أحمد مولود الطيارصفحات مميزة

السياسة الأمريكية والثورة السورية


أحمد مولود الطيّار

لا جديد في القول، أنّ السياسة مصالح، والدول ليست جمعيات خيرية تهب بدون مقابل. والسياسي الوطني هو من يحاول تثمير سياساته لتصبّ في مصلحة بلده. لا عيب في ذلك، وهنا تقترب السياسة من الأخلاق حتى يتطابقا بشكل لا حدود فاصلة بينهما. الأخلاق هنا بمفهمومها النسبي، لأنه من الاستحالة بمكان أن يكون الحكم القيمي هو نفسه في الزمن الواحد والمكان الواحد.

في الحديث عن السياسة الأمريكية فيما يتعلق بالثورة السورية وبعيدا عن صخب المقولات المعلبة والجاهزة، كذلك بعيدا عن نظرية المؤامرة التي فُطمنا عليها كسوريين وعرب. هذه محاولة تدّعي الاقتراب من أجل فهم أكثر.

ملاحظة ذكية أشار اليها مرة ياسين الحاج صالح في احدى مقالاته قبيل الانتخابات الأمريكية الأخيرة وانشغال العالم كلّه بها، وهي أنّ انتخاب الرئيس الأمريكي يجب أن يتمّ من كل مواطني العالم، نظرا لتأثير هذا الرئيس وسياساته على العالم بأسره.

الواقع يقول بعيدا عن نباهة ودلالات تلك الملاحظة، أنّ أوباما ينتخبه الشعب الأمريكي فقط والاستراتيجية التي أوصلته وحزبه الى البيت الأبيض عنوانها الرئيس: المواطن الأمريكي أولا والمصلحة الأمريكية فوق كل الاعتبارات. لذلك فالضمان الصحي مثلا في نظر المواطن الأمريكي أهم من كل السياسات الخارجية، كذلك وفي عنوان بارز تصدّر حملته الانتخابية السابقة: تخفيف الحملات والتدخلات العسكرية في الخارج، ووعده للمواطن الأمريكي أنّ ارسال الجيش الى الخارج انتهى وهذه الجيوش ستعود الى قواعدها. من هذا العنوان يمكن قراءة وفهم الاستراتيجية الأمريكية فيما خص الثورة السورية. هذا لا يعني أن أمريكا تدير ظهرها هنا في هذه المنطقة من العالم، انما يجب فهم الاختلاف في التكتيك بين الحزبين الحاكمين في أمريكا، وأيضا ينبغي عدم تجاهل الفروق الشخصية بين أوباما وسلفيه بوش الأب والابن. قد يقول قائل أن أمريكا دولة مؤسسات ولا تخضع لقراءات خاصة بالرئيس. نعم هذا صحيح ولكن لا ينبغي التقليل بين شخصية بوش المسيحي المؤمن المتعصب واوباما الرئيس المثقف القادم من أعرق جامعة في العالم ومدى تأثيرهما في رسم تلك السياسات، أضف الى ذلك، اوباما الأسود وانقلاب التاريخ عبر لحظة فاصلة في تاريخ الولايات المتحدة فور دخوله البيت الأبيض. تلك فوارق هامة تؤخذ في أي تحليل.

معضلة كثير من القراءات المحلّلة للسياسة الأمريكية أنها ساكنة وجامدة توقفت طويلا عند المؤامرة أو مصالح السياسة الاسرائيلية أو التدخدل الأمريكي في العراق وأفغانستان. في العراق تحديدا هناك مراجعة أمريكية تحاول ألا تكرر أخطاءها في سوريا ومن هنا اختلاف السياستين الأمريكيتين ان جاز التعبير بين بوش واوباما.

سيسقط النظام في سوريا بدون تدخل عسكري حقيقي وبدون أكلاف باهظة . هذا فحوى السياسة الأمريكية المطبقة عبر التصدع والتشقق اللذان يفعلا فعلهما في النظام كل يوم. أدوات تلك السياسة بالدرجة الأولى وهذا ما فهمته الادارة الأمريكية أن الشعب السوري الذي خرج من قمقمه وكسر حاجز الخوف لن يعود الى بيت الطاعة مطلقا، مع الضغط والعقوبات الاقتصادية، مع حركة الانشقاقات في الجيش النظامي، مع المنطقة الآمنة الموجودة وتتسع يوما بعد يوم بالقرب من الحدود التركية وهي معلنة وغير معلنة. كل تلك العوامل وغيرها محكوم على النظام السوري الموت ولا خيار آخر لديه.

أمريكا غير مستعجلة في أمرها وهذا صحيح، صحيح من جهة برنامج أوباما الانتخابي وكيلا يتناقض مع ما وعد به ويطرحه من جهة عدم اندفاع السياسات الأمريكية وتفردها بالعالم، وصحيح في النقطة الأولى والأهم، أنّ أمريكا ومن معها تكسب، حيث منافساها روسيا والصين يخسران الكثير من رصيديهما السياسي والأخلاقي ويغوصان في رمال متحركة وما يطالبان به اليوم يقلّ سعره غدا وسيأتي اليوم الذي لا يجدان حتى من يدفع حيث سقوط النظام حتمي لا مفر منه.

قد يُفهم من المقال أنه في الدفاع عن السياسة الأمريكية، ربما ظاهره هكذا، انما الأهم محاولة الخروج من اسر الثقافة البعثية كلنا بشكل أو بآخر أسرى شرانقها التي تحاول تفسير العالم كله عبر خطاب صاخب مفرداته المؤامرة والتخوين والغرف السرية المغلقة، كذلك وهو الأهم: محرك السياسات الأمريكية وكيفية رسم طرق الالتقاء بها عبر تبادل المنافع، علنا نتفادى ‘سحر’ المؤامرة وقطيعة وذئبية العالم وأننا ضحية والعالم وحش يحاول تقطيعنا. كذلك تهدئة اللغة وعقلنة السياسة والكف عن اختراع الأعداء. ألسنا في ثورة ؟! لنقلب هذا الراكد في تفكيرنا ولنطلق العنان لكل الأسئلة.

‘ كاتب سوري مقيم في كندا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى