حسّان القالشصفحات الناس

السوريّون وإرهاب مانشستر/ حسان القالش

 

 

تُرى هل يشمت السوريّون بما حدث قبل أيّام في مانشستر، وقبلها في باريس وغيرهما من مدن وعواصم؟ فلنعترف ولنكن واقعيّين: الأرجح أنّ الإجابة هي بنعم ولا في الوقت نفسه. فالسوريّون، باعتبارهم من أكثر شعوب العالم صبراً وتحمّلاً للظلم، يدينون الإرهاب الحاصل في أوروبا بلا أيّ شك، لكنهم في الوقت نفسه شامتون بسياسة أوروبا والغرب، فالتعاطف إذاً هو مع الضحايا والشماتة بالحكومات وسياساتها.

ولا يؤتى بجديد في القول إنّ سبب هذه الإجابة الجامعة للنّقيضين هو ما عاناه ويعانيه السوريون بالأمس واليوم من مجازر وتقتيل بكلّ الأنواع، وآخرها إلقاؤهم في محرقة صنعها نظام الأسد لهذا الخصوص. وهذا سبب ينتج سؤالاً ما زال السوريّون يردّدونه منذ ستّ سنوات: هل من العاديّ أن نُقتل وليس عادياً أن يُقتل غيرنا، هل قتلُنا أمر طبيعيّ وقتلُ غيرنا جريمة؟ على أنّ هذا السؤال يلحّ علينا يومياً، ويزيد في إلحاحه مع كلّ حادث إرهابي، هكذا ليصل إلى درجة تقارب الحسد ربّما. ذاك أنّنا بتنا نحسد الضحايا الأوروبيين على تعاطف العالم معهم، فما حدث في مانشستر مؤخراً من إرهاب بشع جزء من يوميات شعبنا، فما تتعرّض له، مثلاً، مدينة السلميّة في هذه الأيام من إرهاب وذبح لا يقلّ بشاعة وإجراماً عمّا شهدته مانشستر، لكن من يتضامن مع السلمية ومن يضعها على خريطة التعاطف الدولي؟

في كلّ حال، تكمن دلالات عدم شماتة السوريين، بل تعاطفهم، في سلميّة هذا الشعب، وربما في امتلاكه حسّاً جماعياً بأنّهم لم يكونوا من الشعوب التي أنتجت إرهابيين مشهورين، منذ نشأة تنظيم القاعدة وحتى اندلاع الثورة في 2011. أمّا عن الشماتة بسياسات الغرب فناتجة عن يقين السوريين بأنّ بشار الأسد، ومن قبله أباه، هما مساهمان أساسيّان في إنتاج التطرف الإسلامي، والإرهاب في تعريفه العام والقانوني. والأمر هنا لا يتوقّف على تذكّر السوريين لتهديدات الأسد بأنّ الإرهاب سيصل إلى قلب أوروبا، بل على دهشتهم ويأسهم من إصرار الغرب على خيار التواصل مع نظام الأسد بذريعة محاربة الإرهاب، فالغرب إذاً، كما الأقليّات المغلوبة على أمرها في المشرق، يبحث عن العيش في الوهم، ويريد أن يصدّق كذبةً يوقن بأنّها كذلك، فإذا لم يكن هذا هو العجز فما هو يا ترى؟

إلى ذلك، ليس من المنطقي، ولا من العدل، أن يقال إنّ مانشستر مدينة غيّرت العالم، إشارة إلى ما لاقته من إرهاب، ولا يقال بأنّ سورية بلد غيّر العالم وكشفَه، وبأنّ الأسد ومعه إيران وبوتين غيّروا العالم ويغيّرونه إلى الأسوأ. والكلام هنا ليس للمفاضلة أو النزاع على مظلوميّة، بل للتذكير بأنّ ما كان مُنتهاهُ اليوم في مانشستر كان مُبتدأه في سورية.

* كاتب وصحافي سوري

الحياة

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى