صفحات مميزةفارس البحرةفنّ و أدب و قضيّة

الشعب يريد إسقاط النظام

فارس البحرة

كان هناك نظام شرير جداً،

وكان هذا النظام الشرير يقضي الوقت في لعب الدحل وفتح فمه لتدخل فيه حبات المطر، وعندما تشرق الشمس كان يضع قدمه أمام السيدة العجوز فتتعثر، يضرب الأطفال الصغار ويرمي الكلاب بالحجارة، كان يجذب الهرة من ذيلها أيضاً. كان لا يدرس أبداً، لا يفتح كتاباً، ومع ذلك يريد النجاح. فينقل من أوراق زملائه في الامتحان ويدخل الكتاب خلسة إلى القاعة، يرشو المراقبين ويشتري الأسئلة. مل الشعب من هذا النظام وقرر أن يسقّطه. فصار يخرج إلى الشوارع كل يوم ويهتف بأًصوات مخيفة: الشعب يريد إسقاط النظام، الشعب يريد إسقاط النظام! وما زال يهتف عالياً حتى خاف منه الجيش نفسه. ولما كان الجيش من يصحح الأوراق ويضع الأسئلة ويراقب الامتحانات، وبيده نجاح ورسوب الطالب، اضطر الجيش إلى إسقاط النظام.

في بلد قريب كا ن الناس يتفرجون على  الشعب الهادر في التلفزيون. سأل طفل أباه: بابا! لماذا يريد الشعب إسقاط النظام؟ أجاب الأب: لأنه شرير وغشاش وكسول. قال الولد: لماذا لا نسقط نظامنا نحن أيضاً؟ أجاب الأب: لا يابني، نظامنا طيّب. الولد: ليس شريراُ وكسولاً وغشاشاً؟ صمت الأب برهة، ثم قال: شرير وكسول وغشاش لكنه طيب أيضاً وقد حان موعد ذهابك إلى النوم.
في اليوم التالي وبعد الانصراف من المدرسة وجد الطفل في جيب صدريته طبشورة حمراء بلاستيك كان التقطها من أرض الباحة خلال الفرصة. لفّ أصابعه على الطبشورة وكتب على جدار المدرسة الخارجي: الشعب يريد إسقاط النظام.

كان النظام يتناول شاي الساعة الخامسة عندما رأى في عيني خادمه الأمين الماثل أمامه تلك النظرة التي تعني: هناك أمر طارئ ولا بد لي من إزعاجك سيدي!

غصّ النظام بالشاي عندما همس الخادم في أذنه بالخبر، كاد يسقط الفنجان من يده، التفت إلى نفسه وسألها: لماذا يكرهوننا؟

 في اليوم التالي انفرد النظام بنفسه وقال لها: لا يمكن أن يسقطونا، أنا نظام محبوب، لدي سمّاعة وأصغي كل يوم إلى نبض الشارع. اسجنوا ذلك الطفل! بل اسجنوا الصف كله! صرخ النظام في وجه نفسه التي تداعت وانتشرت في كل صوب لتنفيذ الأوامر.

لم يكن الطفل يعني النظام الطيب فعلاً عندما كتب: الشعب يريد إسقاط النظام. بل إنه لم يكن يعني حتى النظام الشرير الذي رآه يسقط على التلفزيون. كتب ببساطة الجملة التي كانت تتردد في سمعه، دون تفكير.

ثمّ إن النظام الطيب طيب. والنظام الطيب لا يسمى نظاماً، يسمى دولة، والدولة هي الشعب، والشعب هو النظام. فلماذا يغضب النظام إن كان الشعب يريد إسقاط الشعب؟ والدولة تريد إسقاط الدولة؟ أو إسقاط الشعب؟

كان النظام في الحقيقة يعرف أنه نظام، لا دولة ولا شعب. ويعرف أن الشعب يعرف. بل ربما كان يعرف ما لا يعرفه الشعب: أن الشعب يريد إسقاطه.

لا أحد يعرف في الحقيقة ما الذي كان يريده الشعب، فهو كان مشغولاً بشيء واحد آنذاك: أن يخرج الأطفال من السجن.

طلب الشعب من النظام أن يطلق سراح الأطفال. لكن النظام لم يوافق على الطلب ، لأنه رأى في التلفزيون أن كل تنازل قدمه النظام الشرير فهمه شعبه على أنه خطوة باتجاه السقوط. لذلك طرد الشعب الشرير، وتفرغ لضرب الأطفال وتعذيبهم.

هل كان الأولاد يعرفون ما النظام؟ كانوا يرون صوره وتماثيله في المدرسة والشارع والمسبح والمنتزه، على موقف الباص وغلاف الدفتر والمجلة والجريدة، في الإذاعة وفي التلفزيون. لكنهم كانوا يظنون أن النظام هو أيضاً الوقوف صباحاً رتلاً ثنائياً لترديد الشعار، اللباس الموحد لدرس الرياضة، وعدم التأخر على طريق العودة من المدرسة، عدم تناول الفول من عربة البائع المتجول لأن الأكل وقوفاً غير صحي، وعدم الكتابة على الجدران…

فكر الأهل الذين يعرفون مخ أطفالهم جيداً:  يبدو إذاً أن النظام قد جن!

خرج الشعب إلى الشوارع ووقف قبالة السجن وراح يشتم المجنون!

عندما سمع النظام الطيّب أنهم يلقبونه بالمجنون حز ذلك في نفسه كثيراً وحزن. لكن نفسه ثارت عليه وقالت: أنت نظام فاشل! غضب النظام من نفسه جداً لأنها لم تقف معه في محنته، انتزع فردة حذائه وقذفها باتجاهها، خفضت نفسه رأسها في آخر لحظة فأصاب الحذاء وجه الخادم الأمين الآتي بشاي الساعة الخامسة.

في اليوم التالي ظهر الخادم على شاشة التلفزيون المحليّ بعينه الزرقاء: التي أصابها الشعب. صار لا بد من تأديب الشعب.

أطلق النظام النار على الذين المتظاهرين أمام السجن. وبينما الشهداء يتساقطون تحت وابل الرصاص وقع النظام فجأة ، يبدو أن نفسه المجروحة في كبريائها استغلت التفاتته الكريمة نحو الشعب وسددت إلى نقرته حذاءها الأحمر المدبب. لمّا خرّ النظام أرضاً وجدت نفسه نفسها قبالة الشعب، فتناولت البندقية وأطلقت النار. قام النظام من فجاءته فتمالك نفسه وعاجلها بالحذاء. وهكذا أخذ يصارع نفسه ، ويتناوب معها في إطلاق النار على الشعب.

لكن الشعب كان كثيراً جداً

وبقيت كل يوم كفاية منه لتنزل في اليوم التالي إلى الشارع وتهتف
فيضربها النظام بالرصاص ويضرب نفسه بالحذاء.

 أُطلق سراحُ الأطفال

لكن الشعب صار كلما قدم النظام تنازلاً يرفع الصوت أكثر.

ربما النظام محق

والشعب يريد إسقاط النظام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى