صفحات الناس

السوري اليتيم/ رشا الأطرش

 

 

تحت عنوان “ما بضهر مع سوري”، بدت الكتابة عن خطاب العنصرية، كتعليق على مضمون المقابلات مع الطالبات اللواتي شرحن أسباب رفضهن جميعاً لفكرة مواعدة شاب سوري، ضرباً من التكرار العقيم. فالخطاب النقدي المضاد، والمُحقّ بالطبع، لم يثبت جدوى تُذكر في تغيير – أو حتى “التحاور” مع – عقلية جزء معتبر من اللبنانيين واللبنانيات.

لكن البيان “التوضيحي” الذي نشره الأستاذ في الجامعة، سامي مجاعص، في صفحة “ألبا” في “فايسبوك” مؤخراً، يجعل من مقاربة الفيديو-الحدث ضرورة أكبر. إذ ما عادت المسألة محصورة في تفكيك خطاب عنصري بالمطلق، ومناهضته. بل تجاوزته، كدلالة إلى خلل أكاديمي/تربوي، إضافة إلى اعتلال ثقافي/سياسي، لعله ليس حكراً على جامعة “ألبا” أو كادراتها أو طلاب مجاعص.

شرح مجاعص قصة الفيديو قائلاً إنه جزء من “تمرين تعليمي” هدف إلى فهم “قوة السوشال ميديا”، مضيفاً إن آراء الطالبات التي ظهّرتها المقابلات في الفيديو لا تعكس معتقداتهن، بل إن الطالبَين المُشتغِلَين على المشروع الجامعي، طلبا منهن استعراض “الكليشيهات” السائدة في المجتمع. وشدد مجاعص على أن الطالبَين أرادا طرح موضوع “العنصرية الكامنة” لدى جزء من المجتمع اللبناني، وأنهما ضد أي نوع من العنصرية. وقال مجاعص في بيانه، إن المشروع الجامعي كان يفترض أن ينفّذ في مرحلتين: الأولى، فيديو “استفزازي” (teaser) لفتح النقاش واستقبال التعليقات. والثانية، فيديو يتضمن بقية الإجابات بـ”نعم، يمكن أن أواعد شاباً سورياً”، وهي إجابات “تعكس الآراء الحقيقية لمعظم الفتيات اللواتي أجريت معهن المقابلات”. والحال، بحسب البيان، إن الفيديو الأول تم تسريبه من التداول الداخلي بين الطلاب، لينتشر بين عموم مستخدمي السوشال ميديا. وأعلن مجاعص تحمّله مسؤولية “فشل التمرين”، معتذراً عن أي إساءة تسبب بها الفيديو المذكور.

لكن الإشكالية الأولى التي تطرح نفسها: هل كان طلاب مجاعص، مثلاً، ليطرحوا السؤال بطريقة “هل تقبلين مواعدة شاب لبناني منتسب إلى حزب الله؟” أو “يلصق صورة سعد الحريري على زجاج سيارته؟” أو “يضع أيقونة مار شربل كصورة بروفايل في فايسبوك؟”… بل، “هل تواعدين شاباً من بعلبك؟” أو “من باب التبانة؟”.. هل كان “التمرين” حينها ليبدو بالسهولة و”العادية” ذاتها؟

غالباً ما تبقى الأسئلة الافتراضية بلا إجابات حقيقية، لكن الأكيد أن كلاً من “الشبان” أعلاه، يجسد قيمة هوياتية ما في المجتمع اللبناني، طائفية أو طبقية أو غيرها. وسيجد من يستنفر “دفاعاً” عما يمثله، في مواجهة الأسباب التي قد تدلي بها الشابات لشرح إجاباتهن بـ”لا”. بيد أن “الشاب السوري”، ورغم موجة التعليقات المستنكرة لتنميطه وتحقيره في فيديو طالبات “ألبا”، هو شاب يتيم، بمعنى أنه لا يركن الآن إلى “جماعة” مرهوبة الجانب، ولا إلى فئة واضحة تمثّل إحدى ركائز الانتظام اللبناني. والأرجح إن هذا “التمرين الجامعي” كان ليستغرق مزيداً من التفكير والتدوير لو أن قوات النظام السوري لم تنسحب من لبنان منذ نحو عقد من الزمن. وهنا، يبدو كلام مجاعص عن تشجيع طلابه على كسر “التابو”، في حاجة إلى مزيد من التأمل.

أما الإشكالية الثانية، فتتمحور على ما قاله مجاعص عن تسريب الفيديو للتداول العمومي، بعدما كان معدّاً للتداول الداخلي حصراً ضمن الجامعة وطلابه. فإذا كان الهدف من “التمرين” هو قياس “قوة السوشال ميديا”، فإن انتشار الفيديو يفترض أن يشكل التحدّي “التعليمي” الأبرز لطلابه. لكن الواضح، وإذا صدق مجاعص في بيانه، أن تشوّشاً يعتري فهمه، ومن بعده طلابه (وسواهم الكثير من اللبنانيين)، لماهية التجريب الإعلامي/الفني، ثم لأخلاقيات التجريب هذا. ولعل للتشوّش هذا، أفضلية في النقاش و”الكسر”، على “تابو” العنصرية.

اختتم فيديو “ما بضهر مع سوري” بعبارة للطالبَين اللذين أعدّاه: “بالشارع، كيف رح فيكن تفرقوا بين لبناني وسوري؟”.

النوايا الأصلية حسنة، بلا شك.

ولا شك أيضاً في أن إجابات الطالبات في المقابلات هي صدى لما يعتمل في أذهان لبنانية عديدة، سواء قيل علانية أم بقي مكبوتاً، وسواء عبّرت الإجابات عن صاحباتها أم كانت مجرد سيناريو مؤدّى.

لكن شكوكاً كثيرة تحوم حول الوعي لمعنى “المُحرّم” في لبنان، ناهيك عن التجرؤ على كسره.

المدن

 

 

https://www.facebook.com/marwa.harati/videos/1044428195702517/

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى