صفحات الثقافة

الصنفُ الآيل للسقوط من المثقفين السوريين

 


محمد الحاج صالح

المثقفون السوريون مثلهم مثل غيرهم، تتعدّد مشاربهم الأيدلوجية والاجتماعية.

إنما عندنا صنفٌ من المثقفين خاصّ بنا. هذا الصنف حاز على موقع ذهبي في الثقافة كسبها لأسبابٍ مُركبة ومُعقدة تتراوح بين ممالأة للسلطة القائمة، واتّباع درجات من المشيخية الصوفية “العلمانية”، ومحاباة للرجعي عند العرب بطريقة خبيثة تدّعي الحداثة كاذبة. أياً تكن الأسباب؛ يتمتّع هذا الصنف بموقع في الثقافة هو صنو رجل الأمن السوري في السياسة. ضباط ثقافة يعني. يدخلون من يحبون جنّة الثقافة ويطردون من يبغضون إلى جهنّمها. لهم سيطرة ثقافية مغتصبة ومطابقة للسيطرة السياسية في الدولة السورية. حين سُجن المثقفون المثقفون كانوا يرمحون على خيول “الحداثة” في الصحف العربية. وحين خرج الناسُ أخيراً بحثاً عن الكرامة راحوا يلتمسون الأعذارَ للأمن الحاكم.

أحبابنا أولاء صادقون في تعاطفهم مع الثورة الساندنية ومع فلاحي البيرو وبوليفيا وكولومبيا،وهم صادقون أيضاً عندما يذرفون الدمعَ على الفلسطينيين، وهم صادقون جداً عندما لا يتعبون أنفسهم في إإتلافهم هُمُ العلمانيّون مع “حماس” الإخوانية.

أما موقفهم الأصدق على الإطلاق فهو انعدام قدرتهم على التعاطف مع المتظاهر السوري عندما يقتل برصاص الأمن السوري، ولا مع دم المتظاهر والمُحتج السوري تحت العصي والضرب الأمني، ولا مع حزن آلاف الأمهات الفاقدات أعزاءهن. وإن تعاطفوا بالكلام، فبالكلام! تكاد كلمات الواحد منهم أن تقول نحن نكذب. مردّ “صدقهم” هذا أنهم ضباط ثقافة، أمن ثقافة، حتى وإن تظاهروا بالبعد عن السياسية أو السلطات أو الأمن. في العمق هم أصدقاء وشركاء ولهم مصالح مترابطة؛ حتى بالمعنى الفيزيائي الملموس، أكرّر حتى بهذا المعنى.

أحبابنا من هذا الصنف وفي هكذا أحداث مفصليّة لا يمكنهم إلا أن يكونوا صادقين وأمناء لعلاقتهم مع المركب الأمني السياسي الحاكم في سورية.

ولا يمكن إلا أن يبحثوا عن أعذار وتبريرات “أخلاقية!” تدلّ على نقص في الأخلاق، وتشابه تبريرات وأعذار الأمنيين الحاكمين.

وجد الأمنيون الحاكمون ضالتهم في “تيار المستقبل” في لبنان الذي لم تجرؤ جريدته على نشر مقال لي يتناول الوضع في سوريا فما بالك في التدخل؛ هه. ثم ببندر. ثم بعصاب إجرامية مسلحة.

ثم مسك الختام. سلفيون.

وقد رأينا سلفيات في المظاهرات يلبسن فساتين حفر، لله در هذه السلفية!

أما أحبابنا من الصنف المثقف فاكتشفوا مسرورين نظرية تكفي لأن تبطل صفة الانتفاضة أو الثورة عما يحدث في سورية. يقولون إن الناس تخرج من الجوامع وهذا يكفي، كذلك قال الأمنيون السياسيون إنهم سلفيون وهذا يكفي

إنه التناغم والانسجام بين صنف مثقفينا هذا والأمنيين السياسيين الحاكمين

محمد الحاج صالح

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى