صفحات سوريةغازي دحمان

السيسي في الملعب السوري/ غازي دحمان

 

 

بطريقة لا تخلو من سذاجة فاضحة ومكشوفة، يحاول رئيس النظام في مصر، عبدالفتاح السيسي، اللعب في الملف السوري المعقّد والدخول في زواريبه، عبر منهجية تسليلية، وفي لحظة يعتقد فيها أن الضباب الكثيف الذي يلف الملعب السوري لن يسمح لبقية اللاعبين برؤية نقلاته ومناوراته.

الهدف العام من خطة السيسي فرض بشار الأسد ونظامه خياراً سياسياً ممكناً ووحيداً في الساحة السورية، وتلغي جميع الخيارات الأخرى بشكل أوتوماتيكي، وجعل الجميع يقر بهذا الخيار ويخضع لاستحقاقاته. أما المنهجية التي يتبعها، فتقوم بشكل تدرجي عبر جملة اختراقات ومناورات على صعد معينة، يتوقع من خلالها تحقيق نتائج تدعم توجّهه هذا، وذلك من خلال:

– صناعة معارضة سورية تقبل الأسد، وبالحصول على أقل الممكن تحت سقف بقاء الأسد رأساً للسلطة، وهذه جرّبها السيسي في مؤتمرات القاهرة، ومحاولة صناعة معارضة بديلة، أو موازية، للمعارضة السورية، والانخراط في الجهد الروسي القائم على الهدف نفسه.

– إعادة صياغة رواية القضية السورية من أنها مقتلة، قام بها نظام مافيوي، يتبع طريقة العصابة في الحكم إلى قضية هجوم تكفيري ضد دولة ومؤسسات، ومحاولة تصوير أن هذا موقف الشعب السوري نفسه، وهو ما حاولت صحافة السيسي التي ذهب وفد منها إلى دمشق، ونقل رواية قادة أجهزة الأمن ووزراء الخارجية والإعلام، والشعب هنا كان بعض الموظفين والمخبرين في هذه المؤسسات، وتملك صحافة السيسي التقنيات والخبرة اللازمة لفبركة هذا النمط من الروايات.

– محاولة شق الصف العربي عبر مساعي السيسي لإقناع دول بفتح قنوات تواصل مباشرة مع الأسد، باعتباره الحقيقة الوحيدة في سورية، وأنه باق، وبالتالي الرهان على إطاحته هو مغامرة، وإبداء استعداده للتوسط في هذا الأمر.

– التشبيك مع بعض القوة الدولية القريبة من نظام الأسد، والانخراط معها في جهودها لإعادة صياغة القضية السورية، بذريعة الحفاظ على الدولة والمؤسسات، وليس بشار الأسد. مع العلم أن هذه النظرية تنتهي بأن الأسد وحده الضامن للدولة والمؤسسات، لكنها تبدأ بهذه الذريعة نوعاً من توريط الآخرين.

“الهدف العام من خطة السيسي فرض بشار الأسد ونظامه خياراً سياسياً ممكناً ووحيداً في الساحة السورية، وتلغي جميع الخيارات الأخرى بشكل أوتوماتيكي”

– محاولة تثبيت بشار الأسد على الأرض في مواجهة خصومه، بتقديم الدعم على كل الأصعدة الأمنية والعسكرية، وقد اعترف بشار الأسد نفسه بوجود تنسيق أمني مع نظام السيسي.

بالطبع، يتساءل المرء لماذا يضطر النظام المصري إلى عبور كل هذه الطرق الالتفافية؟ ولماذا لا يعلن مباشرة تأييده نظام الأسد؟ الجواب: لأن السيسي يعرف أن الارتباط العلني ببشار الأسد مسألة غير أخلاقية، تأنف غالبية أنظمة الحكم في العالم عن القيام بها، لتورطه في ارتكاب جرائم إنسانية فظيعة، وقيادته حرباً طائفية، تهدف إلى اقتلاع الأكثرية من أرضها لصالح مشروع إيراني طائفي وعنصري، وبالتالي، وجود رأي عام عربي ومصري ضد هذا النظام. ولأن السيسي يعرف أن دول الخليج تقف في الجانب الآخر من الصراع، وتشكّل، في الوقت نفسه، شريانه الاقتصادي الأهم، بل لولا الدعم الخليجي لتغيرت أموره كلياً.

لكن، ما هي الأهداف الحقيقية لسلوك السيسي؟ لا يمكن تفسير ذلك استناداً على نظرية الحفاظ على الدولة السورية، كما أن الرجل ليس مغرماً ببشار الأسد ولا حاقداً على الشعب السوري للإنصاف. أهداف السيسي لا تخفي نفسها، وهي ساذجة بسذاجة من صنعها وراهن عليها:

– اعتقاده أن من شأن بقاء نظام الأسد وانتصاره أن يجعل الخليج دائما تحت رحمة الحاجة إليه، وبالتالي، يضمن عدم انقطاع التمويل عنه، ويحفظ أهميته طرفاً عربياً قوياً على الأقل، حتى يستطيع ترسيخ حكمه وإدامة نهجه.

– توسيع دائرة تحالفاته، بحيث يقيم توازناً في علاقاته مع روسيا وإيران، ويستجلب إيران إلى خط المنافسة عليه مع الخليج، من دون أن يخسر الخليج نفسه.

– من شأن تثبيت الأسد في السلطة إثبات أن العسكر هم الضامن الوحيد للاستقرار في العالم العربي. ومن ناحية ثانية، يسقط عن السيسي دعاوى محاكمته عالمياً ما دام العالم سيقبل إعادة تأهيل الأسد، ثم بعد ذلك التوجه إلى تثبيت صيغة أن الربيع العربي لم يكن سوى مؤامرة إخوانية، كسرها جيشا مصر وسورية.

– التشبيك مع إسرائيل التي باتت حساباتها وتقديراتها تتخوف من مستقبل سورية، وتتمنى لو أن نظام الأسد يخرج سالما من الأزمة، والسيسي يحلم بصورة لسورية يكون فيها الضابط لحركتها الإقليمية، وماسكاً بخيوط علاقاتها مع إسرائيل والخليج وإيران.

تسبح أحلام صانع القرار المصري في بحرٍ من الرهانات الساذجة، من دون حساب أن الأطراف المنخرطة في اللعبة الإقليمية طوّرت نمطاً من السياسات، صار صعباً معها تمرير مثل هذه الألعاب البسيطة، وأن الخبرات التي اكتسبتها الأطراف الإقليمية، في السنوات الأخيرة، نتيجة انخراطها بالصراعات الإقليمية، ومن ضمنها الصراع المصري نفسه، تجاوزت قدرة هذه الحرتقات على صناعة اختراقات ذات قيمة. والغريب أن السيسي لم يدرك، حتى اللحظة، أن الخبرة الإقليمية هي من صنعته، ولعبت مصالح الأطراف الإقليمية دورا كبيرا في وصوله إلى السلطة، وعلى الرغم من ذلك، يريد اللعب مع صانعيه، في محاولة لاستنساخ تجربة انقلابه على الرئيس الذي اختاره قائداً للجيش.

العربي الجديد

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى