صفحات سورية

السياسة حرب بوسائل ناعمة/ خلف الجربوع

 

 

مجزرة دوما الأخيرة التي تزامنت مع مرور عامين على مجزرة الكيماوي، التي إرتكبتها النظام بحقّ المدنيين في ريف دمشق، تعيد خلط أورق اللعبة من جديد في سوريا.

وبناءً على مواقف الأطراف السورية والدولية من هذه المجزرة، يمكن رصد توجهات الحل السياسي وآفاق إمكانية نجاحه، لا لفرادة المجزرة ووحشيها، بل لتوقيتها أولاً، وثانياً لمرتكبها، فالجهود الدولية الضاغطة على جميع الأطراف السورية لقبول حل سياسي يكون بشار الأسد أحد أطرافه يجعل منها شريكاً له، لأن استمرار صمتها يمنح القاتل رخصة قتل المدنيين، ويضعهم أمام مسؤوليات أخلاقية وقانونية تجاه مجتمعاتهم.

من هذه المقدمة يكتسب موقف الائتلاف من المجزرة وتداعياتها أهمية استثنائية، لأنه بدا في الآونة الأخيرة مطلوباً كشريك في إنجاح الحل السياسي.

لكن ممّا لا شكّ فيه أن تصريحات السيد خالد خوجا رئيس الائتلاف، لحيثيات المشهد العام، وتجاهله لمقترح منذر أقبيق بتجميد نشاط الائتلاف واتصالاته الدبلوماسية مع الأطراف الدولية، في سياق ما يسمى بالحل السلمي في سوريا، يدل على مراهقة سياسية تُفوت أهم فرصة سياسية منذ تأسيس الائتلاف على أنقاض المجلس الوطني، واستمراره بإعادة إنتاج الفشل في إدراة سياسة الثورة، وتؤكد للمجتمع الدولي على أن هذه المؤسسة غير جديرة بالشراكة، ولا يمكن أن تكون بديلاً عن نظام فاشل وإرهابي، لفقدانها حاملها وبيئتها التي تزعم تمثيلها.

ويبدو أن إصرار السيد خوجا، وبعض الشركاء والداعمين، هدفه إبقاء الائتلاف في موقع الصفر السلبي في المعادلة السورية، لأن تحوله إلى رقم إيجابي في المعادلة يضر بمصالح هؤلاء، وإن هذا الإصرار على تجاهل هذا الاقتراح الذي سانده وتبناه الكثير من شخصيات الائتلاف والكتل المشكلة له، والتي قد تتجاوز الـ50 عضواً ائتلافياً، يصب في خانة المصالح غير السورية.

حيث أنه من خلال النقاشات والإيميلات المتبادلة في ما بين الأعضاء والكتل حول مقترح السيد منذر أقبيق، تميل معظم الآراء حول تبنيه، حيث ورد بإيمايل د. نصر الحريري الموقف التالي: “… فإنني أضم صوتي إلى صوت الشيخ معاذ الخطيب ودعوة الزميل منذر أقبيق في ضرورة مقاطعة كل اللقاءات الرسمية مع الأطراف التي لها علاقة بالموضوع السوري، والتي تغض أبصارها عن دماء المدنيين من شعبنا الذبيح ويشمل ذلك أية اجتماعات في جنيف الشهر القادم. وأطالب الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية أن يتخذ موقفاً جريئاً ويعلن تعليق كافة الاتصالات والنشاطات واللقاءات الدبلوماسية التي تندرج ضمن مسار الحل السياسي إلى أن يتم تحرك دولي جاد وفوري لإيقاف جرائم الحرب وجرائم الإبادة الجماعية التي يقوم بها النظام السوري ضد الشعب السوري”.

وورد أيضاً في إيمايل آخر لعبدالله فهد: “..إذا كان تعطيل الائتلاف هو الحل فلا بأس، ولكن بعد طرح عدة حلول من بينها هذا الأمر”، وقد عُزز هذا الرأي في بيان تيار المستقبل “تيار إخواني سياسي سوري ضمن الإتلاف يترأسه نذير الحكيم” من خلال البيان الذي أرسله نذير الحكيم للائتلاف: “إن تيار المستقبل الوطني يطالب الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة وكل القوى السياسية في المعارضة الشريفة تعليق كل الاتصالات واللقاءات الديبلوماسية التي تندرج ضمن مسار الحل السياسي ما لم يتم ذلك التجاوب من المجتمع الدولي، وتكثيف الجهود لتقديم هذا النظام القاتل ليمثل أمام محاكم جرائم الحرب لما ارتكبه من مجازر ضد شعبنا ترقى إلى درجة جرائم إبادة ضد الإنسانية. وإننا نتوقع من جميع الأطراف في المعارضة العسكرية والسياسية ومؤسسات المجتمع المدني أن يكونوا مع شعبنا قولاً وعملاً”.

والجدير بالذكر أنّ فرساناً من مؤتمر القاهرة2 قد تبنوا مقترح أقبيق، وطالبوا الائتلاف بموقف أكثر جذرية على لسان رئيس الكتلة الديموقراطية في الائتلاف الوطني الأستاذ فايز سارة: “تؤيد الكتلة الديمقراطية في الائتلاف الوطني مقترح الأخ منذر أقبيق، وتدعو الهيئة السياسية للائتلاف الوطني للبحث في الخطوات العملية والتنفيذية لمضمون الاقتراح بما يلبي حاجة الشعب السوري وثورته المجيدة في العمل على انتصار الدم السوري على الجلاد ودفع العالم الصامت والمتخاذل لاتخاذ موقف قوي وفعال لوقف سفك دماء شعبنا وقتل السوريين. إن الائتلاف مدعو بوصفه ممثل الشعب السوري إلى اتخاذ قرارات حاسمة في مواجهة إرهاب النظام، وعلينا أن ندعو العالم إلى اتخاذ موقف من هذا الإرهاب على نحو ما اتخذ من موقف في مواجهة داعش وأخواته، والتي لم تبلغ فاتورة إرهابها قدراً مماثلاً لمن نتج عن إرهاب النظام في قتل السوريين وقد اقترب عدد شهداء الشعب السوري من مليون ضحية”.

يتبيّن إذاً أن مقترح السيد منذر أقبيق هو فعل سياسي ينفي كل الارتيابات التي ساورت الخوجا وفريقه حول نوايا محلية ودولية لتفكيك الائتلاف، وإنشاء بديل عنه، وقد عبر عضو الائتلاف السيد حسين العبدالله عن ذلك: “.. وما علاقة نسف الائتلاف بقرار تجميد المشورات والاتصالات مع العالم الذي لم ولن ينتصر لشعبنا، وإذا كان التجميد وموقفنا من هذه الجريمة سوف ينسف الائتلاف فليذهب الائتلاف إلى الجحيم وكفى بالله عليكم”.

إن مقترح السيد أقبيق وتطويره، يعيد للائتلاف الاعتبار في تمثيله لقوى الثورة، ويجعل منه الرقم الأصعب، والشريك الذي لا يمكن تجاوزه في رسم مستقبل سوريا، وسيجبر القوى الدولية أن تعيد حساباتها، لأنها تدرك أن أي عملية سياسية بدون الائتلاف لاجدوى منها. لكن السيد خوجا وفريقه وداعميه، واستمرارهم بالوهم من أجل الحفاظ على مواقع شكلية في اللوحة السورية، قد يكون السبب الأهم لتفكك الائتلاف ونشوء كتلة تزيحه من اللوحة السورية.

لذلك من الضروري أن يتقدم خطوة إلى الأمام ويتبنى مقرح السيد أقبيق وتطويره إلى لحظة قلب الطاولة، أو يجبر اللاعبيين في الساحة السورية، على إعادة وضع العربة أمام الحصان، وتذليل كل الصعوبات لاجتراح حلول يكون الأسد ونظامه خارج سياقتها.

موقع لبنان ناو

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى