صفحات مميزةهوشنك أوسي

الشعب السوري: سندهس النظام حتّى لو كان لغماً!


هوشنك أوسي

حين كان النظام الليبي المقلوع، يصاب بالزعل من العرب والدول العربيّة، كان يشطب خارطة ليبيا من خارطة «الوطن العربي»، ويلحقها بأفريقيا. ورغم ذاك، كان القذّافي يلقّب نفسه بـ»عميد الرؤساء العرب، وملك ملوك افريقيا»!، ويتحدّث غزيراً ومديداً عن العروبة، مادحاً أيّاها، وذامّاً العرب والدول العربيّة!. وإذا عطفنا الحال الكاريكاتيريّة، الهزليّة، للنظام الليبي المخلوع، على قرينه السوري المترنّح، لوجدنا شبه تطابق، لجهة ذمّ العرب وشتمهم وتخوينهم، وإدانة الدولة العربيّة، والجامعة العربيّة…، وفي الوقت عينه، الحديث عن العروبة، وأن دمشق/الاسد، «هي قلب العروبة النابض» و»قلعة الصمود والتصدّي»! ويبقى الفارق بين نظام الأسد والقذّافي، أن الأوّل، إذا اراد ان يسلخ خارطة سوريا من خارطة «الوطن العربي»، تعبيراً عن نقمته على العرب، فبأيّ بلد أو قارّة، سيلحقها؟! ذلك أنه غير قادر على ضمّ سوريا لإيران، نظراً للحاجز العراقي! ولا يستطيع ضمّ سوريا لخارطة روسيا، نظراً للحاجز التركي والارمني والاذري!. أمّا عن محاولة ضمّ خارطة سوريا للصين الشعبيّة، فيستحيل ذلك. وبالتأكيد، هو لا يريد ضمّ سوريا الى لبنان، لأنه، وعلى مدى عقود، كان ولا زال يسعى الى العكس!

«ليذهب العرب إلى نيويورك أو القمر»، هكذا حاول وزير الخارجيّة السوري، وليد المعلّم، «تخفيف ظلّه»، معلّقاً على توجّه الجامعة العربيّة إلى مجلس الأمن، وذلك اثناء مؤتمر صحافي له بدمشق يوم الثلاثاء الماضي 24/1/2012: مؤكداً أن روسيا «لا يمكن أن توافق على أي تدخل خارجي في شؤون سوريا»، زاعماً «أن نصف الكون يتآمر على بلاده». قائلاً: «العلاقات بين سوريا وروسيا متجذرة». مشدداً على أن بلاده «ستتعامل بحزم مع ما تتعرض له من مؤامرات عربية وغربية». والحال هذه يبدو أن النظام السوري، قد «شدّ ظهره» بموسكو، وملأ كفّيه منها، وهو واثق من دعمها له، الى مالا نهاية! وان النظام السوري، في تهديده ووعيده للعرب والجامعة العربيّة، وتحديداً، دول الخليج، بات يركّز على الدور والثقل الروسيين، دون أن يدري بأن دول الخليج، وإذا كانت فعلاً متآمرة على النظام الأسدي، فأنها قادرة على قلب الطاولة الروسيّة على دمشق، عبر التلويح بقطع العلاقات الاقتصاديّة مع روسيا، واحلال الصين مكانها، في عمليّة جرّ الصين الى المواقف العربيّة والخليجيّة الضاغطة على النظام السوري. وبل يمكن لدول الخليج ان تذهب إلى أبعد من ذلك، بأن تدفع تكلفة التدخّل العسكري الأميركي والغربي، لاقتلاع النظام السوري، ما دامت سوريا لا توجد فيها تلك الوفرة النفطيّة القادرة على تسديد فواتير اسقاط النظام، قياساً بالحال العراقيّة والليبيّة، في حال سعى الغرب للتدخّل العسكري. ذلك ان الغرب، بإمكانه اتخاذ قرار منفرد، من دون الرجوع لروسيا والصين، ولا يكترث بالتهديدات الايرانيّة ولا الروسيّة، لو كانت سوريا عائمة على بحر من النقط. بمعنى، إذا كانت دول الخليج، فعلاً، قد وضعت اقتلاع النظام السوري نصب عينيها، فإنها قادرة على فعل ذلك، تماماً. وربما يدفع النظام السوري، عبر تأزيمه وتوتيره لعلاقاته مع دول الخليج، ربما يدفعها لاعتماد هذا الخيار!

المعلّم في مؤتمره السابق، جعل من نفسه محاميّاً، يترافع عن فريق المراقبين العرب. هذا الفريق، الذي وافقت دمشق على تواجده، مكرهة، وفي اللحظات الاخيرة. وأشار المعلّم الى أن الجامعة العربية لم تناقش تقرير بعثة المراقبين العرب وهي اتخذت قراراً تعلم أن دمشق لن تقبله. وقال: «اعتقدنا أنهم ربما يخجلون من أنفسهم ويتعاملون بموضوعية مع هذا التقرير لكن ما توقعناه حدث وهو انهم التفوا على هذا التقرير رغم أنه البند الوحيد على جدول أعمال مجلس الجامعة وقدموا مشروع قرار سياسي يعرفون سلفاً أننا لن نقبل به؛ لأنه قرار فاضح بالمساس بسيادة سوريا، وتدخّل سافر بشؤونها الداخليّة، بمعنى لم يناقشوا في العمق تقرير بعثة المراقبين رغم مرور شهر على وجودها في الأراضي السوريّة، وفي كل المحافظات«.

هذا التصريح، يؤكّد ان المراقبين العرب، ورئسيهم الدابي، قد دخلوا خانة «شهود الزور»، على ما يجري في سورية من مذبحة، طالت ارواح اكثر من ستة آلاف شخص، بحسب تقارير دوليّة. لذا، والحال هذه، حسناً فعلت دول الخليج بسحب مراقبيها من البعثة، انسجاماً مع قرار العربيّة السعوديّة. هذا القرار، ولو انه أتى متأخّراً، عرّى الدابي، وانظمة عربيّة أخرى تحاول من تحت الطاولة تبرئة النظام السوري من كل المذابح التي ارتكبها بحق المدنيين السوريين!.

ولعل تهديدات المعلّم في مؤتمره السالف، ومن قبلها تهديدات رأس النظام، بشّار الأسد، تعطي مؤشّرات دامغة تدلّ على ان النظام السوري سيوسّع رقعة حربه على الشعب السوري، لتشمل الانظمة الخليجيّة ايضاً، مستنداً على ايران، واختراقاتها في البحرين والكويت والسعوديّة وعُمان.

داخليّاً، ما من شكّ ان النظام يريد توريط الطائفة العلويّة في حربه على الشعب السوري وانتفاضته. وما من شكّ أيضاً، انه حقق نجاحاً محدوداً، ينبغي الاعتراف به، من كل اطياف المعارضة السوريّة، وضرورة البحث عن وسائل وطرق تقنع أقطاب هذه الطائفة ورجال الدين فيها، وتخلق لديها الثقة بأن سوريا المستقبل، ستكون للجميع، ولن يكون هناك مجال للثأر والانتقام. ذلك ان استهداف النظام وعصاباته «الشبّيحة»، للعوائل العلويّة، وإلقاء التهمة على السنّة، لم يعد خافيّاً على أحد، في حمص واللاذقيّة ومناطق اخرى من سوريا. ويجب الاعتراف ان النظام السوري، وعبر عقود، نجح في جعل الموزاييك القومي والديني والطائفي والمذهبي في سوريا، شديد الهشاشة، يكتنفه عدم الطمأنينة والثقة، كأنّه حقل ألغام. فالكل يخشى الكل. ولقد كان لكاتب هذه السطور، مقال بعنوان: «الخشية من البديل، في ما لو دقت الديمقراطيّة باب دمشق» نشرته صحيفة «الحياة» يوم 5/10/2007، اختتمه بالقول: «إن الداخل والخارج السوريان يتقاطعان في الخشية من أي بديل للنظام السوري، ما يعزز موقف النظام في زيادة إحكام قبضته، وعدم اكتراثه بالقوانين والأعراف والمواثيق الدولية، خاصة منها، ما هو متعلّق بحقوق الإنسان. وعليه، يبقى المواطن السوري هكذا، على أنقاض حاله، محكوماً بالاستبداد، والخشية من الديموقراطية في آن، إلى أن تحدث معجزة ما في زمنٍ ما، تعيد ترتيب سوريا بما ينسجم مع إرثها الحضاري، وروح العصر.». وها قد تحققت المعجزة، في سوريا، بعد مضي ما يزيد عن أربعة أعوام من نشر هذا المقال. وصحيح ان النظام، يدفع البلاد دفعاً مستميتاً نحو الحرب الاهليّة، إلاّ ان الاخيرة، وبما انها مفروضة فرضاً، فلن يخشى الشعب السوري من البديل. ذلك أنه لن يمرّ على سوريا، نظام أقبح وأكثر وحشيّة ودمويّة، من نظام الشبّيحة/الاسد/البعث!. واذا كان «لكل حرب سلامها»، فأن ختام أيّ حرب اهليّة، سيكون السلام والحريّة ودولة الحقّ والعدالة. ويبدو ان الشعب السوري قد حسم خياره، بأن صار الموت لدى ابنائه الثائرين، أحلا وأشهى من العودة للعبوديّة في حظيرة الاسد والشبّيحة. وحين رفع أهل منطقة «كفر نبّل» التابعة لمحافظة ادلب، لافتة في إحدى مظاهراتهم، كتب عليها: «سندهس على الأسد، حتّى ولو كان لغماً» فهذا تعبير صارخ على استحالة العودة بسوريا لما قبل انتفاضتها، منتصف اذار المنصرم. هكذا، قرر الشعب السوري ان يدهس الماضي، دون ان يلتفت للخلف، فاتحاً احضانه للحريّة. فالشعب احرق سفنه، والنظام يحرق نفسه، فأمّا الشعب أو النظام، وعلى سوريا أن تختار.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى