صفحات العالم

السيناريو السوري/ ساطع نور الدين

احالة مجزرة طرابلس وقبلها مجزرتي الضاحية الجنوبية لبيروت الى السيناريو العراقي الذي كثر الحديث عنه في الاونة الاخيرة، تستوجب التدقيق في ذلك الخيار الدموي الذي طالما اعتمده الاشقاء العراقيون، على امتداد تاريخهم الطويل، وجعلوا من بلدهم خط تماس مذهبي منذ معركة الجمل وحتى اليوم.. من دون الالتفات الى غزو فارسي او مغولي او عثماني او بريطاني او طبعا اميركي.

  الاحالة هي في المقام الاول اساءة الى  المخيلة اللبنانية، الرائدة، التي كانت ولا تزال قادرة على ابتكار تجربتها الخاصة من دون الحاجة الى استلهام حالة اي بلد او شعب آخر، شقيقا او صديقا: “اللبننة” لم تدخل القواميس والمعاجم هكذا بالصدفة، وهي علامة مسجلة لا يمكن شطبها او تحديها.. على الرغم من ان العراقيين قدموا حتى الان مساهمات فذة في ذلك المسار الواعي، والمحكوم بفكرة الابادة الجماعية للاخر.

في المنافسة مع اللبننة ومحاولة ادراج مصطلح العرقنة، تحقق كما يبدو الكثير مما يستوجب تحركا لبنانيا للدفاع عن ألوان الوطن وارقامه القياسية، التي كانت ولا تزال تستهدف تغيير الموازين الديموغرافية بين الطوائف والمذاهب. وهو ما انجز بالفعل، وبشكل ظاهر ينبىء بتعديل هوية لبنان وصورته بعد عقدين او ثلاثة على ابعد تقدير.. طبعا اذا بقي البلد على حدوده وجمهوريته.

لا يمكن ان تعزى التفجيرات الدموية في طرابلس والضاحية الى تلك المنافسة ولا الى ذلك السيناريو وحده. ثمة فوارق جوهرية، في التخطيط وفي التنفيذ لا تؤخذ بعين الاعتبار، ولا تقيم وزنا لحقيقة ان لبنان جنة استخباراتية اغنى وارحب من العراق، الذي كان العامل الذاتي ( التاريخي) وسيظل يمثل دافعا قويا نحو استمرار الفتنة المذهبية الى الابد، حتى من دون الاستعانة بالكفاءات الايرانية او الخليجية او التركية او الغربية.. او الاسرائيلية كما شاع لفترة قبل ان يصدر الجميع حكم البراءة للموساد.

في لبنان المسار مختلف بعض الشيء. معركة الجمل تزداد حضورا في الوعي الشيعي والسني. ومساجد الجانبين تتحول الى مصانع لانتاج ادوات واسلحة الدمار الشامل. لكن ثمة اعتمادا شبه كلي على الخارج. هو ينسب الان الى تنظيمات الارهاب الاسلامي الوافدة من العراق وسوريا تحديدا، مع ان احدا لا يمكن ان يتغاضى عن حقيقة ان هذه التنظيمات لا تستحي من احد وقد سبق لها ان تباهت بجميع عملياتها الارهابية.. كما انها ليست على هذا القدر من السذاجة بحيث تفجر عبوة ضد الشيعة ثم تلحقها بعبوة ضد السنة، وتنتظر حتى يخرج اتباع المذهبين على بعضهما بالسيوف والخناجر.

مجزرة طرابلس لا تخدم هذا الهدف، الذي لم يكن واردا اصلا حتى في العراق. ولعل رد الفعل الطرابلسي المميز بهدوئه وتعقله، على تفجير المسجدين، يبرىء العاصمة الثانية من تهم ظالمة كيلت لها في الاونة الاخيرة، وكادت تصنفها في امارة حركة طالبان الافغانية، كما يعطل هذا المسار، ويعيد الامور الى نصابها الاصلي، والراهن الذي يعلق معركة الجمل لمصلحة حرب سوريا، وتفاصيلها الاخيرة التي تؤكد ان ما قدر له ان يطول الى ما لا نهاية، يقترب من خط النهاية. والبراهين تكاد تكون يومية، سواء من جانب النظام وسلوكه اليائس، او من جانب المعارضة وتصميمها الراسخ وتسليحها المتقدم نسبيا.

عندما يخرج لبنان من المنافسة غير الواقعية مع العراق ويدخل في اتون الحرب السورية تتضح الصورة اكثر فاكثر.. ويضاف اليها معطى جديد، ومؤثر هي ان المجتمع الدولي يتحرك بشكل مختلف بعد مجزرة الغوطة الكيماوية( انظروا الى البحر كيف تتجمع الان القطع الحربية الاميركية والروسية والاوروبية..)، وهو ما يستدعي ليس فقط اعلان حالة الطوارىء في لبنان، بل دعوة اللبنانيين للنزول الى الملاجىء.. اذا وجدت.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى