صفحات الرأي

الصراع من أجل التكيُّف: جماعة الإخوان المسلمين في سورية الجديدة

آرون لوند

ملخص

كانت جماعة الإخوان المسلمين الفصيلَ المعارِض الأقوى في سورية عند اندلاع الثورة ضدّ بشار الأسد في آذار/مارس 2011، إلا أنها كانت كلّها في المنفى. وقيادتها المنفية الهرمة تجهد اليوم للتأثير على الثورة الشبابية في سورية. وصحيح أن الجهود التي تبذلها لبسط السيطرة تشجّعها حالةُ الفوضى التي تعيشها المعارضة في الخارج وفي سورية، إلا أن صعود السلفية المتشدّدة عقّد محاولاتها لاستمالة المقاتلين على الأرض.

الأفكار الرئيسة

تبقى جماعة الإخوان المسلمين الفصيل السوري المعارِض الأهمّ في المنفى، إلا أنها فشلت إلى حدّ كبير في ترسيخ نفسها في التمرّد القائم في سورية.

تمارس المنظمة نفوذاً داخل سورية من خلال شبكة من التحالفات غير الرسمية مع شخصيات إسلامية وقادة الثوار، وبالعمل عبر الروابط الأُسَرية والمنظمات الخيرية “المستقلة”.

تعيق الانقسامات الداخلية في مايُسمّى بفصيلَي حماة وحلب الجماعةَ، وقد أدّت إلى انشقاق في بداية العام 2011.

يهدّد صعودُ المجموعات السلفية المتشدّدة جماعةَ الإخوان المسلمين، إذ أن هذه المجموعات تشكّك في أيديولوجيتها المعتدلة نسبياً وتعيق محاولاتها لتجنيد الشباب السنّة الساخطين.

النتائج

جماعة الإخوان المسلمين السورية ليست قوية كما يُعتَقَد عموماً. ساعد التركيز المستمر لنظام الأسد والدول الغربية والمجموعات المعارضة المنافِسة على جماعة الإخوان، هذه الأخيرةَ في بناء سمعة مخيفة. لكن قدرتها السياسية والتنظيمية الفعلية تبدو أكثر توضعاً بكثير.

إخفاقات الآخرين أفادت الجماعة. يعود السبب الحقيقي للنجاح الذي حقّقته الجماعة في المنفى إلى الإرباك الهائل الذي يعانيه باقي المعارضة. وطالما ستبقى الأطراف المنافِسة عاجزة عن تنظيم نفسها، ستكون جماعة الإخوان الفائزة في غياب البدائل.

جماعة الإخوان تحاول الابتعاد عن التطرّف. على الرغم من طموحاتها النظرية وسجّلها الحافل بالعنف الطائفي، تروّج الجماعة لنهج إسلامي معتدل، وتسعى إلى مراعاة المخاوف المتعلّقة بأيديولوجيتها. ومنذ العام 2011، تعاونت مع المجموعات العلمانية من دون انقطاع، ونادت بالديمقراطية القائمة على تعدّد الأحزاب، وعملت من خلال أطر المعارضة الرئيسة، مثل المجلس الوطني السوري، والائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، والجيش السوري الحر.

عدد من المجموعات المسلحة المرتبطة بالجماعة يقاتل في سورية. ترفض قيادة الجماعة أن تقرّ بأنها تمتلك فصيلاً مسلحاً، إلى أن منفيّيها يموّلون المجموعات المسلحة منذ أواخر العام 2011. والمنظمة اليوم إما تسيطر على عشرات الوحدات شبه العسكرية الصغيرة داخل سورية، وإما ترعاها.

التأثير من المنفى

منذ بداية الثورة السورية في آذار/مارس 2011، لم تحظ أي جماعة معارضة بقدر أكبر من الاهتمام كما الفرع السوري لجماعة الإخوان المسلمين. ومع ذلك، لايُعرف الكثير عن هذه الحركة السرّية.

في أوائل ثمانينيات القرن المنصرم، تم التخلّص من جماعة الإخوان بالكامل تقريباً في سورية. وقد ظلت أهمّ فصيل منشقّ في البلاد طيلة فترة منفاها التي استمرت ثلاثين عاماً، لكنها كانت منشغلة غالباً بالنزاعات الداخلية القائمة على أسس شخصية ومناطقية. وخلال هذه الفترة، فشلت الجماعة في تجديد صفوفها بجيل جديد من الأعضاء، أو إعادة تأسيس نفسها داخل سورية، ولم يتمّ حلّ صراعاتها الداخلية تماماً. ويبدو أن زعيم الجماعة الحالي، محمد رياض الشقفة، غير قادر على السيطرة تماماً على أتباع سلفه علي صدر الدين البيانوني.

تصرّفت جماعة الإخوان كصانعة ملوك لمعارضة المنفى طوال الانتفاضة السورية. وقد جعلت نفوذها أمراً محسوساً من خلال المجلس الوطني السوري الذي تأسّس في تشرين الأول/أكتوبر 2011 في إسطنبول. وبقي المجلس الوطني السوري أهم مجموعة معارضة في المنفى حتى تشرين الثاني/نوفمبر 2012، عندما انضمّ إلى الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية.

ومع ذلك، فإن الجماعة أضعف من ذلك بكثير داخل سورية. فقد عرقلت شيخوخة قياداتها وأصولها التي تعود إلى الطبقة المتوسطة الحضريّة محاولات التواصل مع الناشطين الشباب والمقاتلين في المناطق الفقيرة والريفية في سورية، حيث زخم الثورة أقوى. بدلاً من ذلك، اتّجه المتديّنون المحافظون في الريف نحو الجماعات السلفية المسلحة التي أنشئت حديثاً، والتي برزت بوصفها من العناصر الفاعلة القوية في الصراع. وفي حين حاولت قيادة الإخوان في المنفى ترميم وجودها داخل سورية عن طريق إعادة التواصل مع الأقارب واستخدام الدعم المالي لاستمالة الجماعات الإسلامية الثورية، فقد كان حظّ هذه الاستراتيجية من النجاح محدوداً حتى الآن. وتسعى جماعة الإخوان جاهدة إلى مواكبة تحوّلات وتأرجح الصراع على الأرض والتكيّف مع الصعود السريع للسلفيّة في البلاد.

في نهاية المطاف، جماعة الإخوان مجرّد فصيل واحد فقط من بين العديد من الفصائل في الحركة الثورية السورية. صحيح أنها لاعب سياسي منضبط وفعّال، لكنها تفتقر إلى القوة البشرية والسلطة داخل سورية. وفي حين لاتزال الجماعة قوة مؤثّرة في مجتمع الشتات، فإن مدى ملاءمة معارضة المنفى السورية يعتمد على حسن نيّة مؤيدي الانتفاضة من الدول. وإذا ماتخلّى المجتمع الدولي عن تحالفات مثل المجلس الوطني السوري والائتلاف الوطني، فإن استثمار جماعة الإخوان المسلمين في المنفى في هذه القيادات سيكون على غير طائل.

جماعة الإخوان أبعد ماتكون عن كونها القوة المهيمنة التي يتصورها غالباً المتمردون وأنصار النظام والمحلّلون الأجانب على حد سواء، لكن نظراً إلى مهاراتها السياسية التي أثبتت جدواها وقدرتها على التكيّف مع الظروف المتغيّرة، فمن المؤكد تقريباً أن تظل طرفاً فاعلاً في السياسة السورية لسنوات مقبلة.

تطوّر جماعة الإخوان المسلمين

جماعة الإخوان المسلمين السورية محاطة بالشائعات والتكهّنات. فقد صوّرها البعض على أنها القوة الدافعة داخل المعارضة السورية، في حين يتجاهل آخرون أهميتها تماماً. من الناحية الأيديولوجية، يتصوّر البعض جماعة الإخوان بوصفها تحفل بالإسلاميين المتعصّبين وضيّقي الأفق، بينما يرى آخرون أنها جماعة إصلاحية معتدلة ومحافظة.

والواقع أن جماعة الإخوان المسلمين كانت تمثّل كل هذه الأمور معاً في مراحل مختلفة في تاريخها. ومنذ إنشائها في العام 1946، مرّت الجماعة بالعديد من التحوّلات. فقد أسّسها لأول مرة مصطفى السباعي لتكون بمثابة الجناح السوري لجماعة الإخوان الإسلامية – الإخوان – وهي الحركة التي أنشأها حسن البنّا في مصر في العام 1928. وقد جمع هذا التجسيد المبكر لجماعة الإخوان بين النشاط المناهض للاستعمار وبين السياسة البرلمانية المحافظة.

في ستينيات القرن المنصرم، حظر حزب البعث الحاكم جماعة الإخوان المسلمين السورية، وبدأت بالتطرّف. وأثار الانقلاب الذي قام به حافظ الأسد في العام 1970 سلسلة من الانقسامات الداخلية داخل جماعة الإخوان. ولذا، تحوّل الإسلاميون في سورية، بمَن فيهم جماعة الإخوان المسلمين، بشكل متزايد إلى التحريض الطائفي ضد العلويين شركاء الأسد في الدين والأقلّيات الأخرى من غير المسلمين السنّة. وفي أواخر السبعينيات، انخرطت جماعة الإخوان في انتفاضة مسلحة كارثيّة ضد النظام. وبعد هزيمة التمرّد في العام 1982، انشقّت قيادة الإخوان أكثر، وهرب الأعضاء الذين ظلوا على قيد الحياة إلى الخارج. وقد حالت التدابير القمعية مثل القانون الرقم 49، الذي صدر في العام 1980، والذي اعتبر العضوية في جماعة الإخوان المسلمين خيانة عظمى – من دون أن تعيد الجماعة تنظيم نفسها داخل سورية.

في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات، تصالحت معظم الفصائل القيادية في المنفى، ولكن جماعة الإخوان السورية ظلت مستقطبة بين جناحين متنافسين، يوصفان شعبياً باسم فصيلي حلب وحماة.

خلال فترة تولّي علي صدر الدين البيانوني منصب المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين، من العام 1996 حتى العام 2010، سيطر أفراد من مدينته حلب على قيادة الجماعة. ضمّ “فصيل حلب” الناطق باسم جماعة الإخوان المسلمين، زهير سالم، وكذلك مستشار البيانوني، عبيدة نحاس، وهو شخصية بارزة في الحرس الشبابي الإخواني.

عدّل البيانوني، بدعم من فصيل حلب، سياسة الجماعة وخطابها إلى حدّ كبير، وسعى إلى التخلّص من سمعة التطرّف والعنف الطائفي التي اكتسبتها خلال الانتفاضة المسلحة في أوائل الثمانينيات. بلغت هذه العملية ذروتها في العام 2004 عندما اعتمدت جماعة الإخوان المسلمين برنامجاً سياسياً يؤيّد الديمقراطية التعدّدية والتسامح الديني. وقد شكّك العديد من السوريين في صدق هذا التحوّل الأيديولوجي، بيد أن البيانوني واجه انتقادات داخلية من المتشدّدين الذين اتّهموه بالانضواء تحت لواء العلمانية.

تحدّى فصيل الحلبيين فصيل منافس برئاسة ثلاثة من أعضاء جماعة الإخوان البارزين من حماة: محمد رياض الشقفة ومحمد فاروق طيفور ومحمد حاتم الطبشي. واعتبر “فصيل حماة” عموماً بأنه يدعو إلى خطّ أكثر تحفّظاً، حيث ركّز انتقاداته على محاولات البيانوني استرضاء النظام وتملّق المعارضة العلمانية. كان العديد من قادة كتلة حماة من القادة شبه العسكريين السابقين خلال انتفاضة الثمانينيات، ما أضفى مسحة أكثر تشدّداً على معارضتهم.

ومع ذلك، لم تكن الانتماءات الأيديولوجية ولا المناطقية متّسقة للغاية. على سبيل المثال، ضم فصيل حماة العديد من الأعضاء من مدن أخرى، مثل حمص وإدلب.

بعد أن نجح في العودة إلى تيار المعارضة الرئيس، ضمّ البيانوني جماعة الإخوان إلى عضوية ائتلافين معارضين غير إسلاميين، إعلان دمشق (أُسِّس في العام 2005) وجبهة الخلاص الوطني (2006). لكن كلا المجموعتين انفصلتا، ماجعل جماعة الإخوان معزولة. في العام 2009، قرّرت جماعة الإخوان تعليق نشاطها المعارض، متوقّعة على مايبدو أن تكون حكومة الرئيس بشار الأسد منفتحة على حلّ تفاوضي من شأنه أن يسمح للجماعة بالعودة الى سورية. لم يستجب نظام الأسد للفتة السلام من جانب جماعة الإخوان، ما أحرج البيانوني وأضعف موقفه أكثر. وقد تنحّى بعد عام، عند نهاية فترة ولايته، وهُزِم فصيله الحلبي في انتخابات داخلية أجريت في تموز/يوليو 2010.

تسببت انتخابات العام 2010 في اضطرابات خطيرة داخل جماعة الإخوان. فقد انتهج البيانوني وبعض حلفائه الحلبيين خطاً مستقلاً طيلة معظم العام 2011، وانفصل أعضاء شباب عدة من فصيل حلب لتأسيس تنظيم خاص بهم، ربما بمباركة من البيانوني. وفي آذار/مارس 2012، تم التوصّل إلى اتفاق لتقاسم السلطة الداخلية لإعادة القادة الحلبيين المبعدين إلى حظيرة الجماعة.

كانت القيادة الجديدة مستمدّة إلى حدّ كبير من جناح حماة السابق من جماعة الإخوان. وبدا أن “سيطرة” جناح حماة داخل جماعة الإخوان مؤشّر على التحوّل نحو مواقف أكثر تشدّداً. ومع ذلك، لم تحدث تغييرات فوريّة في سياسة الإخوان.

كيف تعمل جماعة الإخوان

من الناحية النظرية، تتوفّر جماعة الإخوان على تنظيم شبه ديمقراطي، ولو أنه مركزي إلى حدّ كبير، فيه مؤسّسات محدّدة وانتخابات. لكن، من الناحية العملية، كثيراً ماشوّه الاقتتال الداخلي والقمع السياسي حسن سير عمل النظام. الجماعة سرّية للغاية، وتعمل بشكل روتيني عبر تنظيمات واجهة وتستخدم وسائل غير رسمية، بالاعتماد على دعم المجتمع الإخواني المتديّن الأوسع خارج سورية.

الإطار الإخواني الدولي

من الناحية النظرية، تعمل الجماعات الإخوانية الوطنية بمثابة فروع محلية لجماعة الإخوان المسلمين الإسلامية الأكبر التي مركزها مصر. وفي الواقع، تميل كل جماعة إلى التصرّف في ظل قدر ضئيل من الرقابة الدولية. وقد بذلت المنظمة الأم المصرية محاولات متكرّرة لإثبات سيادتها من خلال مؤسّسات دولية قوية ولكن بقدر محدود من النجاح.

في العام 1963، عندما تم إضعاف قيادة جماعة الإخوان المصرية من خلال القمع في الداخل، عيّنت الجماعة مكتباً تنفيذياً لجماعة الإخوان المسلمين في البلاد العربية. كان يرأس المكتب زعيم جماعة الإخوان المسلمين السورية في ذلك الوقت، عصام العطار. ومع ذلك، أدّت الصراعات الداخلية إلى حدوث انقسام في المكتب التنفيذي في العام 1970، بالتزامن مع انشقاقات داخلية حدثت داخل جماعة الإخوان المسلمين السورية، وسرعان ماتوقّف التنسيق الإسلامي.

اعتمدت الحركة الإخوانية نظاماً أساسياً في العام 1982 (جرى فيما بعد تحديثه في العام 1994) أسفر عن إنشاء مجموعة جديدة من المؤسّسات متعدّدة الجنسيات. وقد شملت هذه المؤسّسات مجلس الشورى العام ومكتب الإرشاد العام، الذي يقوده القائد الأعلى للجماعة، المرشد العام. وفي حين أن هذا المكتب يمكن أن يؤول نظرياً إلى أي شخص، فقد تم حتى الآن حجز مكتب المرشد العام لعضو من جماعة الإخوان المصرية. ويترأس مكتب المرشد العام حالياً محمد بديع، الذي انتخبه الفرع المصري للجماعة في العام 2010.

يطلب إلى الفروع الوطنية المساهمة بتقديم الأموال لهذه المؤسّسات المركزية والتشاور معها قبل اتّخاذ القرارات الرئيسة المتعلّقة بالسياسة العامة. نظرياً، يمكن للقيادة الدولية للجماعة نقض القرارات التي تتّخذها الفروع الوطنية، لكن من الناحية التاريخية، انتهت معظم محاولات التدخّل في الشؤون المحلية بحدوث انقسامات وانشقاقات. ولذلك لاتزال القيادة الدولية ضعيفة، ويبدو أنها تعمل في الغالب بمثابة منبر للنقاش وهيئة تنسيقية للجماعات الوطنية، أياً كانت صلاحياتها الدستورية.

العضوية والتمويل في جماعة الإخوان السورية

قبل الانتفاضة السورية، كانت جماعة الإخوان المسلمين تعتبر، عموماً، أكبر الجماعات السورية المعارضة وأفضلها من حيث التمويل.

يبلغ عدد الأعضاء العاملين في الجماعة آلاف عدّة على الأقل، مع أنهم كانوا جميعاً تقريباً في المنفى. (يدعّي العضو في قيادة الإخوان، ملهم الدروبي، أن عدد الأعضاء في خانة “خمسة أرقام”، ولكن من المستحيل تأكيد هذا الادّعاء).1 جماعة الإخوان المسلمين لديها فرع للأعضاء من الإناث، حتى أن بعضهن يخدمن في الهيئات القيادية، ولكن التأثير العام للمرأة على التنظيم لايكاد يذكر.

تعتبر جماعة الإخوان نفسها تنظيماً طليعياً وتعتمد على كادر يتم قبول أفراده في صفوفها بصورة انتقائية بدلاً من العضوية الشعبية الواسعة. يخضع المتقدّمون إلى عملية قبول مطوّلة يجب خلالها أولاً أن يتم ترشيحه عن طريق اثنين من الأعضاء، ومن ثم تتم الموافقة على قبوله بواسطة فرع الإخوان المحلي ليتدرّج إلى العضوية التجريبية. ومن ثمَّ، وبناءً على أدائهم، تقبلهم القيادة المركزية أو ترفضهم كأعضاء كاملي العضوية.

ثمة ثلاثة أنواع من العضوية، من أدنى رتبة تجريبية (نصير) إلى العضوية العاملة (عضو عامل) إلى المستوى الأعلى (نقيب).2  ويتم تنظيم الأعضاء في خلايا متماسكة تتصرّف بناءً على أوامر تنتقل من المستوى الأعلى إلى المستوى الأدنى.

يدفع آلاف النشطاء رسوم العضوية السنوية، وتوفّر التبرّعات دعماً إضافياً. ولأعضاء التنظيم صلات مع العديد من العائلات التجارية السورية السنّية الثريّة في الخليج، ويمكنه أيضاً الاعتماد على المساهمات المقدّمة من الجمعيات الخيرية الدينية وشبكات المساجد، التي تجمع المال لمنظمات الإغاثة والمشاريع المرتبطة بالإخوان.

ويبدو أن بعض الحكومات أيضاً تدعم جماعة الإخوان المسلمين. إذ يستضيف حزب العدالة والتنمية الإسلامي الحاكم في تركيا بعض قادة جماعة الإخوان المسلمين السورية في المنفى، وقد ساعدها بتكتّم في تنظيم المؤتمرات. ويبدو أيضاً أن جماعة الإخوان تتمتّع بدعم من حكومة قطر، التي برزت بوصفها راعياً مهماً للحركة الإخوانية الدولية. منذ العام 2011، فازت الأحزاب السياسية المتعاطفة مع الجماعة بالسلطة في مصر وتونس والمغرب، ولكن ليس معروفاً بعد إلى أي مدى قد تساعد هذه الأحزاب جماعة الإخوان السورية.

في مقابلة أجريت معه في كانون الثاني/يناير2013، نفى الشقفة أن تكون جماعة الإخوان تتمتّع بدعم من دول. وقال: “أنا مستعدّ لأن أقسم على القرآن أننا لم نتلقّ دولاراً واحداً من أي دولة عربية أو أوروبية. نحن ندفع للثورة من جيوبنا الخاصة، ومن جيوب بعض المتعاطفين من الشعوب العربية والإسلامية”،3  لكن غالباً مايكون من الصعب التمييز بين “المتعاطفين” الأفراد والدعم الرسمي، في دول الخليج على سبيل المثال، حيث يتمتّع العديد من رجال الأعمال والمؤسّسات الدينية برعاية الدولة ويعملون كوكلاء للحكومة.

المؤسّسات الداخلية

هناك مجموعة من المؤسّسات المنتخبة التي تنظّم عمل جماعة الإخوان المسلمين السورية، ولها مجلس شورى يصدر التشريعات الداخلية، ويرأس المراقب العام السلطة التنفيذية، فيما تقرّ محكمة عليا النظام الداخلي. ويقول المتحدث باسم جماعة الإخوان زهير سالم: “يجب أن تدرك أننا كنا، منذ نشوئنا، الطرف الأكثر ديمقراطية”. ويضيف: “يتم انتخاب كل شخص ومؤسّسة، وهم يقدمون التقارير ويخضعون إلى المساءلة. إنها نوع من الدويلة، لها محكمتها الخاصة، وهلمّ جراً. وقد بقيت مؤسّساتنا الثلاث، مع بعض التغييرات، رغم حقيقة أننا لاجئون منذ الثمانينيات”.4

مجلس الشورى في الجماعة هو أعلى سلطة. ويتم اختيار أعضائه من مجموع الأعضاء الرئيسيين، ويرأسه عالم إسلامي يتمتّع بالاحترام. قلّما يجتمع مجلس الشورى، وهو يلعب دور برلمان داخلي مكلَّف بإقرار الموازنات والبرامج السياسية والخطط. كما ينتخب بعض المسؤولين. وقد شهدت الانتخابات الداخلية التي أجريت في العام 2010 حلول محمد حاتم الطبشي محلّ منير الغضبان رئيساً لمجلس الشورى.

المراقب العام هو زعيم جماعة الإخوان المسلمين السورية. يتم انتخابه من جانب مجلس الشورى لمدة أربع سنوات، قابلة للتجديد مرتين (حتى العام 2002، كانت الولاية لمدة خمس سنوات). في انتخابات العام 2010، ومع أن الأعضاء المولودين في حلب احتفظوا بنحو ربع المقاعد في مجلس الشورى، فاز فصيل حماة وحلفاؤه بالأغلبية، وخلف محمد رياض الشقفة علي صدر الدين البيانوني كزعيم لجماعة الإخوان السورية. ولدى الشقفة حالياً خمسة نواب، بمن فيهم البيانوني وابن حماة محمد فاروق طيفور. والواقع أن الكثيرين يشيرون إلى طيفور باعتباره الرجل القوي الحقيقي في القيادة الحالية.

بعد انتخابه، يرشّح المراقب العام لجماعة الإخوان القيادة بانتظار أن يوافق عليها مجلس الشورى. ويرأس القيادة المراقب العام نفسه، وهي تعمل كجهاز تنفيذي للجماعة. تنقسم القيادة إلى مكتب سياسي ومكتب إداري ومكتب للتربية. في العام 2012، كان في القيادة سبعة عشر عضواً، اثنان منهم من النساء.

كما ينتخب مجلس الشورى المحكمة العليا، والمخّولة باتّخاذ إجراءات تأديبية بحقّ الأعضاء، بما في ذلك المراقب العام والقيادة.

من الصعب معرفة إلى أي مدى كانت جماعة الإخوان قادرة على الحفاظ على هيكلها الداخلي خلال فترة المنفى، بيد أنها تحافظ على مستوى هائل من الانضباط الخارجي بالمقارنة مع غيرها من فصائل المعارضة السورية.

شبكة تحالفات غير رسمية

ساعدت ثقافة السرّية والولاء المطلق للقيادة جماعة الإخوان على البقاء على قيد الحياة على مدى ستّة عقود من السياسة السورية. وهي أشبه، في نواح كثيرة، بجمعية سرّية منها بحزب سياسي. إذ يبذل أتباعها عادة جهوداً مضنية لإخفاء عضويتهم، وتشتهر جماعة الإخوان باختراق الحركات الأخرى وإنشاء مجموعات واجهة. وقد برعت في فن السياسة غير الرسمية وتسعى بشكل روتيني إلى حشد الأشخاص من غير الأعضاء لصالح قضاياها من خلال شبكات المساجد والعلاقات العائلية والمنظمات الخيرية، بينما تبقى الجماعة قوة غير مرئيّة في الخلفية.

غالباً مايشكّل أنصار جماعة الإخوان فصائل خفيّة داخل التنظيمات الكبيرة، والتي يهيمنون عليها من خلال التصويت ككتلة واحدة في حين، وعلى عكس الإخوان، تشتّت الجماعات المنافسة والمستقلّون جهودهم. ويقول أحد المنفيين السوريين الذي واجه الإخوان بينما كان يعمل مع المقاومة المسلحة: “عندما يكون هناك مشروع، فإنهم يعبّرون دائماً عن خطّهم الرسمي”. ويضيف: “تسمع الرسالة نفسها من كل هؤلاء الأفراد حتى عندما يقولون إنهم ليسوا أعضاء في جماعة الإخوان. في بعض الأحيان، يمكنك أن تعرف أن شخصاً ما عضو في جماعة الإخوان فقط لأنك تدرك مايقوله من خلال ماكنت قد سمعت أعضاء الجماعة يقولونه في وقت سابق”.5

بعض المجموعات الواجهة الإخوانية معروفة. فقد رصدت اللجنة السورية لحقوق الإنسان، تحت أسماء مختلفة، انتهاكات نظام الأسد منذ العام 1986. وقاد وليد سفور، الذي عيّنه الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية مؤخراً سفيراً لدى المملكة المتحدة، المجموعة منذ العام 2004. 6

يرأس الشيخ محمد علي الصابوني رابطة العلماء السوريين، وهو مرجع معروف دولياً في علوم القرآن، وتضم الرابطة علماء الدين المؤيدين للإخوان. بعض هؤلاء شخصيات إخوانية معروفة، غير أن الرابطة ليست مجرّد أداة بيد جماعة الإخوان. وفقاً لتوماس بييريه، المتخصّص في الإسلام السياسي السوري في جامعة إدنبره، أدلت الرابطة بعدد من التصريحات بشأن المسائل السياسية قبل الثورة لكنها اتّخذت منذ ذلك الحين دوراً سياسياً أكبر. 7

يُشتبَه بأن تكون منظمة “وطن”، الجديدة نسبياً والمسجلة في المملكة المتحدة، مجموعة واجهة أخرى لجماعة الإخوان. وهي بمثابة مظلّة لمنظمات عدّة غير حكومية، كل واحدة منها متخصّصة في مجال معين، مثل المساعدات الإنسانية والتمويل والإعلام. ويقال إن “وطن” تشارك في تجنيد العمالة الوافدة السورية، ولاسيّما من الأسر المرتبطة تاريخياً بجماعة الإخوان المسلمين. ويقول مالك العبده، وهو صحافي بريطاني من أصل سوري لديه فكرة جيدة عن السياسة الإسلامية، “إنها مسألة رعاية”، مضيفاً، “ما يفعلونه هو أنهم يجدّدون منظمتهم للإمساك بالناس، الشباب منهم، الذين سيتمكّنون من وضعهم في الجيش وفي الوزارات وفي الشوارع بعد سقوط النظام”. 8 ومع ذلك، تدّعي “وطن” أنها منظمة غير سياسية تماماً”.

تخدم مثل هذه الجماعات أغراضاً محدّدة بشكل مستقلّ عن جماعة الإخوان المسلمين، لكن أيديولوجيتها المشتركة وعضويتها تسمح لها بتبادل الموارد ودعم بعضها بعضاً في المحافل الكبيرة. على سبيل المثال، وعندما اجتمعت 24 جماعة إسلامية لتشكل تحالفاً، في القاهرة في خريف العام 2012، أرسلت جماعة الإخوان ورابطة العلماء السوريين وفوداً. وانتُخِب أحد أعضاء المجموعة الأخيرة رئيساً لمجلس شورى التحالف الجديد.

من خلال إخفاء نفسها في هذه الشبكة من التحالفات غير الرسمية، تعرّض جماعة الإخوان، وبصورة متناقضة، عملية اتّخاذ القرارات إلى التأثيرات الخارجية. فالدعم القائم على المعرفة الشخصية، أو الصلات التنظيمية غير الإخوانية، أو الروابط الأسرية، لن يمكّن جميع الأعضاء على قدم المساواة. كما أن الموارد التي يجلبها قد تُستَغل في الصراعات الداخلية على السلطة. على سبيل المثال، كان الصابوني ومؤسّسون آخرون لرابطة العلماء السوريين مرتبطين بما يسمّى فصيل حلب داخل جماعة الإخوان. 9

خلال النزاع الحالي، اتّبعت جماعة الإخوان نمطاً مماثلا وسعت إلى بسط نفوذها من خلال العلاقات غير الرسمية والأنشطة التي تتم خلف الكواليس، لكنها تسعى جاهدة إلى مواكبة الأحداث على الأرض.

انتفاضة آذار/مارس 2011

خلق اندلاع الثورة السورية مجموعة جديدة كاملة من التحدّيات والفرص لجماعة الإخوان المسلمين التي كان لها عدد قليل جداً من الأعضاء على الأرض داخل سورية، ولكنها كانت تشكّل قوة قوية على الساحة المعارضة في المنفى. منذ ذلك الحين، كانت استراتيجيتها في معظمها تفاعليّة وتقوم على ردّ الفعل، مايعكس حقيقة أن جماعة الإخوان المسلمين تفتقر إلى أي قدرة على السيطرة على الأحداث على الأرض. ويبدو أن الجماعة تراهن على العمل مع العديد من جماعات المعارضة المختلفة، في محاولة لاستمالة أكبر عدد ممكن منها، في حين تغازل أيضاً صنّاع السياسة الغربيين والعرب.

في بداية الانتفاضة، بدا أن جماعة الإخوان متردّدة في الانخراط في الصراع. وربما كان هذا يعكس الشكوك حول حظوظ الانتفاضة من النجاح، وإدراكاً لضعف جماعة الإخوان داخل سورية، واختياراً متعمّداً لعدم لفت الأنظار في حين كان النظام يحاول تصوير الثورة على أنها بقيادة الإسلاميين.

وراء الكواليس، تبنّت جماعة الإخوان موقفاً أكثر نشاطاً، وأطلقت العنان للمتعاطفين معها والموالين لها للانخراط في الحركة الثورية المتنامية. وأيّدت بعض مؤتمرات معارضة المنفى في ربيع وصيف العام 2011. كما لعب النشطاء المرتبطون بجماعة الإخوان دوراً رائداً في إنشاء شبكات إعلامية مؤثّرة، مثل صفحة فيسبوك الثورة السورية 2011، ماساعد على ضبط اللهجة في الأيام الأولى للانتفاضة. لايزال هذا الموقع، الذي بدأ في شباط/فبراير 2011، من بين المواقع الثورية الأكثر قراءة على نطاق واسع، وهو مسؤول عن اختيار شعارات مظاهرات الجمعة في سورية. ومع أن الصفحة مستقلّة رسمياً، تضم الشبكة التي تتولّى إدارة الصفحة عدداً من أنصار جماعة الإخوان المسلمين السورية. 10

أيديولوجياً، التزمت جماعة الإخوان حتى الآن برسالة إسلامية معتدلة، على الرغم من اللهجة الطائفية والراديكالية المتزايدة للخطاب الثوري في سورية. وعلى امتداد الانتفاضة حاولت جماعة الإخوان على الدوام التأكيد على اعتدالها وتسامحها وبراغماتيتها لطمأنة حلفاء المعارضة والحكومات الأجنبية والأقليّات الدينية في سورية. وقد فعلت ذلك حتى على حساب بعض الدعم الإسلامي المتشدّد مميّزة نفسها بوضوح عن الفصائل السلفية المتشدّدة التي تتكاثر داخل حركة التمرّد المسلح.

امتنعت جماعة الإخوان عن الدعوة الى استقالة بشار الأسد إلى أن اتّضح تماماً أن الشارع الثوري السنّي لايطالب بما هو أقلّ من تغيير النظام من الجذور. وبدلاً من الدعوة إلى قيام دولة دينية إسلامية، روّجت الجماعة لمفهوم غامض عن “الدولة المدنية”. وقد تبنّى العلمانيون والإسلاميون المعتدلون في سورية وبلدان أخرى مثل مصر هذه الصيغة كحلّ عملي وسط.

فيآذار/مارس 2012، أصدرت جماعة الإخوان برنامجاً سياسياً يدعم حقوق الأقليّات والديمقراطية التعدّدية. لقي البرنامج قبولاً حسناً من المعارضة والعواصم الغربية، مع أنه لم يكن، بالمعنى الدقيق للكلمة، خبراً جديداً. إذ كانت جماعة الإخوان المسلمين السورية اتّخذت مواقف مماثلة لسنوات، حيث تم التطرّق إلى الكثير منها بوضوح في البرنامج السياسي لعام 2004. 11

بيد أن هناك العديد من الانقسامات التي تكمن وراء هذه الجبهة المتجانسة. فالخلافات تتجاوز الأيديولوجيا وتشمل الاختلافات بين الأجيال والفجوة بين المعارضة الخارجية والداخلية، وهو مايضعف جاذبية التنظيم في نظر الجماهير في سورية.

كان معظم الأعضاء البارزين في جماعة الإخوان في الستينيات أو السبعينيات من أعمارهم عندما بدأت الثورة ولم تطأ أقدامهم سورية لأكثر من ثلاثين عاماً. تم تعيين البيانوني الذي يبلغ الثالثة والسبعين في منصب نائب المراقب العام لجماعة الاخوان المسلمين لأول مرة في العام 1977 وذهب إلى المنفى بعد عامين. ويبلغ خليفته، محمد رياض الشقفة، التاسعة والستين وقد غادر سورية في العام 1980. وفي بلد فيه اثنان من كل ثلاثة أشخاص تحت سن الثلاثين، تعتبر هذه فجوة عمريّة خطيرة.

يقول أحد الناشطين السوريين الشباب المتعاطف بشكل كبير مع جماعة الإخوان: “لقد هرموا جداً”. ترتبط عائلة هذا الناشط بشكل وثيق بالجماعة، لكنه اختار عدم الانضمام إليها. ويقول: “بصراحة، جماعة الإخوان المسلمين في سورية هي نادٍ للمتقاعدين… أنا نفسي يمكن أن أُعتبَر جزءاً من الجيل الثاني أو حتى الثالث من عائلات الإخوان، لكني نشأت خارج سورية، لذلك ليس لديّ الولاء نفسه للجماعة. وأنا لست وحيداً فهناك الآلاف منّا”.

وقد أدّت هذا الفجوة بين الأجيال إلى شعور العديد من الإسلاميين السوريين الشباب بأنهم مُستبعَدون من جماعة الإخوان كتنظيم. ويشكو ناشط قائلاً: “قد نعرف أكثر مما يعرفون عن أشياء كثيرة، لكن من الصعب جداً أن أصبح واحداً منهم”. وبدوره، أصبح الجيل الأكبر سنّاً منفصلاً عن الحقائق على أرض الواقع. ويضيف الناشط: “عندما يتحدثون عن سورية، فهم يفكرون بسورية قبل ثلاثين عاماً. أعتقد أنهم بدأوا أخيراً يدركون هذا الآن… لكني لم أَرَ أي خطوات حقيقية لمعالجة المشكلة”.

اعتماداً على خبرته بمجتمع الإخوان في المنفى، يصف الناشط الشاب فجوة الأجيال التي تلوح في الأفق قائلاً: “الأشخاص الذين نشأوا في سورية… لم يسمعوا شيئاً عن الإخوان طوال هذا الوقت وإذا ماسمعوا شيئاً، فقد كان سلبياً للغاية، حيث كان ذلك دعاية حكومية. وفي غضون خمس أو عشر سنوات من الآن، ستصبح هذه مشكلة كبيرة. الأمر لايشبه مايحدث في مصر، حيث كانت جماعة الإخوان موجودة دائماً على الأرض على الرغم من القمع، ويمكنها أن تستمرّ في تجنيد أعضاء جدد”. 12

ممارسة التأثير في المنفى

تمكّنت جماعة الإخوان المسلمين، على الرغم من الانقسامات الداخلية والانشقاقات، من الاستفادة من حضورها القوي في مجتمع اللاجئين السوريين، وصلاتها مع الدول المؤيّدة للمعارضة مثل تركيا وقطر، للحصول على دور محوري في التحالفات البارزة لمعارضة المنفى، بما في ذلك المجلس الوطني السوري والائتلاف الوطني. وتنبع نجاحاتها من المرونة السياسية لجماعة الإخوان المسلمين والطبيعة الضعيفة وغير المنظّمة للجماعات العلمانية والإسلامية المنافسة في الشتات.

مجموعة العمل الوطني من أجل سورية

في أوائل العام 2011، أنشأت مجموعة من أعضاء جماعة الإخوان الشباب المرتبطة بفصيل حلب حركة سياسية أطلقت عليها “مجموعة العمل الوطني من أجل سورية”. كانت المجموعة بقيادة أحمد رمضان، وهو رجل أعمال غير معروف وناشط مؤيّد للفلسطينيين. وضمّت قائمة الأعضاء المؤسّسين أيضاً الحليف المقرّب من البيانوني عبيدة نحاس.

في حين كانت قيادة الإخوان الرسمية متردّدة في بدايات الثورة، مضت مجموعة العمل الوطني على الفور إلى بناء التحالفات. وقد لعبت دوراً رائداً في إنشاء المجلس الوطني السوري في أيلول/سبتمبر 2011، وانتخب أحمد رمضان لعضوية المكتب التنفيذي في المجلس. وسرعان ماصار يعتبر واحداً من أعضائه الأكثر نفوذاً.

احتار نشطاء المعارضة في البداية بسبب صعود رمضان السريع، مع أن الكثيرين افترضوا في نهاية المطاف أنه تصرّف كوكيل للبيانوني. وينظر البعض إلى مساعيه لتنظيم المعارضة في المنفى في سياق السياسة الداخلية لجماعة الإخوان، معتبرين أنها تمثّل وسيلة الحلبيين للتكبّر على منافسيهم من حماة. ويشتبه البعض في أن كتلة رمضان من المستقلّين كانت مجرّد حصان طروادة بالنسبة إلى الإخوان في المجلس الوطني السوري.

ويرى آخرون أن وجهة النظر تلك تآمرية للغاية. ويقول رافائيل لوفيفر، مؤلف “رماد حماة”، وهو كتاب عن جماعة الإخوان المسلمين السورية: “لا أتّفق مع الذين يقولون إن [أحمد رمضان] يمثّل البيانوني وبقية فصيل حلب”. ويضيف: “رمضان رجل طموح يتمتّع بتأييد قوي”. ويوضح لوفيفر، الذي يشير إلى أن هناك “قدراً كبيراً من الاستياء” داخل جماعة الإخوان بشأن الصعود الصاروخي لرمضان داخل المعارضة. وكان إنشاء مجموعة العمل الوطنية “مجرّد انشقاق للسياسيين الشباب الطموحين الذين يشعرون بالمرارة تجاه التنظيم، لأنه لم يوفّر لهم مايكفي من الظهور خلال فترة تولّي البيانوني زعامة الجماعة وسيطرة فصيل حماة عليها في تموز/يوليو 2010″. ووفقاً لما يقوله لوفيفر، “لاتزال العلاقات الشخصية تلعب دوراً في بعض أجزاء جماعة الإخوان المسلمين ولكن الأمر مختلف من الناحيتين الفكرية والتنظيمية”. 13

يتفق عبدالرحمن الحاج، عضو المجلس الوطني السوري والخبير في الإسلام السياسي السوري، مع هذا الرأي تقريباً، حيث يقول: “كان هؤلاء الشباب أعضاء في تنظيم قديم جداً. وإذا أرادوا أن يكونوا قادة في هذا التنظيم، فإن ذلك سيستغرق وقتاً طويلاً جداً. هم لم يرغبوا في الانتظار، ولذلك قرّروا إنشاء تنظيم جديد واقتناص فرصهم في هذه اللحظة التاريخية بالنسبة إلى سورية”. 14

يبدو واضحاً أن جماعة رمضان تتمتّع بعلاقات جيدة مع البيانوني، ولكن يصعب العثور على أي صلات تنظيمية أخرى لها مع جماعة الإخوان. لابل تدّعي بعض المصادر أن مؤسّسي مجموعة العمل الوطني طُرِدت من جماعة الإخوان في أيار/مايو 2011، لكن عبيدة نحاس ينفي هذا، قائلاً إنه لايزال عضواً في جماعة الإخوان مع إقراره بأن ثمّة خلافات بينه وبين القيادة الحالية. 15

في بداية العام 2013، بدا أن فصيل رمضان في المنفى والذي كان فعّالاً بشكل مذهل في السابق قد فقد بعضاً من زخمه. فهو لايزال يتمتّع بنفوذ في المجلس الوطني السوري، لكنه لايتمتّع بالمستوى نفسه من التمثيل داخل إطار المعارضة الذي خَلَفه، الائتلاف الوطني. وينظر إليه عموماً على أنه فشل في الحصول على موطئ قدم بين الثوار داخل سورية. 16

المجلس الوطني السوري

في أيلول/سبتمبر 2011، دعت قيادة جماعة الإخوان إلى اجتماع نادر موسّع لمجلس الشورى لتقرير ما إذا كان التنظيم سيدخل في عضوية المجلس الوطني السوري أو الانضمام إلى مشروع وحدة منافس جنباً إلى جنب مع جماعات المعارضة العلمانية اليسارية في قطر. اختارت جماعة الإخوان المجلس الوطني السوري، والذي عقد مؤتمراً صحافياً يوم 8 تشرين الأول/أكتوبر 2011، للإعلان عن هيكله النهائي وقيادته.

حاولت جماعة الإخوان البقاء بعيدة عن الأضواء، وهو الأمر الذي حافظت عليه طوال الثورة حتى بعد انضمامها إلى المجلس الوطني السوري. وبدلاً من طرح مرشحها، أيّدت الجماعة سلسلة من اليساريين العلمانيين لتولّي منصب رئيس المجلس الوطني السوري: برهان غليون (تشرين الأول/أكتوبر 2011 إلى أيار/مايو 2012)، وعبدالباسط سيدا (أيار/مايو – تشرين الثاني/نوفمبر 2012)، وجورج صبرا (منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2012).

لم تبذل جماعة الإخوان أي جهد واضح يهدف إلى “أسلمة” البرنامج السياسي الأولي للمجلس الوطني السوري، كما سمحت للعلمانيين باستقطاب معظم اهتمام وسائل الإعلام. ولم تقصّر الجماعة قطّ في أن تشير إلى أنها ليست سوى فصيل صغير، وبأن تمثيلها أقلّ بكثير من أعدادها في مجتمع المنفى. ففي أيلول/سبتمبر 2012 قال طريف السيد عيسى العضو في جماعة الإخوان والمجلس الوطني السوري، “نحن لسنا أكبر مجموعة داخل المجلس الوطني السوري”. وأضاف: “ليس لدينا سوى عشرين مقعداً في المجلس الوطني السوري [الجمعية العمومية]، ومقعد واحد في المكتب التنفيذي، وستة أو سبعة مقاعد في الأمانة العامة”. 17 وحتى عندما أضيف أتباع أحمد رمضان، وإخوانيون مختلفون منغلقون على أنفسهم، وإسلاميون آخرون إلى مجموع مقاعد جماعة الإخوان، لم يكن بوسع الجماعة أن تدّعي وجود أغلبية لها من بين أكثر من 300 من أعضاء الجمعية العمومية للمجلس الوطني السوري.

ولكن نادراً ما انعقدت الجمعية العامة للمجلس. والواقع أن السلطة الحقيقية هي في يد الأمانة العامة للمجلس الوطني المؤلفة من 35-50 عضواً، وبخاصة المكتب التنفيذي، الذي يتألّف من حوالى عشرة أعضاء. في هذه الأجهزة الرئيسة، كانت جماعة الإخوان أقوى بكثير مما تشير إليه الأرقام الرسمية. فقد استفادت من المستقلّين المرتبطين بالإخوان ومتعاطفين آخرين من الإسلاميين، وكذلك الحلفاء العلمانيين الذين دخلوا المجلس بأصوات من الكتلة الإخوانية. لايمكن لجماعة الإخوان أن تعوّل على كل صوت يسير على نهجها، حتى في المكتب التنفيذي، ولكن كان واضحاً أنها الفصيل الأكثر نفوذاً داخل المجلس. فقد سيطرت بسرعة على مكتبي الشؤون العسكرية والمساعدات الإنسانية في المجلس، اللذين تلقّيا معظم الأموال المقدّمة إلى المعارضة.

كما استغلّت جماعة الإخوان الشبكات الخاصة بها لتعزيز المجلس الوطني السوري. وساعدت، من بين أمور أخرى، في ترتيب المؤتمرات الدينية والفتاوى لصالح المجلس، وروّجت للجماعة من خلال قنواتها الإعلامية وتنظيمات الواجهة.

أثبتت شبكة الاخوان المسلمين العالمية أنها ذات فائدة كذلك. فقد كان التأثير الإخواني واضحاً في الموقف القوي المؤيّد للمجلس الوطني السوري الذي اتّخذته قطر. في السنوات الأخيرة، برزت قطر باعتبارها الراعي الرئيس لحركة الإخوان الدولية، وهي إلى ذلك مقرّ إقامة يوسف القرضاوي، وهو عالم دين إسلامي يعتبر المؤيّد الأكثر تأثيراً للإسلام السياسي على الطريقة الإخوانية. وربما يسّرت جماعة الإخوان أيضاً تبرعاً بمبلغ 20 مليون دولار من الحكومة الليبية في خريف العام 2012 وهو مايمثّل نصف التدفقات النقدية المتراكمة الخاصة بالمجلس الوطني منذ إنشائه. وكان الشخص الذي وقّع على القرار هو الليبي مصطفى أبو شاغور، الذي صادف في ذلك الوقت أنه كان مرشّح جماعة الإخوان المسلمين الليبية لمنصب رئيس الوزراء. 18

في تشرين الثاني/نوفمبر 2012، أعيد تشكيل المجلس الوطني السوري وتوسيعه ليضم أكثر من 400 عضو. وقد عزّزت الانتخابات الداخلية التي عقدت في الدوحة هيمنة الإسلاميين في الأمانة العامة للمجلس الوطني وفي المجلس التنفيذي. وانتُخِب المسيحي الماركسي جورج صبرا رئيساً للمجلس، لكنه يملك سلطة مستقلّة محدودة. كما انتُخِب محمد فاروق طيفور، من جماعة الإخوان المسلمين، نائباً له.

الائتلاف الوطني

بعد انتخابات الدوحة مباشرة، وافق المجلس الوطني السوري على مضض على الدخول في تحالف آخر، هو الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية. تأسّس الائتلاف الوطني بعد ضغوط مكثّفة من قطر والولايات المتحدة، اللتان كانتا قد فقدتا ثقتهما بالمجلس الوطني ورغبتا في إعادة هيكلة قيادة المنفى لتمهيد الطريق لتشكيل حكومة في المنفى. ويبدو واضحاً أن بعض مخاوف الولايات المتحدة بشأن المجلس الوطني تركّزت على النفوذ الكبير جداً لجماعة الإخوان المسلمين.

لم يلقَ إنشاء الائتلاف الوطني ترحيباً من جانب الإخوان. ففي كانون الأول/ديسمبر 2012، أدان رياض الشقفة التدخّل الغربي، قائلاً إن المناورات التي تهدف إلى تهميش الإخوان ستبوء بالفشل. 19

صُوِّر الائتلاف الوطني بوصفه صفقة جديدة، لكن عضويته لاتختلف جوهرياً عن عضوية المجلس الوطني. والواقع أنه تم تخصيص 22 مقعداً لأعضاء المجلس الوطني من المقاعد الأصلية الـ63 في الائتلاف الوطني (يوجد الآن 71 مقعداً). في الحقيقة، الرقم أعلى من ذلك لأن العديد من الأعضاء الحاليين أو السابقين في المجلس الوطني يحتلون مقاعد بصفات ومؤهّلات أخرى. ولاتزال جماعات تابعة للمجلس تهيمن على قائمة الائتلاف.

جماعة الإخوان المسلمين ممثّلة بشكل معقول داخل الكتلة التي نتجت عن حصة المجلس الوطني وخارجها. على سبيل المثال، دخل البيانوني الآن، وهو الذي لم يشغل مقعداً قطّ في المجلس الوطني، في عضوية الائتلاف الوطني كمستقلّ. ومع ذلك، أُعيدَت جماعة الإخوان إلى حجمها الحقيقي. فليس لديها أي عضو في قيادة الائتلاف (مع أن حليفها جورج صبرا، رئيس المجلس الوطني السوري، هو نائب رئيس الائتلاف)، ولايمكنها السيطرة بسهولة على الجمعية بشكل كامل.

هذا لايعني أن دور الإسلاميين قد تقلّص، بل على العكس تماماً. فرئيس الائتلاف الوطني السابق معاذ الخطيب داعية إسلامي مقرّب من التيار الإخواني الدمشقي، لكنه لاينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين الرسمية.

أدّى إنشاء الائتلاف الوطني في البداية إلى تقليص دور الإخوان المسلمين في معارضة المنفى، لكن الجماعة لم تُهزَم. إذ يبقى المجلس الوطني السوري الذي يسيطر عليه الإخوان فعّالاً بشكل منفصل، حتى وهو يشكّل جزءاً من الائتلاف الوطني، وبالتالي فهو يضعف صدارة قيادة الائتلاف من حيث الأهمية. وعندما أشار معاذ الخطيب إلى أنه مستعد للتفاوض مع النظام في كانون الثاني/يناير 2013، حاول جورج صبرا على الفور، متحدثاً باسم المجلس الوطني السوري، إفشال المبادرة بتصريح مضاد.

في آذار/مارس 2013، عَيَّن الائتلاف الوطني المواطن الأميركي المقيم في تكساس غسان هيتو رئيساً لوزراء حكومة المعارضة السورية في المنفى. ولايعرف عن هيتو، وهو إسلامي معتدل كان قد قال علناً إنه يعارض المفاوضات مع الأسد، أنه عضو في أي حزب معارض، لكنه انتخب بالأصوات التي حشدتها جماعة الإخوان المسلمين وحلفاؤها. وثمّة مزاعم بأن حكومة قطر – وهي الراعي الرئيس للائتلاف الوطني – دفعت الأعضاء أيضاً للتصويت لهيتو، وذلك تمشّيا مع سياستها الخارجية الودّية تجاه الإخوان. وبدا أن دور الإخوان في انتخاب هيتو يشير إلى عودة الجماعة إلى داخل مجتمع المنفى، ويرجع ذلك إلى حدّ كبير إلى عدم وجود قوة مضادّة منظّمة.

تسبّب تعيين هيتو في حدوث انشقاق كبير داخل الائتلاف الوطني. استقال أعضاء بارزون عدة أو “جمّدوا” عضويتهم، بما في ذلك معاذ الخطيب، الذي كان يعارض تشكيل حكومة في المنفى. كانت أسباب سخطهم متنوّعة، لكن بعضهم هاجم الإخوان وقطر علناً. تراجع بعض هؤلاء المنشقين في نهاية المطاف عن استقالاتهم، لكن هيتو فشل في تأمين دعم كبار قادة المتمردين داخل سورية، وبقي موقفه غير مستقرّ حتى منتصف نيسان/أبريل 2013.

محاولة التأثير على الأحداث على الأرض

كرّست جماعة الإخوان المسلمين لنفسها دوراً محورياً في معارضة المنفى، لكنها وجدت صعوبة أكبر في ممارسة نفوذ في سورية نفسها. إذ تأثّرت استجابة التنظيم للانتفاضة السورية بحقيقة أنه يفتقر إلى وجود قاعدة منظّمة داخل البلاد. ولذا فقد واصل أساليبه السرية، وعمل وراء الكواليس لإيجاد مجندين جدد وتمويل الجماعات المسلحة. واعتمد الإخوانيون بشكل كبير على استراتيجيتهم المتمثّلة في شراء الولاء، ومحاولة تمكين الحلفاء والأقارب في سورية من خلال الدعم المالي والسياسي المستهدف. ومع ذلك، قوّض الصعود السريع للفصائل السلفيّة المتشدّدة والمستقلة محاولات الإخوان لإعادة بناء قاعدة نشطاء داخل البلاد.

إشراك الثوار داخل سورية

منذ ربيع العام 2011، اتّبعت جماعة الإخوان السورية استراتيجية ذات أربعة محاور لتنشيط الحركة الإخوانية داخل سورية. أولاً، تدعم جماعة الإخوان بسخاء الأشخاص من غير الأعضاء في محاولة لكسب حلفاء ومصادر معلومات في الحركة الثورية. ثانياً، تعمل الجماعة على إحياء الشبكات القديمة، وذلك باستخدام الروابط الأسرية، وتعبئة الأسر الإخوانية السابقة. ثالثاً، تشتري ولاء القادة الرئيسيين والقادة المحليين. رابعاً، تستغل جماعة الإخوان قوتها في المعارضة الخارجية للسيطرة على المجموعات الداخلية.

في مقابلة أجريت معه في العام 2009، حدّد البيانوني، الذي كان يومها على رأس جماعة الإخوان، ثلاثة أنواع من أنصار الإخوان الذين ظلوا داخل سورية:

“هناك الأشخاص الذين سجنوا ولكن أطلق سراحهم. هم ليسوا كثيرين وعددهم لايزيد عن سبعة آلاف. إنهم موجودون، لكنهم يعيشون في ظل ظروف صعبة، وتتم مراقبتهم باستمرار من جانب الأجهزة الأمنية… وهناك أيضاً مجموعة لم يتم اكتشافها أبداً، وهي تنظيم سري. لقد ظلوا مخفيين كل هذا الوقت ولم تكتشفهم الأجهزة الأمنية أبداً. أما المجموعة الثالثة، والتي هي جديدة، فتصف نفسها بأنها جزء من [الإخوان]، ولكن ليس لدينا علاقات تنظيمية معهم. وهذه هي أكبر مجموعة”.

وفقاً للبيانوني، فقد امتنعت قيادته في المنفى عن محاولة إعادة تنظيم هؤلاء الإخوانيين لتجنّب تعريض حياتهم إلى الخطر، لكنها احتفظت بأسمائهم وأرقامهم. 20

ووفقاً لما قاله أحد ممثلي جماعة الإخوان، الذي تمت مقابلته في أوائل خريف 2012، فإن “جماعة الإخوان المسلمين تدعم الثورة السورية بلا تحفّظ، ولكن ليس لدينا مجموعات داخل سورية”. 21 ولعل هذا يبدو صحيحاً بالمعنى الأضيق، غير أن أعضاء جماعة الإخوان ينشطون بالتأكيد في العديد من الجماعات والمجتمعات المحلية، إلى درجة الهيمنة على بعضها. ومع ذلك، يتجنّب التنظيم الأضواء عموماً، مفضّلاً أن يستمر كسلطة مهيمنة في الخلفية.

حدّدت جماعة الإخوان بسرعة عائلات الأعضاء السابقين بوصفها أخصب تربة للتجنيد. أرسلت مبعوثين ورسائل لتجنيد الأعضاء السابقين وأسرهم، بما في ذلك العديد من الذين انضموا الى الثورة للانتقام لمقتل آبائهم الذين قاتلوا في صفوف الإخوان في ثمانينيات القرن المنصرم. وفي حين تدعم جماعة الإخوان في بعض الأوقات الجماعات المدنية اعتماداً على التوافق السياسي فقط، فإنها تفضّل العلاقات العائلية عندما يتعلق الأمر بدعم الحركات المسلحة. 22

ووفقاً لعبدالرحمن الحاج، فقد شكّلت المشاكل الداخلية لجماعة الإخوان المسلمين الطريقة التي استجابت من خلالها للفرص المتاحة في سورية. إذ يقول إن “جماعة الإخوان ركّزت على حماة وإدلب فقط في البداية، لأن قادتها يتحدّرون من هذه المنطقة”. ولم تبدأ الجماعة باستثمار أي جهد جدّي في الشبكات الثورية المحيطة بحلب، التي كانت قد أصبحت في ذلك الحين الجائزة الأبرز للحرب الأهلية، حتى صيف العام 2012، عندما تمت إعادة البيانوني وفصيل حلب إلى حظيرة التنظيم. ويضيف الحاج قائلاً: “تأخّر هذا الجهد كثيراً، حيث تم تأسيس العديد من المجموعات الموجودة هناك بالفعل. لم يجد الإخوان – في حلب – تلك التربة الخصبة التي عثروا عليها في حمص وإدلب وحماة”. 23

تمكّنت جماعة الإخوان، إلى حد ما، من استخدام موقعها القوي في مجتمع المنفى لإدخال أعضاء منها في حركة التمرّد الداخلي. إذ يشير ناشط علماني بارز في لجان التنسيق المحلية إلى أن جماعة الإخوان المسلمين لديها الآن عدد من الأعضاء في المجالس المحلية الداخلية التي عيّنها الائتلاف الوطني، لكنه يدّعي أن الناشطين على الأرض يرفضون في كثير من الأحيان العمل مع أشخاص معيّنين من الخارج. 24

كما يؤدّي المال دوراً رئيساً في تمكين شخصيات موالية للإخوان في بيئتهم المحلية وتقريبهم من قيادة الجماعة في المنفى. ووفقاً لمالك العبده، “هم يحاولون تهيئة زعماء محليين ممن سيعتمدون على أموال الإخوان. وبمجرّد أن ينخرطوا فإنها لايستطيعون ترك الجماعة. فقد أصبحوا يعتمدون على المال، لكن جماعة الإخوان، من جانبها، يمكنها التخلّي عنهم دائما”. 25

هيئة حماية المدنيين

في حزيران/يونيو 2011، عُقِد مؤتمر للمعارضة السورية في بروكسل ببلجيكا. أسفر الاجتماع، الذي هيمن عليه الإسلاميون، عن إنشاء مجموعة تسمى الائتلاف الوطني لدعم الثورة السورية. ترأس الائتلاف نذير الحكيم، وهو إسلامي يقيم في فرنسا. اتّجهت المجموعة للانضمام إلى المجلس الوطني السوري، وفي نهاية المطاف أصبح الحكيم عضواً في المكتب التنفيذي للمجلس، حيث كان يقلّل طيلة الوقت من أهمية انتمائه لجماعة الإخوان.

في كانون الثاني/يناير 2012، أسّس أعضاء الائتلاف الوطني لدعم الثورة السورية هيئة حماية المدنيين، بزعامة الدكتور هيثم رحمة. تم إنشاء هيئة حماية المدنيين لتوفير الدعم المادي للثوار داخل سورية. وباعترافها، فقد بدأت الهيئة بتمويل وتجهيز مجموعات المقاومة المسلحة داخل سورية في أواخر آذار/مارس 2012. 26 ويرى آخرون أن الشحنات بدأت تصل في أوائل خريف العام 2011، قبل التأسيس الرسمي لهيئة حماية المدنيين. 27

بذلت هيئة حماية المدنيين وجماعة الإخوان جهداً كبيراً لنفي وجود أي صلة بينهما. ويصف متحدث باسم الهيئة جماعته بأنها “مستقلّة وغير حزبية” وإن كانت لها “ميول إسلامية-قومية معتدلة”، ويرفض فكرة أن الهيئة وكيل لجماعة الإخوان قائلاً إنها “شائعات لاتعنينا”. 28 وذكر رحمة بشكل واضح أن هيئة حماية المدنيين لاتربطها علاقة خاصة بجماعة الإخوان. 29

والواقع، مع ذلك، هو أن هيئة حماية المدنيين هي ذراع التمويل غير الرسميّة لجماعة الإخوان. ويرتبط السيد رحمة نفسه بإحكام بالحركة الإخوانية. فهو يشغل منصب مساعد الأمين العام المساعد لرابطة العلماء السوريين، وكان عضواً في جماعة الإخوان لفترة وجيزة على الأقل في الثمانينيات (تزعم بعض المصادر أنه لايزال عضواً فيها). وربما شجّع بعض المتشدّدين داخل جماعة الإخوان المسلمين على تأسيس هيئة حماية المدنيين، بمن فيهم طيفور والحكيم، باعتبارها وسيلة لاختبار الخيار العسكري مع الإبقاء على سياسة الإنكار. 30 ويعترف طريف السيد عيسى، الذي يتردّد أنه متعاون مقرّب من طيفور، بأن الإخوانيين هم من شكّلوا هيئة حماية المدنيين، لكنه يقول إن ذلك “لم يكن من خلال قرار اتّخذته جماعة الإخوان المسلمين”. 31

وزّعت هيئة حماية المدنيين المال على القاصي والداني بين المتمردين السوريين وتمكّنت من جذب عدد من الجماعات إلى التعاون المنظّم. ويقول مالك العبده: “وظيفة هذه المجموعة هي في الأساس رشوة المقاتلين داخل سورية، وشراء ولائهم في مقابل مبالغ نقدية”. ويضيف: “أنا أعرف عن أشخاص أرادوا الذهاب إلى جماعة الإخوان المسلمين للحصول على شريحة من الكعكة، وتبيّن لهم أن عليهم أن يقسموا يمين الولاء لها”. 32

الانتفاضة المسلحة

عندما بدأ العنف بالانتشار في أنحاء الريف السوري في صيف العام 2011، بدأت جماعة الإخوان حشد الحركة المسلحة المتنامية، ووعدت بتقديم المال والأسلحة إلى من يريدون الدخول في اتفاق معها. ومن الواضح أن مبعوثي جماعة الإخوان اتصلوا بمنشقّين عن الجيش في تركيا في حزيران/يونيو أو تموز/يوليو، حتى قبل تشكيل مجموعات المعارضة الأولى من الجيش السوري الحر. 33 لايظهر أن القيادة الإخوانية قد شجّعت بنشاط عسكرة المقاومة السورية، لكنها لم تبذل جهدا لمنع ذلك أيضاً. وهي توقّعت نشوب حرب أهلية وسعت إلى البقاء في الطليعة، حتى عندما تطلّب ذلك اتّخاذ إجراءات من شأنها تأجيج النيران. وأخيراً تم في أواخر آذار/مارس 2012 اتّخاذ قرار عام بدعم التمرّد المسلح داخل سورية. 34

في أوائل آب/أغسطس 2012، قال العضو البارز في جماعة الإخوان المسلمين السورية ملهم الدروبي لصحيفة الشرق الأوسط إن جماعة الإخوان قد شكلت أول وحداتها المسلحة داخل سورية قبل نحو ثلاثة أشهر. وتدخّل الشقفة بسرعة حيث أصدر بياناً رسمياً، أوضح فيه أنه في حين أن جماعة الاخوان المسلمين تدعم المعارضة المسلحة، فإن “هذا لايعني أن لدينا وحدات خاصة بجماعة الإخوان”.

لكن الدروبي كان يقول الحقيقة في الواقع. ففي أيار/مايو 2012، ساعد الإخوان في تأسيس تحالف متمرّد موالٍ للإخوان يسمى هيئة دروع الثورة. تصوّر الهيئة نفسها كتحالف مستقلّ من الإسلاميين المعتدلين وكطرف فاعل مسؤول يسعى إلى احترام حقوق الإنسان في الوقت الذي تقاتل فيه نظام الأسد. وقد ظهرت الآن على أنها جناح عسكري شبه رسمي لجماعة الإخوان.

وفقا لشريط فيديو دعائي ظهر في كانون الثاني/يناير 2013، تضم هيئة دروع الثورة حالياً 43 فصيلاً متمرداً، وكلها تستخدم أسماء تتمحور حول كلمة “درع”. ويتمركز حوالى نصف الفصائل في محافظة إدلب، وتأتي حماة في المركز الثاني بفارق كبير. وتؤوي كل واحدة من المحافظات الأخرى ذات الغالبية السنّية عدداً من مجموعات هيئة دروع الثورة، مع أن الهيئة غير موجودة في محافظة دير الزور في شرق سورية.35 وعلى الرغم من هذه القائمة المثيرة للإعجاب على مايبدو، لايبدو أن هيئة دروع الثورة من بين المجموعات القتالية الأكبر في سورية. فقد صرّحت بأنها قامت بعدد ضئيل نسبياً من العمليات، ونادراً ماتظهر في التقارير الإخبارية.

بيد أن قادة جماعة الإخوان يظلون حذرين إزاء علاقتهم بهيئة دروع الثورة. فقد أكّد ملهم الدروبي أن تصريحه الذي صدر في آب/أغسطس 2012 عن الجماعات المسلحة الإخوانية كان في الواقع إشارة إلى هيئة دروع الثورة، لكنه الآن يصف التنظيم على أنه “وثيق الصلة للغاية ولكنه لايرتبط تماماً” بجماعة الإخوان المسلمين. 36 في مقابلة أجرتها معه صحيفة عكاظ السعودية في كانون الثاني/يناير 2013، قال الشقفة إنه “في الآونة الأخيرة، وبهدف توحيد الألوية والكتائب ذات الفكر المعتدل، والذي تؤمن به جماعة الإخوان أيضاً، دعوناها إلى اجتماع في إسطنبول. وقد أسفر ذلك عن تأسيس ماتسمى هيئة دروع الثورة، والتي هي لجنة مستقلّة ذات أيديولوجية إسلامية قريبة من أيديولوجيتنا”.

ومع ذلك، ثمّة دلائل كثيرة على نفوذ جماعة الإخوان، أو سيطرتها على هيئة دروع الثورة. إذ تم تشكيل بعض الفصائل الأعضاء على الأقلّ باستخدام أموال بداية التأسيس من هيئة حماية المدنيين. 37 نظّمت جماعة الإخوان مؤتمر هيئة دروع الثورة لأول مرة في كانون الأول/ديسمبر 2012، وحضره أقطاب الترويكا الإخوانية الشقفة وطيفور والبيانوني. وحتى شعار هيئة دروع الثورة يبدو مستوحىً من السيفين المتقاطعين اللّذين يمثّلان شعار جماعة الإخوان المسلمين.

لايراود الشك النشطاء على الأرض حول حقيقة انتماء هيئة دروع الثورة. إذ يقول ناشط سوري تفاعل مع مقاتلي هيئة دروع الثورة في منطقة إدلب: “لو سألت الإخوان المسلمين فإنهم لن يقولوا أبداً إن لديهم علاقات مع هذه الجماعة”. ويضيف: “لكن عندما تسأل الأفراد أنفسهم، فسيقولون إن الجماعة هي المصدر الذي يتلقّون أموالهم وأسلحتهم منه”. 38

وهناك العديد من الجماعات المسلحة الأخرى التي تتعاون مع الإخوان عبر بعض الوسائل، ولكن من الصعب تحديد مايشكّل التمويل “الرسمي” من جانب جماعة الإخوان. إذ يمكن توجيه الموارد من خلال فصائل إخوانية معيّنة، أو استخلاصها من الأموال الخاصة أو الشبكات العائلية. وغالباً ماتوجّه إلى صناديق معيّنة، أو إلى أفراد داخل سورية، على سبيل المثال، إلى قائد للمتمردين معروف لدى شخص ما في جماعة الإخوان بدلاً من توجيهها إلى تنظيمه. ومايزيد الأمور تعقيداً، هو أن بعض الفروع الإخوانية الخارجية أيضاً تدعم التمرد، مع أنه يفترض، من الناحية النظرية، أن يتم توجيه كل الأموال من خلال جماعة الإخوان المسلمين السورية.

أيّد العديد من أكبر الجماعات المتمردة في سورية، في مرحلة ما، إجراء اتصالات مع جماعة الإخوان، ولاسيّما في مراحلها التكوينية. لواء التوحيد هو إحدى الجماعات التي تتم الإشارة إليها في معظم الأحيان، وهو منظمة ميليشيات إسلامية كبيرة جداً في منطقة حلب. ولكن بينما كان بعض قادته الرئيسيين على اتصال مع جماعة الإخوان، فإن لواء التوحيد بحدّ ذاته لايخضع إلى سيطرة الإخوان. ويقول ناشط غير إخواني شارك في تمويل الجماعات المتمردة “لقد التقيت مع [أعضاء في لواء التوحيد]“. ويضيف: “في مرحلة معينة أخذوا المعونة من جماعة الاخوان المسلمين، ولكنهم أخذوا أيضاً من السلفيين، وأخذوا من الجميع. لم يكن دافعهم إقامة تحالفات، بل قالوا إننا سنأخذ المساعدات من كل من يعطيها”. 39

وقد أثبتت كتائب أخرى استفادت من الدعم الإخواني، مثل صقور الشام وأحرار الشام، أنها غير مستعدّة بالمثل للخضوع لإملاءات جماعة الإخوان. والمزاعم المتكرّرة بأن شبكة كتائب الفاروق الكبيرة تابعة لجماعة الاخوان المسلمين ليست صحيحة. فقد كانت هناك حالات من التنافس المفتوح بين كتائب الفاروق والوحدات المدعومة من جماعة الإخوان في حمص، 40 وينفي ناطق إعلامي باسم الكتائب تلقّي أي مساعدات من أعضاء جماعة الإخوان، الذين يقول إنهم “منافقون”. 41

كما يشير هذا التنافس، لاينبغي المبالغة في تقدير قدرة الإخوان على استمالة الجماعات المسلحة داخل سورية. فقنوات التمويل المختلفة التي لاتعدّ ولاتحصى تغذّي التمرد في الوقت الراهن، ولاتمثّل أموال جماعة الإخوان سوى جزء صغير من المجموع. في بعض الحالات، يبدو أن الفصائل المتمردة الانتهازية استغلّت حرص جماعة الإخوان على عقد التحالفات داخل سورية عن طريق الاستيلاء على النقود والهروب.

الإخوان والسلفية الجهادية

برزت الجماعات الإسلامية السلفية على نحو متزايد داخل حركة التمرّد السورية منذ بداية الانتفاضة. إذ يساعد هذه الجماعات مموّلون أقوياء في الخليج، والبيئة الطائفية المستقطبة بصورة حادّة في سورية، فضلاً عن ضعف قوى المعارضة الأخرى.

ويشير ناشط سوري مقرّب من الحركة الإخوانية إلى أنه في حين استغلّ مثيرو القلاقل السلفيون بفارغ الصبر المدّ المتصاعد للاستياء السنّي، فإن الهيكل النخبوي والسرّي لجماعة الإخوان يمنعه من التحوّل إلى حركة جماهيرية ثورية. ويقول: “الإخوان ينتخبون الأعضاء في الجماعة، لكنهم لايَدَعون الآخرين يأتون إليهم. ولكي تصبح عضواً في الجماعة فإن العملية طويلة وقد تستغرق سنوات عدة… أما الجماعات السلفية فهي مختلفة. تتسكّع بضعة أشهر، وبعد ذلك تصبح عضواً، بيد أن لدى جماعة الإخوان المسلمين معايير أعلى”.42

بسبب عدم وجود خيارات أفضل، اختارت جماعة الإخوان العمل مع بعض الحركات السلفية الجديدة داخل سورية، في محاولة لاستمالتها أو الاستفادة من قوتها المتنامية. ومع ذلك، نأت الجماعة بنفسها عن الفصائل الأكثر تشدّداً، أي ماتسمى السلفية الجهادية. وهذا يتعلّق خاصة بجبهة النصرة، التي صنّفتها حكومة الولايات المتحدة كياناً إرهابياً في كانون الأول/ديسمبر 2012 وبايعت زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري في نيسان/أبريل 2013. وهذا يرجع جزئياً إلى أن جماعة الإخوان حريصة على تجنّب تعريض صورتها المعتدلة للخطر أو استعداء الغرب. لكنه يرجع، جزئياً أيضاً، إلى أن جماعة الإخوان تتصور أعضاء جبهة النصرة كمنافسين خطرين ومتطرّفين. والجماعات السلفية الجهادية عموماً معادية جداً لجماعة الإخوان.

ومع ذلك، يحظى مقاتلو جبهة النصرة الأكفاء بشعبية متزايدة بين صفوف المقاتلين الإسلاميين. هذه الحقيقة لم تغب عن ذهن جماعة الإخوان. وعلى غرار معظم المعارضة السورية، بما في ذلك العديد من العلمانيين، برزت جماعة الإخوان للدفاع عن الجهاديين في مواجهة وسم الولايات المتحدة لهم بالإرهاب. وفي بيان صدر يوم 11 كانون الأول/ديسمبر، دعا المتحدث باسم جماعة الإخوان زهير سالم إلى مراجعة القرار الأميركي. 43 في اليوم التالي، أدلى طيفور بتصريحات مماثلة، واصفاً جبهة النصرة بأنها “جماعة يمكن الاعتماد عليها للدفاع عن البلاد وحماية المدنيين ضد جيش النظام”. 44 وقد أشار الشقفة في وقت لاحق إلى الجهاديين بوصفهم “أخوة في السلاح”. 45

وقد شارك أعضاء جماعة الإخوان السورية في تمويل حركة أحرار الشام الإسلامية (سابقاً كتائب أحرار الشام)، وهي مجموعة سلفية أقلّ تطرّفاً تسيطر على الجبهة الإسلامية السورية، وهي تحالف إسلامي كبير. 46 وذكرت بعض التقارير أنه تم تجنيد العديد من الأسر المرتبطة بجماعة الإخوان في كتائب أحرار الشام في وقت مبكر من الانتفاضة. وأدّى ذلك إلى تشكيل شبكة من الروابط الشخصية بين الكوادر الإخوانية المنفيّة ومقاتلي أحرار الشام داخل سورية، مع أنه يبدو أن العلاقات تدهورت بين الجماعتين في أواخر العام 2012. ومن الواضح الآن أن كتائب أحرار الشام والجبهة الإسلامية السورية تميّز نفسها عن جماعة الإخوان، وتتبع مساراً سياسياً وأيديولوجياً مختلفاً. 47

في حزيران/يونيو 2012، ساعد عضو المكتب التنفيذي في المجلس الوطني السوري ومؤسّس مجموعة العمل الوطني من أجل سورية أحمد رمضان في إطلاق ائتلاف يسمى جبهة ثوار سورية، والتي ضمّت أحرار الشام وفصائل إسلامية عدة صغيرة. ومع ذلك، سرعان ما أرغم المكتب التنفيذي رمضان على التراجع عن المشروع، وبدورها نأت الجبهة بنفسها عن كل من المجلس الوطني السوري والجيش السوري الحر تحت ضغط من أحرار الشام. وعندما طلب إليه توضيح وجهة نظره بشأن جبهة ثوار سورية وأحرار الشام في آب/أغسطس 2012، أكّد رمضان أن “المجموعات التي انضمت إلى… [الجبهة] إسلامية، ولكنها ليست متطرّفة. وهي تعمل ضد التطرّف المتزايد”. 48 “لم تعلّق جماعة الإخوان رسمياً على الأمر، وفي نهاية المطاف تلاشت جبهة ثوار سورية.

مبالغة أم نقص في التمويل؟

وفقاً لأحد المغتربين السوريين الذي يشارك في توجيه الأموال إلى المتمردين، فقد جاءت الاستراتيجية الإخوانية لشراء الولاء بنتائج عكسية. في المراحل الأولى من الانتفاضة المسلحة، كانت جماعة الإخوان قادرة على استمالة جماعات بحاجة ماسّة إلى الأموال. لكن مع مرور الوقت، بدأت مشاعر الاستياء تتفاقم بين الناشطين على الأرض. وهو مايفسّر أن جماعة الإخوان المسلمين “أرسلت المال والسلاح للبعض، في حين لم يتلقّ البعض الآخر ممن كانوا قد رفضوا شروطها أي مساعدة… حتى عندما كانوا في المنطقة نفسها وواجهوا عمليات القصف نفسها”. وفي نهاية المطاف، “أصبح ينظر إلى جماعة الإخوان المسلمين وهيئة حماية المدنيين باعتبارهما تتصرّفان نيابة عن حزب وليس لمصلحة الثورة. فقد فقدتا الآن معظم تحالفاتهما”. 49

تمثّلت إحدى علامات الاستياء تلك في بيان فيديو أصدره أحمد أبو عيسى الشيخ، قائد ميليشيا صقور الشام السلفية القوية في إدلب. في البيان، يدين أبو عيسى جماعة الإخوان المسلمين بسبب هيمنتها على هيئة حماية المدنيين، والتي كان قد تعاون معها في السابق. 50

الجماعات الأخرى لديها شكاوى مماثلة، حيث تقول إن جماعة الإخوان المسلمين تهتم فقط بنفوذها على المدى الطويل. إذ يروي متحدث باسم كتائب الفاروق قصة عن مجموعة مسلحة صغيرة في منطقة حمص صدرت إليها الأوامر بإخفاء البنادق التي تسلمتها من جماعة الإخوان وهيئة حماية المدنيين، مع أن المتمردين الآخرين في المنطقة يعانون من نقص في الأسلحة. وهو يسخر من هيئة حماية المدنيين بوصفها “عرضاً درامياً إعلامياً يهدف إلى تحقيق مكاسب سياسية خفيّة”. 51

يوافق توماس بييريه على أن جماعة الإخوان المسلمين حقّقت نجاحاً محدوداً في جذب الفصائل المسلحة، لكنه يقدّم تفسيراً آخر: “إن وضع بعض الجماعات المسلحة يائس لدرجة أنني متأكد من أنها ستكون سعيدة برفع علم جماعة الإخوان المسلمين إذا أمكنها الحصول على التمويل، ولكننا لانرى الكثير من ذلك إلى الآن. وأنا أشك حقاً في قدراتها المالية”.52

خلاصة

منذ إنشائها، أثبتت جماعة الإخوان المسلمين قدرتها على التكيّف باستمرار مع الظروف الجديدة، واستغلت السياسة البرلمانية وحرب العصابات، وبقيت على قيد الحياة بعد ثلاثة عقود من المنفى، وتحوّلت أيديولوجياً من حركة اجتماعية إصلاحية إلى الجهادية المسلحة، لتعود من بعدها إلى السياسة الإسلامية المعتدلة. ولاتزال هذه القدرة البراغماتية على التكيّف سارية اليوم.

لكن الجماعة تعاني في نواح كثيرة. فسنوات المنفى جعلتها في وضع غير مؤاتٍ على الأرض داخل سورية. فقد عقّدت الطبيعة النخبوية والخلفية الاجتماعية للتنظيم عملية البحث عن أعضاء وقادة جدد يتواصلًون مع غالبية الثوار السوريين. كما أنها تفتقر إلى وجود ذراع عسكرية قوية ومتفانية في الصراع الدائر.

ومع ذلك، لاتزال جماعة الإخوان لاعباً رئيساً في الدراما السورية. ومع أنه لايمكنها السيطرة على تحالفات المعارضة بنفسها بسبب الطبيعة العنيدة لسياسة المعارضة السورية والتدخّل العنيف من جانب القوى الأجنبية، إلا أنها تبقى أقوى مكوّن منفرد في مجتمع المنفى. ولايمكن واقعياً استبعاد جماعة الإخوان المسلمين من أي حكومة في المنفى، وبالتالي فإنها ستحتفظ بدور في أي استراتيجية أميركية أو أمميّة أو دولية أخرى تجاه سورية.

في داخل سورية، تقوم جماعة الإخوان بجهود جبارة لإعادة بناء شبكاتها، على الرغم من الحجم الهائل من الاضطرابات الثورية التي تؤثّر في هذه الجهود وتعمل ضدها. وتزيد العوامل الاجتماعية والدينية والاقتصادية من تعقيد محاولات جماعة الإخوان مواكبة نمو السلفية المتشدّدة في أوساط المعارضة السورية الداخلية.

الزمن وحده هو الكفيل بأن يبيّن كيف سيضعف التطرّف الطائفي والديني للصراع المسلح في سورية لصالح جماعة الإخوان. وباعتباره القوة الأكثر تماسكاً وخبرة على الجانب السنّي، فإن موقف التنظيم المعتدل نسبياً يمكن أن يلقى تأييداً في نهاية المطاف لدى السوريين الذين أنهكتهم الحرب ولدى الجهات الفاعلة الدولية كبديل معقول لصعود السلفية. ومع ذلك، من دون وقف لإطلاق النار عن طريق المفاوضات، من المرجّح أن يتم تقرير النتيجة الحقيقية للصراع السوري في ميدان المعركة، حيث إن فشل الإخوان المسلمين في تكريس وجود قوي يمكن أن يضعف الجماعة بشكل ملحوظ.

الأشخاص المذكورون في النص (مكان وسنة الميلاد)

مصطفى السباعي (حمص، 1915-1964)

عصام العطار (دمشق، 1927)

محمد علي الصابوني (حلب، 1930)

علي صدر الدين البيانوني (حلب، 1938)

منير الغضبان (التل/ريف دمشق، 1942)

محمد حاتم الطبشي (حماة، 1942)

محمد رياض الشقفة (حماة، 1944)

محمد فاروق طيفور (حماة، منتصف الأربعينات)

زهير سالم (حلب، 1947)

نذير الحكيم (حلب، 1950)

وليد سفور (حمص، 1959)

معاذ الخطيب (دمشق، 1960)

هيثم رحمة (القصير/حمص، 1960)

غسان هيتو (دمشق، 1963)

أحمد رمضان (حلب، 1963)

ملهم الدروبي (حمص، 1964)

عبيدة نحاس (حلب، 1972)

هوامش

1. مقابلة بواسطة البريد الإلكتروني مع ملهم الدروبي، 25–26 كانون الثاني/يناير 2013.

2. المصدر السابق.

3. عبدالله الغضوي “تردّد الغرب فاقم “التطرّف”.. وسورية لن تكون عراقاً أو ساحة للانتقام”. صحيفة عكاظ، 12 كانون الثاني/يناير 2013.

www.okaz.com.sa/new/Issues/20130112/Con20130112563741.htm

4. مقابلة مع زهير سالم، لندن، تشرين الثاني/نوفمبر 2009.

5.مقابلة مع ناشط سوري مغترب يشارك في تمويل الجماعات المتمرّدة، كانون الثاني/يناير 2013.

6.مقابلة مع وليد سفور، لندن، تشرين الثاني/نوفمبر 2009.

7. مقابلة مع توماس بييريه، الخبير في شؤون الإسلام السياسي السوري، 8 كانون الثاني/يناير 2013.

8. مقابلة بواسطة الهاتف مع مالك العبده، 31 تموز/يوليو 2012.

9. مقابلة مع توماس بييريه.

10. أنظر صفحة الثورة السورية على موقع فايسبوك: www.facebook.com/Syrian.Revolution. مقابلات مع أعضاء في الشبكة، 2011 و2012 و2013.

11. الترجمة متوفرة على الموقع التالي:

“Syrian Muslim Brotherhood: Pledge and Charter on Syria,” http://carnegie-mec.org/publications/?fa=48390

12. مقابلة مع ناشط سوري، كانون الثاني/يناير 2013.

13. مقابلة بواسطة البريد الإلكتروني مع رافاييل لوفيفر، خبير فرنسي في شؤون جماعة الإخوان المسلمين السورية، تشرين الثاني/نوفمبر 2012.

14. مقابلة مع عبدالرحمن الحاج، العضو في المجلس الوطني السوري والخبير في شؤون الإسلام السياسي السوري، 13 كانون الثاني/يناير 2012.

15. مقابلة بواسطة البريد الإلكتروني مع عبيدة نحاس، 19 كانون الثاني/يناير 2013.

16. مقابلة مع عبدالرحمن الحاج.

17. مقابلة مع طريف السيد عيسى، ستوكهولم، السويد، 1 أيلول/سبتمبر 2012.

18. مقابلة مع عبدالباسط سيدا، الذي كان آنذاك رئيس المجلس الوطني السوري، أوبسالا، السويد، 26 تشرين الأول/أكتوبر 2012.

20. “المراقب العام لإخوان سورية: محاولات الغرب استبعاد الإخوان من المعارضة لن تفلح”، 31 كانون الأول/ديسمبر 2012، موقع إخوان سورية.

http://ikhwanSyria.com/?TXpNek56az0rdQ

21. مقابلة مع علي صدر الدين البيانوني، لندن، المملكة المتحدة، تشرين الثاني/نوفمبر 2009.

22. مقابلة مع طريف السيد عيسى.

23. مقابلة مع ناشط سوري، كانون الثاني/يناير 2013.

24. مقابلة مع عبدالرحمن الحاج.

25. مقابلة مع ماهر أسبر، عضو قيادة لجان التنسيق المحلية المقيم في لبنان، 13 كانون الثاني/يناير 2012.

26. مقابلة عبر الهاتف مع مالك العبده.

27. مقابلة مع مصعب الجزائري.

28. رافاييل لوفيفر، “الكفاح المسلح لجماعة الإخوان السورية، مركز كارنيغي للشرق الأوسط، 14 كانون الأول/ديسمبر 2012.

http://www.carnegie-mec.org/2012/12/14/%D8%A7%D9%84%D9%83%D9%81%D8%A7%D8%AD-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D9%84%D8%AD-%D9%84%D8%AC%D9%85%D8%A7%D8%B9%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%AE%D9%88%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A9/exfv

29. مقابلة مع مصعب الجزائري، عضو المكتب الإعلامي في هيئة حماية المدنيين، 10 كانون الثاني/يناير 2013.

30. هيثم رحمة، “بيان بخصوص علاقة هيئة حماية المدنيين بجماعة الإخوان المسلمين”، موقع هيئة حماية المدنيين على شبكة الإنترنت، 5 أيلول/سبتمبر 2012.

31. مقابلة بواسطة البريد الإلكتروني مع رافييل لوفيفر، كانون الأول/ديسمبر 2012.

32. مقابلة مع طريف السيد عيسى.

33. مقابلة بواسطة الهاتف مع مالك العبده.

34. Hassan Hassan, “How the Brotherhood builds power in Syria’s opposition,” National, November 12, 2012, www.thenational.ae/thenationalconversation/comment/how-the-brotherhood-builds-power-in-syrias-opposition

35. البيان الختامي لمجلس شورى جماعة الإخوان المسلمين في سورية.. 10/3/2012 – في دورته الطارئة المنعقدة بتاريخ 8-10 آذار 2012.

http://ikhwanSyria.com/?TXpBNE16Zz0rdQ

36. وفقاً لـ”عمليات وتشكيلات هيئة دروع الثورة”، فيديو حمّلته دروع الثورة على موقع يوتيوب، 3 كانون الثاني/يناير 2013، www.youtube.com/watch?v=CqAUKnssAn4؛ هذه المجموعات هي: إدلب (20): لواء درع هنانو، لواء درع الجبل، لواء درع الصاعقة، لواء درع خان شيخون، لواء درع إدلب، لواء درع الصحابة، لواء درع بيرق الحرية، لواء درع الحرية، لواء درع الثورة، لواء درع أحرار الشام، لواء درع الإيمان، درع سرايا علماء الشام، لواء درع فرسان الحق، لواء درع أبو بكر الصديق، لواء درع سهام الحق، لواء درع العاصي، كتيبة درع أحرار 15 آذار، لواء درع ثوار إدلب، لواء درع التوحيد، لواء درع الجزيرة. حماة (7): لواء درع الحق المقاتل، لواء درع الصديق، لواء درع حماة، لواء درع آفاميا، لواء درع الإخلاص، كتائب درع الحق، لواء درع سرايا النصر. حلب (3): لواء درع الوفاء، لواء درع حلب الشهباء، لواء درع الراية. حمص (3): لواء درع أحرار حمص، لواء درع الحق، لواء درع الحدود. دمشق وريفها (5): لواء درع الشام، لواء درع العاصمة، لواء درع الفاروق، لواء درع العدالة، درع سرايا علماء الشام. درعا (4): كتيبة بابا عمرو، كتيبة المهام الخاصة، الكتيبة الخضراء، كتيبة المصطفى. اللاذقية (1): كتيبة الحفة.

37. رسالة إلكترونية من ملهم الدروبي، 30 كانون الثاني/يناير 2013.

38. “بيان تشكيل لواء درع العاصمة التابع لهيئة حماية المدنيين بريف دمشق”، موقع هيئة حماية المدنيين على شبكة الإنترنت، 18 حزيران/يونيو 2012.

39. مقابلة مع ناشط سوري، كانون الثاني/يناير 2013.

40. مقابلة مع ناشط سوري مغترب يشارك في تمويل الجماعات المتمردة، كانون الثاني/يناير 2013.

41. مقابلة مع ناشط سوري مغترب يشارك في تمويل الجماعات المتمردة، كانون الثاني/يناير 2013.

42. مقابلة مع يزيد الحسن، المتحدث الإعلامي باسم كتائب الفاروق، 9 كانون الثاني/يناير 2013.

43. مقابلة مع ناشط سوري، كانون الثاني/يناير 2013.

44. زهير سالم، “الإرهاب سلوك وليس هوية وبشار الأسد هو الإرهابي الوحيد على الأرض السورية”، تصريح من جماعة الإخوان المسلمين، 11 كانون الأول/ديسمبر 2012، http://ikhwanSyria.com/?TXpNd05qZz0rdQ.

45. المصدر السابق.

46. “المراقب العام لإخوان سورية: محاولات الغرب استبعاد الإخوان من المعارضة لن تفلح”، 31 كانون الأول/ديسمبر 2012، إخوان سورية، http://ikhwanSyria.com/?TXpNek56az0rdQ.

47. Aron Lund,”Syria’’s Salafi Insurgents: the Rise of the Syrian Islamic Front,”, UI Occasional Paper 17, Swedish Institute for International Affairs, March 2013, www.ui.se/eng/upl/files/86861.pdf.

48. مقابلة بواسطة البريد الإلكتروني مع رافاييل لوفيفر، تشرين الثاني/نوفمبر 2012.

49. مقابلة مع أحمد رمضان، ستوكهولم، آب/أغسطس 2012.

50. مقابلة مع ناشط سوري مغترب يشارك في تمويل الجماعات المتمردة، كانون الثاني/يناير 2013.

51. “صقور الشام: هيئة حماية المدنيين والإخوان المسلمين”، مقطع فيديو حمّله “SyrianDemocracy1″ على موقع يوتيوب، 4 أيلول/سبتمبر 2012، www.youtube.com/watch?v=UKay85etOVw. جرى تحميل الفيديو في الأصل في آب/أغسطس 2012.

52. مقابلة مع يزيد الحسن، المتحدث الإعلامي باسم كتائب الفاروق.

53. مقابلة مع توماس بييريه.

نبذة عن الكاتب

آرون لوند هو صحافي وكاتب سويدي خبير في شؤون الشرق الأوسط. له كتب وتقارير عدة تتناول سياسات المعارضة السورية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى