صفحات العالم

الصراع على سوريا


ساطع نور الدين

لدى المهتمين بالازمة السورية، وهم يشملون اعداداً متزايدة من الدول والعواصم والشعوب التي تتجه أنظارها الى تلك البقعة الجغرافية الحساسة والمشتعلة من العالم العربي والاسلامي، اول إقرار علني تركي، على لسان رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان الذي لا يتّسم عادة بالدبلوماسية، بان هناك صراعاً تركياً ايرانياً على سوريا، لم يبلغ حد التوتر في العلاقات الثنائية بين الدولتين الاسلاميتين الكبريين، لكنه اتخذ شكل التحذير من جانب انقرة الى طهران، وشكل الاتهام الى الايرانيين بأنهم يدللون الرئيس السوري بشار الاسد.

لم يخالف اردوغان أسلوبه في التحدّث بلغة صريحة الى حد الفظاظة، ولم يكشف سراً خطيراً. الصراع على سوريا بدأ في منتصف آذار الماضي، في اللحظة التي بدا فيها ان النظام السوري لم يتعلم الدرس التونسي او المصري، ولن يتعلم طبعاً الدرس الليبي. لكن القوى المتصارعة ظلت مترددة في الإعلان عن نفسها وفي الإفصاح عن موقفها حتى الامس القريب، عندما سدّت دمشق الأبواب امام جميع الوساطات والمبادرات وقررت المضي حتى النهاية في خيارها الامني الانتحاري.

لكن منذ اللحظة الاولى، كان واضحاً ان ايران التي استهدفت بشعارات المحتجين السوريين وهتافاتهم، ستكون طرفاً رئيساً يشعر بخطر فقدان احد اهم الحلفاء في العالم، وستبذل كل ما وسعها من اجل حماية الرئيس الاسد ونظامه، وهي قد بذلت حتى الآن الحد الاقصى مما في متناولها، لكنها أوحت في تصريحاتها الأخيرة انه لم يعد بمقدورها ان تقدم المزيد، وبات الدور الآن على الاسد ان يساعد نفسه ويحمي نظامه من خلال الاستجابة للمطالب المشروعة للشعب السوري.

ولعل التحذير التركي الذي أخرجه اردوغان امس الى العلن، يفسر جانباً من ذلك التحول في الموقف الايراني من التغطية الكاملة للنظام وخطابه عن المؤامرة الخارجية، الى البحث عن مخرج من الداخل السوري، كما يفسر ايضاً اقتراح الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد الاسبوع الماضي استضافة مؤتمر إسلامي في طهران يضمّ، حسب ما جرى تداوله في بعض الاوساط الايرانية، ايران وتركيا ومصر والسعودية، بالإضافة الى الامانتين العامتين للجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي. وهو اقتراح تجاهلته انقرة والرياض والقاهرة، واعتبرته محاولة إيرانية متأخرة لإنقاذ النظام السوري، او على الأقل لحفظ المصالح الايرانية في سوريا المقبلة.

موقف اردوغان يقطع الطريق على مثل هذه المحاولة الايرانية ويدفع طهران الى خوض الصراع على سوريا بأساليب جديدة، وربما ايضاً على جبهات جديدة، وهو ما يمكن ان يستدعي استنفاراً عاماً على مستوى العالم العربي والاسلامي كله، يدق أجراس الانذار في واشنطن ومختلف العواصم الاوروبية.. برغم معرفة الجميع مسبقاً هوية الجهة التي ستخرج من هذا الصراع منتصرة، لأسباب جغرافية وسياسية وحتى دينية، تنكرها أنقره وطهران على حد سواء لكنها يمكن أن تصبح حاسمة في المستقبل.

لكن الصراع على سوريا، لم يكن قراراً تركياً او ايرانياً، ولا كان نتيجة تحريض او تضليل خارجي لبلدين تورطا معاً في تدليل النظام السوري. ثمة دينامية سورية داخلية للأزمة قد تفاجئ تركيا وايران. وثمة دول اخرى في المنطقة وخارجها يمكن أن تسعد الآن لمثل هذا الصراع، لكنها لا يمكن أن تظل على الحياد.

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى