره للقاعدة، لكن كان هناك إمكانية لتطويع عناصره ودمجهم مع كتائب أخرى، خصوصاً أنّ الأغلبية من السوريين”.

ويتابع: “أغلب الناس هنا يرفضون التحالف، بعد فقدانهم الثقة في كل دول المنطقة، التي تركت الشعب السوري لمصيره خلال 4 أعوام”، معرباً عن اعتقاده بأنّ “الولايات المتحدة تتدخّل بالقدر الذي يضمن مصالحها ومصالح الدول الحليفة معها، لا مصالح السوريين”.

ويضيف: “من ذلّ السوريين في مخيم الزعتري، لن يدافع عنهم بطائراته اليوم”، في إشارة إلى الأردن.

وفي الوقت الذي يستهدف فيه التحالف الدولي المحافظات السورية الخارجة عن سيطرة الأسد، تشهد العاصمة دمشق ترقباً كبيراً، وتختلف آراء سكانها بين مؤيد ومعارض للنظام. يبدي مؤيدو الأسد خوفاً شديداً من تقدّم الجيش الحر من جهة “الغوطة الشرقية” إلى العاصمة، مستغلاً الظروف، في حين تأتي مخاوف المعارضين في دمشق من استغلال النظام لانشغال المجتمع الدولي وتكثيف عملياته العسكرية ضد المدنيين في مختلف المناطق السورية. والمفارقة أن كثيرين من الجهتين، يرددون العبارة ذاتها: “لن يحدث أكثر مما حدث”، في إشارة إلى حالة اليأس والخذلان التي يشعر بها السوريون، بعد أن ذاقوا مختلف أنواع الموت، على أيدي جهات عدّة وتحت شعارات مختلفة، من الكيماوي، مروراً بالبراميل المتفجّرة، وصولاً إلى صواريخ “التوماهوك”.

العربي الجديد

 

 

السوريون والضربات الغربية: انقسام وميول متضاربة

دمشق ـ شهرزاد الهاشمي

يشعر سكان المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام السوري بالاطمئنان من جراء الضربات الجوّية التي بدأ التحالف الدولي بشنّها، مستهدفاً مقرات تنظيم “الدولة الإسلامية” وجبهة “النصرة”، على اعتبار أن الغرب سيضطر للانحياز إلى النظام الذي يؤيدونه، فيما يرى الشارع المعارض أنه على الضربات أن تركّز على حماية السوريين ولا تستثني أيّاً من الجهات التي قتلتهم، بما فيها نظام الرئيس السوري بشار الاسد.

وأنعش خبر الضربات الجوية الجدل السياسي بين السوريين، الذي بدأ يفتر في الآونة الأخيرة. ويوضح أحد سكان مناطق سيطرة النظام، وهو مدرّس يدعى أحمد حاضري، أنّ “الناس لا يشعرون أنّ باستطاعتهم التأثير على مجرى الأحداث الدائرة في البلاد، وأن جميع الأحاديث السياسية، سرعان ما كانت تتحوّل إلى شكوى ورواية قصص مأساوية، لتنتهي بدعوات الخلاص”.

ويضيف أن “أحداً لم يستطع تجاهل ما سمعه عن ضربات طائرات التحالف، إذ يعلم الجميع أن نتائجها ستحدّد مصيرنا جميعاً، وقد بدا المشهد العراقي، وسيناريو التفكيك والتقسيم والوجود الأجنبي، حاضرين بقوة في توقّعات الشارع السوري”.

ويشكو أحد الصحافيين في العاصمة دمشق، رفض الكشف عن اسمه، لـ”العربي الجديد”، من “تأخّر العديد من وسائل الإعلام الشهيرة في مواكبة الحدث، فضلاً عن ابتعاد السوريين عن متابعة وسائل الإعلام، بسبب طول فترة انقطاع الكهرباء، إضافة لإحجام البعض الآخر عن سماع الأخبار وانشغالهم بمتاعب المعيشة والعمل”. ويوضح أنّ “معظم الناس ليسوا على دراية بكامل الحدث، ولا يعرفون الدول المشاركة في التحالف والمواقع التي تمّ استهدافها”.

وحول درجة اهتمام الشارع السوري بهذه الضربات الجوّية، يوضح المتطوع في الهلال الأحمر، علي منصور، لـ”العربي الجديد”، أنّ “السوريين تعرضوا لجميع متاعب الحرب وأهوالها، من قتل واعتقال وخطف وقصف، وهو ما يفسّر حالة عدم الاكتراث العام”. ويضيف: “شخصياً، أعتقد أن مساعدة المتضررين الآن، تستحق انشغالي أكثر من الاهتمام بالضرر الذي سيلحق بداعش وجبهة النصرة، أو الاهتمام بتصريحات النظام”.

شبح غلاء الأسعار

وانخفضت قيمة الليرة السورية، بينما ارتفعت أسعار البضاعة الأجنبية في عموم البلاد، إثر الحديث عن حتميّة الضربات الغربية، وانعكس هذا الارتفاع سريعاً على أسعار المواد المستوردة، كالأجهزة الكهربائية والإلكترونيات والهواتف المحمولة، كما أدّى إلى ارتفاع سعر الذهب.

ويقول أحد الصرافين في مدينة حلب، رفض الكشف عن اسمه، لـ”العربي الجديد”، إنّ “سعر صرف الدولار في السوق السوداء لم يكن مستقراً، بسبب الشائعات والتخوّف من تأثير الضربة على التجارة والاقتصاد، وقد سجل سعر صرف الدولار قفزة واضحة، صباح الثلاثاء الماضي، إذ وصل إلى 198 ليرة سورية، بينما كان في اليوم السابق 185 ليرة”. ويضيف أنّ “معظم الناس متخوفون من أن يطول ارتفاع أسعار المواد الأساسية، كالغذاء والمحروقات، فيزيد الحال سوءاً”.

يجمع السوريون على كراهية تنظيم “الدولة الاسلامية” ورفض ممارساته المتطرّفة، بخلاف “جبهة النصرة”، التي تتمتّع ببعض التعاطف بسبب تصدّيها لقوات النظام، وهو ما خلق جدلاً عن مقاصد استهدافها بالضربة. وفي هذا السياق، تعرب سارة الحجي، وهي من أهالي الرقة، لـ”العربي الجديد”، عن “تأييدها التام للقضاء على داعش، الذي بات شبحاً يلاحق السوريين في كل مكان في المناطق المحررة”.

وتوضح أن هذا التنظيم هو السبب في تشريد جميع أفراد عائلتها الذين فروا خوفاً من أذيّة عناصره، كما تشير إلى أن “المعارضين الوحيدين لاستهداف مقرات داعش اليوم، هم أهالي المعتقلين في سجون هذا التنظيم، ومعظمهم لا يعرف شيئاً عن مصيرهم، إلا أن ذويهم يخافون أن يقعوا ضحايا لهذه الضربات”.

هل تطال الضربات قوات النظام؟

يتوقع الكثير من السوريين المعارضين للنظام، أن تطال الضربات الجوية قوات النظام السوري، ويعتبر أحد النازحين من منطقة الباب في ريف حلب، رفض الكشف عن اسمه، لـ”العربي الجديد”، أنّ “الممارسات الإجرامية للنظام، لا تقلّ عن تلك التي قام ويقوم بها تنظيم داعش، فالضربات يجب أن تركّز على حماية السوريين ولا تستثني أيّاً ممّن قتلهم”.

وقد انشغل مؤيدو النظام وأتباعه، عبر صفحات الانترنت، بتوزيع تطمينات بأن مجريات الأحداث تصبّ في مصلحة النظام. ويؤكد أحد السوريين الموالين، أنّ “العديد من هذه التطمينات ذهب باتجاه تسويق فكرة اضطرار واشنطن للانحياز للنظام وضرب الجهات المعادية له، وهو ما كان قد أبداه وزير الخارجية السوري، وليد المعلم، في تصريحات سابقة، عندما طالب أميركا بأخذ الإذن من النظام السوري”. ويوضح موالٍ آخر أنّ “عناصر جيش النظام في المدينة يواكبون تطور الأحداث، ويتابعون الأخبار بدقة، وهو ما يشير إلى أن حالة من الخوف بدأت تسود بينهم”.

العربي الجديد

 

 

 

 

ضربات التحالف توحّد الجهاديين.. وتخيف السوريين/ نذير رضا

التفاؤل السوري بالضربات الأميركية التي استهدفت تنظيمات جهادية ومجموعات متشددة في سوريا، اليوم، قابلته تمنيات بأن تشمل الضربات مقرات نظامية، حتى “قصر المهاجرين” وهو مقر إقامة الرئيس السوري بشار الأسد.. كما أثارت تذمراً جهادياً، وعدائية إتسعت ضد الغرب والدول العربية، وصولاً الى دعوات لأن يتحد التنظيمان المتخاصمان تنظيمياً، “داعش” و”جبهة النصرة” في البلاد.

الضربة التي انتظرها السوريون، منذ عام، لتقويض النظام ومعاقبته على استخدام الأسلحة الكيماوية في ريف دمشق، تحققت مع تغيير في الهدف. إتجهت نحو المجموعات المتشددة حصراً، علماً أن الدعوات لتشمل مواقع النظام، تضاعفت، إرتداداً لدعوات الإئتلاف السوري وجهات سورية معارضة. والسؤال الذي فرض نفسه على الحدث في مواقع التواصل: ماذا بعض الضربات؟

الخوف من الفوضى، في غياب دعم حقيقي لجماعات المعارضة المعتدلة، عمّ مواقع التواصل الإجتماعي. كذلك، النكات التي اجتاحت الصفحات، وقوفاً عند موقف النظام الذي حاول، عبثاً، الإيحاء بأن قيادة التحالف نسقت معه. “إرسى على برّ”، قال ناشطون لوزير الخارجية وليد المعلم، في ظل الأنباء المتعاقبة عن طريقة إعلام النظام بالضربة. “هل كانت عبر بشار الجعفري أم عبر السلطة العراقية؟”. وامتد الجدل، مصحوباً بوجوه مندهشة، ورسوم كرتونية ساخرة.. ليأتي التصريح الأميركي الجازم بأنه “لا تنسيق”، في معرض حسم الجدل.

هنا تضاعفت النكات. عرّى الناشطون النظام السوري، بوصفه “جباناً”، و”آخر من يعلم”. مخابراته الجوية، تحولت الى مادة دسمة للسخرية. “مخابرات على الذباب الأزرق”، كما كتب البعض. ووسط هالة من الدهشة سيطرت على مواقع التواصل منذ الصباح، تحولت المواقع الجهادية وحسابات التنظيمات المتشددة الى ساحة لادانة العرب، واستهداف التحالف، أقلها “الجيوش العربية العميلة الوضيعة… تنتهك حرمة سماء الشام”، إضافة الى التأكيد بأن “جميع الفصائل في سوريا مُستهدفة من التحالف الكاذب باستثناء حركة حزم وجبهة ثوار سوريا”، ما يعني خطة لانتاج عداوات داخلية، تشير الى فوضى متوقعة بعد ضربات التحالف.

وتحت مجموعة من الوسوم، بينها هاشتاغ #التحالف_الصليبي_الخليجي_الاردني، شن مؤيدو تنظيمي “داعش” و”النصرة” هجوماً على العرب، بوصفهم “أداة أميركية”، و”يقاتلون أهل السنة”. اللازمة الطائفية نفسها تتكرر في كل مكان. في العراق وسوريا ولبنان واليمن. وتضاعفت الإشارات الى “تنسيق” غير علني بين النظام والأميركيين وحلفائهم العرب، على قتل “المجاهدين”. “الغارات الأميركية على الشعب السوري بمشاركة طيران عربي! ردةٌ صريحة عن الإسلام، هل من تأكيد لأسماء الدول العربية المشاركة؟!”، غرد جهادي، فيما ذهب أنصار “النصرة” الى نعي قيادات لهم، مثل أبو يوسف التركي، وهو أبرز قناص في النصرة، ضمن مشاركات كثيرة تحت هاشتاغ استشهاد_ابو_يوسف_التركي.

التحشيد الجهادي ضد التحالف والدول العربية، برز على شكل إدانة طائفية بغيضة. وعلى قاعدة “أنا وابن عمي على الغريب”، برزت مواقف مصالحة بين “داعش” و”النصرة” على إطار واسع. بادر الداعشيون في تغريدات مثل “نحن فقط طلبنا منكم التوحد وكفوا عن ردتكم وبايعوا الخلافة”، و”لتعلموا انه اذا تبين منكم الحق تبعناه.. نعتذر منكم على تسميتكم صحوات”… لكن أنصار النصرة تريثوا. الدم لم يبرد بعد في غير منطقة سورية. تداولوا التقارب الخجول على شكل تغريدات، وإعادة توجيهها، ومعظمها حمل لغة العتب والملامة، مثل هاشتاغ #دماء_أخواننا_في_جبهة_النصرة_هي_دمائنا_في_الدولة.

سوريا تنتظر موجة جديدة من العداوات، وخلط الأوراق. على الأقل، تشير المواقع الجهادية الى ذلك. التحالفات المتشددة تُصاغ من جديد، فيما يبقى مشهد ضرب النظام ضبابياً. وبين الإدعاءات، ينتظر الشعب السوري موجة جديدة من العنف والقتل بـ”نيران صديقة”، يتمنى السوريون أن تبقى محدودة.

المدن

 

 

 

الإعلام السوري مهللاً للضربات الأميركية: كلنا في خندق واحد!

اسطنبول ـ ثائر الزعزوع

فجأة دفنت النعامة رأسها في الرمل، وقالت: “لاشيء يحدث حولي”. وفق هذه النظرية تلقى الإعلام السوري خبر بدء الحرب التي يشترك فيها ثلث دول العالم تقريباً ضد تنظيم الدولة الإسلامية. أما الإعلام السوري فوقع بين تشدق النظام السوري بالتنسيق مع التحالف، وبين ادعاء السيادة الوطنية.

وبين الادعاءين يبدو أن القائمين على الإعلام حسموا الأمر باكراً، وقرروا انتظار الأوامر العليا. فانفردت الإخبارية السورية، مثلاً، بعرض حوار مطول يناقش الظروف الصعبة التي يعاني منها الاقتصاد التركي، في مشهد يعيدنا سنوات إلى الوراء، ويذكرنا بعرض الفضائية السورية برنامجاً علمياً عن أنواع الطيور، في حين كانت العاصمة العراقية بغداد تسقط في يد قوات التحالف الدولي!

على الضفة الأخرى انشغلت الفضائية الحكومية بنقل حوار عن إعادة الإعمار وترتيبات الحكومة لإشراك “الفعاليات الاجتماعية كافة” في هذا المشروع الذي سوف يستمر سنوات. ولعل اللون الأحمر الذي يظهر أسفل الشاشة بين الحين والآخر، لينقل عن مراسل الفضائية والإخبارية، خبراً عاجلاً عن قصف قوات التحالف مواقع “تنظيم داعش الإرهابي” تأتي بمثابة جس النبض، خصوصاً بعدما أعلن البيت الأبيض أن “الضربة الجوية” ستأخذ وقتها. وعليه يبدو أن تجاهل ما يحصل لا يمكن أن يستمرّ.

وبينما كان الإعلام العالمي ينقل تفاصيل الضربات على سورية، اكتفى الإعلام السوري الخاص والعام بالحديث عن “السيادة الوطنية” وحكمة القيادة في إصرارها على محاربة الإرهاب. وقد حاولت قناة “سما” جاهدة ربط القصف والتدمير الذي قامت به قوات النظام على مختلف المناطق السورية على مدى ثلاثة أعوام، مع ما تقوم به قوات التحالف. ولا ننسى طبعاً أن القناة نفسها كانت تردد وبصوت مرتفع أن ما تخطط له واشنطن، هو اعتداء سافر على السيادة الوطنية!

لكن يبقى ما قامت به صحيفة “الوطن” اليومية هو الأكثر إدهاشاً، أفردت الصحيفة على صفحتها الرئيسة لمانشيت بالخط العريض “واشنطن وحلفاؤها في خندق واحد مع الجيش السوري لمحاربة الإرهاب”. وجاءت باقي عناوين الصحيفة أقرب إلى التهليل والمباركة، لكل صاروخ يدك هدفاً داخل الأراضي السورية. وأبرزت الصحيفة تصريحاً للأسد يؤكد وقوف سورية إلى جانب الحملة، التي كانت قبل أسبوع واحد فقط عدواناً، وانتهاكاً للسيادة الوطنية.

ويبدو أن هذه الحملة الأميركية استطاعت أن تشق أواصر الخطاب الإعلامي المشترك بين إعلام النظام السوري وبين إعلام حلفائه سواء في حزب الله أو في الوسائل الحليفة له. فقناتَا “المنار”، و”الميادين” احتفتا بخطاب أمين عام “حزب الله”، حسن نصرالله، الرافض للعدوان، فيما تجاهله تقريباً الإعلام السوري.

العربي الجديد

 

 

 

لا مشاعر/ لقمان ديركي

نعم لا مشاعر الآن تجاه كل هذا. فهذه الضربة الأميركية لم تجد من يهلل لها من أبناء الشعب العادي، كما أنها لم تجد من يستنكرها. فالكل يضحك مما يحدث، رغم شدة الآلام التي أضحت مزمنة منذ ثلاث سنوات ونيف. يقصف الأميركان فيضحكون، فقط يضحكون، ربما يموت أهاليهم نتيجة هذا القصف، لكنهم سيضحكون. ربما يحتلنا “الأميركان”، فيضحكون. لم يعد للحياة بهذه الرتابة من معنى. رتابة القتل، رتابة الموت، رتابة التشرد، رتابة النزوح، رتابة ركوب الأمواج والغرق في الطريق إلى سواحل أوروبا.

الجميع يعرف النتيجة، ربما من أجل ذلك يضحكون. يضحكون من ردود أفعال النظام، من تصريحاته، من محاولته لحفظ ماء وجهه الناشف منذ زمن بعيد. “الأميركان” أخبرونا، بل نسقوا معنا. يا للنظام البطل، يا للنظام الممانع، لم يبقَ له سوى أن يقول أن “الأميركان” يضربون على أراضينا بالتنسيق معنا، كي يحفظ ما بقى له من كبرياء مزعومة. وقالها وكأن هذا هو فخره الأخير. وكأن الشعب يضحك لهذا الأمر، وربما يضحك لسبب آخر، لغاية في نفسه، غاية مروعة خلاصتها أن لا بأس بصراع الأنذال في النهاية.

لا بأس من هذه النهاية. فيها قليل من السعادة وسط ركام الدمار والحزن، فيها مرارة الإكتشاف، لكن بلا أمل. فالشعب تعود على العيش بلا أمل، كما أنه تعود على كذب المجتمع الدولي. لذا فما يحدث ليس في مصلحة الشعب بالتأكيد. أقصد أن الشعب متأكد من ذلك. متأكد من أن أميركا لن تكون سيارة الإسعاف التي ستنقله إلى مشافي الوطن من جديد. متأكد من أن أميركا لن تحقق له رغبته بإسقاط النظام، وبالتالي تقديم الحرية له على طبق من ذهب. لكنه متأكد أكثر أن ما يجري من ضربات الآن ما هو إلا حلقة من المسلسل السوري الدامي الذي كان الغرب يتفرج عليه مبتسماً قبل قراره بالمشاركة فيه. ومن المؤكد أنها لن تكون الحلقة الأخيرة.

أميركا لا تقبل بأن تكون ضيف شرف في هذا المسلسل. لا بد وأن المسلسل ما زال في بداياته الآن. فالبطل ظهر، البطل الذي انتظرته المعارضة طويلاً ظهر. والمفاجأة كانت أن النظام أيضاً كان بانتظار نفس البطل، الكل يصفقون له بلا استثناء. النظام لا يتجرأ على عدم التصفيق، لكنه يقرن تصفيقه بجملة مفادها أن “الأميركان” استشاروه. “الأميركان” نسقوا معه. ولربما في هذا سقوطه الدراماتيكي. فالمسلسلات السورية التي من هذه الشاكلة من السخافة والرداءة تقدم لك المفاجآت النوعية دائماً، أو لم يُقتَل أبو عصام فجأة، أو لم يختفِ العكيد في فجأة أخرى، أو لم يعد أبو عصام مكللاً بالغار في فجأة أخرى وأخرى.

ما من منطق يسود هذه الأجواء، أجواء المسلسلات السورية الرديئة، ومسلسل المجتمع الدولي والعربي والنظام والمعارضة ضد الثورة السورية لم يكن ذات يوم أقل رداءة من مفاجآت أبي عصام والعكيد. فلمن ستكون الغلبة في النهاية؟ أم أن للثورة رأيا آخر قد يقلب الطاولة على رؤوس هؤلاء الصناع؟!!!

والشعب..يضحك من هذا المسلسل المأساوي الرديء.

المدن

 

 

 

 

إعلام النظام السوري يرحب بـ”التنسيق” المفقود!/ وليد بركسية

عَكَس أداء الإعلام السوري الرسمي، التخبط السياسي النظامي حيال ضربات التحالف ضد المجموعات المتشددة في سوريا. فهو يصر على إبراز أفكار قد تكون مختلقة ويحاول تكرارها بغرض ترسيخها، ويفرغ القلق الداخلي لديه بتكنيكات إعلامية كلاسيكية تدور حول مهاجمة الآخرين بما تخاف منه. ويحاول النظام عبر إعلامه تلميع ما تبقى من صورته التي رسمها طوال الفترة الماضية حول نقطة محورية هي “سيادة الدولة السورية”. تلك السيادة التي تمزقت اليوم بفعل الطائرات الأميركية، ومن قبلها انفصال “داعش” بالرقة عن البلاد.

لليوم الثالث على التوالي منذ بدء الضربات، يؤكد الإعلام الرسمي فكرة المشاركة والتنسيق المسبق بين الولايات المتحدة والنظام في دمشق بشأن الضربات الجوية. نشرات الأخبار في قناتي “الإخبارية السورية” و”الفضائية السورية” ما زالت حتى اللحظة تشدد على أهمية ذلك التنسيق، ثم ربطه بمفهوم “السيادة الوطنية” التي يسعى النظام للحفاظ عليها وحمايتها عسكرياً، وكأن الحرب ضد “داعش” تجري في مكان آخر على الكوكب.

التنسيق المفترض بين الجانبين الأميركي والسوري ورغم نفي واشنطن له، يفضي إلى نتائج أكثر تشعباً يسوّق لها الإعلام السوري بكثافة. “العالم يعود إلى رشده مستمعاً إلى ما ردده النظام طوال السنوات الأربع الماضية من ضرورة “اجتثاث الإرهاب” ويمسي كل ما سبق جزءاً من الانتصار القادم للنظام على أعدائه”. صحيفة “الوطن” شبه الرسمية على سبيل المثال عنونت بالمانشيت العريض على صفحتها الأولى أمس الأول ملخصة كل ما سبق: “واشنطن وحلفاؤها في خندق واحد مع الجيش السوري لمكافحة الإرهاب”.

يظهر ذلك بصرياً، بالصور التي سرّبها الإعلام بطريقة مباشرة بشكل منفصل عن الضربة للرئيس بشار الأسد وهو يستقبل فالح الفياض، مبعوث رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، في دمشق. في تلك الصور ظهر الأسد مبتسماً واثقاً بنفسه. ورغم أن الأخبار المرافقة لتلك الصور، لم تتطرق إلى موضوع الضربة إلا أنها أوحت بذلك بصرياً ومنطقياً بين السطور، وكأن الإعلام الرسمي يقول إن الأسد قد اتفق بالفعل مع الجانب الأميركي على التفاصيل الدقيقة للضربات العسكرية وأن كل شيء يجري بمباركته، كل شيء يتلخص عبر ابتسامته الواثقة دون الحاجة للكلمات لا أكثر.

“الاعتراف المبطن” بشرعية الضربات كما تصفه “الوطن”، يجعل من التصريحات الروسية والإيرانية بـ”لا شرعية الهجمات”، غائبة عن الأجندة السورية تقريباً، وإن وجدت فإنها تقترن غالباً بتفسير محلي يرتبط بجدوى تلك الضربة وقدرتها على إنهاء “داعش” من جهة وعلى أهدافها الخفية غير المعلنة من جهة أخرى، وبازدواجية المعايير الأميركية في المنطقة عموماً على حد تعبير “سانا”.

جدوى الضربة تحددها قدرات الجيش السوري ميدانياً على الأرض، بعد “الصمود الأسطوري” للجيش السوري طوال السنوات الأخيرة كما تصف جريدة “البعث”، كما أن التحرك الدولي لمكافحة الإرهاب بنظر الصحيفة نفسها يؤكد على صوابية رؤية القيادة السورية” طوال الفترة الماضية.. فيما ربطت صحيفة “الثورة” التصريحات الإيرانية الأخيرة المعارضة للضربة بموضوع الدعم الغربي للجماعات الإرهابية، وتوسعت في ذلك أكثر بشرحها لاقتصاد الحروب.

في السياق ذاته، تشكل الأهداف الخفية للغرب في “حملته ضد الإرهاب الذي صنعه” محوراً هاماً يكرره إعلام النظام كخاتمة منطقية للأفكار السابقة، حيث يقفز ذلك الإعلام عموماً من الحدث نفسه إلى ما بعد الحدث ليقدم استشفافاته لطبيعة المنطقة في عصر “ما بعد داعش”.

الحديث عن المشاركة العربية في التحالف الدولي ضد “داعش” يأخذ حيزاً كبيراً بدوره في إعلام النظام، لكن من ناحية ساخرة محجمة للدور العربي، والتأكيد على الدعم العربي للجماعات الإسلامية في البلاد مثلما أشارت الصحف السورية الرسمية الثلاث. كما أفردت له “الإخبارية السورية” حيزاً كبيراً للتحليل مع فيديوهات للضربة على الرقة، ليتهم الإعلام السوري ككل الدول العربية المشاركة في التحالف “بأملها في أن يمتد التحالف إلى أكثر من ضرب داعش أي قصف النظام نفسه”، وهو الخوف نفسه الذي يحاول النظام ألا يظهره عبر قنواته الإعلامية، والتي ينافي بها منطقياً فكرة التنسيق المسبق مع الولايات المتحدة، وبالتالي يفرغ ذات الفكرة بشكل غير مباشر في قنوات بديلة (الدور العربي).

الفكرة السورية “لاجتثاث الإرهاب” لا تكتمل من دون الاستناد الدائم لرأي الشعب السوري، الذي يظهر عبر الإعلام السوري سعيداً “بالضربة المشتركة” إلى جسد داعش “رغم عدم كفايتها”. صحيفة الوطن ترى أن الشارع السوري “استقبل الضربات الأميركية بارتياح”، خصوصاً أنها أتت “بالتوافق والتنسيق مع الحكومة السورية” مطالبة، على لسان الشعب السوري، بوجود قواعد دولية رادعة لدعم الإرهاب.

لم تستطع الضربات الجوية على “داعش” داخل الأراضي السورية، أن توقظ الإعلام الرسمي من سباته. ما زال منفصلاً عن الواقع، ويتصرف كأن العالم أصمّ، والمشاهدين أغبياء!

المدن

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى