صفحات الناس

السويداء: ضحايا التعذيب لا يشيعون/ عبدو خليل

لا يبدو على الأب سوى قلق وآثار صدمة يحاول إخفاءها بصعوبة، لكن حركاته العصبية وابتساماته المقتضبة تشي بأنه يخفي انهياره الذي قد يحصل في أي لحظة، وهو يصب القهوة ويتحدث عن الوحدة الوطنية ويدعو لراحة بال الناس وتمني الخلاص من هذه الغيمة.

بتاريخ  الأول من حزيران/يونيو العام الماضي، وصلت برقية إلى منزل أحد سكان بلدة القريّا في محافظة السويداء، من قبل الشرطة العسكرية، تفيد بأن نجله مات إثر نوبة قلبية وعليهم الذهاب لاستلام متعلقاته. لؤي ولورانس، شقيقان، اعتقلهما الأمن العسكري من منزلهما في بلدة القريّا، ليقضي بعد مدة لورانس في المعتقل.

 والد الشابين، كمال رعد، في العقد السادس من العمر، وهو يعمل “نجار باطون”، كان يحاول، مثل كثيرين تعرضوا لموقف مماثل، إنكار أن ولده قد قتل تحت التعذيب، وهو يكابر ويؤكد أن لا دليل على ذلك وعليهم رؤية الجثة أولاً ومن ثم يعود ليؤكد أن ولده مات إثر نوبة  قلبية في المعتقل، لكن لا جثّة ليتحقق الأب منه فعلاً إن كان نجله قد تلقى تعذيباً أثناء الاعتقال، وهو السلوك الذي اتبعه النظام في السويداء، بحيث يكون من النادر أن يُسمع عن معتقل من بين 16 قضوا تحت التعذيب في المعتقل وسلّمت جثامينهم إلى ذويهم.

أقرباء رعد، يؤكدون أنه حاول إنقاذ ولده الثاني، الذي كان ما يزال في المعتقل يوم إخبارهم بوفاة لورانس، الأمر الذي اثار عند الوالد خشية على مصير ولده الثاني، بما يوحي بأنه اتفاق ضمني تم على إثر تهديده بولده الثاني، وهو ما يفسر تحفظه على إقامة العزاء أو الدعوة للتشييع والتمني على كل من يزوره بعدم القيام بأي مظهر من مظاهر الاحتجاج على ذلك، وبالفعل، بعد أسبوع يتم الافراج عن الابن البكر سالماً إلا من بعض آثار التعذيب.

 هذه الأسرة ليست الوحيدة التي تعرضت إلى هذا الموقف، إذ أنه إلى جانب الصدمات والمآسي، يضطر أهل السويداء إلى إخفاء ألمهم أو احتجاجهم خوفاً من أذى السلطة القوية والمتمكنة في المحافظة.

 روايات الناجين من المعتقلات هي أكبر دليل على أن الموت هناك يحصل تحت التعذيب، ولا دخل للأزمات القلبية فيه. في حادثة أخرى يتعرض، لؤي أبو ترابة، وهو يحمل الجنسية الروسية، إلى التعذيب الشديد لشهور طويلة في فرع التحقيق التابع للأمن العسكري في دمشق.

 ويقول أبو ترابة عن تجربته، إنه في لحظات كثيرة، كان الموت أقرب إليه من أفكاره، إذ أمضى شهور الاعتقال عاريا في منفردة رطبة لا تتجاوزمساحتها المتر المربع قبل أن يتم يتحويله إلى محكمة الإرهاب نصف ميت، بجسد مليئ بالندبات والقروح والثقوب المتقيحة نتيجة التعذيب الممنهج.

 ومعظم الأشخاص الذين قضوا تحت التعذيب من أبناء السويداء، تتراوح أعمارهم بين العقد الثالث والخامس من العمر، كان آخرهم طبيب الأسنان، رافع البريك، الذي أعلن “تجمع أحرار القريا” وفاته في المعتقل يوم الأحد الماضي، الأمر الذي يتخذه النشطاء كدليل ينقض رواية النظام التي تقول أن السويداء موالية له، إلى جانب الحديث الدائم عن رعايته وحمايته للأقليات.

 ازدياد حالات القتل تحت التعذيب لناشطي السويداء يشي بأن هذه الحالة تحصل كرد فعل على ما لم يستطع أن يقوم به النظام في الشارع، إذ أن النظام كان يبدي، أثناء قمع التظاهرات في السويداء، حرصاً شديداً على عدم سقوط قتلى، من خلال إطلاق الرصاص في الهواء أو اقتصار القمع على ضرب المتظاهرين في الشارع.

 يشار إلى أن تلك الحالة في السويداء، تقع ضمن تناقضات كثيرة وقصصٍ تحدث كل لحظة، أبرزها نقل رئيس فرع الأمن العسكري، وفيق ناصر، من السويداء على خلفية الاحتقان الذي سببه في المحافظة، بسبب استفزازه للأهالي الذي وصل حد قيامه بإصدار الأوامر لاحتلال منزل الإعلامي فيصل القاسم في بلدة قنوات وتحويله إلى مقر لما يسمى “جيش الدفاع الوطني”، يضاف إليها حالة عصيان لعناصر “جيش الدفاع الوطني” في بلدة القريا، تم على إثرها اعتقال قائدهم، نبيل غبرة، على خلفية رفضه تسليم بعض النازحين من درعا إلى ميليشيات تابعة للنظام في مدينة بصرى الشام في درعا، القريبة من بلدة القريا.

 وتسبب إقدام الأمن العسكري على اعتقال قائد “جيش الدفاع الوطني” بحالة من التوتر، هدد خلالها عناصر غبرة بفك الحاجز الذي أقاموه في البلدة، وسط معلومات تحدث بها الناشطون عن نية النظام استبدال الحاجز بآخر تابع للنظام مباشرة، قوامه من عناصر ما بات يسمى “كتائب البعث”، ما يعني دخول السويداء في مرحلة مواجهة جديّة مع النظام، تبدأ من بلدة القريا.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى