صفحات الرأيطيب تيزيني

الشباب… قوة تغييرية


د. طيب تيزيني

منذ ما ينوف على الخمسة أشهر انطلق “الربيع العربي”، ممثَّلاً بالحراك الشبابي. كان ذلك في سوريا، لكن هذا “الربيع” قد بدأ في تونس، وامتد إلى مصر بعد ذلك، وبعده إلى اليمن. وراح البعض يقدم تفسيرات وتنظيرات وتشوّفات، كما راح بعض آخر يشكك في ذلك، استناداً إلى الاعتقاد بأنه ليس أكثر من ظاهرة بسيطة عابرة. وإذ استمرت هذه الأخيرة، فقد راح معظم الناس وقليل من الباحثين يُبدون اهتماماً متصاعداً بها، مُرافقاً بتساؤل ذكي، هو التالي: ألم نكن نرى في الشباب جيلاً يمتلك الوهج العاطفي، لكنه يفتقد الحكمة والرؤية العقلانية، في حين كان الكبار يمتلكون هذه الأخيرة، ويفتقدون ذاك الوهج؟ وظل الأمر على هذا النحو لمدى عقود انصرمت، إلى أن “وقعت الواقعة”، التي أعلنت أن التاريخ مفتوح، وأن ليس هنالك مطلقات إلى الأبد، لقد جاءت تلك الواقعة، وخربطت حسابات الثوابت المطلقة، مع الإشارة إلى أن هذه الأخيرة هي نفسها تمتلك ضوابطها.

ومع اتساع النظر في موضوعنا هذا من قبل باحثين ومثقفين، يداً بيد مع تعاظم إرادة الشباب في تحقق تحوُّل باتجاه “جديد ما” وثباتهم على نشاطهم وحراكهم، ظهر أن مقولة “الشباب” لم يحدث البحث فيها من موقع “الجيل” كافياً. لقد اتضحت ضرورة البحث فيها، كذلك، من موقع “الطبقة الاجتماعية”. فها هنا راح يتضح أن “الشباب” إذ ينتمون لجيل واحد، بالاعتبار البيولوجي، فإنهم كذلك وعلى نحو متوازن ومتداخل، يشكّلون نسيجاً اجتماعياً عاماً مشتركاً، من حيث هم امتداد لكل البنية الاجتماعية، بما في ذلك طبقاتها وفئاتها ووحداتها. وهذا يعني أنهم يجسّدون حالة اجتماعية تجمع بين كل هذه الأخيرة. وثمة عنصر في الحساب العلمي، هو إن الشباب (العرب أو السوريين تخصيصاً) يجدون أنفسهم الآن أقرب إلى التضامن والتواحد، من باب أن كل الطبقات والفئات والوحدات التي يتحدرون منها، عاشت وما تزال تعيش (باستثناء نُخب منها) حالة من الفقر والإفقار المتسارعيْن، وحالة أخرى من الاستباحة في الكرامة والتهميش والإقصاء السياسي والثقافي والإداري.

وكي تكتمل اللوحة نسبياً، ينبغي الإشارة إلى أن ما تخضع له معظم الشعوب العربية راهناً، وعلى امتداد عقود مضت (ومنها الشعب السوري) إلى قانون الاستئثار بالسلطة والثروة والإعلام والمرجعية، أسهم في تقريب أهداف الشباب بل توحيدها. وهذا هو معْقِد المسألة، التي خرجوا من أجلها. إنها المسألة المركبة من ثلاثة أهداف عظمى، هي الحرية والكرامة والكفاية المادية، وهي أهداف تتناسل منها عدة ركائز حاسمة لمجتمع مدني وطني قائم على التعددية الحزبية والسياسية، وعلى المشاركة المتساوية في قيادة الوطن، وعلى إسقاط ما عاث فساداً تحت عنوان: منظومة الخط الواحد والقائد الأبدي والحزب الشمولي الذي يقود الفساد والإفساد، وكذلك التأسيس لذلك كله من موقع دولة أمنية تجفّف المجتمع وتفككه بعد جهود هائلة للمصادرة على مستقبله، مستقبل شبابه وشيوخه.

د. طيب تيزيني

أستاذ الفلسفة – جامعة دمشق

الاتحاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى