صفحات الثقافة

الصحافيون الجدد: تفكيك الاسطورة

 

فاطمة عيساوي

  لا يزال النقاش في المنتديات المتخصصة حول دور الاعلام في مرحلة ما بعد ثورات الربيع العربي عالقا في فكرة قديمة: قدرة الاعلام الحديث على نقل الاحداث من ارض الواقع بسرعة وشفافية لا يقوى عليها الاعلام التقليدي المترهل. صورة تبسيطية لمشهد اعلامي بات في مرحلة تداعيات الثورات اكثر تعقيدا بكثير من مجرد خرق حواجز التعتيم على الخبر.

 في ورشة العمل الاخيرة التي دعت اليها اليونيسكو في باريس وهي واحدة من منتديات كثيرة تبحث في دور الاعلام في التاثير على عملية الانتقال السياسي في العالم العربي، يتكرر النقاش النمطي حول مدى قدرة الاعلام الحديث على منافسة الاعلام التقليدي لا بل سد ثغراته في نقل الوقائع على الارض.

لا حاجة لاثبات امر بات الحديث عنه من باب تاكيد ما هو جلي اذ اثبت ما يسمى ب” المواطنون الصحافيون” تفوقهم في نقل الخبر في ميدانه في حين لاحقت عمليات القتل مراسلي الاعلام التقليدي حتى ان بعض مؤسسات الاعلام الغربي قررت اخيرا وقف الاستعانة بمراسلين محليين تفاديا لتحمل مسؤوليات الخطر الامني المحدق بهم. في فهم العاملين على دعم الاعلام الاتتقالي في العالم العربي، لا يعدو صحافيو مؤسسات الاعلام التقليدي ان يكونوا سوى بوق للسلطة القديمة الجديدة او لمصالح اصحاب المال.

 بالتأكيد، خسر الاعلام التقليدي المحلي العربي رهان النوعية ولو توسع كما اذ لم يفد من فرصة الانفتاح السياسي للنضال من اجل حقوقه كجسم مهني وتحول الى المنصة الرئيسية لصراع الاجندات السياسية معمقا مشكلاته النوعية المستعصية. وهو في بعض الحالات كما في تونس اصبح بحد ذاته قلب المعركة بين العلمانيين والاسلاميين اذ رفعت حكومة النهضة شعار تطهير الاعلام مما وصفته بالاعلاميين “اللائيكيين” العاملين على تشويه صورة الاسلاميين.

 الا ان صورة “المواطنين الصحافيين” المبهرين مقابل الصحافيين التقليدين الموظفين سياسيا صورة مبسطة جدا لا ترى في العمل الصحافي اكثر من ناقل الخبر وهو وجه واحد فقط من وجوهه. وانبهار الوكالات الاجنبية العاملة في التنمية الاعلامية بهذا الجسم الاعلامي الناشيء انعكس بحصول هواة العمل الصحافي على حصة الاسد من البرامج التدريبية في المنطقة والتي تبدو في الغالب مقتصرة على تدخل سريع محدود المدة ومقتصر على اولويات العمل الصحافي.

 وقد تكون ليبيا مثالا بارزا في هذا الاطار حيث سيطر “الصحافيون الجدد” على المؤسسات الناشئة ما بعد الثورة في حين يجلس صحافيو الاعلام الرسمي السابق في منازلهم بحجة رفض الشارع لوجوه اعلامية ارتبطت بالمؤسسات الدعائية للنظام. مقدمة البرنامج الصباحي الاسبوعي في تلفزيون ليبيا الوطنية, وهي المؤسسة الوحيدة التي عادت الى الحياة من الاعلام التلفزيوني الرسمي القديم ، تقول انها محامية متطوعة لتقديم البرنامج لانها “تحب الشاشة” وحالة المذيعة ظاهرة باتت مألوفة في مختلف المؤسسات حيث تحول الهواة الى صحافيين بين ليلة وضحاها ودفع بهم الى حلبة الانتاج وصولا الى تقديم برامج البث المباشر من دون اي تدريب سابق.

هذه المقاربة التنموية المبسطة لا تأخذ في الاعتبار الواقع المتزايد هشاشة لظروف عمل مراسلي الاعلام التقليدي والتي لا تزال تخضع لقيود الانظمة السابقة في اغلب الاحيان بالاضافة الى معوقات جديدة. فصحافيو العالم العربي ما  بعد الثورات باتوا الهدف الرئيسي لحملات الملاحقة القضائية تحت عناوين اهانة الذات الرئاسية او ازدراء الاسلام وهم، كما هو الحال في ليبيا بشكل خاص،  يعلمون تحت سيف التهديدات والاعتداءات حيث لا تتوانى الميليشيات المسلحة، الحاكم الفعلي على الارض، عن تهديد الصحافيين وصولا الى اقتحام مقرات مؤسسات اعلامية واختطاف صحافييها. في ظل هذه الصورة المربكة، يبدو الحديث عن قدرة الاعلام الحديث على التقاط الصورة مقاربة مغرقة في التبسيط لواقع اكثر تعقيدا من مجرد نقل خبر.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى