زين الشاميصفحات سورية

الشعب السلفي … «البعث» الحداثي

 


زين الشامي

بعد أكثر من 60 عاما على وجوده في السلطة، وبعد قبضة امنية مرعبة جسدها وجود المئات من الأفرع الامنية والاستخباراتية المنتشرة في كل المحافظات السورية، بعد كل هذا التاريخ الطويل، وفي معرض مراجعة رواياته الرسمية ورده على الاحتجاجات الشعبية الغاضبة، «يكتشف» النظام السوري ان هناك مؤامرة على البلد تقودها عدة دول وشخصيات اقليمية ومحطات اعلامية، وان ادوات هذه المؤامرة «المندسين» ولاحقا «السلفيين»، ولم يستطع ان يرى ولم يرضى ان يعترف ان مئات الآلاف من السوريين الذين خرجوا الى الشوارع لهم مطالب سياسية وحياتية محقة مثلهم مثل كل شعوب الارض.

في البداية قالت وسائل اعلام النظام ان اسرائيل هي من تقف وراء المؤامرة وهي من تبعث برسائل على هواتف السوريين النقالة من قاعدة عسكرية في الجليل تحضهم على التظاهر.

بعد ذلك، سمعنا الاكتشاف الاستخباراتي الذي أذهل العالم حين تحدث النظام وأبواقه ومنظريه على الفضائيات ان الاحتجاجات تتم نتيجة مؤامرة بين الاخوان المسلمين وعبد الحليم خدام واطراف خارجية. بعد ذلك اكتشفوا شيئا جديدا حين قالوا ان الاحتجاجات في درعا حصلت لأن درعا «محافظة طرفية» ولمحوا الى دور أردني مزعوم وراء الاحتجاجات.

وتستمر «الخبطات» الأمنية السورية، فبعد أسبوع على اندلاعها، قالت وسائل اعلام النظام ان أطراف المؤامرة هم «بندر بن عبد العزيز وتيار المستقبل وخدام والاخوان وقناة اورينت لصاحبها غسان عبود».

بعد أيام من ذلك وجدوا صيدا ثمينا حين تم القاء القبض في دمشق على مصور وناشط مصري واتهموه بالجاسوسية واكتشفوا من جديد ان المؤامرة تقف وراءها اسرائيل والولايات المتحدة. لكن ما هي الا أيام قليلة حتى افرجوا عن هذا الناشط الذي اتهم بالجاسوسية، وفي مثل هذه الحالة كان عليهم ان يعدموه حسب القانون السوري او يبقوه في السجن عشرات السنين، لكنهم بكل بساطة افرجوا عنه دون ان يقدموا تفسيرا من كلمتين فقط يشرحون فيهما حقيقة ما حصل للشعب السوري.

الاكتشاف اللاحق تمثل في اكتشاف الاجهزة الامنية ان هناك مجموعات مسلحة هي من تقف وراء الاحتجاجات في المسجد العمري في درعا حيث قام «مهنيو» التلفزيون السوري المهرة بتصوير صورا مرتاحة لأسلحة متنوعة وجديدة جدا لم تمسها ايدي في ذلك المسجد، لكن في اليوم التالي نسي الاعلام السوري ان يتابع ويحكي للشعب السوري ما قصة تلك الاسلحة ومن اين اتت ومن وضعها في المسجد، لم نسمع بتحقيقات او اعترافات..القصة ماتت مثل ماتت قصة الجاسوس المصري.

وفي زحمة الاكتشافات المـذهلة لجهازنا الامني القوي الجبار، بدأنا نسمع من وسائل الاعلام الرسمية ان المؤامرة تقوم بها قنوات فضائية هي «العربية» وبي بي سي» و»فرانس24» وأورينت» ثم لاحقا بعد عشرة ايام «الجزيرة» التي غيرت سياستها وتغطيتها الاخبارية تجاه سوريا وما يجري فيها.

بعد ذلك اكتشفوا ان المؤامرة على سورية اطرافها من جديد هما عبد الحليم خدام والنائب اللبناني الجراح الذي اتهم بإدخال أسلحة الى سورية. لاحقا اكتشفوا ان المؤامرة تأتي من العراق وتم الاعلان عن القاء القبض عن شاحنة محملة بالاسلحة.

ولاحقا وصلوا الى اهم سيناريو، او الى قمة تجلياتهم الابداعية، فلقد اعلنوا عن مجموعات سلفية هي من تروع وتقتل السوريين.

وماذا بعد؟… آخر اكتشاف حتى كتابة هذه السطور تمثل في اكتشافهم عبر موقع «عكس السير» الإخباري ان «التيار السلفي الكويتي هو من يدعم الاحتجاجات في سورية بهدف إسقاط نظام بشار الأسد. طبعا كان ذلك بسبب المواقف الطيبة والمتضامنة لبعض النواب الكويتيين ازاء اشقائهم من السوريين الضحايا.

ذهبت الدبابات الى الشوارع في القرى والمدن، عشرات الالاف من القوات الامنية ايضا، ليلقوا القبض على «الارهابيين» و»السلفيين»، فقتلوا من قتلوا منهم في الشوارع، شبان ونساء واطفال وكهول ومن كل الاعمار، واعتقلوا الآلاف منهم أيضا، ثم نشروا الحواجز العسكرية، قطعوا الكهرباء، الماء، الخبز، الاتصالات، الانترنت..من اجل القاء القبض على «السلفيين».

التلفزيون السوري، كان ينتظر بفارغ الصبر الصيد الثمين الذي اتى به «مراسلوه» الحربيين والدبابات التي تعمل لخدمة الحقيقة والمهنية، نعم لقد بدأت سلسلة الاعترافات المتلفزة في اليوم التالي لالقاء القبض عليهم… ولم تتأخر كثيرا بين اروقة القضاء والمحاكم والبيروقراطية..

سبحان الله، كيف، ومن أخرج المؤامرات على سورية من وكرها الذي اختبأت فيه كل هذه المدة ولم تخرج إلا خلال بدايات الانتفاضة السورية التي انطلقت من درعا، وسبحان الذي جعل الجيش السوري وقوات الأمن يلقون القبض على عدة إرهابيين بشعي المنظر، حقيري الهيئة، من كل الاعمار، من السادسة عشرة وحتى الخمسين. كلهم اعترفوا انهم ارهابيين امام الكاميرات السعيدة، وانهم قتلوا الناس وأطلقوا النار على قوات الأمن، واعترفوا أيضاً أنهم قاموا بتخريب الممتلكات العامة، واعترفوا كذلك بأنهم سلبوا وسرقوا وتآمروا مع مجموعات خارجية..بوجوههم البائسة الصفراء الجائعة اعترفوا بأنهم تقاضوا أموالاً على أفعالهم الشنيعة هذه. وقبل هذا الكشف التلفزيوني والاختراق الامني، كان اولئك الارهابيون يصولون ويجولون طلقاء دون علم اي من الاجهزة الامنية السورية التي قدمت مساعدات للولايات المتحدة وكل الدول الغربية وحتى الهند عن ارهابيين يعيشون في دولهم.

خلال الاعترافات التاريخية التي بثها التلفزيون السوري سمعنا احد الارهابيين ان احد مهامه تمثلت في توزيع حبوب الهلوسة على المتظاهرين ومن ثم قتلهم.

هذا ليس مسلسل كوميدي درامي سوري فاشل… هذا مسلسل بعثي مخابراتي عادي نعيشه في سورية منذ 40 سنة.

ملاحظة على هامش هذه الاكتشافات العظيمة لا بد منها: نظام البعث العلماني الحداثي الذي يخوف السوريين وابناء الاقليات الدينية من السلفية والسلفيين، هو حليف كل من حركة «حماس» وحركة «الجهاد» وايران و«حزب الله» في لبنان وتنظيمات لبنانية دينية، وسابقا كان حليف وداعما لكل من جماعات الاخوان المسلمين في مصر والاردن وغيرها من البلدان.

هل بعد هذا السقوط الاخلاقي من سقوط؟ وهل بعد هذه الفضيحة من فضيحة؟

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى