صفحات سورية

الشعب يريد إسقاط المعارضة


مهدي درويش

تواجه الثورات الشعبية تاريخيا عقبات تبطىء من تقدمها وتحرفها عن وجهتها الأساسية ، وتكون هذه العقبات غالبا مرتبطة بمجموعة من المصالح لبعض الفئات التي تحاول بناء على هذه المصالح إما الوقوف في وجه هذه الثورات أو الإنضمام إليها للاستفادة من مكاسبها لاحقا .

في سوريا وللأسف لعبت المعارضة التقليدية دورا معرقلا للحراك الشعبي أدى إلى تشتت الشارع مما شكل نوعا من الإحباط عند عدد ليس بقليل من داعمي الثورة ،فبعد سبعة أشهر من بداية الحراك لم تستطع المعارضة التقليدية لعب دور فاعل بل اقتصر دورها على مجموعة من الخلافات بين شخصيات وأحزاب مختلفة ومما أدى إلى عدم القدرة على التوافق على الحد الأدنى من الأهداف فقامت كل مجموعة بإنشاء هيئة أو إئتلاف أو تشكيل مجلس وطني لم يعلم رئيسه والأعضاء فيه إلا بعد الإعلان عنه ،ولاننكر دورها الإعلامي الكبير في اللقاءات والمقابلات والإتصالات الهاتفية والتي تشدد هذه الشخصيات فيها على ضرورة دعم الحراك وتحقيق هدفه الأساسي وعدم القبول بأقل منه أبدا وهو إسقاط النظام.والطريف في الأمر أن هذه الشخصيات نفسها عندما تجتمع فيما بينها لتصدر بيانا ما تحت اسم هيئة أو مجلس فإن سقف مطالبها ينخفض بشكل كبير ،وهذا ما حصل مؤخرا في إجتماع هيئة التنسيق الوطنية التي رفض أعضاؤها وجود التلفزيون السوري وتلفزيون الدنيا في الإجتماع لأنه (لايعبر عن الشعب السوري وكاذب كاذب كاذب) وفي المقابل صدر البيان الختامي معبرا عن ضرورة إسقاط النظام الأمني ومحاسبة المسؤولين ومراجعة القوى الأمنية لحساباتها، فكأن المشكلة في سوريا مشكلة إعلام وجهاز أمن أما النظام السياسي والإقتصادي فلا غبار عليه.

لنعد قليلا الى الخلف إلى ما بعد البوعزيزي بحوالي الشهر ،كان الحراك الشعبي في كل من تونس ومصر في أوجه وكانت القوى السياسية سباقة للنزول الى الشارع تضع البرامج السياسية وتوجه الجماهير الشعبية عند الحاجة ،وفي نفس الوقت كانت القوى السياسية في سوريا تضع التحليلات لعدم إمكانية حدوث مثل هذه الثورات في سوريا بدلا من وضع البرامج والخطوات إستعدادا لثورة سوريا وذلك نتيجة قمع عمره عشرات السنين مارسته السلطة في وجه أي قوة تخالفها بالرأي،وبالتالي وقفت المعارضة والقوى السياسية موقف المتفاجىء من الحراك السوري وتأخرت كثيرا عن الشارع مما أدى إلى عجزها عن التأثير فيه ولو قليلا، وبدلا من العمل الجدي بدأت القوى بحساب مصالحها ومقدار إستفادتها من هذا الحراك ،فجزء إتجه نحو الخارج وتحالف معه وبدأ يروج لفكرة الحماية الدولية والتدخل الخارجي والجزء الأخر ما زال يحاول اللحاق بالشارع بشكل متردد لعدم وجود قناعة راسخة بإمكانية سقوط النظام كنتيجة لهذا الحراك الشعبي وحده .

يمكن تقسيم الشخصيات المعارضة الى شريحتين الأولى تقليدية تشكلت في السبعينات والثانية تشكلت بعد بداية القرن،تحاول الفئة الأولى فهم الحراك الحالي بألياتها القديمة البعيدة كل البعد عن زمننا هذا فنجدهم يراجعون كتبهم القديمة بحثا عن أي فكرة قد تشبه الحراك الشبابي الموجود حاليا وعند اللقاء معهم تستنتج أنهم خالون من أية أفكارعملية عن أساليب الحراك والعمل المنظم لتطوير الثورة ويتم الإكتفاء غالبا بالأفكار النظرية وجملة (ماذا يقرر الشباب فنحن معهم) ، أما الفئة الثانية فنجد الغالبية فيها من المثقفين والباحثين والصحفيين الذين ساعدهم عمرهم على التقرب أكثر من الشباب والتحاور معهم ولكن دورهم حتى الأن لم يكن فاعلا بما يكفي .ومن أهم مشاكل هذه الفئة تحديدا هو الدور الليبرالي الذي تلعبه في الحراك والذي يركز على مشاكل الحرية والديمقراطية ويهمش العامل الأساسي المسبب لحالة الإحتقان في الشارع السوري ألا وهو العامل الإقتصادي أما اليساريين منهم فاكتفوا ببعض المبادرات والتحليلات البسيطة التي بقيت بعيدة ومغيبة عن الشارع نتيجة للبعد الهائل بين الشارع واليسار في سوريا.

الأن وبعد أن اكتشف الشارع وجه الشبه الكبير بين المعارضة والنظام ، بدأت لافتات بالظهور تنادي بإسقاطهما معا (المعارضة مع النظام) كبداية لتبلور الوعي السياسي للشارع والذي لابد سيؤدي إلى ظهور شخصيات جديدة من قلب الحراك ستكون أكثر قدرة على التعبير عن الشارع بصدق وأمانة بعيدا عن المصالح الشخصية وتكوين قوى سياسية جديدة فاعلة ضمن الثورة وبعدها وستعمل على توجيه الحراك بشكل فعال أكبر مما سيؤدي بالضرورة إلى إنتصار الثورة ،وما جمعة (وحدة المعارضة) إلا نوع من الإنذار الذي قد يكون الأخير فقد بدأ صبر الشارع ينفذ تدريجيا فإما أن تكونوا معه بصدق وإلا…….

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى