صفحات سوريةقصي غريب

الشعب السوري في ظل الحماية الدولية بموجب القرارين الأممين 2042 و 2043


د. قصي غريب

 أكدت ديباجة ميثاق الأمم المتحدة على الإيمان بالحقوق الإنسانية، وبكرامة الفرد وقدره، وبينت الأحوال التي يمكن في ظلها تحقيق العدالة، واحترام الإلتزامات الناشئة عن المعاهدات وغيرها من مصادر القانون الدولي، والدفع بالرقي الاجتماعي قدماً لرفع مستوى الحياة في جو رحب من الحرية، والعزم على العيش معاً من خلال ضم قوى الجماعة الدولية من أجل الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، وكفالة القبول بمبادئ معينة من أجل هذه المصلحة المشتركة. وبما أن الجماعة الدولية لم تعد تستطيع في أن تسكت وتتغاضى عن الإنتهاكات المفرطة والمستمرة لحقوق الإنسان التي وصلت الى حد ارتكاب جرائم ضد الإنسانية من قبل النظم الإستبدادية في العالم، ولا سيما بعد أن أصبحت قضية حقوق الإنسان بنهاية الحرب الباردة، وانهيار النظم الإشتراكية في أوربة الشرقية، وتفكك الإتحاد السوفيتي في غاية الأهمية وتستدعي الربط بين احترامها وبين السلم والأمن الدوليين، فميثاق الأمم المتحدة قد أقر لمجلس الأمن عبر بعض مواد فصوله على مبدأ التدخل لحفظ السلم والأمن الدوليين بتضافر أعضاء الأمم المتحدة لتنفيذ التدابير التي قررها، مما فرض مبدأ التدخل ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم ضد الانسانية، وقد حصلت بالفعل بعض التدخلات في السنوات الأخيرة باسم الحماية الدولية الانسانية، وكان أخرها التدخل في ليبيا لكفالة حماية المدنيين.

وانطلاقاً من ميثاق الأمم المتحدة فان حفظ السلم والأمن الدوليين كان من أولى مقاصدها ومبادئها، إذ أكدت الفقرة 1 من المادة 1 على أن مقاصد الأمم المتحدة هي : حفظ السلم والأمن الدوليين، وتحقيقاً لهذه الغاية تتخذ الهيئة التدابير المشتركة الفعالة لمنع الأسباب التي تهدد ذلك لإزالتها، وتقمع أعمال العدوان وغيرها من وجوه الإخلال بها، وتتذرع بالوسائل السلمية، وفقاً لمبادئ العدل والقانون الدولي، لحل المنازعات الدولية التي التي قد تؤدي الى الإخلال بالسلم أو لتسويتها. وقد ذهب البعض على أن هدف الأمم المتحدة من الفقرة الأولى من المادة الأولى من الميثاق تشير بوضوح إلى ثلاثة أنواع من التدابير التي يتعين على الأمم المتحدة اتخاذها لحفظ السلم والأمن الدوليين وهي :

1 – تدابير وقائية لإزالة أسباب التوتر، والحيلولة دون اندلاع المنازعات أصلاً.

2 – تدابير لمساعدة أطراف النزاع على التوصل إلى تسوية سلمية للنزاع وفقا لمبادئ العدل والقانون .

3 – تدابير قمعية لمواجهة حالات العدوان، أو تهديد السلم والإخلال به.

وبهذا لكي تحقق الأمم المتحدة هدفها في حفظ السلم والأمن الدوليين طبقاً لنص الفقرة 1 من المادة 1 من الميثاق، فلا يجب اللجوء فوراً إلى اتخاذ تدابير قمعية عندما تلوح بوادر أزمة ما، بل على مجلس الأمن بداية أن يتخذ التدابير التي لا تتطلب استخدام القوات المسلحة لتنفيذ قراراته لمنع الأسباب التي تهدد السلم ولإزالتها، وهذا يعني أن الأسس التي أرساها ميثاق الأمم المتحدة لحفظ السلم والأمن الدوليين لا تقتصر فقط على تطبيق الفصل السابع والمادة 42 منه التي تؤكد على استخدام القوات المسلحة الأممية إلا إذا رأى مجلس الأمن أن التدابير المنصوص عليها بالميثاق لا تفي بالغرض أو ثبت انها لم تف به، جاز له استخدام القوات المسلحة .

إلا أنه منذ أن اندلعت الثورة السورية العظيمة في 15 – 18 آذار 2011، وعلى الرغم من استخدام النظام الطائفي القوة المفرطة ضد الثائرين الذين يطالبون بإسقاطه، وإقامة دولة القانون والمواطنة لكل السوريين، وتحوله إلى عصابات مجرمة تمتهن التعذيب الممنهج، والقتل المنظم باعتراف مؤسسات الأمم المتحدة، وهذا من وجوه الإخلال بالسلم، ولكن شعوب الامم المتحدة لم تضم قواها كي تحتفظ بالسلم والأمن الدوليين بناء على ميثاق الأمم المتحدة، ولم تتخذ التدابير المشتركة الفعالة لمنع الأسباب التي تهدد السلم ولإزالتها. وبقيت على الحياد تراقب ما يحصل في سورية من دون أن تكترث وتتخذ الإجراءات الضرورية لحماية شعب دولة عضو في الأمم المتحدة، إلا أن ارتفاع عدد الضحايا قد أجبرها على إدخال الملف السوري إلى أروقة الأمم المتحدة، وكانت البداية دخوله إلى مجلس حقوق الانسان فصدر عنه أربعة قرارت : الأول في 29 نيسان 2011، والثاني في 22 آب 2011، والثالث في 2 كانون الأول 2011، والرابع في 23 آذار 2012، وإلى مجلس الأمن فصدر عنه : ثلاث بيانات رئاسية الأول في 3 آب 2011، والثاني في 21 آذار 2011، والثالث في 5 نيسان 2012، كما صدر قراران عن الجمعية العامة : الأول في 19 كانون الاول 2011، والثاني في 16 شباط 2012، فضلاً عن ذلك تشكيل لجنة تحقيق دولية مستقلة بشأن سورية في 23 تشرين الثاني 2011 وصدور تقرير عنها يدين النظام في سورية، ولكن على الرغم من إدانة مواصلة الانتهاكات الواسعة الإنتشار لحقوق الانسان على نحو خطير ومنهجي من قبيل الإعدام التعسفي، والإستخدام المفرط للقوة ضد المتظاهرين والمدافعين عن حقوق الإنسان، واضطهادهم وقتلهم، والإحتجاز التعسفي، والإختفاء القسري، والتعذيب وسوء معاملة المحتجزين بمن فيهم الأطفال من جانب السلطات في سورية، ووجوب محاسبة المسؤولين عن ذلك، والإعراب عن الأسف البالغ لموت الاف عديدة من الأشخاص، والإقرار بأن ما جرى ويجري في سورية هي إرتكاب جرائم ضد الإنسانية بإعتراف مجلس حقوق الإنسان، إلا أن الأمم المتحدة عجزت عن إتخاذ الإجراءات الضرورية لوقف نزيف الدم المستمر والمجازر، وحماية المدنيين السوريين من نظام عصابات امتهن القتل المنظم، ولم توص بإحالة ملف الجرائم ضد الإنسانية المرتكبة التي تهدد وتخل بالسلم إلى محكمة الجنايات الدولية، والذي تنص عليه الفقرة 1 من المادة 1 من ميثاق الأمم المتحدة التي تؤكد على أن مقاصد الأمم المتحدة هي حفظ السلم والأمن الدوليين، وتحقيقاً لهذه الغاية تتخذ الهيئة التدابير المشتركة الفعالة لمنع الأسباب التي تهدد ذلك لإزالتها.

إلا أنه حصلت نقلة نوعية بموقف الأمم المتحدة من الثورة السورية بصدور القرارين 2042 و 2043 عن مجلس الأمن والذي يجب إتخاذ تدابير لتنفيذهما، ففي جلسته المعقودة في 14 نيسان 2012 اتخذ مجلس الامن  القرار 2042 وأشار الى بياناته الرئاسية وإلى جميع القرارات ذات الصلة الصادرة عن الجمعية العامة، وأعاد تأكيد دعمه للمبعوث الخاص المشترك للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية كوفي عنان، وللعمل الذي يقوم به وفقاً لقرار الجمعية العامة المؤرخ في 16 شباط 2012 والقرارات ذات الصلة الصادرة عن الجامعة العربية، وأدان الإنتهاكات الواسعة الإنتشار لحقوق الإنسان من جانب السلطات في سورية، ووجوب محاسبة المسؤولين عن ذلك، وأعرب عن أسفه البالغ لموت الاف عديدة من الأشخاص في سورية، وأحاط علماً بالتزام الحكومة في سورية في 25 آذار 2012 بتنقيذ اقتراح النقاط الست للمبعوث الخاص المشترك للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية التي تقوم على الإلتزام بالعمل مع المبعوث في عملية سياسية شاملة، ووقف القتال وتحقيق وقف عاجل وفعال لأعمال العنف المسلح بجميع أشكاله تحت إشراف الأمم المتحدة حماية للمدنيين، وكفالة تقديم المساعدات الإنسانية لجميع المناطق المتضررة من القتال، وتكثيف سرعة ونطاق الإفراج عن المحتجزين احتجازاً تعسفياً، وكفالة حرية التنقل في جميع أنحاء البلاد للصحفيين، واحترام حرية إنشاء الجمعيات والحق في التظاهر بشكل سلمي، وبالتنفيذ العاجل والواضح للإلتزامات التي وافقت على الوفاء بها الحكومة في سورية في رسالتها إلى المبعوث المؤرخة في1 نيسان 2012 وهي :

 أ – وقف تحركات القوات نحو المراكز السكانية.

ب – ووقف كل إستخدام للأسلحة الثقيلة في تلك المراكز.

ج – وبدء سحب الحشود العسكرية في المراكز السكانية وحولها.

وأعرب عن اعتزامه رهناً بالتوصل الى وقف مستمر لأعمال العنف المسلح بجميع أشكاله أن ينشئ فوراً بعد التشاور بين الأمين العام والحكومة في سورية بعثة مراقبة تابعة للأمم المتحدة في سورية لرصد وقف أعمال العنف المسلح بجميع أشكاله، وأهاب بها كفالة عمل البعثة بفعالية بما في ذلك فريقها المتقدم وذلك بتيسير النشر السريع لأفرادها، وكفالة تمكينها من التحرك والوصول بشكل كامل وفوري ودون عراقيل وعدم إعاقة اتصالاتها، وتمكينها من الإتصال بحرية بالأفراد في جميع أرجاء سورية دون الإنتقام من أي شخص بسبب تواصله مع البعثة، وقرر الاذن بإيفاد فريق متقدم مؤلف من 30 مراقباً عسكرياً غير مسلح للتواصل مع الأطراف، والبدء في الإبلاغ عن تنفيذ وقف كامل للعنف المسلح بجميع أشكاله، وأهاب بالحكومة في سورية وكافة الأطراف أن تضمن تمكين الفريق المتقدم من تنفيذ مهامه، وضمان سلامته دون المساس بحريته في التنقل والوصول، مع التأكيد على أن المسؤولية الرئيسة تقع على عاتق السلطات في سورية، وطلب من الأمين العام أن يبلغ مجلس الأمن فوراً عن أي عراقيل توضع في طريق أداء الفريق عمله بصورة فعالة، وأن يقدم إلى مجلس الأمن تقريراً عن تنفيذ هذا القرار، وأعرب عن اعتزامه تقييم تنفيذ هذا القرار، والنظر في إتخاذ خطوات إضافية حسب الإقتضاء، ويقرر إبقاء المسألة قيد نظره.

وكذلك اتخذ مجلس الأمن في جلسته المعقودة في 21 نيسان 2012  القرار 2043، وأشار إلى قراره 2042، وإلى بياناته الرئاسية، وإلى جميع القرارات ذات الصلة الصادرة عن الجمعية العامة، وأعاد تأكيد دعمه للمبعوث الخاص المشترك للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية كوفي عنان، وللعمل الذي يقوم به وفقاً لقرار الجمعية العامة المؤرخ في 16 شباط 2012، وللقرارات ذات الصلة الصادرة عن جامعة الدول العربية، وأعرب عن القلق إزاء استمرار العنف، وقرر أن ينشئ لفترة أولية مدتها 90 يوماً بعثة الأمم المتحدة للمراقبة في سورية بقيادة رئيس للمراقبين العسكريين، على أن تشمل نشراً اولياً يصل إلى 300 من المراقبين العسكريين غير المسلحين، فضلاً عن عنصر مدني ملائم حسب ما تحتاج إليه البعثة لتنفيذ ولايتها. وأن تكلف البعثة برصد وقف أعمال العنف المسلح بجميع أشكاله من جانب كل الأطراف، ورصد ودعم التنفيذ الكامل لإقتراح النقاط الست، وأعرب عن إعتزامه تقييم تنفيذ هذا القرار، والنظر في إتخاذ خطوات أخرى حسب الإقتضاء، وإبقاء المسألة قيد النظر.

وعليه فإن عدم تنفيذ القرارين من قبل الحكومة في سورية يقابله في ميثاق الأمم المتحدة إتخاذ تدابير سلمية لا تتطلب إستخدام القوات المسلحة لتنفيذهما، وله أن يطلب من أعضاء الأمم المتحدة تطبيق التدابير، وإذا رأى مجلس الأمن أن التدابير المنصوص عليها بالميثاق لا تفي بالغرض أو ثبت أنها لم تف به، جاز له استخدام القوات المسلحة.

وفيما يأتي التدابير السلمية والعسكرية التي يجب أن يتخذها مجلس الأمن والمنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة :

ورد في الفصل الأول في مقاصد الهيئة ومبادئها : المادة 2 الفقرة 5 : يقدم جميع الأعضاء كل ما في وسعهم من عون إلى الأمم المتحدة في أي عمل تتخذه وفق هذا الميثاق، كما يمتنعون عن مساعدة أية دولة تتخذ الأمم المتحدة إزاءها عملاً من أعمال المنع أو القمع.

وورد بالفصل الثاني في العضوية : المادة 5 : يجوز للجمعية العامة أن توقف أي عضو اتخذ مجلس الأمن قبله عملاً من أعمال المنع أو القمع، عن مباشرة حقوق العضوية ومزاياها، ويكون ذلك بناءً على توصية مجلس الأمن، ولمجلس الأمن أن يرد لهذا العضو مباشرة تلك الحقوق والمزايا.

المادة 6 : إذا أمعن عضو من أعضاء الامم المتحدة في انتهاك مبادئ الميثاق جاز للجمعية العامة أن تفصله من الهيئة بناءً على توصية مجلس الأمن.

وورد بالفصل السادس في حل المنازعات حلاً سلمياً : المادة 34 : لمجلس الأمن أن يفحص أي نزاع أو أي موقف قد يؤدي إلى احتكاك دولي أو قد يثير نزاعاً لكي يقرر إذا ما كان هذا النزاع أو الموقف من شأنه أن يعرض للخطر حفظ السلم والأمن الدوليين.

وورد بالفصل السابع فيما يتخذ من الأعمال في حالات تهديد السلم والإخلال به : المادة 39 : يقرر مجلس الأمن ما إذا كان قد وقع تهديد للسلم أو إخلال به أو كان ما وقع عملاً من أعمال العدوان، ويقدم في ذلك توصياته أو يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير طبقاً لاحكام المادتين 41 و 42 لحفظ السلم والأمن الدولي أو إعادته إلى نصابه.

المادة 41 : لمجلس الأمن أن يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير التي لا تتطلب استخدام القوات المسلحة لتنفيذ قراراته، وله أن يطلب من أعضاء الأمم المتحدة تطبيق هذه التدابير. ويجوز أن يكون من بينها وقف الصلات الاقتصادية والمواصلات الحديدية والبحرية والجوية والبريدية والبرقية واللاسلكية وغيرها من وسائل المواصلات وقفاً جزئياً أو كلياً، وقطع العلاقات الدبلوماسية.

المادة 42 : إذا رأى مجلس الأمن أن التدابير المنصوص عليها في المادة 41 لا تفي بالغرض أو ثبت أنها لم تف به، جاز له أن يتخذ بطريق القوات الجوية والبحرية والبرية من الأعمال ما يلزم لحفظ السلم والأمن الدولين أو لإعادته الى نصابه. ويجوز أن تتناول هذه الأعمال المظاهرات والحصر والعمليات الاخرى بطريق القوات الجوية او البحرية أو البرية التابعة لأعضاء الأمم المتحدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى