زين الشاميصفحات سورية

الشعب السوري: يا حيف يا عراق


زين الشامي

لا يخفى على أحد من العراقيين والسوريين وكل العرب ان الشعب السوري دفع ثمنا اقتصاديا كبيرا، بعد نزوح نحو مليون ونصف المليون عراقي إلى سورية بعد الاحتلال الاميركي للعراق، واسقاط نظام صدام حسين منذ نحو ثمانية أعوام، وتكثفت موجات النزوح في العامين التاليين، حيث بلغت الحرب الطائفية أشدها بين العراقيين. في تلك الاثناء كان قدرنا في سورية ان نقف مع أشقائنا العراقيين في محنتهم الانسانية تلك، رغم ان ذلك تسبب لاحقا في موجة غلاء في أسعار البيوت والعقارات والمواد الغذائية، وتعرضت البنية التحتية لمدننا وقطاع الخدمات لضغط كبير ومفاجئ حين شاركنا اخوتنا العراقيين مدارسنا ومشافينا ومياه شربنا وخبزنا وكل شيء.

لم يكن احد من السوريين ليتذمر، لقد كان واجب الضيافة، وفوق ذلك فإن الشعب العراقي كله كان يتعرض لمحنة انسانية، ان وقفتنا مع الشعب العراقي هي قبل كل شيء واجب تمليه روابط التاريخ والجغرافيا والدين والثقافة والاخوة والعادات والتقاليد. لم تكن المرة الاولى التي يستقبل فيها شعبنا موجات من النازحين العراقيين او الهاربين من الظروف السياسية في بلدهم، فخلال فترة حكم صدام حسين ونتيجة لشدة القمع والترهيب الذي ارتكبه نظامه بحق المعارضين، استقبلت سورية عشرات الآلاف من العراقيين على مدار حكم نظام البعث في العراق.

اليوم الجميع يعرف ان غالبية الطبقة السياسية العراقية التي تحكم في بغداد وتتحكم بمقدرات البلد هناك، عاشت ردحا من الزمن في سورية وبين السوريين، بدءا بنوري المالكي وانتهاء بعشرات الالاف من المعارضين الذين عادوا الى العراق

وتسلموا مناصب ووظائف في الحكومات المتعاقبة بعد سقوط صدام حسين.

ورغم ان تاريخ العلاقة بين النظام في كل من سورية والعراق لم تكن على ما يرام، الا انه لم يكن هناك من خلافات بين الشعبين السوري والعراقي. لقد حافظنا رغم تلك التوترات السياسية على الفة ومودة فيما بيننا. لكن بعد التطورات الاخيرة في سورية، وتحديدا منذ بدء الاحتجاجات ضد نظام بشار الاسد وحزب البعث، ثمة مواقف سياسية عراقية رسمية خيبت آمال السوريين وجعلتهم يشعرون كما لو انهم طعنوا في الظهر، حيث لم يتوقعوا يوما من الذين عانوا من بعث العراق ان يدعموا بعث سورية.

نعرف تماما ان الحكومة العراقية ما هي الا اداة في يد حكومة الملالي في ايران، ونعرف انها لا تملك حرية في اتخاذ مواقف مستقلة، لكن لم نكن نتوقع كسوريين ان تذهب الحكومة العراقية الى حد تقديم الدعم المالي والاقتصادي لنظام بشار الاسد الذي تقوم قواته الامنية و«شبيحته» بقتل المتظاهرين والمحتجين دون سبب سوى مطالبتهم بالحرية والديموقراطية.

ان الموقف العراقي من الأزمة الحالية في سورية يعكس كيف تحول هذا البلد العربي إلى أداة في يد طهران يعمل بكل همة ونشاط في سبيل إرضائها وتحقيق مصالحها دون النظر إلى مصالح الشعب العراقي بالدرجة الاولى، وفوق ذلك، يعكس موقف الحكومة العراقية غباء سياسيا واستراتيجيا كبيرا حيث يتوقع جميع المراقبين الدوليين والاقليميين سقوطا مدويا وتاريخيا للنظام السوري اسوة ببقية الانظمة الديكتاتورية التي سقطت في تونس ومصر وليبيا.

لقد اتخذ الدعم العراقي للنظام السوري أشكالاً متنوعة مالية واقتصادية وعسكرية ودبلوماسية، ونذكر كيف انه لم تمر سوى أسابيع قليلة على انطلاق موجة الاحتجاجات في سورية وتحديدًا في 31 مايو 2011 م حتى أعلن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي دعمه «للإصلاحات» التي أعلن عنها بشار الأسد، معتبراً أنها ستساعد على إحلال الأمن والاستقرار في سورية، لأن استقرار المنطقة ككل مرتبط باستقرار سورية وأمنها. يومها استغربنا هذا الموقف لأن النظام وفيما كان يتحدث ليل نهار عن «الاصلاح» كانت دباباته وشبيحته يقتلون اهلنا في كل المناطق وكانت السجون السورية ممتلئة بالمحتجين والمعتقلين السياسيين.

وبعد فترة من ذلك، وجه الرئيس العراقي جلال طالباني رسالة إلى الأسد، أعرب فيها عن «دعم العراق لأمن واستقرار سورية ولمسيرة الإصلاحات فيها». وفوق ذلك، وما كان مهينا وغريبا ما طالب به المالكي لاحقا، ففي حين أدان فيه القادة في العالم العربي والبلدان الأخرى القمع العنيف الذي يمارسه الرئيس بشار الأسد ضد المتظاهرين، إلا أن المالكي فضل طريقًا آخر وهو حث المحتجين على ألا «يخربوا» الدولة، ووصف الاحتجاجات «بالفوضى والتخريب»، لا بل ان صحيفة نيويورك تايمز الأميركية تحدثت عن موافقة نوري المالكي وبضغط من إيران على تقديم مبلغ 10 مليارات دولار لدعم الرئيس السوري بشار الأسد.

الصحف السورية من ناحيتها صارت تتغنى وتتباهى بالدعمين العراقي والايراني في وقت كان العالم جميعه سيتنكر ما يجري من عمليات قتل وقمع وحشي للمحتجين في الشوارع السورية، ونشرت صحيفة «تشرين» السورية الرسمية منذ أيام ان «السيد الرئيس بشار الأسد تسلم رسالة من نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي تؤكد دعم العراق لسورية في وجه ما تتعرض له من مخططات تستهدف أمنها واستقرارها نقلها فالح فياض مستشار الأمن القومي – وزير الأمن الوطني خلال استقبال الرئيس الأسد له».

اما الطامة الكبرى، او يمكن اعتباره ذروة الانحطاط الاخلاقي للحكومة العراقية فأتى لاحقا حين بدأت قوات من الجيش السوري و«الشبيحة» باقتحام عدة مدن وبلدات في منطقة دير الزور الحدودية بالدبابات والمدافع وعملت تقتيلا واعتقالا وارهابا

بحق المواطنين والمحتجين هناك، حتى ان مواطنين عراقيين من محافظة الانبار رووا عن اقاربهم من الجانب السوري ان قوات نظام الرئيس بشار الاسد تساندها المدرعات، دهمت منطقة قبلية قرب الحدود مع العراق وقتلت واعتقلت عشرات، وان قوة تضم ما بين 20 و30 دبابة وعربة مدرعة دخلت أحياء في بلدة «الميادين» وقرية «البرهامة» قرب الحدود مع العراق. وفي مثل هذه الحالات من الطبيعي ان يفكر الآلاف من اهالي دير الزور بالهرب الى العراق طلبا للسلامة والامن وهربا من قوات الامن والشبيحة. لكن ما اتخذته قوات حرس الحدود العراقية من اجراءات مبكرة ومشددة على المنافذ الحدودية بطلب من الطبقة السياسية العراقية الحاكمة، أغلق كل احتمالات النجاة امام الهاربين وعائلاتهم، فكان ان علقوا بين رصاص الجيش السوري والمنافذ العراقية المغلقة، وقد روى الكثير من اهالي دير الزور قصصا مؤسفة عن طريقة تعامل قوات حرس الحدود العراقية، لقد وجدوا كل القسوة والصرامة منهم وهددوهم بتسليمهم للقوات السورية المقتحمة.

ان العراق-المالكي، الذي كان من الواجب والمفترض أن يقف إلى جانب الشعب السوري لانه عانى الكثير من الدكتاتورية، نراه اليوم يقف مع الديكتاتورية في سورية، الا يعلم السيد المالكي الذي عاش سنوات في سورية بأن البعث السوري توأم للبعث العراقي وانه لولا القوات الاميركية لكان لايزال لاجئا يقبع في بيته المتواضع في ركن الدين في دمشق.

ليس المالكي وحده، بل كل القادة وزعماء الاحزاب والمجموعات الدينية المرتهنة لايران، نقول لهم: هل نسيتم المجموعات المتطرفة والارهابية التي كانت تتدرب على أيدي نظام الاسد وترسل الى العراق؟ هل نسيتم دم الآلاف من الضحايا الابرياء من أبناء الشعب العراقي الذين قتلوا نتيجة الدور الدنيء للنظام السوري وقتذاك؟ اذا كنتم نسيتم، فنحن في سورية لا ولن ننسى من يقف معنا ومن يقف ضدنا ولن ننسى من يزود النظام الاستبدادي ثمن طلقات الرصاص والمدافع والدبابات التي توجه الى صدورنا.

يا حيف يا عراق.. آخ ويا حيف!

كاتب سوري

الراي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى