صفحات العالم

الشكوك في التزام النظام إلى تعاظم، وقف عسكرة التغيير يفرض مرحلة انتقالية


    روزانا بومنصف

تورد مصادر ديبلوماسية الاسباب المبررة للتشكيك في صدقية النظام السوري في التزام خطة المبعوث الدولي العربي المشترك كوفي انان الى سوريا بان عامل الصدقية بات مفقودا بالرئيس السوري بشار الاسد شخصيا نتيجة تجارب عدة بحيث انه يعطي بالكلام ما يسعى الى نسفه بالفعل الميداني تحت ذرائع مختلفة. يضاف الى ذلك ان التزام خطة انان في حال صح ذلك من شأنه ان يعيد الامور في سوريا الى الملعب الذي انطلقت منه اساسا اي التظاهرات السلمية التي كانت في اساس الثورة السورية قبل سنة وشهرين والتي ادى الرد العسكري والامني العنيف عليها من جانب النظام الى تحويلها الى مقاومة او معارضة معسكرة في غالبيتها. ومن خلال دفع النظام المعارضة الى حمل السلاح في مواجهة الشبيحة وقواته العسكرية فانه استدرجها الى اللعبة العسكرية التي هو اقوى فيها في حين انه في حال نفذ الالتزام الذي قطعه لانان فان المعارضة تعود الى ساحتها الاولى اي التظاهرات السلمية الكثيفة باعتبار ان حق التظاهر هو الذي ضمن المبادرة التي عرضها انان مما يطرح اسئلة جدية عما اذا كان النظام سيسمح بتنفيذ هذا الجزء من المبادرة اي سيسمح بالتظاهرات السلمية ضده او انه سيفتعل تظاهرات مضادة لافتعال مشاكل على الارض وينزل الدبابات والاسلحة الثقيلة. وهناك عوامل اخرى مبررة للتشكيك تتصل بواقع ان سحب الاسلحة الثقيلة من المدن وفق ما تعهد النظام لا يلزمه سحب الاسلحة الخفيفة والشبيحة مما يترك المواطنين عرضة للترهيب كما من قبل من جانب هؤلاء خصوصا ان النظام يبرع في الالتفاف على بنود من هذا النوع ويمكن ان يدخل مع انان في اخذ ورد طويلين يتيحان له استعادة زمام الامور على ما يأمل من كل هذه العملية. وعلى عكس ما يراه كثر او ما يروجه النظام او حلفاؤه من ان هذه المبادرة ستكون لمصلحته على صعيد كسبه المزيد من الوقت من اجل استعادة قوته، فان هذه المصادر تلفت الى نقطتين مهمتين الاولى هي الجهود التي بذلها الممثل السوري لدى الامم المتحدة في السعي الى حصول انان على تعهد من المعارضة السورية من اجل وقف القتال في موازاة التزام النظام وقف العنف. وهذه اشارة مهمة الى اقرار النظام قسرا بان من يواجهه على الارض ليس مجموعات ارهابية كما دأب على تسمية معارضيه والثائرين ضد حكمه فضلا عن الاقرار بأن طرفا اخر بات موجودا على الارض في موازاته وليس هو وحده من يتحرك على الارض. اذ ليس طبيعيا في حال تمسك النظام بنظريته عن المجموعات الارهابية ان يطلب منها وقف القتال ضده والحصول على التزامها. يضاف الى ذلك ان هذا الالتزام بغض النظر عن تطبيقه او لا يظهر بأن الازمة لم تنته كما عمم النظام اذ ان سيطرته على سوريا يعفيه من قبول خطة تلزمه وقف النار على اراضيه من جانب الامم المتحدة والدول العربية مما يعني اقرارا منه بأزمة تخطت قدرته على حسمها عسكريا من جانبه حتى لو ان حليفته روسيا هي من تضغط عليه لقبول المبادرة والتزامها.

وتقول المصادر الديبلوماسية ان احدا لا يتوهم ان النظام سيفي بالتزامه ولا يغيب عن تقويم الدول الكبرى والاقليمية ما يأمل ان يفعله النظام السوري من خلال الموافقة العلنية المبدئية على مبادرة انان. ولذلك فانها لا تخفي تشكيكها في نياته وصدقية التزامه المبادرة وهي لا تكف عن الضغط اعلاميا وسياسيا في هذا الاطار من اجل ان تضغط روسيا على النظام السوري من اجل ان يظهر المزيد من الاثبات لجهة هذا الالتزام. وهي تقر بان الدول الكبرى مضطرة بدورها لان تقبل بالمبادرة كما هي لاعتبارات عدة من بينها افتقادها البدائل في ظل استمرار روسيا والصين في حماية النظام ولاعطاء نفسها فرصة اضافية بحيث ان فشل مبادرة انان يمكن ان يعطيها زخما ومبررات اقوى نحو خيارات اخرى فضلا عن ان الحل العسكري بات صعبا ان بالنسبة الى النظام الذي جرب طيلة سنة وشهرين قمع الثورة من دون ان ينجح في حين حاولت المعارضة من جهتها اقتلاع النظام وانهائه ولم تنجح ايضا. وهذا لا يعني ان احدا منهما مقتنع بالتسوية الراهنة لكن الخارج الذي يعي صعوبة اسقاط النظام بالقوة لجأ الى اساليب اخرى من اجل الوصول الى هذا الهدف.

واذ يغلب طابع افشال النظام مبادرة انان على انجاحها له في كل التقويمات حول الوضع السوري فان النسبة الضئيلة لاحتمال نجاحها في حال التزام النظام تنفيذها على نحو جدي ستعد مكسبا مهما. اذ انه اذا صح وقف عسكرة التغيير في سوريا فان الجزء الاخر من مهمة انان هو تنظيم اتفاق سوري سوري حول المرحلة الانتقالية وجل ما ابلغه الاسد الى روسيا أن يعطى فرصة ان ينفذ هو عملية الانتقال السلمي. فاذا وصلت الامور فعلا هذا الحد، في حال وصلت اليها، فان التغيير الذي سيرعاه لن يكون التغيير الذي ينوي ان ينفذه بادواته الامنية والمؤسساتية بل سيبدأ هذا التغيير من حكومة وحدة وطنية تضم كل اطياف المعارضة مع ما يعنيه ذلك عملانيا. وهذا لا يبدو اكيدا في الوقت الحالي في انتظار نجاح وقف النار ام عدم نجاحه باعتبار ان الاحتمال الاخير هو المرجح قبل 48 ساعة على موعد وقف النار.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى