صفحات العالم

الشبيحة سلوك بلا هوية

 


خالد عبد ربه

لطالما كانت الورقة الفلسطينية جاهزة عند الطلب لحل الازمات لدى الكثير من الانظمة العربية وبالاخص النظام السوري, وكثيراً ما دخل الفلسطينيين بصراعات وخلافات تبعاً لمواقف دول عربية من هنا وهناك.

وهي ليست المرة الاولى التي يستخدم بها الفلسطينيين لخدمة مشاريع غير فلسطينية, وسبق ان مات الكثير من الفلسطينيين لاجل اهداف مرحلية تخص هذا التظام او ذلك. وماجرى على اراضي الجولان في 5 حزيران ذكرى يوم النكسة ليعتبر نكسة وهزيمة جديدة بكل المعايير والقاييس, فهو يختلف تماماً عما جري في 15 ايار ذكرى النكبة, فالتجربة هنا مختلفة بعد ان كانت الرسالة المراد ايصالها للعالم بشرعية حق العودة قد وصلت في المرة الاولى, كان من الاجدى خلق فعاليات شعبية لتفعيلها اكثر بدل من اعادتها بارسال شباب عزّل للموت المجاني بلا مقابل وبلا هدف.

لا يمكن التشكيك بوطنية وشجاعة الشباب الذين استشهدوا ولا يمكن الا احترام اقدامهم وقناعاتهم والوقوف اجلالاً لارواحهم الطاهرة. وبالتأكيد على حق العودة كحق مقدس للشعب الفلسطسني لا يحق لاحد التنازل عنه .

وللحفاظ على قدسية هذا الحق, يجب ان يبقى بعيدا عن الاجندات الغير فلسطينية باي حال من الاحوال. وليس الدم الفلسطيني رخيصاً ليسفك ويسال لخدمة مشاريع ليس لها علاقة بالوطن وغير اخلاقية, فليس من الوطنية في شيء استخدام قضايا مشروعة للشعب الفلسطيني لتخفيف الازمة عن نظام فقد الكثير من اخلاقياته اذا لم يكن قد فقدها بالكامل.

لكن ما حصل في مخيم اليرموك في تشييع الشهداء الذين سقطوا في ذكرى النسكة يختلف عن سابقاته, فما شاهدناه لم يكن اقتتالاً فلسطينياً فلسطينياً بين الفصائل المسلحة كالتي حصل في لبنان او غزة او غيرها, بل كان اطلاق نار من عناصر تنتمي لفصيل ما وتحمل السلاح على شعب اعزل يدفن موتاه. انه رصاص حي يطلق من قبل مسلحين يلبسون اللباس المدني ويحملون البنادق على اناس عزّل صرخت حناجرهم احتجاجاً على ارسال ابنائهم للموت المجاني.

انهم الشبيحة ذاتهم وان اختلفت الهوية واختلف المكان, لكنه ذات المنطق وذات السلوك. انه الموت لكل من يخالف الرأي.

من شاهد الصور في مقبرة الشهداء في مخيم اليرموك على المحطات المختلفة, دون ان يقرأ التعليق او يسمع الصوت لا يمكن له التخمين عن المكان او الزمان او معرفة هوية هؤلاء.

هي ذات الصور رايناها في مصر واليمن وسورية وبداية الاحداث في ليبيا, والان في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين. هي ذات المعادلة وذات المشهد, عناصر وبلباس مدني تحمل السلاح وتمارس القتل بلا رحمة وبلا اخلاق. وهو كذلك في الجانب الاخر, مدنيون عزل وبلباس مدني بطبيعة الحال يحاولون الاحتجاج بالصوت والهتاف, فتخترقهم رصاصات الموت ويقتلون, فالشبيحة اينما كانوا يحملون المنطق ذاته “الموت لكل من يخالف الرأي”.

لا يمكن اعتبار ما حدث في مخيم اليرموك على انه شأن فلسطيني بالمطلق, فالقتل صار على اراضي سورية وفي ظل النظام السوري, ونعلم انه لا يمكن لعناصر فصيل الجبهة الشعبية القيادة العامة وهو الفصيل المقرب جدا لسوريا والمقرب من الاجهزة الامنية السورية تحديداً ان يتجرىء على اطلاق رصاصة واحدة على مواطن فلسطيني دون ان يكون له الضوء الاخضر في ذلك.

فما كان للنظام في سورية ان يسمح باستخدام السلاح على اراضيه للفصائل الفلسطينية دون غاية وبغير هذه الظروف التي يعيشها, فهو لم يفعل ذلك في اوج الاقتتال الفلسطيني عام 1983 وما سمي حينها بحرب المخيمات لم يسمح النظام السوري بانتقال الصراع الى اراضيه, وبقي محصوراً على الاراضي اللبنانية وفي قلب المخيمات الفلسطينية في البنان.

اما الان وفي ظل القتل اليومي الذي يحدث في المدن السورية فلا يتوارى عن استخدام الفلسطينيين للتغطية على الاحداث وخلط الاوراق, لتصبح الصورة غير واضحة بين قتل في المدن السورية وقتل عل ايدي الاحتلال الاسرائيلي على الحدود, وقتل على ايدي فصائل فلسطينية في المخيمات, ليصبح المشهد “سمك لبن تمر هندي”مستخدماً جزء من الاوراق التي يملكها فلسطينياً.

وايضا لا يمكن ان نفسر الغضب الشعبي للفلسطينيين في مخيم اليرموك على تنظيم الجبهة الشعبية القيادة العامة الا انه شكل من اشكال الاصطفاف والوقوف الى جانب الشعب السوري فكان ان امتزج الدم السوري والدم الفلسطيني على الارض السورية لرفض منطق الشبيحة وحملة السلاح الموجه للصدور العارية.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى