صفحات مميزة

“الضربة الصاروخية الأميركية على مطار الشعيرات السوري” –الآثار والنتائج – مجموعة مقالات مختارة

 

 

الضربات الأميركية تضع سورية على مفترق طرق: بداية لتسوية سياسية او تقسيم أمر واقع/ إبراهيم حميدي

الضربات الصاروخية التي وجهها الجيش الأميركي على قاعدة الشعيرات، وضعت الأزمة السورية على مفترق طرق بين تعاون واشنطن وموسكو للبحث عن تسوية سياسية مرتبطة بمقايضات بملفات أخرى في العالم من جهة، أو تصعيد التوتر بين البلدين واتجاه أميركا لتشكيل تحالف دولي وإقليمي وتعزيز روسيا تعاونها مع إيران ووجودها العسكري في سورية.

بحسب مسؤولين غربيين، هناك أربع ملاحظات يمكن تسجيلها إزاء أول ضربات أميركية لمواقع تابعة للقوات النظامية بعيداً عن الجدل حول الغارة التي شنها التحالف الدولي بقيادة واشنطن على موقع للجيش النظامي في دير الزور خريف العام الماضي، وهي:

أولاً، الرئيس دونالد ترامب، الذي رفع في حملته الانتخابية شعار «أميركا أولاً» ورفض التدخل الخارجي، أمر بتوجيه الضربات على الشعيرات من دون الحصول على دعم الكونغرس الأميركي أو انتظار نتائج تحقيق دولي بالهجوم الكيماوي على خان شيخون ومن دون غطاء من مجلس الأمن الدولي أو تحالف مع حلفائه الغربيين والإقليميين، بطريقة أظهرته على نقيض من أسلوب سلفه باراك أوباما. وقال مسؤول غربي: «ترامب مقتنع أن القوات النظامية مسؤولة عن الهجوم بغاز سارين بموجب تقديرات أجهزة الاستخبارات الأميركية، فأراد أن يقوم بشيء يجعله مختلفاً تماماً عن أوباما، خصوصاً أن استخدام سارين هو خرق لاتفاق نزع السلاح الكيماوي بين موسكو وواشنطن في 2013، وأراد أن يستعيد قيادة أميركا في العالم»، الأمر الذي نفته موسكو ودمشق. وأفاد المبعوث الأميركي إلى سورية مايكل راتني أمس: «بات استخدام النظام غاز الأعصاب حقيقة واضحة، ليكون بذلك دليلاً صارخاً آخر على عدم امتثاله لالتزاماته القانونية بموجب اتفاقية حظر الأسلحة الكيماوية وقرار مجلس الأمن ٢١١٨، بما في ذلك تعهده بالكشف عن كامل ترسانته من الأسلحة الكيماوية وتدميرها».

ثانياً، ترامب أعطى الضوء الأخضر للجيش الأميركي لتوجيه الضربات من البحر المتوسط، قبل توجهه إلى لقاء الرئيس الصيني شي جين بينغ، ما يمكن تفسيره على أنه ربط واشنطن «معاقبة» دمشق بتوجيه رسالة إلى كوريا الشمالية حليف بكين. ولوحظ أن مندوب الصين في الأمم المتحدة لي باودونغ لم ينضم إلى دعم الموقف الروسي خلال الجلسة العلنية في مجلس الأمن لمناقشة الضربات الأميركية قبل يومين، وركز على أهمية الحل السياسي في سورية.

ثالثاً، بددت الضربات، التي نفذت على رغم وجود صواريخ «أس 400» الروسية في سورية وبعد إبلاغ روسيا بسحب جنودها من قاعدة الشعيرات، الانطباع الذي كان سائداً في أميركا بوجود علاقة خاصة بين ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ولوحظ تصعيد انتقاد واشنطن لمواقف موسكو وسعي دول غربية إلى رفع حدة الانتقاد لروسيا واحتمال «تورطها» في غارات شنتها على خان شيخون بعد القصف الكيماوي لـ «إزالة أي دليل يمكن أن تجده بعثة دولية». وقال راتني أمس: «من الواضح أن روسيا لم تفِ بالوعود التي قطعتها عام ٢٠١٣ لضمان إنهاء برنامج سورية للأسلحة الكيماوية، بل إنها تجاهلت عمداً استخدام النظام لهذه الأسلحة البغيضة. عليه يتعين على روسيا أن تتحمل مسؤوليتها لضمان التزام الأسد بإزالة تلك الأسلحة كونها قد تعهدت بالقيام بذلك» بموجب القرار 2118. وزاد: «النظام ارتكب أسوأ هجوم من نوعه منذ الهجوم الكيماوي على الغوطة الشرقية العام ٢٠١٣، مستخدماً نفس الأسلحة التي كانت كل من دمشق وموسكو أكدتا أنها أزيلت من سورية وتم تدميرها».

رابعاً، بالنسبة إلى سورية، فان الضربات قطعت الطريق على مسار كان ينمو لاحتمال «تطبيع» بين واشنطن ودمشق وتعاطي إدارة ترامب مع الرئيس بشار الأسد «كأمر واقع يسيطر على جزء من سورية». كما أنها جعلت احتمال تعاون بين التحالف الدولي بقيادة أميركا من جهة والقوات النظامية في قتال «داعش» ذي الأولوية لترامب من جهة ثانية أمراً أكثر صعوبة في عملية تحرير الرقة أو في السيطرة على المدينة بعد طرد «داعش» منها. ولوحظت عودة حديث مسؤولين أميركيين عن «إسقاط النظام السوري» وأن الأسد «ليس جزءاً من مستقبل سورية» وأن رحيله ضروري لاستقرار البلاد، بعد أسبوع من قول مسؤولين أميركيين أن النظام السوري «ليس أولوية حالياً» مقابل أولوية هزيمة «داعش» وتقليص نفوذ إيران.

مساران في سورية

وبحسب المسؤولين، فإن الأيام المقبلة ستظهر أي من المسارين ستتخذه الأزمة السورية والعلاقة بين واشنطن وموسكو:

المسار الأول، يقوم على استمرار التصعيد العسكري بين البلدين وتجميد اتفاق «فك الاشتباك» بين الطيران الأميركي والروسي فوق سورية وتصاعد الحملات الإعلامية. هنا، لوحظ قرار وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون إلغائه أمس أول زيارة له إلى موسكو منذ خمس سنوات وقول وزير الدفاع البريطاني مايكل فالون إن روسيا مسؤولة عن كل ضحية في سورية. وأوضح مسؤول غربي أن بعض الدول يدفع باتجاه حصول وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون على دعم وزراء خارجية «مجموعة السبع» في إيطاليا قبل ذهابه إلى موسكو للقاء نظيره الروسي سيرغي لافروف والرئيس بوتين الأربعاء. وبين الأفكار المطروحة، تشكيل تحالف دولي- إقليمي بقيادة أميركا يواجه تحالفاً آخر بدأ يظهر بقيادة روسيا وعضوية إيران مع دعم كامل للقوات النظامية السورية، الأمر الذي حصل أمس باعتبار ان حلفاء دمشق وطهران اعلنوا ان الضربات الأميركية «تجاوز للخطوط الحمر». وباعتبار ان أولوية ترامب، هي محاربة «داعش» يمكن أن يقود التحالف الدولي معارك دحر التنظيم شرق سورية من دون أي تنسيق مع روسيا أو أي تعاطي مع القوات النظامية. وفي سيناويو كهذا، لا يستبعد مسؤولون احتمال توجيه ضربات أخرى للقوات النظامية وإمكانية تحويل هدف توحيد فصائل المعارضة المسلحة المدرجة على قائمة «غرفة العمليات العسكرية» في تركيا بقيادة «سي آي أي» إلى قتال القوات النظامية، إضافة إلى عودة الخطاب السياسي عن «تغيير النظام» مع إجراءات تشريعية عقابية في الكونغرس الأميركي. عملياً، يعني هذا تعزيز مناطق النفوذ في سورية، بحيث تقبض أميركا على شرق نهر الفرات وتعزز روسيا وإيران مواقعها غرب النهر، مع عودة واشنطن لبحث خيار مناطق آمنة بحمايتها أو بتفاهم أمر واقع مع موسكو.

وقال ترامب في رسالة إلى الكونغرس: «الولايات المتحدة ستتخذ إجراءات إضافية إذا لزم الأمر وبالطريقة المناسِبة، من أجل مواصلة الدفاع عن المصالح الوطنية المهمة»، مضيفاً: «أمرتُ بهذا العمل (الضربات) بهدف خفض قدرة الجيش السوري على تنفيذ هجمات أخرى بأسلحة كيماوية، وردع النظام السوري عن استخدام أسلحة كيماوية أو تطويرها» و «تحسين الاستقرار في المنطقة».

المسار الثاني، بعد توجيه الضربات على الشعيرات وتعزيز واشنطن موقعها العسكري في سورية من جهة وتصعيد روسيا وإرسال طرادها إلى البحر المتوسط وتجميد التعاون العملياتي الجوي من جهة ثانية يتوصل الجانبان خلال زيارة تيلرسون إلى مبادئ صفقة عسكرية- سياسية محتملة في سورية مرتبطة بقضايا عالمية أخرى. وقال مسؤول دولي: «كل طرف عزز موقفه التفاوضي عسكرياً وعزز تحالفاته قبل الجلوس إلى الطاولة لعقد صفقة محتملة».

ويدفع مسؤولون دوليون إلى استثمار الضربات الأميركية سياسياً عبر إيجاد رابط بينها وبين مسار مفاوضات جنيف واجتماعات آستانة. ولوحظ حديث ترامب عن حل سياسي لدى إعلانه عن توجيه الضربات. وقال راتني: «نقوم بدراسة خياراتنا وخطواتنا المقبلة. سنواصل جهودنا لهزيمة داعش وغيرها من التنظيمات الإرهابية وتحقيق التهدئة في كل أنحاء سورية ودعم عملية تفاوضية مثمرة تساهم في بسط الاستقرار وبناء مستقبل أفضل للبلاد ومواطنيها».

ويحضر المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا جلسة في مجلس الأمن في 12 الشهر الجاري لحض الدول الأعضاء على دعم عملية جنيف وعودة وفود الحكومة السورية والمعارضة إلى جنيف للانخراط في مفاوضات جدية لتنفيذ القرار 2254. وسيحسم في الأيام المقبلة ما إذا كان الربط بين الضربات الجوية والمسار السياسي ممكناً بحيث يجري التركيز على «سلوك النظام» والانخراط في العملية التفاوضية في شكل جدي وليس «تغيير النظام»، باعتبار أن بقاء المؤسسات السورية والتغيير التدرجي والحل السياسي أهداف مشتركة بين واشنطن وموسكو، إضافة إلى أن مصير دي ميستورا بات رهينة المسار الذي ستسير عليه سورية، خصوصاً أن الحديث يجري عن انسحابه من المشهد واختيار واحد من ثلاثة مرشحين هم: سيغريد كاغ ممثلة الأمم المتحدة في لبنان التي كانت مسؤولة عن نزع السلاح الكيماوي، حارث سيلايديتش وزير الخارجية البوسني السابق، وممثل الأمم المتحدة في العراق يان كوبيش.

الحياة

 

 

 

 

الضربة العسكرية لسوريا: مسار جديد للسياسة الأميركية؟

المركز العربي للابحاث

قامت الولايات المتحدة الأميركية صباح يوم السابع من نيسان/ أبريل 2017 بتوجيه ضربة صاروخية، استهدفت مطار الشعيرات الواقع إلى الجنوب الشرقي من مدينة حمص وسط سوريا. وجاءت هذه الضربة رداً على قيام النظام السوري بقصف بلدة خان شيخون في ريف إدلب بغاز السارين؛ ما تسبب بسقوط العشرات من القتلى والمصابين، أغلبهم من الأطفال. وتعد هذه الضربة الأولى التي توجهها واشنطن ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد منذ بداية الأزمة السورية. وقد مثلت مفاجأة للبعض نظراً إلى تركيز الولايات المتحدة المستمر على حربها ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، ولا مبالاتها تجاه الصراع السوري الذي سقط فيه أكثر من نصف مليون قتيل حتى الآن بحسب أكثر التقديرات. فهل تمثل هذه الضربة بداية تغيير في الإستراتيجية الأميركية تجاه سوريا؟

قرار الهجوم

اتخذت ردة الفعل الأميركية على هجوم خان شيخون الكيماوي مساراً تصاعدياً، بعد انتشار الصور المرَوِّعةِ لضحايا المجزرة الكيماوية يوم 4 نيسان/ أبريل 2017. وكانت البداية بتصريح للناطق باسم البيت الأبيض، شون سبايسر، دان فيه الهجوم ووصفه بـ “الشنيع”، وبأنه لا ينبغي للعالم المتحضر تجاهله. وفي إشارة إلى أن إدارة ترامب قد تقوم بعمل ما حيال الهجوم، انتقد سبايسر نهج الرئيس أوباما الذي وضع “خطاً أحمر” لنظام الأسد وحذره من استخدام الأسلحة الكيماوية، ثم تجاهله عندما أقدم الأسد على استخدامها في الغوطة الشرقية لدمشق، وهو الهجوم الذي تسبب حينها بمقتل نحو 1300 مدني. أما ترامب، فقد تجاوزت مجزرة خان شيخون بالنسبة إليه “العديد من الخطوط عندما يُقتل رضع وأطفال أبرياء بغاز سام”. وأكد أن موقفه “تجاه سوريا والأسد قد تغير كثيراً”. وعلى الرغم من تحميل ترامب سلفه مسؤولية “الفوضى التي ورثها”، فإنه عاد ليؤكد أنه هو “المسؤول” اليوم وبأنه “سيضطلع بمسؤولياته”.

وقد اجتمع ترامب بفريق مستشاريه للأمن القومي لبحث الخيارات المتاحة للرد على الهجوم. وبحسب صحف أميركية، أراد ترامب خياراً يظهره رئيساً حازماً خلافاً لأوباما (وهذه مسألة سياسية داخلية وخارجية) ويتضمن استخدام القوة، ولكن من دون توريط الولايات المتحدة في الصراع السوري أو حدوث مواجهة مع داعمي الأسد، وتحديداً الروس من جهة، وكي يرسل إشارة بأن الولايات المتحدة لن تسكت بعد اليوم على استخدام الأسلحة الكيماوية، مع إشارات ضمنية إلى السكوت على غيرها، من جهة أخرى.

وأثناء توجه ترامب للقاء الرئيس الصيني في منتجع مارا لوغو في ولاية فلوريدا في اليوم التالي، قدم مستشاروه العسكريون ثلاثة خيارات لمعاقبة نظام الأسد، وكلها خيارات أعدت أصلاً زمن إدارة أوباما. وقد تم حصرها في خيارين؛ يتمثّل الأول بقصف قواعد عسكرية سورية عديدة، أمّا الثاني فأساسه الاكتفاء بقصف قاعدة الشعيرات التي انطلقت منها الطائرة العسكرية التي نفذت الهجوم. واختار ترامب الخيار الأضعف، مؤكداً ضرورة تجنب إصابة جنود روس في الهجوم. وقد تم تبني هذا الخيار على أساس أن قصف الشعيرات سيوصل رسالة بوجود رابط بين استخدامها قاعدة لاستخدام غاز الأعصاب في الهجوم على خان شيخون والضربة الانتقامية الأميركية؛ وهذا يعني رداً محدوداً و”متناسباً”.

وقبل ساعة من الهجوم، قامت الولايات المتحدة عبر مكتب التنسيق العسكري مع روسيا في سوريا والموجود في العاصمة الأردنية عمان بإخطار الروس بموعد الهجوم؛ لسحب أي قوات ومعدات لهم من القاعدة. وخلال مأدبة العشاء مع الرئيس الصيني، مساء الخميس، أصدر ترامب قراره ببدء القصف، وبدأت الصواريخ بالسقوط على مطار الشعيرات صباح الجمعة. وانطلق القصف من السفينتين الحربيتين الأميركيتين، “بورتر” و”روس”، المتمركزتين في شرق البحر الأبيض المتوسط؛ إذ أطلقتا 59 صاروخ توماهوك، استهدفت مدرجات المطار ومهاجع الطائرات ومحطات الوقود والتخزين اللوجستي ومستودعات الذخيرة ونظم الدفاع الجوي.

تغيير في الإستراتيجية أم غيابها؟

أثار الهجوم الصاروخي الأميركي الأول على قاعدة عسكرية للنظام السوري تساؤلاً حول إن كان الهجوم يؤذن ببداية تغيير كبير في المقاربة الأميركية للصراع في سوريا. فقد تجنبت إدارة أوباما الانخراط المباشر في الصراع من جهة، وعملت على منع الأسد أو المعارضة من تحقيق انتصار عسكري حاسم من جهة أخرى. وقد أدت هذه الإستراتيجية إلى حدوث فراغ في سوريا ملأه تنظيم “داعش”، قبل أن تتشجع روسيا نتيجة الانكفاء الأميركي وتتدخل مباشرة في الصراع إلى جانب الأسد للحيلولة دون سقوط نظامه. ولم تكن مواقف ترامب مختلفة كثيراً عن مواقف الرئيس أوباما في الموضوع السوري، بل كانت أكثر تحفظاً؛ إذ انتقد ترامب عام 2013 “الخط الأحمر” الذي وضعه أوباما للنظام السوري بخصوص استخدام الأسلحة الكيماوية، وحَثّه على عدم استخدام القوة في الرد على الهجوم الكيماوي في غوطة دمشق في آب/ أغسطس 2013 الذي لم يكن مدعاة لتأثره الإنساني في حينه. وبعد أن أعلن ترامب ترشحه للرئاسة، ظل ينتقد “تركيز” إدارة أوباما، ومنافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون، على الأسد بدل داعش؛ وقال بأنه سيتحالف مع الروس لهزيمة داعش، ولن يسعى لإطاحة الأسد؛ لأن ذلك قد يفجر صراعاً مع روسيا.

حافظ ترامب على هذه المواقف بعد وصوله للرئاسة، وقد صرح وزير خارجيته ريكس تيلرسون في أنقرة، قبل أيام فقط من الهجوم، بأن مصير الأسد يحدده الشعب السوري، وهي العبارة ذاتها التي يكررها الروس والإيرانيون لضمان بقاء الأسد في الحكم. وعبرت عن الموقف نفسه السفيرة الأميركية في مجلس الأمن، نيكي هيلي، أواخر آذار/ مارس 2017، وذلك عندما قالت إن إزاحة الأسد من السلطة “لم تعد أولوية” بالنسبة إلى الولايات المتحدة. كما أن الناطق باسم البيت الأبيض، وصف، في مؤتمر صحافي في اليوم نفسه الذي وقع فيه هجوم خان شيخون، نظام الأسد بأنه قبول بـ “الواقع السياسي”، وبأنه “لا يوجد خيار جذري لتغيير النظام كما كان عليه الحال في السابق”. وكان مستشار ترامب، ستيف يانون، يرى ضرورة قبول الأسد، وحتى التحالف معه في “مكافحة الإرهاب”. وإزاء هذا الكم من المواقف والتصريحات، كيف يمكن تفسير قرار الهجوم الأميركي الأول على نظام الأسد؟

أسباب الضربة

يبدو أن إدارة ترامب أرادت إيصال رسالة مفادها وجود خطوط حمراء في سوريا لن تقبل بتجاوزها؛ ومنها استخدام الأسلحة الكيماوية، وبأنها على خلاف إدارة أوباما قادرة وراغبة في التحرك وحتى بصورة منفردة للدفاع عن خطوطها الحمراء، لكنها لا تريد التورط في الصراع السوري ولم تغير جذرياً مقاربتها للدور الأميركي في هذه الحرب. ويؤكد تيلرسون هذا المعطى بقوله “لا يوجد تغيير في سياستنا أو موقفنا في سوريا”، وبأن الرد الانتقامي الأميركي جاء “متناسباً لأنه استهدف المنشأة التي انطلق منها الهجوم الكيماوي الأخير”، وليس بداية لتدخل عسكري. كما أكد أن أولوية الولايات المتحدة في سوريا ستبقى محاربة داعش وهزيمته”.

يصع التسليم بأن الصور المروعة للمجزرة السورية هي التي دفعت ترامب إلى اتخاذ قرار الهجوم، في ضوء استمرار المذبحة السورية بالكيماوي أو بوسائل أخرى. ويمكن الوقوف على جملة من الأسباب قد تكون مجتمعة وراء توجيه الضربة، وهي:

أولاً، تراجع شعبية ترامب إلى مستويات تاريخية؛ جراء فشله في عدد من الملفات الداخلية، وعلى رأسها نقض قانون الرعاية الصحية الذي أقره أوباما، والفوضى العارمة التي تجتاح إدارته. ومن ثمّ، فإن الهجوم كان محاولة منه لصرف الأنظار عن هذه الملفات، وعن الجدل المتصاعد حول العلاقة بين حملته الانتخابية وروسيا؛ إذ إن تحقيقين، فدرالي وتشريعي، يجريان للبحث عما إذا تمّ تنسيق بين الطرفين لإضعاف هيلاري كلينتون. كما أن هذه الضربة التي أغضبت الروس قد تخفف الشكوك حول ارتهان ترامب، لسبب أول لآخر، بهم.

ثانياً، من خلال توجيه ضربة عسكرية محدودة إلى نظام الأسد؛ تريد إدارة ترامب إيصال رسالة واضحة إلى خصوم آخرين، كإيران وكذلك كوريا الشمالية المدعومة من الصين، خصوصاً أن القصف تمّ خلال تناول ترامب طعام العشاء مع الرئيس الصيني، مع أن مستشاريه اقترحوا عليه تأجيل القصف ليوم واحد إلّا أنه رفض. فكأن رسالة إدارة ترامب هي أن زمن التردد تحت إدارة أوباما قد انتهى، وأن الولايات المتحدة مستعدة لتحمل نتائج اتخاذ قرارات باستخدام القوة.

ثالثاً، من خلال هذه الضربة تكون إدارة ترامب قد عادت بقوة إلى طاولة المفاوضات المتعلقة بمستقبل سوريا، وذلك بعد أن حيدت نفسها وحُيِّدت في الأشهر الأخيرة من إدارة أوباما، خاصة أنها لم تكن طرفاً مركزياً في محادثات أستانا التي دعت لها كل من روسيا وتركيا. وقد أظهرت الضربة حجم روسيا الحقيقي، وأن دورها الفاعل يعود أساساً إلى غياب الفعل الأميركي.

رابعاً، رسم خطوط حمراء للنظام السوري لا ينبغي له تجاوزها في استخدام القوة ضد شعبه. وكأن القتل بالوسائل التقليدية الوحشية، كالبراميل المتفجرة، والتعذيب في السجون أمر يمكن تفهمه، ولكن الموقف يتغير إن كان القتل يتم باستخدام أسلحة كيماوية.

كل هذه الأسباب لا تراعي الاعتبارات الإنسانية؛ نظراً إلى استمرار سفك دماء السوريين على أيدي نظام الأسد وروسيا وإيران وميليشياتها، بـ “طرق تقليدية”، واستمرار إدارة ترامب في فرض حظر على قدوم اللاجئين السوريين إلى الولايات المتحدة، كما أنها لا تزال تتحدث عن إقامة “مناطق آمنة” في سوريا، من دون أن يصدر عنها ما يترجم كلامها إلى واقع.

خاتمة

إن إدارة ترامب ما زالت لا تملك رؤية متماسكة لكيفية التعامل مع الصراع في سوريا. فقد ظلت تتبع سياسات إدارة أوباما نفسها في التركيز على الحرب على داعش، ودعم المقاتلين الأكراد الذين يشكّلون العمود الفقري “لقوات سوريا الديمقراطية”. لكنّ التطور هنا تمثّل بكسر إدارة ترامب الحاجز النفسي لناحية استعدادها لضرب النظام السوري من دون الارتهان بهواجس الرد الذي قد يتبعه حلفاء الأسد. كما أنها باتت متورطة في ديناميات الصراع السوري؛ إذ أكد وزير الخارجية الأميركي أن “أي خطوات أميركية مستقبلية ستحددها طبيعة رد نظام الأسد وحلفائه”. كما يبدو أن تحولاً طرأ على الموقف الأميركي الذي جرى تأكيده قبل الهجوم الكيماوي بأنه متروك للشعب السوري؛ فقد تبنت الإدارة الأميركية بعد الهجوم الكيماوي الموقف الذي يرى أن الأسد يمثّل جزء من المشكلة ولا بد من إزاحته، بحسب ما جاء على لسان السفيرة الأميركية في الأمم المتحدة نيكي هايلي. كيف يحصل هذا؟ ومتى؟ تتوقف الإجابة على المدى الذي يمكن أن يبلغه الأسد برعونته وإجرامه بحق الشعب السوري. وهو مدى غير محدود؛ بناء على ما دلت عليه حوادث السنوات الست الماضية.

 

 

 

العابر والاستراتيجي: آفاق الضربة الأميركية لنظام الأسد

فرض القصف الأميركي على قاعدة الشعيرات الجوية بعض القيود على النظام السوري وحلفائه، ورفع سقف مطالب معارضيه مجددًا بإزاحة بشار الأسد، لكن لا يزال من المبكر اعتبار الضربة عملًا عابرًا أو تحولًا استراتيجيًّا للموقف الأميركي من الحرب السورية.

ملخص

اتخذ الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، قراره بقصف القاعدة الجوية السورية ولم يكمل المئة يوم الأولى من ولايته بعد. ولا شك أنه يدرك أن قصفه لموقع سوري عسكري، الأمر الذي تجنبته إدارة أوباما طوال ست سنوات، لن يستفز دمشق وحسب، بل موسكو وطهران أيضًا.

ستترك الضربة الأميركية أثرًا إيجابيًّا على معنويات قوى المعارضة السورية، كما على الدول العربية المناهضة لإيران ونظام الأسد. ولكن الضربة في حدِّ ذاتها لا تمثل تغييرًا استراتيجيًّا في المقاربة الأميركية للأزمة السورية، أو على الأقل ليس بعد. كنَّا لاحظنا مثلًا، خلال أيام الجولة الخامسة الطويلة لمباحثات جنيف حول سوريا، أن الأميركيين لا يسعون إلى دور نشط في تقرير مستقبل سوريا.

بيد أن هذا لا يعني استبعاد أن تكون الضربة مقدمة لتغيير ما في سياسة واشنطن السورية، سيما أن الرئيس قال بوضوح في اليوم السابق لتوجيه الضربة إن موقفه من الأسد قد تغيَّر، كما أن وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيليرسون، أكد على أن لا مستقبل للأسد في حكم سوريا.

مقدمة

لم تكد ثلاثة أيام تمر على قصف النظام السوري لمدينة خان شيخون بالأسلحة الكيمياوية، حتى نفذت واشنطن تهديداتها بعقابه؛ وذلك بتوجيه قصف صاروخي لقاعدة الشعيرات الجوية، قرب حمص، التي يقول الأميركيون: إنها مصدر الطائرات التي قامت بالهجوم الكيماوي على خان شيخون.

وقد كانت طائرات تابعة لنظام الرئيس السوري، بشار الأسد، أسقطت، صباح يوم 4 أبريل/نيسان 2017، قذائف يُعتقد أنها محمَّلة بغاز السارين القاتل على بلدة خان شيخون، إحدى بلدات محافظة إدلب شمالي سوريا. أدَّى الهجوم الكيماوي على خان شيخون إلى مقتل ما يزيد عن 80 شخصًا من أبناء البلدة الصغيرة، وجرح عشرات آخرين. طبقًا لمصادر المعارضة السورية، هذا هو الهجوم الكيماوي الثاني على مناطق خارج سيطرة النظام في الشهر الأخير، وقع الأول منها في ريف دمشق.

خلال اليومين التاليين، ترددت أصداء الهجوم على خان شيخون، وصور الضحايا، عبر العالم. ولم يكن خافيًا أن اللغة التي استخدمها مسؤولون في إدارة الرئيس الأميركي ترامب، بمن في ذلك الرئيس نفسه، في شجب ما اعتبروه الفعل الوحشي للنظام السوري، كانت حادة ومنذرة.

تعود مشكلة استعمال النظام للسلاح الكيميائي إلى 2013، عندما توسطت روسيا لنزع مخزون السلاح الكيماوي السوري مقابل توقف إدارة أوباما عن توجيه ضربة عقابية لنظام الأسد جرَّاء استخدامه السلاح الكيماوي ضد شعبه. في أغسطس/آب 2013، أصدر مجلس الأمن الدولي قراره 2118، الذي ندَّد باستخدام النظام للسلاح الكيماوي وأكد على منع سوريا من تصنيع وتخزين واستخدام مثل هذا السلاح في المستقبل. كما أن مجلس الأمن الدولي كان قد بدأ بالفعل بحث الهجوم الكيماوي على خان شيخون، وسط انقسام حاد بين أعضائه؛ إذ هددت روسيا بمنع صدور قرار أممي بإدانة نظام الأسد. ولكن إدارة ترامب، على أية حال، لم تنتظر نتائج مداولات مجلس الأمن، ولا هي استدعت القرار 2118، عندما قررت توجيه الضربة العقابية لقاعدة النظام الجوية في الشعيرات.

لماذا قام نظام الأسد بمثل هذا الهجوم الكيماوي على خان شيخون، سيما أن البلدة لم تكن ساحة حرب، ولا هي تقع على جبهة قتال؟ ولماذا اتخذت إدارة ترامب قرار توجيه ضربة عقابية لنظام الأسد، وللمرة الأولى منذ بداية الأزمة السورية قبل ما يزيد عن ست سنوات؟ وما هي تأثيرات هذا التحرك الأميركي على سياق الأزمة السورية، وعلى الاشتباك الدولي والإقليمي الذي أصبحت الأزمة السورية وثيقة الصلة به؟

حسابات الهجوم الكيميائي

أنكر ناطقون باسم النظام السوري، بمن في ذلك وزير الخارجية، وليد المعلم، المتغيب عن المشهد منذ زمن، كليةً المسؤولية عن هجوم خان شيخون، وادَّعوا أن الحادث تسبَّب بفعل قصف الطائرات السورية مواقع لهيئة تحرير الشام (النصرة سابقًا وحلفاؤها)، كانت، بحسبهم، مواقع تخزين لأسلحة كيماوية. ولكن الأميركيين يقولون إنهم متأكدون من أن طائرات النظام هي التي نفَّذت الهجمة الكيماوية على البلدة، وإنهم يملكون الأدلة على ذلك. إضافة إلى ذلك، يقول خبراء: إن رواية النظام غير قابلة للتصديق أصلًا، أولًا: لأن غاز السارين ينطلق من مادة غير مستقرة، ولا يُخزَّن لفترات طويلة، بل تُخلط المواد المولِّدة له عادة مباشرة قبل استخدامه؛ وثانيًا: لأن الغاز حتى لو كان مخزَّنًا في مكان ما من البلدة، فإن انتشاره يتطلب تفجيرًا حراريًّا شديدًا، وأن الانتشار من موقع التخزين يكون محدودًا في أغلب الأحوال، ولا يتسبب في خسائر بشرية كبيرة.

السؤال المهم الآن: إن كان الاتهام الأميركي لدمشق صحيحًا، فلماذا إذن يقوم نظام الأسد بقصف بلدة، لا تمثِّل موقع اشتباك ولا تحتل بالضرورة موقعًا استراتيجيًّا، بالسلاح الكيماوي؟ يتطلب هذا السؤال إجابة من عدة مستويات؛ فعلى المستوى الأول، يبدو أن نظام الأسد، وحلفاءه، شعروا باطمئنان كبير مؤخرًا من جهة وضعه الدولي. قبل أيام قليلة فقط من وقوع الهجوم على خان شيخون، قالت المندوبة الأميركية في الأمم المتحدة، نيكي هايلي: إن إدارة الرئيس ترامب لا تعتبر الإطاحة بنظام الأسد أولوية لها. ولابد أن النظام في دمشق يعرف أن مساعدي ترامب الرئيسيين، بمن في ذلك ستيف بانون (قبل إقالته)، لم يُخفوا في السابق قناعاتهم بأن المعارضة السورية لا تبعث على الاطمئنان، وأن حل الأزمة السورية يتلخص في السماح لنظام الأسد بالانتصار. نظام الأسد، باختصار، انتابه الكثير من الارتياح من مقاربة إدارة ترامب للأزمة السورية، أو بالأحرى الغياب اللافت لمقاربة هذه الإدارة، وأصبح أكثر حرية في حربه ضد شعبه ومعارضيه.

بيد أن هذا لا يكفي بالضرورة لتفسير اختيار خان شيخون هدفًا. أظهر نظام الأسد، بالتأكيد، قدرًا هائلًا من اللاعقلانية خلال السنوات الست الماضية، ولكن حتى لا عقلانيته المعتادة لا توفر تفسيرًا لقصف بلدة صغيرة، لا يزيد سكانها على الخمسين ألف نسمة، بعيدة نسبيًّا عن جبهات القتال، بالسلاح الكيماوي.

الحقيقة، أن النظام يتبع في الفترة الأخيرة سياسة تهجير أكبر عدد ممكن من السوريين العرب السُّنَّة، ومن كافة المناطق التي تصلها أدوات جيشه، وليس فقط من المناطق التي تعتبر مصدر تهديد استراتيجي مثل ريف دمشق. عمل النظام على تهجير أهالي أحياء حلب ذات الأغلبية العربية السنية، ويعمل الآن على تهجير العدد الأكبر من أحياء حمص، ولابد أنه تصور أن قصف بلدة مثل خان شيخون يمكن أن يشجع عددًا أكبر من سُنَّة إدلب العرب على الهجرة، سيما بعد أن أصبحت إدلب منطقة لجوء لأعداد كبيرة من السوريين الذين أُجبروا على الرحيل من مدن حلب وحمص وريف دمشق. خان شيخون، إضافة إلى ذلك، هي آخر بلدات محافظة إدلب على الطريق الموصِّل إلى حماة، التي يشهد ريفها معارك طاحنة، أوقعت خسائر فادحة بقوات النظام والميليشيات الشيعية المساندة له في الأسابيع القليلة السابقة على هجوم خان شيخون. ويبدو أن النظام يعتقد أن البلدة باتت نقطة الانطلاق الرئيسة لقوات الثوار التي تخوض معارك ريف حماة.

مهما كان الأمر، فلابد من رؤية الهجوم على خان شيخون باعتباره كارثة ليس لنظام الأسد وحسب، بل ولروسيا أيضًا. هجوم بالسلاح الكيماوي لا يمكن أن يتم بدون تصديق من الرئيس السوري؛ والمفترض أن روسيا لا تلعب الدور الأكبر، عسكريًّا وسياسيًّا، في حماية نظام الأسد فقط، ولكنها أيضًا الشريك الأهم في صناعة القرار السوري، إن لم تكن المقرر الأول بالفعل. إن كان الأسد اتخذ قرارًا منفردًا باستخدام السلاح الكيماوي، فهذا يعني أن الرئيس السوري يتجاهل حليفه الروسي، الذي كان أصلًا الراعي لاتفاق 2013 لتجريد سوريا من السلاح الكيماوي. بمعنى، أن الرئيس الأسد يبدو، وبعد كل ما قامت به روسيا من أجله، كأن لديه استعدادًا كامنًا لإدارة الظهر لحلفائه الروس وإظهارهم كمجرد حليف مؤقت.

الاحتمال الآخر، بالطبع، أن الروس كانوا على دراية بالهجوم على خان شيخون، وربما أنهم ساعدوا النظام خلال السنوات القليلة الماضية على استعادة قدراته على إنتاج السلاح الكيماوي، أو أنهم غضوا النظر عن احتفاظه ببعض مقدراته في هذا المجال منذ اتفاق 2013. وبالرغم من أن هذا الاحتمال هو الأضعف، ولا توجد حتى الآن مؤشرات ملموسة عليه، فقد بدأ الأميركيون بالفعل تحقيقًا في ما إن كانت روسيا شريكًا في الهجوم على بلدة خان شيخون.

العقاب الأميركي

اتخذ الرئيس ترامب قراره بقصف القاعدة الجوية السورية ولم يكمل المئة يوم الأولى من ولايته بعد. كما أن هذا الرئيس جاء إلى البيت الأبيض في ظل شعار “أميركا أولًا” الذي رفعه بأعلى صوت ممكن طوال حملته الانتخابية وبعد توليه مقاليد البيت الأبيض، وهو ما فُهِم منه عدم اكتراث ترامب بما وصفه في مقابلة له من قبل بـ”رئاسة العالم”. ولا شك في أن الرئيس الأميركي يدرك أن قصفه لموقع سوري عسكري، الأمر الذي تجنبته إدارة أوباما طوال ست سنوات، سيكون له أصداء ليس في دمشق وحسب، بل وفي موسكو وطهران أيضًا. فوق ذلك كله، فقد أخذ ترامب قرار توجيه الإنذار العقابي لنظام الأسد بدون محاولة الحصول على غطاء دولي. فلماذا اتخذ الرئيس الأميركي، حديث العهد بالبيت الأبيض، مثل هذا القرار، وبمثل هذه الطريقة؟

أظهر ترامب، في مؤتمره الصحافي مع الملك عبد الله الثاني، قبل يوم واحد على قصف قاعدة الشعيرات الجوية، تأثرًا بمشاهد ضحايا هجوم خان شيخون، لاسيما الأطفال منهم. وقد يكون ردُّ الفعل الشخصي هذا هو السبب خلف القرار السريع بمعاقبة نظام الأسد على إخلاله بتعهداته الدولية. ولكن المشكلة، أن السوريين يسقطون ضحايا، وبكافة الصور المؤلمة، منذ سنوات، ولم يكن لسقوطهم الأثر الكافي لدفع الولايات المتحدة للتحرك، ولا حتى في ظل إدارة أوباما، التي قدمت نفسها دائمًا باعتبارها الأكثر إنسانية واهتمامًا بمصير العالم.

ثمة عدد من الدوافع، المحلية والدولية، لابد أنها كانت الأثقل في ميزان الرئيس عندما قرر توجيه ضربة عسكرية لنظام الأسد.

على المستوى المحلي، وبالرغم من أن قاعدة الرئيس الشعبية الرئيسية تعارض أي دور أميركي نشط على المسرح الدولي؛ فالملاحظ أن إدارة ترامب تعاني من تعثر متكرر في تنفيذ أجندتها، وأن استطلاعات الرأي تظهر نِسَبَ شعبية متدنية للرئيس في مطلع ولايته. الأهم من ذلك، أن قضية العلاقة بين حملة ترامب الانتخابية وروسيا لم تزل تلاحق الرئيس وإدارته بصورة باتت تهدد قدرته على الفعل وممارسة مهماته. اتخاذ خطوة مفاجئة على صعيد السياسة الخارجية، المجال الذي يوصف دائمًا بأنه الأكثر رئاسية في صناعة صورة قاطن البيت الأبيض، لن تساعد الرئيس في تعزيز موقعه وقيادته وحسب، ولكنها ستساعد أيضًا على دحر الشائعات حول علاقة حملته بروسيا، كما ستعمل على إظهاره بمظهر الحريص على المصالح الأميركية مهما كان رد فعل الآخرين في روسيا وغيرها.

أما على المستوى الدولي، فلابد أن تُقرأ خطوة ترامب تجاه النظام السوري باعتبارها مناسبة لتوجيه عدَّة رسائل في وقت واحد: الرسالة الأولى، بالطبع، هي للنظام السوري، ولحلفائه الأقرب في إيران وروسيا. ما يريد ترامب قوله: إن الولايات المتحدة لن تخرج من الأزمة السورية، وإنها حتى قبل أن تبلور سياسة واضحة تجاه سوريا، لا يمكن افتراض تخليها عن دورها في تقرير مصير الأزمة الأكثر تعقيدًا وتكلفة منذ نهاية الحرب الباردة. إضافة إلى ذلك، فالواضح أن فريق ترامب يرى بوضوح أن واشنطن سمحت خلال السنوات الماضية بما كان يجب أن لا تسمح به من توسع روسي وإيراني، وأن الوقت قد حان لوضع حد لهذا التوسع.

الرسالة الأخرى، بالضرورة، موجهة لنظام كوريا الشمالية، وتتضمن إنذارًا مباشرًا بأن واشنطن تحت قيادة ترامب لن تتردد في استخدام القوة لحماية أمنها وأمن حلفائها، حتى بدون غطاء قانوني دولي.

أما الرسالة الثالثة، فتبعث بها إدارة ترامب إلى حلفائها الغربيين؛ فمن الواضح أن علاقات واشنطن بالحلفاء الأوروبيين الغربيين، باستثناء بريطانيا، يشوبها التوتر والفتور منذ تولي ترامب مقاليد الحكم، سواء للخلافات حول ميزانيات دفاع الدول الأعضاء بحلف الناتو، لموقف ترامب وبعض مساعديه السلبي من الوحدة الأوروبية، أو للانتقادات التي وجهتها برلين وباريس لتوجهات ترامب غير الليبرالية من التجارة الدولية ومن المهاجرين. ما يريد ترامب أن يقوله لحلفائه: إن الولايات المتحدة لم تزل في موقع قيادة الشأن الدولي، وإنها وحدها الكفيلة بالدفاع عن القيم الغربية في العالم.

أخيرًا، لابد أن تعيد الضربة الأميركية للنظام السوري النظر في طبيعة إدارة ترامب، وما يمكن أن تكون عليه السياسات التي تتبناها هذه الإدارة. تنبع مشكلة قراءة واشنطن ترامب في الشعارات الحادة التي تبناها المرشح ترامب خلال حملته الانتخابية، واعتبر كثيرون أنها ستكون المحدد لسياساته في الداخل والخارج. الحقيقة، بالطبع، أن الرئيس الأميركي، أي رئيس أميركي، ليس صنيعة قناعاته المسبقة فقط، بل وصنيعة المؤثرات الموضوعية لفترته الرئاسية: توازنات مؤسسات الحكم الأميركية، وثوابت الدولة خلال المرحلة التي يتولى فيها مسؤولياته، وخبرات مساعديه الرئيسيين، والأزمات المفاجئة التي تواجهه. والملاحظ، خلال الشهور الثلاثة التي مضت من ولايته، أن الرئيس ترامب لن يكون استثناء، وأن الشعارات التي رفعها خلال حملته الانتخابية، سواء فُهِم منها توجهات انعزالية، أو لا، سيكون لها الأثر الأقل في تشكيل سياساته.

تأييد واسع ورفض مضبوط

الملاحظ أنه، بالرغم من أن القرار الأميركي اتُّخذ بصورة منفردة كلية، أن الضربة التي وُجهت لقاعدة النظام السوري الجوية أثارت تأييدًا واسع النطاق. أيدت جهات المعارضة السورية المختلفة الخطوة الأميركية، وكذلك كافة الدول الأوروبية الغربية ودول الخليج العربية. رحَّب الأوروبيون بالخطوة الأميركية، ربما، لِما أوحت به من توجهات جديدة لإدارة ترامب، خاصة ما يتصل بالاستعداد للمواجهة مع الروس. أما دول الخليج العربية فلابد أنها نظرت إلى خطوة ترامب ليس فقط من جهة تعلقها بدور أميركي أكثر فعالية في الأزمة السورية، ولكن أيضًا، وبصورة أهم، من جهة توكيدها على مصداقية إعلانات ترامب السابقة على عزمه مواجهة التوسع الإيراني الإقليمي.

العراق، بين الدول العربية المعنية بالأزمة السورية، تجنَّب تأييد الضربة للنظام السوري، نظرًا لـنفوذ إيران العميق في الدولة العراقية ودوائرها السياسية. أما مصر، التي أصدرت بيانًا غامضًا، خلا من الإدانة أو التأييد، فلابد أن يُفهَم موقفها ليس فقط من زاوية تعاطفها مع النظام السوري، ولكن أيضًا في ضوء ما انتهت إليه زيارة الرئيس السيسي لواشنطن، التي اقتصرت على عبارات الود والدعم، وخلت كلية من أي دعم أميركي جوهري لنظام السيسي واقتصاد دولته المنهك.

تركيا، الدولة الإقليمية الأكثر اتصالًا بالأزمة السورية أظهرت تأييدًا صريحًا وقاطعًا لخطوة ترامب، وأكدت على استعدادها للتعاون معه في سوريا. ولكن أنقرة أدركت كذلك الطبيعة المحدودة للخطوة الأميركية وَدَعَتْ إلى مزيد من الإجراءات العقابية للنظام السوري، وإلى تأسيس مناطق آمنة لحماية المدنيين السوريين.

في الجانب الآخر، ندَّدت إيران بالعملية الأميركية ووصفتها بالإرهاب. ولكن الإيرانيين، الذين يعيشون حالة من الترقب لما ستكون علية سياسة ترامب تجاههم، لم يذهبوا أبعد من ذلك. أما رد الفعل الروسي، فكان متعدد الأوجه؛ فقد فهم الروس بالتأكيد أن خطوة ترامب تمثِّل إهانة مباشرة لهم ولدورهم وموقعهم في سوريا، وبالرغم من أن عنادهم في مداولات مجلس الأمن أسهم إسهامًا مباشرًا في قرار ترامب توجيه الضربة العقابية لنظام الأسد، إلا أنهم استمروا في إنكار مسؤولية نظام الأسد عن الهجوم الكيماوي، ووصفوا الضربة الأميركية باللاقانونية، وبأنها تقدم خدمة مباشرة، حسبهم، لقوى الإرهاب في سوريا، وأنها تعمل على تقويض عملية السلام الجارية في جنيف وآستانة. وخلال ساعات من قصف مطار الشعيرات، أعلنت موسكو تعليق اتفاق سلامة الطيران فوق سوريا، الذي ينظِّم الطلعات الجوية الروسية والأميركية في الأجواء السورية، كما أعلنت عزمها تعزيز إمداداتها الدفاعية للنظام السوري.

بيد أن ردود الفعل الروسية لا تزال محدودة وتتفادى المواجهة المفتوحة. ما لا يمكن رؤيته بوضوح الآن ما إن كانت روسيا بدأت الاستعداد لدور أميركي مختلف في سوريا، وطبيعة ما يقوله الروس بالفعل لنظام الأسد وللإيرانيين، في حال كانت موسكو، كما واشنطن، متيقنة من مسؤولية النظام السوري عن الهجمة على خان شيخون.

تداعيات الخطوة الأميركية

ستترك الضربة الأميركية لمطار الشعيرات أثرًا إيجابيًّا على معنويات قوى المعارضة السورية، كما على الدول العربية المناهضة لإيران ونظام الأسد. ولكن ضربة مطار الشعيرات في حدِّ ذاتها لا تمثِّل تغييرًا استراتيجيًّا في المقاربة الأميركية للأزمة السورية، أو على الأقل ليس بعد. هذه ضربة محدودة إلى حدٍّ كبير؛ والواضح أن كلًّا من وزير الدفاع وسكرتير الأمن القومي قدَّما للرئيس خيارات أكبر أثرًا، مثل قصف القصر الجمهوري في دمشق، أو تدمير عدد من القواعد الجوية السورية في وقت واحد، ولكن ترامب قرر توجيه ضربة محدودة للقاعدة التي يُعتقد أن الطائرات التي هاجمت خان شيخون أقلعت منها. بمعنى أن الرئيس الأميركي نفَّذ خطوة صغيرة على المستوى العسكري، ذات أبعاد رمزية أوسع على المستوى السياسي.

والواضح، أن إدارة ترامب لم تطوِّر استراتيجية محددة الملامح لسياستها في سوريا ولا في الشرق الأوسط ككل. خلال أيام الجولة الخامسة الطويلة لمباحثات جنيف حول سوريا، لم يُلحَظ أن الأميركيين يسعون إلى دور نشط في تقرير مستقبل سوريا. وبالرغم من اللقاءات الأميركية-التركية المتكررة منذ يناير/كانون الثاني الماضي 2017، ليس ثمة ما يوحي بأن إدارة ترامب تعتمد سياسة سورية مختلفة بصورة ملموسة عن سياسة أوباما، لا على مستوى الموقف من نظام الأسد، ولا ما يتعلق بأولوية محاربة تنظيم الدولة والتحالف مع الحزب الديمقراطي الكردستاني في هذه الحرب. وبالرغم من تصريحات ترامب حول إقامة منطقة آمنة في سوريا، فليس ثمة ما يشير إلى أن واشنطن بدأت استعدادات فعلية لـتأسيس مثل هذه المناطق.

بيد أن هذا لا يعني استبعاد أن تكون الضربة لنظام الأسد مقدمة لتغيير ما في سياسة واشنطن السورية، سيما أن الرئيس قال بوضوح في اليوم السابق لتوجيه الضربة إن موقفه من الأسد قد تغيَّر، كما أن وزير الخارجية ريكس تيليرسون بدا في مؤتمره الصحفي، يوم 6 أبريل/نيسان، الذي أكد فيه على أن لا مستقبل للأسد في حكم سوريا، وكأنه يتراجع عن تصريحات مندوبته في الأمم المتحدة. ما يعزز من احتمال هذا التغيير أن كفة رجال الدولة الأميركية التقليدية في إدارة ترامب، مثل وزير الدفاع ورئيس وكالة الاستخبارات المركزية وسكرتير مجلس الأمن القومي، بدأت ترجح على كفة مساعدي الرئيس القادمين من أقصى اليمين القومي، وأن المجموعة الأولى هي التي أحاطت بالرئيس عند اتخاذ قرار الضربة لنظام الأسد.

أما إلى أية درجة سيحدث هذا التغيير، فليس متيقنًا بعد. ثمة مؤشرات سيعني تبلورها أن هناك توجهًا مختلفًا لواشنطن في سوريا وفي عموم منطقة الشرق الأوسط، مثل إعلان الميليشيات الشيعية الداعمة لنظام الأسد جماعات إرهابية، أو توجيه ضربة ما لمعسكرات حزب الله في سوريا، أو تعهد واشنطن دورًا أكثر فعالية وتدخلًا في مباحثات جنيف، بما في ذلك اتباع تفسير واضح لاتفاق جنيف الأول يقول بوجوب تنحي بشار الأسد كمقدمة لأية تسوية للأزمة السورية، أو انطلاق العمل لتأسيس مناطق آمنة في شمال أو جنوبي سوريا. كما لابد من الانتظار لمعرفة الكيفية التي ستواجه بها إدارة ترامب التوسع الإيراني في الجوار العربي، سيما النفوذ الإيراني الهائل في العراق، والدور الإيراني المتسع في سوريا واليمن. إلى أن تبدأ مثل هذه المؤشرات في البروز، فلا يجب المبالغة في تقدير أثر الضربة الأميركية لمطار الشعيرات على مجريات الأزمة السورية، وعلى التدافع المحتدم بين إيران وجوارها العربي.

 

 

 

 

 

«عرض خطي» من ترامب إلى بوتين… عودة إلى «نادي الكبار» مقابل ترك الأسد/ ابراهيم حميدي

عكف قادة «مجموعة السبع الكبار» خلال الأيام الماضية على صوغ «عرض مكتوب» حمله وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون إلى الرئيس فلاديمير بوتين اليوم، مفاده بتخفيف العقوبات على روسيا وإعادتها إلى نادي «الثماني الكبار» والتعاون في محاربة الإرهاب مقابل وقف نار كامل في سورية لا يشمل الإرهابيين وإطلاق عملية انتقال سياسي جدية تحافظ على المؤسسات وتؤدي إلى خروج الرئيس بشار الأسد.

الوصول إلى صوغ هذا «العرض» تطلب الكثير من المفاوضات والمشاورات بقيادة الرئيس دونالد ترامب وصولاً إلى اجتماع وزراء خارجية «مجموعة السبع» في إيطاليا في اليومين الماضيين لوضع اللمسات الأخيرة على الوثيقة التي حملها تيلرسون إلى الكرملين. وقال مسؤول إقليمي بارز إنه لاحظ وجود «زعامة أميركية لم تكن موجودة لسنوات». وتمثلت هذه القيادة بتولي الرئيس ترامب إجراء اتصالات مع عدد من قادة «مجموعة السبع» بينهم رؤساء وزراء اليابان شينزو آبي وكندا جاستن ترودو وبريطانيا تيرزا ماي والمستشارة الألمانية أنغيلا مركل.

نقاط التشاور بين القادة تناولت ثلاث نقاط: الأولى، ربط الأزمة السورية بملفي جزيرة القرم وأوكرانيا. الثاني، التلويح بفرض عقوبات إضافية على روسيا في حال لم تستجب إلى العرض. الثالث، دور الرئيس الأسد. وقال مسؤول غربي إن مستشاري الأمن القومي ووزراء الخارجية في الدول الكبرى عكفوا على صوغ العرض بدقة متناهية، فهو لم يتضمن الإشارة مباشرة إلى أوكرانيا أو القرم ولا إلى التلويح بعقوبات إضافية على روسيا، إضافة إلى أنه لم يشترط تنحي الأسد قبل بدء المرحلة الانتقالية بل قبول بوتين «عملية انتقالية ذات صدقية تؤدي إلى خروج الأسد من دون انهيار المؤسسات».

عرض «الزعيم ترامب»، لم يتضمن شرط بريطانيا وكندا تشديد العقوبات المفروضة على روسيا منذ عام 2014 بسبب ضمها أراضي من أوكرانيا إذا واصلت موسكو دعمها للأسد بل إعادتها إلى «نادي الثماني الكبار»، إضافة إلى أنه ترك مصير الأسد إلى العملية الانتقالية على عكس رغبة دول إقليمية بينها تركيا. واعلنت كييف ان تيلرسون ابلغها ان أوكرانيا ليست جزءاً من «العرض».

نافذة فرصة

قادة «مجموعة الثماني» يرون أن هناك «نافذة فرصة يجب استثمارها والبناء عليها»، تمثلت بتوجيه الجيش الأميركي ضربات جوية إلى قاعدة الشعيرات وسط سورية بعد استخدام غاز السارين. وقال مسؤول بريطاني إن ترامب اتصل برئيسة الوزراء البريطانية قبل توجه تيلرسون إلى موسكو و «شكرها على دعمها في أعقاب العمل العسكري الأميركي ضد نظام الأسد. واتفقا أن هناك فرصة سانحة الآن لإقناع روسيا بأن تحالفها مع الأسد لم يعد في مصلحتها الاستراتيجية». كما أن رئيس الوزراء الكندي قال بعد اتصاله بترامب وماي أنه لا يرى «دوراً للأسد في المديين المتوسط والطويل».

وكان لافتاً أن تيلرسون اقترب خلال اجتماعات إيطاليا، التي شارك فيها وزراء إقليميين وحلفاء لواشنطن، من موقف مندوبة أميركا في الأمم المتحدة نيكي هايلي المقربة من ترامب. وقال قبل توجهه إلى موسكو إن «أفعالاً مثل الهجوم الكيماوي الذي وقع الأسبوع الماضي تجرد الرئيس الأسد من شرعيته». وأضاف: «من الواضح لنا أن حكم عائلة الأسد يقترب من النهاية»، لكن شدد على ضرورة أن يكون هذا ضمن عملية انتقال سياسي لا تؤدي إلى انهيار مؤسسات الدولة والحكومة ولا تؤدي إلى تكرار نموذجي ليبيا أو العراق بعد تغيير النظامين فيهما. وأضاف: «نأمل أن تخلص الحكومة الروسية إلى أنها ربطت نفسها بتحالف مع شريك غير جدير بالثقة متمثلاً بالأسد». وإبعاد بوتين عن الأسد أكد الوزير الألماني زيغمار غابرييل أنه هدف زيارة تيلرسون. وقال: «علينا أن نبدي موقفاً موحداً وأن علينا في تلك المفاوضات أن نبذل كل ما في وسعنا لإخراج روسيا من ركن الأسد على الأقل بحيث تصبح مستعدة للمشاركة في إيجاد حل سياسي».

في حال وافق بوتين على هذا «العرض المكتوب» يمكن عقد صفقة تتضمن وقفاً شاملاً للنار عدا قتال الإرهابيين وصدور قرار دولي بمبادئ الحل السياسي واستئناف مفاوضات جنيف على أرضية تتضمن جدية من ممثلي الحكومة والمعارضة ودعم ذلك خلال اجتماع المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا بمجلس الأمن اليوم، إضافة إلى بحث تفصيلي باحتمال نشر مراقبين عرب وإقليميين برعاية دولية في سورية لتنفيذ الاتفاق السياسي، بحسب مسؤول غربي.

وفي حال، رفض الرئيس بوتين هذا «العرض المكتوب»، ستتجه أميركا إلى قيادة حلف دولي وإقليمي يؤدي إلى السيطرة الكاملة على شرق نهر الفرات بعد طرد «داعش» منها وبحث إقامة «مناطق استقرار موقتة» شمال سورية وجنوبها لإعادة لاجئين إليها وتحويلها إلى مناطق نفوذ إقليمي ودولي من دون تنسيق الحرب ضد «داعش» بين الجيشين الأميركي والروسي، إضافة إلى ترك «سورية المفيدة» غرب الفرات إلى النفوذ الروسي والإيراني وحرمان هذه المناطق من الموارد الاقتصادية والنفطية والغازية الموجودة شرق النهر الخاضعة لسيطرة الأكراد وترك مناطق النظام «مدمرة من دون أي موارد مالية للإعمار» مع استمرار غرق روسيا في «المستنقع» وتنامي التطرف والإرهابيين الذين يمتدون إلى أراضيها. هذا يفسر رفع البيت الأبيض سقف «الخطوط الحمر» من منع استعمال السلاح الكيماوي إلى تحذير شون سبايسر الناطق باسم البيت الأبيض من أن واشنطن قد ترد إذا استخدمت دمشق «البراميل المتفجرة». ويتضمن هذا الخيار احتمال توجيه «ضربات جراحية» أخرى، إضافة إلى نقل ملف السلاح الكيماوي إلى منظمة حظر السلاح الكيماوي ومجلس الأمن لإصدار قرار جديد يتضمن التحقيق باستخدام الكيماوي في مناطق عدة بينها خان شيخون.

وفي خيار كهذا، من غير المستبعد «عودة أجواء الحرب الباردة» بين أميركا وروسيا، بحسب المسؤول. وأعرب عن «الحذر من أن بوتين قد يلجأ إلى تذويب عرض السبع الكبار لشراء الوقت والرهان على أن ترامب سيمل من الموضوع السوري بعد فترة وحصول أولويات أخرى»، إضافة إلى إشارة المسؤول إلى أن «إيران لن تسمح بعقد صفقة كهذه وهي متمسكة بالرئيس الأسد»، الأمر الذي ظهر في مبادرة الرئيس الإيراني حسن روحاني بالاتصال بالأسد وبوتين لرفض «العدوان الأميركي» وإعلان تحالف تنظيمات بقيادة طهران أن الضربات الأميركية تجاوزت «خطوطاً حمراء» وأن هذا التحالف سيرد على أي «عدوان جديد وسيزيد من دعمه للأسد».

ويتوقع أن يكون رد بوتين على عرض ترامب المدعوم من حلفائه الدوليين والإقليميين، ضمن محادثات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونظيره الإيراني محمد جواد ظريف والسوري وليد المعلم في موسكو نهاية هذا الأسبوع.

الحياة

 

 

 

 

تساؤلات حول الضربة العسكرية الأميركية في سورية!/ أكرم البني

ليس الاستغراب والدهشة هما فقط ما أثارهما تدمير الصواريخ الأميركية لأحد المطارات العسكرية السورية، بل الكثير من التساؤلات المقلقة والمتناقضة والتي تكشف بكثرتها وتناقضها شدة اختلاف الآراء وردود الأفعال من الحدث، وتالياً عمق تباين الاصطفافات والمواقف من الصراع الدامي وسبل معالجته.

لماذا اختار النظام هذا التوقيت بالذات؟ وما كان دافعه أساساً لاستخدام السلاح الكيماوي في بلدة صغيرة كخان شيخون، ما دام ليس ثمة حاجة ضاغطة عليه اليوم لكسر إرادة بشر منهكين ومحاصرين مثلما كانت الحاجة ماسة في الغوطة الشرقية عندما استخدم ذاك السلاح، خريف 2013، وما دام حليفاه الروسي والإيراني قد مكناه من تعديل توازنات القوى والسيطرة على مدينة حلب وغيرها من المناطق المهمة في ريفي دمشق وحمص؟!.

ألا يتعلق الدافع ببنية سلطوية قمعية راسخة تستهتر بكل شيء ولا تتوانى عن استخدام كل وسائل الفتك والتنكيل ضد ما تعتبره الحاضنة الاجتماعية للمعارضة، تحدوها رغبة عميقة بخوض الصراع ضد الآخر المختلف كصراع تدمير وإفناء؟ أم يعود لسلبية المجتمع الدولي التي عززت شعور النظام بالتحرر من أي التزام، وبأنه قادر على فعل ما يحلو له من دون مساءلة أو عقاب؟ أم لعل الصواب يكمن في ما يذهب إليه خيال أصحاب العقل التآمري، مرة بتحميل المسؤولية لأحد مراكز السلطة الأمنية والذي باتت حياته وامتيازاته مرتبطة بتسعير الصراع، ومرة ثانية، بمصلحة إيرانية تقصدت عبر أعوانها افتعال هذا الخرق لخلق مستجدات تساعدها على استعادة دورها المتراجع أمام تقدم وزن موسكو وتنسيقها مع أنقرة، ومرة ثالثة، بتوهم دور خفي لواشنطن حض على هذا التصعيد لخلط الأوراق واستخدامه ذريعة قوية تعزز تدخلها العسكري، ومرة رابعة، بترتيب من موسكو لاستثمار تداعياته في محاصرة نظام بدأ يراوغ ويتهرب من التزاماته، بما يخضعه أكثر لإرادتها ولما تقرره للمستقبل السوري؟!.

وبينما يتفق الكثيرون على أن البيت الأبيض لن يذهب أبعد من حدود هذه الضربة العسكرية كحركة استعراضية وتأديبية، بدليل أن هدفها المعلن والوحيد كان الرد على استخدام الكيماوي ما يبيح دونه مختلف الأسلحة الفتاكة، ثم ما رشح من إبلاغ موسكو مسبقاً، بمكانها وزمانها، لكنهم يختلفون حول السبب الذي حض ترامب على القيام بها، وسرعة انقلابه على برنامجه الانتخابي الشعبوي والانعزالي، وتجاوز أطرافاً أميركية تتحسب من الانزلاق إلى مستنقع يماثل احتلال العراق.

وإذ يستبعد البعض الدافع الإنساني الذي لا علاقة لترامب العنصري به، يتساءل آخرون، هل دافعه حقاً هو النكاية بأوباما، الذي مسح خطوطه الحمراء غير مرة ووقف مكتوف اليدين تجاه مجازر أشد فظاعة، وكي يظهر، على الضد من سلفه، كمنافح حقيقي عن أرواح الأطفال والضعفاء؟ أم إرضاءً لإسرائيل التي لن تهدأ حتى يسلم النظام مخزونه الكيماوي كاملاً؟ أم يتعلق بسياسة جديدة لواشنطن تجاه المنطقة والصراع السوري وجدت في استخدام الكيماوي عتبة الإقلاع لتحسين وزنها ومحاصرة التفرد الروسي ووضع تصعيدها المتواتر ضد إيران في سياق جدي، ودليلهم إدارتها لمعركة الرقة، وإنزالاتها العسكرية المتكررة لتمكين قوات سورية الديموقراطية من حربها ضد تنظيم داعش؟.

لا نضيف جديداً في تحميل النظام مسؤولية ما حدث وأن إفراطه في العنف واستجرار مختلف أشكال الدعم الخارجي شكلا حافزاً صريحاً لتدخل أميركي عسكري وإن تأخر كثيراً، لكن ثمة من يحذر ساخراً، ألن تساعد مثل هذه الضربة الضعيفة، النظام وحلفاءه على رص صفوفهم وتنشيط شعاراتهم الوطنية ضد العدو الخارجي لتحويل الأنظار عن المأساة الداخلية وتحرير الذات من المسؤولية وتحميل ما جرى ويجري للآخر المعارض المتواطئ والمستعمر الأجنبي، بما في ذلك شحن الدعاية الرسمية عن المؤامرة الكونية التي تتعرض لها البلاد بسبب موقفها المقاوم والممانع، وعن دول إمبريالية لفقت قضية الكيماوي كي تسوغ مشاركتها المباشرة في الصراع حين استشعرت تحول ميزان القوى لمصلحة النظام؟.

نعم ثمة شعور يتنامى من خطورة أن تفضي الضربة العسكرية الأميركية لتصاعد العنف محفوفاً بخشية وحسرة من استمرار استباحة البلاد وتحويلها إلى ساحة مزمنة للتنافس على النفوذ بين مختلف الأطراف الإقليمية والعالمية، لكن لم يستغرب البعض سماع عبارات واضحة من سوريين تظهر تأييدهم للضربة الأميركية ربطاً بصراع مدمر طال، وبمعاناة إنسانية شديدة، وبانسداد الأفق أمام أي حل سياسي أو سبيل يردع آلة القمع ويضع حداً لعنف منفلت؟! ولمَ يستهجنون حين يشعر المتضررون من فتك السلطة، بأنها تتشفى لهم من قهر وظلم فاقا التصور، وتشكل عندهم أمل ورجاء طال انتظارهما، خصوصاً أولئك الموجودين في المدن المحاصرة ومن يكابدون في المناطق الخارجة عن سيطرة السلطة ومن اللاجئين في بلدان الجوار، فضلاً عن سوريين بدأوا يستشعرون خطورة القادم إن تحسنت مواقع النظام وخرج منتصراً مدعوماً بحلفائه؟.

صحيح أن ثمة متشائمين يطالبون بتوخي الحذر من أن تفضي الضربة الأميركية لإجهاض الحل السياسي وتعزيز قوى التطرف والعنف لدى السلطة والمعارضة، ويبالغون بخشيتهم من أن تمنح تداعياتها الجماعات الإسلاموية مزيداً من الفرص للنيل من الآخر المختلف ولوضع أجندتها موضع التنفيذ من دون اعتبار لحقوق الناس وكرماتهم، وصحيح أن ثمة متفائلين يراهنون على العكس على دورها في كسر الاستعصاء القائم عبر إضعاف تشدد النظام وربما تفكيك الدائرة السلطوية الضيقة المتمسكة بخيار العنف والتي ترفض تقديم أية تنازلات، ويتوهمون تبلور قوى من داخل تركيبة السلطة نفسها لها مصلحة بإخماد الصراع، لكن الصحيح أيضاً أن ثمة أصواتاً كثيرة تتساءل طلباً للخلاص من هذه المقتلة العبثية، ألم يحن الوقت لربط الردع العسكري الخارجي بإرادة أممية تلزم الجميع بوقف العنف وبمعالجة سياسية تحدوها معايير حقوق الإنسان والقواعد الديموقراطية التي تمكن الشعب السوري المنكوب من تقرير مصيره؟.

* كاتب سوري

الحياة

 

 

 

 

 

أرخميدس في مطار الشعيرات/ صبحي حديدي

«الممانعون» العرب، وهم رهط المؤمنين بأنّ ما تشهده سوريا منذ سبع سنوات ليس انتفاضة شعبية، بل مؤامرة تستهدف «محور الممانعة» ضدّ إسرائيل وأمريكا والإمبريالية العالمية؛ قرأوا الهجمة الصاروخية الأمريكية على مطار الشعيرات ـ أسوة بالغارات الإسرائيلية العديدة ضدّ مواقع للنظام ـ لا كمَن عثر على ضالة يتعكز عليها، أياً كان النخر في بنيانها، فحسب؛ بل كمَن وجدها… على غرار أرخميدس!

بعضهم يرفع العقيرة هاتفاً، وبعضهم الآخر يشقّ الحنجرة صارخاً: أترون؟ ألم نقل لكم إنّ أمريكا، مثل إسرائيل، شريكة في المؤامرة ضدّ نظام الممانعة والمقاومة والصمود؟ ألا يتضح الآن أنّ أمريكا ودوائر الإمبريالية العالمية كافة، وما تبقى من استعمار قديم، وما يتجدد ويتوالد من استعمار جديد… إنما تتكاتف خلف هذه الضربة الصاروخية الأمريكية، وكلّ غارة إسرائيلية، وبالتالي تساند «العملاء» و«المندسين» و«الإرهابيين» و«الجهاديين» المناهضين للنظام السوري «الممانع»؛ استكمالاً للمؤامرة إياها، التي تستهدف إخراج البلد من معادلة الصراع العربي ـ الإسرائيلي، وتركيع قيادته؟

والحال أنّ عقود التاريخ السياسي العربي المعاصر، وربما الحديث بأسره أيضاً، لم تشهد مقداراً من الادقاع والتهافت والابتذال، فضلاً عن القحة وانحطاط التفكير وبذاءة الحجة واستنقاع العقل؛ مدانياً لهذه المنظومة السياسية ـ الأخلاقية التي يتمرّغ فيها رهط «الممانعين» العرب. فهؤلاء لا يرون أية إزدواجية في معيار تصفيقهم لنظام «يمانع» ضدّ إسرائيل والإمبريالية، لكنه سحب دباباته ومدفعيته الثقيلة وقوّاته الموالية من الجولان المحتلّ، لتحارب السوريين في قراهم وبلداتهم ومدنهم.

وحين تعربد قاذفات إسرائيل، على هواها، مراراً وتكراراً، فوق مراكز الأبحاث ومستودعات السلاح والقصور الرئاسية؛ فإنّ قاذفات النظام، ومنظوماته الصاروخية ومدفعيته الثقيلة، تردّ بالفعل، ولكن كما يلي: تستدير إلى الداخل السوري، فتستهدف المخابز والمشافي والجامعات ومآذن المساجد وقباب الكنائس والجسور الأثرية.

لا يتذكر الرهط، إذْ يتعمد معظمهم تناسي، التصريحات التي نسبتها صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية إلى رامي مخلوف، ابن خال بشار الأسد وتمساح الاستثمار والمال والأعمال الأشرس؛ بصدد العلاقة الوثيقة بين استقرار النظام السوري، واستقرار إسرائيل، وقوله بالحرف: «إذا لم يتوفّر استقرار هنا، فلا سبيل إلى استقرار في إسرائيل». كانت تلك الأقوال قد صدرت في الأسابيع الأبكر من انطلاق الانتفاضة الشعبية، وكانت تعيد التذكير بما يعرفه الشعب السوري وجميع شعوب المنطقة: أنّ النظام السوري «الممانع»، هو ذاته النظام الذي ظلّ ضامناً لاستقرار إسرائيل… ذاتها، التي «يمانع» النظام ضدّها! كما يتناسون أنّ تلك الأقوال قيلت بلسان صيرفي الفساد والاستبداد الأوّل، لكي تستجدي إسرائيل، وتغازلها، وتستجير بها.

ويحلو للرهط أن يتناسى، أيضاً، الخدمات الممتازة التي أسداها الأسد الأب، مثل الأسد الابن، للمصالح الأمريكية والغربية في المنطقة، ولأمن إسرائيل في المقام الأوّل. وتلك خدمات لم تكن تنتهي عند استمرار سلام الأمر الواقع الذي ظلّ يسود الجولان المحتلّ، منذ اتفاقية سعسع سنة 1973؛ أو التزام النظام بمدوّنة السلوك الحسن في ضبط الحدود السورية ـ العراقية، لصالح الاحتلال الأمريكي. كما أنها خدمات أبعد أثراً من حرب النظام ضدّ الحركة الوطنية اللبنانية والمقاومة الفلسطينية، وحصار المخيمات، أواسط السبعينيات؛ أو التفرّج على الغزو الإسرائيلي للبنان، سنة 1982، رغم استهداف القوّات السورية مباشرة، واستشهاد ضباط وأفراد كثر. وما خلا المساندة اللفظية لـ»حماس»، والاتجار السياسي والمالي بإمدادات السلاح الإيراني إلى «حزب الله»، فإنّ الوريث واصل نهج أبيه في خطب ودّ الإمبريالية العالمية، والبحث عن أقنية التفاوض مع إسرائيل، سرّاً أو علانية أو عبر الوسطاء.

طريف، إلى هذا، أنّ العداء لأمريكا هو معيار «الممانعين» في الحكم على براءة النظام السوري من دماء السوريين، وهو الدليل على صحة نظرية المؤامرة ضدّ «محور الممانعة»، ونقض انتفاضة الشعب السوري ضدّ نظام الاستبداد والفساد والمزرعة العائلية. فكيف، والحال هذه، يُطبّق المعيار ذاته على «جبهة النصرة»، المعادية لأمريكا بدورها، والموضوعة على لوائح الإرهاب الأمريكية الرسمية؟ أهي «ممانعة»، بدورها؟ وإذا كان «الممانع» يغفر للنظام السوري جرائم الحرب التي يرتكبها كلّ يوم ضدّ الشعب السوري، بذريعة معاداة أمريكا، فما قوله في ما تقترفه بعض كتائب «جبهة النصرة» من انتهاكات وجرائم؟

وذات يوم غير بعيد، تناوب الأسد الابن؛ مع حسن نصر الله، الأمين العام لـ«حزب الله»؛ واللواء حسن فيروز آبادي، رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية؛ وأحمد جبريل، الأمين العام للجبهة الشعبية ـ القيادة العامة؛ تناوبوا، وسواهم من المطبّلين المزمّرين، على تبشير العباد بأنّ ساعة تحرير الجولان المحتلّ قد دقت، وانبلج فجر «المقاومة» في سهوله وهضابه. ولقد انصرم أسبوع على تلك الحملة اللفظية ـ التي تجوز فيها صفة «البلاغة الشعواء»! ـ ثم انقضت أشهر، وسنوات؛ فلم يشهد شبر واحد من أراضي الجولان المحتلة، الشاسعة الواسعة المترامية (قرابة 1200 كم²)، إطلاق طلقة واحدة في اتجاه قوّات الاحتلال الإسرائيلية، سواء من بنادق «المقاومين» المتطوعين الأشاوس، عرباً وعجماً على حدّ سواء، أو من دبابات النظام ومدفعيته وأسلحته الصاروخية.

ومع ذلك: «وجدتها!»، يهتف «الممانع» جذلاً، إذْ يتشبث بالضربة الصاروخية الأمريكية الأخيرة؛ فيغضّ أرخميدس طرفه، استحياء بعد العجب والحيرة!

القدس العربي

 

 

 

 

أمريكا في الشعيرات: «الحيونة» بعد «العقلنة»/ صبحي حديدي

في مستوى علم نفس السلوك، بادئ ذي بدء، يمكن الافتراض بأنّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لم يكن في وارد الاقتداء بسلفه باراك أوباما، إزاء مجزرة خان شيخون؛ خاصة وأنّ مناخات التغطية الإعلامية الغربية لجريمة الحرب الكيميائية تلك، كانت كفيلة بتعزيز الحاجة إلى، وربما ضرورة، انتهاز الفرصة الأولى السانحة، لتطبيق الشعار الترامبي «لنجعل أمريكا عظيمة مجدداً». ترامب غير أوباما، قالت رسالة الصواريخ الـ59؛ والفارق يتوجب أن يبدو، هنا تحديداً، بمثابة افتراق جوهري لا يقتصر على لجوء القائد العسكري الأعلى إلى إصدار أمر روتيني، بتنفيذ ضربة صاروخية.

وأمّا في المستوى غير الفردي، الأهمّ ربما، على صعيد السياسة خلف صواريخ الـ»توماهوك»؛ فالأرجح أنّ البيت الأبيض يمكن أن يبدّل المواقف بين ليلة وضحاها، بحيث يمحو النهار كلام الليل، وبالعكس، دون سابق إنذار؛ أو دون خان شيخون بشعة إلى هذه الدرجة، وشريرة، حيوانية، في توصيف ترامب شخصياً. قبل أيام فقط من سقوط الصواريخ على مطار الشعيرات، كان الخطاب الرسمي الأمريكي يطوي صفحة مصير بشار الأسد، إذْ لم يعد تنحّيه، فما بالك الإطاحة به، «أولوية» أمريكية. الآن، خلال ساعات معدودات في الواقع، بات خروج السلالة الأسدية من التاريخ السوري أمراً محتوماً، وفق تصريحات وزير الخارجية الأمريكي ريك تيلرسون.

في قراءة أخرى، من الحكمة عدم انتظار تحوّل جوهري في الموقف الأمريكي من النظام السوري، في المدى القريب المنظور على الأقلّ، وريثما تتبلور الصورة في محورين اثنين، على الأقلّ. الأوّل روسي، حيث لن تجد موسكو مفراً من «التعقيب» على الضربة الصاروخية الأمريكية، في صياغات سياسية أولاً (أبعد من الـ»فيتو» في مجلس الأمن الدولي)، ثمّ عسكرية ربما (قد تُترجم في ترقية صنوف المعدات والأسلحة في مطار حميميم، أو محاولة خلط بعض الأوراق مع الفصائل الكردية في الشمال وعلى هوامش ما يُسمّى «معركة الرقة»). المحور الثاني إسرائيلي، عماده تلميحات بنيامين نتنياهو إلى «تمدّد» وحدات «حزب الله» جنوباً، صوب الجولان المحتل، وهذا بدوره خطّ أحمر؛ وكذلك تذكير موسكو بتعهداتها، المعلنة أو السرّية، حول كفالة أمن إسرائيل من جهة الخاصرة السورية.

وأن يتفادى المرء الأوهام، أو حتى الاستيهام، بصدد تحولات الموقف الأمريكي بعد الضربة الصاروخية؛ أمر لا يلغي النظر الجدّي في ما خلقته تلك الضربة من حراك ديناميكي، على أكثر من صعيد في الواقع: ما تبقى من «تفاهمات» روسية ـ أمريكية، بصدد سوريا؛ خيارات الحلف الأطلسي مجتمعاً، أو المواقف الفردية المتباينة لدى بعض أعضائه (فرنسا مقابل ألمانيا، مثلاً)؛ إيران، وفي ما يخصّ سلّة مصالح متعددة، تبدأ من ساحات الصراع في سوريا والعراق واليمن، ولا تنتهي عند مستقبل الاتفاق النووي مع الغرب؛ وأخيراً، وليس آخراً البتة، قراءة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، التي قد تكون الأهمّ إقليمياً، ليس لواقعة الضربة الصاروخية وحدها، بل لأي بارقة اختلال في «تفاهمات» واشنطن وموسكو، يمكن أن تستغلها أنقرة لاستحداث هوامش مناورة إضافية في مجمل الملفّ السوري.

واضح، في المقابل، أنّ النظام السوري خسر الكثير في هذه الجولة (العلنية) من استخدام السلاح الكيميائي، وأنّ ألعاب الشدّ والجذب بين واشنطن وموسكوـ التي خال أنها منحته مهلة بقاء إضافية، أفضل من تلك التي تمتع بها في عهدَي أوباما ـ لا تنقلب اليوم ضدها، وعليه استطراداً، فحسب؛ بل لعلها ستدفع إدارة ترامب إلى إحياء خيارات أولى مبكرة، سبقت صعود «داعش»، أولاً؛ كما سبقت التدخل الروسي المباشر، حين كانت دمشق على وشك السقوط، حسب تشخيص وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، ثانياً.

وكان أوباما قد اعتمد جرعة من «العقلنة» الذرائعية في الموقف من النظام السوري، وأمّا خَلَفه ترامب فإنّ لجوءه إلى «حيونة» رأس النظام شخصياً هو، أيضاً، افتراق في علم نفس السلوك!

القدس العربي

 

 

 

ما الذي تغير بعد ضربة الشعيرات؟/ بكر صدقي

بدت الولايات المتحدة، بعد ضربها مطار الشعيرات، شرقي حمص، كذلك السائق الذي يشير إلى اليسار ثم ينعطف يميناً، على ما تقول عبارة سورية شائعة في وصف الحالات المماثلة. فقبل أقل من أسبوع، كان الطاقم الدبلوماسي في إدارة ترامب قد طمأن بشار الكيميائي بصدد نوايا الإدارة الأمريكية الجديدة تجاه نظامه: الأولوية لمحاربة داعش، والشعب السوري هو من يقرر مصير الأسد، قال وزير الخارجية ريكس تليرسون، وسبقته المندوبة الأمريكية في مجلس الأمن بقولها إن تغيير النظام في سوريا «لم يعد» أولوية أمريكية، وكأن هذا الهدف كان يحظى بأي أولوية في عهد أوباما.

فجأةً تغير كل شيء في خطاب أركان الإدارة وأفعالها معاً: بين تهديد ترامب للنظام بالعقاب على استخدامه للسلاح الكيميائي في بلدة خان شيخون، وضرب مطار الشعيرات بصواريخ التوماهوك، ساعات قليلة وحسب. كان الرجل يتناول العشاء مع ضيفه، الرئيس الصيني شي جين بينغ، على ما سيخبر الإعلام لاحقاً، حين تم إبلاغه بجاهزية الصواريخ المعدة للإطلاق، بما في ذلك توجيهها نحو الأهداف المحددة. فأعطى الأمر بالإطلاق. وحين انتقل الرئيسان إلى تناول حلوى ما بعد الطعام، أُبلِغَ بالتنفيذ. «كانت حلوى لذيذة بقطع الشوكولا الرائعة»! قال ترامب وهو يصف تلذذه بإخبار ضيفه بالعملية. «استمع إليّ بصمت وبتعابير وجه محايدة» قال ترامب، وكأنه كان يصف، مجازاً، امتناع الصين اللاحق عن التصويت في مجلس الأمن، تاركةً روسيا وحدها في الفيتو ضد مشروع قرار يطالب بالتحقيق في مجزرة الكيميائي في خان شيخون. طيلة حملته الانتخابية، وبعد فوزه بالانتخابات ثم استلامه منصب رئاسة الدولة الأولى في العالم، دأب ترامب على مهاجمة الصين وإطلاق التهديدات نحوها، مقابل مغازلة علنية لروسيا ورئيسها بوتين، بل إنه لم يتوان عن إبداء إعجابه ببشار الكيميائي نفسه بوصفه «مكافحاً للإرهاب»! وها هو، اليوم، يستميل الصين بضغط «ناعم» ويضع روسيا في الهدف، ومعه تابعه السوري بطل الكيميائي والبراميل المتفجرة.

استجابت الصين لهذا الضغط الناعم، وبدأ ابتعادها عن روسيا، وربما عن كوريا الشمالية التي يستهدفها ترامب أيضاً برسائل شديدة الفتك: التوماهوك في سوريا و«أم القنابل» MOAB في أفغانستان (تستخدم للمرة الأولى)، بعد تحريك قطع من أسطولها الحربي قريباً من «الدولة المارقة» لصاحبها كيم جونغ أون. وهكذا رأينا الصين تنصح محميتها كوريا الشمالية بوجوب التفاهم مع الولايات المتحدة. نذكر، في هذا السياق، أن الإدارة الأمريكية خفضت كثيراً من بنود ميزانيتها المالية للسنة 2018، باستثناء ميزانية الدفاع التي من المحتمل أن ترتفع بصورة قياسية ما لم يتم تغيير ذلك. أي أن إدارة ترامب هي إدارة حرب يتألف أركانها من جنرالات سابقين ورجال أعمال.

هناك، إذن، انعطافة كبيرة وشاملة في السياسة الخارجية الأمريكية، سواء بالقياس إلى عهد أوباما الذي يتعرض لهجوم كبير من ترامب وفريقه، أو بالقياس إلى بعض تصريحات أركان الإدارة الحالية، إلى ما قبل ضرب الشعيرات. غير أن مؤشرات كثيرة كانت تنبئ بشيء من هذه الانعطافة، حتى قبل الهجوم الصاروخي. تتعلق تلك المؤشرات، عموماً بتغير في خطاب دول حليفة للولايات المتحدة كالسعودية والأردن وإسرائيل على سبيل المثال. عودة الدفء إلى العلاقات السعودية ـ العراقية كانت مؤشراً مبكراً على أن تصعيد إدارة ترامب تجاه إيران هو في غاية الجدية. أما الأردن، فقد تدخل عسكرياً في جنوب سوريا، للمرة الأولى منذ بداية الحرب، وطرح نفسه شريكاً في مسار أستانة، في انقلاب واضح على السياسة الأردنية المتبعة، إلى حينه، تجاه الصراع في سوريا. كذلك يمكن تلمس مؤشرات التغيير الأمريكي في الغارة الجوية التي نفذها الطيران الإسرائيلي، قبل أسبوعين، على أهداف لحزب الله، وأين؟ قرب تدمر! ثم أعلنت إسرائيل عن الغارة، بخلاف مسلكها المعتاد في الامتناع عن تبني غاراتها الكثيرة ضد أهداف داخل الأراضي السورية. كما أنها ردت بقسوة على محاولة أنظمة الدفاع الجوي للنظام الكيميائي اعتراض الطائرات الإسرائيلية: فهذا الرد الفاشل من النظام، للمرة الأولى في تاريخ الغارات الإسرائيلية، قوبل بتهديد إسرائيلي صريح: إذا تكرر ذلك سنقصف دفاعاتكم الجوية! لا الأمريكي اعترض على الغارة والتهديدات الإسرائيلية، ولا الروسي الوصي على نظام دمشق وسماء سوريا.

فهل كانت تصريحات تليرسون ونيكي هايلي المطمئنة للأسد مجرد فخ فشل بطل الكيميائي في مقاومة إغرائه؟ إغراء الاختبار العملي لتلك التطمينات؟ هذا محتمل بقوة بالنظر إلى أنه من غير المنطقي، في سياسات الدول، أن يغيِّر حدث كمجزرة خان شيخون تلك السياسات تغييراً من النقيض إلى النقيض، بـ«دوافع إنسانية» ما لم تستخدمها الدولة المعنية كذريعة لتوجهات مبيتة أصلاً. فما بالكم إذا كان الأمر يتعلق بدولة كالولايات المتحدة، وبقيادة الحزب الجمهوري، وهي صاحبة السابقة المعروفة في العراق: حين شجعت السفيرة الأمريكية آنذاك، إبريل غلاسبي، الرئيس العراقي صدام حسين، بصورة مواربة، على غزو الكويت، فوقع في الفخ المنصوب له، وكانت بداية نهاية نظامه.

هناك تشابهات إضافية بين الحالتين: استطاعت الولايات المتحدة أن تجمع طيفاً واسعاً من الدول المهمة على تأييد ضربته لمطار الشعيرات. فباستثناء روسيا وإيران، أيدتها جميع الدول تقريباً، بما فيها نادي السبعة الكبار الذي اجتمع وزراء خارجيتها في إيطاليا، واتفقوا على تقرير مصير بشار الكيميائي خارج السلطة. وأعطوا روسيا فرصةً للتعاون بهذا الصدد بدلاً من الصدام. كما أيدت الضربة الأمريكية دول إقليمية تم استدعاء وزراء خارجيتها إلى هذا الاجتماع، لإعطاء انطباع قوي لروسيا حول إجماع أمريكي ـ أوروبي ـ عربي ـ تركي حول وجوب إبعاد الأسد عن السلطة، مدخلاً لحل الصراع المديد الدامي في سوريا.

واستخدم الروسي السلاح الوحيد الذي يملكه في مواجهة الولايات المتحدة والغرب: الفيتو في مجلس الأمن. علينا ألا نستغرب إذا كان هذا آخر فيتو يستخدمه بوتين في مجلس الأمن بخصوص الصراع في سوريا. فالأمريكي الذي استبق القول بالفعل، تصرف أصلاً من خارج مجلس الأمن، وأظهر العزلة الدولية الخانقة لروسيا مقابل التفاف الحلفاء التقليديين لواشنطن في مساندة سياستها الهجومية. عزلةٌ حتى عن الشريك الصيني الثابت في قرارات الفيتو بخصوص سوريا.

ماذا بعد؟ هل سيكون هناك صدام بين الأمريكيين والروس؟ إذا كرر الأمريكيون ضرب أهداف جديدة تخص النظام الكيميائي، هل سيردعهم الروس، بما يعنيه ذلك إشعال حرب بين الدولتين؟ أم أن الأمر لن يحتاج أصلاً إلى ضربات جوية جديدة ضد أهداف عسكرية للنظام الكيميائي؟

ما خرج من اللقاء الأول بين سيرغي لافروف وريك تليرسون في موسكو لا يوحي أبداً باحتمال حدوث أي صدام بين الطرفين، رغم وضوح التباين السياسي بينهما بصدد سوريا. فالمهم في هذا اللقاء هو إعلان موسكو عن استمرار التعاون بين الدولتين في الشأن السوري، واستمرار التنسيق العسكري بينهما فيما خص تجنب وقوع صدامات بين الطائرات الأمريكية والروسية في الأجواء السورية.

هذا يعني أن «الرسالة الأمريكية» القوية قد وصلت، كما يقال، سواء لروسيا أو لتابعها في دمشق (ومن ورائه إيران). وفي جعبة الأمريكيين أوراق ضغط وتهديد لبوتين كفيلة بإرضاخه: مسؤوليته عن فشل الصفقة الكيميائية، في العام 2013، وهي الدولة الضامنة للنظام، بدلالة احتفاظ الأخير بكميات من غاز السارين استخدم جزءا منها في ضربة خان شيخون. بل مسؤوليته المحتملة عن ضربة خان شيخون ذاتها: فالخبراء الروس كانوا موجودين في مطار الشعيرات الذي انطلقت منه الطائرات التي قصفت خان شيخون بالسارين. هذه الورقة الأخيرة تكفي وحدها لابتزاز الروس من أجل تغيير سلوكهم في سوريا باتجاه إرغام النظام على الدخول في حل سياسي حقيقي يشمل بصورة خاصة إبعاد بطل السارين عن السلطة.

والأمريكيون لا يريدون إسقاط النظام، بسبب مخاوفهم المعلنة بخصوص «الإرهاب» الجهادي. بل يريدون حلاً سياسياً يتضمن نقلاً منظماً للسلطة. وفي ذلك يحتاجون إلى تعاون روسيا في مجلس الأمن وعلى الأرض.

الأسابيع المقبلة حبلى بتغيرات كبيرة في سوريا وحولها وعليها. كل ما نتمناه أن يكون التغيير الأول على جدول الأعمال هو وقف حقيقي وشامل لإطلاق النار، وفك الحصار عن المناطق المحاصرة، وإنفاذ من تبقى من أسرى في معتقلات النظام المتوحش الذي لا يجيد سوى القتل والترويع بحق من هو أضعف منه، والتذلل والخضوع لمن هم أقوى منه.

القدس العربي

 

 

 

 

قادة في المعارضة السورية: الضربة الأمريكية نقطة تحول بارزة وترامب جاد في قرار الإطاحة بالأسد/ إسماعيل جمال

إسطنبول ـ «القدس العربي»: أجمع معارضون وقادة في الائتلاف السوري المعارض على أن الهجوم الكيميائي الذي قام به النظام السوري على بلدة خان شيخون في إدلب وما أعقبه من توجيه الولايات المتحدة الأمريكية ضربة عسكرية محدودة للنظام السوري هو بمثابة نقطة تحول هامة جداً في مسار الأزمة السورية، معبرين عن اعتقادهم أن الرئيس الأمريكي جاد في قرار الإطاحة برئيس النظام السوري. وفي الرابع من الشهر الجاري قتل قرابة 100 مدني بينهم أكثر من 30 طفلا في هجوم قالت التحقيقات الدولية إنه جرى باستخدام غاز السارين السام والمحرم دولياً، وأجمع العالم على أن النظام هو من نفذ الغارة بالأسلحة الكيميائية.

وبعد ذلك بأيام، أطلقت بوارج حربية أمريكية قرابة 60 صاروخاً موجهاً نحو قاعدة عسكرية تابعة للنظام في مدينة حمص، في أول تحرك عسكري أمريكي مباشر ضد نظام الأسد، وسط سيل من التصريحات والتهديدات من كبار مسؤولي إدارة ترامب وتأكيد الأخير على أن «حكم عائلة الأسد يجب أن ينتهي» وأن المأساة السورية «آن لها أن تنتهي».

جاموس: العمل خارج إطار مجلس الأمن

بدر جاموس عضو الهيئة السياسية في الائتلاف أكد أن المعارضة السورية فقدت الثقة تماماً بالإدارة الأمريكية أثناء حكم باراك أوباما، مضيفاً: «لم نكن نعول كثيراً على إدارة ترامب الجديدة ولكن عقب الضربة الأخيرة ثبت لنا أننا أمام نقطة تحول حقيقية ومهمة كما أن تصريحات الإدارة الأمريكية التي تقول إن حكم عائلة الأسد انتهى وليس فقط الأسد مهمة للغاية بالإضافة إلى أن الخلاف مع روسيا أصبح واضحاً وغير قابل للشك».

وعن الطريقة التي يمكن أن يعمل عليها ترامب من أجل ترجمة تصريحاته المتعلقة بإزالة الأسد، قال: «أثبتت أمريكا أن لديها القدرة على العمل خارج مجلس الأمن الذي عجز عن القيام بأي خطوات حقيقية وتجاوز الفيتو الروسي المتكرر وبالتالي يمكن أن تلجأ واشنطن إلى تشكيل تحالف دولي وتنفيذ ضربات محددة وزيادة الضغوط حتى إسقاط الأسد».

وفيما يتعلق بدور المعارضة السورية في استثمار الموقف الأمريكي الجديد، قال: «سنعمل على فتح جميع ملفات جرائم الحرب التي قام بها نظام الأسد طوال السنوات الماضية وتم تعطيلها من قبل العديد من الأطراف وسنطرح من جديد جميع جرائم الكيميائي والغازات والبراميل المتفجرة» نافياً علمه بوجود أي خطط أمريكية أو دولية جديدة تتعلق بتسليح المعارضة السورية على الأرض، معتقداً بأن الإدارة الأمريكية ربما تركز على الضغط الدولي بطرق مختلفة من أجل تحقيق رؤيتها الجديدة لإزالة الأسد من الحكم.

الحريري: يجري الكثير خلف الأبواب المغلقة

المعارض السوري البارز ورئيس «إعلان دمشق» نصر الحريري اعتبر أن هناك تحولا قويا في موقف الإدارة الأمريكية الجديدة، وقال: «موقف ترامب حمل مفاجآت كبيرة كون المعطيات السابقة أشارت إلى أن الرئيس الأمريكي لم يكن يضع سوريا ضمن أولوياته، والضربة الكيميائية على خان شيخون أوضحت الموقف الأمريكي من الملف السوري».

وأضاف الحريري الذي ترأس وفد الهيئة العليا للمفاوضات: «الهجوم الكيميائي ولد مواقف مهمة لدى كبار مساعدي ترامب المهمين وأبرزهم وزير الدفاع ورئيس مجلس الأمن القومي والقيادات العسكرية وهو ما ساهم في اتخاذ الموقف الحالي من الأسد ولم يعد الأمر يتعلق بتراتبية وإنما باتت إزالة الأسد على مستوى أهمية الحرب على الإرهاب».

وحول الطريقة الممكن اتباعها من قبل ترامب لإزالة الأسد، قال: «ربما يجري الكثير الآن خلف الأبواب المغلقة وخاصة في الاتصالات الجارية بين أمريكا وروسيا حيث نتوقع أن تجري الآن عروض وصفقات أمريكية لروسيا لحثها على التخلي عن الأسد والسؤال الأهم الآن هو الثمن الذي تريده موسكو مقابل التخلي عن الأسد».

وتابع: «بالتأكيد بوتين يريد ثمنا مقابل التخلي عن الأسد، ضمن الحفاظ على مصالح روسيا في سوريا كما أن الصفقات المفترضة يجب أن تكون مقبولة لدى إيران التي تتمسك بالأسد» معتبراً أن إيران نفسها يمكن أن تتخلى عن الأسد إذا زادت الضغوط الأمريكية وشعرت أنها يجب أن تتخلى عنه لتتجنب خسائر أكبر.

رمضان: إستراتيجية ترامب الثلاثية

باتت تلتقي مع المعارضة

وقال أحمد رمضان عضو الهيئة السياسية للائتلاف السوري المعارض: «لا شك أن أهمية الضربة تكمن في بعدها السياسي، فهي المرة الأولى التي تتدخل فيها الولايات المتحدة لضرب نظام عائلة الأسد منذ خمسة عقود حظي فيها بالرعاية والحماية، ونقطة تحول عن الموقف الذي التزمت به إدارة أوباما، التي تركت فراغاً ساعد الروس والإيرانيين على التغلغل في سوريا بشكل غير مسبوق».

وأضاف: «تزامنت الضربة مع تغير سياسي واضح، إذ أعلنت إدارة ترامب رفضها لبقاء الأسد وعائلته في السلطة، ووجهت إشارة تفيد بقرب رحيله مع عودة مرتقبة للمفاوضات، ومن هنا فإن إستراتيجية ترامب الثلاثية باتت تلتقي مع المعارضة السورية بشكل كامل، وهي: محاربة الإرهاب ورحيل الأسد والتصدي لإيران». وتابع: «لتحقيق ذلك نتوقع أن نشهد في المستقبل دعماً للمعارضة سياسياً وعسكرياً وستكون المواجهة واسعة في التصدي لميليشيا إيران وبشار الأسد».

وأكد رمضان على أنه «إذا أراد ترامب تحقيق إنجاز في محاربة الإرهاب والتصدي لتدخلات إيران فلا بد من ان يتعامل بحزم وجدية مع ملف الأسد وعائلته، وبالتالي التعاون مع قوى المعارضة السورية والمحور العربي – التركي الذي يدعمها، ويبدو أن الأمور تسير في هذا الاتجاه» معتبراً أن «الدلائل تشير إلى أن عام 2017 سيكون صعباً على إيران وحزب الله وبشار الأسد، وسيشهد تحركات عسكرية في هذا الاتجاه. سوريا على أبواب تحول كبير، ومنطقة الشرق الأوسط، مع عودة مختلفة للولايات المتحدة، واستنزاف روسيا وإيران قواهما في سوريا».

المسالمة: تغيير فعلي أم «ضبط لقواعد الصراع»؟

المعارضة السورية سميرة المسالمة رأت أن الأهمية لا تكمن في حجم الضربة الأمريكية وإنما في حجم رد الفعل الروسي الذي لم يكن عسكرياً، معتبرةً أن عودة أمريكا بقوة إلى سوريا أعاد روسيا إلى حجمها الطبيعي وأن الضربة كشفت ضعف القوة الدفاعية العسكرية الروسية في سوريا مقابل التقنية العسكرية الأمريكية المستخدمة.

ولفتت إلى أن الأيام المقبلة سوف تُظهر ما إن كانت سياسة ترامب الجديدة في سوريا حقيقية فعلية تغير قواعد الصراع أم أنها مجرد «ضبط لقواعد الصراع».

القدس العربي

 

 

 

روسيا تسحب قواتها من مطار حماة العسكري استعدادا للأسوأ: واجبات المعارضة السورية بعد ضربة الشعيرات/ منهل باريش

«القدس العربي»: أخلت وزارة الدفاع الروسية مواقعها في اللواء 14، التابع لإدارة القوى الجوية والمعروف بـ«مطار حماة العسكري» مع تزايد التهديدات الأمريكية عن احتمال توجيه ضربة أخرى على قواعد عسكرية تابعة للنظام السوري، في خطوة احترازية تخفف من خسائر القوة الجوية الروسية في حال قامت واشنطن بقصف أهداف جديدة.

ويترافق هذا الانسحاب مع تركيز المسؤولين الأمريكيين على انتقاد قصف النظام للمدنيين بالبراميل المتفجرة، ويعتبر مطار حماة مصنع البراميل المتفجرة وقاعدة انطلاقها في الشمال السوري. ويتحمل طياروه المسؤولية عن قتل عشرات آلاف المدنيين السوريين من الأطفال والنساء نتيجة قصفهم بالبراميل المتفجرة على الأحياء المكتظة بالأهالي شمالي سوريا.

في السياق، أعلن النظام السوري اقلاع طائرة سو-22 من مطار الشعيرات بعد يومين من قصفه بصواريخ توماهوك، محاولا تقليل حجم الخسائر المادية في المطار الحربي والذي يعتبر مقرا لقيادة الفرقة 22 التابعة للقوى الجوية، والتي تتبع لها أغلب مطارات المنطقة الوسطى والشمالية، ومقرا لقيادة اللواء 50 دفاع جوي. ويضم المطار ثلاثة أسراب للطائرات المقاتلة، سرب ميغ 21، سرب ميغ 23، وسرب سو-22.

وكذب المحلل العسكري والطيار السابق، العقيد أديب عليوي، الادعاءات التي أعلنها النظام السوري حول إقلاع طائرة السوخوي من مطار الشعيرات. وقال لـ «القدس العربي»: «مارس النظام الخداع في هذه المسألة، فمعظم مراكز القيادة والسيطرة والأبراج خرجت من الخدمة وتضررت بشكل كبير، الأمر الذي يعطل مقدرة الطيران على الإقلاع والهبوط حتى لو بقيت الطائرات سليمة».

وشرح عليوي مسألة ترميم كتائب الهندسة لمدرج الطائرات: «في حال القذائف الصغيرة يمكن إصلاح المدرج بسرعة كبيرة، لكن القصف بصواريخ توماهوك سيخلف حفرا كبيرة بحاجة إلى رصف جديد يستغرق وقتا طويلا».

ورجح أن تكون القواعد الجوية قد أعطت «إنذارا كاذبا تسمعه مراصد المعارضة التي تتبع حركة الطيران». ونفى إمكانية الهبوط، وشدد أنه «حتى لو شوهدت الطائرة تقلع من الشعيرات -وهذا لم يحدث – من الممكن ان يحدث مع أمر الطيار بالطيران بعد الهبوط على المدرج، وهو ما يعرف في المصطلح الجوي باسم رولو».

مصادر عسكرية ونشطاء في القلمون الشرقي أكدوا رفع العلم الروسي على أكبر قاعدة جوية سورية، وهي مطار الضمير العسكري، والذي يعتبر مقرا لقيادة الفرقة 20 التابعة لإدارة القوى الجوية، وذلك خشية استهدافها من قبل واشنطن في حال قررت استئناف الضربات على القواعد الجوية للنظام السوري، والتي يعتقد أنها تضم مستودعات للسلاح الكيميائي أو تلك التي انطلقت منها طائرات النظام للقصف بالغازات السامة.

ومن المرجح أن يكون مطار حماة العسكري هو ثاني بنك أهداف لدى البنتاغون في سوريا، إضافة إلى مستودعات «الفرقلس» في ريف حمص الشرقي والتي تواترت أنباء عن قصفها بصواريخ توماهوك كونها مستودع السلاح الكيميائي القريب على مطارات حمص الشرقية، في الـ T4 والشعيرات ومطار تدمر. كذلك، تعتبر معامل الدفاع في السفيرة شرق حلب، ومعامل تقسيس جنوب حماة، هدفين محتملين. وما يزيد من فرضية وضعهما على لوائح الأهداف هو تغيير الحركة اليومية اليهما وتخفيف اعداد الموظفين والعاملين فيهما ونقلهم الى مناطق أخرى.

إلى ذلك، بدت علامات الخوف والشحوب على وجوه أغلب الطيارين وقادة الألوية، حسب الفيديو الذي بثه التلفزيون السوري الرسمي لزيارة رئيس هيئة الأركان العامة في جيش النظام، العماد علي أيوب، إلى مطار الشعيرات. واتضح هذا خصوصا لدى العميد الطيار محمد يوسف الحاصوري، المتهم بقصف خان شيخون بالمواد السامة في الرابع من نيسان/أبريل الجاري، والذي كان يقود الطائرة «قدس1» التي شنت الهجوم في خان شيخون.

سياسيا، لم يصدر عن المعارضة أي تحرك لافت تستثمر من خلاله القصف الأمريكي لصالحها، سوى بيانات ترحيب من فصائل الجيش الحر والائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، حتى زيارة المنسق العام للهيئة العليا للتفاوض، رياض حجاب. لم تستغل بالشكل الكافي سياسيا مع تبدل الموقف الأمريكي من نظام الأسد.

وينتظر من «الائتلاف» عقد مؤتمر للمعارضة بشقيها السياسي والعسكري لبحث تداعيات الضربة الأمريكية وبناء استراتيجية جديدة، تخرجها من حالة الركود والتكلس التي دخلت بها منذ عامين. وعلى المعارضة قراءة الأولويات الأمريكية بشكل دقيق، فتوجيه ضربة عسكرية لقاعدة جوية تابعة للنظام، يعني بالطبع القطع مع الأسد بشكل نهائي، واتهامه انه مجرم حرب يعني بكل تأكيد ان عودة عقارب الساعة إلى ما قبل قصف الشعيرات هو أمر بعيد الاحتمال.

إعلان الخارجية الأمريكية عن أولوياتها المتمثلة بحرب تنظيم الدولة وتقليص دور إيران مع الاستمرار في عملية المفاوضات السياسية والبناء على انتقال سياسي لن يكون الأسد جزءا منه، يحتاج إلى بحث الشراكة الاستراتيجية مع واشنطن من قبل المعارضة السورية، وبالتحديد في ملف محاربة الإرهاب والحرب على التنظيم.

وفيما ترتب واشنطن مع روسيا طريقة خروج الميليشيات الشيعية الإيرانية وميليشيا حزب الله اللبناني، فإن التفاؤل الذي تعيشه المعارضة ربما يكون صحيحا إلى حد بعيد. لكن تغير الموقف الأمريكي بحاجة إلى عمل المعارضة، أكثر بكثير من وقت إشاحة أمريكا وجهها عن الملف السوري، وتركه للروس يتصرفون به ويحلونه على طريقتهم.

القدس العربي

 

 

 

ضربة الشعيرات: مقدمة لإنهاء المعاناة؟/ عبدالباسط سيدا

«ما يحدث في سورية حرب وليست ثورة»، عبارة قالتها زميلة يسارية بوليفية في تعليق لها على كلام زميلة أخرى سورية.

فوجئت بالتعليق غير المتوقع، بناء على مناقشاتنا السابقة، وآثرت الاستماع صامتاً إلى تشعبات الحديث، الذي سرعان ما انتقل لتناول موضوع آخر لإدراك الطرفين مدى حساسية ما قيل، وتحسباً لمآلات غير محسوبة.

قابلت الزميلة البوليفية ذاتها في مناسبة أخرى وبينت لها أن موقفها من الوضع في سورية كان غريباً غير متوقع بالنسبة إلي. وجدتها ما زالت مصرّة على موقفها، لكنني لاحظت في الوقت عينه مسحة مختلطة من التشنج والبرود على وجهها، وهي سمة يتشارك فيها العقائديون عادة.

من الحجج الضعيفة التي اتكأت عليها لدعم موقفها: بشار الأسد منتخب ديموقراطياً، وكل المتطرفين الإسلاميين من جميع أرجاء العالم اجتمعوا لمقاتلة النظام بدعم أميركي، وغير ذلك من الأقاويل المعلّبة، الفاقدة لأية صلاحية تسويقية.

ويبدو أنها شعرت بتماديها في الدفاع عن حاكم مسؤول عن قتل أكثر من نصف مليون إنسان، ومسؤول عن إعاقة أكثر من نصف مليون، وتشريد أكثر من نصف الشعب وتدمير البلد، فقالت: لست ضد خروج الناس للمطالبة بحقوقهم، ولكن ما يجري في سورية ليس كذلك.

نظرت فيها ملياً، وأنا أفكر في مدى قدرة الايديولوجيا على تحويل الكائن الإنساني إلى مجرد آلة من دون أية حواس ومشاعر ومبادئ.

قلت لها: ما رأيك بخروج أكثر من ثمانية ملايين مدني معظمهم من الطلاب والمثقفين يمثلون كل فئات ومكوّنات الشعب، في يوم واحد، يطالبون سلمياً برحيل بشار؟ وما موقفك من جلب النظام لقوات «حزب الله» اللبناني- الإيراني، والفصائل العراقية المذهبية، والحرس الثوري الإيراني لمشاركته ومساعدته في قتل السوريين وتدمير البلد؟ وكيف تسوغين إقدام النظام بقيادة بشار على قصف المدن منذ أكثر من خمسة أعوام بالطائرات وبكل أنواع الأسلحة، بما فيها الكيماوية؟ أما الانتخابات الديموقراطية التي تتحدثين عنها فهي انتخابات 99،99 التي كانت تعرف بها الأنظمة الشيوعية السابقة، وهي نسخة عن تلك «الانتخابات الديموقراطية» التي تمت عندكم أخيراً، وأسفرت عن انتخاب اورتيغا رئيساً لنيكاراغوا وزوجته نائباً له.

ولم يكن أمامها من مجال سوى أن تنظر في الأرض، وتقول: لا أدري. حينئذٍ أدركت أن السطحية، والمواقف المسبقة، والعماء الإنساني، ومناصرة الديكتاتوريات بناء على الشعارات، من الخصائص المشتركة بين أتباع اليسار الإيديولوجي عموماً، وليست مقتصرة على «يساريينا» المحليين وحدهم.

من بين ما يسجّل للثورة السورية على رغم كل شيء، أنها أسقطت الأقنعة عن وجوه الجميع، فبات نظام العصابة، والقوموي المدعي، والعلماني المزيف، والمقاوم المذهبي، والإرهابي الجهادي، بات هؤلاء جميعهم في الخنادق المتكاملة المناوئة لتطلعات السوريين، يستمدون الدعم من القيصر الأحمر والولي الفقيه.

وعلى رغم كل القتل والتهجير والتجويع والتدمير على مدى ستة أعوام، وتقاعس العالم أجمع عن نجدة السوريين كما ينبغي، تمكّن السوريون بفضل صبرهم وتحملهم وثباتهم، من إفهام الجميع بأن إعادتهم مجدداً إلى حظيرة الطاعة لبيت الأسد وشركائهم باتت أمراً يتجاوز المستحيلات السبعة.

وقد عملت روسيا في هذا الاتجاه، اتجاه إعادة تأهيل النظام، باستمرار، لا سيما في مرحلة ما بعد حلب، وحاولت أن تظهر في هيئة المتحكّم بكل خيوط اللوحة السورية، ودعت إلى اجتماعات آستانة، وحاولت أن تفرض أجندتها في جنيف، وكانت في سباق مع الزمن، لمعرفتها الكاملة بأن الموقف الأميركي في نهاية المطاف هو الحاسم.

وقد بلغ استخفاف روسيا بالسوريين أنها قدمت للنظام كل أنواع الدعم العسكري والسياسي، وعملت جاهدة على «فبركة» المعارضين وتسويقهم، وهي تسعى الى تحديد الوفد المفاوض وفق معاييرها، وبطريقة تذكّرنا بمسرح العرائس الدمشقي. بل بلغ الأمر بالروس حد وضع الدستور للسوريين قبل المفاوضات، وذلك في لحظة درامية إبهارية، كان الغرض منها الإيحاء بأن المقادير والمصائر جميعها غدت في حوزتهم.

وجاءت الضربة الكيماوية على خان شيخون من جانب النظام، وبالتفاهم مع الروس والإيرانيين، وفي أجواء التصريحات الأميركية اللافتة بخصوص مصير بشار، لتكون في حسابات معسكر النظام أداة لبث الرعب الشمولي، تمهيداً لرسم حدود ممالك الرغبة والعقد الماضوية.

وخرج الروس على الملأ بحكاية كانت أكثر «معقولية» من حكاية بثينة شعبان غداة الضربة الكيماوية على الغوطة. لكن القاسم المشترك بين الحكايتين هو افتقارهما الى أية صدقية.

وتوجهت الأنظار جميعها نحو واشنطن التي خدعت تصريحاتها قبل خان شيخون النظام ورعاته. وكانت الضربة الأميركية التي كان أوباما لوّح بها كثيراً قبل أن يتنصّل من خطه الأحمر، مكتفياً بصفقة كان هو أكثر الناس اطلاعاً على جوانبها الرخوة، ومع ذلك اكتفى بالبعد الدعائي، وترك الجاني طليق اليد والقدرات.

ومن محاسن هذه الضربة الأميركية المحدودة أنها أكدت رسمياً للمجتمع الدولي المشلول مسؤولية «نظام» بشار عن استخدام الكيماوي. كما أرغمت الروس على إعادة النظر في حكايتهم التفسيرية – التضليلية حول ما جرى في خان شيخون، وسحب قواتهم في الوقت عينه من المنطقة التي كانت هدفاً للضربة الأميركية، وذلك في اعتراف ضمني بأن القوة الأعظم هي التي تقرر.

لقد كانت روسيا تريد إرغام المعارضة السورية على القبول بمنطقها القائم على أن ما بعد حلب ليس كما قبلها. والآن تبيّن للجميع، ومعهم روسيا بطبيعة الحال، أن ما بعد ضربة مطار الشعيرات ليس كما قبلها.

الضربة الأميركية على محدوديتها، وعلى رغم التساؤلات الكثيرة حول مراميها، وحدودها وجديتها، وإمكانات استمراريتها، تشكّل رسالة قوية للجميع، ولروسيا بخاصة، تؤكد أن مرحلة التفرد الروسي بالملف السوري انتهت. هذا بصرف النظر عما إذا كان ذلك التفرّد قد تم ضمن سلسلة تفاهمات أميركية- روسية سابقة أو لا.

أميركا موجودة بقوة في الجغرافيا السورية براً وجواً. وهي الفاعل الأكثر تأثيراً وقوة اقليمياً ودولياً. وعلى وقع خطاها ينظم الأوروبيون سيرهم، ويعبر حلفاؤها الإقليميون بمناسبة ومن دونها عن رغبتهم في التعاون والإسهام، وتجاوز مرارات وخيبات المرحلة الأوبامية.

أما خصوم أميركا، فيدركون تماماً أن قدرتهم على المجابهة محدودة إذا بلغت الأمور مرحلة الجد.

الحياة

 

 

 

 

الضربة الأميركية والصمت الروسي/ سميرة المسالمة

تضعنا الضربة الصاروخية الأميركية فجر 7 إبريل/ نيسان الجاري، والتي استهدفت مطار الشعيرات العسكري السوري، أمام تساؤلات جادة حول الدور الروسي في سورية، قبل الحديث عن الدور الأميركي الذي بدا اليوم يدافع بشراسة عن قطبيته الواحدة في العالم، فروسيا التي أضحت تتحدث عن عدوان أميركي على سورية “الدولة المستقلة”، بحسب تصريحات الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، تعقيباً على الهجوم الأميركي، باعتبار ذلك يضرّ العلاقات الروسية الأميركية، والحرب على الإرهاب، لم تحدّد التسمية المناسبة لوجودها في سورية. فإذا كان هذا الوجود بناء على اتفاقية مع الدولة “المستقلة” سورية، فمن الواجب عليها تفعيل الاتفاقية كاملةً، ومنها الدفاع عن سورية ضد صواريخ ترامب العدوانية، حسب وصف كل من سورية وروسيا العملية الأميركية.

على ما تقدّم، فإن السوريين الذين يرون في ضربات أميركا على المطار المذكور عدوانا سافراً، وهو المطار الذي انطلقت منه هجمة النظام الكيماوية الحاقدة على أهلنا في خان شيخون صباح الرابع من إبريل/ نيسان الجاري، وأدت إلى مقتل واصابة عشرات المدنيين، ومن بينهم ما يزيد عن 25 طفلاً، تناقلت صورهم محطات التلفزة العالمية، وسط استهجان رسمي وشعبي كبيرين، لقدرة رئيس النظام على إبادة شعبه بهذه الوحشية، متحدّياً المجتمع الدولي وهيئاته في اتخاذ أي موقف تجاهه، على هؤلاء السوريين أن يسألوا أنفسهم كيف يمكنهم تبرير هجمات روسيا على المدن السورية، من جهة؟ وكيف يمكن اعتبار روسيا دولةً حليفةً في ظل صمتها عن “عدوان أميركا”، تاركة منظومتها الدفاعية التي نشرتها لصد مثل هذا العدوان في حالة سبات كامل، ما سهل الطريق لصواريخ التوماهوك الأميركية لحصد المطار وما عليه؟

هل صمت روسيا هو تخاذل أم توافق؟ أم أنه إقرار بدورها وحجمه الذي تعرف أن من يحدّده هو القرار الأميركي الذي أتاح لها فرصة التمدّد، وممارسة دور اللاعب الرئيسي فترة محدودة أنهتها عودة الولايات المتحدة إلى ممارسة دور مباشر في الساحة السورية، بعد أن كانت مكتفيةً بالرقابة وتحريك الخيوط عن بعد، لتعيد من جديد توزيع الأدوار، حسب متغيرات المصالح الأميركية، وضمناً المصلحة الإسرائيلية؟

تعرف روسيا أن دخولها في حربٍ من أجل سورية، مع دولةٍ بجبروت الولايات المتحدة، هو

“الضربة الأميركية العقابية ليست بحجم الخسائر التي سببتها للنظام وإنما بحجم الصمت الروسي”

مغامرة ليست ضمن أولوياتها، ولا تقدر عليها، ولا تستطيع تحمل تبعاتها وتداعياتها، إذ إنها هنا تعرف حدود قوتها، فهذا ما تسطيعه إزاء دولةٍ عاديةٍ أو إزاء شعب أعزل مثلا. وهي خلال السنوات الماضية لم تكن في مواجهة القرار الأميركي، بل كانت على الدوام تتحرّك وفق ما هو مسموح لها، وربما مرسوم لها أميركيا. هكذا توسعت داخل الصراع السوري على حساب مساحة إيران التي كادت تمتد على كامل الخريطة السورية، وهو الأمر المرفوض إسرائيلياً وإقليمياً وطبعا عربياً، ما أفسح لروسيا المساحة اللازمة للحركة، وقد مهّدت لذلك من خلال اتفاقية تسليم السلاح الكيماوي السوري، بعد استخدام النظام له في حربه ضد الشعب السوري في الغوطة في صيف 2013 بممارسة دور الشرطي بين النظام والقوى الإقليمية من جهة، ودور مقلم أظافر إيران ومليشياتها من جهة ثانية.

ويبدو أن المصالح الدولية في تلك الفترة توافقت على ضرورة تحجيم دور إيران، وتقليص نفوذها في المنطقة، وكان الوجود الروسي يحقق هذه الغاية، بل يزيد على ذلك، حيث من شأن ذلك إحداث تنازع بين روسيا وإيران، من خلال توريطهما في الحرب السورية، بل ووضعهما في تنافس وجها لوجه. تدخل ضمن ذلك مصالح أطراف عدة، تبدأ من الإدارة الأميركية مروراً بتركيا اللاعب الإقليمي، ومن خلفها بعض الدول الخليجية، ما يخدم المصلحة الإسرائيلية المباشرة، أيضا، حيث يتم إضعاف إيران ومليشياتها اللبنانية والنظام السوري الداعم لها، إذ لا مصلحة لإسرائيل بتقوية نفوذ إيران إلى حد تركها تسيطر على سورية، على الرغم من الصمت عن ذلك سابقا لتركها تنهش دول المشرق العربي أو تزعزها.

على الجانب الآخر، وجدت روسيا الأمر فرصةً لتصفية حساباتها مع ما تسمى مجموعة

“تضع صناعة السلاح الروسي، ومنظوماته الدفاعية، أمام حرج الشارع الروسي”

أصدقاء سورية (الدول الأوروبية) التي تتنازع معها في ملف أوكرانيا والعقوبات الاقتصادية وخط الغاز وأسعار النفط والدرع الصاروخي، إضافة إلى إمكانية مساومة الإدارة الأميركية على ملف العقوبات، وخصوصا ما يتعلق بالتجارة التكنولوجية التي أعاقت أميركا من خلاله روسيا في تطوير صناعاتها، ومنها العسكرية.

ومع أن الضربة الأميركية العقابية ليست بحجم الخسائر التي سببتها للنظام، وإنما بحجم الصمت الروسي عليها عسكرياً، وربما من تحت الطاولة تفاوضياً. وهي أيضاً تضع صناعة السلاح الروسي، ومنظوماته الدفاعية، أمام حرج الشارع الروسي، وسؤاله عن تصريحات رئيسه، فلاديمير بوتين، الذي اعتبر، أكثر من مرة، أن وجود قواته وأسلحته في سورية هي عملية تدريب رخيصة التكلفة عن تلك التي يمكن أن يقوم بها في سيبيريا، وإن النتائج كانت مرضيةً عنها، وهي كذلك عندما يكون الأمر في حجم الدمار الذي ألحقته بالمدن السورية، وأعداد الضحايا الذين قتلتهم أو أصابتهم أو شرّدتهم، ولكن أمام السلاح الأميركي فقد منيت بالصمت الذي يجب أن يسأل عنه كل من اعتبر روسيا ضماناً لنصرالنظام على الشعب السوري وثورته من أجل الحرية.

تساؤلات كثيرة ستطرح بعد اليوم حول حدود الدور الروسي في سورية، خصوصا إذا تبين فعلا أن لدى إدارة ترامب سياسة أخرى تتعلق بالصراع السوري، أم أنها اكتفت بضبط قواعد الصراع، وهذا ما سنتبينه في قادم الأيام.

العربي الجديد

 

 

 

 

خيارات أمام الأسد بعد الضربة الأميركية/ سميرة المسالمة

حاول النظام السوري توجيه الأنظار إلى محدودية التدمير الذي أصاب مطار الشعيرات بفعل صواريخ «التوماهوك» الأميركية، من خلال سرعة استخدامه المطار نفسه في عملياته العسكرية ضد المدن المحيطة به، وإسقاط ما استطاع من ضحايا بشرية فيها، مع تخريب عمرانها، إعلاناً منه بأن تلك الضربة العقابية لم تنجز مفاعيلها المتوقّعة شعبياً، بكف يده عن مزيد من القتل والتدمير في سورية، إلا أن ذلك لم يوقف استمرار تعاظم مفاعيل الضربة معنوياً داخل دهاليز النظام وخارجه.

لقد أحدثت الضربة الأميركية للمطار، فجر يوم الجمعة في 7 الشهر الجاري، اضطراباً عارماً في التعامل الدولي مع الصراع في سورية، إذ استطاعت من خلال 59 صاروخاً قلب موازين القوى، وتغيير المعادلات الصراعية السائدة، وتصليب مواقف بعض الدول المترددة في موقفها من نظام الأسد، وزعزعة مواقع صداقاتها مع روسيا أيضاً. هكذا عاد الحديث مجدداً عن أولوية إبعاد الأسد يتردد في الأروقة الدولية، وفي الخطط المستقبلية للعملية التفاوضية، التي ينتظر منها أن تكون عاملاً حاسماً في بلورة الانتقال السياسي من نظام بشار الأسد إلى نظام جديد، يختلف الفاعلون في الصراع على تسميته وتحديد معالمه حتى اليوم.

مع ذلك فإن افتراق المصالح الروسية- الأميركية، بسبب تلك العملية، لم يحصل، بحسب التصريحات الروسية، إذ اقتصر الأمر على مجرد تجاذبات إعلامية ودبلوماسية، هي بمثابة ردة فعل طبيعية من موسكو، التي رأت في الضربة نوعاً من هز للهيبة التي ادعتها، وانتقاصاً من مشروعية دورها في سورية، وضربة كبيرة لمحاولاتها ترويج صناعة السلاح الروسية، التي كانت اعتبرت أن وجودها في قلب الصراع العسكري داخل الأراضي السورية يشكل فرصة دعائية لها.

أما الإدارة الأميركية، فهي من جهتها وضعت حجم الخلاف مع الجانب الروسي، الذي أحدثته الضربة، ضمن حدود ضيقة تسمح لوزير خارجيتها ريكس تيلرسون بمتابعة الحديث لدى لقائه نظيره سيرغي لافروف، عن الأولويات الثلاث الجديدة التي أضحت إدارة ترامب تنتهجها، وهي: أولاً، دحر «داعش» وإبعادها من الوصول إلى «الخلافة» لأنها تشكل الخطر الأكبر، بحسب تصريحات تيلرسون. ثانياً، تحجيم نفوذ إيران ودورها في المنطقة. ثالثاً، التوصل إلى وقف إطلاق النار بين قوات نظام الأسد والمعارضة السورية، حيث مصير الأسد يحدده الشعب السوري.

وبما أن ملف مكافحة الإرهاب هو على رأس جدول أولويات ترامب ومن يدور في فلكه من دول عربية وغربية، فإن الحديث عن خلاف أميركي روسي ربما لا يعدو كونه للتداول الإعلامي فحسب، فروسيا مهمة في هذه الحرب، حتى عندما يشار إلى إمكان أن تكون قوات النظام السوري طرفاً فيها، فالمقصود هو وجود الطرف الروسي كضامن لهذه القوات والذي يوفر لها أيضا الغطاء الجوي اللازم، وخاصة من محور دير الزور حسب الترويج الروسي لهذا السيناريو المقترح. وعليه فالحرص الروسي على ديمومة العلاقة ولو كانت متأرجحة مع أميركا أكبر بكثير من التصور الذي يضخمه الإعلام ويضعه بمثابة الحرب على الوجود الروسي في سورية.

وعلى الضفة المقابلة فإن الولايات المتحدة لا تمضي قدماً في إعلان روسيا هدفاً لها في سورية، إذ أكدت ذلك أكثر من مرة، سواء بإعلامها بموعد الضربة على مطار الشعيرات، أو بحرصها على عدم التصادم مع روسيا في الأجواء السورية. أيضاً، هناك مصلحة مشتركة تجمع الطرفين، في الأهداف التي أعلنت عنها الإدارة الأميركية في ما يتعلق بتحجيم النفوذ الإيراني في المنطقة ومحاصرته وتقطيع أوصاله في العواصم التي امتد إليها في العراق واليمن ولبنان وسورية، وتتقاطع هذه المصلحة مع مصالح عربية وأوروبية، تجعل الولايات المتحدة تمارس دور الوسيط أحياناً في تقريب وجهات النظر الغربية- الروسية لإنتاج صفقة شاملة تعيد الإدارة الأميركية من خلالها تموضع الدول على الخريطة الدولية، وتحقق في الوقت ذاته دفعة باتجاه العودة من جديد لإنتاج وقف إطلاق نار شامل (آستانة جديدة)، ربما، ولكن على الطريقة الأميركية هذه المرة.

كل ما تقدم يضع النظام السوري أمام تحولات في واقع الصراع، وهو الذي انصبّ جهده، طوال الفترة الماضية، على عرقلة تنفيذ اتفاق وقف العمليات القتالية، الذي وضعت بنوده حليفته موسكو، وأوجدت من خلاله ثغرات كثيرة، استطاع النظام عبرها توسيع مساحات سيطرته على المناطق التي كانت تحت سيطرة المعارضة المسلحة، كما تابع عمليات التهجير القسري والتغيير الديموغرافي، لضمان خط طريق صديق له في ما يسمى «سورية المفيدة»، والتي عمل مع إيران وميليشياتها على تنفيذها، وفي الوقت ذاته استخدم مفاوضات جنيف لكسب الوقت، وصرف الأنظار عن عملية الانتقال السياسي إلى محاربة الإرهاب.

بيد أن النظام اليوم، وعلى رغم الصمت على عنفه ضد المدن السورية، الذي مارسه بعد الضربة الأميركية، يقف أمام خيارات محدودة، أهمها:

1- المضي قدماً مع إيران في حربهما، وهو الأمر الذي يفقده حليفه الأهم، أي روسيا، التي لن ترغب في دخول مواجهة مع الولايات المتحدة ومعها أوروبا، حيث أنها أساساً دخلتها لفرض تفاهمات مع هذه الدول، تمكنها من حلحلة أو رفع العقوبات الأميركية والأوروبية المفروضة عليها، على خلفية قضية أوكرانيا، ومن ضمنها مشكلة طريق الغاز وأسعار النفط، والدرع الصاروخية، بحيث تعيد بذلك موقعها كقطب مقابل ولو بحدود أقل مما كانت عليه خلال الحرب الباردة.

2- الرضوخ للإرادة الدولية والمضي قدماً في عملية تفاوضية تحقّق الانتقال السياسي، الذي يضمن جملة من المصالح الدولية والإقليمية، وخاصة ما يتعلق بالحدود مع إسرائيل وأمنها القومي، الذي ترعاه كل الدول الداخلة في الصراع على سورية، وهو الأمر الذي تهرب منه النظام خلال السنوات الست الماضية.

3- الحفاظ على الواقع القائم، من خلال محاولة شراء الوقت، والتملص من الاستحقاقات المفروضة على النظام، على ما جرى في مسارات مفاوضات جنيف، بانتظار تغيير المعادلات القائمة، لكن ذلك سيبقى محفوفاً بالمخاطر، خصوصاً إذا حسمت الإدارة الأميركية أمرها.

هكذا، فإن الخيارات المطروحة لا تعطي النظام السوري فرصاً كبيرة في الحفاظ على وجوده مع كامل أركانه، ما يجعل رأس النظام اليوم، يعيش حالة قلق غير مسبوقة، إذ تهدد أي فرصة تقارب بين الإدارة الأميركية وروسيا، بالتعاون مع دول أوروبا، بإنتاج حل حقيقي وقريب للصراع في سورية، يحول دون استمرار الأسد جزءاً من الحل، كما كان ينتظر من التصريحات الأميركية السابقة، التي سمحت بتأجيل البتّ في الحديث عن مصيره إلى ما بعد وقف القتال بين قواته والمعارضة، وترك الأمر للشعب السوري، الذي لم يعد هو نفسه عدداً وتموضعاً، كما كان خلال سنوات الثورة الأولى، حيث قتل منه ما يقرب من نصف مليون وشرد نحو نصفه ودمرت معظم مدنه ولا يزال المجتمع الدولي يتذرع بإرادة هذا الشعب ذاته، الذي يعاني من الكارثة التي تسبب فيها استمرار النظام أو السماح باستمراره.

* كاتبة وإعلامية سورية.

الحياة

 

 

 

“مؤامرة” لإهانة بوتين/ مروان قبلان

في زحمة ردود الفعل على جريمة استخدام السلاح الكيماوي في مدينة خان شيخون، ثم الصخب الإعلامي الذي رافق الضربة الأميركية على مطار الشعيرات، ضاع سؤال مركزي، أو غاب عن البال، وهو أين كانت روسيا من هذا الهجوم؟ هل كانت تعلم به وتركته يمضي، خصوصاً أن الطائرة التي نفذت الهجوم الكيماوي انطلقت من مطار الشعيرات، وهو قاعدة عسكرية روسية بالمطلق. وفي هذه الحال، يصبح السؤال: لماذا، وما هي الحسابات الروسية من وراء ذلك؟ أم أن الهجوم جرى من دون علمها، ففوجئت به، لكنها لم تملك إلا خيار الهروب إلى الأمام، عبر محاولة نفي وقوعه تارةً، بالقول إن الصور والمقاطع الفيلمية مفبركة، أو بنفي مسؤولية النظام عنه تارةً أخرى، من خلال أضحوكة “أن الضربة وقعت فعلاً، لكنها استهدفت مخازن للمعارضة صادف أن فيها سلاحاً كيماوياً انفجر في وجه أهالي خان شيخون”! ولكن، في حال أن روسيا لم تكن تعلم بأمر الهجوم، وهذا يفترض أنها ما كانت لتوافق عليه لأنها فاعل عقلاني (بمعنى أنها تحسب الأمور بميزان الربح والخسارة المترتبة على فعل سياسي معين)، فالسؤال عندها: ما مقدار النفوذ والتأثير الفعلي الذي تمتلكه روسيا على النظام، في ضوء تجاهله لها، وقيامه بهجوم من هذا النوع، وبهذا الحجم، من دون إعلامها؟ وكما أنه من الصعب فهم الحسابات الروسية، في حال علمها وموافقتها على الهجوم، قد لا نستطيع أبداً الإجابة عن السؤال المتصل بمدى النفوذ الذي تملكه روسيا على النظام، فهذا موضوعٌ فيه كلام مرسل كثير، لكن قياسه فعلياً لا يفتأ يزداد صعوبةً، حتى يكاد يكون من المستحيل الوصول إلى إجابة دقيقة بشأنه، في ضوء التعتيم الشديد الذي يتبعه طرفا العلاقة في نظامين يقومان على السرية والانغلاق.

المهم أنه في الجلسة المفتوحة التي عقدها مجلس الأمن الدولي مساء الرابع من شهر إبريل/ نيسان الجاري، بدعوة من رئيسته لهذا الشهر السفيرة الأميركية نيكي هيلي لمناقشة الهجوم الكيماوي على خان شيخون، كان لافتا قول المندوب البريطاني، ماثيو ريكروفت، إن الهجوم الكيماوي الذي نفذه النظام السوري على مدينة خان شيخون يعد بمثابة صفعة على وجه روسيا. وبدا المندوب البريطاني شديد الشماتة، وهو يوجه كلامه إلى نظيره الروسي في المجلس، عندما ذكّره بالفيتو (رقم 7) الذي استخدمته بلاده في شهر فبراير/ شباط الماضي، لإسقاط مشروع قرار رعته بريطانيا وفرنسا، يدين استخدام السلاح الكيماوي في سورية، ويدعو إلى محاسبة المسؤولين عن ذلك، وها هو هجوم كيماوي جديد يقع بسبب ذلك الفيتو، كما قال ريكروفت.

ليس هذا كل شيء، فإذا كان الهجوم الكيماوي يعد، بحد ذاته، إهانةً لروسيا، باعتبارها الضامن لاتفاقية نزع الأسلحة الكيماوية السورية التي تمت وفق قرار مجلس الأمن 2118، لعام 2013، فقد كان الرد على الهجوم أشدّ وطأة. إذ وجه الرئيس الأميركي، دونالد ترامب (الشريك المأمول)، إهانة أكبر لدور روسيا وموقعها في سورية، عندما أقدم على ضرب القاعدة الجوية في الشعيرات. والأدهى أنه أبلغ موسكو بالهجوم قبل وقوعه، على مبدأ “ردّها إن استطعت”. لم تستطع روسيا رد الصواريخ، بل اختارت إخلاء قواتها من القاعدة، بناء على النصيحة الأميركية. وفي السلوك الروسي هنا أيضاً قولان: الأول إن منظومة صواريخ إس 300 وإس 400 التي نصبتها روسيا في سورية، وهي منظومة دفاع صاروخي تعدّها موسكو الأحدث في العالم، غير قادرة على اعتراض صواريخ “توما هوك” المجنحة ذاتية الدفع، لأنها تحلق على ارتفاع منخفض (15-20 مترا من سطح الأرض). الثاني، أن روسيا لم تشأ تفعيل المنظومة، والتصعيد من ثم مع واشنطن، لأن اعتراض الصواريخ الأميركية كان سيؤدي، بالضرورة، إلى رد، ما يعني مواجهة. وفي الحالتين (عدم الكفاءة أو عدم الرغبة في دخول مواجهة) تكون النتيجة واحدة، وهي أن تبتلع موسكو إهانة الرد على الهجوم، كما ابتلعت إهانة فقدان مصداقيتها لسماحها بوقوعه في المقام الأول، بعلم أو من دون علم.

العربي الجديد

 

 

 

 

نهاية الحقبة الأسدية/ بشير البكر

الأمر الذي لا جدال فيه أن ساعة رحيل رئيس النظام السوري، بشار الأسد، قد اقتربت، وباتت مسألة مغادرته الحكم محسومةً وغير قابلة للنقاش، الأمر الذي لم يكن مطروحا على الأجندة الدولية بشدة قبل الرابع من شهر أبريل/ نيسان الحالي، يوم ضرب مدينة خان شيخون بالأسلحة الكيماوية، ما أدى إلى 87 حالة وفاة، أغلبهم من الأطفال والنساء.

كانت جريمة خان شيخون القطرة التي أفاضت الكأس، وهي التي حرّكت رياح الموقف الأميركي في الاتجاه المعاكس. وبعد أن صدرت، في بداية الشهر الحالي، عدة تصريحات من واشنطن تفيد بأن رحيل الأسد ليس أولوية، وهذا أمر يقرّره الشعب السوري، انقلبت إدارة الرئيس دونالد ترامب على نفسها، واتخذت موقفا غير منتظر في فجر يوم الجمعة الماضي، تمثل في توجيه ضربةٍ عسكريةٍ لقاعدة الشعيرات، التي انطلقت منها الطائرة التي نفّذت عملية القصف الكيماوي.

نقلت الضربة العسكرية الأميركية الوضع السوري من حالة تحت الصفر، التي بقي يراوح عندها منذ أكثر من ست سنوات، ووضعته عند النقطة صفر، وفتحت باب الأسئلة والتكهنات حول ارتداداتها. هل تبقى في إطار رسالة التحذير للنظام، أم أنها ذات بعد سياسي؟

لم يطل الوقت، حتى تبين أن قرار الضربة الأميركية لم يكن رد فعل سريعاً، إذ تلته خطوات سياسية عبر عنها البيان، الذي صدر عن اجتماع وزراء خارجية الدول السبع في توسكانا، ومخرجات الاجتماع المشترك بين وزراء خارجية الدول السبع، ونظرائهم من السعودية وتركيا وقطر والأردن والإمارات يوم 11 من الشهر الحالي، والذي يتلخص في البيان الذي صدر عن وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، وجاء فيه أنه “لا مكان للأسد في مستقبل سورية”، وهذه هي الجملة السحرية التي سيتمحور من حولها كل الحراك الخاص بالقضية السورية من الآن فصاعدا.

اللافت في نتائج لقاءات توسكانا أنها، في الوقت الذي حسمت فيه الموقف من مصير الأسد، جاءت مرنةً في ما يخص الدور الروسي، وقد رجحت وجهة النظر الألمانية على نظيرتها البريطانية، لجهة إشراك روسيا بعملية رحيل الأسد، وعدم عزلها وفرض عقوبات عليها. ولهذا، توجه الوزير الأميركي إلى موسكو، حاملا رسالةً من المجتمعين، فحواها ضرورة التعاون من أجل حل سياسي في سورية، يقود إلى رحيل الأسد، ويضع حدّا للحرب الدائرة. ومن دون شك، يصبّ هذا المسعى ضمن خط التصريحات التي صدرت عن مسؤولين أميركيين حول الاستمرار في مسار جنيف، مع الأخذ في الاعتبار بيان جنيف 1 الذي ينص على عملية انتقالية، يتم فيها تفويض صلاحيات الأسد إلى حكومةٍ انتقالية، وضرورة أن يلتزم وفد النظام بالسير وفق هذا البرنامج. وهذا يتطلب، بطريقةٍ أوتوماتيكيةٍ، أن تغير موسكو أسلوب تعاملها مع مسار جنيف بطريقةٍ جذريةٍ، أي أن تسقط من حسابها أن مصير الأسد أمر غير مطروح للتفاوض.

وعلى الرغم من استخدام روسيا حق النقض (الفيتو)، فمن الأهمية دعوة الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا، مجلس الأمن مساء الأربعاء إلى مناقشة مشروع قرار جديد حول استخدام الكيماوي في خان شيخون، بديل عن الذي تم تقديمه قبل الضربة الأميركية، لكن النقطة الجوهرية فيه هي التحقيق مع المشاركين في عملية استهداف خان شيخون من مخططين ومنفذين، وهذا بابٌ قد يؤدي إلى طريق يشبه التحقيق الدولي بأسلحة الدمار الشامل العراقية الذي ألزم السلطات العراقية باستقبال لجان دولية للتحقيق من أسلحتها كافة، وقاد، في نهاية المطاف، إلى تقويض النظام العراقي.

ثمّة حكاية سورية تقول إن حافظ الأسد بنى نظاما يتيح لعائلته الحكم مدة قرن، ومات من دون أن يخمّن أن نجله بشار سوف يقوّض ما خطط له، ويستحق لقب الحيوان عن جدارة.

العربي الجديد

 

 

 

 

«الفيتو» الروسي المعطِّل/ رياض نعسان أغا

للمرة الثامنة تعطل روسيا قرارات مجلس الأمن التي تسعى إلى وضع نهاية لعذابات السوريين، بل إنها هي التي عطلت القرار 2254 الذي صاغته بنفسها وقدمته إلى مجلس الأمن، حين وجدت أن المعارضة مصممة على انتقال سياسي حقيقي لا دور للأسد فيه. وهي تقول اليوم إنها تدعم الحل السياسي مع أن طائراتها لم تتوقف لحظة عن قصف المدنيين وعن تهديم المدن والقرى السورية وعن هدم مؤسسات الدولة التي تدعي الحرص عليها. وهي المسؤولة عن فشل اتفاقية وقف الأعمال العدائية التي أبرمتها مع الولايات المتحدة وقد اخترقها النظام نحو أربعة آلاف اختراق، وهي المسؤولة عن فشل لقاءات أستانة لأنها الضامن للنظام نظرياً، ولكنها أطلقت يده في تهجير المواطنين وفي متابعة قصفهم حتى بالكيماوي.

وروسيا التي أنقذت النظام بعد جريمته الكبرى في الغوطة، وأقنعت المجتمع الدولي بالاكتفاء بإلقاء القبض على الأسلحة الكيماوية مع إعفاء القاتل من أية مساءلة، بل مع السماح له بمتابعة القتل والتدمير، تعود إلى محاولة إنقاذه بعد مجزرة خان شيخون، وهي تنكر مسؤوليته مع أنها تعلم أن ما صيغ من تلفيق حول وجود مصنع أسلحة كيماوية فجرتها طائرات النظام يدعو إلى السخرية، فلا يوجد عاقل سيقتنع بأن أهل خان شيخون يخزنون غاز السارين في بيوتهم أو في غرف نومهم، أو يتركون أولادهم يلعبون بعبوات كيماوية قاتلة!

ولولا خوف روسيا من افتضاح حقيقة كذب النظام لما عطلت قرار مجلس الأمن بالتفتيش، مع أن الدول الكبرى رصدت تفاصيل القصف وبات لديها من الأدلة ما يكفي، ولاسيما أن النظام استخدم الأسلحة الكيميائية ضد السوريين 160 مرة بعد جريمة الغوطة، والمراقبون العسكريون في العالم يرصدون ذلك.

ونفهم أن روسيا تبحث عن مصالحها، ولكن المؤسف أن يضحي بمئات الآلاف من السوريين من أجل مصالح كان يمكن التفاهم حولها مع أية قيادة قادمة ضمن علاقات متوازنة تضمن المصالح المتبادلة ضمن أعراف الدول.

وقد حرصت دول عربية وغربية صديقة أن تقنع روسيا بالتخلي عن موقفها، وبتنفيذ ما قررته هي وسمته مرحلة بناء الثقة في القرار الدولي، ولكنها تريد من المعارضة أن تسلم رقابها للأسد، وأن تقبل به رئيساً بعد أن ارتكب من الجرائم ما ليس له مثيل في التاريخ.

وقد بدا الضعف المريع في خطاب المندوب الروسي في جلسة مجلس الأمن 12/4/2017، ولاسيما حين حصر مشكلة السوريين بوجود ألغام زرعها «داعش» في تدمر التي سلمها النظام لأنصاره من «الدواعش»، ولم يرَ المندوب الروسي مشكلتهم مع الطيران الذي لم يتوقف عن قصف السوريين بالكيماوي وبالنابالم والفوسفوري والكلور وغاز السارين، ولم يرَ عشرة ملايين ونيفاً من اللاجئين والنازحين، ومئات الآلاف من المعتقلين من بيوتهم ومن المحاصرين.

ولم يفهم الروس سر ترحيب الأغلبية العظمى من الشعب السوري بالضربة الأميركية على مطار الشعيرات الذي انطلقت منه الطائرات التي قتلت أطفال خان شيخون بالكيماوي، وهذه مفارقة تاريخية لا سابقة لها، فلم يحدث عبر تاريخ سوريا الممتد في أعماق التاريخ أن رحبت أغلبية السوريين بمن يستهدف أرضهم وسيادتهم عليها، وهذا ما ينبغي أن يفهمه العالم كله دليلاً على وحشية الظلم الذي يعاني منه السوريون إلى درجة أنهم ينتظرون عوناً من أية جهة كانت، فلم يعد لهم في الأرض من يحميهم من جبروت النظام وحلفائه، وحين قام الرئيس الأميركي ترامب بهذه الضربة الإنذارية تفاءل السوريون بأن يجد المجرمون عقاباً من المجتمع الدولي الذي طال صمته، حتى بات هذا الصمت على موت أطفالهم وتهديم بلادهم وصمة عار على جبين الإنسانية.

ويبدو السؤال الأهم الآن، ماذا بعد فشل مجلس الأمن في إقناع روسيا بالتوقف عن دعم إجرام النظام؟ هل يصل الطموح الإمبراطوري الروسي والإيراني إلى درجة إشعال حرب عالمية، من أجل أن يبقى رجل على كرسي السلطة رغماً عن الشعب الذي ضحى بمليون إنسان كي يتخلص من استبداده؟

وهل يمكن لترامب الذي وعد شعبه بأن تستعيد الولايات المتحدة مكانتها في العالم أن يرضخ للفيتو الروسي، وأن يعلن العجز والضعف الأوبامي أمام بوتين؟

لا يغيب عن بوتين أنه اليوم أمام رئيس أميركي صارم، ولن يتجاهل الموقف الدولي الذي اصطف مع ترامب بعد أن ضاق العالم ذرعاً بسياسة أوباما التي صمتت على الجرائم ضد الإنسانية، وهي تتحمل مسؤولية أممية عن دماء السوريين.

يجب أن تقتنع روسيا أن التحدي سيكون سبباً في مقتل ملايين من الضحايا، ولن ينتصر الظلم وإن طال أمد بقائه، فلابد مما ليس منه بد.

الاتحاد

 

 

 

 

عن سورية والغول الأميركي/ محمد مالك داغستاني

أثارت الضربة الأميركية الأخيرة لمطار الشعيرات السوري زوبعة إعلامية غير مسبوقة تقريباً في زمن الحدث السوري، رغم أنها لا تعدو أن تكون كغيرها من مئات الضربات التي تعرضت لها مواقع سورية أخرى، إن كان بواسطة قوات الأسد، أو غيرها من القوى الخارجية المتدخلة خلال السنوات الست الماضية.

لدرجة أن الخراب السوري (أقلّه المادي) بات مثالاً معاصراً. إذاً، لمَ أثارت ضربة المطار كل ردود الأفعال تلك على مستوى النخب والشارع داخلياً وإقليمياً؟ إن كان من جهة المنددين والمنزعجين على سيادة “الوطن السوري المستقل”، أو من ناحية الفرحين والمستبشرين بها؟ ما الذي حدث؟

إنه مجرد مطار، وغيره يوجد الكثير من المطارات والقواعد الجوية لدى الأسد، منها ما زالت تحت سيطرته، ومنها ما باتت تحت سيطرة الجيش الحر أو “داعش” أو قوات الحماية الكردية، وحتى القوات الروسية والأميركية سيطرت في الفترة الأخيرة على بعضها. ومن جانبها، فإن قوات التحالف دمرت قبل مطار الشعيرات العديد من المنشآت التي يستولي عليها تنظيم داعش، ومن ضمنها مستشفيات ومدارس، وهي سورية بطبيعة الحال. فما الجديد؟

ليس من اليسير الجزم بإجابة صائبة، ولكن من عقد بعض المقارنات بين كل التدمير الذي أصاب البنى التحتية والمنشآت وحتى بيوت المدنيين خلال العمليات السابقة للقوى المتدخلة، والتدخلات الخارجية التي سحقت أي معنىً للحديث عن السيادة الوطنية، وبين الضربة الأخيرة، فإننا سنلحظ متغيراً قد يبدو الأهم، وهو أنها ضربة أميركية، وهي الأولى الموجهة لهدف سوري خاضع لسيطرة نظام الأسد. فكل التدخلات الأميركية والغربية والروسية والإيرانية السابقة لم تمس هدفاً يسيطر عليه هذا النظام. ما يعني أن هناك تغيراً ما (حتى لو اعتبره البعض طفيفاً أو حتى شكلياً) قد أصاب قواعد اللعبة، مع المعرفة المسبقة للطرفين المندد والمهلل، بشدة بأس “الغول” الأميركي حين يتحرك.

ربما كان السؤال الأهم وأحياناً غير الواعي، هل استفاق هذا الغول بعد نومة أوباما الاستثنائية في التاريخ الأميركي؟ من يعتقد بذلك، ويربط الأمر بشكل مباشر (ولو بطريقة غير واعية) باستهداف المطار، هو مَن أثاره الحدث وجعله يدخل في سجالات كانت متخبطة في العديد منها، على الأقل لناحية المشاعر. فالمطمئنون للحياد الأميركي تجاه الأسد خلال السنوات الأوبامية أصابهم الذهول، وهم يرون صوراً نمطيةً لانطلاق صواريخ التوماهوك من البحر ليلاً، وأحالهم المشهد إلى ذكريات سابقة لهكذا صور من الهجوم الأميركي الذي طالما كان حاسماً ومدمراً، فاستنفروا غضباً وتخوفاً من القادم. والمخذولون من الحياد المرير للعالم تجاه المذبحة التي يعيشها السوريون منذ ست سنوات، داعبهم الأمل للسبب السابق نفسه تماماً، بأن أيام الأسد باتت حقيقة “معدودةً” وليس على طريقة أوباما.

إنها أميركا تضرب الأسد! والتاريخ الحديث لم يقدم نماذج لهزيمة أميركية بعد فيتنام. فما هو القادم؟ أعتقد أنها الصدمة للطرفين، سلباً وإيجاباً، ما استدعت كل هذا السجال الحاد وتقريباً غير المسبوق، والذي قد يتوقف قريباً في ما لو اكتشف الطرفان أن الرسالة لم تكن بالجدية التي يتخوفون منها، أو يأملون بها، ولربما ما زال في كيس حواة الألاعيب السياسية الكثير من الأفاعي التي لم تظهر بعد.

طبعاً هذا التصور السريع والمتعجل لفهم حالة السجال حول التدخل الأميركي، يستبعد من حساباته القومجيين والشيوعيين الستالينيين العرب ومدّعي المقاومة، فهم حالة خاصة عصية على أية محاولة لقراءة سياسية، ومجالهم “التحليل النفسي” كما بدا واضحاً من ردود أفعالهم في السنوات الأخيرة.

العربي الجديد

 

 

 

 

إنقاذ الأسد أم روسيا؟/ ميشيل كيلو

بلغت الرحلة محطتها الأخيرة، فالوضع الدولي لم يعد طوع بنان فلاديمير بوتين، زعيم روسيا الذي يرجّح أن يعجز عن إنقاذ الأسد، بعد الضربة الأميركية ضد مطار الشعيرات عقاباً للنظام على استخدام السلاح الكيماوي ضد أهالي بلدة خان شيخون، وبعد ما كشفته من حقائق حول محدودية قدرة روسيا على إنجاز هذه المهمة التي تبدو شبه مستحيلة، وصار على بوتين اتخاذ قرارٍ على درجة قصوى من الأهمية بالنسبة لبلاده ولسورية والعالم، يتعلق بخيارٍ لا يترك له غير أحد بديلين: الانفصال عن سفاح دمشق، والسعي إلى تسويةٍ متوازنةٍ للصراع على سورية وفيها. يحافظ بواسطتها على مصالح بلاده، بموافقة من المعارضة السورية، لأن التسوية ستستجيب لحقوق شعبها ومطالبه، وإلا فالاكتفاء بمراقبة الأسد وهو يغرق، وبرؤية روسيا وهي تغرق معه، من دون أن يكون باستطاعته فعل أي شيء له ولبلاده، فيكون عندئذٍ كمن أخبرنا شكسبير أنه ذهب إلى قص صوف غيره، فعاد وقد جزّ وبره.

منذ الضربة الصاروخية الأميركية، يحاول بوتين التكيف بطرق متنوعة مع نتائجها التي يعرف، أكثر من أي أحد آخر، كم أظهرت وضعه على حقيقته، ويعمل لإجراء تحول في دور جيشه، ينقله من طرفٍ يخوض الحرب بقواه الذاتية والخاصة إلى جهةٍ تحارب بالواسطة: من خلال إيران ومرتزقتها وجيش الأسد الذي قرّر تزويده بأنواع من الأسلحة يعتقد أنها ستمكّنه من الرد على أميركا في أثناء الفترة الضرورية لإقناعها بأن الحسم لن يكون رهن قرارٍ يتخذه البيت الأبيض بمفرده. بقول آخر: بينما تنتقل واشنطن إلى الانخراط المباشر في الحرب، بعد أن كانت تخوضها بالواسطة وبنصف قلب، تشير تدابير الكرملين إلى أنه سيعتمد، من اليوم فصاعداً، أسلوب الحرب غير المباشرة، وسيلجأ حتى إلى تنظيمات الارهاب التابعة لإيران، ليطيل أمد الحرب، ويضمن أن لا تكون كل ضربةٍ يتلقاها النظام على الصعيدين، العسكري والسياسي، صفعة شخصية له ولجيشه، ولا تغامر قواته بالصدام مع جيش اليانكي.

… وكان بوتين قد أعلن أن معركته ضد السوريين ستحسم خلال ثلاثة أشهر، أو ستة أشهر على أبعد تقدير، وظن أن واشنطن ستحافظ على سياساتها الانكفائية واللحاقية في الشأن السوري، الأمر الذي سيمكّنه من الانفراد بالموقع السوري، وبالقضاء على الثورة، وإنقاذ الأسد، فإن حصل وأفاقت واشنطن من غيبوبتها، وجدت نفسها أمام واقعٍ لا تستطيع تغيير مفرداته، فلا يبقى لها، عندئذ، غير الانصياع لما يريده سيد العالم الجديد، الرئيس بوتين، الذي سيحسم بهذه النتيجة الصراع، وسيفوز بالضربة القاضية على خصمه الصغير: شعب سورية، والكبير: أميركا، الجهة التي ستجد نفسها مرغمةً على تقديم تنازلاتٍ لطالما طالبها بتقديمها، في المجال الدولي، كما في أوكرانيا والقرم وشرق أوروبا.

فشلت حسابات بوتين السورية، وها هو يواجه التدخل الأميركي، فلا يرى بدّاً من إحداث نقلة تراجعية في تكتيكه العسكري، تمكّنه من خوض حربٍ غير مباشرة بالتعاون مع إيران والأسد والمرتزقة الطائفيين القادمين من عوالم مجتمعاتهم السفلية، عله يدخل الصراع في مديات زمنية طويلة، تتورّط أميركا خلالها في حربٍ ينسى هو خلالها ما ألحقته بجيشه من خسائر كبيرة، بلغت 172 قتيلا وجريحاً بين يومي 1 و19 فبراير/ شباط الماضي في تدمر وحدها.

من المستبعد أن تصح حسبة بوتين، فالأميركيون يتقدّمون لخوض حربهم المباشرة في سورية، وقد جعلوا هدفهم إطاحة بشار الأسد، لاعتقادهم الصحيح مائة بالمائة أن الحرب ضد الإرهاب لن تنجح ما دام هو في السلطة، فماذا سيفعل الكرملين حيال سياسةٍ كهذه، تبدو أميركا مصممةً على انتهاجها في المستقبل القريب؟ وهل سينجح في حماية دوره السوري عبر حربٍ بالواسطة، إن كان قد أوقع نفسه في الفخ السوري بقوى جيشه المباشرة؟

ويبقى السؤال المهم: هل تبلغ الحماقة ببوتين حداً يدفعه إلى الغرق مع الأسد، أم يتخلى عنه ويعمل لتسويةٍ سوريةٍ يحصل بواسطتها على ما تقدمه في العادة التسويات العادلة لأطراف تصارعت، ثم أقنعتها التطورات أن أفضل انتصار تحققه هو الحل الوسط الذي يخدم جميع أطرافه؟

العربي الجديد

 

 

 

 

ضربة ترامب وغموض ما قد يلي…/ حازم صاغية

ضربة دونالد ترامب الأخيرة بالطبع لن تنقذ سوريّة ولن تنصر ما تبقّى من ثورتها. هذا وهم. وهي بالطبع، وفي حال توقّفها هنا، لن تحدث تعديلاً نوعيّاً في توازن القوى على الأرض. والضربة بالتأكيد لن تحوّل ترامب من شخص سيّء وقائد رديء إلى شخص محبوب وقائد عظيم. هذا يتطلّب معجزة.

لكنْ تحت هذه العتبة بكثير، أُنجز هدفان جزئيّان قد يجوز النقاش في مدى فائدتهما، إلاّ أنّهما بالتأكيد غير مضرّين.

سوريّاً، ربّما كُرّس القتل الكيماويّ بوصفه الاستثناء المحرّم في عمليّات القتل الأسديّ. الإنجاز بالتأكيد متواضع جدّاً ما دام لا يوقف أشكال القتل الأخرى والكثيرة. إنّه إنجاز لزمن الثورة المضادّة فحسب. إلاّ أنّ له تأثيرات مرجّحة على صعيد الاحتكار السياسيّ – العسكريّ لمثلّث الموت، أي الأسد وروسيا وإيران (و «حزب الله»…): الدخول الأميركيّ إلى الحلبة ليس دليلاً على دور أكبر لـ «قوى الخير»، لكنّه دليل على تزايد الارتباكات والتناقضات في جبهة «قوى الشرّ».

لصّان في بيت واحد، يسرقانه ويروّعان أهله فيما يحارب واحدهما الآخر، خير من لصّ واحد يحتكر سرقة البيت وقتل أفراده غير آبه بأيّ اعتبار. فكيف وأنّ اللصّ هذا أخصّائيّ في خنق الأطفال بالكيماويّ!؟

كونيّاً، تسبّبت ضربة دونالد ترامب في توسيع الفجوة بين واشنطن وموسكو، وفي انفضاض بعض قوى اليمين الشعبويّ الأوروبيّ عن ترامب. يصحّ هذا في مارين لوبن الفرنسيّة وفي نايجل فاراج البريطانيّ وفي «رابطة الشمال» الإيطاليّة وفي سواهم. كلّهم عبّروا عن استيائهم من فعلة ترامب، وعن اعتراضهم عليها. الأمميّة البوتينيّة أصيبت بتصدّع ملحوظ. علامات التلاحم الأطلسيّ عادت إلى الواجهة، بدليل أنّ وزير خارجيّة بريطانيا بوريس جونسون عزف عن زيارة موسكو التي هاجمت بريطانيا. الولايات المتّحدة باتت تتحدّث مجدّداً عن مسؤوليّات كونيّة، وترسل مجموعة بحريّة هجوميّة إلى غرب المحيط الهادئ لتعزيز انتشارها قريباً من كوريا الشماليّة. الإجماع حول «دور الأسد في مستقبل سوريّة» بدأ يهتزّ. سقوط الإستراتيجيّ الأيديولوجيّ ستيف بانون من ذروة نفوذه في مجلس الأمن القوميّ الأميركيّ قد يعزّز الوجهة هذه.

تواضع النتائج، وربّما تواضع الاحتمالات، ليسا بالضرورة تواضعاً في المعاني: ما إن قصف الأميركيّون المطار العسكريّ السوريّ حتّى تبيّن خواء نظام القوّة الذي أحرز انتصارات الأشهر الأخيرة في سوريّة. إنّه نظام ينبع أبرز أسباب قوّته من الغياب الأميركيّ السابق. الجماعة، في النهاية، لا تحتمل ضربة كفّ. قوّتها الوحيدة أنّ ما من ضارب كفّ في الساحة.

كيف ستبني أميركا ترامب، وماذا ستبني، على هذه الحقيقة؟ وكيف ستتصرّف روسيّا (وإيران) في المقابل؟ وفي هذه الحدود، هل ستوفّر القوى المحلّيّة، بعد الإنهاك الذي تعرّضت له في السنوات الأخيرة، المرتكزات التي تُبنى عليها استراتيجيّات جديدة للمواجهة؟ أسئلة ستقود الإجابة عنها إلى أوضاع يصعب التكهّن بها الآن.

الحساب طبعاً ليس حساب ثورات، ولا حساب مستقبل. لكنّه قد يؤدّي إلى وقف التدهور العظيم عند حدٍّ لا يُقتل فيه الأطفال بغاز السارين «المناهض للإمبرياليّة»!

الحياة

 

 

يفوز بشار ويسقط أيضاً/ عمر قدور

بعد انجلاء ملابسات الضربة الأمريكية المحدودة جداً يمكن القول بأن بشار الأسد خرج من المواجهة فائزاً، فالعقوبة الأمريكية هذه المرة أقل فعلياً من صفقة الكيماوي التي أُبرمت مع إدارة أوباما، وإذا نصت الصفقة السابقة على إفلاته وتجريده من أداة الجريمة فالعقوبة الحالية اقتصرت على تدمير جزء رمزي من أداة الجريمة، وتركه طليق اليد مرة أخرى. فوق ذلك، يمكن القول بأن الدعم الروسي والإيراني بعد هجوم الكيماوي الأخير أقوى صوتاً مما قبل، ويوحي بوصوله إلى عتبة دعم أي هجوم كيماوي مستقبلاً والتبرير المسبق له.

هكذا يبدو بشار، وربما طهران من خلفه، كأنهما نجحا في دفع موسكو وواشنطن إلى عتبة من المواجهة يستفيدان منها، ويصبح الدفاع عن بشار شخصياً قضية كرامة بالنسبة للروسي. أو، على الأقل، تعطي التصريحات الروسية والأمريكية الانطباع بأن جسر العلاقات “العلني” بين ترامب وبوتين، الذي يُفترض أن يقيمه وزيرا خارجية البلدين في لقائهما الثلاثاء، قد أصبح ملغّماً، وصارت أية صفقة بين الجانبين أبعد من قبل، خاصة مع الضغوط التي يتعرض له ترامب داخلياً في ملف التواصل مع الروس قبل تسلمه مهامه.

فوز بشار وفق هذه التصورات يعطي رسالة خاطئة عن مكانته في ميزان القوى المتعلق بسوريا، ويُظهره لاعباً أساسياً بخلاف وقائع السيطرة على الأرض التي تذهب باضطّراد إلى موسكو وطهران، مثلما تذهب إليهما القرارات الرئيسية الكبرى. فبشار الأسد، بالمعنى الشخصي وبتمثيله لعائلته، أصبح الاسم الرمزي لصراع القوى في سوريا، بينما تتفق القوى نفسها على هامشيته وسهولة التخلص منه عندما تحين لحظة التفاهم أو المقايضة الكبرى. ولا مجازفة بالقول أن المعنيّ نفسه يدرك، وهذا لا يحتاج نباهة، أن بقاءه بات مرتبطاً تحديداً باستمرار الشق الخارجي من الصراع. أو لنقل إن احتمال بقاء الصراع على ما هو عليه أكبر ضمانة لبقائه، إذ لا يجوز استثناء تيارات موجودة في الغرب تدعو إلى اعتماده بعد انتهاء الحرب. لكن ما يفوت نظام بشار أن قليلاً فقط من تلك الأصوات يدعو إلى بقائه كما هو، فإعادة اعتماده ترتكز أساساً على فرضية تأهيله ليصبح نظاماً سياسياً، ويكف عن أن يكون تنظيماً عسكرياً ومخابراتياً فحسب.

صحيح أن الرأي العام الغربي ليس في أوج تعاطفه مع القضية السورية الآن، لكن جزءاً من هذا التيار يقع منذ أكثر من ثلاث سنوات تحت تأثير تلك المقارنة بين النظام وداعش، وربما اصطناع تلك المقارنة. أسوأ أصحاب هذا الرأي يقرّون بإجرام نظام بشار، ولا يتوانون عن نعته شخصياً بأسوأ الصفات والاتهامات، مع الاستدراك بأنه خيار أفضل قياساً إلى داعش. وفق ذلك، بالقضاء على داعش ستنقضي المقارنة نفسها، وهؤلاء لن يكون في وسعهم الدفاع عمن أقروا بإجرامه بعد انتهاء “الأسوأ” من وجهة نظرهم؛ انتهاء الأسوأ يعني أيضاً انتهاء تكسُّب”السيء” على حسابه.

أتى قصف خان شيخون بالكيماوي في لحظة فاصلة أصبح فيها داعش في أضعف حالاته، من هذه الجهة يمكن اعتبار الكيماوي بمثابة تأكيد للغرب على أن السوء الذي يمثله بشار غير قابل للعلاج. ولعل واحدة من رسائل استخدام الكيماوي تتمثل في إصرار النظام على القبول به بأسوأ صوره كما يراها الغرب، أي بصورة الكيماوي، وفي هذا رفض لأفضل صفقة سياسية يمكن أن يقبل بها الغرب لصالحه. المعنى الذي تنطوي عليه الضربة أن النظام يريد كل شيء، ويطمع في تفويض دولي غير ملتبس في جميع أشكال الإبادة، أو أنه بمشاركة الحلفاء سيعيقون الحرب الدولية على الإرهاب؛ هذا هو فحوى التهديد الروسي للإدارة الأمريكية فور تنفيذ ضربتها، إذ نص على أنها تعيق الحرب على الإرهاب في إنذار لا تخفى معانيه.

لا تحتاج المخابرات الغربية من يخبرها عن الصلات المباشرة بين نظام بشار وداعش، ولا يحتاج المسؤولون الغربيون من يفهمهم أن سلاح الإرهاب الذي استخدمه النظام في عدة مناسبات، في لبنان والعراق قبل سوريا، هو سلاح سيبقى طالما بقي النظام، وطالما أيقن الأخير بفعاليته. على العكس، بناء على المعرفة والفهم، يريد الغرب استخدام قوات النظام بأسوأ ما فيها للمشاركة في ما يسمى الحرب على الإرهاب، قبل أن تحين لحظة معالجة بنية النظام المولَّدة للإرهاب والراعية له. إن واحداً من عوامل استمرار الحرب وظيفتها في إنهاك النظام نفسه مع إنهاك من يُصنّفون في معسكر التطرف، وهو أيضاً واحد من عوامل الإلحاح على حل سياسي لا تسند إنجازه رغبة أو دعم دوليين قويين حتى الآن، إذ تعلم القوى المساندة لما يُسمى الحل السياسي أن الحل لن يُفرض في النهاية على النظام إلا باستخدام أقوى الضغوط من قبل القوى الغربية، أو من قبل حلفائه إذا دخلوا في تسوية معها.

في الواقع لسنا فقط أمام نظام متوحش، بل أيضاً أمام نظام “يتذاكى” ويظن أنه قادر على اللعب على التناقضات الدولية، بما فيه تناقضات حلفائه، وربما يظن أيضاً أنه سيخرج منتصراً على الجميع حتى بعد فقدانه السيطرة الفعلية على معظم مناطق سيطرته الاسمية. هذا المزيج بين الغطرسة الداخلية والتذاكي على العالم هو بالضبط مقتل النظام، أو مقتل رؤوسه على الأقل، وضربة الكيماوي الأخيرة هي حاصل هذا المزيج. قد يكون التذكير باغتيال الحريري مناسباً هنا، فغطرسة النظام حينها، رغم المناشدات التي وجهت إليه من أجل حماية الحريري، أدت إلى ما نعرفه من انتهاء زمنه الذهبي إقليمياً. اليوم ليست غيرة العالم على ضحايا الكيماوي ما تدفعه إلى اتخاذ موقف أكثر تشدداً إزاء بشار، هو يأس العالم من إمكانية إدخال تحسينات على النظام بوجود رؤوسه الحالية. القول بأن استخدام السلاح الكيماوي يهدد أمن الغرب يضمر أصلاً القول بأن بقاء هذه الزمرة، واستخدامها سلاح الإرهاب، هو الذي يهدد أمن الغرب. لقد فهم الغرب رسالة بشار التي تنص على أنه لن يتغير، أما هو فلن يفهم على الأرجح المصير المحتم لمن في مثل موقعه ووظيفته إلا عندما لا ينفعه ذلك الفهم.

المدن

 

 

 

 

 

الباكون على السيادة السورية/ إبراهيم الزبيدي

يمكن أن نتفهّم وأن نعذر أربعة غضبوا جدا وبسرعة على الرئيس الأميركي دونالد ترامب بسبب ضربه قاعدة الشعيرات بصواريخ توماهوك، فلاديمير بوتين وبشار الأسد ونوري المالكي وحسن نصرالله.

ولكن الذي يصعب على الفهم ذلك الغضب الشديد الساخن والبكاء الحار على السيادة السورية الذي انخرط فيه كتابٌ ومحللون وسياسيون عرب قوميون ويساريون وشيوعيون معاصرون وسابقون وإسلاميون تجمعهم معا جبهة أنصار المقاومة والصمود ورفض العدوان الأجنبي الاستعماري الاستكباري على قلب العروبة النابض، حتى أن بعضهم تنادى إلى التحرك الفوري للرد والانتقام من ترامب، بمهاجمة أهداف وقواعد ومصالح أميركية في الدول العربية والعالم.

وقد اشتركوا جميعا، الغاضبون الأربعة، بوتين وبشار ونوري ونصرالله، وجوقة الكتاب والمحللين والسياسيين المقاومين في تبرير غضبهم بثلاثة أعذار. الأول كون الضربة تمثل اعتداء صارخا على دولة ذات سيادة، والثاني عدم احترام ترامب للقانون الدولي، والثالث عدم إجراء تحقيق دولي دقيق للتأكد من الجهة التي قامت بالفعل باستخدام السلاح الكيمياوي.

والملاحظ أن جميع أعضاء هذه الجوقة، كما يعرف السوريون والعرب والعجم والهند والسند ومجلس الأمن ومفوضية حقوق الإنسان الدولية، مناضلون عريقون وذوو تاريخ طويل وعريض، بالأفعال لا بالأقوال، في الاحترام الصارم لأحكام القانون الدولي وعدم التعدي على سيادة الدول المستقلة ذات السيادة، وفي نضالهم من أجل الحرية والديمقراطية والعدالة وحقوق الإنسان.

ولأن السيادة الوطنية السورية مازالت بكرا لم يمسسها إنس ولا جان، فقد كانوا أكثر الناس شجبا لاعتداء ترامب، غير المبرر، على دولة لم تسمح لأي دولة أجنبية أو طائفة أو حزب أو ميليشيا بأن تمس سيادتها وكرامة شعبها بسوء.

فالذي يحمي حدود سوريا الأسد، مثلا، ويحافظ على سيادتها الوطنية هو شعبُها قبل جيشها. فهي دولة مستقلة حتى العظم ومسالمة ومنشغلة فقط برفاه أهلها وإعمار مدنهم وقراهم. سجونُها فنادق خمس نجوم. تنفق مواردها بلا حساب ولا كتاب على إنشاء المدارس والمعاهد والمراكز الثقافية والاجتماعية التي لا تهتم إلا بتعميق ثقافة التسامح والسلام ونبذ العنف والتعصب الطائفي والقومي والحزبي، وبناء الإنسان.

وكأن صواريخ توماهوك الأميركية كانت أول زائر من زوار الفجر لسوريا الأسد، وكأن جيوش بوتين الجرارة وخمسة آلاف من الحرس الثوري الإيراني وكتائب عصائب أهل الحق وفيلق بدر وحزب الله اللبناني وألوية أبوالفضل العباس وكتائب سيد الشهداء وذو الفقار وفرقة فاطميون وفرقة زينبيون وفيلق ولي الأمر المكلف أساسا بحماية المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي وقادة النظام الإيراني، موجودة في سوريا سياحة إنسانية خالصة لرعاية الأيتام والأرامل والمحتاجين وذوي السبيل والمؤلفة قلوبهم، فقط لا غير.

والأغرب من الغريب أن أدعياء المقاومة الذين يتباكون اليوم على بشار الأسد وعلى شرعيته ويتداعون إلى النفير العام للدفاع عن كرامة الأمة ضد اعتداءات أميركا “الترامبية” وأنصارها ومؤيديها من الإمبرياليين والصهاينة والرجعيين، هم من تآمروا مع أميركا “البوشية” وأعانوها على غزو العراق وسهلوا احتلالها، وقطفوا ثماره ومازالوا يرفلون ببركاتها وفضائلها إلى اليوم ولا يستحون.

وهم أيضا من بارك أميركا “الأوبامية” واعتبر تطنيشها عما يفعل الظالمون والمختلسون العراقيون والإيرانيون والسوريون واللبنانيون والحوثيون والبحارنة المعارضون، عملا من أعمال الخير والعدل والسلام وخدمة لا تقدر بثمن لدولة الإمام المنتظر.

كتب أحد الشيوعيين السابقين الطائفيين (المالكيين) الأشداء حاليا في صحيفة الأخبار العراقية يقول “أما الإدعاء بأن الأسد استخدم غاز الأعصاب ضد المدنيين وقتل الأطفال والنساء والشيوخ، وأن ترامب (العاطفي جدا) تألم كثيرا على مشهد صورة الطفل الرضيع وهو يموت بسبب الغازات السامة، فهذه لعبة معروفة لا تنطلي على أحد، ولن تصمد أمام أي محاججة منطقية وليست في صالح رئيس دولة عظمى يتخذ قراراته بتأثير صورة قد تكون ملفقة”.

وأضاف “فالمعروف أن الجيش السوري حقق انتصارات عظيمة على التنظيمات الإرهابية وحرّر حلب وتدمر ومناطق أخرى في الأشهر الأخيرة بأسلحته التقليدية ودون الحاجة إلى استخدام السلاح الكيمياوي المحرم دوليا، فلماذا يخلق الأسد لنفسه هذه المشكلة ليعطي الذريعة لأعدائه باستغلالها لتأليب الرأي العام العالمي ضده في الوقت الذي يجد الإرهاب تقهقرا وانحسارا في كل من العراق وسوريا؟”. وقال “نعتقد أن فيلم الغازات السامة تمت فبركتُه لإقناع ترامب بتغيير موقفه من الأسد وتدخله لإجهاض النصر على الإرهاب وإعادة السيناريو الليبي وتحويل سوريا إلى أفغانستان ثانية بغية إكمال تدمير البلاد العربية”.

هذا هو ملخص منطق الغاضبين على ترامب والباكين على مؤامرة “إكمال تدمير البلاد العربية”.

ونسأل أخانا الكاتب الغاضب الغيور على قاعدة الشعيرات هذا السؤال؛ أين كان قلمه السيّال طيلة السنوات الخمس الماضية وهو يرى سوريا تتحول إلى خرائب، وأشلاءُ أطفالها ونسائها وشيوخها متناثرة تحت الأنقاض بقنابل جيوش الروس، وبراميل المناضل بشار الأسد، وسكاكين “أحفاد” الحسين الراقصين فرحا بالثأر من أحفاد يزيد على الدبابات والمصفحات الإيرانية تحت راية القائد البطل قاسم سليماني؟

ثم، ألم ينتفض فرحا، بالأمس، هو ذاتُه، ومعه من أمثاله كثيرون، فكتب العشرات من المقالات والتحليلات يوم غزت أميركا العراق بمعاونة إيران ووكلائها العراقيين الذين يذرفون الدموع، اليوم، على شرعية سوريا المستقلة ذات السيادة، ويدعون للرد على العدوان الأميركي الصارخ على القانون الدولي بكل سبيل ووسيلة؟

ألم يكن يرى في نوري المالكي، ومازال حتى اليوم، وبرغم كل ما انكشف من طائفيته ودكتاتوريته، المهاتما غاندي ونيلسون مانديلا والجنرال شارل ديغول وماما تيريزا؟

خلاصة القول، إن صواريخ ترامب على قاعدة الشعيرات كانت بردا وسلاما على سوريا العربية الصامدة، كما تمنى ودعا أحد “العروبيين” الأشاوس، ولم تكن أكثر من وخزة خفيفة عابرة على جسد الدولة السورية الذي تحمّل ومازال يتحمّل أطنانا من الصواريخ والقنابل والبراميل المتفجرة كل يوم وكل ساعة حتى صح عليه قول المتنبي الخالد:

رماني الدهرُ بالأرزاءِ حتّى ** فؤادي في غشاءٍ من نِبالِ

فصرْتُ إذا أصابتني سِـهامٌ ** تكسرت النِّصالُ على النِّصالِ

كاتب عراقي

العرب

 

 

 

 

 

ترامب وسورية بعد مجزرة خان شيخون/ رضوان زيادة

قرر الرئيس الأميركي دونالد ترامب أخيراً، أن يوجه ضربة عسكرية للنظام السوري بعد استخدامه السلاح الكيماوي مجدداً في بلدة خان شيخون في إدلب. وعكست تصريحات ترامب ووزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون تغيراً جذرياً في موقفهما تجاه الأسد وتطورات الأزمة السورية، فقبلها بأسبوع تقريباً، صرح وزير الخارجية الأميركي أن الولايات المتحدة ترى أن «تركيز الأزمة على الموقف من الأسد غير مجد، وأن القرار النهائي في شأن الأسد يعود إلى السوريين».

بعد مجزرة خان شيخون أعلن تيلرسون أن لا مكان للأسد في المرحلة الانتقالية في سورية، وأن تصرفه البربري في استخدام السلاح الكيماوي ضد شعبه لن يمر من دون عقاب. السؤال الآن: هل ستكتفي الولايات المتحدة بضربات جوية عسكرية من البحر ضد أهداف عسكرية محدودة كما حدث في استهداف مطار الشعيرات الذي خرجت منه الطائرات السورية التي قصفت المدنيين بالسلاح الكيماوي في خان شيخون، أم أنها ستستغل فرصة التأييد العربي والدولي الكبير التي حصلت عليه هذه الضربة لبناء استراتيجية سياسية وعسكرية كبرى تضمن انتهاء الصراع في سورية وتؤدي إلى عودة السوريين اللاجئين والنازحين إلى بلدهم.

إذا قررت الولايات المتحدة القيام بضربات محدودة، فإن ذلك لن يؤدي إلى الهدف الكلي بل ربما يزيد تعقيد الأمور، بخاصة إذا قررت روسيا التصعيد عسكرياً في سورية، وقرر نظام الأسد تكثيف الغارات الجوية ضد المدنيين، ولذلك على إدارة ترامب أن تنتهز الفرصة وتطور استراتيجية كلية تهدف إلى حماية المدنيين في سورية وتقود في النهاية إلى عملية انتقالية سياسية، تعيد للسوريين الثقة بأنفسهم وبقدرتهم على إدارة شؤونهم، وتحررهم من سنوات الاضطهاد والظلم الطويل الذي عاشوه تحت حكم الأسد.

في مركز حماية المدنيين يجب أن يكون هناك فرض حظر جوي يمنع استخدام الأسد لسلاح الجو ضد المدنيين بالمطلق، فالعدد الأكبر من الضحايا المدنيين الذين سقطوا في سورية والذي تجاوز النصف مليون، يعود إلى الاستخدام المكثف لسلاح الجو من قبل قوات الأسد، وهو ما دفع أيضاً العدد الأكبر من السوريين إلى اللجوء أو الهجرة، لأن الاستخدام الأعمى للبراميل المتفجرة دفع الملايين منهم للهرب إلى حيث يستطيعون، خوفاً من هذه القنابل الغبية التي تستهدف المدنيين حصراً، وكان هدفها الرئيسي جعل المناطق التي خرجت عسكرياً عن سيطرة نظام الأسد غير قابلة للعيش أو الحكم، ونجحت هذه الاستراتيجية إلى حد كبير، لكن تأثيرها في المدنيين كان أشبه بسياسة التطهير العشوائي، فكل برميل متفجر يعادل تقريباً جريمة حرب، حيث أن هذا البرميل لا يلتزم بأي من القواعد المنصوص عليها في قوانين الحرب أو القانون الإنساني الدولي، في ما يتعلق بالمبادئ الرئيسية الثلاثة، وهي أخذ الاحتياطات الضرورية في عدم استهداف المدنيين، فهي مصممة أصلاً من أجل استهداف المدنيين، والمبدأ الثاني يستوجب عدم المبالغة في رد الفعل، وهو عكس تماماً ما يقوم به البرميل المتفجر عندما يسقط على الأحياء السكنية ويحولها إلى خراب، أما المبدأ الثالث فهو يقوم على مبدأ عدم العشوائية، وهو عكس ما تقوم به البراميل المتفجرة فهي سلاح لم يتم تطويره بأي شكل كي يكون دقيقاً، وإنما تمّ الاعتماد عليه لرخصه وعدم الحاجة إلى اتخاذ الكثير من الإجراءات لاستخدامه فيمكن إسقاطه من أي طائرة على أي منطقة من دون إجراءات احترازية.

وبالتالي، عندما نتحدث عن حماية المدنيين، يجب أن يكون في قلب ذلك منع استخدام البراميل المتفجرة، ومن ثم لا بد من إعلان مناطق آمنة من الاستهداف من قبل نظام الأسد ومن قبل تنظيمات إرهابية مثل «داعش» و»النصرة» وغيرها، ولا بد أن يشعر السوريون أن عودة الأمن إلى بلدهم ممكنة، وأنه بعد ست سنوات من إهمال المجتمع الدولي لمعاناتهم فإنه سيضمن لهم اليوم مجدداً الأمن والحرية في حكم أنفسهم بأنفسهم، من دون تدخل القوى الإقليمية أو الدولية كروسيا وغيرها، ولما كانت إدارة ترامب قد أعلنت عن إنشاء هذه المناطق الآمنة خلال الحملة الانتخابية، فإن ذلك يشكل التزاماً منها بضرورة المضي قدماً بالفكرة، وربما تجدد الكلمات القاسية التي رددها ترامب بحق بشار الأسد تعهده والتزامه بالقيام بذلك، وبالتالي تكون المناطق الآمنة فرصة من أجل ضمان عودة ملايين اللاجئين الذين شردتهم الحرب في سورية، وجعلتهم «سلعة» يتم استخدامها سياسيا من قبل العديد من السياسيين وبخاصة من اليمين المتطرف في أوروبا والولايات المتحدة، فعودتهم الكريمة لن تتم سوى بضمانات دولية بإنهاء الرعب والموت القادم من السماء على يد نظام الأسد عبر براميله المتفجرة وقصفه العشوائي للمدنيين.

من دون تطوير هذه الاستراتجية ربما تقوي هذه الضربات الجوية المحدودة حليف الأسد، متمثلاً في روسيا ويدفعها لإجراءات انتقامية ضد المدنيين، ولذلك على إدارة ترامب أن تدرك أن الالتزام بسورية يعني التزاماً طويل الأمد يضمن إنهاء أسوأ كوارث العصر من صنع دكتاتور دموي، لم يتردد لحظة في استخدام الغازات السامة ضد الأطفال والمدنيين الأبرياء. إذا سمحت إدارة ترامب للأسد بأن ينجو هذه المرة تكون قد أضاعت فرصة لن تتكرر أبداً، والأهم أنها ترسل رسالة إلى كل القادة المستبدين في العالم أن السيادة التي يدعونها في قتل شعبهم تم ترخيصها دولياً، كما حصل بعد استخدام الأسد السلاح الكيماوي في 2013 وعندها تجنب أوباما عقاب الأسد، الذي حصل حينها على رخصة دولية لاستمرار القتل بكل أنواع الأسلحة بما فيها السامة حيث استخدم غاز الكلورين أكثر من مرة، وهو ما أكدته اللجنة الأممية المشكلة من قبل مجلس الأمن، واستخدمت روسيا الفيتو من أجل منع إدانة الأسد في شباط (فبراير) الماضي.

أظهر ترامب اليوم قيادة جديدة في سورية، بعد استخدام السلاح الكيماوي في خان شيخون، ولكن هذه القيادة الجديدة تستوجب تطوير استراتيجية يكون مركزها حماية المدنيين السوريين ممثلة في فرض حظر جوي، وإنشاء مناطق آمنة.

إذا استطاعت إدارة ترامب الارتقاء إلى هذه المستوى، فإنها ليس فقط ستعيد صورة الولايات المتحدة المهشمة دولياً، وإنما ستزيد شعبية ترامب داخلياً، بخاصة أن تصريحاته تجاه صور خان شيخون أظهرت رئيساً إنساناً عكس ما صور خلال الحملة الانتخابية، ودوماً يقال في السياسة الخارجية الأميركية أن الأحداث اليومية هي التي تصنع السياسة الخارجية وتصنع السياسيين وليس العكس. هذه فرصة خيرة لسورية ولترامب، فهل نستطيع البناء عليها لإنقاذ ما تبقى من سورية وطناً وإنساناً؟

* كاتب سوري وباحث في المركز العربي – واشنطن

 

 

 

ماذا تعني الضربة الأميركية؟/ فاطمة ياسين

فعلت أميركا ما كان متوقعاً منها منذ ست سنوات، بعد جريمة مروّعة ارتُكبت ضد المدنيين في مدينة خان شيخون في أثناء غارة جوية، قتَل فيها طيارٌ بارد القلب أطفالاً من المدينة مع عائلاتهم، وردت الصواريخ الأميركية بأن دمرت مؤونة المطار من السلاح الحربي.

أكّد النظام السوري، مع كفيله الروسي منذ ثلاث سنوات، أن مستودعات الجيش السوري أصبحت خالية من السلاح الكيماوي، وادّعى الطرفان أن هذا السلاح قد دُمِّر نهائياً خلال العملية التي تمت بإشرافٍ دولي، وفق اتفاقية وقِّعت بسرعة، ونفذت بسرعة أيضاً. لكن على عكس ما اعتقد الرئيس الأميركي (السابق) باراك أوباما، عرّاب الحلول السلمية، لم يُجنّب أطفال سورية المصير الخانق الذي يمنع الأكسجين عنهم. وبيّنت الأيام الأخيرة أن النظام الذي دأب على المواربة مارس ما يُحسنه مجدداً، وأنه أخفى ما أخفى من الغازات السامة، ليستعملها عندما تواتيه الريح، من دون أن يلقي بالاً لقانون أو محاسبة.

استمع النظام إلى تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأنه غير معني بمصير الرئيس السوري، وفهم منها وضوحاً بترك الأسد وشأنه وما يفعل، كما احتفل النظام بعباراتٍ مطابقة من مسؤولين أميركيين بأنهم معنيون، بالدرجة الأولى، بمحاربة الإرهاب، ويقصدون الإرهاب الذي يمثله تنظيم الدولة الإسلامية. وفي الليلة التالية، ألقى النظام قنابله السامة، وكأنه يرغب بتحدّي كل شيء، حتى التصريحات المطمئنة له.

ابتكر نظام الأسد، في عصر القنابل الذكية، سلاحاً فريداً، وهو البراميل العمياء التي تسقط بقوتها الذاتية، ولا توجهها إلا الثقالة. وتستهدف، بنسبة خطأ تتجاوز مئات الأمتار، المستشفيات والمخابز وأماكن التجمع المدني البريئة. وعلى الرغم من ذلك، بقي في مأمن من القصاص، فقرّر تكرار استخدام السلاح الكيماوي، متكئاً على التصريحات الأميركية غير المبالية بوجوده، معتبراً إياها عجزاً، أو تسليماً بالواقع.

ضربات كيميائية من هذا النوع، وفي هذا التوقيت، لم يكن للنظام أن ينفرد بها من دون أن يستشير رعاته في إيران وموسكو، وقد أصبح مرهوناً لتعليماتهما منذ أمد. والمرجح أنه حصل على موافقةٍ ثنائية، وكان توقيت الضربة مهماً، فالأمر بالنسبة إلى قطيع القتلة مجرد رسالة سياسية وعسكرية، ولو قتل عبرها أبرياء كثيرون. أراد الروس إخضاع الحليف الأميركي المفترض للتجربة، وأرادت إيران اختبار النوايا تجاهها، وأراد النظام قتل المزيد. كان القصور السياسي عنوان المغامرة الكيميائية التي أقدم عليها الثلاثي، اعتماداً على القرار العشوائي في الاختبار، وهو التجربة والخطأ، ثم التصحيح حسب النتيجة، والنتيجة كما يبدو سقوط أخلاقي جديد وإعطاء ترامب سبباً ليستخدم عضلات عسكرية، يغطي بها على أدائه الرئاسي المرتبك.

وجد النظام فرصة ليبيع مناصريه جرعةً من الشعور بالأمن والأمان، باستخدامه ضد المناطق المعارضة أقسى أنواع القوة، وأكثرها انحطاطاً، وبإشراف مباشر من رعاته الرسميين، وأراد أن يطلق في الهواء بالوناتٍ لمعرفة اتجاه الريح، ولكنه فوجئ بمن فقعها في وجهه، وترك مناصريه في حيرة ودهشة وخيبة أمل، بعد أن نفذ ترامب ما هدّد به. وعلى الرغم من قلة عدد الصواريخ الأميركية التي أُطلقت، إلا أنها كانت كافيةً لتزلزل أركان قصر الشعب على سفح قاسيون، وتشهر إصبعاً متحديةً في وجه المعربد الروسي الذي كان مندوبُه غاضباً وقلقاً في جلسة مجلس الأمن، فأعطى توجيهاً لمندوبة أميركا بتذكيرها أنها جديدة على كرسي رئاسة المجلس، ويفترض بمنصبها الحياد، ونسي أنه هو نفسه جديد على كرسي تمثيل الاتحاد الروسي، وبالطبع لا يمثل أي حياد.

تعلن، أخيراً، وزارة الدفاع الأميركية أن روسيا كانت على علمٍ مسبقٍ بالضربة، الإعلان بذاته يدلل على تصعيد أميركي قد يطيح حالة الاطمئنان التي يعيشها النظام بدعم حلفائه المطلق والنهائي، الأمر الذي سيقلص العربدة الروسية، ويُفشل الشعور بالأمان الذي أراد النظام نقله إلى جمهوره، ويوحي بأن هناك عواقب وخيمة أكّدتها الضربة الأميركية الأولى التي نفذت في قلب الجزء الذي يعتبره النظام “سوريّاه المفيدة”.

العربي الجديد

 

 

 

 

لئلا نخدع أنفسنا في سورية/ نداء الدندشي

ما يفصل مجزرة الأسلحة الكيماوية في الغوطة الغربية عن المجزرة الأحدث في خان شيخون ليس مسافة زمن فقط، بل سلسلة من الأحداث والتغيرات، سلك العالم فيها طريق التحول في مواقفه من الثورة السورية، من رافض ظاهري لبقاء بشار الأسد في تسلطه على سورية إلى مرحلة القبول العلني للأمر الواقع، والإقرار بضرورة التعامل معه، ليس على الصعيد الاستخباراتي الذي كان يجري في الخفاء، بل أيضا بصيغة بقائه على سدة الحكم في سورية، وفق التصريحات المعلنة.

حدث هذا إثر مواجهة أوروبا مشكلات مجتمعية، تتصدّرها مسألة الدفاع عن الهوية والثقافة المحلية التي هدّدت بقدوم أفواج من اللاجئين، يحملون ثقافات مختلفة، ويرفضون الانخراط في المجتمعات الأوروبية، إضافة إلى أن أعدادهم سوف تتضاعف في المستقبل القريب، لا البعيد، نتيجة الولادات الكثيرة التي هي من سمات المجتمعات التي جاؤوا منها، يقابله عزوف كثيرين من جيل الشباب الأوروبي عن الإنجاب تحت ذرائع شتى، تتصدّر الرغبة للتفرّغ للعمل إحداها، وهذا يعني أن عدد السكان المحليين سيتضاءل في المستقبل أمام حالةٍ من النمو المرتفعة التي تشهدها مجتمعات الوافدين. أيضا الهجمات التي تعرّضت وتتعرّض لها هذه المجتمعات من أفرادٍ بعينهم، كنتيجة حتمية لنمو الجماعات المتطرّفة في الدول التي تشهد صراعات داخلية، يقابله غض الدول الغربية الطرف عن الأسباب الحقيقية التي ولّدت مثل هذه الحالات الشاذة في مناطق الصراع. والأهم من هذا كله هو إخفاء المعرفة بمصادر التمويل الحقيقي لهذه الجماعات، والإعلان عن مصادر تمويل غير مقنعة لشح مردودها (تجارة الآثار والنفط في غياب المرافئ التي يجب أن يصدّر عبرها ليقدم مردودا جيدا) مقارنة مع الإمكانات المادية الكبيرة التي تتمتع هذه الجماعات بها، والآليات المتطوّرة التي تستخدمها. هذا إن لم نشأ طرح السؤال عن كيفية حصولهم على هذه المعدات في ظل حصارٍ، يفترض أن يحول دون ذلك، مع الإشارة إلى أهمية التمويل واحداً من أهم أسباب بقاء هذه الجماعات ونموها، وتمدّد نفوذها في

“شهدت سورية أكثر من 140 حالة هجوم بمواد سامة تسببت بوفاة كثيرين، إضافة إلى حالات الولادات المشوّهة، نتيجة استنشاق الأهل المواد السامة، من دون أن يتحرّك العالم بشكل جدّي” أرجاء العالم الإسلامي، ثم باتجاه الدول الغربية على شكل “ذئاب منفردة”، تعمل على بث الرعب، ونشر الموت في الدول التي يستهدفونها، ما يجعل من مواقف الساسة أمرا يدفع إلى الإرتياب، ويبعد الثقة عن حكومات العالم، مرجّحا فكرة فقدانها مصداقيتها.

لقد شهدت سورية بين التاريخين الآنفي الذكر أكثر من 140 حالة هجوم بمواد سامة تسببت بوفاة كثيرين، إضافة إلى حالات الولادات المشوّهة، نتيجة استنشاق الأهل المواد السامة، من دون أن يتحرّك العالم بشكل جدّي، ويتخذ موقفاً يعمل على إيقاف نزيف الدم السوري، ويمضي فعليا إلى الأمام لدعم الحل السلمي الذي تم ترويجه بعناية، من دون أن يظهر على سطح الأحداث سوى تراجع القوى الكبرى عن موقفها في دعم محادثات السلام التي انتهت إلى أيدي من يساهمون بالحرب، إلى جانب حكومة النظام، داعمين له ومدافعين عنه، وهذا يجافي منطق الأمور التي تقول “إن الشريك في الفعل لا يمكن أن يكون قاضيا يبت بأمره لعدم حياديته”، ما يعكس عدم الاهتمام الفعلي بما يجري في تلك البقعة من العالم، على الرغم من حيوية موقعها شرق البحر المتوسط، أو هوية دول الجوار التي حتمتها الجغرافيا والمواقف العالمية التي طمست يوما هوية دولة، لتصنع دولة أخرى بجرّة قلم. هذا إن لم نشأ القول إن ما يجري يخدم المواقف غير المعلنة.

يشير ظاهر الأمور إلى تبدل مفاجئ في المواقف الدولية، بعد جريمة الثلاثاء الأصفر المريرة التي أصابت بلدة خان شيخون السورية، بلغت ذروتها بالضربة العسكرية التي وجهت إلى المطار السيئ السمعة. عمد المحللون السياسيون في أميركا وبعض أنحاء العالم إلى توضيح ما جرى من الزاوية التي يرون بها الحدث، وهي زاوية تقارب المنطق، كونها لا تعتمد العاطفة مفتاحاً لفهم الأحداث، بل لغة العقل التي أعادت بوصلة ما جرى إلى المصالح الحيوية التي أخذت بالاعتبار، وتقع ضمن دائرة اهتمام الإدارة الأميركية في ظل نجاح الحزب الجمهوري في الانتخابات، وهو الحزب الذي عرف أنه يوجه جل اهتمامه إلى تعزيز صورة أميركا قوة تقود العالم، صورة اهتزت بعمق نتيجة لسياسة الرئيس السابق، باراك أوباما، التي وصفت بالمتردّدة، بينما دلت مجريات الأحداث التي مضت أنها كانت تعتمد سياسةً جديدةً ترسم بحنكةٍ، تهدف إلى قلب موازين القوى في الشرق الأوسط والعالم العربي.

تتوجه الإدارة الجديدة للبيت الأبيض إلى العمل على إعادة الاعتبار للكرامة الأميركية التي مرّغت، وبشكل سيئ، في وحل تصرفات دولة إيران، قوبل بانصياع أعمى وضعيف من حكومة أوباما للمطالب الإيرانية، ما لبثت وسائل الإعلام الأميركية أن كشفت اللثام عنها وتناقلتها، إضافة إلى غياب الدور الأميركي عمّا يجري من أحداث حول العالم، مفسحا المجال لروسيا لكي تأخذ دور الريادة في الظهور لاعباً بالغ الاستهتار على مسرح الأحداث العالمية، يملي شروطه، وينفذ مآربه، مستخدما ذرائع مخابراتية عفا عليها الزمن، لكنها نجحت في خدمة أغراضه، بل أدت إلى ظهور بوادر تصالح وتشارك بين اللدودين، حتى طفت على السطح مسألة التدخل الروسي في سير الانتخابات الأميركية، مشكلة قد تقوّض سلطة الحزب الجمهوري إن ثبتت، وتهدّد منصب الرئيس الحالي. وجاءت الفرصة السانحة إثر مهاجمة خان شيخون، البلدة الصغيرة في وسط الشمال السوري، لتكون الذريعة لقلب موازين الأمور، وتحويل مسار الدور الأميركي، من ضعيف ومتهاون إلى فاعل لا يتردّد باتخاذ موقف فردي سريع ومفاجئ، على الرغم من أن التصريحات أشارت إلى وجود تنسيق عسكري بين القوتين العظميين سبق الحدث، لكنه يظل موقفاً يخدم الأهداف في الداخل الأميركي، المعروف عنه سرعة تجاوبه مع ما يقدّمه الإعلام له.

قد يبدو هذا مخيبا لآمال كثيرين ممن حمّلوا الضربة الأميركية أكثر من طاقتها، بل علقوا عليها آمالا قد تخيبها الأيام المقبلة، وكان عليهم ألا يفعلوا، فالدبلوماسية العالمية تعمل الآن في أروقة الأمم المتحدة لترتيب مآلات الأمور، وفق ما تقتضيه مصالحهم، بعيدا عن أنظار السوريين وعن آمالهم وتطلعاتهم.

العربي الجديد

 

 

 

 

أخيراً فعلها ترامب/ عمر كوش

أخيراً فعلها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، ووجه ضربة عسكرية لقوات نظام الأسد، مسجلاً بذلك سابقة في التعامل الأميركي مع الملف السوري، ومنفذاً تهديده بعد أن اطلع على تفاصيل مجزرة الكيماوي البشعة التي ارتكبتها مقاتلات النظام بحق الآمنين في بلدة خان شيخون، وذهب ضحيتها عشرات من الأطفال والنساء والرجال والشيوخ.

وعلى الرغم من أن الضربة الأميركية محدودة، إلا أنها أحدثت صدمة قوية لدى أركان النظام السوري وحليفيه، الروسي والإيراني، كونها استهدفت مطار الشعيرات الذي انطلقت منه طائرات النظام للقيام بمجزرة خان شيخون، وهو من أهم المراكز العسكرية. وأفادت تقارير بأن الضربة دمرت عشرات طائرات الميغ 23 والميغ 25 والقاذفات سوخوي 25، وحظائر الطائرات الإسمنتية فيه والدفاعات الجوية المحصنة حوله، وجميع أنظمة الدفاع الجوي والرادارات المحيطة به، والأهم أن صواريخ توماهوك الأميركية دمرت مقراً للطيارين، الذي يوجد فيه ضباط ايرانيون، ولن تتجرأ إيران عن كشف حجم خسائرها فيه.

ما يسجل للرئيس ترامب أنه لم ينتظر طويلاً كي يعاقب النظام الأسدي، فجاء رده السريع عسكرياً، لكي يوجه رسالة قوية إلى قوتي احتلال سورية، روسيا وإيران، تفيد بأن قواعد اللعبة تغيرت، وعليهما تغيير قواعد تعاملهما مع النظام، ما يكشف عن تغير سريع في نظرة الإدارة الأميركية حيال الملف السوري، ويشي بأن الولايات المتحدة انتقلت إلى مرحلة جديدة في تعاملها مع القضية السورية، وأنها وصلت إلى نقطة اللاتردد في استخدام القوة العسكرية ضد انتهاكات النظام وجرائمه، وليس مجرد التلويح بها، خياراً مطروحاً من بين خيارات أخرى.

وتعبّر لغة القوة والتصعيد في خطاب ترامب، بعد مجزرة خان شيخون، عن نقلة نوعية سريعة في السياسة الاميركية حيال النظام السوري والموقف منه، بعد أن حصرت أولويتها في الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية. وتجد هذه اللغة امتداداتها في أن طاقم الإدارة الأميركية الحالية يريد أن يحدث قطيعة مع سياسة الإدارة السابقة التي تراخت كثيراً حيال إجرام النظام السوري، وحيال التدخل العسكري المباشر لروسيا وإيران إلى جانبه في حربه ضد غالبية السوريين، أكثر من ست سنوات.

“على الرغم من أن الضربة الأميركية محدودة، إلا أنها أحدثت صدمة قوية لدى أركان النظام السوري وحليفيه، الروسي والإيراني”

ولعل واقع القتل اليومي الذي يمارسه النظام وحلفاؤه يفيد بأنهم لم يكونوا بحاجة إلى استخدام الأسلحة الكمياوية، كي يوقعوا مزيدا من الضحايا بين المدنيين السوريين، ويمتلكون وسائل قتل وتدمير أخرى عديدة، لكن يبدو أنهم أرادوا اختبار موقف الرئيس ترامب وإدارته وردة فعلهما، حيال قيامهم بمجزرة كيماوي جديدة، فكان الرد الأميركي مفاجئاً لهم، وحاول الروس امتصاص الغضب الأميركي والأوروبي عبر المماطلة في مجلس الأمن، والتلويح بحق النقض (الفيتو) للحيلولة دون صدور قرار يدين النظام، ولفقوا روايةً عن قصف مقاتلات النظام مخازن مواد كيماوية في منطقة المجزرة، وأوعزوا لوزير خارجية النظام، وليد المعلم، بأن يخرج بعد سبات طويل، ويوحي للولايات المتحدة بأن النظام الأسدي مستعد للمساومة مرة أخرى على صفقة كيماوي جديدة، لكن الأميركيين لم يكترثوا لما تفوه به، واختار الرئيس ترامب خيار معاقبة النظام، ولو بشكل محدود، وهو أمر سيحسب له النظام كثيراً منذ اليوم، وسيدرسه الساسة الروس جيداً، فيما سيتلمس ساسة نظام الملالي الإيراني رؤوسهم، لأن دورهم قادم، وعليهم أن يستعدوا لمفاجآت إدارة أميركية تعتبر نظامهم أكبر راع للإرهاب في العالم، ولا عبرة لمن اعتبر.

والأهم من ذلك كله أن للضربة الأميركية لقوات النظام ما بعدها، ولها تداعياتها وآثارها القوية، كونها تدشن مرحلة جديدة للتعامل والانخراط الأميركي في الملف السوري، وتعلن أن مرحلة الإفلات من العقاب التي دشنها الرئيس السابق، باراك أوباما، قد ولت، وأن النظام وحلفاءه لم يعودوا مطلقي اليد في تغوّلهم بالدم السوري. وبالتالي، تتعدد القراءات حول المسار الذي يمكن أن تتخذه أصداء الضربة العسكرية الأميركية للنظام، باختلاف تأويل وتفسير ما تريده الولايات المتحدة من أدوار قد تقوم بها في الملف السوري، في ظل التطورات المتسارعة التي أحدثتها، خصوصا وأن أركان الإدارة الأميركية بدأوا يتحدثون، بعد مجزرة الكيماوي في خان شيخون، عن الشروع بتشكيل تحالف دولي لإسقاط نظام الأسد، وإيجاد حل سياسي لا يكون للأسد فيه أي دور، إضافة إلى تحرّك دولي باتجاه إنشاء مناطق آمنة في جنوب سورية وشمالها، وإنهاء الدور الإيراني في سورية، وإجبارها على سحب مليشيات حزب الله والمليشيات الطائفية الأخرى التي استقدمها نظام الملالي الإيراني من العراق وأفغانستان، وزجّها في الحرب إلى جانب النظام ضد السوريين، والأيام المقبلة كفيلة بكشف مسار الأمور، وفي أي اتجاه.

العربي الجديد

 

 

 

خان شيخون، محطات الثورة ومسارات الحرب

مجموعة الجمهورية

خان شيخون هي أول بلدة في محافظة إدلب يمر بها المسافرون من جنوب البلاد إلى شمالها على طريق دمشق حلب الدولي، وتتوسط مناطق بالغة الأهمية: ريف حماة الشمالي جنوباً، وسهل الغاب غرباً، ومنطقة جسر الشغور ثم الحدود السورية التركية في الشمال الغربي، ومعرة النعمان شمالاً، والسهول الفسيحة المتصلة بالبادية السورية شرقاً. ولذلك كانت مسرحاً لمعارك مهمة، وتمسّكَ النظام السوري بالتواجد العسكري فيها فترة طويلة، رغم الكلفة المادية والبشرية العالية لهذا التواجد:

– تقع بلدة خان شيخون على طريق حلب دمشق الدولي، وتبعد عن مدينة إدلب نحو 70 كم إلى الجنوب، وعن مدينة حماة نحو 37 كم إلى الشمال. وهي مركز ناحية تابعة لمنطقة معرة النعمان، التابعة بدورها لمحافظة إدلب إدارياً. يبلغ عدد سكانها 52 ألف نسمة وفق إحصاء العام 2004، وكان يقدر بنحو 70 ألف نسمة مع بداية الثورة السورية العام 2011، وتقع قريباً منها قرى الهبيط وسكيك وحيش والتمانعة وموقة والصياد وغيرها.

– بدأت مظاهرات متفرقة مناهضة للنظام السوري بالخروج فيها منذ نيسان/إبريل عام 2011، وتعرضت لحملة أمنية وعسكرية أولى في آب/أغسطس 2011، تلاها تصاعد في الاحتجاجات التي بلغت ذروتها في مظاهرات جمعة الموت ولا المذلة بتاريخ 2/9/2011.

– تعرضت لحملة عسكرية وأمنية ثانية في 22 أيلول/سبتمبر 2011، واعتقل العشرات من أبنائها فضلاً عن إحراق البيوت ونهب الممتلكات، ومنذ ذلك الوقت باتت قوات النظام التي تمركزت في عشرات الحواجز المحيطة بها أكثر عنفاً في قمع الاحتجاجات، كما بدأ أبناؤها بحمل السلاح واستهداف أرتال وحواجز الجيش والقوى الأمنية في محيطها.

– تعرضت لحملة عسكرية ثالثة في 18 تشرين الأول/أكتوبر 2011، تلاها إحكام تطويقها بالحواجز الأمنية والعسكرية لتأمين تنقلات قوات النظام على طريق دمشق حلب الدولي الذي يمر في أطرافها الشرقية، فيما استمرت المظاهرات الضخمة داخلها، التي شهدت انشقاقات علنية لضباط وعناصر من جيش النظام، وبدأ أبناؤها بالانتظام في كتائب الجيش السوري الحر والفصائل الإسلامية المسلحة، فيما صعّدَ النظام من استهداف البلدة وأبنائها والقرى والمزارع المحيطة بها بالقناصات والرشاشات الثقيلة وقذائف المدفعية.

– في الرابع من تموز/يوليو 2012 اجتاحتها قوات النظام السوري مستخدمة الدبابات والطائرات الحربية وسيطرت عليها بالكامل، فيما انسحب مقاتلو الجيش السوري الحر والفصائل الإسلامية إلى الأرياف والمزارع المحيطة، وتسبب هذا الاجتياح بنزوح عشرات الآلاف من أبنائها.

– أحكم النظام سيطرته على خان شيخون محاولاً تأمين طريق دمشق حلب، والطرقات المتجهة نحو ريف حماة الشمالي وسهل الغاب، وأيضاً على وجه الخصوص طرقات تنقل قواته إلى معسكري الحامدية ووادي الضيف قرب معرة النعمان، أكبر معسكراته في ريف إدلب، فيما واصل مقاتلو الفصائل استهداف حواجزه وقواته داخل المدينة وفي محيطها، وخاصة على طريق خان شيخون حيش، الذي بات يعرف بطريق الموت بسبب عدد القتلى الكبير الذي تكبدته قوات النظام أثناء تنقلاتها عليه.

– منذ شباط/فبراير 2014 بدأت الفصائل المتواجدة في محيط خان شيخون هجمات مركزة للسيطرة على حواجز النظام في خان شيخون ومحيطها، أبرزها ألوية صقور الشام وفصائل دروع الثورة وجيش الإسلام وهيئة حماية المدنيين، واستمرت المعارك والهجمات حتى تم طرد النظام نهائياً من خان شيخون صيف 2014، وباتت قوات النظام شبه محاصرة في معسكرات الحامدية ووادي الضيف.

– عاد كثيرٌ من أبناء خان شيخون النازحين إليها بعد طرد قوات النظام منها، كما استضافت نازحين من مناطق أخرى، وخاصة من ريف حماة الشمالي الذي تصاعدت المعارك فيه في عدة محطات لاحقة، وبات في المدينة مجلس محلي ومجلس شورى يديران شؤونها، لكنها باتت هدفاً دائماً لطيران النظام السوري، والطيران الروسي لاحقاً.

– كانت خان شيخون ومحيطها معاقل أساسية انطلقت منها الفصائل التي انضوت في جيش الفتح، وقامت بالسيطرة على معسكرات النظام في الحامدية ووادي الضيف العام 2015، كما تلعب مع ريفها دوراً بارزاً في دعم وإمداد الفصائل المقاتلة في ريف حماة الشمالي، في مورك وكفرزيتا وصوران وغيرها، وهي بلدات ريف حماة القريبة من خان شيخون.

– دارت معارك بين فصيل جند الأقصى القريب من داعش وحركة أحرار الشام في خان شيخون أواخر 2016، أسفرت عن سيطرة الجند على مقرات الحركة فيها، لكن الحركة عاودت التقدم بمؤازرة فصائل أخرى ما أجبر جند الأقصى على مبايعة جبهة فتح الشام/النصرة سابقاً. غير أن جند الأقصى عاد وانفصل عن فتح الشام، وحاول السيطرة على خان شيخون واتخاذها مقراً لإمارته مطلع 2017، واحتجز العشرات من مقاتلي فصائل الجيش الحر في ريف حماة الشمالي، معظمهم من مقاتلي جيش النصر، وقام بتصفيتهم في أواسط شباط/فبراير في حاجز الخزانات المجاور لخان شيخون. وبعدها هاجمت هيئة تحرير الشام فصيل جند الأقصى في محيط خان شيخون وحاصرته فيها، لينسحب منها في النهاية باتجاه مناطق سيطرة داعش شرق البلاد عبر ريف حماة الشرقي.

– بعد انسحاب جند الأقصى لم يعد ثمة مقرات لأي فصيل داخل المدينة، وتتوزع مقراتٌ ونقاطُ ارتباطٍ وإمدادٍ لسائر الفصائل في محيطها، بما فيها فصائل الجيش السوري الحر المقاتلة في ريف حماة الشمالي، والثقل الأكبر في خان شيخون اليوم هو لحركة أحرار الشام الإسلامية، مع تواجد بالغ الأهمية لهيئة تحرير الشام في الأرياف المحيطة بها.

– في صبيحة الرابع من نيسان/إبريل 2017، تعرض الحي الشمالي في خان شيخون لقصفٍ جويٍ بصواريخ محملة بغازات سامة، أسفر عن استشهاد نحو 100 شخص بينهم عشرات الأطفال، وإصابة نحو 500. وتُظهِر الفيديوهات التي رفعها نشطاء محليون وعناصر الدفاع المدني السوري أعراضاً مماثلة لتلك التي تنجم عن استخدام غاز السارين الذي يفترض أن النظام السوري كان قد سلم كامل مخزونه منه، وهو ما قالت الحكومة التركية إن الفحوص والتحاليل الطبية قد أكدته.

– قصفت الولايات المتحدة الأميركية مطار الشعيرات العسكري في ريف حمص الشرقي بعد ثلاثة أيام على المذبحة، وهو المطار الذي أقلعت منه الطائرة التي قصفت خان شيخون، وقال المسؤولون الأميركيون إنه ليس لديهم شك في مسؤولية النظام السوري عن الهجوم، وهو ما ينفيه النظام السوري وجميع حلفائه بشكل قاطع.

موقع الجمهورية

 

 

 

مفاجأة الضربة الأميركية/ سلامة كيلة

ظهر أن القصف الأميركي لقاعدة الشعيرات السورية الجوية بصواريخ توما هوك وكأنه تغيّرٌ في الموقف الأميركي في الشأن السوري، أو بالتحديد في موقف دونالد ترامب الذي كان يبدو أقرب إلى التفاهم مع النظام الذي كان وأتباعه يهللون لتأكيد إدارة ترامب على بقاء الأسد في السلطة، وأنجح النظام سياسته بتحويل ما جرى من حراكٍ ضده إلى “حربٍ ضد الإرهاب”. ولا شك في أن الرئيس السابق، باراك أوباما، كان مصمماً على عدم القيام بخطوة مماثلة، وغادر البيت الأبيض فرحاً ومزهوّاً بما قرره.

لهذا، بدت خطوة ترامب مفاجئة، الأمر الذي أطلق العنان لتخيلاتٍ تعتقد أن أميركا “قرّرت أخيراً التدخل المباشر في سورية”. كما أعاد تعالي صوت الممانعة ضد “الهجوم الإمبريالي الغاشم”، وضد “الاعتداء على السيادة الوطنية للدولة السورية”. هذا ما أطلق الآمال من جديد لدى قطاعٍ من المعارضين السوريين بقرب التدخل الأميركي، بعد أن كانوا قد يئسوا من ذلك، واعتقدوا أن أميركا باتت مع “عدوهم”. وأطلق الخوف لدى الممانعة التي أخذت تحشد (في البيانات) لمواجهة الهجمة الأميركية.

لا شك في أن الخطوة الأميركية مفاجئة، بعد كل الكلام عن التقارب مع النظام السوري. لكن، لا بدّ من ملاحظة عدد من الأمور:

أولها أن ترامب في موقع الاتهام حول علاقته مع روسيا، والتحقيق ما زال قائماً بصدد ذلك. كما أنه كان يعيب على أوباما أنه تصرّف بشكل خاطئ، حين استخدم النظام السوري الأسلحة الكيماوية سنة 2013، وأظهر ضعفاً في الرد، بعد أن اعتبر استخدام الأسلحة الكيماوية خطاً أحمر. لهذا، إذا كان النظام يعتقد أن استخدام السلاح الكيماوي ممكن على ضوء التقارب مع أميركا، وهو يسعى إلى حسم سريع للصراع، فقد كان ترامب في موقفٍ حرج، نتيجة ما أشرت إليه، وبالتالي، لم يكن أمامه سوى الرد.

وثانيها أن ترامب الرئيس بات يرى “العنجهية الروسية” التي تريد الاستفراد بالملفات، وهنا بالملف السوري، وهو الأمر الذي يعني “التصرّف الفردي” في ترتيب وضع العالم. الأمر الذي يعني أن روسيا تسعى إلى أن تفرض هيمنةً عالميةً، بديلاً للهيمنة الأميركية، وإذا كان ذلك ظاهراً في فترة أوباما الأخيرة، ولم يكن ترامب يوليه أهميةً، لاعتقاده أنه قادر على التفاهم مع روسيا، فقد اصطدم في وضعٍ ينتقص من هيبة أميركا. لهذا، قرّر أن يتدخل مباشرة، لكي يفرض إيقاعاً جديداً في العلاقة مع روسيا. حيث يجب أن يلتزم الروس بالتوافق مع أميركا، وأن يتخلّوا عن “التصرّف الفردي”.

ثالثها، وهو ما توضّح في قمة السبعة الكبار، حيث جرى إقرار مبدأ أن الحل في سورية يفرض رحيل “عائلة الأسد”، وهو ما ذهب وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، إلى موسكو لتبليغه للروس. ما يمثّل انقلاباً في الموقف الأميركي الذي كان يريد التعامل مع بشار الأسد رئيسا (ورحّب النظام بذلك، وأيضاً عقد الآمال عليه)، لكنه بات معنياً بإزاحة العائلة.

ذلك كله يعني أن أميركا لم تغيّر إستراتيجياً في موقفها، بل قامت بخطوةٍ “ضرورية” بالنسبة لها، من أجل إعادة إقحام ذاتها في الحل السياسي، راسمة حدود هذا الحل. طبعاً ربما يحتاج الأمر إلى ضرباتٍ أخرى، لشكل قدرات طيران النظام، وتحجيم فاعليته. لكن يأتي ذلك في سياق الوصول إلى حل، كما كان قائماً منذ البدء، أي عبر التفاهم الأميركي الروسي، ويبدأ بإزاحة بشار الأسد، لكن روسيا هي من سيلعب الدور الأساسي في صياغة “النظام الجديد” برضى أميركي. وفي ظل استمرار الهيمنة الروسية على سورية، فليس من طموح أميركي لدور أساسي في سورية.

ما يبدو هنا أن أميركا معنيةٌ بكسر العنجهية الروسية، وتدمير طموحها للهيمنة العالمية، أكثر مما هي معنية بالوضع السوري، إلا بمدخلٍ لذلك، فقد وافقت، منذ زمن، على هيمنة روسية على سورية.

العربي الجديد

 

 

 

ضربة بستين مليون دولار/ بكر صدقي

تبلغ كلفة صاروخ توماهوك الواحد مليون دولار أمريكي. هذا التفصيل مهم بالنظر إلى شخصية دونالد ترامب الذي ينظر إلى العالم بعيني رجل أعمال ملياردير، هو القادم من خارج المؤسسة السياسية الأمريكية. من المحتمل أن الرجل «قرَّشها» جيداً في الأيام التي سبقت الضربة الصاروخية على مطار الشعيرات التابع للنظام الكيماوي شرقي حمص، من ضمن العوامل الأخرى التي ساهمت في إصدار القرار. وهي عوامل كثيرة على ما فصلت المواد الصحافية طوال الأيام التالية على الضربة. يبرز من بينها عاملان، ليس بينهما التألم على الأطفال الذين قضوا ضحايا غاز السارين في بلدة خان شيخون في محافظة إدلب.

الأول هو تنظيف إرث سلفه باراك أوباما في نزوعه الانكفائي الذي بلغ حداً استعاد معه فلاديمير بوتين أحلامه القيصرية، وراح يتصرف كقوة عظمى ند للولايات المتحدة، فغزا جزيرة القرم ويعمل على فصل المقاطعات الشرقية عن أوكرانيا، فضلاً عن تفرده المطلق بالموضوع السوري، حرباً تدميرية وتسويةً تبقي على السفاح الكيماوي بشار الأسد على رأس مقاطعة تابعة للامبراطورية الروسية. والثاني هو معركته في الداخل الأمريكي على شرعية انتخابه المشكوك فيها بسبب فضيحة التدخل الروسي سراً لمصلحته في الانتخابات. خاصة وأنه يلاقي مقاومة لا يستهان بها، من المؤسسات الأمريكية الراسخة، في تنفيذ بعض وعوده الانتخابية، وبخاصة فيما يتعلق بموضوع الهجرة وقانون التأمين الصحي (أوباما كير). ومن العوامل المتفرعة عن هذين، يمكن أن نركز على الرغبة في إعادة التموضع في السياسة الخارجية، بما يتسق مع السياسة الأمريكية التقليدية. أي إعادة الاعتبار للتحالفات التقليدية مع أوروبا ودول الخليج، وما يستتبع ذلك من العودة إلى سياسة عدائية تجاه إيران، وغير متهافتة، على طريقة أوباما، مع روسيا. ومن نافل القول أن الضربة تخدم، قبل كل شيء، حملة ترامب المركزة على ما يعتبرها أخطاء قاتلة لأوباما في الموضوع السوري. وعلى الأخص فيما يتعلق بالخط الأحمر الشهير لسلفه الذي ابتلعه مقابل صفقة تسليم مخزون السلاح الكيماوي لدى نظام بشار الكيماوي. الواقع أن ضرب بشار لبلدة خان شيخون بغاز السارين كان بمثابة هدية ثمينة لدونالد ترامب، فتحت أمامه رزمة من الفرص التي يصعب جمعها معاً بهذه الطريقة. فقط بتسعة وخمسين صاروخ توماهوك، لا تتجاوز كلفتها الرقم نفسه من ملايين الدولارات، قلب ترامب الطاولة على كل اللاعبين الإقليميين الذين استفادوا من فراغ القوة الأمريكي في عهد أوباما، وغيّر قواعد اللعبة. وعلى رأس هؤلاء روسيا وإيران وحزب الله اللبناني.

فجأةً استعادت بريطانيا وفرنسا وألمانيا سياساتها القديمة تجاه النظام الكيماوي: لا حل سياسياً بوجود بشار الأسد في السلطة! وذلك بعدما كانت أذعنت للتسوية الروسية المقترحة التي تتضمن القبول ببشار الكيماوي على رأس السلطة في سوريا في «المرحلة الانتقالية» مع «حقه» في الترشح مجدداً للانتخابات الرئاسية بعد انتهاء المرحلة المذكورة. وعاد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى لغته الحادة تجاه النظام الكيماوي، بعدما كان قد وافق، على مضض، على بقائه في السلطة، وانخرط مع الروس في مسار آستانة الذي نتج عنه تسليم مدينة حلب للنظام، مقابل الحصول على جيب في الشمال يقطع الامتداد الجغرافي بين كوباني وعفرين لمنع قيام كيان كردي على طول حدود تركيا الجنوبية. فساهم بإضعاف المعارضة المسلحة، وارتضى دور شاهد الزور على عملية وقف إطلاق نار كاذبة، كانت غطاء لقضم النظام وحلفائه مزيداً من الأراضي، واستنزاف السكان المدنيين في تهجير ديموغرافي ممنهج لمصلحة النفوذ المذهبي الإيراني.

حتى الأردن المشهور بحذره في مقاربة الملف السوري، وباتصالاته الأمنية التي لم تنقطع مع النظام الكيماوي، وسياسته المعلنة التي كانت أقرب لبقاء النظام، غيّرت لهجتها تغييراً جذرياً بلغ حد الترحيب بالضربة الأمريكية على مطار الشعيرات. وينطبق الأمر نفسه على دولة الإمارات العربية المتحدة.

يمكن القول إن الضربة أنهت، قبل كل شيء، مسار آستانة الروسي ـ التركي ـ الإيراني، إلى غير رجعة، ما لم تدخل فيها الولايات المتحدة كشريك مقرر، وذلك لتصحيح مسار وقف إطلاق النار ليصبح وقفاً حقيقياً وشاملاً يحترمه النظام قبل المعارضة. كما من أجل وضع استراتيجية حقيقية لـ»مكافحة الإرهاب» المتمثل حالياً، من وجهة نظر الإجماع الدولي، في دولة داعش الإسلامية وتنظيم القاعدة بفرعها السوري (النصرة)، بدلاً مما يقوم به النظام والطيران الروسي من مكافحة المدنيين، وبخاصة الأطفال.

كذلك انتهى مسلسل مؤتمرات جنيف للتسوية السياسية، بقيادة روسيا وانفرادها، ما لم تتحول إلى مؤتمر تسوية حقيقي يقوم على قرارات الأمم المتحدة ومرجعياتها المقرة دولياً، بحيث يكف ممثلو النظام عن تضييع الوقت في العربدة وبذاءات بشار الجعفري المعهودة، وينخرطون في تسوية تعني تقديم التنازلات والتخلي عن مفهوم «سوريا الأسد» لمصلحة مفهوم متوافق عليه بين أطراف أنداد، بما في ذلك تحديد مصير الأسد خارج السلطة و/ أو في المحاكم الجنائية المختصة. ووضعت ضربة الستين مليون دولار حداً للطموحات الإمبراطورية لفلاديمير بوتين. دعكم من النبرة العالية للمسؤولين الروس في اعتراضهم على الضربة. فقبل كل شيء أخبرهم الأمريكيون بموعدها قبل ساعتين لكي يسحبوا قواتهم من المطار. وأذعن الروسي صاغراً ففتح الأجواء السورية للصواريخ، ولم يفكر لحظة واحدة في اعتراضها بمنظومة صواريخه الدفاعية الشهيرة التي زرعها في سوريا. واتضح أن كلامه عن تعليق التنسيق الجوي مع واشنطن في الأجواء السورية، لا يتجاوز الكلام الإعلامي، وأن التنسيق المذكور مستمر. وكل الكلام الروسي «الغاضب» في دفاعه عن «براءة» الحمل الوديع بشار الأسد من الهجمة الكيماوية على خان شيخون، لا يعدو كونه تغطيةً على العجز الروسي التام في مواجهة القرار الأمريكي الفاعل، أمام الرأي العام في الداخل والخارج.

التصريحات الأمريكية المتضاربة تركت هامشاً من الغموض حول سؤال: ما هي الخطوة التالية بعد الضربة؟ هل ستكون هناك ضربات أخرى، أم أنها ستبقى يتيمة بما لا يؤثر على استمرار آلة القتل والدمار في سوريا؟

لو كانت الضربة بمجرد دوافع إنسانية، رداً على هول ما حدث في خان شيخون، كان يمكن القول إن ترامب لن يكررها، وهو صاحب الشعار الشهير «أمريكا أولاً». لكن الواقع أن أطفال خان شيخون الذين اختنقوا بغاز السارين، هم آخر ما يهم ترامب وفريقه. أما لماذا أتحدث عن ستين مليون دولار بدلاً من تسعة وخمسين؟ فجوابه أن الصاروخ رقم ستين قد أصاب الكريملين في الرأس.

٭ كاتب سوري

القدس العربي

 

 

 

الضربة الأميركية.. غباء المستبد ومصالح المقتدر/ محمود الوهب

بشأن الضربة الأميركية على مطار الشعيرات السوري، منذ أيام، أصبح من العبث الإدانة أو التأييد، وحتى الاصطفاف في المواقف حول هذا الاتجاه أو ذاك، ومن ثَمَّ الدخول في مماحكات لا طائل منها، إذ لا تخدم، في نهاية الأمر، إلا النظام الاستبدادي، ولا تقود إلا إلى إطالة عمر المستبد، ومن المؤكد أنّها ستساهم، على نحو أو آخر، في تشغيل الماكنة التي تطحن المواطن السوري منذ ست سنوات، وسوف تعرِّضه إلى مزيد من الشقاء والأحزان.

من هنا، يتجاوز تفكير المواطن السوري اليوم هذه الترّهات، فسورية استبيحت، بمباركة من النظام نفسه، أرضاً وشعباً، وسيادة دولة، وقراراً سياسياً وطنياً منذ زمن. أما الضربة فيمكن أخذها في إطار ما بات يُعرف بالغباء السياسي للنظام، ولا بد هنا من إيضاح مفردة “الغباء” هذه، في هذا السياق، فالسياسة، في جوهرها، إنما هي تعبير عن المصالح الوطنية العليا، على غير صعيد، لهذا البلد أو ذاك، لكنها، ولدى معظم الأنظمة الاستبدادية، لا تعبّر إلا عن مصالح المستبد وأعوانه، وإن ارتدت عباءاتٍ وطنيةً مزركشة، وهي، بدون أيِّ شك، بعيدة عن أيّة مصلحة وطنية. ولذلك، فهي تقود، في معظم الأحيان، إلى تصرفات غبية، إذ يحكمها الكذب والتبرير والادعاء. والذكاء، في العادة، لا يكون إلا مع الحياة، ومع كل إبداع يبني وينمِّي ويطوّر، أما السلوك الغبي للنظام السوري، فيتساوق تماماً مع قول المنوّر، الشيخ عبد الرحمن الكواكبي، في كتابه “طبائع الاستبداد”: “فناء دولة الاستبداد لا يصيب المستبدّين وحدهم، بل يشمل الدمارُ الأرضَ والناسَ والديارَ، لأن دولة الاستبداد في مراحلها الأخيرة تضرب خبط عشواء كثور هائج، أو مثل فيل ثائر في مصنع فخار، وتحطم نفسها وأهلها وبلدها قبل أن تستسلم للزوال”.

وهذا بالضبط ما وسم الدبلوماسية السورية منذ أدارت ظهرها للشعب السوري، ورفضت

“الكواكبي: دولة الاستبداد في مراحلها الأخيرة تضرب خبط عشواء كثور هائج” التعاطي معه، منذ منتصف العام 2011، واختارت اللجوء إلى السلاح حلاً وحيداً للرد على مطالب الشعب في الحرية والكرامة، ورفعت شعارها الغبي “الأسد أو نحرق البلد”. وعلى ذلك، جاء طلب هذه الدبلوماسية من الأجنبي الطامع إنقاذ فشلها وإفلاسها الكليين، بعد أن ارتكبت ما ارتكبته بحق الشعب السوري من جرائم قتل وتهجير وتدمير للبنى التحتية. وهكذا جعلت الدبلوماسية السورية من بلادها مسرحاً للصراعات الدولية، رغبة منها في إطالة عمر نظامها الاستبدادي. ويمكن القول: إنّها نجحت جزئياً، وإنْ على حساب تدمير الوطن وأهله.

أما غباء هذه الدبلوماسية فيما نعنيه اليوم، فقد تجلّى بأوضح صوره في جريمة الكيماوي أخيراً، فما أن سمع النظام السوري أنَّ نوعاً من التغيير في الموقف الأميركي تجاه شكل الحل السياسي لا يشترط بقاء رأس النظام أو ذهابه، حتى عاد متمادياً في عنجهيته، ليستخدم ضد شعبه في خان شيخون غاز السارين المفترض أن يكون قد سلّمه، مع ما سلَّم من سلاح كيماوي، بضمانة حلفائه الروس لدى استخدامه في الغوطة الشرقية، عام 2013 وقتل أكثر من ألف إنسان، معظمهم من الأطفال. وكان تسليمه، في ذلك الوقت وفي الدرجة الأولى، نوعاً من طمأنة للإسرائيليين بالذات، الأعداء التقليديين المزعومين للنظام ولحزب البعث (الحاكم) وكذلك للمطبلين الآخرين: إيران وحزب الله، وكأنّما أراد النظام أن يقول للملأ متباهياً: “أميركا معي أنا، وأنا وإياها على الإرهاب”. نعم، هكذا أراد القول، وبالصفاقة كلِّها، وإن شئت بـ “الذكاء” كله.

لكن أميركا، وتحديداً رئيسها، دونالد ترامب، الذي وقع في حرج واضح أمام الصقور

“غباء دبلوماسية النظام تجلّى بأوضح صوره في جريمة الكيماوي أخيراً” الأميركيين، وخصوصاً في حزبه الجمهوري، وجدها فرصةً مناسبة ليضرب أكثر من عصفور بحجر واحد، منها أنّه غير باراك أوباما تماماً، ومنها أيضاً الضغط على أطراف جنيف للدخول في مفاوضات جدية، يكون لأميركا دور رئيس فيها بعد فشل الروس، أو إفشالهم لها ومماطلتهم على مدى خمس سنوات، لغايةٍ في نفس يعقوب، ولعلهم أرادوا الإجهاز على ما تبقى في سورية من بشر وبنيان، ما يمكِّن لهم أكثر فأكثر، ولعلهم فقدوا قدرة الضغط على حليفهم “الحريص” جداً على أمرين: “السيادة الوطنية ومحاربة الإرهاب”.

ولعلَّ في مقدمة إصابات ذلك الحجر، إعلاء الرئيس ترامب الراية الأميركية وإعطاءها الأولوية، وإعادة الاعتبار للعظمة الأميركية، كما وعد في برنامجه الانتخابي، وبالتالي، إرضاء أو إسكات كلّ الأصوات الأميركية التي نالت منه على نحوٍ أو آخر، وبالغت في الحديث عن علاقته مع نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، إذ تضمنت ضربة الشعيرات رسالة ما إلى “صديقه” القيصر الذي يتنطع لقيادة العالم، بعد أن ضرب هو الآخر ضربتين قويتين، في أوكرانيا ثم في سورية.

العربي الجديد

 

 

 

 

ماذا بعد غارة «التوماهوك» الأميركية على مطار الشعيرات؟/ ماجد كيالي

أسئلة كثيرة تطرح نفسها، بعد أن قصفت الولايات المتحدة مطار الشعيرات السوري، قرب حمص (الخميس الماضي)، بصواريخ «التوماهوك»، وهو المطار الذي انطلقت منه قبل أسبوع طائرة «السوخوي» التي قصفت خان شيخون (قرب إدلب) بغاز السارين، بحسب المعلومات الأميركية، ما تسبب بمصرع عشرات من المدنيين، من بينهم أطفال، في واحد من أقسى وأصعب مشاهد المأساة السورية المليئة بالأوجاع.

طبعاً ليس غاز السارين أقل خطورة من قصف البراميل المتفجرة، التي ظلت تتساقط على السوريين من الحوامات، منذ خمسة أعوام، بكثافة شديدة، فتمعن فيهم قتلاً، وفي عمران مدنهم تدميراً، لكنه مثل الكيماوي محظور دولياً، وهو بمثابة سلاح إبادة جماعي، بحسب المعايير الدولية، علماً إن القتل والدمار الأكبر، في الحالة السورية، كانا نتيجة البراميل المتفجّرة التي لم تلقَ الاهتمام اللازم بها في المحافل الدولية!

فما الذي أرادته الولايات المتحدة من تلك الضربة المحدودة في المكان والزمان والجدوى؟ هل أرادت مجرد ردع النظام وإلزامه بقواعد صراع معينة؟ أو هل هي عملية تنذر بتحول الولايات المتحدة نحو الانفكاك من سياسات باراك أوباما إلى التدخل المباشر لإسقاط النظام؟ أم أنها أرادت أن تفهم كل الأطراف الدولية والإقليمية المعنية بأنها هي، فقط، التي تحدد معادلات الصراع والتسوية السوريين؟ ثم هل لهذه العملية ما يتبعها من عمليات؟

في الحقيقة، من الصعب أو من المبكّر التكهّن بطبيعة التوجه الذي ستعتمده الإدارة الجديدة إزاء الصراع السوري، بغضّ النظر عن تقييمنا لطبيعة سياساتها واستهدافاتها وادّعاءاتها، خصوصاً على ضوء معرفتنا بتقلّب تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وأركان إدارته، ناهيك عن مزاجياته، وطرق عمله، غير المتوقّعة.

بيد أن كل ذلك لا يمنع من ملاحظة ثلاث مسائل ظلّت تحكم الاستراتيجية الأميركية في هذا المجال، منذ ستة أعوام: الأولى تفيد بأن الولايات المتحدة تنتهج سياسة إدامة الصراع السوري، وفق معادلة قوامها عدم السماح لطرف بالتغلّب على الطرف الآخر، لا النظام ولا المعارضة، علماً أنها الدولة الوحيدة التي تملك القدرة على فرض إرادتها، بوسائل الضغط العسكري أو السياسي، بشأن وقف القصف ووضع حد لكل الأعمال القتالية، وبشأن فرض ذلك على مختلف الأطراف الدولية والإقليمية، كما بشأن فرض شكل التسوية لمستقبل سورية، لكنها لم تفعل ذلك. والثانية، تتعلق بدأب الولايات المتحدة على الاستثمار في الصراع السوري باستدراج الأطراف الدولية والإقليمية، التي تناكفها، لاستنزافها في سورية، وإضعافها، ووضعها في مواجهة بعضها، وهذا ينطبق على روسيا وإيران وتركيا، إذ لا يمكن تصور دخول أي من هذه الدول إلى حلبة الصراع السورية من دون موافقة أميركية، ولو ضمنية. الثالثة، وهي الحرص على ضمان أمن إسرائيل سواء على الحدود مع سورية، أو في المجال الإقليمي، وعلى المدى الطويل.

وإذا صحّ أن هذه هي المحرّكات التي تشتغل بناء عليها الاستراتيجية الأميركية في الشأن السوري، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل استنفدت هذه الاستراتيجية نفسها؟ أو بكلام آخر: هل أضحت الإدارة الأميركية الجديدة تعتقد أن الاستراتيجية التي كانت معتمدة سابقاً أتت أكلها، وأنه بات من اللازم تغييرها؟

واضح أن السؤال مطروح برسم إدارة الرئيس ترامب، أو برسم صانع القرار الأميركي، علماً أن كل الأوضاع والمعطيات، على الأصعدة كافة، تشير إلى أن الصراع السوري طال أكثر مما يجب، وأنه استغل من مختلف الأطراف أكثر من اللازم، وأنه بعد كل ما حصل من كوارث لم يبق شيئاً يمكن تعظيم الاستثمار فيه، لا من قبل الولايات المتحدة ولا من قبل غيرها، وأنه آن الأوان لأخذ الأوضاع نحو سكّة الحل السياسي.

ثمة هنا استنتاجان، أولهما، أن لا صلة مباشرة تماماً بين ساكن البيت الأبيض وبين انتهاج هذه الاستراتيجية أو تلك، في السياسة الخارجية، لأن الأمر يتقرر في مراكز صنع السياسات، وبحسب أولويات ومصالح الولايات المتحدة، أي أن الرئيس أوباما كان يمكن أن ينتهج سياسة مغايرة، إثر استنفاد استراتيجيته السابقة، وأن الرئيس ترامب يمكن أن يستمر على استراتيجية سلفه إلى حين تغير الظروف التي تتطلب تغييرها. وثانيتهما، أن تغير السياسة الأميركية إزاء الصراع السوري مرهون بتوصل تلك الإدارة، وصناع القرار في الولايات المتحدة، إلى تلك القناعة، وبمدى استعدادها للعمل من أجل حسم الوضع، منفردة أو بالتعاون مع الأطراف الدولية الأخرى، في مجلس الأمن أو من خارجه، دفعة واحدة أو بالتدريج، فهي أكثر دولة تستطيع ذلك، كما ذكرنا.

لا يعني هذا الكلام أن هذه الإدارة لا تملك جديداً، وإنما يعني أنها ربما أتت في اللحظة التي استنقع فيها الصراع السوري، وبعد أن بات الوضع يتطلب ضبط مخاطره، مع علمنا بأن ثمة مراجعة بهذا الخصوص تتركز خصوصاً على تحجيم نفوذ إيران في المنطقة، وهي التي تعتبر من أهم عوامل استمرار الصراع السوري، وهذا تطور في غاية في الأهمية، بعد أن كانت الإدارات السابقة مكّنت نظام «الولي الفقيه» من الهيمنة في المنطقة، من العراق إلى لبنان مروراً بسورية. كما تتمثل هذه المراجعة بقفز الإدارة الأميركية الحالية على أخذ الإذن بشأن أي خطوة عسكرية، لا من الكونغرس الأميركي ولا من مجلس الأمن الدولي، مع تلويح عديد من مسؤوليها بالتهديد بإمكان التحرك منفردة والعمل المباشر في سورية، وحتى عسكرياً، لضبط الصراع، أو لفرض الواقع الذي تريده، في رسالة ذات مغزى لكل الأطراف. وقد يصح القول هنا أيضاً، بأن هذا التحول قد يمهد لخلق مناخات أكثر جدية في مفاوضات جنيف القادمة، أو ربما في شق مسار تفاوضي آخر لا يترك أي مجال لتملص النظام أو لتلاعبات روسيا. وهناك ناحية أخرى لا بد من أخذها في الاعتبار تتعلق بإسرائيل، فهذه بعد أن طنّشت على أدوار إيران في العراق وسورية ولبنان، التي وظّفتها في إضعاف وتقويض البنى الدولتية والمجتمعية في المشرق العربي، بما يخدم أمنها لعقود، ربما باتت ترى أن هذا الأمر وصل إلى غاياته، وأنه من غير المسموح تمدد هذه الدولة، أو استقواء نفوذها الإقليمي أكثر من ذلك، وهو ما باتت تعبر عنه جهاراً، وعبر ضرباتها المتكررة لأهداف سورية و «حزب الله» في هذا البلد.

على أي حال، فإن الضربة الصاروخية أثبتت مجدداً أن نظام الأسد باق فقط بفضل المعادلات الدولية، وخصوصاً بفضل التلكؤ الدولي والدعم الإيراني والروسي، على رغم كل ادعاءاته بالسيطرة وتبجحاته الجوفاء عن السيادة الوطنية.

لكن السؤال الآخر الذي يطرحه التطور المتمثل بدخول الولايات المتحدة على خط استهداف النظام عسكرياً، هو: ما الذي بإمكان روسيا عمله في هذا الوضع، سيما بعد أن تكشف محدودية قدرتها على صد مجرد ضربة صاروخية، سيما وأن التحدي، أو الصلف الأميركي بلغ حد إبلاغ روسيا، ومن خلالها النظام طبعاً، بشكل مسبق بموعد الضربة الصاروخية ومكانها؟

هكذا، فقد شهدنا أن روسيا بوتين، التي تدّعي أنها تستعيد وضعها كدولة عظمى، قد انكشفت كمجرد دولة من العالم الثالث، باستثناء قوتها العسكرية، المستمدة من أسلحتها المتقادمة، والتي لا تصمد إزاء أي دولة تتفوق عليها تكنولوجياً، بدليل أن شبكات الدفاع الروسية والسورية سكتت تماماً، بل خرجت من الخدمة، إذ اكتفت القوات الروسية بالهروب، أو بتفريغ المطار وتركه مكشوفاً أمام الضربات الصاروخية الأميركية. ولعل ذلك يكشف أيضاً حقيقة تدني موقع روسيا التي تجد نفسها في تنسيق مع إسرائيل، التي تقوم بدورها بضربات ضد أهداف في الأراضي السورية بين فترة وأخرى.

على ذلك كله، لا ينبغي التعلق بالأوهام أو العواطف أو الرغبات، فما يجري، أو ما تقوم به الولايات المتحدة أو غيرها، يتعلق برؤيتها الاستراتيجية مكانتَها ومصالحها وأولوياتها فقط، ولا علاقة له بمصالح أو معاناة هذا الشعب أو ذاك، إذ إن الدول لا تشتغل كجمعيات خيرية، مع كل التقدير للحديث عن المعايير الدولية، والقيم الإنسانية، إذ إن كل ذلك تمت التضحية به في المقتلة السورية المستمرة أمام أنظار العالم منذ سنوات.

وعلى العموم، فهذه السفيرة الأميركية نيكي هايلي توضح حدود العملية الأميركية، بقولها: «الولايات المتحدة نفذت الضربة العسكرية… وهي مستعدة للقيام بالمزيد، ولكن نأمل ألا يكون ذلك ضرورياً… الأسد لن يستخدم السلاح الكيماوي مجدداً، أبداً، ونحن لن ننتظر منه أن يقوم بذلك مرة أخرى من دون أن يتحمل العواقب… الوقت حان لكي يتحرك المجتمع الدولي ويطلب حلاً سياسياً في سورية» («الحياة» في 8 الشهر الجاري).

قصارى القول، نعم ثمة تغير في الموقف الأميركي، ويجب الاستثمار فيه لتخفيف معاناة السوريين لكنه على الأرجح تغير محدود، ولا ينهي الصراع، ولا يضع سورية على سكة الحل السياسي حتى الآن. كان الله في عون السوريين.

* كاتب فلسطيني

الحياة

 

 

 

ترامب من الموصل إلى الشعيرات: تقليم أظافر إيران/ علي الأمين

الضربات الأميركية على مطار الشعيرات السوري شمال حمص بتسعة وخمسين صاروخا فجر الجمعة الماضي أثارت تساؤلات وأطلقت قراءات متعددة لأبعاد الضربة الأميركية الأولى للجيش السوري بشكل رسمي.

وكانت بارجة أميركية أطلقت هذه الصواريخ توماهوك من المتوسط لاستهداف المطار الذي انطلقت منه الطائرات التي كانت أغارت على بلدة خان شيخون في محافظة إدلب والخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة السورية وأدّت إلى مقتل نحو مئة مدني نتيجة استعمال غاز السارين وهو من ضمن ما يعرف بالأسلحة الكيمياوية المحرّمة دوليا.

وبحسب البيانات الأميركية الرسمية وعلى رأسها ما أعلنه الرئيس الأميركي دونالد ترامب، فإنّ القوات الأميركية لديها إثباتات على أنّ طائرات عسكرية تابعة لنظام بشار الأسد هي من قام بهذه العملية الإجرامية في ردّ مباشر على الاتهامات الروسية والإيرانية والنظام السوري لمعارضين بالتسبّب في هذه المجزرة.

لا شكّ أنّ الإدارة الأميركية التي قامت بتوجيه الضربة الأخيرة في مطار الشعيرات، لم تكن بداية لتدخل عسكري واسع بقدر ما هي رسالة ذات أبعاد سياسية لن تحمل في طياتها تطورا عسكريا استثنائيا تجاه الجيش السوري ونظام الأسد.

لقد حدد الرئيس الأميركي أولوية محاربة الإرهاب ومواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة ولا سيما في العراق وسوريا، والغارة الأميركية لا تخرج عن هذين الهدفين بل كما أشرنا إلى أنّها ضربة عسكرية بغاية سياسية تتصل بجوهر أهداف ترامب:

أولا، وفّرت الضربة الأميركية بسبب استخدام السلاح الكيمياوي تخفيفا للضغط الداخلي الأميركي على الرئيس من الكونغرس وأشاحت النظر عن اتهامات لمساعديه بمحاباة روسيا والاتصال بجهات روسية خاضعة لعقوبات أميركية، وأظهرت هذه الضربة تعاطفا شعبيا أميركيا مع خطوة ترامب ضد السلاح الكيمياوي.

ثانياً، أظهرت هذه الضربة حجما واسعا من التأييد لدى الحكومات العربية وتركيا، والأهم هو التأييد الشعبي السوري لأيّ خطوة أميركية تنهي الأسد، ويتجاوز الأمر المستوى السوري إلى المزاج العربي العام الذي بات يريد إنهاء ملف الأسد والأزمة السورية.

ويمكن ملاحظة أنّه ترافق مع التدخل الأميركي الأخير موقفان بارزان من الزعيم الشيعي في العراق مقتدى الصدر الذي دعا بشار الأسد إلى التنحي، وهذا أوّل موقف من نوعه يصدر عن قيادي شيعي عراقي، والثاني عن النائب السابق للرئيس العراقي عزة إبراهيم الدوري، الذي وإن لم يتطرق إلى الضربة الأميركية إلاّ أنّه أثنى على موقف الرئيس الأميركي لجهة الحدّ من النفوذ الإيراني وميليشياتها في العراق.

وهما رسالتان سياسيتان تكشفان عن أنّ موقف الإدارة الأميركية المتشدد من إيران ومن الأسد سوف يكشف عن المزيد من المواقف لقيادات مؤيدة لهذه السياسة لم تكن لتتجرّأ على إصدار مثل هذه المواقف قبل الضربة الأميركية.

ثالثا، تدرك الإدارة الأميركية، وهي على أعتاب إنهاء تنظيم داعش في الموصل اليوم وفي الرقة في المستقبل القريب، أنّ ذلك يتطلب قطع خطوات إيجابية تجاه ما يمكن أن نسمّيه السنة العرب، ذلك أنّ أحد مصادر نشوء داعش الرئيسية والمصدر الاجتماعي والشعبي لطاقته كان يتمثل في تصاعد النفوذ الإيراني وبروز التنظيمات الشيعية وتهميش السنة في العراق وسوريا، وانحياز واشنطن خلال إدارة الرئيس السابق باراك أوباما إلى هذا الخيار لمصالح أميركية بالدرجة الأولى لا شيعية ولا إيرانية، وهي اليوم في عهد الإدارة الجديدة ربطت استراتيجيا بين معركة إضعاف داعش وإضعاف النفوذ الإيراني، ذلك أنّ الحقيقة الصارخة التي أثبتتها السنوات الماضية هي أنّ كلّ تطرف سني يقابله تطرف شيعي والعكس صحيح أيضا.

رابعا، وهي النقطة المحورية المتمثلة بالعلاقة مع روسيا، إذ لا يمكن الفصل بين الضربة الأميركية لمطار الشعيرات وتأثير ذلك على العلاقة مع روسيا، لكن ما لا يمكن المرور عليه مرورا سريعا هو أنّ واشنطن التي أرادت أن تقول لروسيا إنّها لم تستطع تنفيذ عملية إدارة الأزمة السورية وفشلت في إنهاء الملف الكيمياوي الذي كان ضمن اتفاق أميركي – روسي عام 2013، وأنّها لم تنجح كذلك في التقدم على خط تنفيذ التسوية السياسية، تقول واشنطن بعد صواريخ التوماهوك إنني هنا، لذا كانت الرسالة الأهم على هذا الصعيد أنّها أكدت أنّ الأسد مجرم حرب، وذهب مجلس الشيوخ الأميركي إلى المطالبة بمحاكمته، وأنهت واشنطن كل احتمالات التعامل مع الأسد كشريك في الحل أو في محاربة الإرهاب.

ترامب قال إنّه يريد استعادة قوة أميركا في مواجهة تردد سلفه أوباما وضعفه. فقد عمد إلى زيادة ميزانية الدفاع وأعاد تنشيط علاقاته مع الحلفاء المعادين لإيران في المنطقة، لكنه لم يطرح أي أولوية لمواجهة موسكو، بل إنه وفي ظلّ عدم وجود سياسة أميركية تقوم على استنساخ التدخل في العراق في الميدان السوري، يذهب إلى فتح الطريق أمام دور روسي يقوم على استثمار القوة الأميركية في سبيل تحجيم دور إيران، ذلك أنّ روسيا التي لا تضع في استراتيجيتها أولوية بقاء الأسد في السلطة، قادرة على ضبط إيقاع دورها في سوريا، بما يتناسب مع مصالح استراتيجية لها تقوم على الانتقال إلى مرحلة البحث عن خيارات بديلة تحمي مصالحها، مستفيدة من الضغط الأميركي على إيران، ومن الحاجة الإيرانية لغطاء تمثله روسيا في مواجهة واشنطن. خطوة ترامب في المنطقة تطرح على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، المحافظة على النفوذ الروسي في سوريا مستقبلا على حساب النفوذ الإيراني. خصوصاً أنّ نفوذ إيران في سوريا بات مرتبطا بشخص الأسد من جهة وبالغطاء الروسي من جهة ثانية.

خطة إضعاف النفوذ الإيراني في المنطقة من قبل الإدارة الأميركية، محكومة في السياسة الأميركية بمزيد من شيطنة أدوات إيران، من دون أن يعني ذلك عدم استثمار واشنطن في المقابل للتناقضات السياسية في المنطقة باعتبارها وسيلة ناجحة للتحكم والسيطرة وللنفوذ الأميركي فيها.

حصار إيران سيستمر في عهد ترامب وسيشكل ذلك وسيلة لتحجيم نفوذ إيران واستنزافها، خاصة وأن العراق الذي يتهالك اقتصاديا وسياسيا بات عاجزا عن وضع أوراق قوته في يد إيران، لا سيما أنّ واشنطن فتحت بابا للتسوية السياسية والحلول بين مكوناته فيما إيران لم تستثمر إلا في الانقسام العراقي وفي استنزاف طاقاته الاقتصادية والنفطية إلى حدّ بعيد.

تقليم الأظافر الإيرانية في المنطقة العربية هو ما يمكن أن نطلقه على السياسة الأميركية في المنطقة وتحديدا في سوريا والعراق ولبنان واليمن عبر سلّة من العقوبات المالية الجديدة تطال حزب الله يجري الترويج لها، وهي تشير إلى هذه الاستراتيجية التي تقوم على خنق مصادر تمويل أذرع إيران في المنطقة وتشجيعها على المزيد من الغرق في تناقضات سياسية واجتماعية مع محيطها.

كاتب لبناني

العرب

 

 

 

الضربة الأميركية للأسد «حرب تحريك» لا تحرير؟/ جورج سمعان

في أقل من أسبوع بدل الرئيس دونالد ترامب المشهد في سورية. فاجأ وزير خارجيته ريكس تيلرسون ومندوبته إلى الأمم المتحدة نيكي هايلي المعنيين بالأزمة السورية ان رحيل الرئيس بشار الأسد ليس أولوية. وأن القرار يعود إلى الشعب السوري. لم يمض أسبوع حتى كانت صواريخ «توماهوك» تدك إحدى أهم القواعد الجوية شرق حمص. سيد البيت الأبيض قال إن بلاده انتصرت للعدالة. ودعا الدول المتحضرة الى السعي لإنهاء المذبحة وإراقة الدماء في بلاد الشام. هاله منظر الأطفال في مذبحة الكيماوي في خان شيخون. برر هذا التدخل العسكري الأحادي بمنع انتشار الأسلحة الكيماوية واستخدامها. وهذا من مصلحة الأمن القومي لبلاده. وصف المسؤولون في إدارته الضربة الصاروخية بأنها «رد مبرر ومناسب وتظهر حزمنا». وتوعدوا بالمزيد إذا لجأ النظام السوري إلى الأسلحة المحرمة دولياً منذ الحرب العالمية الأولى. لم تنتظر واشنطن قراراً من مجلس الأمن بعدما سمعت رواية روسيا عن المذبحة. رصدت أجهزتها العسكرية انطلاق الطائرات السورية من قاعدة الشعيرات، وتابعت سير خطها حتى إلقائها قنابلها السامة على الآمنين من نساء وأطفال. لا تحتاج إلى إضاعة الوقت في حوار عقيم مع موسكو التي كانت تدرك أنها لن تكون قادرة على تسويق روايتها المفبركة. ذلك أنها كانت أخذت على عاتقها في اتفاق آب (اغسطس) 2013 مع إدارة الرئيس باراك أوباما ضمان تدمير دمشق ترسانتها الكيماوية بعدما استخدمت بعضها في ضرب الآمنين في الغوطة الشرقية. ولا يمكنها تالياً أن تتحمل اتهامات بأنها لم تلتزم كلمتها، أو فشلت في إلزام حليفها. أو أن هذا الحليف الذي حالت دون تعرضه لضربة أميركية – فرنسية أخفى عليها الكثير من برنامجه.

مجزرة خان شيخون لم تكن المرة الثانية أو الثالثة بعد الغوطة. استخدم النظام السوري الأسلحة المحرمة في أكثر من موقع عامي 2014 و2015. بل إن تقريراً صدر العام الماضي تحدث عن نحو مئة وخمسين هجوماً كيماوياً. والواقع أن النظام الذي لم يعد يملك عديداً قادراً على مواجهة الفصائل المسلحة، اعتمد ولا يزال لتعويض هذا النقص على ميليشيات محلية وأخرى متعددة الجنسية ترعاها إيران و «حرسها الثوري». مثلما اعتمد على السلاح الكيماوي أداة فعالة للقتل والترويع. خصوصاً أنه لا يزال يتمسك بشعار الحسم العسكري. لكن التوقيت خانه هذه المرة. أراد الرئيس الأسد اختبار إدارة ترامب. شجعته تصريحات تيلرسون وهايلي قبل أيام. بل لعله لم يجد وسيلة للتخلص من ضغوط موسكو في آستانة وجنيف لإلزامه احترام الهدنة والتقدم جدياً نحو تسوية سياسية، سوى المغامرة بإثارة مشكلة بين واشنطن وموسكو تعيق رغبتهما في أي تفاهم محتمل قد يضع مصيره ومستقبله على الطاولة بين أوراق أخرى. أو لعله استهدف أولاً وأخيراً إسقاط مشروع التسوية التي تسوق لها روسيا. قال في مقابلة صحافية قبل ساعات من المذبحة إن حكومته ليس أمامها خيار سوى الانتصار. وأنها لم تستطع التوصل الى نتائج مع مجموعات المعارضة في المحادثات الأخيرة. ولا شك في أنه سبب إحراجاً كبيراً لموسكو التي علقت اتفاقها العسكري مع واشنطن والخاص بالتنسيق في الأجواء السورية. وهكذا عدّ الكرملين الغارة الصاروخية «عدواناًعلى دولة ذات سيادة وانتهاكاً للقانون الدولي»… كأن استخدام السلاح الكيماوي ليس انتهاكاً لاتفاقات دولية! واعتبر وزير الخارجية سيرغي لافروف أن «أي تعاون بين البلدين سيكون مستحيلاً» بعد الضربة.

راكم الرئيس ترامب رصيداً كبيراً بعد هذه الضربة. ووجه رسالة قاسية إلى نظام الأسد مفادها أنه لن يفلت من العقاب بعد اليوم إذا لجأ إلى أسلحة محرمة. وقدم نفسه إلى الأميركيين وأوروبا والعالم في صورة مختلفة عن صورة سلفه. فهو لا يتردد في قرن كلمته بالفعل. ولن يساوم في حماية الاتفاقات والمواثيق الدولية وإن تحركت بلاده منفردة أو بلا غطاء أممي. علماً أنه أبلغ بعض حلفائه الأوروبيين سلفاً قبل الغارة وطلب دعمهم، خصوصاً بريطانيا. وقد نجح في كسب تأييد خارجي واسع لخطوته خصوصاً في أوساط شركائه الأوروبيين. كما نال تقريظاً واسعاً في الأوساط السياسية المحلية. ووجه رسالة إلى روسيا وإيران أنه حاضر ومستعد لرفع وتيرة انخراطه في الساحة السورية، ما دام أن البلدين لم يبدلا موقفهما من الأزمة منذ تدخلهما العسكري. ولم يتقدما خطوة فعلية واحدة بحثاً عن تسوية معقولة. ولم يمارسا ضغوطاً على نظام لم يبد أي استعداد جدي للحل متمسكاً بالحسم العسكري. بالطبع أرسلت واشنطن إشارات واضحة إلى موسكو أن الغارة الصاروخية هذه حدودها. ولا نية أو خطة لإطاحة الأسد. أو حتى لتغيير موازين القوى القائمة على الأرض. وهذا ما يطمئن الرئيس بوتين الحساس جداً حيال أي تحرك لتغيير أي نظام بفعل تدخل خارجي.

ولعل وزير الخارجية الفرنسي جان مارك ايرولت أصاب في قوله إن الأميركيين بدأوا بتوضيح موقفهم بأن «مستقبل سورية ليس مع بشار الأسد». فما تشي به مواقف الدوائر الأميركية أن إعادة تأهيل الرئيس الأسد لم يعد خياراً. لم يعد أحد في الغرب يرى إلى هذا الاحتمال وارداً. لكن الغارة لا تشكل حتى الآن خطوة في سياق سياسة واضحة للإدارة الأميركية الجديدة. ثمة موقفان في صفوفها لم يلتقيا على رؤية واحدة بعد. هناك من لا يزال يتمسك بأن الحرب على الإرهاب لا تزال أولوية. تليها مواجهة النفوذ الإيراني في بلاد الشام والإقليم كله. وهو أمر قد يتحقق بنظر هؤلاء إذا نجحت الحملة لتحرير الرقة وأثمرت قيام «إقليم كردي» في شمال سورية وشرقها على غرار كردستان العراق يكون حليفاً للولايات المتحدة ويوفر لها قواعد يمكن عبرها قطع الجسر الذي يربط الانتشار الإيراني في كل من العراق وسورية ولبنان تالياً. ويعفيها من ضغوط تركيا وتلويحها الدائم بإقفال قاعدة إنجيرليك في وجه السلاح الجوي الأميركي. على أن يظل مصير الأسد رهن كلمة الشعب السوري. أما الفريق الآخر فلا يعتقد بأن نجاح الحرب سهل التحقيق في ظل بقاء الأسد ونظامه.

والواقع ان رجال إدارة ترامب لا يزال في حسابهم أن الاعتبارات التي أملت المواقف الأميركية السابقة لا تزال قائمة. أي ان لا بديل جاهزاً لخلافة الأسد. لذلك يخشون أن تعم الفوضى وتنهار المؤسسات. وأن تتفاقم الحروب الأهلية بين المكونات السورية على غرار ما حصل في العراق. لذلك جاءت الضربة مدروسة بعناية. لا تريد واشنطن إثارة موسكو أو الانجرار إلى مواجهة مكشوفة معها. فرئيس الحكومة دميتري ميدفيديف حذر من أن الغارة الصاروخية كادت أن تتسبب بصدام بين البلدين.

يقود ذلك إلى الاستنتاج أن ضربة أخرى مماثلة قد تجر إلى مثل هذا الصدام. ولا يعقل أن تنجر إدارة الرئيس ترامب إلى مثل هذه المغامرة. لن تجازف بدفع حلفاء دمشق إلى مواجهة ميدانية لأنها لا ترغب حتماً في الانجرار إلى المستنقع السوري. كما أن الكرملين معني هو الآخر بمواصلة الحرب على الإرهاب الذي يطرق أبواب المدن الروسية ويهدد شوارعها كما يهدد دول الغرب. وليس مستعداً بالتأكيد لخوض حرب دولية كرمى عيون الأسد. كما أنه لم يعد يأمن جانب مغامراته وتقلباته التي تدفع إلى شفير حرب كبرى. لذلك لا مفر لروسيا والولايات المتحدة من استغلال هذا المنعطف الخطير للصراع، من أجل إعادة إحياء المسار الديبلوماسي. أولاً لإنهاء الحرب وليس فقط وضع قواعد جديدة لها تعيد الاعتبار إلى المواثيق الدولية التي تحرم الأسلحة الكيماوية، وسوق آلاف الأبرياء إلى سجون التعذيب، ومواصلة سياسة التهجير والتغيير الديموغرافي… وثانياً لإحياء مفاوضات سياسية جدية على أساس بيان جنيف الأول تمهيداً للتغيير الذي يطمح إليه السوريون.

قبل مجزرة خان شيخون بأسبوع كان الرئيس بوتين يمتدح عمق التفاهم بين موسكو وواشنطن في شأن سورية. وكان أركان إدارة الرئيس ترامب يسقطون من سلم أولوياتهم قضية رحيل الأسد. وحتى بعد الغارة حرصوا على طمأنة الكرملين إلى أن لا هدف لإسقاط النظام اليوم. في ضوء ذلك على روسيا أن تبدي استعداداً جدياً لمزيد من التعاون مع الولايات المتــحدة. لا يكفي أن تقدم نفســها قوة كبرى تستند إلى ترسانة عسكرية ضخمة. لن تكتمل هذه الصورة ما لم تثبت فعلاً أنها معنية بترسيخ الاستقرار والحفاظ على السلام الدولي. ومعنية بالحفاظ على المواثيق الدولية. أي عليها أن تؤدي دوراً مختلفاً في الأزمة السورية. لا يمكنها مواصلة حماية نظام موروث من أيام الحرب الباردة. فهي على رغم سعيها إلى العودة قطباً في الساحة الدولية حريصة على إعلان رفضها بعث هذه الحرب مجدداً. جل ما تطالب به هو القول إن النظام الدولي الغربي انتهى ويجب البحث عن نظام بديل. ومن ينادي بذلك لا يمكنه ان يستمر في حماية نظام ينتمي إلى الماضي ويتوارث السلطة ويحتكرها منذ نصف قرن.

لا تعلن الضربة الأميركية حرب «تحرير» في سورية، لكنها يجب أن تثمر حرب «تحريك « لمسار سياسي جاد، وإلا وجدت إدارة ترامب نفسها قريباً أمام امتحان مماثل لمذبحة خان شيخون. فآلة الموت في سورية لا تتوقف ولا توفر أطفالاً ونساء. ولا فرق بين ضحايا الكيماوي أو ضحايا البراميل والقصف الصاروخي. وقد تجد نفسها قريباً مطالبة بمواصلة نهج من الانخراط العسكري محفوف بالأخطار واحتمال اندلاع مواجهة واسعة مع روسيا وإيران. وهو ما لا يرغب فيه سوى النظام في دمشق. إنها فرصة لإعطاء الديبلوماسية دورها ومنحها أسباب النجاح.

الحياة

 

 

 

 

الأسلحة الكيميائية ومحظورات أخرى/ علي بردى

كتبت الضربة الأميركية المحدودة للقاعدة العسكرية السورية في حمص عمراً جديداً لمعارضي الرئيس بشار الأسد. أعادت بعض التوازن الذي اختل بوضوح لمصلحة الجيش النظامي بفضل تدخل الوحدات الجويّة الروسية والفرق الإيرانية وسواها من الميليشيات الشيعية المتعددة الجنسية. وضعت قواعد اشتباك جديدة للحرب في سوريا.

يتساءل كثيرون كيف يمكن إدارة الرئيس دونالد ترامب أن تحوّل مواقفها السورية ٣٦٠ درجة عملياً بين ليلة وضحاها. قادت المندوبة الأميركية الدائمة لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي مطلع نيسان سلسلة مواقف لا شك في أنها بعثت مزيداً من الارتياح في قلب الأسد ومريديه. أعلنت هايلي أن “أولويتنا لم تعد الجلوس والتركيز على تنحية الأسد (…) بالطريقة التي فعلتها الإدارة السابقة” للرئيس باراك أوباما. بدا كلام الناطق باسم البيت الأبيض شون سبايسر متسقاً إذ قال إنه “في ما يتعلق بالأسد، هناك واقع علينا أن نتقبله (…) ينبغي أن نركز الآن على هزيمة الدولة الإسلامية، داعش”. صرح وزير الخارجية ريكس تيلرسون بأن “مصير الأسد يقرره الشعب السوري”.

لم يخف الأسد وغيره من المسؤولين السوريين استعدادهم للتعاون مع الإدارة الأميركية الجديدة في خططها لمكافحة الإرهاب والإرهابيين. غير أن الأسد أساء – مثله مرات عدة سابقة – التقدير والحساب. حاول أن يضم ترامب الى “استثماره” المجزي حقاً في طموحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وأحكام الولي الفقيه مرشد الجمهورية الإسلامية الإيرانية. اعتبر أن الوقت حان للإجهاز بـ”كل الوسائل المتاحة” على ما تبقى من معارضة باعتبار المنتمين اليها ارهابيين، في “داعش” و”جبهة فتح الشام” (“جبهة النصرة” سابقاً). لم يأت من فراغ منطق “المحبكجية” في شأن “استئصال سرطان الإرهاب حتى بالعلاج الكيميائي”.

ارتكب الأسد على ما يبدو خطأ فادحاً آخر. رأى – ويا للمفارقة – أن ترامب غارق في الوحل الداخلي الأميركي. قبل أن ينهي أيامه المئة الأولى في البيت الأبيض، أحبط النظام القضائي قرارين تنفيذيين كان ينوي من خلالهما حظر دخول رعايا دول ذات غالبية مسلمة الى الولايات المتحدة. أخفق مشروعه في الكونغرس لاستبدال قانون الرعاية الصحية “أوباماكير”. واجه ولا يزال يواجه متاعب بسبب ما يشاع عن علاقات بين مسؤولين في إدارته مع موسكو.

بعض هذه الاعتبارات ربما كان صحيحاً. غير أن “القيم الأميركية” التي لطالما استهتر بها الأسد وغيره – وعلى رغم “نومها العميق” أحياناً – لم تحتمل صور الأطفال يموتون اختناقاً بالغازات السامة في خان شيخون. استخدام الأسلحة الكيميائية وغيرها من المحظورات في قوانين الحرب، جعلت الأميركيين يتحدثون عن “حتمية” رحيل الأسد.

صدقوا أو لا تصدقوا!

النهار

 

 

ترامب يغير قناعاته تجاه تنظيم الأسد/ ميسرة بكور

من المهم أن يغيّر الرئيس ترامب قناعاته تجاه تنظيم الأسد، ومن الجيد أن تتغير لهجة ترامب، لكن الأهم والأكثر جدية، أن يترجم ترامب أقواله إلى أفعال يلتمسها السوريون المنكوبون والمختنقون بغازات حليف موسكو وطهران، تنظيم بشار الأسد.

مهما كانت نوعية الغازات التي استخدمتها الايادي الآثمة بحق أطفال وعجائز مدينة خان شيخون، لا ينفي هذا أن هناك جريمة ارتكبت وأن على دول المجتمع الدولي أن تتحرك بشكل جماعي أو منفرد، تحت سقف مجلس الأمن الدولي، أو تحت سقف الجمعية العامة للأمم المتحدة و«مبدأ الحماية للمدنيين».

مهما كانت الإجراءات التي اتخذتها ادارة الرئيس ترامب بعد ان الزم نفسه علنا باتخاذ إجراءات دون الكشف عن ماهيتها.

على الدول العربية الفاعلة الدول الحليفة للثورة السورية أن تدفع الى تحفيز وتشجيع ترامب لاتخاذ إجراءات عقابية حاسمة تجاه تنظيم بشار الأسد على خلفية مجزرة خان شيخون الكيمائية .

ما هي خيارات أمريكا في سوريا وهل ستؤثر على اولويتها الأساسية انهاء تنظيم الدولة ؟

أما الخيارات فأمريكا تمتلك كل الخيارات وتستطيع أن تنفذ ما تريده في سوريا وتستطيع أن تحشد من ورائها الكثير من الدول الداعمة لأي اجراء تتخذه إدارة ترامب.

في ظل التسريبات أو التصريحات حول توجيه ضربات عسكرية مهما كان نوعها أو أهدافها، نعتقد أن تواكب هذه العمليات تحركات إضافية سياسية وعسكرية.

أولا العمل وبأسرع وقت على تشكيل «هيئة قيادة الثورة السورية الوطنية» تتمتع بمصداقية وتستطيع إدارة المعارضات بكافة اشكالها وتشعباتها والقدرة على إدارة سوريا او المحافظة التي من الممكن ان يخسرها تنظيم الأسد في حال وتوجيه ضربة عسكرية له بغرض منع مطاراته على استقبال او اقلاع الطائرات او استخدامها كمنصات لقصف مواقع المعارضة او المدنيين .

النفطة الثانية والهامة، الاسراع بتشكيل ما تم الإعلان عنه مذ أيام عن إعادة تشكيل واندماج كافة فصائل المعارضة المسلحة في الشمال السوري والتواصل مع تلك الفصائل العاملة في ادلب ومحيطها وحماة وريف دمشق، من الفصائل التي تصنف على أنها معتدلة، ودمجهم جميعاً بتشكيل واحد تحت قيادة واحدة وتحت علم الجيش الحر.

تكون نواة الجيش العربي السوري الوطني المقبل، ويكون هذا الجيش بكافة تشكيلاته المندمجة فيه، جاهزة للسيطرة على مواقع تنظيم الأسد وميليشياته الإيرانية واللبنانية، في حال هربت او انسحب خوفاً او تجنباً للضربات الأمريكية المحتملة .

ومن المهم في هذا المقام إعادة تشكيل كافة منظمات المجتمع المدني في غرفة عمليات واحدة وتحت اشراف وتنسيق تام مع ما اشرنا اليه «هيئة قيادة الثورة السورية الوطنية» ، وهنا نتجنب ايضاً أي فوضى او أي استغلال قد يحصل نتيجة بعض النفوس المريضة التي تستثمر في مثل هذه القوة تحت عناوين إنسانية ونستطيع أيضا التحكم بحجم وشكل المساعدات والجهات وتوجيهها للجهات الأكثر احتياجا بأسرع وقت.

اعتقد ان الفرصة كاملة متاحة الآن امام السوريين الوطنيين المخلصين لسوريتهم وثورتهم في النهوض من ركام فوضى التحزب والتشتت الذي أضاع الثورة وكان سببا في الكثير من الأوضاع السيئة التي يشاهدها العالم من فرقة وتشتت وتبادل اتهامات وتخوين. لا تضيعوا الفرصة السانحة التي قد لا تتكرر اثبتوا أنكم ثوار وأنكم متحضرون وأنكم قادرون على التوحد والاندماج والقدرة على الإدارة والانجاز.

رغم الرغبة المتوحشة التي رأيناها من خلال كلمة الاتحاد الروسي في مجلس الأمن الدولي التي ناقشت مجزرة خان شيخون الكيمائية. الان ان موسكو لم تستطع ان تنكر ان طائرات الأسد هي من استهدفت احياء خان شيخون، وبتصريح صدر عن موسكو، ومحاولة لي عنق الجريمة المنكرة من خلال القول ان طائرات نظام الأسد استهدفت مصنعاً للمواد الكيماوية تابعا للمنظمات الإرهابية وكانت ستستخدمه في سوريا والعراق، الأمر الذي سخر منه أعضاء مجلس الأمن بالقول لو كان ذلك صحيحاً لرأينا حريقا وتدميراً كبيراً وهذا ما لم يحصل بل كل ماحل هو اختناق مدنيين جلهم من الأطفال والعجائز.

وبرغم هذا نقول إن روسيا لن تجد مخرجاً لها ولتنظيم الأسد من عنق زجاجة مجزرة خان شيخون الكيماوية، فقد أدانت نفسها وحليفها الأسد بجريمة حرب، كما سنوضح .

ردا على مزاعم موسكو بأن ما حدث هو تسرب للغاز من مستودع للأسلحة الكيميائية للمعارضة، بعد أن أصابته ضربات جوية نفذتها طائرات تنظيم الأسد، إن جميع الوثائق والصور وشهادات شهود العيان، وعمليات التشريح التي تمت في تركيا وبحضور ممثلين عن منظمات دولية، ومخلفات القذائف الصاروخية المحمولة جواً تبين أنها كانت تحمل رؤوسا سامة وهي السبب في المجزرة وجميع هذه الأدلة اشارت بكل وضوح إلى أن المناطق التي استهدفت كانت مناطق مدنية كثيفة السكان .

وهذا مؤشر آخر على انها جريمة حرب، لمادة 57 من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف. قضت بضرورة «اتخاذ جميع الاحتياطات المستطاعة عند اختيار أساليب الهجوم من أجل تجنب إحداث خسائر في أرواح المدنيين أو الإضرار بالأعيان المدنية» و«بالامتناع عن شن أي هجوم يتوقع منه أن يحدث خسائر في أرواح المدنيين أو الإضرار بالأعيان المدنية بصورة تتجاوز ما يُنتظر أن يسفر عنه من ميزة عسكرية ملموسة ومباشرة»، وإلا عد ذلك، بحسب البروتوكول ذاته، ضربا من «الهجمات العشوائية»، وهو ما يمثل، بموجب النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، جريمة حرب. كما نصت المادة 57 على ضرورة «توجيه إنذار مسبق وبوسائل مجدية في حالة الهجمات التي قد تمس السكان المدنيين.»

وهذا ما اعترفت روسيا به بقولها إن «بشار الأسد» هو من قصف مناطق المعارضة.

وبالتالي تتحمل موسكو المسؤولية الكاملة عن هذا الهجوم والذي يشكل عدة خروقات.

الخرق الأول: حسب قرار مجلس الأمن 2118 الذي يدين استخدام أي مواد كيميائية سامة لا سيما غاز الكلور كسلاح في الصراع الدائر في سوريا.

الخرق الثاني: خرق وقف إطلاق النار الذي ضمنته موسكو وتركيا في 29 كانون الأول/ديسمبر2016.

إن «الضباط الروس « هم من يديرون ويتحكمون بالمطارات العسكرية التي يتوقع خروج الطائرة المجرمة منها، مطار «الشعيرات ريف حمص، مطار حماة العسكري، وقاعدة حميميم الجوية الروسية».

رغم محاولات روسيا وحليفها الصيني عرقلة صدور أي قرار من مجلس الأمن الدولي يعاقب أو يدين مرتكبي المجرمين، صدر القرار رقم2118 ونصت الفقرة الأخيرة منه على أنه في حالة عدم الامتثال سيتم فرض تدابير بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.

وأصدر مجلس الأمن قراره رقم 2209 الذي عبّر فيه عن استيائه من عدم التطبيق الفعلي لقراراته السابقة المتعلقة باستخدام لمادة الكلور والأسلحة الكيميائية على العموم. وخلص في فقرته السابعة إلى نتيجة مفادها أنه في حال عدم الامتثال مستقبلاً لأحكام القرار 2118 فإن مجلس الأمن سيقوم بفرض إجراءات وفق الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وبالتالي يمكن لدول مجلس الأمن الدولي منفردة او مجتمعة أن تفرض عقوبات سياسية وتشن هجمات عسكرية بموجب هذين القرارين، دون الحصول على قرار جديد من مجلس الأمن.

كما أن المجتمع الدولي يستطيع لو كان جاداً بالتدخل العسكري المباشر تحت مبدأ الحماية للمدنيين، الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة واستخدم هذا المبدأ في الكثير من دول العالم.

ويظل السؤال هل هناك إرادة حقيقية لتفعيل هذه الرخصة وقنص مجزرة خان شيخون لإحلال العقاب الحاسم بحق تنظيم بشار الأسد ومحازبيه وداعميه وشركائه في الجريمة؟

٭ كاتب وباحث سوري

القدس العربي

 

 

 

الإمبراطورية الأميركية وحدود القوة/ بدر الإبراهيم

فتح الهجوم الأميركي على مطار الشعيرات في سورية البابَ أمام نقاشٍ حول تغيير السلوك الأميركي في سورية والمنطقة، وقيادة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، نهجاً جديداً أكثر حزماً وإقداماً من نهج سلفه باراك أوباما. انقسم الموالون للإمبراطورية الأميركية وعشّاق تدخلاتها في منطقتنا العربية، إثر هجوم الشعيرات، بين مؤيدين له، يحتفلون بجرأة الرئيس ترامب، وبداية عهدٍ جديد في السلوك الأميركي تجاه المنطقة، ومؤيدين للهجوم، يتحفظون في احتفالهم، ويرى بعض “حكمائهم” أن الضربة العسكرية لا تكفي للدلالة على تغيير حقيقي، خصوصا إذا لم تتبعها ضربات أخرى.

يتفق الطرفان على توقهما لسياسات أميركية هجومية، واشتياقهما لعهد الرئيس جورج بوش الابن، والمحافظين الجدد، كما يتفقان على تقييم سلبي لإدارة الرئيس أوباما، ويتهمونها بالتخاذل، وحتى التواطؤ، مع إيران وحلفائها في المنطقة، ويعتبرون أن سياسات أوباما أضرّت بجبهتهم، وبهيبة أميركا بوصفها “قائدة العالم الحر”.

لم يكن أوباما متخاذلاً، لكنه اعتمد سياسة الاحتواء لخصوم أميركا، والتدخلات المحسوبة لتقليل الكُلَف المادية والبشرية، وهذه السياسة هي نتيجة مباشرة لإخفاق مغامرات بوش وغزواته، إذ اكتشفت الإمبراطورية الأميركية مع إخفاقات بوش حدود القوة، وبات ضرورياً التراجع جزئياً، وإعادة تفعيل أدواتٍ مختلفة للحفاظ على الهيمنة. أحجم أوباما عن التدخل العسكري المباشر في مواجهة النظام السوري، لكنه لم يغب عن جهود تمويل المعارضة السورية وتسليحها، بالشراكة مع حلفاء أميركا في المنطقة، كما أن طائراته قدّمت العمل الأبرز في توفير غطاء جوي لمقاتلي المعارضة الليبية، ضد نظام القذافي، وهذه الطائرات توجهت إلى قصف تنظيم داعش في العراق وسورية، ومعها قوات خاصة بمهام محدّدة، حين شعر أوباما بخطر التنظيم، وأراد

“نعايش مخاضاً لتشكُّل نظام إقليمي جديد، ونظامٍ دولي جديد أيضاً، وهذا يعني أن الأحادية القطبية في طريقها إلى النهاية، وحرية التصرف الأميركية في العالم تتراجع” تطويقه واحتواءه. الضغوط الدبلوماسية، وسلاح الجو، والاعتماد على مجموعاتٍ محليةٍ، يتم تمويلها وتدريبها لخوض الحروب بالوكالة، هي وصفة أوباما لتقليل كلفة التدخلات، وقد أنتجت حروباً أهلية، واستنزافاً أقل لأميركا، في مقابل استنزاف قوى أخرى إقليمية ودولية.

لكن هذه السياسات لم تقنع المعتمدين على أميركا عندنا، وهم يأملون بتدخلاتٍ أميركية مباشرة، وقد أحيا ترامب آمالهم بضربه مطار الشعيرات. تتعدد التحليلات للضربة الأميركية. لكن، من الممكن وضعها في سياق الضغط الذي تمارسه المؤسسة والإعلام الأميركي على ترامب، كي لا يتسبب في مزيد من التراجع الأميركي لصالح الروس، وظهر هذا في اتهام مسؤولين في إدارة ترامب بالتواصل مع روسيا، واتهامه هو بأنه أداة طيّعة بيد الرئيس الروسي بوتين، واستغل الإعلام الأميركي، والغربي عموما، حادثة خان شيخون، في محاولة استفزاز نرجسية ترامب وصلفه.

تبدو الضربة هنا محاولةً لامتصاص الضغوط، وقد أثمرت احتفالاً لأول مرة بترامب في الإعلام الأميركي، من محافظيه وليبرالييه على السواء، الراغبين جميعاً في الحفاظ على النهج الإمبريالي للامبراطورية، كما كانت مناسبةً ليثبت ترامب جرأته مقابل أوباما.

يمكن وضع الضربة ودوافعها أيضاً في سياق مستمر، يتعلق بتثبيت الوجود الأميركي في شرق سورية، ووقف اندفاعة النظام هناك، خصوصا بعد الإنزال الأميركي في مطار الطبقة. طبعاً هذا العمل الأميركي في الشرق مستمر منذ عهد أوباما، وكذلك العمل ضد القاعدة في اليمن، وتنظيم داعش في العراق وسورية، وربما تكون هذه الضربة بدوافع متعدّدة، منها ما يتعلق بالخطة الأميركية في شرق سورية، وما يتصل بالتنافضات الأميركية الداخلية، بين الرئيس والمؤسسة، إضافة إلى اندفاعةٍ ما عند الفريق العسكري للرئيس ترامب نحو استعراض القوة.

قد تؤثر شخصية ترامب الحادة، وتقلباته، على السياسة الخارجية الأميركية، مثل تأثير حسابات المصالح الأميركية، وهو أمرٌ ليس جديداً في السياسة الأميركية، إذ لم تكن تُدَار دائماً بشكل عقلاني، لكن ترامب لم يذهب بالمغامرة إلى حدودها القصوى بعد. وعلى الرغم من أنه تصرف منفرداً من دون الرجوع إلى مجلس الأمن، لكن هذا التصرف لم يكن مثل غزو العراق عام 2003، وإنما ضربة محدّدة.

كذلك، لم يُظْهِر ترامب انقلاباً كاملاً على شعاراته الانكفائية، لكن نزاعه مع المؤسسة يقلل من قدرته على تطبيقها، ما يجعل الأمور حتى الآن تراوح تقريباً في مستوى تدخلية أوباما. يخضع السلوك الأميركي لتوازنات القوى القائمة في العالم، ولحسابات الأرباح والخسائر، وأي مغامرة من ترامب ستعيد اكتشاف حدود القوة الأميركية مجدّداً، ليكتشف عرب الإمبراطورية الأميركية أنها ليست قادرة على فعل كل شيء ببساطة، وأن القضية ليست في أنها لا تريد التدخل هنا أو هناك، بل إنها لا تقدر.

نعايش مخاضاً لتشكُّل نظام إقليمي جديد، ونظامٍ دولي جديد أيضاً، وهذا يعني أن الأحادية القطبية في طريقها إلى النهاية، وحرية التصرف الأميركية في العالم تتراجع، لكن أميركا تبقى اللاعب الدولي الأقوى بين مجموعة اللاعبين الكبار، وفي رد الفعلين، الصيني والروسي، على الهجوم الأميركي، ما يشير إلى حجم المبالغات في تعظيم قوة الطرفين مقابل أميركا.

يبقى القول إن هذا التعلق بعودة نهج بوش التدخلي يشي بعجزٍ وفشلٍ كبيرين، ولا داعي للقول إن الاعتقاد بقدرة هذا النهج على إيجاد حلول ينطوي على سذاجة كبيرة، بالنظر إلى حجم الكوارث التي تسبب بها على كل صعيد.

العربي الجديدة

 

 

 

 

ألغاز ترامب السورية/ سامح راشد

تُرى، من يتذكّر أن المجزرة التي قامت بها قوات بشار الأسد في خان شيخون، الأسبوع الماضي، ليست الأولى من نوعها، ليس فقط في سورية بشكل عام، وإنما ضد المدنيين العزّل من نساء وأطفال في خان شيخون تحديداً؟ في 2 فبراير/ شباط 2015، أسقطت طائرات نظام الأسد برميلاً متفجراً راح ضحيته سوريون عُزّل، لا يحملون سلاحاً. نعم لم يكن في متفجرات البرميل غاز سام أو مواد كيماوية، لكن الكيماوي السوري كان معلوماً للعالم أجمع، بل كان موضع سجال أميركي روسي قبل ذلك بعامين، حين توصلت واشنطن وموسكو إلى اتفاق تعهدت بموجبه الأخيرة بنزع الكيماوي السوري، في مقابل عدم القيام بعمل عسكري ضد بشار الأسد.

هذا هو مفتاح فهم الضربة التي وجهها الأسطول الأميركي إلى معسكر الشعيرات، مقر القاعدة الجوية السورية، حيث انطلقت الطائرة التي قصفت خان شيخون بالكيماوي. لا يعني التحرّك العسكري الأميركي المفاجئ أن واشنطن غيّرت فجأة سياستها السورية، وإلا لاتخذت قراراتٍ مغايرة لتلك التي تمسّكت بها طوال السنوات الست الماضية، خصوصا أن أحداث الثورة السورية وتطوراتها كانت تتطلب، بل تستلزم، تحرّكاً قوياً لنُصرة الشعب السوري، في مواجهة آلة القتل العسكرية السورية، ثم الإيرانية، وأخيراً الروسية، غير أن الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، لم يفعل. ليس لأنه أوباما، أو لأن إدارته فقط هي التي ترفض مساعدة المدنيين السوريين، وإنما لأن هذه هي سياسة واشنطن، بارتباطاتها الإسرائيلية وحساباتها المصلحية مع روسيا. لذلك، وعلى الرغم من الخطاب الخشن والمواقف الحادة التي تبناها دونالد ترامب خلال حملته الانتخابية، لم يتوقع أحد أن يبادر الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى توجيه ضربة عسكرية لنظام الأسد، رداً على مجزرة خان شيخون، خصوصا وأن المجزرة وقعت بعد أيام قليلة من إعلان إدارة ترامب أن عليها التعامل مع بقاء الأسد، وهو موقف غير مسبوق من واشنطن ليس في مضمونه، وإنما في إعلانه والكشف عنه موقفاً أميركياً رسمياً، إذ يعني، ببساطة، أن أية أفكار أو تصورات لحل أو تسوية الأزمة في سورية لم تعد تنطلق من فرضية إزاحة بشار مطلباً مسبقاً.

كيف تجتمع تلك المتناقضات أميركياً؟ ينحصر التفسير في تغير الإدارة (وليس السياسة) الأميركية، من أوبامية ديمقراطية ضعيفة إلى ترامبية جمهورية قوية، فالتناقض الأميركي جزئي فقط وظاهري، يرتبط بالحدود وليس بالمبادئ، ويختلف في الأسلوب وليس في الجوهر، بل إن الإقرار العلني بقبول بقاء بشار، هو نفسه يؤكد هذا التحليل، حيث إدارة ترامب لا تجامل ولا تناور ولا تتبنى لغة مراوغة، ولا تهمها ترضية هذا الطرف أو ذاك، فتقول ما تفعل وتفعل ما تقول. وهذا هو الوجه الثاني في التفسير، فترامب لا يفهم سوى لغة القوة. وفي مَنطقه، لا تُصلح الدبلوماسية ما أفسده السلاح.

مفاد ذلك كله أن واشنطن ترامب أو واشنطن أوباما لا تمانع في بقاء بشار. وليس لديها استعداد لخوض معركة ولو فقط دبلوماسية، لإزاحته. وليست لديها رغبة أو دافع لفرض تسوية موضوعية تلبي مطالب الشعب السوري في أن يحدّد مستقبله ويختار بنفسه من يحكمه، أو حتى التفاوض من أجل تسوية كهذه.

أما سلوك ترامب غير القابل للتوقع فيظل محصوراً في التكتيك، وليس في الاستراتيجية. ومضمون الرسالة التي حملتها صواريخ توماهوك أن القتل والتشريد والتدمير وكل ما قبل الكيماوي مسموح به، من دون قيد أو شرط، فعدد الذين قتلوا في خان شيخون لا يقارن بمئات آلاف قتلوا فعلياً (ومئات آلاف آخرين ينتظرون مصيرهم) بوسائل وأسلحة مختلفة، غير كيماوية.

وكل المطلوب أميركياً من الأسد ورعاته تجنب ذلك الخط الأحمر، إذ يُحرج واشنطن والغرب، ويفضح زيف المبادئ والشعارات التي يرفعونها.

العربي الجديد

 

 

 

“موعظة” الأسد/ أمجد ناصر

ضعوا التوماهوك الأميركية جانباً. ضعوا استعراض الصواريخ التي تشقُّ الفضاء من مُدَمِّرةٍ حربيةٍ لا نراها، دعوا الخواء الذي أظهره التلهّف العربي لمزيدٍ من الضربات، والعجز التام عن فعل شيء في سورية، كما بيَّنه التصفيق الغربي لـ “جرأة” ترامب و”شجاعته”، دعوا الناطق العسكري السوري الذي بدا جلاداً قادماً للتو من مسلخ صيدنايا. دعوا هذا كله جانباً، فهو أقل من أن يعنينا، وأصغر من أن يغطّي مسرح الجريمة، أو يصرف النظر عنه. فلا يبنغي أن تنتهي “موعظة” خان شيخون التي تلاها الأسد، على تلة من الأكفان البيضاء والعيون التي جمَّدها الموت اختناقاً، عند ردود الفعل هذه. فهذا الانتباه المفاجئ، والعابر، لـ “موعظة” الأسد لن يعيد الأنفاس التي اختطفها الكيماوي إلى الوراء. هذا هو المهم. هذه نقطتي التي لن أبرحها، حتى لو عوقب مرتكبها بصواريخ دوَّت بعيداً عن قصره العامر بالأشباح. أريد أن أعود الى نقطة العربدة الكيماوية المعلنة، القادمة من مسرح عبث الجريمة، حيث الوجوه التي لم تنبت فيها شعرة واحدة، والعيون المغمضة، كمن يجدر بالصاعدين إلى السماء. حيث الأفواه مطبقة، والأرقام مربوطة بالأقدام، والأيدي مسبلة كما في صلاة. حيث التواريخ لا تقدّم ولا تؤخر، والدخان يتصاعد من ردمٍ يستحيل رفعه. وحيث الهواءٌ كثيفٌ، ثقيل، ينحدر إلى الأسفل. لا ظلّ. أجسادٌ على أرض بيضاء. لم يبق شيء. طارت الكلمات، تبدَّدت الصرخات وظلت الأجساد بلا ثقلٍ على الأرض. أقمطةٌ نهار الموت الأبيض. أكفانٌ بحجم كفِّ فلاحٍ عائدٍ من حصاد الشعير. ما وراء الطبيعة مقرفصةً تعدُّ على أصابعها الألف أقمطةً بيضاء.. تخطئ في العدِّ، ثم تعود إلى الصفر من جديد.

II

موتٌ أبيضُ، رماديٌّ، معلنٌ. يعربد. لاحظوا كم استخدمنا هذه الكلمة القادمة من ماركيز مباشرةً، في المأساة السورية. مع أننا تجاوزنا الواقعية السحرية والفنتازيا اللتين تلتقطان شذرةً من الواقع وتنفخانها، بهبَّةٍ من ألف ليلة، لخلق صدمة تلقٍّ جماليٍّ تعيد التفكير بالواقع، مرةً أخرى، أو في ما غاب عنا من الواقع نفسه. لقد تجاوزنا ذلك، وبلغنا قاع الواقع، وبتنا في أشدّ طبقاته ظلاماً، بحيث تعجز اللغة عن الوصف والتسمية. كأننا في الأيام الأولى للخلق التي لم تعثر فيها الأشياء والأفعال على أسمائها. حيال العيون المفتوحة على الرعب المطلق، والأعضاء الغضَّة التي لا يمكن ثنيها، ينتهي دور اللغة، وتعود الإشارات والهمهمات إلى العمل. حتى هذه، والحال، لم تشكّل نظاماً يؤدي إلى فهمٍ. كل مرة تثبت الجريمة أنها الأصل، وأنها سابقةٌ على البراقع التي ارتديناها منذ ذلك الدم الأول الذي سال في شقّ (وقيل للمفارقة: دمشق!). الجريمة هي الأصل. هذا ما يجعلنا نفهم عجز اللغة عن تمثيلها، عن ارتدائها والتقدّم إلينا بالدماء التي ترشح منها. فكيف يمكن أن نقول “جرح” ونرى الدم يتدفَّق من الشرايين، هذه الأحرف الثلاثة أنَّى لها أن تجعلنا نشعر بالرصاصة، أو البلطة، وهي تخترق الجسد وتقطعه؟ كيف يمكن أن نقول “قذيفة” فترتجَّ الأرض تحتنا، ثم تتطاير الأشياء والأعضاء على شكل نُتَفٍ وشقفٍ وكتلٍ وغبارٍ وهباء؟ كيف يمكن أن نصرخ “غاز” فتتلوَّى، على الفور، خصورنا، وتنقذف أحشاؤنا، وتطفح أفواهنا بالزبد، ونتخبّط كمن أصابه مسٌّ؟ دلّوني على من يستطيع فعل ذلك، وأنا أترك له كلَّ ثروتي من الكلمات وأتعهد بالعودة، ما بقي لي من أيام، إلى لغة الإشارة، أو الهمهمة، والهيام على وجهي في الصحراء.

العربي الجديد

 

 

 

 

من ضياع الجولان… إلى ضياع سوريا/ خيرالله خيرالله

كشفت الضربة التي وجهتها الولايات المتحدة إلى النظام السوري أن دونالد ترامب ليس أسير العلاقة مع روسيا، إضافة بالطبع إلى أنّه ليس باراك أوباما الذي كان أسير العلاقة مع إيران وملفّها النووي.

كشفت الضربة أيضا أن روسيا تعيش في عالم آخر لا علاقة بحقيقة ما يدور في سوريا. هناك صورة لسوريا في مخيلة الرئيس فلاديمير بوتين والمحيطين به تختلف كلّيا عن سوريا الواقع. لولا ذلك، لما قرّرت روسيا بكل بساطة أن تكون عدوا للشعب السوري. انضمّت إلى النظام الأقلّوي وإلى الميليشيات المذهبية التابعة لإيران في عملية تهجير الشعب السوري من أرضه وإجراء تغييرات في العمق على التركيبة السكانية السورية عبر طريقتين. الأولى المساهمة في تدمير المدن الكبيرة، أو تطويقها، بصفة كونها مدنا سنّية، والأخرى ربط مناطق حدودية سورية مع مناطق يسيطر عليها “حزب الله” في لبنان. أي مع المناطق التي تتشكّل منها دويلته، التي هي أقوى من الدولة اللبنانية، وذلك خدمة للمشروع التوسّعي الإيراني.

الأخطر من ذلك كلّه، أن اللغة الخشبية التي يستخدمها وزير الخارجية الروسي سرغي لافروف أو المندوب الروسي في الأمم المتحدة، تشير إلى أن الاتحاد السوفياتي، الذي شبع موتا، بُعث من جديد في العام 2017، أي بعد ربع قرن على انهيـاره وانكشاف أنّه لم يكن يوما سوى نمر من ورق. ما الذي فعله الاتحاد السوفياتي لسوريا باستثناء تحويلها إلى دولة ديكتاتورية تحكمها عصابة همّها الأوّل والأخير استرضاء إسرائيل؟ من يتحمّل مسؤولية توريط سوريا – البعث، التي سلّمت الجولان على صحن من فضّة إلى إسرائيل، لجمال عبدالناصر في حرب الخامس من حزيران ـ يونيو 1967؟

ضرب الأميركيون حيث يجب أن يضربوا. استهدفوا بصواريخ “توماهوك” القاعدة الجوّية في الشعيرات، قرب حمص، التي انطلقت منها الطائرة التي قصفت أهل خان شيخون، بما في ذلك النساء والأطفال، بالسلاح الكيميائي.

لم تمض ساعات على الضربة الأميركية حتّى بدأت كل الأطراف التي تُعتبر جزءا لا يتجزّأ من الحرب الدائرة على الأرض السورية تعيد حساباتها. بدأت إيران تتحدّث عن مزيد من التنسيق مع روسيا، وبدأت روسيا تستنجد بإسرائيل باعثة بإشارات إيجابية إلى بنيامين نتانياهو. استعادت تركيا حماستها في التصدي للنظام السوري بعد فترة طويلة بدت فيها مجرّد تابع لروسيا.

كانت صواريخ “توماهوك” الـ59 كافية لتغيير قواعد اللعبة في سوريا ولكن إلى متى؟ هل ضربة مطار الشعيرات مؤشر إلى سياسة أميركية طويلة النفس تجاه سوريا والمنطقة تعيد كلّ طرف فيها أو خارجها إلى حجمه الحقيقي، بما ذلك إيران ذات الطموحات التي لا حدود لها، فضلا بالطبع عن روسيا التي سمحت لنفسها بان تتصرف كقوّة عظمى؟

يبدو أن روسيا لم تأخذ علما بانتهاء الحرب الباردة. صارت تعتقد أن سوريا ملك لها، إلى أن جاء من يقول لها أنّه لم يعد في استطاعتها أن تفعل ما تشاء ساعة تشاء بمجرّد أنها أخذت في الاعتبار مصالح إسرائيل. دخلت الولايات المتحدة اللعبة السورية من بابها الواسع في ظلّ إدارة جديدة مازالت في مرحلة بلورة سياستها الشرق الأوسطية.

الملفت أنّه في مقابل الخطاب الروسي المنفصل عن الواقع السوري، هناك خطاب أميركي واضح كلّ الوضوح يصدر عن نيكي هايلي مندوبة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة. تضع هايلي النقاط على الحروف عندما تذكّر بمسؤولية إيران وروسيا عن الجرائم التي يرتكبها النظام السوري. فروسيا ضمنت في نهاية المطاف الانتهاء من ترسانة السلاح الكيميائي السوري بعد استخدامه صيف العام 2013 وتراجع باراك أوباما عن توجيه ضربة كانت كفيلة بالقضاء على النظام. وروسيا غطت بعد ذلك إلقاء البراميل المتفجّرة على المدنيين السوريين، فيما كانت الميليشيات المذهبية التابعة لإيران تنفّذ عمليات تطهير ذات طابع مذهبي، خصوصا في دمشق وعلى طول الحدود اللبنانية – السورية. وروسيا تدخلت مباشرة في مطلع أيلول – سبتمبر 2015 كي تمنع سقوط النظام. وروسيا وراء تدجين تركيا وجعلها شريكا في الحرب على حلب التي انتهت بعودة النظام إلى المدينة أواخر العام الماضي.

لعلّ أهم ما قام به دونالد ترامب هو الاستهزاء بـ”الفيتو” الروسي في مجلس الأمن. عندما وجد أن المندوب الروسي يعمل كلّ شيء من أجل كسب الوقت، وجه الضربة إلى المطار العسكري السوري.

ما يشجّع على بعض التفاؤل بالموقف الأميركي ليس بداية استيعاب إدارة ترامب لحقيقة أن لا حرب ناجحة على الإرهاب “الداعشي” من دون القضاء على إرهاب النظام السوري والميليشيات المذهبية التابعة لإيران فقط. هناك عملية إعادة تشكيل للإدارة الأميركية الجديدة، بعيدا عن أولئك المنظرين أصحاب الأفكار الغريبة، لمصلحة عسكريين محترفين يعرفون جيدا ما هو النظام السوري وما هي إيران وما الذي تفعله في العراق وسوريا ولبنان… واليمن وحتّى البحرين.

ليس صدفة أن ستيف بانون، الذي كان كبير منظري الإدارة، وُضع على الرفّ عشية قرار توجيه الضربة إلى قاعدة الشعيرات. لم يعد سرّا أن الإدارة الأميركية أعلمت روسيا بالضربة قبل حصولها مؤكدة بذلك أنّها لا تريد صداما مباشرا معها في سوريا. لكنّها أكدت في الوقت ذاته أنّها صارت لاعبا أساسيا في بلد يعاد تشكيله. لم يعد سرّا أيضا أن هناك صعودا لنجمي وزير الدفاع جيمس ماتيس ولجنرال آخر هو مستشار الأمن القومي هربرت ماكماستر. كذلك، هناك حضور أقوى لقادة الأجهزة الأمنية في صنع القرار الأميركي.

ماتيس وماكماستر يعرفان سوريا والعراق عن ظهر قلب، ويعرفان جيّدا دور النظام السوري وإيران في التحريض على الأميركيين في العـراق، وذلك بعد وصـول قادة ميليشيات مذهبية إلى السلطة في بغداد على ظهر الدبابة الأميركية. يعرفان، خصوصا، من وراء “داعش” ومن أطلق إرهابيين من السجون العراقية والسورية لخلق حالة يظهر من خلالها النظام السوري أنّه يحـارب الإرهـاب، علما أنّه مشارك أساسي في صناعة التطرّف والإرهاب بكلّ أشكالهما.

ثمّة ميل إلى التفاؤل بدور أميركي أفضل في المنطقة. لكنّ هذا التفاؤل يبقى حذرا، لا لشيء سوى بسبب تعقيدات الوضع السوري. على روسيا المتحالفة مع إسرائيل إيجاد صيغة للتعاون مع إيران. على تركيا التي ارتبطت بمصالح مع روسيا إيجاد طريقة لإعادة العلاقات الجيدة مع الولايات المتحدة التي تراهن في الوقت ذاته على الأكراد. يحصل كلّ ذلك في وقت صار الوجود العسكري الأميركي ثابتا في سوريا والعراق وفي وقت تعاني روسيا وإيران من أزمة اقتصادية عميقة جعلت منهما دولتين مفلستين.

الثابت أن النظام السوري، في عهد الأسد الابن، يبدو وكأنّ المدّة الافتراضية لصلاحيته صارت في حكم المنتهية بعدما أدّى المطلوب منه. أي تحوّل سوريا إلى مناطق نفوذ أميركية وروسية وإيرانية وتركية وإسرائيلية. يأتي ذلك في وقت تقترب فيه الذكرى الخمسون لاحتلال إسرائيل الجولان في مرحلة كان فيها الأسد الأب وزيرا للدفاع في سوريا – البعث قبل أن تتحوّل إلى سوريا ـ الأسد!

من سوريا الأسد الأب، إلى سوريا الأسد الابن… في خمسين عاما، ضاعت سوريا بعدما ضاع الجولان.

إعلامي لبناني

العرب

 

 

 

الضربة الأميركية… قراءة إيرانية/ سلطان محمد النعيمي

الإرهاب، خدمة للإرهاب، القتال إلى جانب الإرهاب، إيران الضحية الوحيدة في العصر الحديث التي استخدمت ضدها الأسلحة الكيماوية.

عبارات تختزل قراءة النظام الإيراني للضربة الأميركية التي وُجِّهت إلى النظام السوري في مطار الشعيرات، بعد استخدام هذا الأخير السلاح الكيماوي ضد المدنيين في خان شيخون.

نسير مع القارئ لقراءة أبعاد المنظور الإيراني لتلك الضربة والسيناريوهات المتوقعة لاحقاً.

يأتي النظام السوري بوصفه من أهم الوسائل التي تعطي للنظام الإيراني مساحة من النفوذ في العمق العربي، واعتباره مرتكزاً رئيسياً لما يطلق عليه «محور المقاومة»، وهو ما يدفع لما نراه من استماتة النظام الإيراني للحفاظ على بقاء هذا النظام على رأس السلطة.

تأتي الضربة الأميركية بعد سلسلة من الخسائر التي تكبدتها المعارضة السورية، وفقدانها لكثير من الفعالية على الأرض بعد التدخل الروسي في سوريا، وتحقيق انتصارات للنظام السوري في حلب ومناطق أخرى، بدعم من روسيا وإيران و«حزب الله». لذلك أصبح للنظام السوري في المحادثات التي عُقدت في آستانة ولاحقاً في جنيف، اليد الطولى دافعاً باتجاه فرض مزيد من الشروط في ظل ضعف المعارضة.

وعلى المستوى الميداني، ورغم الضمانات الروسية لوقف إطلاق النار، فإن النظام السوري حاول، مدعوماً من النظام الإيراني، الاستمرار في تضييق الخناق على المعارضة السورية، والدفع باتجاه القضاء عليها تماماً، وبالتالي ضمان بقاء الأسد في سدة الحكم.

مفهوم المعارضة السورية لدى النظام الإيراني، هي تلك التنظيمات الإرهابية دون استثناء، بحيث لا فرق بينها وبين «داعش» وجبهة النصرة. هذا الأمر ينسحب على منظور النظام الإيراني للدعم القادم من مختلف الدول للمعارضة السورية، باعتبار ذلك دعماً للمنظمات الإرهابية.

جاءت الضربة الأميركية ضد النظام السوري في وقت تشهد المعارضة السورية فيه صعوبات وضعفاً، سواء في المستوى الميداني أو السياسي. وهذا ما دفع بالنظام السوري والإيراني إلى ممارسة مزيد من الضغوطات تجاهها. وبالتالي فإن هذه الضربة قد دفعت لأن يكون للمعارضة أمل من جديد في ترتيب صفوفها ميدانياً سعياً لتدعيم موقفها.

نتيجة لتلك الضربة وتبعاتها التي لا تخدم الأهداف الاستراتيجية للنظام الإيراني، فقد شهدت الساحة السياسية للنظام الإيراني انتقادات كبيرة للضربة الأميركية، جاءت سواء من وزارة الخارجية أو منابر الجمعة، وغيرها، ومنها:

1- وزير الخارجية الإيراني: لم يمض عقدان على أحداث 11 سبتمبر (أيلول) حتى عادت أميركا للقتال في صف «القاعدة» و«داعش» في اليمن وسوريا.

2- المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية: القصف الصاروخي على الشعيرات سيعزز قوة الجماعات الإرهابية ويُعقد الأوضاع في سوريا.

3- نائب رئيس لجنة الأمن القومي في البرلمان: الهجوم الصاروخي سيؤدي فقط إلى سعادة أعداء بشار الأسد، أي الدول العربية وإسرائيل.

4- إمام جمعة طهران: أميركا نفذت الهجوم الصاروخي على سوريا، وارتفع صوتها بعد استخدام الأسلحة الكيماوية التي سلمتها بنفسها للجماعات الإرهابية.

5- الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي، علي شمخاني: العدوان الصاروخي الأميركي على سوريا موجه بالكامل، ويصب في مصلحة الإرهابيين، وسيؤدي إلى مزيد من تعقيد المعادلات السياسية والأمنية في سوريا.

يتساءل القارئ عن السيناريوهات المتوقعة للنظام الإيراني لتبعات تلك الضربة؟

يمكن تتبع موقف النظام الإيراني لتبعات تلك الضربة في:

أولاً: انتقاده المستمر لتلك الضربة، واعتبار ذلك جزءاً من خطة لدعم الإرهابيين في سوريا.

ثانياً: تكثيفه للانتقادات في الإعلام الإيراني، وتسليط الضوء على كل انتقاد تجاه تلك الضربة، سواء من دول أو مؤسسات أو غيرها.

ثالثاً: تكثيف وتحرك دبلوماسي لممارسة الضغوط السياسية، بالتعاون مع روسيا والصين وغيرها من الدول الأعضاء في مجلس الأمن، لتحييد ووقف تطور تلك الضربة.

رابعاً: على المستوى الميداني، ممارسة مزيد من الضغوط على المعارضة بهدف منع استغلالها لتلك الضربة وربما مضاعفة تلك الضغوط.

تطورات الموقف الإيراني لا شك أنها ستظل مرهونة بالموقف الأميركي، والذي يبدو أن ما قام به هو ردة فعل وتسجيل موقف سياسي، ولا يرتقي لمزيد من التصعيد ضد بشار الأسد عسكرياً، في ظل تعقيدات المشهد السوري ووجود لاعب رئيس متمثل في روسيا، وهو ما أشار له وزير الخارجية الأميركي بالقول إن هزيمة «داعش» لا تزال هي الأولوية في سوريا.

الشرق الاوسط

 

 

 

 

ترمب يغير قواعد اللعبة/ مأمون فندي

كما غير الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قواعد اللعبة في سوريا من خلال تدخله المباشر في سوريا، يبدو أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب يغير قواعد اللعبة في سوريا مرة أخرى، فهل يصمد ترمب لعامين من التدخل المباشر كما صمد بوتين أم أن صواريخ توماهوك الأميركية كانت رفع عتب؟

الحقيقة هي أن المشهد السوري وبصواريخ ترمب أصبح أكثر تعقيداً. وإذا دققنا النظر قد يتكشف لنا أن صواريخ توماهوك الأميركية الموجهة في ظاهرها إلى نظام الرئيس السوري بشار الأسد، هي في الحقيقة موجهة إلى إيران أو في أسوأ الأحوال مقدمة لحرب ترمب ضد إيران. بشار الأسد ليس لاعباً رئيسياً في سوريا من وجهة النظر الأميركية، فاللعبة الأميركية كانت دائماً في منطقة الشرق الأوسط لعبة إقليمية لها تبعات دولية. عندما كتبت هنا منذ أكثر من أسبوعين عن القيادة المحيطة بالرئيس دونالد ترمب وتوجهها الاستراتيجي ركزت على شخص وزير الدفاع جيمس ماتيس، ومن بعده خصصت مقالاً يكشف عن تفكير مستشار الأمن القومي إتش آر مكماستر الذي تربطني به علاقة شخصية. الفكرة كانت أن الرجلين (ماتس ومكماستر) يمثلان توجهاً استراتيجياً أميركياً تجاه الشرق الأوسط بني عن علم ومعرفة وعلاقة عمل بالمنطقة فقد عمل ماتيس كقائد للمنطقة المركزية الممتدة من أفغانستان حتى شمال أفريقيا وعمل ماكماستر مع قائد القوات الأميركية في العراق الجنرال ديفيد بترايوس، هذه الخبرة أكسبت الرجلين معرفة مباشرة بمشكلات الشرق الأوسط، ويتفق الرجلان على أن إيران هي أساس المشكلات في الشرق الأوسط من العراق مروراً بسوريا ولبنان والبحرين واليمن. هؤلاء هم القادة الذين وافقوا على توجيه صواريخ توماهوك على سوريا، وكلاهما لا يرى الأسد لاعباً أساسياً في الصورة الإقليمية الكبيرة، ولكن يرونه على أنه يمثل واحدة من الأدوات الإيرانية لتوسيع نفوذها في المنطقة.

ذكرت في مقال سابق أن رؤية جيمس ماتيس حول إيران يمكن استشفافها من كلمته التي ألقاها أمام معهد الدراسات الاستراتيجية بواشنطن في أبريل (نيسان) 2016. في تلك الكلمة رسم جيم ماتيس ملامح تفكيره الاستراتيجي فيما يخص منطقة الشرق الأوسط من حيث نوعية التهديدات ونوع الأعداء وكذلك طبيعة الحلفاء.

ملخص كلمة ماتيس في معهد الدراسات الاستراتيجية بواشنطن قبل أن يصبح وزيراً للدفاع، تمثل جوهر تفكيره الاستراتيجي فيما يخص منطقة الشرق الأوسط، وهي رؤية تتمحور حول الدور الإيراني في نشر الفوضى وعدم الاستقرار في الإقليم بداية من تبنيها من حيث الإرهاب كأداة للسياسة، إضافة إلى التهديد التقليدي التي تمثله في البحرين واليمن ولبنان وسوريا وأيضاً التهديد النووي والصواريخ الباليستية، ورغم أن جيمس ماتيس ليس مع تفكيك اتفاق خمسة زائد واحد مع إيران، فإن الرئيس دونالد ترمب قد يرى ذلك، النقطة التي أريد التركيز عليها هنا هي أن الصواريخ الأميركية هي مقدمة لضربة أميركية لإيران، وليس المقصود بها النظام السوري وحده.

ماذا تعني الضربة الأميركية بالنسبة لروسيا ولنظام بشار الأسد ولمعارضته ولقيادات الإقليم مجتمعة؟ أولاً بالنسبة لروسيا يعتبر تحدي الضربة الأميركية بداية لملامح مواجهة مع رئيس ظن الروس أنه صديق لهم، ومن هنا وجبت مراجعة حساباتهم تجاه أميركا ترمب، ومراجعة حساباتهم فيما يخص لعبة الشطرنج الإقليمية من ليبيا، مروراً بمصر إلى سوريا. وقد يفكر الروس ملياً في نوعية المقايضة مع ترمب التي ستفضي إلى تقاسم الأدوار في سوريا، وإفساح الطريق أمام أميركا لضرب إيران. أما بالنسبة لنظام بشار الأسد فإنه سيعيد حساباته أكثر من مرة، ويدرك أن الأمور دخلت مرحلة الجد مع أميركا ترمب، الرئيس الذي لا يمكن قراءة شخصيته أو ردود أفعاله. لذا سيضع بشار الأسد قضية بقائه وليس بقاء نظامه كأولوية في وجود رئيس مثل دونالد ترمب يتمتع بتلك القوة.

أما قادة الإقليم فسيعيدون حساباتهم فيما عرف بالانسحاب الأميركي من المنطقة، وواضح من الأصوات المؤيدة للضربة أن القيادات الإقليمية ما زالت تراهن على دور أميركي أكبر لدرء خطر إيران من ناحية، ولوضع حد لتوسع روسي محتمل. أما نظام طهران فردود فعله هي التي تستلزم قراءة متأنية. ولوضع ملامح هذه القراءة لا بد أن ننظر إلى أمرين على النقيض من بعضهما، لرسم إطار الصندوق الذي تحدث فيه السيناريوهات المحتملة. السيناريو الأول هو أن ضربة ترمب في سوريا ستجعل النظام الإيراني أكثر تطرفاً، أما السيناريو الثاني فهو استيعاب خطورة التفكير الأميركي الحالي، ونوعية القوة التي يمكن أن تستخدمها أميركا ترمب لوضع إيران داخل حدودها.

في نهاية المطاف، واضح من الطريقة التي أبلغ بها الأميركيون حلفاءهم الأوروبيين وكذلك الروس أيضاً، أننا أمام أعمال عسكرية جادة لا لبس فيها، وعلى كل الأطراف أن تكتفي بالعلم بالشيء دونما تدخل أو اعتراض. وهذا ما يوحي بأن الأمر أكبر من سوريا ومن الأسد. كنا في سنوات فرض فيها بوتين رؤيته لسوريا وللمنطقة، أما الآن فنحن بكل تأكيد أمام رؤية ترمب، ولو كنت في طهران لأخذت هذا الأمر إلى أبعد حدود الجدية.. .

الشرق الاوسط

 

 

 

ترمب وبوتين وسوريا… الفرصة والفخ/ غسان شربل

فلاديمير بوتين صانع ألعاب ومرتب مفاجآت. تعلم في مدرسة «كي جي بي» فضيلة إخفاء النوايا. تعلم أيضاً أهمية سلاح التضليل في كسب المعارك. ولا مبالغة في القول إن القادة الغربيين لم يحسنوا القراءة باكراً في عيني الرجل. انتظر وحين استجمع قواه راح يسدد الضربات. وكان عهد باراك أوباما المديد فرصته الذهبية.

كان بوتين يأمل أن يكون عهد ترمب عهد الاعتراف بانتصاراته من القرم إلى سوريا، مروراً بأوكرانيا. وثمة من تحدث عن صفقة كبرى. واتهم كثيرون ترمب بأن فوزه بالبيت الأبيض يحمل بصمات سيد الكرملين.

وبدا الرئيس الروسي مرتاحاً حين هبت رياح الواقعية على واشنطن وعواصم أخرى. الأولوية لتدمير «داعش»، وإسقاط الأسد ليس هاجساً أو هماً. يمكن تركه للسوريين والمفاوضات. وتحدث بوتين في لقاءاته عن خطة تدريجية للحل تبقي الرئيس بشار الأسد حتى 2021.

«أوباما شيء وأنا شيء آخر». لا تخطئوا في الحساب. كان دونالد ترمب ينتظر فرصة تأكيد ما حرص على تكراره مرشحاً ورئيساً. حين أبلغته أجهزة الاستخبارات أن قوات الأسد استخدمت غاز السارين في خان شيخون، التقط الفرصة. سدد ضربته إلى مطار الشعيرات السوري وأصاب ثلاثة أهداف: نظام الأسد وصورة بوتين والداخل الأميركي.

أعادت الضربة إظهار نظام الأسد في صورة نظام يستخدم الأسلحة الكيماوية ضد شعبه. استعادة أميركا قدرتها على اتخاذ القرار على المسرح السوري، أعادت إحياء التحالف الرافض لنظام الأسد وممارساته. انتعشت فكرة المناطق الآمنة.

أصابت الضربة أيضاً الرواية الروسية عن الحرب السورية، وتحديداً في الملف الكيماوي. افتقرت حكايات ممثل روسيا في مجلس الأمن إلى القدرة على الإقناع. بدت روسيا في صورة من يغطي ممارسات تذكر بويلات الحرب العالمية الثانية. يمكن القول أيضاً إن الرواية الإيرانية أصيبت، فخطورة «داعش» لا تكفي لتغطية مشاهد خان شيخون ومثيلاتها.

أصابت الضربة أيضاً فريقاً أميركياً كان يعتقد أن ترمب مدين لبوتين. وأنه سيسلم بسوريا الروسية بذريعة قطع الطريق على قيام سوريا الإيرانية.

من المبكر التسرع والقول إن الضربة الأميركية لمطار الشعيرات تشكل منعطفاً في الأزمة السورية. لكن لا يمكن التقليل من أهمية ما حدث. التهمة التي استخدمت لتبرير الضربة تجعل من الصعب على إدارة ترمب التراجع إلى موقفها السابق. الأمر نفسه بالنسبة إلى من أيدوا الضربة.

حيّرت قصة خان شيخون المراقبين. لماذا استهدفت وبهذا النوع المحظور من السلاح في وقت كان النظام حقق تقدماً، على الأقل لجهة إرجاء البحث في مصيره ومصير رئيسه. أسئلة كثيرة. هل أراد النظام الإفادة من تحسن أوضاعه لتوجيه ضربات قاضية إلى المعارضة والفصائل على أنواعها؟ وهل صحيح أنه بات يفتقر إلى العدد الكافي من القوات البرية المقاتلة لتحقيق انتصارات، فصار يعوّل على وسائل أخرى على الرغم من خطورتها؟ هل كان قصف خان شيخون امتحاناً لترمب؟ وهل يخدم الرد الأميركي الفريق الذي يدعو إلى استمرار الحرب ويعتبر كل تسوية خسارة؟ وهل تعتبر إيران مستفيدة من ابتعاد خطر التفاهم الأميركي – الروسي في سوريا؟

لن يترك بوتين الضربة الأميركية بلا رد لكن الخيارات محدودة. في 2013 نجح في خداع أوباما. أعطاه ترسانة الكيماوي السوري وضمن عملياً سلامة النظام وابتعاد الجيش الأميركي عن المسرح السوري. ابتهج أوباما بالهدية، فقد كان يعتبر سوريا فخاً لا فرصة.

واضح أن الضربة الأميركية سمّمت العلاقات بين واشنطن وموسكو. استعادة أميركا هيبتها تعيد ترميم المحور المؤيد لها. أي قرار أميركي بتسليح المعارضة المعتدلة سيقلق بوتين، وينذر بتحويل سوريا من فرصة لروسيا إلى فخ مجهول النتائج. أعادت ضربة ترمب فرض قدر من العزلة على النظام السوري وأصابت صورة روسيا. من المبكر أيضاً الجزم بأن بوتين لا يملك غير خيار تعميق التحالف مع إيران، والضلوع في مواجهة مديدة على مسارح الشرق الأوسط. هذا خيار مكلف لا طاقة للاقتصاد الروسي على احتماله.

في الأسابيع الماضية، تقدم خيار سوريا الروسية على ما عداه. بدا واضحاً أن بوتين يمسك بخيوط اللعبة. أنهك المعارضة المعتدلة أكثر مما أنهك «داعش» و«النصرة». وصل الأمر بكثيرين إلى اعتبار سوريا الروسية حلا مقبولا. فجأة تقدمت مجزرة خان شيخون وتبعتها الضربة الأميركية. تغير المشهد.

خصمك الضعيف هو أفضل حلفائك. أغلب الظن أن بوتين يشتاق إلى عهد أوباما. كان الرئيس الأميركي السابق يدير سياسة الهرب من الأفخاخ، ما حوّل الأزمات المشتعلة فرصة لخصومه. على بوتين إعادة ترتيب أوراقه، لأن الرجل الجالس في المكتب البيضاوي يحب هو الآخر دور صانع الألعاب ومهندس المفاجآت.

المؤلم أن كل هذه المباريات المروعة تجري على الملاعب العربية. ومن عادة العربي أن يقيم بين مذبحتين. لم يكد يستفيق من أهوال مجزرة خان شيخون حتى داهمته مشاهد مذبحة الكنيستين في طنطا والإسكندرية. يا للهول..

الشرق الاوسط

 

 

 

الضربة الأميركية.. استراتيجية أم استعراضية؟/ د. عبدالله خليفة الشايجي

شكّلت الضربة العسكرية العقابية، فجر الجمعة 7 أبريل 2017، نقطة تحول مهمة في مواقف الرئيس دونالد ترامب وإدارته من بشار الأسد وحلفائه -روسيا وإيران- وأتى ذلك بعد أقل من أسبوع من تصريحات أميركية من الرئيس ووزير الخارجية ريكس تيلرسون والمندوبة الدائمة في الأمم المتحدة نيكي هايلي، حيث أكد ترامب وأركان إدارته أن الأسد جزء من الحل لمواجهة وهزيمة تنظيم «داعش»، وأن الشعب السوري هو من يقرر مستقبل الأسد، وأن إقصاءه ليس أولوية. وكان هذا هو الخطاب الرسمي الأميركي في الأيام الأولى من شهر أبريل، ولكن في 7 منه انقلبت إدارة ترامب على نفسها، مؤكدة أنه لا مستقبل للأسد في سوريا، وأنه قد أصبح مجرم حرب، حيث ارتكب جريمة حرب باستخدام السلاح الكيماوي ضد شعبه. وتداعى العالم تنديداً بجريمة الحرب هذه، بينما وصف إعلام الأسد وحلفائه، وعلى رأسهم روسيا وإيران، العملية العسكرية الأميركية بـ «العدوان» و«الاعتداء»، ووصلت بهم الأمور لوصف ترامب بأنه شريك تنظيم «داعش»! وهو الذين كانوا يفاخرون ويتسابقون لتقديم أوراق اعتمادهم لديه في الحرب على الإرهاب، هذا مع أن العملية العسكرية، كانت هي الخيار الأقل مجازفة، وتبدو يتيمة وتأديبية، وليست تحولاً استراتيجياً، ولا تهدف حتى لإضعاف نظام الأسد، دعك من إسقاطه!

وربما فاجأت هذه الضربة الكثيرين، لصدورها عن رئيس أميركي أتى من خارج المؤسسة الحاكمة منتقداً الدولة العميقة، ويحمل هموم المواطن الأميركي والشأن الداخلي في الأساس، متعهداً بجعل أميركا عظيمة مجدداً، وبإعطاء الأولوية للأجندة الداخلية، فإذا به في أول أزمة خارجية بعد سبعين يوماً في البيت الأبيض، يغامر ويبادر بتغيير مواقفه بنسبة 180 درجة، بشن عملية عسكرية محدودة بـ 59 صاروخ توماهوك، لتدمير منشآت قاعدة الشعيرات في وسط سوريا التي انطلقت منها مروحيات النظام السوري في 4 أبريل 2017، لتقصف بلدة خان شيخون في ريف إدلب في البلاد.. ما نجم عنه مقتل 86 مدنياً، بينهم 26 طفلاً، بسبب استخدام غاز السارين القاتل الممنوع دولياً، وهو ما يرقى إلى جريمة حرب. وكانت ردود الفعل، الداخلية والخارجية، إيجابية ومؤيدة للضربة العسكرية، ولأول مرة أشادت قيادات الحزبين الجمهوري والديمقراطي بالعملية العسكرية، وكذلك العديد من قادة الدول حول العالم.

وواضح الآن أن الأسد وحلفاءه في حالة من الصدمة، وذلك ليقينه بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شبه تخلى عنه، ولم يحمه باعتراض صواريخ «توماهوك» بمنظومة ‏S-400 الدفاعية، كما كان يتوقع بعد مجزرة الكيماوي في خان شيخون. ولم ينتقد بوتين الضربة العسكرية الأميركية، بل ترك ذلك لرئيس الوزراء مدفيديف!

والحال أن النظام السوري وحلفاءه يكذبون عندما ينكرون الحقيقة بأن النظام هو من أطلق قنابل غاز السارين، ولم يقتنع أحد بروايتهم وتبريرهم بأن القصف استهدف مستودعاً لـ «جبهة النصرة» التي يدعون أنها كانت تخزن غاز السارين! وهذا ما دحضته أجهزة الاستخبارات وصور الأقمار الصناعية الأميركية التي كشفت عن خط سير الطائرات السورية وإلقائها القنابل التي تحمل غاز السارين. بل إن الضربة الأميركية لم تدمر مدرجي مطار قاعدة الشعيرات، بل المقاتلات والمخازن والرادارات. والدليل أنه بعد يوم من قصف القاعدة، عادت المقاتلات لتقلع وتقصف مواقع المعارضة! وزاد عليها النظام بشن غارات بقنابل النابالم الحارقة المحظور استخدامها، في ريف حماة، وكأن شيئاً لم يكن!

لكن تداعيات الضربة العسكرية الأميركية أدت لإعادة المأساة السورية في عامها السابع إلى صدارة أحداث العالم، من جديد، وكشفت وعرّت النظام وحلفاءه، خاصة روسيا وإيران اللتين يبدو أنهما تقفان بمفردهما مدافعتين عن مجرم حرب. وحلفاء الأسد شركاء معه في جرائمه كما علقت نيكي هايلي، السفيرة الأميركية في الأمم المتحدة، في انتقاد قاسٍ وواقعي لدور الحلفاء. وقد أعادت هذه الضربة العسكرية أميركا لدور الزعامة والقيادة العالمية، وسط ترحيب دولي شمل العديد من الدول الفاعلة، ورحبت بالتحول الأميركي الكثير من الدول، بما في ذلك الدول الخليجية بشكل فردي، ومجلس التعاون الخليجي جماعياً، الذي رحب بيانه بالضربة العسكرية الأميركية في سوريا على «أمل أن تردع نظام الأسد لوقف جرائمه».

وقد برزت نيكي هايلي السفيرة الأميركية، باعتبارها المسؤولة الأكثر تشدداً في إدارة ترامب، بتوجيه سهام الانتقاد للأسد وروسيا وإيران، حيث ما فتئت تكرر أن الوضع تغير بعد الضربات الأخيرة، وأن الأسد لم يعد يتمتع بالحصانة، وأن أميركا مستعدة لتوجيه المزيد من الضربات، إذا دعت الضرورة إلى ذلك. وأن الأسد ليس المجرم وحده، فإيران تدعم الأسد منذ سنوات طوال. وكذلك دخل السفير البريطاني في الأمم المتحدة في تلاسن مع المندوب الروسي، مذكراً إياه بأن استخدام روسيا «الفيتو» 7 مرات لحماية الأسد، شجعه على استخدام السلاح الكيماوي! وكذلك سارع وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون لإلغاء زيارته لموسكو على خلفية موقفها من سوريا. بينما لم تُلغ زيارة وزير الخارجية الأميركي! وواضح أن نظام الأسد، ومعه روسيا وإيران، يشعرون الآن بنوع من العزلة الدولية!

وفي المجمل، فإن مآلات نجاح الضربة العسكرية الأميركية في بلورة تحول في مقاربة الولايات المتحدة تجاه المأساة السورية، تقاس باستثمار هذا الدعم العالمي الواسع لها، لتتحول من الموقف التكتيكي إلى استراتيجية متكاملة مع الحلفاء للدفع نحو حل سياسي ومعاقبة الجناة ومجرمي الحرب. ولكن الخشية ألا تستثمر إدارة ترامب الضربة العسكرية، وألا تكون مكوناً من استراتيجية متكاملة لإنهاك وتحجيم الأسد ومحاكمته مع جماعته، وتحجيم حلفائه أيضاً في الداخل والخارج، ووقف موجات اللاجئين، إذا لم يحدث ذلك، وهذا مؤسف ومعيب، فستكون هذه الضربة العسكرية أقرب للاستعراض، وإظهاراً للقوة، وصرفاً للأنظار عن الصراع الأميركي الداخلي! ولن تؤدي لإنهاء المأساة وتنهي معاناة شعب طال عذابه! وقتل منه نصف مليون! وشُرد نصفه، وتجرع من صنوف المعاناة ما يفوق كل وصف وخيال!

الاتحاد

 

 

 

ضربة صغيرة.. كبيرة!/ علي نون

استطرد رئيس سوريا السابق بشار الأسد في محاولة «إختبار» ردود فعل الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والتيقن الميداني من مواقفه السياسية «التقاربية»، فانفجرت المحاولة بين يديه!

قَصْفُ خان شيخون بالغاز السام هو في جانب منه عمل حربي روتيني آخر عند منظومة الوحوش الأسدية، لكنّه في الجانب الأهم كان محاولة لقياس «معنى» المواقف التي أطلقها وزير الخارجية الأميركي تيلرسون، والمندوبة في الأمم المتحدة هايلي والناطق الرسمي باسم البيت الأبيض سبايسر والتي تقاطعت عند الجهر بأنّ أولويّة هذه الإدارة هي محاربة الإرهاب. وإنّ مصير الأسد «يقرره الشعب السوري على المدى الطويل»… وإن وجوده في الصورة هو «واقع سياسي»، لا ينكر!

ومحقٌّ تماماً مَن وضع المجزرة في السياق الامتحاني ذاك، خصوصاً وأن الوضوح الذي أظهرته إدارة ترامب، كان كافياً لصدم اعداء الأسد فكيف الحال معه ومع منظومة وحوش وجدت نفسها فجأة في مصاف الملائكة! عند إدارة أكبر وأخطر دولة في العالم، وجزءاً (غير معلن!) من الحرب العالمية على الإرهاب!

وتلك جرعة فائضة على المعدة الأسدية. وأكبر من كل «أحلامه». وتعني إكتمال العَقْد عنده: روسيا من جانب والولايات المتحدة من جانب آخر.. وحرفياً! أي إن الانكفاء الأوبامي الذي سمح لفلاديمير بوتين بالاستعراض أحادياً في النكبة السوريّة ومنع «انهيار النظام» الذي ما كان ليحتاج الى أكثر من أسبوعين لو لم توقفه «عاصفة السوخوي» في أواخر أيلول 2015 على حدّ القول الحرفي لوزير الخارجية سيرغي لافروف.. هذا الانكفاء انقلب باتجاه آخر سافر في وضوحه هو العودة الى التدخل المتدرج تحت ستار الحرب على الارهاب، ورسوّ الموقف عند تفضيل «بقاء الأسد» وتعويمه! وفتح خطوط التواصل معه!

وليس سهلاً إنكار هذا السياق من دون التورّط في قراءة الغيب. بل أنّ كل ما كان يحصل (في المئة يوم الأولى) سياسياً وميدانياً، أكد أنّ واشنطن – ترامب دخلت في المزايدة على أوباما من باب ترسيخ توجهاته والإضافة عليها: هو سلَّم للروس من بعيد، وهي أرادت ذلك التسليم من قريب! وراحت تترجم ذلك من خلال وقف «دعم» بعض المعارضة «المعتدلة»! ثم لجم الدور التركي! ثم تأكيد الرهان على المكوّن السياسي الكردي وصولاً الى إشهار الغزل مع الأسد!

الفارق بين ترامب وأوباما هو أنّ الأخير أراد من «سياسته السورية» استرضاء إيران وجرّها الى نبذ مشروع القنبلة الإفنائية. في حين أن الأول يريد العكس ويسعى الى نبذ النفوذ الإيراني وتمدداته لكن من خلال جذب الروس والأسد، الى صفّه وليس اتخاذ «مواقف هامشيّة تؤثر على قضيته الرئيسية»!

ومن ألطاف ربّ هذه الدنيا بعباده، أنّ الأسد ومنظومته المتوحشة سَكِرا بخمر ترامب وقدّما خدمة جليلة لمنطق العدالة مع أنهما أشرس تعبيرات الجور وظواهر الإجرام! طغت عندهما على التطبّع. ولم يجدا طريقة لإجراء «الإمتحان» مع ترامب سوى تلك الآتية من جذر غرائزي ومنحطّ في مستوى احتقاره للروح البشرية، وتدنيسه لقيم إنسانية لا تزال محترمة خارج عالمهما الموصول بممانعة إيرانية وإحيائية روسية!

أُحرِج ترامب حتى خرج عن طوره! وما عجزت عنه سنوات من الفظاعات في حق السوريين ونكبة النزوح بكل أبعادها، ومطوّلات من الوقائع والوثائق واليقينيات الموجودة في مراكز صنع القرار، ودوائر الاستخبارات والأمن، وساعات وأيام من الحوارات مع قادة أوروبيين وعرب، وغير ذلك الكثير.. أمكن تحقيقه بضربة أسدية واحدة في خان شيخون: بدأ ترامب يقتنع بأن الأسد جزء من الإرهاب وليس من نادي الحرب على الإرهاب! وإن العلاقة عضوية وسببية بين الطرفين! وإن الانتصار في هذه الحرب غير ممكن ومستحيل طالما أنّ السلطة الأسدية في مكانها! وإنّ لا فرق في واقع الحال، بين إرهابي يضع عمامة دينية فوق رأسه ويسمّي نفسه «خليفة»، وبين إرهابي يلبس ربطة عنق ويسمّي نفسه «رئيساً لسوريا»!

الضربة الصاروخية الأميركية طاولت هدفاً ميدانياً صغيراً، لكنّها عدّلت هدفاً إستراتيجياً كبيراً وأعادت «النقاش» الى المربع الأوّل: لا دور للأسد في مستقبل سوريا (غير البعيد!) ومكانه الوحيد هو كرسي المتهم في قاعة المحكمة!

المستقبل

 

 

 

 

حبذا لو تكون بداية النهاية/ إياد أبو شقرا

بعيداً عن صخب الإدانة «القومية» التكاذبية. بعيداً عن التباكي على «سيادة» مشكوك في وجودها منذ تحوّلت سوريا إلى صندوق بريد إقليمي ودولي. وبعيداً عن جعل حق الإنسان بالعيش، بل بمجرد التنفّس، في أسفل الأولويات التي تثرثر بـ«ممانعة» زائفة و«عروبة» فولكلورية…

بعيداً عن كل ذلك، ينبغي القول إن المسؤول الأول عن تعرّض تراب سوريا للانتهاك هو مَن لم يؤتمن عليه يوماً، ولم يُقِم لسلامة المواطن وكرامته وزناً.

أنا لست من محبّذي الاستقواء بالأجنبي. وحتماً، لست من الشامتين بنكساتنا وهزائمنا. ولا من الداعين إلى اغتصاب أراضينا، وتشريع أبواب ما يفترض أن تكون «أوطاننا»، لا معتقلات مخصّصة لتدجين الناس وإذلالهم، أمام الأجانب.

إطلاقاً. أنا ممّن تؤلمهم كثيراً «نزهات» الطيران الحربي الأجنبي – من كل الجنسيات – فوق ديار العرب، التي سلبها من أهلها بعض أهلها… لا «العدو الغاصب» الذي هاجمناه لفظاً لقرابة 70 سنة. ويسوءني جداً عجز هؤلاء «البعض» عن التصدّي له، بينما يتقنون بحكم العادة والوراثة التصدي للمواطن المسكين عندما يهبّ للمطالبة بأبسط حقوقه الإنسانية.

بعد الضربات الأميركية على قاعدة الشعيرات الجوية في محافظة حمص، التي كانت لسنوات خلت من منصات الموت المصبوب على مدن سوريا وقراها، سمعت أصواتاً عربية مستنكرة، تتصرّف على أساس أن القتل بشتى الأسلحة خير وسيلة لـ«التحاور» مع الاحتجاجات. والأدعى إلى السخرية تصوير هذه الأصوات الضربة الأميركية على أنها:

أولاً، اعتداء على «سيادة» سوريا، وكأن سوريا تبدأ وتنتهي بنظام يساوم حتى في هذه اللحظة مع قوى على ترتيبات تقسيمها وفرزها دينياً ومذهبياً وعرقياً، ويرعى عملية تبادل سكاني ممنهجة برعاية دولية.

وثانياً، أنها «عقاب» للنظام على «وقوفه ضد احتلال إسرائيل لفلسطين»، كما أتحفتنا بالأمس الدكتورة بثينة شعبان.

الحقيقة، أن ثمة علاقة تبادل منافع مشبوهة بين النظام السوري وداعميه (على رأسهم إيران) من جهة، وتنظيم داعش وأمثاله من الجماعات المتطرفة التي لم تؤمن أساساً بانتفاضة الشعب السوري، ولم تناضل في صفوفها، بل قاتلتها وعملت على شرذمتها وتفجيرها من الداخل في كل مناسبة.

هذه الصورة كانت متوافرة للولايات المتحدة والدول الغربية. واشنطن، بالذات، كانت تعرف كثيراً عن الوضع السوري إبان حكم الرئيس السابق باراك أوباما، غير أن أولويات أوباما كانت في مكان آخر.

كان التفاهم الاستراتيجي مع إيران في رأس اعتباراته. وفي هذا السبيل كان مستعداً – على رأس أركان إدارته ومستشاريه – للتضحية بالشعب السوري، وبحلفاء واشنطن وأصدقائها في الشرق الأوسط، من أجل إرضاء طهران، وتركها تتمدد في المشرق العربي من جبال زاغروس إلى شاطئ المتوسط الشرقي، ومن مياه الخليج إلى مضيق باب المندب.

على امتداد 6 سنوات من عمر «الانتفاضة الثورة»، وبالذات منذ 3 سنوات منذ انكشاف حقيقة موقف أوباما، تلقى نظام بشار الأسد وداعموه في طهران وموسكو كل الطمأنة اللازمة لكي يصعّد عسكرياً، ولا سيما في ظل استمرار:

أولاً، رفض واشنطن فرض «ملاذات آمنة» و«مناطق حظر طيران» لردع النظام وحماية المدنيين المهجّرين والنازحين، على وقع استخدام روسيا والصين «الفيتو» تلو «الفيتو» ضد اتخاذ المجتمع الدولي إجراءات لمنع النظام من قتل الناس.

ثانياً، رفضها بإصرار، رغم المناشدات المتكرّرة، تقديم السلاح النوعي المطلوب لمواجهة ترسانة النظام، المخدومة عبر جسر جوي دائم من موسكو.

ثالثاً، رفضها اتخاذ أي موقف جدّي حازم من التدخل العلني النشط للميليشيات التابعة لإيران، التي أسهمت في مفاقمة الاستقطاب الطائفي وغذّت نوازع الإحباط واليأس، وبالتالي، التطرّف… في نفوس المواطنين.

رابعاً، رفضها دعم خيارات الاعتدال والانفتاح داخل الانتفاضة السورية عبر الإجراءات آنفة الذكر، ثم التذرّع – بعد ذلك – بأن المعارضة «عاجزة»… عن مواجهة النظام. وبعدها العمل على تشجيع الميليشيات الانفصالية، ليس على حساب وحدة أراضي سوريا فحسب، بل أيضاً وحدة أراضي جاراتها، وبالأخص، تركيا.

خامساً، رفضها التحسّب، ثم التصدي للتدخل الروسي المباشر الذي بات اليوم حقيقة واقعة في مناطق متعددة من سوريا. ولقد أسهم هذا التدخل في مضاعفة محنة التهجير – ولا سيما بعد مأساة حلب – وإعطاء هذه المحنة أبعاداً دولية انعكست مآسي إنسانية وصعوداً لتيارات اليمين العنصري المعادي للأجانب في أوروبا.

بناءً عليه، أدت إدارة باراك أوباما، التي امتنعت حتى عن «ردع» الأسد، إلى تشجيع طهران وموسكو على تولّي زمام المبادرة في الشرق الأوسط، وإضعاف مواقف قوى كانت ترى في الولايات المتحدة صديقاً إن لم يكن حليفاً. والمؤلم في الأمر، أن هذه السياسة السلبية جعلت الكلفة الإنسانية والسياسية في سوريا باهظة، وإمكانية تغليب لغة الاعتدال على التطرف ضعيفة. ومن هنا، يمكن القول إن لجوء الرئيس الأميركي الجمهوري دونالد ترمب إلى قصف المطار الذي انطلق منه أخيراً الطيران الحربي حاملاً الغازات السامة لأهالي خان شيخون، يشكل بداية ردع.

كل ما كان مطلوباً من واشنطن أيام أوباما «الردع» الذي لم يأتِ. ردع آلة الموت والتهجير ورُعاتها ومحرّكيها.

وهذا يعني أنه لا يجوز أن تظل الضربة ردة فعل عابرة، بل يجب أن تكون مقدمة لاستراتيجية حقيقية، تتعامل بواقعية وصراحة مع قوى ثبت بالدليل القاطع أنها لا تقيم وزناً للحوار والتفاهم والتعايش وحقوق الإنسان.

لقد واصل نظام الأسد وداعموه مسلسل القتل، خصوصاً بعد إعلان واشنطن أن إزاحته ما عادت أولوية لها. وهذا يعني أنه لا نفع يرتجى من أي حوار معه. إذ لا يمكن القضاء على التطرف الداعشي إلا عبر دعم خيار الاعتدال، ولا فرصة أمام الاعتدال إلا بإزاحة من استغل غول التطرف، ودفع المظلوم واليائس إلى السكوت عنه.

باختصار، إنهاء هذا النظام ليس مطلوباً «كرمى لعيون» دونالد ترمب، بل احتراماً لذكرى الأطفال حمزة الخطيب ووسيم زكّور وإيلان الكردي وآية وأحمد عبد الحميد اليوسف… واحتراماً لدموع عمران دقنيش… وآلام كل أم وأب وأخت وأخ على امتداد سوريا.

*نقلاً عن “الشرق الأوسط”

 

 

 

أيُّ جوابٍ عن “رسالة” ترامب؟/ الياس الديري

حتماً فوجئ كثيرون في الغرب والشرق، وفوجئت دول وشعوب بالهجمة العسكريَّة الشرسة التي تلقّاها الوضع السوري برمّته، ومباشرة من الرئيس الأميركي الجديد الذي ملأ بحضوره وخطبه وتصريحاته، فضلاً عن تهديداته، القارات الخمس.

وركَّز الاهتمام الدولي، للمرّة الأولى ومنذ سنوات، على البيت الأبيض والرئيس دونالد ترامب الذي شغل العالم بكل ما يصدر عنه من قرارات ومواقف، سواءً في اتجاه الداخل الأميركي أم عَبْر البحار والصحاري.

ولكن، لا بدَّ من الانتظار قبل الخوض في أبعاد ونتائج وأهداف هذه الضربة التي لم تكن متوقّعة أو مُحتملة بالنسبة إلى كثيرين من المسؤولين والخبراء الأميركيّين، كما بالنسبة إلى رؤساء وقادة ودول كبرى في العالم أجمع.

والانتظار في هذا الصدد يعني التريُّث أيضاً على صعيد الداخل اللبناني، وخصوصاً لجهة مأزق الاستحقاق النيابي، وقانون الانتخاب، وفترة التمديد، وما قد يكون رابضاً خلف الأكمة وخلف المحاولات غير الطبيعيّة التي أدَّت إلى هذه “العقدة”، وما قد يستتبعها…

ومَنْ يدري، فقد تكون “الضربة” مجرَّد إنذار، أو مجرّد رسالة أوليَّة تخبّئ في أبعادها وطيَّاتها رسائل مُتعدَّدة، لا يقتصر تأثيرها على الوضع السوري “المجرّد”، بل يشمل كل الدول والقوى التي غمَّست يدها في صحن النظام ورئيسه.

إذاً، لا بدَّ أيضاً من إعطاء “الحالة اللبنانيّة” المُحاطة بعلامات الاستفهام والتعجُّب، ناهيك بموجات القلق والحذر من الأعظم، إجازة قصيرة، ريثما تنكشف المواقف الدوليَّة المؤثّرة والمتأثّرة من “رسالة” الرئيس ترامب، وبأسلوب وتوقيت وحجم قويّ الصدى والمضمون…

في العودة إلى الهمّ اللبناني المحشور في زاوية الاستحقاق النيابي، يكتشف بعض المخضرمين “رغبات صامتة” لدى فريق من اللبنانيّين… قد يتردّد في تجربة قلب الطاولة الانتخابية لفترة طويلة، وعلى غرار ما تسربل به الاستحقاق الرئاسي، وعلى رؤوس الأشهاد، ومن غير اهتمام بتدخُّل وساطة الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند ودزّينة من الدول الأوروبيّة والعربيّة.

ولِمَ لا يتأثَّر الوضع العربي بكل أزماته، في حال إكمال ترامب ما بدأه بموقف أكثر صلابة ووضوحاً، سواءً على الصعيد السياسي أم الصعيد الذي امتطته الرسالة الأولى؟

الأسئلة انهمرت أمس من كل حدب وصوب: ماذا تقول روسيا، وماذا عند إيران من ردود فعل، وماذا عن الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، على سبيل المثال؟

بل ماذا عن النظام السوري وحلفائه؟

*نقلاً عن “النهار”

 

 

 

 

 

 

زمن الوضوح الكيميائي/ الياس خوري

صواريخ التوماهوك الأمريكية، التي قال السيد دونالد ترامب إنها جاءت رداً على قصف طائرات بشار الأسد لخان شيخون بالكيميائي، لم تكشف جديداً، رغم طابعها المسرحي، مؤكدة على ما سبق وان بات جلياً في المواقف الدولية والاقليمية من المأساة السورية.

كشفت أولاً أن الولايات المتحدة سواء بإدارتها الترامبية الحالية أو زمن باراك اوباما ليست معنية بمصير الشعب السوري، ولن تكون حليفة الا لطرف واحد في المنطقة هو إسرائيل. أما من يدّعي انه حليف للولايات المتحدة فهو مجرد تابع ذليل لن يرتقي حتى إلى مستوى العميل.

وكشفت ثانياً، أن نظام الاستبداد في سوريا، ماض في تنفيذ هدفه الوحشي، متكلاً على حليفيه الروسي والإيراني. فهدف النظام هو تدمير سوريا على رؤوس ابناء شعبها، لأنه لا يستطيع أن يرى في السوريات والسوريين سوى عبيد للسلالة الحاكمة ومافياتها العسكرية والأمنية والاقتصادية.

انتظار الغوث الأمريكي كان وهماً إجرامياً، والاحتفاء بالصواريخ الأمريكية على مطار الشعيرات في حمص، ليس سوى احتفال العاجزين بعجزهم. فالضربة الترامبية لم تكن أكثر من حدث اعلامي. فهذا الرئيس الذي لا يتقن سوى وضع الماكياج على وجهه، والوقوف كممثل تلفزيوني رديء أمام الكاميرات، كي يعطي العالم دروساً في حب الأطفال، لم ولن يفعل شيئاً لأجل حماية المدنيين السوريين الذين يموتون اختناقاً وتحت الأنقاض.

الهدف الذي وضعه جورج دبليو بوش ومارسته من قبله ادارة كلينتون، خلال الحصار الوحشي الطويل للعراق، هو اعادة المنطقة إلى العصر الحجري، لا يزال هو الهدف الأمريكي الحقيقي. ترامب أضاف لمسة مسرحية على هذا الهدف، عبر ضربة محدودة وغير مؤذية، وهدفها إعلامي فقط. العنصري الذي يكره الأجانب ويحتقر العرب والمسلمين يقف مدافعاً عن أطفال خان شيخون! انها مجرد مسرحية متلفزة، لن تغير شيئاً كبيراً في معادلة الصراع الوحشي في سوريا وعليها.

امريكا وحلفها الامبريالي مع إسرائيل وأتباعها العرب، ليسوا معنيين بحق الشعب السوري في الحرية والحياة، بل هم معنيون بتحطيم سوريا واخراجها من خريطة المنطقة.

أما نظام الكيميائي، الذي لا يشبع من مشاهد الموت والدمار، فهو يتابع بلا هوادة حربه من أجل تهجير الشعب السوري وإذلاله وقتله. لم يعد هدف النظام هو حكم سوريا عبر الإذلال، أي أن الاذلال لم يعد وسيلة حكم بل صار غاية في ذاته. فالاستبداد، الذي تعامل مع الشعب السوري بصفته شعباً من العبيد، واجه ويواجه الشعب بالطريقة نفسها التي يواجه فيها الأسياد تمرد عبيدهم، أي عبر تحويل الاذلال إلى هدف مطلق في ذاته، لأنه شرط استمرار العبودية. لذا فإن النظام ليس معنياً بمصير المدن والبلدات والقرى، فلتذهب سوريا بأسرها إلى الخراب، وليتحول العبيد إلى لاجئين ومشردين، وليموتوا بالكيميائي والبراميل.

اذلال السوريات والسوريين وتحطيم بقائهم كبشر هو الهدف الذي صار ممكناً بفضل دخول لعبة الصراعات الدينية – الهمجية على المعادلة. ميليشيات سنية وشيعية تتقاتل وتقتل الناس تحت رايات دينية، حجبت بالدم والنار الهدف الذي خرج السوريون من أجله إلى شوارع التاريخ، معلنين نضالهم من أجل الحرية والكرامة.

وكشف ثالثا أن روسيا الاتحادية تسعى، من خلال حلفها الكولونيالي الجديد مع إيران، إلى العودة إلى المنطقة ومد نفوذها، بصرف النظر عن مصائر السوريين والسوريات. فروسيا البوتينية، تشعر أن أزمة الغرب مع القيادة الأمريكية، والارتباك العنصري الأوروبي والأمريكي في مواجهة المهاجرين واللاجئين، يسمحان لها بالتسلل من جديد إلى موقع الدولة الثانية العظمى، عبر تغطية ضعفها البنيوي والاقتصادي بعضلاتها العسكرية. وهي تسعى من خلال حقول الموت السورية، إلى تطبيع وضعها الاوكراني، ورفع العقوبات الغربية عنها.

هذه المعطيات الثلاثة رغم وضوحها لا تبدد الضباب السياسي الذي يحيط بالكارثة السورية، فالتناقضات الدولية والإقليمية مستعرة، ولا يوجد أي معطى يشير إلى احتمالات توافق المصالح المتضاربة التي جعلت من سوريا ساحة صراع دموي شامل. ادارة ترامب المرتبكة والمرتجلة تريد توجيه رسالة الى الروس بأن تفردهم المطلق في سوريا ليس بلا شروط، كما أن حشد القطع البحرية أمام شبه الجزيرة الكورية هو رسالة مماثلة إلى الصين. لكن هاتين الرسالتين يلفهما غياب رؤية استراتيجية لم تجدها أمريكا الترامبية حتى الآن.

في المقابل فإن العتمة التي يعيشها المشرق العربي تزداد سواداً. العرب مثل السوريين صاروا خارج المعادلة. انها عتمة الاستبدادين: استبداد العسكريتاريا التي انجبت انظمة الطغم المتوحشة، واستبداد النفط الأصولي الذي انجب الجنون الداعشي. والمأساة هي أن هناك من يدعونا الى الاختيار بين الطاعون والكوليرا، ويوحي بأن الأنظمة التيمورلنكية هي الملجأ من جنون التكفيريين، وأن خوض حرب طائفية سينقذنا من الطائفية!

الطاعون الداعشي تسلل ويتسلل من ثقوب الاستبداد، مثلما ظهر في الاعتداءين الهمجيين على كنيستي طنطا والاسكندرية يوم عيد الشعانين، أو من تداعي الاستبداد كما يحصل في سوريا اليوم، كما أن الاستبداد يجد في داعش وأخواتها مرآته وشبيهه ومبرره. لكن هذا لا يعني انه لا وجود لخيار آخر، حتى اذا كان هذا الاخيار مغيباً فعلينا أن نخترعه.

وبداية الطريق إلى هذا الخيار تبدأ من الاعتراف بنهاية مرحلة تاريخية كاملة، وبناء أفق يتشكل من وعينا لدلالات هذه المآسي، ويؤسس لرؤية ديمقراطية جديدة، تولد وسط الصعوبات وتشق طريقها ببطء في الوعي والممارسة.

القدس العربي

 

 

 

 

استحالة القضاء على الإرهاب مع بقاء الأسد/ خالد غزال

لم يكن العالم بحاجة إلى مشاهدة ما تسببت به المجزرة الكيماوية الأخيرة في مدينة خان شيخون، ليرتفع صوته ضد بشار الأسد والمطالبة بعدم بقائه في السلطة في أي تسوية سياسية. فالمجزرة لم تكن الأولى في تاريخ القصف الكيماوي، ولن تكون الأخيرة. يُتوقع أن تهدأ الضجة بعد قليل، ويُستعاد الكلام عن التسوية السياسية المستحيلة من قبل النظام ورعاته الروس والإيرانيين.

يستدعي الموقف الأميركي من مقولة محاربة الإرهاب والنظرة إلى الرئيس السوري بعض التوضيحات. صحيح أن الرئيس دونالد ترامب ارتفع صوته خلال الأيام القليلة معلناً عن تغيير نظرته إلى الأسد ومعها السياسة الأميركية تجاه الأزمة السورية، وترجم ذلك بشن غارة على أحد مطارات سورية. لكن ادعى ترامب، قبل المجزرة، بأنه لا يريد تكرار سياسة أوباما التي كانت تقوم في أحد ميادينها على إزالة الأسد. هذا ليس صحيحاً مطلقاً. فالسياسة الأميركية قامت ولا تزال منذ اندلاع الأزمة السورية على إدارة حرب أهلية الهدف منها تدمير الكيان السوري، جيشاً ونسيجاً اجتماعياً وموقعاً مركزياً. أدركت الإدارة الأميركية أن نجاح الانتفاضة في إزاحة النظام الحالي قد تؤدي إلى قيام نظام وطني ينهي ما درج عليه حكم البعث من نسج علاقة فعلية للنظام السوري مع إسرائيل، جوهرها تسخير الجيش السوري وتحويله إلى حرس حدود للدولة العبرية. وهو موقف التزمه هذا النظام منذ العام 1973 حتى اليوم. ومن أجل نجاح الحرب الأهلية هذه وتحقيق أهدافها، كان لا بد من الوقوف بقوة في وجه إنهاء حكم الأسد، لأن بقاءه يوفر للحرب استمراراً كما هو حاصل حتى اليوم.

من المستغرب أن مقولة محاربة الإرهاب أميركياً وحتى عالمياً، لا تزال تنطلق من تعيين «داعش» مصدراً له. يتجاهل الأميركيون والغرب كيف نشأ «داعش» ومن رعاه ومكنه من الاستيلاء على الأراضي، سواء في تدمر أو في الرقة، ومن هدد بتحويل العالم إلى ساحة إرهاب عند استفحال الأزمة، وكيف نجح هذا النظام في انفلات الوحش الإرهابي من عقاله، وعدم سيطرته نفسه على الوليد المسخ الذي خلقه. إن عودة ترامب إلى تعيين داعش العدو المفترض محاربته، وتجاهل الأصل في خلق داعش هو تشويه لحقائق الأزمة السورية ولطبيعة الإرهاب الذي ولدته، وتعمية لحقيقة دور الأسد في استدامة داعش وانتشارها. في هذا المجال يجب قراءة الغارة الأخيرة في حدودها. لها وظيفة داخلية أميركية، كانت دقيقة بحيث تجنبت إصابة جنود روس. لكن الأهم ما رافقها من تصريح أميركي بأنها لا تقع في خانة إسقاط الأسد، بل هي رد مباشر على القصف الكيماوي.

لا يقتصر الإرهاب الحالي على التنظيمات المتطرفة من قبيل «داعش» وأخواته، بل يطاول ما يجري على الأرض السورية من أعمال ستؤسس لإرهاب مستدام خلال السنوات المقبلة، وبعد انتهاء الأزمة إذا ما قُيّد لها أن تنتهي. يُشار في هذا المجال إلى الفرز الديموغرافي الجاري على قدم وساق لإحلال مجموعات طائفية ومذهبية مكان أخرى، أو لنقل السكان من مناطق محددة وتوطين آخرين مكانهم، وذلك من قبيل ما يخطط له من نقل سكان من الزبداني والفوعة. هذا التوطين الجديد يصعب أن يؤسس مستقبلاً لحالة من الانفراج والتعايش السلمي بين السوريين. يجري فرز السكان على أساس مذهبي، وتغليب أقليات طائفية مستجدة على أغلبيات قائمة. إن مثل هذا الفرز سيؤدي إلى التأسيس لحروب أهلية مستقبلاً. فالواقع السوري الخاضع عملياً اليوم إلى استعمار مزدوج روسي وإيراني يجعل من عمليات الفرز هذه واقعاً على الأرض. فالنظامان متفقان في هذا الجانب، وإن بدت بعض التعارضات في جوانب أخرى.

قد تستمر موجة الاستنكار لفترة من الزمن، ترصد خلالها القوى المتدخلة في سورية ما سيخرج به الموقف الأميركي من عمليات أخرى بعد الغارة. من المفيد التعلم من التجربة ومن ذبذبات السياسة الأميركية. فبعد أن تبرد الموجة، ستدخل حسابات أخرى. فالتدخل الأميركي العسكري في شكل واسع لإسقاط الأسد سيواجه بموقف حازم من روسيا المتمسكة إلى النهاية، وبأي شكل ببقاء الأسد. كما سيصطدم بالموقف الإيراني الأكثر تشدداً ببقاء الأسد في وصفه ضمانة النفوذ الإيراني في سورية. لا أحد يأخذ في الاعتبار مواقف العالم الآخر، ولا واقع المعارضة السورية في الداخل. ما سنسمعه سيظل يدور في إطار الموقف المعنوي والكلامي.

إن النظرة التشاؤمية من واقع الأزمة السورية وما هو مطروح لها، يظل مصدره أن العالم لا يزال يقف أمام حدين: يريد محاربة الإرهاب، لكنه لا يستسيغ ذهاب الأسد تحت وهم أنه بطل محاربة الإرهاب. إن الخلاص من هذه المعادلة قد يمهد فعلاً لحرب حقيقية ضد «داعش» وأخواته.

* كاتب لبناني

الحياة

 

 

 

مصير الأسد في اللقاء الأميركي الروسي الأول؟/ روزانا بومنصف

تولي مصادر ديبلوماسية اهمية كبيرة للزيارة التي يعتزم القيام بها وزير الخارجية الاميركي ريكس تيلرسون الى روسيا غداة توجيه ادارة الرئيس دونالد ترامب ضربة عسكرية لمطار الشعيرات في سوريا كرد على استخدام النظام السوري سلاحا كيميائيا في قصف خان شيخون. فثمة الكثير على محك انطلاق العلاقة الاميركية الروسية عبر اللقاءات المباشرة وليس فقط عبر تبادل المواقف الديبلوماسية. وكان هناك اهتمام لمحاولة معرفة كيفية المقاربة من جانب الخارجية الاميركية وما اذا كانت ستكون مماثلة لمقاربة رئيسها السابق الوزير جون كيري الذي حظي بانتقادات لتسليمه بالكامل لروسيا في ملفات عدة لا سيما في سوريا علما ان مراقبين عديدين يعتبرون ان الضربة العسكرية التي وجهتها واشنطن الى سوريا انما تبعث برسالة من بين رسائل متعددة الهدف الى انها ليست كالادارة السابقة التي تركت تجاوز الخط الاحمر الذي حدده الرئيس باراك اوباما بنفسه من دون اي رد فعل يذكر. السؤال الاساسي في توقيت زيارة تيلرسون المقررة سابقا يتصل بماهية مفاعيل الضربة الاميركية وهل تغير من قواعد اللعبة في سوريا التي يعتمد الوضع فيها وفي تقرير مستقبلها على روسيا، وهل تعززت الاوراق الاميركية ازاء روسيا قبل بدء أول اللقاءات بين الجانبين بحيث غدا تموضعها الراهن افضل مما كان قبل اسبوع مثلا؟ فعلى وقع الاتفاق والتعاون او الاختلاف بين الولايات المتحدة وروسيا في المنطقة كما في ملفات اخرى يمكن ان يتقرر الاتجاه الذي يمكن ان تسلكه مسائل او ملفات حساسة عدة. وقد تبادل الجانبان الاميركي والروسي رسائل غير تصعيدية عملانيا على رغم التصعيد الكلامي في المواقف الذي رافق الضربة العسكرية وما بعدها. اذ استرعى اهتمام المصادر ان روسيا التي كانت ابلغتها واشنطن بالضربة لم تستخدم صواريخها الموجودة في قواعدها العسكرية في سوريا للرد او اجهاض الصواريخ الاميركية رغبة منها على الارجح في عدم الرغبة في اندلاع مواجهة عالمية بين الجانبين فيما احرجت روسيا من استخدام النظام السلاح الكيميائي التي اكدت خلو سوريا منه بضمانتها وفق ما اتهمتها واشنطن معتبرة انها فشلت في التزاماتها في سوريا. الا انها حافظت على وتيرة غاضبة اعلنت من خلالها تعليق التنسيق مع الولايات المتحدة في شأن الطلعات الجوية، علما انه امر لا يناسب الولايات المتحدة كما لا يناسب موسكو التي شجعت في الاساس على هذا التنسيق ولا تستطيع المخاطرة بالغائه. وهذه المواقف اتخذتها موسكو ردا على الضربة العسكرية لكن استباقا ايضا لزيارة وزير الخارجية الاميركي الذي لم يلغ زيارته المرتقبة لموسكو كما فعل نظيره البريطاني ولا موسكو الغت الزيارة من جانبها في مؤشر الى عدم الرغبة في زيادة التصعيد على رغم تناقض المواقف وتنافرها على خلفية قصف النظام السوري خان شيخون بالسلاح الكيميائي. كما تتوقف المصادر من جهة اخرى عند ما قاله وزير الخارجية الاميركي ريكس تيلرسون لبرنامج “واجه الامة” على محطة شبكة “سي بي سي” قبيل يومين من توجهه في اول زيارة الى روسيا كرئيس للديبلوماسية الاميركية في الادارة الجديدة من ان الروس لم يكونوا مستهدفين بتلك الضربة وكانت الضربة دقيقة جدا ومناسبة تماما ومقصودة جدا. واعرب عن امله في ان” نستطيع جعل الاطراف يجلسون الى الطاولة لبدء عملية المناقشات السياسية التي ستتطلب مشاركة الرئيس السوري بشار الاسد وحلفائه”. فما حصل لم يقلب الاولويات الروسية بالنسبة الى سوريا اقله في كلام وزير الخارجية الاميركي على رغم ان بند رحيل بشار الاسد من ضمن اولويات ادارة ترامب وفق ما يضغط البعض في اتجاهه في واشنطن ما اعاده الى الواجهة في تصريحات بعض المسؤولين. وهو ما يؤشر الى غياب استراتيجية واضحة لدى الادارة الاميركية ازاء سوريا وانها في طور بلورتها. لكن ذلك يعني ايضا ان لا تغيير جوهريا ازاء استمرار الاسد وجلوسه الى طاولة المفاوضات فيما انبرت روسيا الى الدفاع عنه قبيل وصول تيلرسون الى موسكو. فالاقتناع بوجود الاسد محاورا لم يعد موضوع نقاش بالاستناد على الاقل الى تجربة لبنان خلال الحرب والتي لعبت فيها سوريا دورا محوريا حيث كانت مطالبات متواصلة مثلا باستقالة الرئيس السابق الراحل سليمان فرنجيه لم تنجح كليا بدليل انتخاب سلفه وبقائه في الوقت نفسه ليكمل ولايته، وكذلك مع المطالبات اللاحقة باستقالة الرئيس السابق امين الجميل ورفض التحاور معه، الا انه بقي واضطر الجميع الى التحاور معه. ومع ان الحرب السورية اشد شراسة وابلغ اتساعا مما كانت عليه الحرب في لبنان فان ثمة قواعد تسري في كل الحروب ومن بينها موضوع بقاء الاسد او رحيله الذي يعتبر ديبلوماسيون انه غدا اصعب على الخارج ان يتقبل استمراره او رعايته لمستقبل سوريا في ظل سجله خصوصا في استخدام السلاح الكيميائي ضد شعبه. لكن المسألة تتصل بطبيعة الاتفاق بين الاميركيين والروس باعتبار انه الاساس على رغم وجود كلمة للقوى الاقليمية لا يمكن تجاهلها لكن هذه تتأثر بقوة اتفاق الجانبين الاميركي والروسي او باختلافهما وتتموضع للبناء على احد الخيارين في المرحلة المقبلة علما لكلا الخيارين تبعاتهما وانعكاساتهما في المنطقة والعالم.

النهار

 

 

 

 

صعوبة تحديد “العدو” في الشرق الأوسط/ جهاد الزين

بمعزل عن أنني من مؤيدي الرأي الداعي إلى تغيير النظام السوري بعد أي تسوية سياسية ديموقراطية ممكنة توقف الحرب في سوريا وتنشئ نظاما تعاقديا جديدا وتكون دائمة وتحمي كل مكونات الشعب السوري وتطرد التوحّش الأصولي الإسلامي، إلا أنني لستُ مقتنعاً، بالمطلق، أن النظام السوري هو الذي ألقى أسلحة كيماوية على شيخون.

الأسئلة بديهية جدا أولها:

ما مصلحته في ذلك؟

ثم لماذا يقوم بهذا العمل المكشوف، وسيكون بسبب انكشافه عملاً أحمق، في وضع عادي ولهدف عادي يومي من أهداف الحرب الدائرة وهو قصف شيخون في محافظة إدلب؟

والأهم لماذا لسبب محدود جدا من يوميات أعمال الحرب سيكشف النظام مسألة استراتيجية جدا هي استمرار امتلاكه لأسلحة كيماوية في وقتٍ حاميه الروسي الكبير هو جزء من الترتيب الدولي الرفيع المستوى الذي أدى إلى تخلّي النظام عن الأسلحة الكيماوية عام 2013 وإجباره المعلن والموثّق عبر الهيئات الدولية كان أكبر انتصار لسياسة الرئيس باراك أوباما خلال كل سنوات الحرب الست المنصرمة في سوريا. وهذا ما ينساه كثيرون الآن من أن إدارة أوباما حقّقت هذا الانجاز الاستراتيجي بمنطق توازن القوى في الشرق الأوسط.

هل يعقل أن يقوم النظام بعمل كهذا دون التشاور بل أخذ موافقة روسيا أو أن يكون حصل على أسلحة كيماوية من الروس أو من الإيرانيين دون معرفة الروس؟ ليس إلا لساذجٍ أن يقبل هذه الفرضيات من الناحية المنطقية. وفوق كل ذلك أن يستخدمها النظام من وراء ظهر الروس أو بموافقتهم وكلا الاحتمالين مستحيل.

من الناحية السياسية لا بد أن المخابرات الروسية أخبرت النظام السوري ما يعرفه أو يلاحظه كل المراقبين الجديين للوضع الأميركي في ظل الرئيس الجديد دونالد ترامب وهو أن هناك صراعا كبيرا كان دائرا داخل إدارة ترامب، التي لوحظ أنه شكّلها من تياراتٍ أيديولوجية وتقليدية مختلفة تراوح بين التيار المتشدد الترامبي ضد الإسلام الراديكالي وبين جنرالات وسياسيين من داخل المؤسسة التقليدية، وأن هذا الصراع يدور على تغيير أولويات دونالد ترامب في الشرق الأوسط، أولويات تشكِّلُ الضربة الصاروخية لقاعدة “الشعيرات” أول تغييراتها الواضحة بينما كان الرأي السائد بل الوضع السائد في الأشهر التي مضت على استلام ترامب هو أن سياسته الشرق أوسطية لم تتضح بعد؟

هل يعقل أن يقدِّم النظام عبر استخدام أسلحة كيماوية، على فرَض أنه يمتلكها، ورقة مجانية ضد نفسه لصالح التيار “المؤسسي” الأميركي الذي يريد الموازنة بين الحرب على الإرهاب والحرب على النظام السوري؟ أو أن يسمح الدهاء الإيراني المختبئ خلف الحليف الروسي والداعم الصيني بتعزيز أوضح نقطة في سياسة ترامب والوحيدة غير الغامضة وهي رغبة إدارته العملية في تحجيم بل إضعاف بل ضرب النفوذ الإيراني في المنطقة ولاسيما بعد الاتفاق النووي (دون المساس بالاتفاق نفسه!)؟

هناك عاملان ذاتي وموضوعي هنا:

الأول الذاتي، فقد بدأت بعض النخبة الأميركية من مراقبي السياسة الخارجية بطرح أسئلة حول العملية بل حول مصداقية التهمة الكيميائية وتطال الأسئلة ما إذا كانت العملية الصاروخية، التي هي أقوى عمل قام به الرئيس المرتبك منذ استلامه السلطة، تخدم هدفا داخليا هو إظهار مسافته عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في وقت تتجه التحقيقات الداخلية في الكونغرس إلى المزيد من الأدلة المحرجة على الدور الروسي خلال الحملة الانتخابية حتى بات من شبه المسلّم به أنه كانت هناك خطة روسية لدعم فوز ترامب ولكن دون أن تثبت أي علاقة شخصية مشبوهة حتى الآن لترامب؟!

لكن العامل الموضوعي هو الأهم. فتعقيدات الوضع في الشرق الأوسط ستُصعِّب مهمةَ تيار التوازن بين محاربة الإرهاب والتصدي للنظام السوري في واشنطن من حيث أن الأحداث نفسها، حتى دون تخطيط مؤامراتي بالضرورة، ستُظْهِر صعوبة تحديد العدو في الشرق الأوسط وأكبر دليل على ذلك العمل الإرهابي المريع أمس الأول ضد مصلّي كنيستي طنطا والاسكندرية. فهو بحد ذاته من حيث بشاعته وخطورته، يكشف بسرعة بعد قصف “الشعيرات” كم من الصعب على الولايات المتحدة تجاهل أن العدو التكفيري الأصولي هو العدو الأكبر الحاضر بقوة في صراعات المنطقة.

هكذا إدارة ترامب تجد نفسها بسرعة في معمعة عدم القدرة على حسم الأولويات أو إقناع الرأي العام الأميركي بأن تعدد الأهداف ممكن رغم تصريحات بعض المسؤولين كوزير الخارجية ريكس تيلرسون والمندوبة الدائمة إلى الأمم المتحدة نيكي هايلي.

إذا كان تحديد العدو مهمةً صعبة على الخارج المتعاطي بالشأن السوري فإن تحديد هذا العدو بات مهمة تدوِّخ شعوب ونخب المنطقة، وهي المتضررة الأصلية والكبرى من الحروب الجارية.

من هو العدو:

الإرهاب الأصولي السرطاني الذي يضرب حيثما كان ويهدد نسيج مجتمعاتنا التعددي الطائفي والديني؟

أم التخلف الاقتصادي التنموي المؤسَّس على فساد شامل؟

أم التخلف الثقافي الاجتماعي وعجز النخب السياسي؟

أم الحرب الأهلية السنية الشيعية الشاملة التي يديرها الوضع الإقليمي؟

أم الديكتاتورية التي جعلت دولنا دولا هشة بأنظمة متسلطة؟

أم الوجود الإسرائيلي الذي خلخل المنطقة منذ 1948 وينتقل اليوم إلى ضرب مشروع تسوية الدولتين؟ وهو صراع مسبِّب تجاوزتْهُ نتائجُه حتى يكاد يصبح ثانويا؟

أم مصالح الدول الكبرى التي أسست خرائط المنطقة وتدير تفتتها وربما ستعيد تنظيمها؟

النهار

 

 

 

التصعيد الأمريكي ـ الروسي: معالم مرحلة جديدة؟

رأي القدس

شهدت العلاقات الأمريكية الروسية تصعيداً غير مسبوق على خلفية استخدام النظام السوري لغاز السارين في بلدة خان شيخون الأسبوع الماضي والضربة الصاروخية الأمريكية التي تلته.

تمثّل ذلك بداية برفض روسيا الالتزام بموقف أممي في مجلس الأمن ضد استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا رغم أنها كانت الدولة الرئيسية الضامنة لتسليم ترسانة دمشق الكيميائية التي قدّرت وقتها بـ13 ألف طنّ، كما كانت، عمليّاً، المقاول الرئيسي للصفقة التي أنقذت النظام السوري من ضربة عسكرية مفترضة تنهي شرعيّته الدولية وتغيّر ديناميات الأحداث بتقديمها اقتراح التخلّص من تلك الأسلحة، كما أنها (الصفقة) أخرجت إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما من ورطة «الخطّ الأحمر» ومن حرج أوباما (حائز جائزة نوبل للسلام!) من اللجوء لاستخدام القوّة ضد نظام بشار الأسد عام 2013 (متهيّبا بالتأكيد من تاريخ سلفه جورج دبليو بوش وكارثة التدخل في العراق).

قبول الإدارة الأمريكية الجديدة باستخدام السلاح الكيميائي بتلك الصورة الواسعة من جديد كان يعني، بالضرورة، قبولها إلغاء الاتفاق الدولي السابق وتشريع مراكمة النظام السوري للأسلحة الكيميائية واستخدامها ضد السوريين، كما يعني، بشكل ضمنيّ، مصادقة أمريكية للحلف الروسي ـ الإيراني في سوريا على فتح سابقة عسكرية وسياسية جديدة غير متّفق عليها مع الأمريكيين (والدول الغربية) من قبل.

الغضب الروسي ـ الإيراني الذي تمّ التعبير عنه أول أمس ببيان وزعته وكالة أنباء رويترز ويتحدّث عن قيادة مركزية للبلدين (ملحق بها «حزب الله» اللبناني) ويعتبر الضربة الأمريكية على مطار الشعيرات السوري عدواناً واختراقاً لـ»الخطوط الحمراء»، ويهدد باستخدام القوة ضد الولايات المتحدة الأمريكية، كان صعباً استيعابه من قبل الأمريكيين لأن استخدام الأسلحة الكيميائية أمر يلغي بالتأكيد الاتفاقات السابقة والتي تمت متابعتها من قبل مجلس الأمن والأمم المتحدة.

يندرج الغضب الروسي والإيراني في واقع أن حلف البلدين مع نظام الأسد قلب موازين القوى داخل البلد لصالحهما وأدّى لتغييرات استراتيجية فيه، وصار الوضع جاهزا لإقرار تسوية تعيد نظام حكم الأسد على باقي سوريا مقابل تطعيم حكومته ببعض وجوه المعارضة التي قاتلته ست سنوات، وبالتالي فعلى الأمريكيين والدول الغربية المشغولين أساساً بتدمير تنظيم «الدولة الإسلامية» وشقيقه «القاعدة» في سوريا والعراق، قبول هذا الواقع والتعامل معه، وخصوصاً لكون إدارة ترامب نظّرت مبكرا لتنسيق استراتيجي مع روسيا كما تقبّلت فكرة بقاء الأسد وهو أمر، ربما لعب دوراً، في قرار دمشق وموسكو في تجريب فكرة «الحل النهائي» بإبادة المعارضة السورية مع حاضنتها البشرية بالغازات السامة.

غير أن اندفاع الأسد وحليفه في الكرملين فلاديمير بوتين بهذا الاتجاه «الكيميائي» كسر أبواباً كانت، ربّما، مؤهّلة للكسر ولم تكن تحتاج غير خطوة من هذا القبيل، فإدارة الرئيس الأمريكي ما تزال تخوض معارك سياسية وإعلامية حرجة تربط نجاح ترامب بتدخّل روسيّ في الانتخابات الأمريكية، كما أن سياساته الداخليّة (كقرار حظر مواطني دول مسلمة من دخول أمريكا، وتعديل قانون «أوباما كير» الصحي) تلقّت ضربات موجعة، فيما تراجعت نظرية «أمريكا أوّلاً» وتم إخراج منظّرها، ستيف بانون، من طاقم ترامب الأمني.

يضاف إلى ذلك ظهور الخطر الكوري الشماليّ، والانعطافة الأمريكية الواضحة باتجاه الصين القادرة على «حلحلة» ذلك الملف النووي المرعب، وترافق ذلك مع العدوانية الروسية المستمرة، والحلف مع إيران (من دون التأثير على علاقات التنسيق الخاصة مع إسرائيل!)، لتتشكل في واشنطن معالم خيار استراتيجي جديد يعيد آفاق التحالف مع العملاق الصيني في سبيل وضع حدّ للدب الروسيّ المتمدد في الشرق الأوسط وصاحب الوزن الكبير في أي انتخابات أوروبية (فرنسا مثالاً) والعامل على تفتيت حلف «الناتو»، والطامح إلى مزيد من مناطق النفوذ والبحار.

القدس العربي

 

 

 

ضربة ترمب… وأفول الأوبامية المترددة!/ تركي الدخيل

منذ أن تولّى ترمب سدة الرئاسة بالولايات المتحدة، والعالم يراقب سلوك الرئيس الجديد المثير للجدل، وبرغم عدم الجدية الذي قوبل به من نجوم السينما، ومعلقي الشاشات، ومحللي السياسات، فإنه أثبت يوماً بعد يوم أنه رجل قوي، وضمن إدارة قوية، ويدير الملفات الشائكة بعمقٍ سياسي لافت، والأهم من ذلك عودته إلى القيم الأميركية الكلاسيكية.

حين وقعت الضربة الأميركية على مطار الشعيرات، انبعث قاموس أميركا الطبيعي، كالحفاظ على الأمن القومي، ومصالح أميركا الاستراتيجية، والدفاع عن المجتمعات ضد الطغاة… وسياسة «التدخل» جزء من سياسة أميركا، أن تحمي مصالح الولايات المتحدة، أو تتدخل للحفاظ على الأمن العالمي، فهي الأقدر على ضبط الإيقاع السياسي، لما تملكه من قوة، ولما تتمتع به من قيم.

كان التدخل الأميركي في منتصف القرن العشرين، يقوم على حماية الدول الحليفة ضد أي مد شيوعي، ومعروف خطاب أيزنهاور عام 1957 حين حذّر من تعرض الدول الحليفة بالشرق الأوسط، لأي عدوانٍ شيوعي، وتعهد باستعمال القوات المسلحة بشكلٍ مباشر بغية صد أي عدوان، وقد تدخّلت القوات الأميركية في لبنان عام 1958 من أجل تخفيف التوتر، في ظلّ ذلك الزخم لمبادئ أيزنهاور التاريخية، والدفاعية، والمباشرة، زار الملك السعودي الراحل سعود بن عبد العزيز، واشنطن في 30 يونيو (حزيران) 1957. يحلل الزيارة المؤرخ الفرنسي (جاك بونوا ميشان) في كتابه «الملك سعود – الشرق في زمن التحولات» معتبراً أنها جاءت بعد فشل العدوان الثلاثي على مصر، الذي نجم عنه «أفول السيطرة البريطانية على سياسات المنطقة، وحليفتها فرنسا التي بدأت تواجه الثورة الجزائرية، وبدأ الاتحاد السوفياتي بدعم الأقطار العربية». كان البحث يتعلّق بموضوع «سد الفراغ» في المنطقة خصوصاً مع الزحف السوفياتي الموبوء، وتشجيعه لأطرافٍ على حساب أخرى، وكان من ضمن نتائج الزيارة التعهد بالدفاع الأميركي عن المصالح والحلفاء، وهكذا أثمرت المبادئ تدخل أميركا المثمر، لتحرير الكويت عام 1990.

تدخل أميركا في لبنان، أو البوسنة، وكوسوفو، وأفغانستان، وليبيا، واليمن، وسوريا ضروري من أجل إحلال السلام. لقد تميزت الخارجية الأميركية في أوقات الذروة السياسية، بأنها المتدخلة دائماً بالحرب من أجل صناعة السلام، أمطرت أميركا ميلوسوفيتش بالطائرات، وأرسلت المدافع الثقيلة، وفي الوقت نفسه أعطته توقيت الجلوس إلى الطاولة، وأُرغم على اتفاق «دايتون» في 14 ديسمبر (كانون الأول) 1995. لهذا نادى كبار الاستراتيجيين بالولايات المتحدة، بأن تستعيد أميركا تجربة اتفاق «دايتون»؛ الحرب على مفاصل النظام، ومنعه من التحرك بسهولة، وسحق قوته حتى ينصاع إلى الطاولة، ويأتي إلى اتفاق سياسي موضوعي، تنتهي فيه مأساة أمة، وشعب، ودولة.

خُلِّدت أسماء رؤساء أميركيين، لأنهم تدخلوا في الوقت المناسب، من أجل الحفاظ على مصالحهم وتمتين قوة حلفائهم، ففي بداية الحرب العالمية الثانية لم يكن روزفلت يرغب في التدخل، غير أن إصابة فرنسا وبريطانيا الحليفتين للولايات المتحدة، بمقتل، جعلته يدعم الدولتين بالسفن والعتاد، وحين قتل أكثر من ألفي أميركي، أعلن روزفلت دخول الولايات المتحدة الحرب، كانت أغلبية الأميركيين ضد التدخل «المغامر»، غير أنه من أنجح القرارات، التي اتخذها رئيس أميركي على الإطلاق، إذ شقّ الحلفاء طريقهم الممهدة إلى النصر، وتغير وجه العالم.

ضربة ترمب بغض النظر عن مستواها وتأثيرها، أو إمكانية تكرارها، إلا أن الأهم أننا شهدنا تغيراً في السلوك الأميركي بالتعاطي مع الأزمات الدولية، والنكبات الإنسانية، والأنظمة الشمولية الديكتاتورية، ولن يكون بوسع إيران العبث كما تشاء في المنطقة، كما في سنين أوباما العجاف، ولن يكون النظام السوري بمنأى عن المحاسبة، ولن يفلت الرئيس السوري من جرائمه عاجلاً أم آجلاً، ذلك أن أميركا المعتادة والطبيعية قد عادت. هذه هي أميركا، ولطالما ردد ترمب ومقربوه «زمن أوباما انتهى».. .

الشرق الأوسط

 

 

 

لمن وصلت رسالة ترامب في سوريا؟/ سالم سالمين النعيمي

كيف لا يغضب الرئيس ترامب عندما يشاهد صوراً وأشرطة فيديو للأطفال الذين قتلوا في ضربة الأسلحة الكيميائية من قبل طائرات النظام الجائر، ويعطي الإشارة لجيشه العرمرم لكي يطلق ما يقارب من 59 صاروخ (كروز) على الجيش السوري في مطار الشعيرات وبغريزة الصقور الأميركية يهب فخامة الرئيس للانتقام للأرواح البريئة التي أزهقت على يد مجرم الحرب بشار الأسد ونظامه الذي لا يفرق بين مدني وعسكري. وللعلم فإن الرئيس ترامب هو نفسه الذي أغلق أميركا أمام اللاجئين الفارين من المذابح في سوريا!

وقد ذكر جانب أميركي رفيع المستوى بعد الهجمة أنه تم الاتصال بالجيش الروسي لتقليل أية فرص للإصابات الروسية – وخاصة الروس الذين يعملون خارج المطار المستهدف، وبطبيعة الحال لم يخبر الروس حليفهم الأول في الشرق الأوسط بشار الأسد، وتركوه يواجه الغضب الأميركي منفرداً لتدمر عدد من الطائرات ومدرج، ولربما قد تكون طائرات خارجة من الخدمة تركت من قبل الجانب السوري بعد التحذير الروسي لهم حتى يكون المشهد أكثر واقعية!

والسؤال هنا: ألم يكن أطفال سوريا يُذبحون ويشردون أمام مسمع ومرأى من العالم أجمع لسنوات طويلة؟ فنحن نعلم أن السياسية الخارجية الأميركية تعمل وفق مفهوم عدو يجاهرك العداء خير من صديق زائف. والرئيس الأميركي يواجه هجوماً إعلامياً كاسحاً في الداخل الأميركي وعريضة تهم وادعاءات طويلة وفضائح تدور حول الدور الروسي في الانتخابات الأميركية والعلاقة بين ترامب والرئيس الروسي بوتين وبعض أفراد الرئيس دونالد ترامب، كما أن شعبية الرئيس في هبوط متسارع، وهي المرة الأولى منذ 70 عاماً على الأقل، التي تتدنى فيها شعبية رئيس أميركي إلى هذا المستوى بحلول شهر أبريل من فترة ولايته الأولى، ولا يبدو أن مقولة إن الضربة السورية تقع ضمن نطاق مصلحة الأمن القومي الحيوي الأميركي صائبة، ومنع وردع انتشار الأسلحة الكيميائية لا يتوقف على ضرب قاعدة، بل ضرب من أدخل تلك الأسلحة إلى سوريا.

فالصور الشهيرة للوحشية في الصراع السوري أصبحت جزءاً من حياتنا اليومية، كما أن مخزون سوريا من الأسلحة الكيميائية يعرفه القاصي والداني، ولكن لماذا يختار بشار هذا التوقيت بالتحديد ليثير عليه مجدداً غضب العالم أجمع، ويهاجم المقاومة المعتدلة، ويذبح الأطفال بالغازات السامة بدلاً من مواجهة «داعش» والسيناريو برمته ليس فيه مكسب واحد لبشار الأسد، وهو ما يجعلنا نتساءل: ماذا حدث في واقع الأمر؟ وهل كان الجيش السوري النظامي يعلم بوجود الأسلحة الكيماوية عندما هاجم المخزن؟ فمن عام 2013، يعتقد بأن الأسد لم يستخدم عناصر محظورة بموجب اتفاقية الأسلحة الكيميائية (تشير بعض التقارير بأنه استخدم غاز الكلور).

وعلى الرغم من جرائم الحرب التي يرتكبها النظام، والتي لا يستطيع أن ينكرها أحد، وأهمية التخلص من بشار ونظامه، فإن السؤال الحائر هنا، هو: لمن ستُترك الساحة؟ وأمامنا التجربة العراقية خير برهان، ولذلك على الرغم من كل ما يجري ليس هدف الأميركان ولا الروس والصينيين ولا غيرهم ممن يدورون في فلكهم أن تقع سوريا في يد عدو مشترك لهم، وإذا تصاعد الهجوم الأولي المحدود إلى شيء أكبر بكثير، من تقييد الأسد ولكن إلى دفعه من الخروج من السلطة سيكون حينها التصرف الأميركي ممثلاً للإرادة الدولية، وقبل كل ذلك: هل حصل ترامب على موافقة الكونجرس لضرب القاعدة الجوية؟ فالتوقيت هو كل شيء للضربة ولكن ليس للكونجرس، هو ليس في حالة حرب والمنطق يقول إن قرار الضربة لم يتخذ أو قد اتخذ قبل فترة كافية تسبق حتى ما حدث للضحايا الأبرياء في سوريا، وهنا نتوقف عند السيناريو برمته ونضع علامة تعجب كبرى!

وتحاول إدارة ترامب تجنب الالتزام المفتوح في الصراع السوري من خلال التأكيد على أن هذه الضربة الأميركية استهدفت القاعدة الجوية التي تم فيها إطلاق الهجوم الكيميائي، والضربة ليست أكثر عقاب محدد للهجوم الكيميائي وليس جهداً أوسع يهدف إلى ضرب الأسد حتى يتوقف عن قصف المدنيين أو ترك السلطة. والضربات المحدودة، تاريخياً، تبقى دائماً محدودة، وليس لدينا أي فكرة عما إذا كان هذا سيوقف الأسد فعلاً عن استخدام الأسلحة المحظورة، أو مزيد من التصعيد الأميركي الانتقائي، وفي الوقت نفسه إجبار الجانب الروسي على تعاون أكبر مع الإدارة الأميركية وبما يخدم مصالح الجانبين معاً.

الاتحاد

 

 

 

القـتل بالسـلاح الكيـماوي هل أصبح مشـرّعـا دوليا؟/ عبد الوهاب بدرخان

السؤال موجّه إلى روسيا والصين، وإلى المجتمع الدولي كافةً، ليس بعد المقتلة المروّعة في «خان شيخون» فحسب، بل منذ الجريمة الأولى في معضمية الشام والغوطة الشرقية (أغسطس 2013) حين عوقب السلاح ولم يُعاقب القاتل، فأصبح موقناً بأنه يستطيع تكرار جريمته، وقد فعل عشرات المرّات، وبأن حلفاءه يؤيّدون حقّه في قتل شعبه ويحصّنونه من المساءلة والمحاسبة.

الضربة الأميركية محددة الهدف قد لا تردع النظام السوري، بل قد لا تردع حلفاءه الروس أو الإيرانيين إذ يطلقون عبره رسائل إلى الولايات المتحدة. وما يبرّر هذا السؤال أنه عندما لا يعود استخدام هذا السلاح محرّماً ولا مجرّماً، لأن روسيا والصين تعطّلان القانون الدولي، فلا بدّ أنهما تقترحان على العالم «شرعنة» هذا السلاح، لا لشيء، بل لأن حليفهما استخدمه، وليس للاعتبارات الإنسانية أو الأخلاقية أن تمنعهما من حمايته.

قبل أربعة أعوام، قيل إن قتل أكثر من ألف وأربعمائة إنسان بالغازات السامة كان «اختباراً» لـ«خطّ أحمر» حدّده علناً الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، وقد استجاب فعلاً باستعراض عسكري – سياسي استعداداً لتوجيه ضربة إلى النظام السوري. كان أوباما آنذاك في شبه قطيعة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بسبب منح موسكو موظف الاستخبارات الأميركية المنشق إدوارد سنودن لجوءاً لديها، لذلك قيل أيضاً إن روسيا هي التي شجّعت نظام بشار الأسد على القصف بالكيماوي استدراجاً لرد الفعل الأميركي.

لم يدم استعراض أوباما طويلاً، بل أفضى سريعاً إلى لقاءات مكثّفة بين وزيري الخارجية جون كيري وسيرجي لافروف وصولاً إلى اتفاق يجبر نظام دمشق على تسليم مخزونه الكيماوي ليتولّى خبراء منظمة حظر الأسلحة الكيماوية تدميره، وأصبح اتفاقهما قراراً في مجلس الأمن يحمل الرقم 2118 متضمّناً نص «بيان جنيف»، الذي يطلب إنشاء هيئة حكم انتقالي بصلاحيات كاملة كخطوة أولى على طريق حل سياسي للأزمة السورية، بل إن القرار يؤكّد معاقبة النظام (تحت البند السابع) إذا كرّر استخدام ذلك السلاح.

لم يمتثل النظام للمضمون السياسي للقرار، بل من الواضح أنه لم يسلّم كل مخزونه، أو أنه استطاع بناء مخزون جديد بمعرفة حليفيه الروسي والإيراني، بدليل أن الغازات واصلت الظهور بين حين وآخر في هجمات شتّى أمكن للمحققين الدوليين أن يحصروا ثلاثاً منها ويوثّقوها في تقرير قدّموه قبل نحو عام وحدّدوا فيه مسؤولية النظام (ومسؤولية تنظيم «داعش» عن واقعة واحدة).

لكن الروس، الذين أصبحوا على الأرض السورية ولا يتقبّلون إشكالية معاقبة نظام منحهم «شرعيته» للتدخّل، بادروا إلى رفض استنتاجات المحققين وأخضعوها لتمحيص طويل من دون أن يتوصّلوا إلى دحضها، فلم يبقَ أمامهم سوى السلاح المطلق غير القابل للجدل: الإنكار، إنكار كل شيء واعتبار الوثائق ملفّقة والأدلة مشكوك فيها والمحققين غير محايدين، وقد ساعدتهم الإدارة الأميركية السابقة على تمييع تحرّك فرنسي بريطاني لتفعيل المادة 21 من القرار 2118 لمعاقبة النظام.

بعدما تغيّرت الإدارة في واشنطن، أمكن في 28 فبراير الماضي طرح مشروع قرار في مجلس الأمن فاستخدمت روسيا والصين حق «الفيتو» لمنع إصداره. كان واضحاً على الفور أن تعطيل العقاب يسوّغ الجريمة، وأن عدم الاعتراف بالجرم ينفي مخالفته للقانون، أي أنه يشرّعه. بعد أقلّ من أسبوعين كان النظام يستخدم الغازات بنسبة محدودة في قتاله ضد الفصائل في الغوطة الغربية المحاذية لدمشق ولم يكن هناك ردّ فعل خارجي، لكنه بعد بضعة أسابيع استهدف المدنيين في خان شيخون.

لذلك قال المندوبون الفرنسي والبريطاني والأميركي لنظيريهم الروسي والصيني إن هذه الجريمة نتيجة مباشرة لـ«الفيتو» الأخير، ولذلك أيضاً قال دونالد ترامب إن الجريمة تجاوزت «خطوطاً كثيرة»، ممهداً لردٍّ أميركي بعد فشل العمل الدولي الجماعي.

عشية جريمة خان شيخون كان مترو سانت بطرسبورغ مسرحاً لاعتداء إرهابي ربطه البعض بالتدخّل الروسي في سوريا، لكن موسكو سخّفت هذه الفرضية.

وفي سعيها إلى تبرئة نظام دمشق اتهمت موسكو ضحايا الغازات وليس من أطلقها، معتبرةً أن مشكلة «الإرهاب الكيماوي» باتت قائمة.

على افتراض أنها محقّة ودقيقة في هذا التقدير، ألا ينبغي عليها أن تتذكّر أن النظام هو مَن استخدم أولاً هذا السلاح، وأنها أبدت كل الحرص على إفلاته من العقاب؟

ماذا عن تساؤلات كثيرة عن أن جريمة «خان شيخون» أرادتها روسيا «اختبارا» آخر لإدارة أميركية تأخّرت في التقارب الموعود معها؟

* كاتب صحفي لبناني.

الاتحاد

 

 

 

ضرب «الشعيرات».. الحدث التاريخي/ عبدالله بن بجاد العتيبي

مطار قاعدة «الشعيرات» العسكري التابع لنظام بشار الأسد تم تدميره بصواريخ أميركية فجر يوم الجمعة الماضي، فما هي دلالات هذه الضربة؟ وهل بالإمكان اعتبارها حدثاً تاريخياً؟ أم أن الواجب هو الانتظار حتى تتجلى سياسة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تجاه الأزمة السورية؟ أما دلالات الضربة فهي إعلان صارخ بأن أميركا لم تعد تنظر للعالم بعينٍ محايدةٍ وسياسة انعزالية بل إنها عادت للاضطلاع بمسؤولياتها الدولية ومكانتها المستحقة بوصفها أقوى إمبراطورية عرفها التاريخ البشري والواقع الحالي، وعودتها تعني إعادة النظر في العديد من المشكلات الدولية حول العالم.

ومن دلالاتها – كذلك – أن الساحة في الشرق الأوسط وأزماته، وتحديداً في سوريا والعراق لم تعد ملعباً لروسيا وإيران وحدهما يصولان ويجولان فقد عاد اللاعب الأكبر لينخرط مجدداً في الصراعات الإقليمية، وأن ملف الإرهاب وخاصة «داعش» لن يعود ورقة للمساومات والخداع بل ستواجه بسياسات عملية فاعلةٍ. وغير هذا هناك الكثير من الدلالات، أما هل يمكن اعتبار الضربة حدثاً تاريخياً؟ فنعم، هي كذلك حتى من دون الانتظار لاكتشاف السياسة الكاملة لأميركا تجاه الأزمة السورية، ذلك أنها دشّنت مرحلة جديدة من تاريخ المنطقة والعالم، مرحلة تعلن فيها الولايات المتحدة الأميركية أنها لن تسكت على الجرائم ضد الإنسانية التي ترتكب هناك.

إنها إعلان صريح بأن سنوات الانكفاء الأميركي قد انتهت، ثماني سنوات من الضعف وتضييع المصالح والعبث الدولي التي كانت تقودها إدارة أوباما قد ولّت، ثمان سنواتٍ من دعم أوبامي للنظام الإيراني عبر طرقٍ متعددةٍ منها التغاضي الفاضح عن كل أدوار إيران التخريبية والإرهابية قد وصلت لخط النهاية وانطلقت رؤية جديدةٌ في تناول كل الملفات التي أغفلها أوباما عمداً. حين تكون الضربة مؤشراً على العودة الأميركية للقضايا الدولية بكل ما تعنيه أميركا بوصفها القوة الأعظم في التاريخ والواقع لا عسكرياً، فحسب بل سياسياً واقتصادياً، وثقافياً وتقنياً، وغيرها كثير فإن هذه العودة هي حدث تاريخي دون شك. ولكن، وضمن هذا السياق، هل يجب الانتظار لمعرفة رؤية ترامب الكاملة للحل في سوريا؟ والجواب أيضاً هو نعم، لأن الأزمة السورية شديدة التشعب والتعقيد، والحلول المطروحة لها كثيرة ومختلفة باختلاف مصالح اللاعبين الكبار في المنطقة والعالم، وسيكون على الدول العربية والشعب السوري أن يساهموا بكل ما يستطيعون للتأثير في بناء هذه الرؤية والحلول السياسية المطروحة بما يضمن مصالح العرب ومصالح الشعب السوري.

الدول العربية ليست محايدةً تجاه الأزمة السورية، بل هي في غالبها وبخاصة دول الخليج العربي داعمة لحقوق الشعب السوري ورافضة لجرائم بشار الأسد والنظام الإيراني والغطاء الروسي، والجديد اليوم هو أن أميركا نفسها لم تعد محايدةً، بل أعلنت استعدادها عملياً للانخراط في الأزمة السورية، ويبقى السؤال إلى أي مدى؟ وكيف يمكن الاستفادة من ذلك؟ وهذا دور مهم من الواجب أن تلعبه هذه الدول.

في لحظات التغير التاريخي تنتصر الدول الأكثر جاهزيةً واستعداداً له وتستفيد الدول الأكثر مرونةً للتعامل معه، ودول الخليج العربي تعرف جيداً ما يريده الشعب السوري وتعرف جيداً كيف يمكنها مساعدته والوقوف إلى جانبه، إن على المستوى السياسي وإن على الأرض، بل إنها لم تتوقف يوماً عن دعم هذا الشعب المظلوم، ولم تنتظر حتى يتغير العالم.

في مواجهة إيران الدولة المارقة الأكثر شروراً في المنطقة والعالم فقد واجهتها هذه الدول في كل مكانٍ وحاصرت نفوذها وقللت من خطرها وتجاوزت بكفاءة عاليةٍ سنواتٍ ثمانٍ خرج فيها حليفها الأكبر أميركا من المشهد؛ ولذلك فهي مؤهلة اليوم لحصد مكاسب أكبر وتقديم دعم نوعي يغير المعادلات في تلك الأزمة المأساوية التي ليس لها مثيل في تاريخ العالم المعاصر.

*نقلاً عن “الاتحاد”

 

 

 

دلالات التصعيد الأميركي في سورية/ حسن نافعة

أسباب داخلية وخارجية كثيرة دفعت الرئيس الأميركي دونالد ترامب لاتخاذ قراره بالهجوم على مطار الشعيرات العسكري في سورية. ففي الداخل الأميركي كان ترامب يبدو رئيساً ضعيفاً وعاجزاً ومرتبكاً ومحاصراً ويفتقر إلى الحد الأدنى من الخبرة والمهارة السياسية اللازمين لقيادة أكبر قوة ظهرت على وجه الأرض. فالتظاهرات المناهضة لشخصه لم تنقطع منذ بداية تنصيبه رئيساً، تعبيراً عن رفض قطاعات شعبية عريضة له وقلقها من سياساته المتوقعة في ضوء تصريحاته ومواقفه المتطرفة إبان الحملة الانتخابية، والمؤسسة القضائية ترفع في وجهه قفاز التحدي وتبدو مصرة على عدم منحه الفرصة للعبث بالدستور والقانون والقيم الأميركية الأصيلة والراسخة. وهي تمكنت من إسقاط قرارات، رأتها تمييزية وعنصرية، كان ترامب اتخذها تحت ذريعة مكافحة الإرهاب لمنع المسلمين من دول بعينها من دخول الولايات المتحدة. والكونغرس بدا متوجساً من حماقات ترامب المحتملة وأبدى عدم استعداده لمنحه شيكاً على بياض لتمرير ما يراه من قوانين، على رغم تمتع الحزب الجمهوري الذي يقوده بغالبية واضحة في مجلسيْ الكونغرس، وحال دون تمكينه من إلغاء برنامج أوباما للتأمين الصحي الذي يستفيد منه 20 مليوناً من الفقراء الأميركيين. والأهم من ذلك أن ترامب نفسه أصبح موضوعاً للسخرية وهدفاً لاتهامات تشكك في نزاهته الشخصية وفي استقامته الأخلاقية، وتصفه بأنه رجل لا يتورع عن التهرب من دفع الضرائب، ويجامل أقاربه ومعارفه من دون أي اعتبار للكفاءة المهنية أو المواءمة السياسية، ولديه علاقات مريبة بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي تدخل لمصلحته في الانتخابات الرئاسية الأميركية ولولاه لما تمكن من دخول البيت الأبيض.

أما على الصعيد الخارجي فقد بدت معظم الأوساط العالمية، بما في ذلك الحلفاء التقليديون للولايات المتحدة، ليست فقط متوجسة من حماقات ترامب المحتملة وعدم خبرته في الشؤون الخارجية، وإنما بدت صورة إدارته برمتها مهتزة، خصوصاً عقب الإقالة أو الاستقالة السريعة لعدد من أقرب معاونيه. فجأة بدأت وكالات الأنباء العالمية ومواقع التواصل الاجتماعي تتناقل صوراً مرعبة لعشرات الضحايا من المدنيين السوريين، مؤكدة أنهم سقطوا عقب غارة جوية شنّها النظام السوري على منطقة خان شيخون استخدمت فيها أسلحة كيماوية محرمة دولياً. وعلى رغم أن النظام السوري نفى تماماً استخدامه أسلحة كيماوية لم يعد يمتلكها (بعد إجباره على التخلص منها)، وبدا مستعداً لاستقبال لجنة تحقيق دولية محايدة، أصر ترامب على توجيه الاتهام له وتحميله المسؤولية كاملة وقرر توجيه ضربة عسكرية إلى قاعدة الشعيرات الجوية التي ادعى أن الغارة الجوية التي استخدمت فيها أسلحة كيماوية انطلقت منها، وبدا واضحاً أن هذا الحدث يتيح أمامه فرصة فريدة لتغيير صورة إدارته تماماً في الداخل والخارج، وأظن أنه نجح في ذلك إلى حد بعيد. فدونالد ترامب يبدو الآن بعد قيامه بتوجيه هذه الضربة، رئيساً أميركياً قوياً، لا يميل كثيراً للثرثرة واللغو وإنما إلى الإنجاز والفعل، ولديه القدرة على كسب ثقة الأصدقاء وإجبار الأعداء في الوقت نفسه على خشيته واحترامه. لذا فالأرجح أن يكون الهدف الرئيس من قراره بتوجيه ضربة عسكرية إلى سورية هو استعادة الثقة في إدارته بعد أن اهتزت صورتها كثيراً في الداخل والخارج، على رغم عدم استبعاد وجود أهداف أخرى موضوعية لا تقل أهمية. فالضربة حملت في طياتها رسائل مختلفة أريد لها أن تصل إلى أطراف عدة في الوقت نفسه (بعضها حليف للولايات المتحدة وبعضها معاد لها)، وبات واضحاً أن محصلة التفاعلات الناجمة عنها ستصب في النهاية لمصلحة دونالد ترامب وإدارته، موقتاً على الأقل. وإذا تجاوزنا الداخل الأميركي، وهو الطرف الذي نعتقد أنه المستهدف الأول بهذه الضربة كما سبقت الإشارة، وحاولنا البحث عن العناوين الأخرى المستهدفة، سنجد أن الضربة الموجهة لسورية تبعث برسائل متنوعة إلى أطراف خارجية في الوقت نفسه، وذلك على النحو التالي:

1 – رسائل طمأنة للحلفاء، خصوصاً دول مجلس التعاون الخليجي وتركيا وغيرها من الدول التي تشعر بالقلق إزاء تمدد النفوذ الإيراني في المنطقة. فقد أصبح بمقدور دونالد ترامب بعد هذه الضربة، استعادة ثقة دول حليفة بعد طول اهتزاز في عهد أوباما وإشعارها من جديد بأن سياسة الولايات المتحدة تغيرت وأن رئيسها الجديد بات يدرك بصورة أفضل خطورة التمدد الإيراني في المنطقة وسيسعى بجدية لوقفه حتى لو استدعى الأمر استخدام القوة. غير أن ترامب يمكن أن يسعى جاهداً لتوظيف هذه الثقة المستعادة ليحصل على كل ما يفيد تحقيق استراتيجته الأساسية التي تلخصها عبارة «أميركا أولاً»!

2 – رسائل تخويف للأعداء، خصوصاً إيران و «حزب الله»، مفادها أن زمن الانسحاب الأميركي قد ولى، وأن الولايات المتحدة باتت الآن مصممة أكثر من أي وقت مضى ليس فقط على العودة إلى المنطقة مرة أخرى وإنما أيضاً على البقاء فيها دفاعاً عن مصالحها الإستراتيجية والاقتصادية. وفي هذا السياق يمكن القول إن الإدارة الأميركية الجديدة تريد أن تقول لكل المناوئين للسياسات الأميركية في المنطقة وفي العالم كله إنهم يرتكبون خطأ فادحاً إن هم رسموا تصوراتهم ورؤاهم لمستقبل المنطقة والعالم بناء على افتراض الغياب الأميركي أو العودة من جديد إلى سياسة العزلة التي مارستها الولايات المتحدة في مراحل تاريخية سابقة، وإن الاحتماء بروسيا أو بغيرها لن يفيدهم كثيراً.

3- رسالة تحذير إلى روسيا لدفع بوتين لتغيير سياساته بما يضمن أخذ المصالح الأميركية في المنطقة في اعتباره، وعدم التمادي في اندفاعه لبناء علاقات تحالف مع الدول والقوى المعادية للولايات المتحدة في المنطقة، وفي مقدمها إيران ونظام بشار الأسد و «حزب الله». وفي هذا السياق يمكن القول إنه ليس من المستبعد إطلاقاً أن يكون أحد الأهداف الرئيسة للضربة الأميركية في سورية دق إسفين في العلاقة بين روسيا الاتحادية من ناحية، وكل من إيران والنظام الحاكم في سورية و «حزب الله»، من ناحية أخرى.

غير أن تحقيق هذه الأهداف بالكامل سيتوقف في نهاية المطاف على رد الفعل الروسي على الضربة الأميركية. فإذا أخذ هذا الرد شكل التحدي للإدارة الأميركية وقرر بوتين ضخ المزيد من السلاح النوعي للجيش السوري والانغماس بصورة أكبر في العمليات العسكرية المباشرة، ببناء أنظمة مضادة للصواريخ ودعم الاستحكامات الدفاعية في كل المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري وزيادة عدد طلعاته الجوية لتمكين هذا النظام من إلحاق هزيمة عسكرية بكل فصائل المعارضة، وليس فقط بالفصائل المصنفة دولياً بالإرهابية، فمن المتوقع أن يدخل النظام العالمي حينئذ في دوامة أزمة كبرى تتحول فيها سورية إلى كوبا جديدة تذكرنا بأزمة الصوريخ في بداية ستينات القرن الماضي. أما إذا أمكن الطرفين توظيف التصعيد الأميركي لبناء علاقة أميركية- روسية جديدة تسمح بحل سريع وجذري للأزمة السورية فسيكون ذلك بمثابة تطور إيجابي مهم يساعد على تحقيق السلم والأمن الدوليين بصورة أفضل.

وليس مستبعداً أن يكون هذا النوع من التفكير الإيجابي حاضراً في ذهن الإدارتين الأميركية والروسية في اللحظة الراهنة وأن يكون هو محور الاتصالات الجارية حالياً بين القطبين الكبيرين. وعلى أي حال فمن المتوقع أن تتضح الأمور بصورة أكبر في نهاية زيارة وزير الخارجية الأميركي لموسكو هذا الأسبوع.

وعلى أي حال، فقد أكد الهجوم العسكري الأميركي على سورية شيئاً أساسياً، كان متوقعاً من قبل وهو أن ترامب رجل يمكن أن يفعل أي شيء ولا يمكن التنبؤ مسبقاً بقرارته أو باتجاه حركته.

* كاتب مصري

الحياة

 

 

 

 

 

سوريا: ما وراء الضربة الأمريكية/ د. مدى الفاتح

ما يزال سوق التحليلات والتكهنات مشتعلاً بشأن الضربة الأمريكية الأخيرة على سوريا، ورغم مرور عدد من الأيام على ذلك الحدث الذي فاجأ الكثيرين، إلا أن تلك الأسئلة التي طرحت منذ اللحظات الأولى للخبر ما تزال تبحث عن إجابة.

جاءت الضربة بعد تصريحات للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فُهم منها أنه يرى أن تنحية الأسد ليست من أولوياته، وهو ما حلله كثيرون باقتراب أمريكي من المعسكر الروسي الإيراني، ما قد يؤدي لتغيير الكثير من الأحداث والحقائق على الأرض، إلا أن الرئيس الأمريكي لم يلبث أن غير وجهة نظره، معلناً أن الولايات المتحدة ستقوم بضرب أهداف سورية على خلفية استخدام السلاح الكيميائي في خان شيخون.

هل جاءت الضربة فعلاً ردا أمريكيا غاضبا على النظام السوري الذي تجاوز كل الحدود؟ ولماذا كل هذا الغضب تحديداً بعد استخدام الغازات الكيميائية؟ أخذا بالاعتبار أنه إذا كان الغرض هو حماية الشعب السوري فإن الموت بهذا السلاح لا يختلف في نتيجته النهائية عن الموت ببرميلٍ متفجر أو قصفٍ أو تحت حصارٍ خانق وجوع، فإذا كان المنطلق إنسانياً فإنه يتوجب حماية المدنيين من كل أشكال تهديد الحياة، وليس على طريقة «استخدم وسيلة أخرى للقتل غير الغازات السامة».

وإذا كانت إنسانية ترامب هي المحرك الفعلي لتلك الضربة، فلماذا جاءت محدودة ودعائية وضعيفة، بشكل جعل الطيران النظامي ينطلق من المطار المقصوف ذاته بعد ساعات، ليتابع استهداف الإرهابيين المفترضين في خان شيخون نفسها؟ لماذا لم تكن أقوى وأكثر تأثيراً وفعالية؟ هل تم إبلاغ روسيا بالفعل بشكل مسبق كما أشيع؟ وإذا كان ذلك قد تم فلماذا أظهرت كل ذلك القدر من الصدمة والغضب؟ أم أنها كانت تتوقع ضربة «أكثر رمزية» مما حدث؟

هناك أمر آخر يتعلق بارتباط هذه الضربة بالداخل الأمريكي، فمن الواضح أن الرئيس ترامب استعاد بعض الشعبية، وهو يظهر لأول مرة بشكل إنساني معلناً أن بلاده لن تسمح باستمرار هذه الأحداث، وأنه يجب القيام بشيء ما لأنه يجب عدم تعريض الأطفال لهذا الألم. تماشت هذه العبارات مع الصدمة التي أحست بها الجماهير داخل الولايات المتحدة وخارجها، وهم يرون صور القتلى، خاصة الأطفال الذين ماتوا اختناقاً، وكانت فرصة للرئيس ترامب لأن يعلن، بشكل غير مباشر، أن أمريكا استعادت دورها الذي تستحقه على خريطة العالم وأنها لن تسمح باستمرار الفوضى.

مشكلة هذا الموقف الجديد يمكن تلخيصها في نقطتين، الأولى هي أنه غير مقنع ويبدو مفاجئاً لجميع من تابع صعود الرئيس الجديد، فقد كان ترامب أبعد ما يكون عن التعاطف الإنساني وهو يخص اللاجئين السوريين بالمنع من الدخول إلى بلاده، كما أن طائراته ما تزال لا تجد حرجاً في قصف مواقع متكدسة بالمدنيين، كما يحدث حالياً في أكثر من مكان في العراق.

المشكلة الثانية تتعلق بحالة الالتباس التي ولّدتها الضربة، فهي تتناقض مع تصريحات ترامب السابقة حول ضرورة الانكفاء والاهتمام بالشأن الداخلي، فهل تغير ذلك؟ وهل يرغب الرئيس الأمريكي بالعودة مرة أخرى إلى المنطقة؟ رغبة سوف تصطدم لا محالة بروسيا التي باتت تضع يدها على سوريا وتتحكم في أهم منافذها. هذا البعد الداخلي والشخصي المتعلق بالرئيس ترامب لا يمكن التقليل من شأنه، فقد تابعنا وصول الاستياء من الرئيس الذي بدا فاشلاً وبعيداً عن الابتكار إلى قمته، وهو استياء وصل حد التفكير الجدي في الإطاحة به عبر البدء في اتخاذ خطوات قد تقود إلى تشريع قانوني يوسّع من فرص تنحية الرئيس المنتخب في حال إضراره بالمصالح الأمريكية.

وسواء بالنسبة لقراره منع مواطني بعض الدول الإسلامية من الدخول، أو تصريحاته الأخرى المنددة بمشروع أوباما للتأمين الصحي المعروف باسم «أوباما كير»، فقد كان ترامب يمثل خيبة الأمل الحقيقية بالنسبة للملايين.

من جهة أخرى فإن هذه الضربة أعادت إلى الأذهان الموقف الضعيف والمتردد للرئيس السابق أوباما من المسألة السورية وتداعياتها المؤلمة، بما فيها السلاح الكيميائي الذي استخدم بشكل موثق منذ عام 2013. نذكر كيف استسلم حينها الرئيس أوباما بشكل غامض للطرف الروسي، الذي اقترح تحت وطأة الصدمة الدولية، ومن أجل التغطية على الجريمة، أن يتم منح النظام فرصة لتسليم ما بحوزته من سلاح كيميائي. أوباما الذي كان قد اعتبر في تصريح شهير أن استخدام ذلك السلاح الفتاك خط أحمر، لم يلبث أن ابتلع تصريحه مانحاً النظام مهلة طويلة للتخلص من خزانته الكيميائية. المشكلة لم تقتصر على المهلة، بل إن المجتمع الدولي، الذي كان يمثله آنذاك أوباما، لم يقترح أي وسيلة عملية للتفتيش أو للتأكد من انتهاء المخزون الكيميائي، كما لم يقدم أي تهديد جاد لردع النظام عن الوصول لذلك الخط الأحمر مجدداً.

بحسب الأمم المتحدة وغيرها من المصادر المحايدة، فإن النظام لم يتوقف عن استخدام هذا السلاح وإن كان ذلك يتم بشكل محدود. الفرق هو أن هذا الهجوم الأخير على خان شيخون كان الأكبر كما أنه حظي بتغطية إعلامية واسعة جعلت موقف أنصار الأسد في أضعف حالاتهم، لدرجة أن الرئيس الصيني الذي كان في البيت الأبيض حينها، والذي يصنف من ضمن داعمي النظام، لم يستطع أن يمنع ترامب من تنفيذ تلك الضربة.

كان تلك الضربة مهمة للرئيس ترامب الذي ما يزال يعيش أجواء المنافسة مع فريق أوباما، فكأنه أراد أن يقول إنه إذا كان صاحبكم قد قدّم الكثير من العبارات العاطفية وذرف الكثير من الدموع، فإنه لم يجرؤ على القيام بأي تحرك جاد تجاه هذه القضية. إن أهمية هذا التحرك، على محدوديته، تأتي من أنه جاء من قبل رئيس اتهم منذ البداية بأنه حليف لروسيا وصديق لزعيمها بوتين. أما كيف ستتطور الأحداث فسؤال صعب لن تجيب عليه سوى التحركات الأمريكية المقبلة، فهل ستكون هذه الضربة هي البداية والنهاية؟ أم أن الرئيس الأمريكي سوف يقوم بخطوات أكبر لتغيير معادلات القوة في سوريا، خطوات كفرض حظر جوي أو توسيع تعريف مكافحة الإرهاب لتشمل الميليشيات التابعة لطهران أيضاً؟ أو دعم الجيش الحر بشكل فعال أو على الأقل العمل على إزالة كل العقبات الحقيقية في وجه إيصال المساعدات للمتضررين؟

الإجابة على كل ذلك ستتضح على الأكثر خلال بضعة أسابيع وعندها ستقطع الإدارة الأمريكية قول كل خطيب.

كاتب سوداني

القدس العربي

 

 

 

موهومٌ من يظن أن دونالد ترامب يهمّه مصير أطفال سوريا/ جلبير الأشقر

يسهل تفهّم الفرح الذي تملّك العديدين عندما وصلهم نبأ قصف الولايات المتحدة لقاعدة الشعيرات الجوّية صباح السابع من الشهر الجاري. فإن حالة الإحباط واليأس التي سادت أوساط السوريين المناهضين لنظام آل الأسد ومن يتعاطف مع قضيتهم، من شأنها أن تولّد مثل ذلك الشعور مثلما يتعلّق الإنسان الذي يغرق بحبال الهواء، كما يُقال بمجاز جميل.

لكنّ الحقيقة المُرّة سريعاً ما فرضت نفسها: كانت تلك الضربة محدودة جداً وغير رادعة، وتشير كل الدلائل إلى أن خطّتها قد وُضعت بالأصل قبل أربع سنوات، عندما تخطّى النظام السوري على نطاق واسع «الخط الأحمر» الذي كان باراك أوباما قد رسمه أمامه.

ومن المعلوم أن ذلك «الخط الأحمر» كان في منتهى الخُبث والتمييز العنصري، إذ أن حظر استخدام السلاح الكيماوي نبع من همّ واحد وحيد هو أمن وسلامة دولة إسرائيل التي تخشى أن يلوّث استخدام ذلك السلاح أجواءها. ولم يمتّ حظر الكيماوي بصلة إلى أدنى حرص على سلامة الشعب السوري، بل رأى آل الأسد وحلفاؤهم في «الخط الأحمر» ضوءً أخضر لتقتيل السوريين بشتى أنواع الأسلحة «التقليدية»، بما فيها الأكثر همجية على طراز البراميل المتفجّرة.

وبصرف النظر عن ذلك النفاق المكشوف، فإن إدارة أوباما، تمشّياً مع الجبن الشديد الذي ميّز رئيسها (وهو الذي كان قد خاض حملته الانتخابية تحت شعار الجرأة: «أجل، نستطيع»)، كانت قد سارعت إلى تخفيض نبرة تهديدها بعد أن استفزّها النظام السوري. وقد بلغ الدرك الأسفل في ذلك وزير خارجية أوباما، جون كيري، عندما صرّح بأن الضربة التي كانت واشنطن تعدّ لها سوف تكون «محدودة جداً من حيث الحجم والهدف والمدّة»، بل «صغيرة بما لا يُصدّق» («unbelievably small»)! وقد علّق أحد الصحافيين ألأمريكيين على ذلك التصريح متهكّماً: «إنها لطريقةٌ غير معتادة لغرس الخوف في نفوس الأعداء: وعدٌهم بحرب صغيرة بما لا يُصدّق».

ويبدو أن تلك الضربة «الصغيرة بما لا يُصدّق» هي التي نفذّتها القوات البحرية الأمريكية قبل أيام. ففي تصريح أدلى به إثر الضربة، تعجّب الناطق الرسمي باسم وزارة الدفاع الروسية من محدودية نتائج الضربة، إذ أن 23 فقط من أصل 59 صاروخاً جوّالاً تمّ قصف القاعدة الجوّية بها أصابت الهدف بينما ضاعت الصواريخ الأخرى في البادية المجاورة.

وقال المتحدّث «إنه من الواضح اليوم أن ضربة الصواريخ الجوّالة الأمريكية جرى التخطيط لها قبل الحدث الأخير بوقت طويل»، بينما كان يقتضي أمرها أن يُصار إلى كشف جديد للموقع وإلى إعداد مجدّد لسُبُل الصواريخ. والحقيقة أن تدمير ثلاث طائرات للقوات الجوّية السورية بواسطة ستّين صاروخ توماهوك تعني عشرين صاروخاً لكل طائرة بكلفة تناهز مليوني دولار للصاروخ الواحد، أي ما يناهز أربعين مليون دولار لتدمير كل طائرة بينما سعر طائرة ميغ ـ 23 يتراوح بين أربعة وستة ملايين دولار…

والأهم من كل ما سبق ذكره أن الغاية الفعلية من الضربة التي قرّرها دونالد ترامب قبل تناوله العشاء مع الرئيس الصيني شي جين بينغ لم تمتّ بصلة هي أيضاً إلى أدنى حرص على سلامة الشعب السوري.

ويحتاج المرء إلى درجة عليا من السذاجة كي يصدّق زعم ترامب أن ما حداه على اتخاذ قراره هو مشهد «الأطفال الرُضُع الجملاء» (beautiful babies) ضحايا الاعتداء الكيماوي، وكأنها المرة الأولى التي يرى فيها صور أطفال رُضُع سوريين جملاء ضحايا همجية النظام السوري ومن لفّ لفّه. وقد تساءل أحد المعلّقين الأمريكيين بحكمة لماذا منع ترامب دخول أطفال سوريا الرُضُع الجملاء إلى بلاده إن كان غيوراً على سلامتهم مثلما ادّعى.

كانت لضربة ترامب في الواقع أكثر من غاية لا علاقة لأي منها بالأطفال الرُضُع. كانت غايتها الأولى صرف الأنظار عن تفاقم فضائح إدارته وتبديد الشبهات الخاصة بعلاقات جماعته المشبوهة بروسيا.

وكانت غايتها الثانية، والأهم على الأرجح، إثبات استعداده على استعمال القوة منفرداً وبشكل مباغت أمام ضيفه الصيني لحثّه على الضغط بقوة على نظام كوريا الشمالية كي يكفّ عن تطوير صواريخ عابرة للقارات من شأنها أن تشكّل تهديداً للأمن الأمريكي. وقد تكون غايتها الثالثة من وحي سياسة «التصعيد من أجل التخفيض»، وهو الشعار الذي لخّص به أحد محرّري صحيفة «واشنطن بوست» سياسة ترامب الخارجية، وذلك في مقال نُشر قبل أيام من ضربة الشعيرات. وسوف نرى كيف تتجلّى تلك السياسة بعد صدور هذه المقالة التي تمّت كتابتها قبل وصول ريكس تيلرسون، وزير خارجية ترامب، إلى موسكو، وبالتالي قبل معرفة نتائج تلك الزيارة.

وتبقى المعادلة التي تحكم موقف إدارة ترامب من النزاع في سوريا قائمة على أولويتين، هما القضاء على داعش والحدّ من نفوذ إيران. أما كل ما تبقى، ولا سيما مصير بشّار الأسد الشخصي (وليس مصير أقاربه وجماعته المتربّعين على حكم سوريا والذين لا يذكرهم أحد)، فخاضعٌ للتفاوض في إطار الصفقة الكبرى التي ينوي ترامب التوصّل إليها مع موسكو. وأما الشعب السوري، وأطفاله الرُضُع الجملاء، فآخر هموم ترامب على الإطلاق.

٭ كاتب وأكاديمي من لبنان

القدس العربي

 

 

 

 

 

ترامب وذراع أمريكا الطويلة: قراءة أولية/ د. مثنى عبدالله

من أسوأ الحالات التي تمر بها منظومة العلاقات الدولية، هو أن يتربع على عرش الدولة العظمى في العالم رئيس يصعب توقع أفعاله، ولديه هوس في الظهور محاطا بأعوانه وجميلاته، وعدسات التصوير التي تبرز منحنيات خطوط توقيعه على القرارات التي يتخذها.

هذه هي ميزة الرئيس الحالي ترامب، الحريص على أن تكون كل هذه الشعائر إعلانا عن وجوده الذاتي في موقع أعلى سلطة في العالم. عندها يصبح العالم مسرحا لتجارب عديدة تهدف إلى اختبار الرئيس الأقوى وقياس ردود أفعاله، كي ترسم الدول الطامحة خرائط تحركاتها في ضوء ذلك. لذا حاول الروس اختباره حين حلّقت القاذفات الروسية في البحر الاسود فوق بارجات أمريكية، وحين أرسلوا سفينة التجسس الروسية (فيكتور ليونوف) الى الشاطئ الشرقي للولايات المتحدة في فبراير الماضي. بدورها حاولت إيران اختبار ردود أفعال ترامب حين جرّبت صواريخها البالستية الجديدة مؤخرا، وشجعت ذراعها الحوثي في اليمن للتحرش بالسفينة السعودية في باب المندب. وكذلك فعلت كوريا الشمالية الاختبار نفسه.

كان الجميع، خاصة الروس ينتظرون الرد من الرئيس الجديد، لكنهم يعلمون أن الحروب المباشرة لم يعد لها بريق كالسابق وذات كلف عالية، لذا فالرد لابد أن يأتي في الحواشي وعند الاطراف، ولا مكان أفضل من الشرق الاوسط، وتحديدا في سوريا، التي بات فيها الرد غير مُكلف ماديا، بينما الحاصل الاستراتيجي كبير جدا.

ظروف وصول ترامب الى البيت الابيض لم تكن اعتيادية لا بالنسبة له شخصيا ولا لأمريكا. إنه جاء إلى السلطة من خارج المنظومة السياسية، وفي وقت انزوت فيه الولايات المتحدة الامريكية عن التأثير العالمي، خاصة في زمن الرئيس السابق أوباما. ولان أمريكا لا يمكن أن تتآكل صلتها بالعالم، كما أن فيها مؤسسات لا تسمح بذلك، ولأن الشرق الأوسط هو مركز الاضطراب الحالي في العالم، وفي الوقت نفسه مركز التشابك العالمي في المصالح، فقد جاء الرد على مسرحه، على الرغم من أن ترامب ركز حملته الانتخابية على الداخل الامريكي، وبدأ بتطبيق سياساته وهو في السلطة في الحيز نفسه، ولم تكن سورية أولوية في مختبره، حتى أن وزير الخارجية ريكس تيلرسون قال قبل ايام قليلة من ضرب سوريا، بأن إزاحة الاسد ليست أولوية أمريكية ومصيره عائد لما يقرره شعبه. لكن عندما وجد ترامب وفريقه أن الوقت مناسب لتوجيه رسائل للداخل والخارج معا، لم يكن هنالك أفضل من إرسالها إلى العنوان السوري كي تصل الى كل الموجودين في الميدانين العسكري والسياسي.

داخليا نجح في كسب أسماء مهمه إلى جانبه من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، خاصة الذين عارضوه، مثل السيناتور جون مكين ولندساي غراهام وكانا من أشد المعارضين له، على الرغم من أنهما من حزبه. كما رسم لنفسه صورة الرئيس الحازم والقادر على قيادة دولة بحجم أمريكا. رسائله الخارجية كانت الإعلان عن عودة الولايات المتحدة إلى المنطقة، ورسائل سياسية الى كل من إيران وكوريا الشمالية، وبداية الشروع باستراتيجية فك ارتباط روسيا بإيران الذي تعتبر أمريكا أنه سيكون عامل قوة لها، وهزيمة لهدف بوتين الذي يريد إضعافها. كما كانت إحدى الرسائل تشير الى تأكيد استخدام النظام للسلاح الكيماوي، وأن نزعه سابقا بمبادرة روسية كانت عملية تمويه كاذبة، بدليل أنه عاد اليوم فاستخدمه مجددا. بمعنى أن التركيز هنا هو على إحراج الروس، ووصفهم بأنهم عنصر دولي غير نزيه ولا يمكن الاعتماد عليه في حل النزاعات.

كانت لدى ترامب وسائل عدة كي يوصل بها رسائله. منها خيار ضرب قوة النظام العسكرية ممثلة بالقواعد الجوية والمطارات وغيرها. وأخرى إيجاد مناطق آمنة برعاية أمريكية – تركية – أردنية. وثالثة بفتح مخازن السلاح الفعال أمام المعارضة المسلحة التي يثقون بها. لكن لكل من هذه الخيارات كلفها ونقاط ضعفها، ففضل اختيار الأضيق في التأثير من بين الخيارات وهي الضربة الصاروخية، خاصة أن الهدف العسكري لم يكن مهما جدا. كما أن استعمال الطائرات في القصف الجوي في منطقة عمليات حربية متشابكة سيعرضها الى الخطر. وقد كان إبلاغه للروس بالضربة قبل ساعتين من حدوثها لضمان عاملين مهمين، الاول تحييد منظومة الصواريخ الروسية من التعرض للصواريخ الامريكية المنطلقة، وكذلك سلامة عناصر القوات الروسية التي قد تكون موجودة في الهدف. الثاني كان دعوة مبطنة للروس أن هلموا كي نفتح كل الملفات ونتفق عليها. وقد سهل الابلاغ المسبق عن الضربة في إخلاء النظام لبعض طائراته الحديثة من القاعدة الجوية. وهو تأكيد آخر على أنه كان يريد من وراء الضربة توجيه رسائل لا أكثر، لانه يعلم جيدا أن هذا الفعل ليس كافيا لإسقاط النظام ولا الصدام مع الروس، ومع ذلك فإن الضربة لم تكن بدون مقدمات تشي بأن الامريكان عائدون الى المنطقة بعد ابتعاد. فمؤخرا جرى وبشكل حثيث إنشاء قواعد عسكرية أمريكية داخل سوريا، والسيطرة على مطارات عسكرية ونشر قوات خاصة، والتحالف مع القوات الكردية ودعمهم بشكل غير محدود.

إننا نرى أن النصيحة التي قُدمت لترامب من قبل فريقه تقوم على ضرورة توزيع القوة في الشرق الاوسط وعدم السماح بحصرها بطرف واحد، ثم موازنة القوى عن بعد كي لا تتورط أمريكا مرة أخرى بالتدخل المباشر. لذا فهو يحاول إعادة إيران الى حجمها الطبيعي، وامتصاص فائض القوة لديها، من خلال إعادة الهيبة الى حلفاء أمريكا التقليديين في المنطقة، سعوديين ومصريين وأردنيين. كذلك تحجيم الروس عن الاندفاعة السريعة في المنطقة، من خلال إغرائهم بأن التفاهم على المصالح في سوريا يوصل للتفاهم في ملفات جزيرة القرم وأوكرانيا والدرع الصاروخي. كل هذا يقود الى هدف أمريكي كبير وهو قيادة العالم مع تجنب الهيمنة، لان الهيمنة جلبت لهم كوارث كبرى على الصعيد الاقتصادي والسياسي والأمني في عهد بوش، وقد يكون ترامب قادرا على القيام بهذا الدور لانه رجل عملاني وليس أيديولوجيا.

لكن من الجانب الآخر يمكن أن تكون التحولات السياسية للضربة مصدر ضغط على الجميع. قد تخلخل العلاقة مع روسيا الى أبعد حد، وقد يتصرف الايراني ومليشياته بحماقة، وقد يتمسك حلفاء الاسد به أكثر من قبل، وقد تتوهم المعارضة السورية أن عصرا أمريكيا جديا قد بزغ، فتمارس دور المعارضة العراقية ما قبل الغزو، فتدعو الى المزيد من الضربات وتسقط في فخ التجحفل مع الاجنبي ضد الوطن. لكن الاهم من كل ذلك هو أن يساور العالم شعور بأن الرئيس الذي يغير مواقفه مئة وثمانين درجة خلال ساعات وليس أسابيع أو أشهرا، كيف يمكن الوثوق به ومن الذي يضمن التزامه بالعهود والمواثيق التي تنظم العلاقات الدولية.

السؤال الاهم هو أن هنالك الروسي فلاديمير بوتين، رئيس دولة عظمى أيضا، وهو الاخر يصعب توقع أفعاله، أذن هل سيرد؟

باحث سياسي عراقي

القدس العربي

 

 

 

 

هل تكون مذبحة خان شيخون بداية الحل؟/ إبراهيم مشهور الجازي

أتيح لي أن أشارك في ندوة في لندن عن المسؤولية الدولية للجرائم المرتكبة في سورية والعراق، أسهب المشاركون فيها في الحديث عن الجوانب القانونية التي تساهم في تحقيق العدالة النسبية، حيث وجهت سهامهم إلى عدد من المجموعات المسلحة، دون غيرها من القوى الموجودة على الساحة السورية، وفي مقدمتها النظام الذي عانى منه الشعب السوري، ونتجت عن ممارساته مآسي كثيرة سببتها الجرائم التي ارتكبها، ولا يزال يرتكبها، بحق شعبه الأعزل.

أطلعتنا وسائل الإعلام، أخيراً، على مشهدٍ تمثلت به بشاعة الإنسان، وقدرته الهائلة على الدمار، وسحق أخيه الإنسان بلا شفقة ولا رأفة. تابعنا بغضب واشمئزاز مشاهد أطفال سوريين مستلقين على جنبات الطرق، وعلى الأسرة فيما تبقى من المستشفيات التي دمرتها الحرب، وهم يودعون العالم بابتساماتٍ ممزوجة بالاستهزاء، قد رسمت على محياهم وهم يفارقون الحياة، وكأنهم يقولون لنا إن عدالتكم في هذه الدنيا لن تتحقق، نسبية كانت أم شاملة، وكيف لنا أن نتابع هذه المشاهد من دون أن نأخذ زمام المبادرة، ولو بعد حين، بالعمل على إنهاء هذه المعاناة الإنسانية في أسرع وقت ممكن؟

وقد جاء الرد الأميركي (من دون الخوض في مبرّراته الداخلية والخارجية) حازماً ومفاجئاً، فهل سيشكل بداية لحل سياسي يقلب الموازين؟

تمثلت المأساة السورية في غياب الإرادة السياسية الدولية المتوافقة على اتخاذ قرار أُممي صادر عن مجلس الأمن، يعمل على إحالة المتهمين بارتكاب أشد الجرائم فظاعةً إلى المحكمة الجنائية الدولية. وإن كان هذا الحل جزءاً يسيراً من محاولةٍ للانتصار للضحايا، فإن الجزء الأكبر يتمثل بمحاولة تفكيك هذا الصراع وإنهائه، من خلال تحرّك عربي جدّي، وبالتنسيق مع القوى الإقليمية الموجودة فعلياً على الساحة السورية، إما طمعاً أو استباحةً أو انتصاراً لحلفائها، وذلك تبعاً لرؤية كل جانبٍ من خلال نظرته إلى الصراع الدائر.

لم تحقق قمة البحر الميت العربية المعجزات، وإن كانت قد أحالت إلينا زمرة من عناوين

“ضربت القوى المتحاربة على الساحة السورية بالمواثيق الدولية عرض الحائط”

المخرجات السابقة للقمم العربية المتتالية، لكن الملف السوري ظل عالقاً، لغياب أدنى نقاط الالتقاء والتوافق على بلورة حلٍ سياسي، يقوم على بناء دولة سورية موحدة يسودها السلم، وتتيح لجميع أطياف الشعب السوري بالمشاركة. لن يتم ذلك، ولن يتحقق إلا برحيل النظام، وإقامة حكم رشيد، وإحالة جميع المتهمين بارتكاب الجرائم ضد الإنسانية إما إلى محكمة، وطنيةٍ كانت أم دولية.

لقد ضربت القوى المتحاربة على الساحة السورية بالمواثيق الدولية عرض الحائط، وأمعنت في انتهاكها علماً أن النظام لا يزال يحوز حصة “الأسد” في حصيلة الانتهاكات، وإن كان قد انضم إلى اتفاقية حظر استحداث الأسلحة الكيماوية وإنتاجها وتخزينها واستعمالها، في 14 سبتمبر/ أيلول 2013، بعيد مذبحة الغوطة في أغسطس/ آب من العام نفسه، والتي أشارت أصابع اللجنة المشكلة بالاتهام إلى النظام.

وعلى الرغم من أن قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2118 لعام 2013، والصادر في 27 سبتمبر/ أيلول 2013، قد عمل على القضاء على البرنامج السوري للأسلحة الكيميائية، وإخضاعه إلى “تحقق صارم”، إلا أننا عدنا إلى المربع الأول، فجاء صباح الرابع من إبريل/ نيسان الجاري، ليعيد إلينا صور مذبحةٍ جديدةٍ في خان شيخون في ريف إدلب. وعلى الرغم من إنكار النظام السوري الحادثة، إلا أن الداعم الروسي، وفي معرض دفاعه عن هذا النظام، والذي قد يكون دفاعاً أقرب إلى الاعتراف بارتكاب الجريمة، أفاد “بأن طائرات النظام قد ضربت مخزناً للأسلحة الكيميائية للمعارضة بما تسبب بالمذبحة”.

وقد أكدت قمه البحر الميت في توصياتها على “إيجاد حل سلمي ينهي الأزمه السورية، بما

“المعاناة تمتد على المنطقة جمعاء، لتشمل دول الجوار السوري، والإخلال بالأمن القومي العربي”

يحقق طموحات الشعب السوري، ويحفظ وحده سورية”. ولكننا لا نستطيع أن نتخيل أن يكون النظام الحالي شريكاً في هذا الحل، وخصوصاً بعد رسالته “البشعة” في خان شيخون، كما وصفها وزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، وتكراره استخدام المكان المشؤوم نفسه (مطار الشعيرات في ريف حمص) لعملياتٍ عسكريةٍ جوية استهدفت المدنيين، وإن بمادة “الفوسفور”، ليكتمل المشهد الأليم للواقع السوري. نحتاج إلى توافق إقليمي ودولي، وبمساهمة عربية أقوى، للخروج من الأزمة الحالية، وحقن دماء السوريين والتطلع إلى سورية من دون الأسد “فالمنطق يقتضي بأن شخصاً ارتبط بسفك دماء شعبه من الأرجح أن يخرج من المشهد السياسي”، على حد تعبير الملك عبد الله الثاني بن الحسين. فالمعاناة تمتد على المنطقة جمعاء، لتشمل دول الجوار السوري، والإخلال بالأمن القومي العربي.

فهل من حلٍ في الأفق؟

العربي الجديد

 

 

 

 

تغيّرت اللعبة../ علي نون

يذهب ريكس تيلرسون وزير الخارجية الأميركي إلى موسكو وفي يديه خياران سيعرضهما عليها لأخذ واحد منهما. الأول، شيء يشبه الجزرة لكن مع الحرص الأكيد على عدم إظهار مضيفيه بمظهر الأرانب! والثاني يشبه العصا لكن مع الحرص الأكيد أيضاً على عدم رفعها عالياً، وفي الوقت نفسه التأكيد على أن لعب دور النمر (أو البلطجي!) من قِبَل قائد الكرملين لم يعد مُستساغاً، لا في واشنطن ولا في غيرها!

وتيلرسون صديق قديم لفلاديمير بوتين، لكنه يأتي هذه المرّة من موقع الخصم السياسي المستعد للأسوأ. وفي ذلك أسىً مضاعف لسيد الكرملين، الذي تعب جهده وسعى سعيه من أجل دعم الحملة الرئاسية لـ«أصدقائه» الأميركيين بقيادة دونالد ترامب، تبعاً لتقاطعات «مشتركة» كثيرة وكبيرة وخطيرة في برنامجَي الطرفَين، تبدأ في سوريا ولا تنتهي عند أوروبا الموحّدة و«الناتو»!

خاب الرجاء، وراحت الأمور مع ترامب باتجاه آخر يبدو حتى الآن، أنه أسوأ من ذلك الذي كان محتملاً مع هيلاري كلينتون! وأنحس ما في هذا، بالنسبة إلى بوتين، هو أن استراتيجية شرذمة الاتحاد الأوروبي انكسرت قبل أن تنطلق! وأن «الناتو» باقٍ ويتمدّد! وأن الولايات المتحدة لا تحتمل مبدأ «القيادة من الخلف» أو الانكفاء. وأن الحرب على الإرهاب جدّية وليست مسرحية. وأن رئيس سوريا السابق بشار الأسد لم يعد مؤهلاً لأي دور أو «وجود»! وأن إيران ذهبت بعيداً في تحدّيها للاستقرار في محيطها، وأنها في الأساس من صنَّاع الإرهاب وليست من محاربيه!

والمنطق ذاته، الذي اعتمدته إدارة ترامب إزاء إيران، تعتمده على نطاق أشمل وأوسع إزاء روسيا: طبيعي ومن باب المصالح الاستراتيجية الكبرى، أن تختار أي إدارة أميركية الكل على الجزء. والكل هو المجموع العربي العام (والخليجي تحديداً) والجزء هو إيران. يُضاف إلى ذلك، مدوّنات «التاريخ» الحديث التي تجاهلها السيئ الذكر باراك أوباما، والمليئة بشواهد تدين طهران وقيادتها «غير الموثوقة» ولا تبرئهما. أكان في شأن الإرهاب أم في شأن غيره الكثير والخطير!

والأمر نفسه يُعرض على الروس: إمّا البقاء في ضفّة الاسد (أو بقايا سلطته) وإيران ومشاريعها، وإمّا الانخراط في «تفاهم» ممكن جداً، مع واشنطن والأوروبيين، ومعظم دول الأرض في حقيقة الأمر!

والفارق بين الأمس واليوم، هو أن جون كيري وزير خارجية أوباما، كان يعتمد ديبلوماسية التوسُّل مع الروس. يذهب إلى موسكو وأوراقه مكشوفة سلفاً. وسقفه واطئ. لا تريد إدارته أن تنخرط في أي مشكلة! أو حرب! أو نزاع! بما في ذلك التفرّج على فظاعات المنطقة إرضاء لإيران! وفعلت كل شيء وأي شيء لتأكيد سياستها الانكفائية تلك! في حين يذهب تيلرسون إليها على وقع هدير الصواريخ التي دكّت مطار الشعيرات وأعلنت انقلاب السياسات والاستراتيجيات والتوجّهات! وفي يده موقف من الدول السبع الكبرى عزّ نظيره في السنوات الست الماضيات!

والواضح أن لعبة الأحجام المتضخّمة والمنتفخة قد انتهت أو شارفت على النهاية! والأوضح، أن واشنطن – ترامب تعمل على تنظيف مخلفات أوباما. وتعيد تجميع أوراقها التي بعثرها على طاولة رهاناته الخبيثة! ثم (للمفارقة) وهي المتهمة بالغلو والشطط، تُعيد الاعتبار للمنطق السليم: السياسات الأرنبية لا تحفظ السلام والاستقرار الدوليين بل العكس. والتوازن أساس وانعدامه نشاز لا يُحتمل!… وسوريا والقرم وشرق أوكرانيا. والإرهاب و«فتوحات» إيران، دلائل على ذلك!

المستقبل

 

 

الضربة الأميركية الثانية/ زهير قصيباتي

الضربة الأميركية الثانية لترسانة النظام السوري آتية… «وداعاً عهد أسرة الأسد».

هذه رؤية واشنطن، وحين تكشف إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب خطوط استراتيجيتها لاحتواء حروب سورية ووقفها، تصنّف البراميل المتفجّرة التي يلقيها النظام هناك على رؤوس المدنيين والنازحين، خطاً أحمر ثانياً، بعد الغازات الكيماوية. أما «تطوُّع» روسيا لإعلان عدم رغبتها في اعتراض الصواريخ الأميركية، إذا قرر ترامب مجدداً «تأديب» النظام السوري بعد غارة براميل، فإنما يشكل مساهمة في فعل «التأديب» ذاته.

ليس بسيطاً أن يفاجئ ترامب الذي عُرف بتهوّره، العالم بضربة صاروخية «ذكية» على القاعدة السورية بعد المذبحة الكيماوية في خان شيخون… ليس مجرّد تصريح عابر أن يعلن وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون اقتراب سورية المنكوبة من نهاية عهد أسرة الأسد. ما أراد أن يوحي به الوزير أن القرار اتُّخِذ: ضربات «ذكية» بدل «القوة الناعمة» التي ابتدعها باراك أوباما، ولم تحسم حتى نزع خطر كل السلاح الكيماوي في ترسانة نظام دمشق.

يلتقي تيلرسون الوزير الروسي سيرغي لافروف في موسكو اليوم، لإبلاغه رسالة واحدة: أميركا – ترامب جاهزة للتحالف معكم، بدلاً من إصراركم على حماية معسكر الأسد – خامنئي – «حزب الله»، فأي الخيارين أجدى لكم؟

لا لُبس في الرسالة، ولا في حسم مجموعة الدول الصناعية السبع الخيار الأخير لدى الغرب، وهو أن لا سلام في سورية ما دام نظام الأسد جاثماً على الخراب وعلى شعبه، بأي ثمن. صحيح أن وحدة الرسالة تترجم تذليل التباسات في العلاقة بين إدارة ترامب ودول أوروبية وغربية، لكن الصحيح أيضاً أن موسكو التي امتنعت مجموعة السبع عن تهديدها بتشديد العقوبات، مدّت يداً «خفية» لملاقاة الأميركيين في منتصف الطريق. فلا هي مستعدّة لمنع ضربة صاروخية أميركية ثانية على ترسانة النظام السوري وبراميله، ولن تذهب إلى حرب مع الولايات المتحدة دفاعاً عن بقاء الأسد في السلطة.

وإذا كان بديهياً بالتالي، أن يشجّع تفاؤل تيلرسون بنهاية قريبة لعهد أسرة الأسد – وطي حقبة من الحروب والقمع والاستبداد – فصائل المعارضة المعتدلة على التأهُّب لمرحلة جديدة من الصراع، فالبديهي كذلك أن تتضخّم هواجس النظام وقلقه من ساعة الحساب… ساعة «يبيعه» القيصر فلاديمير بوتين، لتدشين حقبة تفاهمات روسية – أميركية في الشرق الأوسط والخليج.

هي ليست ساعة تصفية حسابات، تجنيها إدارة ترامب على طريق شطبها سنوات «القوّة الناعمة». فالحروب في سورية لن تصبح من الماضي، بعد أسابيع، لكن الأهم أن المحاسبة التي يريدها سيد البيت الأبيض، تبدو أداة وحيدة لديه، لاستعادة هيبة الولايات المتحدة… وترتيب أوراق التفاوض مع الروس.

سيخشى النظام في دمشق «صفقة الكبار» لبيعه في مقابل تفاوض الأميركيين على أوكرانيا واستقرارها، وتغاضيهم عن ضم روسيا شبه جزيرة القرم. وأما إيران التي لا يكنّ ترامب أي ودّ لمرشدها، ولم يستطع هضم الاتفاق النووي معها، فتبدو الخاسر الأكبر، وإن فَقَدَ نظام الأسد كل شيء، وتهاوى. هو يدافع عن مواقعه بحراسة ميليشيات أجنبية، وهي تدافع عن مواقع نفوذ إقليمية، لاستدراج عروض «صفقة شاملة»… يحيّرها أنها تأخرت كثيراً.

بديهي أن يفضّل ترامب التفاوض مع القيصر لا المرشد، مهما حرّك خامنئي جحافل ميليشيات ورايات عابرة للحدود. بديهي أن لا ينام المرشد بعد اليوم على حرير الانتصارات المفخّخة، فالضربة الأميركية الأولى أعادت نظام الأسد إلى مربع الخوف.

مع الخوف والإحباط – وعلى رغم «الانتصارات» المحميّة بالقبضة الروسية -، تزداد احتمالات الانتحار. وليس أقل أهمية أن يثبت ترامب «ذكاء» كل ضرباته.

الحياة

 

 

 

 

 

«تأديب» الأسد حين يقود إلى «تأديب» بوتين والإيرانيين/ عبدالوهاب بدرخان

ترحيب، تأييد، إشادة… نادراً ما حظيت ضربة عسكرية بهذا القبول العالمي، الذي تحوّل بدوره استعداداً للتآلف مع دونالد ترامب المتأثّر «إنسانياً وأخلاقياً» بموت الأطفال اختناقاً في خان شيخون، فيما هبطت شعبية فلاديمير بوتين كزعيم صلب في مواجهة أميركا بعدما ظهر مدافعاً عن قتل هؤلاء الأطفال ومتهّماً بالمشاركة في الجريمة. حتى أن الرئيس الصيني أبدى تفهّماً لضرب مطار الشعيرات، مع أنه شريكٌ دائم لـ «الفيتو» الروسي في مجلس الأمن. لكن إنجاح اللقاء مع ترامب في فلوريدا كان بالنسبة الى شي جينبينغ أهم بكثير من التضامن مع بوتين في سورية. لم يكن الرئيس الروسي يتصوّر أن قمة أميركية – صينية يمكن أن تسبق أي قمة بينه وبين رئيس أميركي لم يفوّت مناسبة إلا وتهجّم فيها على الصين. وهكذا بدت قمة ترامب – شي أيضاً من مؤشّرات التغيير في اقتناعات واشنطن وأولوياتها.

على عكس باراك اوباما، لم يرسم ترامب «خطّاً أحمر» في سورية لكنه واجه الاختبار نفسه، ولدوافع مختلفة. عام 2013، كان استخدام السلاح الكيماوي في الغوطة الشرقية ومعضمية الشام لاستفزاز الرئيس الأميركي السابق و «خطّه»، وإذ تظاهر كمَن يستجيب التحدّي، إلا أن عروض موسكو وحجج إسرائيل أقنعته بإطفاء محرّكاته والتراجع ليكتفي باتفاق تدمير المخزون الكيماوي لدى بشار الأسد، ففي ذلك إخراج للقطيعة الاضطرارية مع روسيا بسبب رفضها تسليم موظف الـ «سي آي اي» المنشقّ إدوارد سنودن، وفيه أيضاً مصلحة غربية وبالأخص إسرائيلية تتمثّل في التخلّص من سلاح محظور في يد نظام مارق. هذه المرّة، لم يكن هناك أي مبرّر لاستخدام الغازات السامة، فلا خطر وشيكاً على نظام الأسد ولا تهديدات أميركية له، بل على العكس جاءت غارة السموم لإيقاظ أطفال خان شيخون بعد يومين على سلسلة مواقف علنية توالى فيها وزير الخارجية والمندوبة الأميركية في الأمم المتحدة والناطق باسم البيت الأبيض على طمأنة الأسد الى أنه «أمر واقع مقبول» وإنْ لم يكن مرغوباً فيه.

كانت هذه المواقف أبعد من طمأنة بوتين الذي ينتظر منذ غداة انتخاب ترامب اتفاقاً على صفقة كبرى معه، لكن توقّعاته ارتبكت وتعقّدت على أرض الواقع، ما استوجب منه أن يفرمل خططه لوقف النار وإنهاء الصراع في سورية. إذ راحت الأيام تمضي والأشخاص في إدارة ترامب يتبدّلون والظروف تتغيّر، وإذا بالـ «إف بي آي» يتعمّق في التحقيق في فضائح «الاتصال» بين روسيا والترامبيين، وإذا بالقوات الأميركية ترتّب مواطئ نفوذها حول الرقّة شمالاً وتستدعي ضباطاً سوريين منشقّين من تركيا الى الأردن لتعزيز القوات المجمّعة جنوباً في محيط درعا، وإذا بالآمال والأحلام البوتينية تتبدّد، وإذا بواشنطن أخيراً تُخرج ورقة «مصير الأسد» من التداول وكأنها تقول للروس والإيرانيين أن بإمكانهم الاحتفاظ بها واستخدامها كما يشاؤون. لذا وجد بوتين (والإيرانيون) مصلحة في تكرار الاختبار الكيماوي مع ترامب لجلبه الى مساومة جديدة.

كانت ردود الفعل الأميركية الأولية على غارة خان شيخون باهتة وأقـــرب الى العادية، ما أثار انتقادات داخلية مشابهة لتلك التي كانت تُوجّه لاوباما. لكن في الساعات التالية، أفضى تحليل الغارة الى أن أطفالاً قضـــوا فيــها لكن المستهدف كان ترامــــب وإدارته وقراره، وأن الأسد ارتكـــب الجريمة لكـن بتشجيع ودعــم من بوتيــــن، بغية اختبار ترامب. لذا، كانــت الضربة لمطار الشعيرات إثباتاً للاختلاف عن نهج اوباما، وإنْ لم تقطع تماماً مع ذلك النهج الذي أوقف استخدام القوة لحظة كان يمـــكن أن يُحدث فارقاً كبيراً في مجريات الأزمة الســـورية، وخشي الانزلاق الى مبارزة عسكرية مفتوحة لا يريدها مع روسيا وربما لا يريدها بوتين، إلا أن الأسد والإيرانيين كانوا يسعون اليها. وعلى رغم أن الضـربة الأميركية كانت محدّدة، وأُبلغ عنها مسبقاً ليسحب الروس والإيرانيون والأسد عناصرهم، إلا أن وقعها لم يكن محدوداً، بل أوحت بأن المستهدف بـ «التأديب» ليس الأسد وحده، بل أيضاً بوتين والإيرانيين.

أكثر من جهة اجتهدت في قراءة تصريحات ريكس تيليرسون ونيكي هايلي وشون سبايسر. فأوساط النظام نقلت ارتياحاً لدى الأسد مشوباً بقلق من حليفيه الروسي والإيراني هذه المرّة، فهو ورقتهما التي يتاجران بها، لكن ها هم الأميركيون يلوّحون إمّا بانتزاعها منهما أو برميها فتفقد قيمتها. وفي هذه الحال، سيكون الأسد ضحية صراع دولي طالما تمنّاه لينقذ نظامه وتسلّطه. أما بوتين فاستفزّه أن يعبث الأميركيون بورقة الأسد التي يملكها ولا يعتقد أنه يتقاسمها مع إيران. وأما طهران التي تجري مراجعةً لمجمل استراتيجيتها فوجدت في المواقف الأميركية من الأسد عنصر تعقيد جديداً. فهل أقدم النظام على غارة السموم باجتهاد خاص ليختبر الجميع، أم فعلها بإيحاء روسي – إيراني ليستدرج ترامب؟ بالنظر الى طبيعة حال التبعية الكاملة التي آل اليها نظام الأسد، لا أحد يصدّق أنه تحرك لمعابثة أميركا من تلقائه، والأرجح أن الروس لم يتوقّعوا تحرّكاً أميركياً بهذين الإخراج والسرعة، فصواريخ «توماهوك»عبرت في رؤوسهم لتبلغهم رسالة مفادها أن الكرة باتت عندهم، وأن الضربة المقبلة تتوقف على سلوكهم، أي على إدارتهم لممارسات الأسد.

بعدما كان بوتين استثمر في ضعف اوباما وحقّق مكاسب، استعدّ للاستثمار في غباء ترامب وخوائه من خلال «تحالف» كان يعتزم هندسته ليكون له فيه تفوّق في الخبرة والقدرة على اللعب بكل الأوراق والمساومة في مختلف الملفات، من اوروبا الى الشرق الأوسط، ومن سورية الى اوكرانيا، فضلاً عن إيران وحتى الصين. لكن الضربة الأميركية حجّمت رهانات بوتين إنْ لم تكن قد زعزعتها، ثمة قواعد جديدة للعبة في سورية فيما لا يزال الجميع يردّدون بأن الاستراتيجية الأميركية لم تتضح بعد، والأرجح أنها لن تُعرف إلا عندما تصبح فاعلة وقريبة من تحقيق أهدافها، ليس في سورية فحسب بل في عموم المنطقة. وإذ يتبيّن الآن أن بوتين كان يلعب في المساحات الشرق أوسطية التي تعمّد اوباما إخلاءها له، فإنه لم يحسن التعامل أو تعامل بصلف وغطرسة مع شراكات عربية أقبلت عليه بدافع اليأس من اوباما، أما الشراكات التي استغلّها فقط لتسجيل نقاط ضد أميركا فإن أصحابها يبنون الآن آمالاً جديدة على واشنطن بعدما عادت تفتح أبوابها.

غداة الضربة الأميركية المحدّدة، لم يجد بوتين من يصطفّ معه في التنديد والاستنكار سوى إيران وكوريا الشمالية، بالإضافة طبعاً الى نظام الأسد. ليس هذا هو المحور الذي يُمكّنه من تحدّي أميركا. لكن قيصر الكرملين لم يخسر شيئاً استراتيجياً بعد، طالما أنه لم يخسره عسكرياً، إذ لا تزال سورية واقعياً في قبضته وبإمكانه أن يحرّك خيوطها ويواصل توظيفها للمشاكسة والإزعاج، إلا أنه بات واقعاً تحت الضغوط، فمن جهة عليه أن يضبط أداء الأسد والإيرانيين، ومن جهة أخرى عليه أن يردّ الصفعة التي تلقاها في سورية، والأهم أن عليه أن يبرهن عدم اندفاعه الى مواجهة عسكرية قد تؤدّي الى ما خشيه دائماً، وهو الغرق في سورية.

الهدف الأميركي المقبل قد يكون أحد المطارات أو المواقع التي تُصنّع فيها البراميل المتفجّرة، والمؤكّد أن الوضع في جبهة الجنوب سيتغيّر في غضون الشهرين المقبلين، بالتزامن مع وشوك معركة الرقّة التي لم يتقبّل الأسد والإيرانيون استبعادهم عن المشاركة. كلٌ من هذه العناصر يكفي لإشعال مواجهة اذا كان بوتين يسعى اليها، لكن لا يزال متاحاً أمامه أن يقوم بما تتوقعه الدول السبع منه، وفي طليعتها الولايات المتحدة، أي أن يضمن وقفاً شاملاً لإطلاق النار ويدفع نظام الأسد الى التفاوض جدّياً على حل سياسي. أما الردّ على أميركا، كما بدا في عمليات روسيا والنظام السوري واستخدام قنابل الفوسفور، فقد عنى أن أي ضربة ناقصة أو محدّدة تزيد وحشية بوتين والأسد ضد المدنيين السوريين.

* كاتب وصحافي لبناني

الحياة

 

 

 

نهاية الخداع الروسي في سورية/ حسان حيدر

أعادت الضربة الصاروخية الأميركية لقاعدة الشعيرات الجوية الأزمة في سورية سنوات إلى الوراء، بعدما تمكنت موسكو خلال هذه الفترة من تفتيت الإجماع الغربي والعربي على رحيل بشار الأسد، عبر تقديم نفسها «راعياً» لتسوية متعددة المراحل لإنهاء الحرب بالتعاون مع المجتمع الدولي، بينما لم يتعدّ ما قامت به عمليًا تثبيت نظام دمشق ومنحه ركائز للاستمرار. لكن هذا «الحل» الوهمي سقط اليوم وسقطت معه خديعة الحياد الروسي.

نجح بوتين من خلال سلسلة مناورات أعقبت المذبحة الكيماوية في غوطة دمشق في 2013، في إقناع الأميركيين والغربيين، من دون كبير جهد، بأن التركيز على إزاحة الأسد لا يخدم الوصول إلى تسوية في سورية، مستفيداً من انفتاح أميركي مواز على إيران، الداعم الرئيس الآخر لنظام دمشق، والتي دفعت في اتجاه تحييد موقف واشنطن.

بعد الغوطة ووعيد أوباما، قدمت روسيا بديلاً للأميركيين تمثل في «تفكيك» الترسانة الكيماوية للنظام، وحصلت على تأييد إسرائيل التي ضغطت معها على واشنطن للقبول بهذا الخيار. ومع أنه تبين اليوم بوضوح أن هذا الاتفاق جاء ناقصاً لأنه جعل خبراء الأمم المتحدة يكتفون بالتعامل مع الجزء المعلن من الترسانة، إلا أنه شكل في وقته «خرقاً» استغلته موسكو إلى أقصى الحدود في تلميع صورة «الحل» الذي تدعي رعايته.

وثبت لاحقاً ان إيجابيتها اللفظية كانت مجرد تمهيد للتدخل العسكري المباشر بعدما شعرت بتلاشي قوة النظام وعجز الميليشيات الإيرانية المتعددة بمفردها عن تأمينه. وسرعان ما تبدى ان كل ما وعد الروس بإنجازه لم يتم وفق الصورة التي قدموه بها. فاتفاقات وقف اطلاق النار المتنقلة التي رعوها انهارت في كل مرة شعر النظام انه يستطيع استغلالها لتحقيق تقدم ما، وباتت سياستهم تقتصر على ايجاد تبريرات لخروقه. كذلك تبين «فشل» موسكو في منع عمليات التهجير الطائفية التي ساومت عليها ايران وجرت، ولا تزال تجري، تحت نظر الروس.

قال الروس انهم يتدخلون في سورية لتحقيق التسوية وإن من الضروري أن يرسلوا قواتهم ليمسكوا بزمام الأمور. وسرت تحليلات وتوقعات بتقليص الدور الإيراني، لكن ظهر على الأرض ان موسكو زادت تنسيقها مع طهران في تبادل مرسوم للأدوار، تمثل في شكل جلي في حصار حلب ثم اجتياحها، ثم محاولة «تصفير» المعارضة في جنيف ونزع الأوراق من يدها.

واستخدم الروس ايضاً شعار «محاربة الإرهاب» لإغراء الغربيين القلقين، وسعوا إلى ضم نظام دمشق الى التحالف الدولي ضد «داعش»، لكن تبين عمليًا انهم لا يقصدون بالإرهاب سوى المعارضة المشروعة للنظام.

أما اليوم، وبعد الاعتداء الكيماوي على خان شيخون، فقد عادت مسألة إطاحة الأسد الى الأولويات الغربية، وباتت روسيا نفسها متهمة إما بالتواطؤ وإما بالعجز وإما بالتحايل على العالم، فيما نظام دمشق مهدد في عاصمته، وما تبقى من جيشه منهك وغير قادر على خوض اي قتال من دون مساعدة «الحرس الثوري» و «حزب الله» وسائر المجموعات الإيرانية.

وإلى جانب عروض التعاون التي حملها وزير الخارجية الأميركي إلى موسكو، هناك التلويح بفرض عقوبات جديدة اذا واصلت روسيا حماية الأسد والتمسك بدور له في مستقبل سورية، بعدما استنفد كل شرعية له منذ سنوات طويلة. اي ان الأميركيين وحلفاءهم يخيرون الروس بين الانضمام الى حل يقوم على تغيير النظام وبين عزلة لن يقووا على تحملها، بعدما تهاوى مع الضربة الأميركية الغطاءُ العسكري والسياسي للنظام الذي حاولت روسيا الإيهام بمناعته.

ومع أن موسكو لا تزال تملك أوراقاً للمراوغة والمساومة، إلا أنها تدرك أن المواجهة مع الأميركيين وحلفائهم في سورية ستكون مكلفة جداً لها، في مقابل الدفاع عن «استثمار» بائس جداً يدعى نظام الأسد.

الحياة

 

 

 

بعد ضربة الشعيرات «أصبح ترامب رئيساً»؟/ محمد برهومة

اختار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، رد فعل عسكري خفيف المستوى ضد مطار الشعيرات، في سياق الاستجابة السريعة على حادثة خان شيخون. لكن الرد حمل رسالة سياسية مهمة، سواء للحلفاء الأوروبيين والعرب، أو لروسيا وإيران، وحتى كوريا الشمالية، بأن أميركا تعود بعد فترة تردد وخمول ورثتهما من تركة إدارة الرئيس أوباما. ولا شكّ في أن العلاقة الصِفريّة، التي يقيمها ترامب في نظرته إلى أوباما، مدخلٌ أساسيٌّ لفهم مغزى الضربة الأميركية على الشعيرات، وما يتعلق بالكيماوي السوري و «الخطوط الحمر»، وهي فرصة انتهزها ترامب، الذي لا يتحقق إلاّ حين يُظهِر أوباما مُخطئاً وغير سديدٍ في تقديراته.

وعلى رغم أنّ ترامب تجنّب، كما ذكرت تسريبات صحفية، في إطار الرد على مذبحة خان شيخون، خيارات أشدّ، من قبيل قصف القصر الجمهوري، حيث يقيم بشار الأسد، واكتفى بردٍّ محسوب ومحدود، فإن هذه المحدودية دلّت على أن الاستثمار في العمل العسكري هو مدخل أميركا-ترامب لتنشيط مكانتها في الشرق الأوسط، وبخاصة في الملف السوري، الذي تكرر القول إنّ موسكو تُمسِك بتلابيبه، وإنها صاحبة الكلمة الفصل فيه.

إذاً، ثمة استعادة أميركية لقدرة بعث رسائل «الردع»، وثمة تبديدٌ، بفعل الضربة الأميركية المحدودة، للصورة التي ينسجها خصوم ترامب له بأنه أول زعيم أميركي يتمكّن الروس من ابتزازه. وقد ظهر من اجتماع وزراء خارجية مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى الأخير في إيطاليا أنّ التناغم الغربي في شأن سورية في أفضل حالاته، وأنه للمفارقة، توارت، إن لم تكن اختفت، انتقادات الأوروبيين الكثيرة لترامب (وكثير منها مستحق)، بل تصدّر الاستعداد للعمل معه قائداً للعالم الحرّ.وتكاد الحسابات الواقعية الأولية تشير إلى أن ترامب تمكّن عبر صواريخ توماهوك على مطار الشعيرات من تجميع مزيد من أوراق القوة، وهو، بعد أقل من 100 يوم من ولايته، في علاقة أحسن مع أوروبا، ومع دول الخليج العربية ومصر والأردن والعراق وإسرائيل. وحتى في الداخل الأميركي، وصل الحدّ بالمعلّق في «سي أن أن» فريد زكريا، لأن يقول عقب ضربة الشعيرات: «الآن أصبح ترامب رئيساً لأميركا». وعليه، فقد يكتسب اليوم وجاهةً أكبر الرأيُ الذي ذهب في بداية عهد ترامب إلى أن الأخير لن يجلس إلى بوتين قبل أن يجمع بيده أكبر قدر من أوراق المساومة والنفوذ، بشأن سورية وداعش وإيران وأوكرانيا والعقوبات الغربية على روسيا.

ومع أن ترامب مُحبِطٌ لأي محلل أو مراقب، بسبب تقلبه وحبّه للمفاجآت وضعف خبرته السياسية وقلة لياقته وعدم اكتمال طاقم إدارته، فإن المقاربة التي تضمنتها الأسطر السابقة قد تكون أنســب ما يكون لرجل الصفقات – ترامب. لا نريد التورّط في المبالغات والتكهنات غير المضمونة، لكن قد يعني ما سبق، إن صحّ، موقفاً أقوى لترامب في أي حديث مع موسكو عن مناطق آمنة في الشمال السوري بتعاون مع الأتراك والأكراد، وفي الجنوب السوري بتعاون مع الأردن وبتنسيق مع بريطانيا والسعودية والعراق، وقد يكون مقبولاً، في هذه الحالة التنسيق الأميركي مع موسكو للضغط على النظام السوري وعلى إيران للقبول بتجميد الصراع وعدم انفلاته، والقبول، إلى أجل ما، بمناطق نفوذ للنظام وللمعارضة، والاستمرار في مواجهة «داعش» في الرقة والموصل. والأرجح أن استعادة الدور الأميركي المؤثر في هذه الملفات سيكون مُحدِداً جوهرياً لإعادة تعريف العلاقة الأميركية – الروسية، وصياغة تفاهمات أكثر تفصيلاً بين موسكو وواشنطن.

* كاتب أردني

الحياة

 

 

هل أفاق الغرب الآن على ما يُجرى في سورية؟/ لينا الخطيب

كانت الضربات الصاروخية الأميركية التي استهدفت قاعدة جوية عسكرية سورية الأسبوع الماضي، والتي قدمت كعقاب على استخدام نظام بشار الأسد الأسلحة الكيمياوية، خطوة غير متوقعة من جانب الإدارة الجديدة بقيادة الرئيس دونالد ترامب. وقد دلّت هذه العملية العسكرية على تحول في السياسة الأميركية تجاه سورية من عدم التدخل المباشر إلى العكس، بعد أسبوع واحد فقط من إعلان إدارة ترامب أنها لا تهدف الى تغيير النظام في سورية. كما جاءت الضربات كإجراء غير متوقع، بعد تصريحات ترامب خلال حملته الانتخابية والتي أشار فيها إلى أنه غير مهتم بالتورط العسكري الأميركي في الشرق الأوسط.

جاء الإعلان عن تأجيل زيارة وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون إلى روسيا، ودعوة جونسون دول مجموعة الدول السبع لفرض عقوبات إضافية على روسيا وسورية رداً على استخدام الأسد الأسلحة الكيمياوية كخطوة تصعيدية بعد العملية الأميركية. وعلى رغم عدم استجابتهم لنداء جونسون في ما يتعلق بالعقوبات، إلا أن القادة الغربيين في قمة مجموعة السبع جددوا النقاش حول تغيير النظام في سورية. تطرح هذه التطورات مسألة متى يتحرك الغرب في شكل فعلي للعمل من أجل سورية. الإجابة عن هذا السؤال تكمن في واشنطن.

يتأجج الصراع السوري منذ أكثر من ست سنوات، من دون نهاية واضحة في الأفق. وعلى الرغم من اتفاقات وقف إطلاق النار المتعددة وجولات عدة من محادثات السلام، لم تكن هناك أدلة على وجود إرادة سياسية في الغرب لإنهاء الصراع. وكان الجاني الرئيسي على مدى تلك السنوات هو الولايات المتحدة. في ظل الرئيس السابق باراك أوباما، كان الصوت الأعلى في الولايات المتحدة هو البيت الأبيض بدلاً من وزارة الخارجية أو البنتاغون. وكان البيت الأبيض – وتحديداً موقف الرئيس من سورية – هو تفادي التدخل العسكري في أي شكل من الأشكال.

كل هذا أتاح استمرار الصراع السوري. أضف الى ذلك نهج الولايات المتحدة تجاه الصراع والذي بني على عدم السماح لأي جانب واحد بالفوز عسكرياً. وقد اتخذت الولايات المتحدة هذا النهج على أساس أنه إذا لم يشعر النظام ولا المعارضة أنهما يمكن أن يفوزا، فإن كلا الطرفين سيضطران إلى الجلوس حول طاولة المفاوضات. ولكن بدلاً من أن يُجبر النظام السوري والمعارضة على التفاوض، أدى عدم الفوز العسكري لأي فريق – إلى جانب استمرار التمويل من جانب داعمين أجانب من الجانبين – الى استمرار محاولة تحقيق النصر العسكري.

وعلى الرغم من أن الأمم المتحدة دعت إلى إجراء المفاوضات، فقد أثبتت المنظمة الدولية أنها غير قادرة إلى حد كبير على إحداث التغيير على أرض الواقع. فقد عارضت روسيا بانتظام قرارات مجلس الأمن. وانتهت غالبية المساعدات الإنسانية الموجهة عبر الأمم المتحدة إلى مناطق يسيطر عليها النظام وليس الى مناطق سيطرة المعارضة. واستخدمت المحادثات في جنيف كفرصة من النظام السوري وروسيا لتقويض المعارضة بدلاً من الدخول في مفاوضات فعلية. وشاركت الولايات المتحدة في محادثات السلام ولكن من دون أن تلعب دوراً قيادياً. وكأن الولايات المتحدة قد تعهدت بالصمت من أجل إثبات أن الرئيس أوباما كان جدياً عندما قال إنه لن يجرّ الولايات المتحدة إلى مستنقع آخر في الشرق الأوسط في أعقاب التدخل في العراق عام 2003 .

سياسة أوباما عنت أن الولايات المتحدة لم تظهر ان لديها قيادة سياسية بالنسبة الى القضية السورية، وترك هذا الدور مفتوحاً على نطاق واسع لروسيا، التي استخدمت الأزمة السورية كوسيلة لتأكيد نفسها في مواجهة الولايات المتحدة.

عندما جاء ترامب إلى السلطة، كان هناك تركيز كبير على علاقته مع روسيا، واعتبرت أكثر دفئاً من تلك التي اتبعها سلفه. ولكن مهما كان ترامب ليناً تجاه روسيا، فهو لا يستطيع السماح بأن يُنظر إليه على أنه الرئيس الذي سمح لروسيا بأن تصبح قوة عظمى تنافس الولايات المتحدة. كما أراد ترامب أن يثبت أنه، على عكس أوباما، يعني ما يقوله. ومثلما وجدت روسيا في سورية ساحة ملائمة لإعادة تأكيد نفسها في مواجهة الولايات المتحدة، يستخدم ترامب سورية حالياً بالطريقة نفسها تجاه روسيا. والعدد الكبير من المستشارين السابقين لأوباما الذين أثنوا على الضربات الصاروخية التي أمر بها ترامب يظهر مدى تأثير أوباما نفسه في الطريقة التي تعاملت بها حكومة الولايات المتحدة خلال ولايته مع سورية، واحتمال أن تتغير في حال تغير موقف الرئيس الأميركي.

مع هذا التحرك في واشنطن، أفاقت بقية الغرب من سباتها. وهذا يؤكد بوضوح شديد أهمية الإرادة السياسية الأميركية وتأثيرها في السياسة الغربية. لكن هذه الحركة المحدودة في واشنطن لا تعني أن السياسة الأميركية تجاه سورية قد تغيرت بين عشية وضحاها. ولا تزال الدول التي اجتمعت في قمة مجموعة السبع تنقسم حول ما يجب القيام به في شأن سورية. وفي ختام القمة، أكد بيان لوزير الخارجية الإيطالي أنجيلينو ألفانو عن سورية فقط أن الضربات الأميركية أتاحت «فرصة سانحة لبناء حالة إيجابية جديدة للعملية السياسية في سورية».

ومن المرجح أن تسبب الضربات الأميركية بعض القلق للنظام السوري، ليس لأنه سيعتبرها بداية لحملة عسكرية أميركية أكبر، ولكن لأنها تظهر أنه لا يمكن التنبؤ بقرارات الإدارة الأميركية الحالية. فحتى وقوع الضربات، كان نظام بشار الأسد وحليفته روسيا يشعران بالارتياح إزاء تقاعس الولايات المتحدة النسبي عن سورية. واليوم، من المرجح أن يقيسا خطواتهما بعناية أكبر. لكن هذا لن يعني أن النظام سيوقف أنشطته العسكرية في سورية. قد تتوقف الهجمات الكيماوية، ولكن نظام الأسد لا يزال يستخدم الأسلحة التقليدية ضد خصومه. وسوف يستمر في القيام بذلك طالما أن الولايات المتحدة ليست لديها استراتيجية في سورية.

والتحدي الذي تواجهه إدارة ترامب الآن هو متابعة عملها العسكري المعزول باستراتيجية شاملة لإنهاء الصراع السوري. إذا تم تصميم هذه الاستراتيجية في واشنطن، فإن بناء تحالف غربي لدعمها لن يكون عقبة. وتكمن العقبة في ما إذا كانت الولايات المتحدة ستؤدي دوراً ديبلوماسياً وعسكرياً رائداً لتمهيد الطريق أمام الانتقال السياسي في سورية أم لا.

* كاتبة لبنانية، رئيسة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في معهد تشاتام هاوس – لندن

الحياة

 

 

 

روسيا تحاصر نفسها في سورية/ فلاديمير فرولوف

مفارقة غريبة أن يرتبط زئبق العلاقة بين الولايات المتحدة وروسيا باستخدام الأسلحة الكيماوية في سورية. ففي آب (أغسطس) 2013، بعد هجوم غاز السارين المروع الذي شنه الجيش السوري على الغوطة الشرقية وأودى بحياة أكثر من 1500 شخص، أوشك باراك أوباما على الأمر بضربات في سورية، لكنه قبِل عرض فلاديمير بوتين تدمير أسلحة الأسد الكيماوية تحت إشراف دولي. وتتواجه، اليوم، موسكو وواشنطن مرة أخرى، إثر الضربات الصاروخية الأميركية على قاعدة جوية سورية رداً على ما يبدو أنّه استخدام الأسد للأسلحة الكيماوية في 4 نيسان (أبريل) ضد مناطق المعارضة في إدلب. وأسفر الهجوم عن مقتل أكثر من 70 شخصاً، معظمهم من الأطفال.

وكان من المفترض أن تكون مكافحة داعش عاملاً يجمع أميركا وروسيا لإعادة إطلاق علاقتهما تحت قيادة ترامب، الذي أبدى بعض الاستعداد للعمل مع الأسد في مكافحة الإرهاب. وقبل أيام قليلة من الهجوم الكيماوي، اعترف البيت الأبيض ووزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون بـ «الواقع السياسي المتمثل ببقاء الأسد» في السلطة. ولكن الهجوم الكيماوي في إدلب غيّر كل شيء. وأحدث تحولاً جذرياً في موقف ترامب من سورية والأسد، وجعل من العسير عليه تجنب عمل عسكري ضد النظام السوري لمعاقبته وردع هجمات جديدة. وقال تيلرسون إن روسيا وإيران تتحملان المسؤولية الأخلاقية عن مقتل المدنيين في الهجوم. ودعا روسيا إلى إعادة النظر في دعمها للأسد، وفتح الباب أمام تغيير النظام في سورية. وهذا انعطاف كبير في مواقف ترامب يطيح آمال موسكو في تحسن العلاقات مع واشنطن. وعلى الكرملين اليوم أن يجد إستراتيجية جبه هذه المشكلة. ولحسن الحظ، لدى فلاديمير بوتين بعض الخيارات التي في وسعه اقتراحها على تيلرسون حين لقائه في موسكو.

والرد الأولي لروسيا على الهجوم الكيماوي كان دفاعاً كاملاً عن سلاح الأسد الجوي: القصف استهدف مصنع أسلحة كيماوية للمتمردين الذين عرضوا أشرطة فيديو عن أطفال ماتوا جراء التعرض لغاز السارين. وجلي أن الهجوم أخذ موسكو على حين غرة، إذ فشل أصدقاء روسيا في سورية في اطلاعها على الغارة قبل حدوثها. ورداً على هجوم ترامب الصاروخي على سلاح الأسد الجوي، نحت روسيا إلى تشدد خطابي، ولكن ردها كان محدوداً. ووصفت موسكو الضربة بالعدوان على دولة سيدة، وعلقت العمل بالاتفاق العسكري مع أميركا، وهو يساهم في تجنب حوادث في المجال الجوي المزدحم في سورية. وواشنطن أبلغت موسكو من طريق آليات هذا الاتفاق، بالضربة قبل حصولها. وقد تعزز روسيا أنظمة الدفاع الجوي في سورية لعرقلة العمليات الأميركية هناك، ولكن هذا لن يغير في الأمر شيئاً. ولا يخفي موسكو أن الذي حصل هو هجوم أحادي لإثبات صدقية واشنطن في التزام المعايير الدولية الحيوية. وإلى اليوم، تدافع روسيا عن النظام السوري، ولكن هذه المرة قد يكون الأسد تمادى، ولم يحترم بوتين وجعله يبدو عاجزاً عن ضمان اتفاق الأسلحة الكيماوية مع واشنطن أو متواطئاً معه في انتهاك الاتفاق. وأهان الأسد بوتين أمام ترامب وجعله يبدو ضعيفاً، وهو أمر يحمله الزعيم الروسي محمل جد.

ويشعر الروس أن الأسد ربما يحاول عمداً إطاحة مسار آستانة الذي أدلت فيه موسكو وأنقرة بنفوذها السياسي، في وقت يريد الأسد وطهران انتصاراً عسكرياً كاملاً، عوض ترتيب يقضي بتقاسم السلطة مع المتمردين المهزومين. فالرئيس السوري والإيرانيون غضبوا من انفراد أنقرة وموسكو بالحل. وسينتظر بوتين زيارة تيلرسون لتقييم الخيارات المتاحة، وما إذا كان من الأفضل لروسيا معاقبة الأسد تحت راية اللعبة الكبرى مع ترامب. ووضع بوتين الآن أفضل مما كان عليه في 2013، حين كان يحاول يائساً منع الضربات الجوية الأميركية ليتفادى الظهور في مظهر العجز. واليوم لم يعد أمام واشنطن خيار عسكري فعلي ضد الأسد، ولم يعد لديها الرغبة في إطاحته بالقوة. والضربات كانت رمزية. وهذا ما يبقي حصة روسيا في سورية آمنة.

وما يُقلق موسكو هو احتمال توسيع ترامب ما ترمي إليه بلاده في سورية، فتنتقل من السعي إلى هزيمة داعش إلى سياسة أوسع تعمل على إنهاء الحرب الأهلية وإبرام تسوية سياسية. وهذا الاحتمال- وهو ضعيف الحظوظ- يقلق روسيا، وتحديداً إذا لجأ ترامب إلى القوة العسكرية لإنفاذ الاتفاقات ووقف النار. وإذا ألقى تحقيق الأمم المتحدة مسؤولية الهجوم الكيماوي على دمشق، في وسع بوتين أن يؤدي دوراً إنسانياً من طريق معاقبة الأسد برفق، ومنع الطلعات الجوية لطائراته. وليس ثمة حلب أخرى أمام موسكو، فلماذا لا تسعى إلى تقييد قدرات الأسد العسكرية لجعله أكثر قبولاً للتسوية والتفاوض. ومثل هذا الاحتمال يثير غضب الإيرانيين. لكنهم كانوا كذلك يديرون عرضهم الخاص خلف ظهر روسيا. إدارة ترامب وإسرائيل تريدان أن تنأى موسكو بنفسها عن إيران وأهدافها في سورية. وعليه، قد يكون إبلاغ تيلرسون بأن روسيا تدعم أميركا في ملف إيران هو الأمثل. أما في الشأن الإسرائيلي، اعترفت روسيا بالقدس الغربية عاصمة لإسرائيل، وتفوق موقفها الجريء هذا على مواقف ترامب.

* محلل سياسي، عن «موسكو تايمز» الروسي، 7/4/2017، إعداد علي شرف الدين

الحياة

 

 

 

 

ماذا جرى في خان شيخون؟/ مارتن شُلوف

بسطت روسيا شبكة دفاع جوي في شمال سورية، وهي تحمي أصولها في اللاذقية ومحيطها حيث تسيطر على قاعدة عسكرية، وفي طرطوس على ساحل المتوسط، وفي الشمال من إدلب وحلب إلى الشرق. وفي هذه المنطقة من العسير على طائرات التحالف، أو أي طائرات أخرى، التحليق من دون التنسيق مع روسيا. وفي أنحاء البلاد الأخرى، يملك النظام السوري شبكة دفاع جوي فعالة. ولكن الإسرائيليين وسعهم خرقها سبع مرات في السنوات الثلاث أو الأربع الأخيرة. ولذا، أعتقد أن توجيه ضربة جديدة بعد ضربة مطار الشعيرات، يقتضي تخطيطاً بالغ التأني والحذر. ولكن الى اليوم، وقع الاختيار على صواريخ كروز لشن ضربة، وهذه الصواريخ، مثلما رأينا، قادرة على هزيمة أي نظام جوي يملكه الروس أو السوريون.

وأرست «ذي غارديان» مراسلاً إلى خان شيخون البارحة (في السادس من الشهر الجاري)، للتحق من الرواية الروسية للأحداث والوقوف على صدقيتها. وهذه الرواية تقول ان قنبلة انفجرت في مخزن اسلحة كيماوية للمعارضة. وإذا صح الزعم هذا، سيجد المراسل عنبر تخزين على مقربة من موقع الانفجار أو غرفة مخزن على مقربة من موقع اصابة الناس بالسارين، وسيكون هذا المخزن مدمراً وملوثاً بمواد كيمائية. ومراسل الغارديان توجه الى خان شيخون، وزار الموقع حيث قضى الناس، وشم رائحة حادة ولاذعة في الهواء. ووقع على بقايا قذيفة في وسط طريق يجاوره عدد من المباني. ولكن دمار هذه المباني قديم، ويعود الى اشهر خلت. ولم يكن داخل المباني ملوثاً، وكان مليئاً ببذور الطيور، وتراب ومنتجات زراعية ونبات. وعليه، لا تقوم قائمة للرواية الروسية، فمؤشرات الوقائع في ميدان الحادثة لا تثبت ما يقوله الروس.

وهذا الشطر من شمال سورية هو اكثر المجالات الجوية الخاضعة للمراقبة في العالم. فالجيش الروسي والجيش التركي والأميركيون يملكون هناك رادارات برية قدراتها على الرصد عالية. ويوم الضربة، في الرابع من نيسان (ابريل)، حامت طائرات سورية فوق خان شيخون. ورصد البريطانيون والأتراك المسارات الجوية لتلك الطائرة. ولحظة الهجوم كان مراقب للأجواء على تلة في المنطقة، وأطلق صفارة إنذار بهجوم جوي. وصوَّر الطائرة وهي تقترب وتلقي قنابل. وثمة شهود عيان رأوا الطائرة التي هاجمتهم. وروى أطباء وأفراد في الطاقم الطبي إن المستشفى ضاق بأشخاص يعانون صعوبة حادة في التنفس بعد 10 دقائق على الضربة.

وهذا الهجوم يأتي في وقت كان يبدو أن بشار الأسد يربح الحرب. وأعتقد ان الهجوم على خان شيخون ناجم عن حسابات لم تكن في محلها. وفي آب (اغسطس) 2013 استخدم السارين في شرق الغوطة في ريف دمشق. وبدأت عملية سحب الترسانة الكيميائية التي كان يفترض بالأمم المتحدة ان تتولاها، بموجب اتفاق ابرمه الرئيس الأميركي السابق، باراك اوباما، مع الروس. وثمة هجمات اصغر وقعت في الأشهر الأخيرة. وبرزت اتهامات باستخدام السلاح الكيميائي 161 مرة منذ 2013. وفي شطر راجح من هذه الهجمات استُخدم الكلورين، وهو يُستعمل لغايات صناعية في سورية ولم يحظر بموجب الاتفاق، على خلاف السارين وغيره من غازات الأعصاب. وسرت أنباء عن هجوم بالسارين في شرق حماه في مطلع كانون الأول (ديسمبر) الأخير. وقضى في الهجوم هذا 93 شخصاً، وأصيب 400 شخص. ولكن لم يكن في المتناول نقل عينات بيولوجية أو بيئية من مخلفات الهجوم الى الحدود. فالطريق طويلة، على خلاف ادلب القريبة من الحدود التركية.

وشأن الروس، أعلن الإيرانيون موقفاً ديبلوماسياً. فهما داعما نظام الأسد، وساهما في ترجيح كفته في المعارك. ولا شك في ان التصريح الإيراني ملفت، وورد فيه «مهما كان من شن الهجوم (الكيميائي)». فالإيرانيون يدافعون عن حليفهم من جهة، ويسعون الى الظهور في مظهر الوسيط، من جهة أخرى. ولكن إيران لن تتخلى عن نظام الأسد، فهو يوفر موقعاً استراتيجياً آمناً لـ «حزب الله».

* مراسل «ذي غارديان» في الشرق الأوسط، عن «أي بي سي» الأسترالية، 7/4/2017، إعداد منال نحاس

الحياة

 

 

 

ماذا وراء الهجوم الكيماوي؟/ جورج مالبرونو

تدور اسئلة وشكوك على ما وراء شن دمشق هجوماً كيميائياً في خان شيخون. فهل الهجوم دليل على انقطاع الرئيس بشار الأسد من العالم أم على الافتقار الى المنطق أو على رغبة غلاة الجهاز الأمني- العسكري في إبراز دورهم؟ ووقع الهجوم وقعَ المفاجأة على كثر، منهم ديبلوماسي في الأمم المتحدة. فإثر طردهم من حلب الشرقية في نهاية كانون الأول (ديسمبر) المنصرم، يشعر الثوار المعتدلون بالهزيمة والخيبة. وعلى خلاف هجوم 2013 الكيماوي، لم يعد النظام السوري يواجه خطراً وجودياً، وطمأن دونالد ترامب الرئيس السوري الى ان رحيله لم يعد أولوية اميركية. وبدا ان الموقف الأميركي يطابق الموقف الروسي الذي يبقي الأسد في السلطة الى نهاية المرحلة الانتقالية أو نهاية ولايته في 2021.

ولكن ما الذي حمل الأسد على هذا الهجوم؟ تسعى فرضيات كثيرة الى جواب السؤال هذا، أولها يستند الى رغبة النظام في بلوغ اقصى مراحل العنف السياسي والوحشية لإثبات انه مفاوض لا غنى عنه في سورية الغد. وإثر الدعم الروسي، بدا ان الأسد يحسِب ان الرد الأميركي ضعيف أو لا يذكر على مثل هذه العمليات. «فغياب الرد الأميركي يظهر للسوريين من جديد عجز الغربيين عن التدخل، ويحمل المترددين منهم على العودة الى حضن الدولة»، يقول الباحث وسيم نصر. والعجز الغربي يحمل الثوار المعتدلين، وهم قلة نادرة، على الارتماء في حضن الجهاديين المتطرفين. وهذا يسوغ لدمشق قتالهم الى آخر رمق، مثلما يفعل التحالف الدولي في العراق المجاور.

وفي مقابلته الأخيرة مع صحيفة كراوتية، قبل الهجوم الكيماوي، أعلن الأسد ان لا خيار غير النصر. ويرجح جنرال فرنسي يشارك في العمليات الجوية الخارجية ان القادة الروس لم يخفَهم مسار العملية الجوية على ما يقتضي التنسيق الجوي. فثمة تقرير يُعد كل 48 ساعة ويحدد من يحق له الإقلاع ومواعيد الإقلاع ومكانه. و»لكن وفق العملية، قد يتكتم على هدفها المحدد، ويذكر موعد الإقلاع ومنطقة وجهتها فحسب. والسوريون والروس يتبادلون اكبر عدد من المعلومات عن اهدافهم، ويقصف كل منهما دورياً مواقع من دون اطلاع الآخر مسبقاً»، يقول الجنرال الفرنسي.

والفرضية الأخرى تذهب الى ان غلاة الجيش السوري هم وراء هذه الجريمة. «فهم لا يصغون الى الروس، وهذا ما لاحظناه اكثر من مرة»، يقول ديبلوماسي اممي. وموسكو بادرت الى هيكلة جيش النظام المتداعي. وإثر اجلاء الثوار من حلب، شعر كبار الضباط السوريين بالغضب، بعد ان وضعتهم روسيا امام الأمر الواقع. فهي ابرمت مع تركيا اتفاق اجلاء لم ترغب فيه دمشق. والتوتر بين الأسد وحماته الروس لا يخفى. فالاستخبارات الروسية حظرت على الرئيس الاحتفال في حلب بالنصر على المتمردين. ومن مظاهر غضب النظام من القبضة الروسية ضرب سلاح الجو السوري قافلة اغاثة في شمال حلب. وهذه العملية رصدتها درون روسية. وغالباً ما لا تلتزم دمشق التوصيات الروسية. ويروي المسؤول الأممي أن الروس انتزعوا من دمشق الامتناع من القصف بالبراميل المتفجرة، ولكن هذه ما لبثت ان استأنفت مثل هذه الضربات. وعليه، قد تظهر عملية خان شيخون أن غلاة الجيش السوري يضعون روسيا أمام أمر ناجز ليظهروا لها ان يدها غير مطلقة في بلدهم. وفي سياق التنسيق المسبق، لا يسع الحليف الروسي اتهام دمشق بأنها اخفت العملية عنها وطعنتها في الظهر. وتنتهي الفرضية هذه الى التساؤل عن عِلم الأسد نفسه بالعملية. وهو اعلن في 2013 اثر الهجوم الكيماوي أن مثل هذه القرارات مركزي. ولكن مذ ذاك، دخلت على خط الحرب اطراف كثيرة، واضطر الأسد الى التشارك في السلطة مع الروس والإيرانيين، وربما غيرهم في اعلى الهرم العسكري- الأمني.

* مراسل، عن «لوفيغارو» الفرنسية، 7/4/2017، إعداد منال نحاس

الحياة

 

 

 

 

ترامب… روسيا… والأزمة السورية/ د. بشير موسى نافع

وجهت الولايات المتحدة ضربة لمطار سوري عسكري، تشير أدلة متضافرة أنه الموقع الذي انطلقت منه طائرات نظام الأسد، التي قامت بالهجوم الكيماوي على بلدة خان شيخون الصغيرة في محافظة إدلب وأزهقت أرواح العشرات من سكان البلدة. ثمة جدل كبير، بالطبع، حول الأسباب التي دفعت الرئيس الأمريكي للتصرف تجاه نظام الأسد بصورة مختلفة عن السياسة التي اتبعها سلفه طوال ست سنوات من الثورة السورية. لا تبدو إدارة ترامب في وضع مريح داخلياً، أو على صعيد الرأي العام الأمريكي، بالرغم من أن الأمريكيين يعاملون الرؤساء عادة بقدر كبير من حسن النية في شهور ولايتهم الأولى. وهذا ما أثار شبهات حول ما إن كانت الضربة الموجهة لنظام الأسد محاولة لإعادة صناعة إدارة ترامب وتصور الأمريكيين لها. من جهة أخرى، توحي تصريحات المسؤولين الأمريكيين، بما في ذلك تصريحات الرئيس نفسه، أن الضربة العقابية لنظام الأسد قد تكون مقدمة لانعطافة ملموسة في السياسة الأمريكية تجاه سوريا.

ولكن، وبغض النظر عن هذا الجدل، الذي يصعب حسمه الآن لصالح هذه الجهة أو تلك، فإن أحداً لا يمكنه تجاهل ردود الفعل التي أثارتها خطوة إدارة ترامب المفاجئة. في جانب من المشهد، تناسى الأوروبيون خلافاتهم المحتدمة مع الرئيس الأمريكي وسارعوا إلى تأييد خطوته الإنفرادية، التي لم تتمتع بأي غطاء دولي قانوني مثل ذلك الذي يحرص عليه الأوروبيون عادة. الأوروبيون الذين يشعرون بتهديد متزايد من روسيا بوتين، وانتابتهم المخاوف من تخلي إدارة ترامب عن مسؤولياتها الدفاعية في القارة الأوروبية، وجدوا في خطوة إدارة ترامب السورية مؤشراً على توجه أمريكي صدامي مع روسيا. كما أن محدودية الضربة التي أقرها ترامب للنظام السوري، لم تمنع الدول العربية المناهضة لإيران وحليفها في دمشق من الاحتفال والترحيب بالإجراء الأمريكي. ردود الفعل الروسية والإيرانية الغاضبة لم يكن لها سوى تعزيز الصورة الجديدة التي أخذت في التبلور لأمريكا ترامب، وبسرعة فائقة وغير متوقعة. في هذه الصورة، تبدو أمريكا وكأنها تعود لتحمل مسؤولياتها لكبح جماح الابتزاز الروسي في الشرق الأوسط وأوروبا، وتعود لدورها في حماية قيم الغرب العليا وتوجيه صفعة طال انتظارها لدكتاتور سورية الصغير، الغارق في أوهام النصر.

في 10 شباط/فبراير، نشرت النيويورك تايمز مقالة تحليلية حول توجهات إدراة الرئيس الأمريكي، بعنوان: « سياسية ترامب الخارجية تفقد سريعاً حافتها الحادة». تعلق التطور الذي دفع لكتابة المقالة بالاتصال الذي أجراه الرئيس الأمريكي، المثير للجدل، بنظيره الصيني، والذي أكد ترامب خلاله على سياسة «الصين الواحدة» التي أصبحت سياسة تقليدية ومستقرة للولايات المتحدة منذ رئاسة نيكسون. كان الرئيس ترامب فاجأ كثيرين عندما استقبل، بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية، اتصالاً من رئيسة تايوان، في إشارة تهديدية، توحي بتخليه عن سياسة الصين الواحدة والتعامل مع تايوان كأنها كيان مستقل، له حق التواجد بمعزل عن الصين. تنظر بيكين إلى تايوان، كما كانت تنظر إلى هونغ كونغ، باعتبارها انشقاقاً غير شرعي عن الوطن الأم، وأن مصيرها العودة إلى الصين الواحدة. بهذا المعنى، معنى تخلي ترامب السريع عن الإيحاءات التهديدية لحديثه السابق مع الرئيسة التايوانية، يمكن القول أن النيويورك تايمز اختارت عنواناً ثاقباً لقراءة تحولات ترامب المتعاقبة. ولكن العنوان حمل درجة من عدم الصحة، كذلك، لأنه افترض أن الشعارات والوعود، التي عبر عنها ترامب خلال حملته الانتخابية، أو أن بعض التصريحات التي أطلقها بعد فوزه في الانتخابات، يمكن وصفها بالسياسة الخارجية. ترامب، في الحقيقة، لم تكن له سياسة خارجية واضحة المعالم قبل توليه السلطة. كانت له توجهات ورغبات وميول، نعم، ولكن هذه لا تؤسس لسياسة خارجية.

وحتى الآن، بعد شهور من توليه مقاليد الأمور، لا يمكن تحديد الجوانب الرئيسية لسياسة الرئيس الخارجية بصورة يقينية. ما اتضح بصورة كافية أن الرئيس قد تراجع، كلية أو جزئياً، عن عدد من وعود حملته الانتخابية، وأنه بدأ باتخاذ خطوات محدودة في المجال الخارجي، تختلف إلى حد ما عن سياسات أوباما. ضمن عدة أشياء أخرى، قال ترامب، أثناء حملته الانتخابية، أن صلاحية حلف الناتو انتهت، وأن على حلفاء أمريكا في آسيا وأوروبا أن يتحملوا أعباء الدفاع عن أنفسهم، وأنه سيبدأ مرحلة جديدة من الصداقة والتعاون مع روسيا (التي لم يخف إعجابه برئيسها)، موحياً بأنه سيرفع العقوبات التي فرضتها إدارة أوباما على الاتحاد الروسي، وقد يتخلى كلية عن أوكرانيا. هدد المرشح ترامب الصين بحرب تجارية؛ بل أن البعض تصور أن الرئيس ترامب سيتبنى سياسة معكوسة لسياسة ريتشارد نيكسون، مثل أن يقيم تحالفاً مع روسيا لعزل الصين وحصارها.

بالنظر إلى قطاع الناخبين، الذي راهنت حملة ترامب على دعمه لتحقيق الفوز، بدت تهديدات ترامب ووعوده أثناء الحملة الانتخابية منطقية. غريبة، ومستهجنة، ومبالغ فيها، بلا شك، ولكنها لم تخطئ هدفها الانتخابي. ولكن، وخلال أسابيع فقط من من تولي إدارته مسؤوليات الحكم، بدأ الرئيس ترامب في التراجع. أعلن ترامب، بلا مواربة، التزامه بحلف الناتو. تراجعت لغة الرئيس ترامب تجاه الصين، وبدا بعد القمة التي عقدها مع الرئيس الصيني أن الولايات المتحدة والصين ستبدأ مباحثات عقلانية للتوصل إلى توافق حول مسائل التجارة بين البلدين. وبعد أن تصاعدت الرهانات على بداية توافقية جديدة في العلاقات بين واشنطن وموسكو، أعلنت إدارة ترامب عن أن رفع العقوبات المفروضة على روسيا ليس مناسباً في هذا الوقت، واستمر تدفق القوات الأمريكية، التي تقرر نشرها مسبقاً في بولندا ودول البلطيق. وحتى في الشرق الأوسط، فاجأ ترامب روسيا بتوجيه ضربته الإنذارية لنظام الأسد، والإعلان بصورة واضحة أن واشنطن ستتخذ إجراءات إضافية ضد النظام إن عاد إلى استخدام السلاح الكيماوي ضد شعبه. ليس ذلك وحسب، بل أن الأمريكيين بدأوا تحقيقاً حول ما إن كانت روسيا تواطأت، بصورة أو أخرى، مع الأسد في الهجوم الدموي على خان شيخون.

ترامب هو رئيس مدهش، وغريب، بلا شك، يتمتع بقدرات نادرة على تأجيج الغضب وإثارة السخرية. ولكن هذا الرئيس، كما كل الرؤساء من قبله، لا يستطع استخدام أداة الدولة، التي انتخب لإدارتها، كيفما شاء وفي أي اتجاه أحب. عندما تتوزع القوة بين المنتخب ومؤسسة الدولة، وعندما تستند عملية الحكم إلى التوازن بين أجهزة الدولة التنفيذية والتشريعية والقضائية، لا يكفي أن تنتصر في الانتخابات لتفعل ما تريد. ثمة اعتبارات استراتيجية تقليدية للدولة الأمريكية، لا يستطيع الرئيس العبث بها؛ وسياسات، لا تستطيع الدولة تحمل عواقبها، مهما كانت قناعة الرئيس بها. وعندما يبدو أن مساعديك يشكلون استفزازاً لتقاليد الدولة، كما هو الحال مع أمثال ستيف بانون، عليك أن تطيح بهم أو تضعهم في حجم محدد. وهذا، على نحو ما، ما يستدعي قراءة أخرى للمسار المحتمل للعلاقات الأمريكية ـ الروسية، الذي يميل إلى الصدام أكثر منه إلى التوافق، وليس في سوريا وحسب. وكلما تصاعدت حدة الصدام، كلما اتضح للعالم محدودية مقدرات روسيا وقدرتها على الفعل.

٭ كاتب وباحث عربي في التاريخ الحديث

القدس العربي

 

 

 

وماذا إذا كان الروس من قصف خان شيخون بالكيماوي؟/ محمود اللبابيدي

تعددت الفرضيات عن دوافع النظام لقصف بلدة خان شيخون في ريف إدلب بغاز السارين، ما تسبب في مقتل 80 شخصاً اختناقاً. وتراوحت الفرضيات بين إعطاء الأمر بالقصف الكيماوي من جناح إيراني ضمن النظام لمنع تقارب روسي أميركي محتمل، إلى أهمية خان شيخون الاستراتيجية كأول بلدة في ريف إدلب متاخمة لريف حماة الشمالي ورغبة النظام في تهجير أهلها كمقدمة لهجومه العكسي على المعارضة، مروراً بكونها رسالة اختبر بها النظام حدوده الجديدة بعد الرسائل الإيجابية تجاه الأسد من قبل الولايات المتحدة.

إلا أن المعطيات الاستخباراتية الأميركية، التي تم نشرها، أشارت إلى تورط روسي في العملية، الأمر الذي تسبب في تدهور العلاقات بين الطرفين، وسط اجماع غربي على ضرورة حلّ روسيا لحلفها مع النظام.

ثمة حلقة ناقصة في ما سبق، فإذا كان الروس متورطين في القصف الكيماوي، على مستوى القيادة، فقد توقعوا ما سيستدرجه عالمياً، وسط تحقيق أميركي مزدوج في العلاقة بين بعض أعضاء حملة الرئيس دونالد ترامب، ومن إدارته الحالية، مع مسؤولين وعملاء روس. فهل استهدف الروس في العملية إرسال طوق نجاة للرئيس ترامب، في معاركه الداخلية، وهو الذي أمر مباشرة بقصف قاعدة الشعيرات التابعة للنظام، والتي انطلق منها الطيران المحمل بالسارين، والتي تحوي على قاعدة عسكرية روسية.

التحقيق بالتدخل الروسي في الانتخابات الأميركية أطاحت بالمستشار الجنرال مايك فلين، وأربكت وزير العدل، وأبعدت رئيس لجنة التحقيق في الكونغرس، ووضعت مقربين من ترامب تحت المساءلة. آخر الفضائح كانت بالتحقيق مع كارتر بيج، أحد أعضاء حملة ترامب الانتخابية، والمتهم بكونه عميلاً لدولة أجنبية.

وإذا لم يكن الكرملين خلف الضربة الكيماوية بشكل مباشر، فإنه سرعان ما حولها من أزمة إلى فرصة. فالعملية وعدا عن تخفيف الضغط على الرئيس الأميركي بوصفه رجل بوتين، كما تقول عنه بعض الصحف الأميركية، فإنها أيضا تحقق للكرملين مجموعة أهداف رئيسية. فالنظام السوري انتهى فعليا مع الضربة الكيماوية، وما تبعها من قصف أميركي، وانتهى أي أمل بالتقارب بين النظام والغرب، بعدما لاحت فرصة سانحة لذلك خلال الفترة الماضية.

النظام صار فعلياً رهين الإرادة الروسية، من دون أي أمل لنجاته، في البازار المفتوح على رأسه حالياً. كما أن الروس في هذه اللحظة، صار بإمكانهم إحداث التغيير الذي يناسبهم ضمن النظام، من دون نزاع مع الإيرانيين. فالضربة الأميركية، دفعت بدورها طهران إلى الحضن الروسي، بعدما كانت بوادر الاختلاف بينهما تتعمق في الملف السوري. فـ”الشر الأكبر” تدخل حالياً، وليس بإمكان الروس سوى مفاوضته.

رفع العلم الروسي على مطار الضمير على طريق دمشق بغداد الدولي، هو مؤشر إلى الحد الذي بلغه رعب النظام. ومعظم العتاد العسكري المهم لقوات النظام نقل مباشرة إلى قواعد روسية. الضربة بهذا المعنى، نتج عنها، هيمنة روسية كاملة ومطلقة على النظام، وصار بإمكانها وحدها مقايضته، كبضاعة سامة، بما يضمن المصلحة الروسية الكاملة شرقي المتوسط.

سؤال المليون دولار عن دافع النظام للضربة الكيماوية، حيّر الجميع، بمن فيهم الرئيس ترامب، الذي ظل يسأل مستشاريه عن دوافع الأسد حتى بعدما انطلقت صواريخ التوماهوك، بحسب الصحافة الأميركية. إدخال الولايات المتحدة في المغطس السوري، قد يكون بدوره طوق النجاة للروس، بعدما بلغت تكاليف الحرب السورية ما بلغته، من دون نهاية واضحة لها.

ويبقى أن دفع مجرم معروف ومُراقب إلى ارتكاب فعل لا يمكن إنكاره، أمام أهم أجهزة الاستخبارات العالمية، هو أشبه بعرض رجل منفرد على مسرح مكشوف، لا يمكن معه لمن أدمن انتقاد سياسة الرئيس السابق أوباما، واتهامه بالتقليل من مكانة أميركا، الداخلية والخارجية، إلا بالتدخل. الروس، وعدا عن دفاعهم المحموم عن الأسد، ومطالبتهم بلجنة تحقيق حول الأمر، أصروا على استخدام حق النقض، ضد مشروع غربي يطالب بالتحقيق.

حدود هذا التدخل، لا حتميته، كانت الرهان الروسي. ومع هذه الضربة العسكرية المحدودة، وتداعي حلفاء أميركا، لتشكيل تحالف عالمي، يقنع الروس بضرورة الاستغناء عن الأسد، هو أكثر ما يطلبه الكرملين. فروسيا حققت من تدخلها في سوريا ما تريده: الاعتراف بها كقوة عظمى. ولا بأس حينها من إعادة ترتيب النظام، ولو اقتضى الأمر الاطاحة برأسه، بعد حين.

وما بدا واضحاً في المؤتمر الصحافي الذي عقده ترامب مع أمين عام حلف الناتو، أن المفاوضات التي أجراها وزير الخارجية ريكس تيلرسون في موسكو مع بوتين، كانت “منتجة”، وستظهر نتائجها بعد وقت قد يكون طويلاً. اجابة ترامب عن احتمال معرفة الروس بالهجوم الكيماوي أتت مواربة، لكنها أعطت الكرملين باباً للمناورة.

وعليه، ألا يبدو أن صيغة تفاهم ما قد حدثت في موسكو، تتعلق بإزاحة الأسد في المستقبل، وهو الجزار بحسب ترامب، ولكن بالشروط الروسية. بذلك، تكون موسكو قد حققت بضربة كيماوية واحدة، أكثر بكثير من قتل الأطفال السوريين.

المدن

 

 

 

 

سوريا لا تغيير بعد الضربة/ محمد العزير

آذن انطلاق الـ “توما هوك” من بارجتين حربيتين اميركيتين في شرق المتوسط مساء الخميس الماضي، بتحول استراتيجي مفاجئ لإدارة الرئيس دونالد ترامب من الصراع المزمن في سوريا ومن الرئيس السوري بشار الأسد، الذي بلغ حد الغضب عليه درجة وصفه بالـ “حيوان”، وسط تدافع غير مسبوق للتصريحات الرسمية العنيفة من البيت الأبيض والبنتاغون ووزارة الخارجية والحاسمة في مناوءتها للأسد ورعاته الدوليين وحلفائه.

هل يعني الهجوم الصاروخي المحدود، الذي جاء ردًا على إتهام النظام السوري باستخدام غاز السارين في خان شيخون قرب حمص، والهجمات اللفظية المتصاعدة على ألسنة ترامب وكبار معاونيه، أن هناك سياسة خارجية أميركية محددة تجاه سوريا الآن؟ أو هل هناك خطة طريق لدى الإدارة الأميركية للتعامل مع التطورات السورية في المدى المنظور؟ على عكس ما يتمناه مستعجلو الحسم، وعلى عكس العواطف التي جاشت على أمل إسدال ستار التغيير على ديكتاتورية آل الأسد، يبدو ان الجواب على كلا السؤالين غير واضح. إذا اردنا استخدام العبارات الرائجة في واشنطن والإعلام الأميركي عمومًا، لا تعدو تلك النقلة أفضل من أي من التقلبات التي تصيب مواقف ترامب بلا مقدمات، وغالبًا بلا نتائج.

لا يخفى على أحد أن التهديد الذي تمثله كوريا الشمالية على المصالح المباشرة لأميركا حاليًا، أكبر بأضعاف مما يشكله رئيس شكلي مثل بشار الأسد، يعتاش على المعونات المالية والعسكرية والمعنوية الضخمة لحلفائه. لا شك في أن مقاربة ترامب للمشكلة الأكبر (كوريا)، توحي بكيفية مقاربته المحتملة للمشكلة الأصغر (سوريا). في مقابلة مع صحيفة “وول ستريت جورنال” المحافظة والمؤيدة له اجمالًا، قال ترامب انه عندما بحث القضية الكورية مع ضيفه الرئيس الصيني شي جنغ بينغ، اكتشف خلال عشر دقائق تاريخ العلاقات الصينية الكورية و”أن المسألة ليست سهلة … كنت اشعر بقوة أن لديهم (الصين) نفوذًا هائلًا على كوريا الشمالية، لكن الأمر ليس كما تفكر…”

لهذا القول معنى يدركه المتابعون الأميركيون لظاهرة دونالد ترامب وهو أن الرئيس لا يفقه ألف باء العمل المؤسسي وأن قناعاته لا تنطلق من منظومة قيم او مفاهيم ولا تستند الى عقيدة او مبدأ، وانما مجرد تجليات عاطفية فورية، تمامًا كتلك التي جعلته يأمر باستخدام “توما هوك” لأنه، كما كرر بنفسه، تأثر بصور ضحايا الهجوم الكيماوي على المدنيين. التعاطف مع الأبرياء ليس عيبًا الا انه ميزة غير كافية لتكّون استراتيجية لدولة عظمى إزاء مستجدات في خضم حرب أهلية. في المقابلة نفسها، وفيما كانت الشاشات تعيد مقابلته التي أطلق فيها على الأسد وصف حيوان، غسل ترامب يديه من الإصرار على تنحية بشار الأسد، وقال ردًا على سؤال ما إذا كانت الولايات المتحدة مصرّة على تنحي الأسد: “اعتقد ان هناك غضبًا كهذا على ما فعله وقد ركزنا على ذلك، هل نحن مصرون على ذلك (تنحيه)؟ لا. لكن اعتقد ان ذلك سيحصل عند نقطة محددة. لكننا نحن لسنا ذاهبين الى سوريا”.

سكب هذا الكلام الصريح لترامب الكثير من الماء البارد على الإنفعالات التي راجت طوال الأيام القليلة الماضية وأنعشت الآمال برحيل الأسد، واعادت الموقف الرسمي الأميركي الى مربع باراك أوباما، “لا مستقبل للأسد في سوريا”… اللازمة التي لم تجد ترجمة أميركية فعالة منذ العام 2012. وتأكد هذا الكلام مع التصريحات الدبلوماسية لوزير الخارجية ريك تيلرسون في موسكو، التي لم تفوّت فرصة زيارته لتصعيد اللهجة ضد ترامب، في انقلاب على الجو الودي الذي ساد منذ انتخابه في الخريف الماضي.

يرى متابعون للملف السوري في واشنطن، أن عاصفة “توما هوك” ستهدأ، وبعدها سيعود الوضع الى ما كان عليه قبل خان شيخون، حيث سيتعزز الوجود العملاني للقوات الأميركية تدريجًا على الأراضي السورية بالتوازي مع التطورات الميدانية في العراق، على أن يعود التركيز على مسمى “الحرب على الإرهاب” لكن بطريقة تضمن تظهير بصمات ترامب الهجومية. وفي هذا الإطار يتوقع المتابعون أن تبدأ خلال أيام قليلة معركة كبيرة في الجنوب السوري، خصوصًا في المناطق القريبة من الحدود الفلسطينية الأردنية المشتركة لإنهاء وجود ما يسمى “جيش خالد ابن الوليد” التابع لداعش هناك. ويوحي الحديث عن هذه المعركة بأن ترامب يعتمد بشكل كبير على العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني لإبعاد التنظيمات الإرهابية عن حدوده وعن الجولان المحتل، بطريقة تؤكد للروس أن أولويات الأميركيين لم تتغير بعد.

الا ان المتابعين أنفسهم ينبهون الى انه لا ثوابت في التعامل مع ترامب ولا ضمانات، فبعد ارتفاع شعبيته الى الأكثرية بنقطة وحيدة بعد هجمة الـ “توما هوك”، وذلك للمرة الأولى منذ دخوله البيت الأبيض، وبعد تربعه على الشاشات بشكل متواصل مصحوبًا بالإطراءات والتأييد لقدرته على الحسم، بالمقارنة مع صورة سلفه أوباما، ربما لا يكتفي بهجوم الشعيرات ويأمر بهجمات جديدة تكون تمهيدًا لتورط أكبر. والمشكلة في كل هذه الصورة أن الكثير من المواقع الحساسة في وزارتي الخارجية والدفاع، خصوصًا تلك المسؤولة عن التقييم والمشورة لا تزال شاغرة، وبالتالي سيكون على ترامب ان يعتمد على استنتاجاته الشخصية لرسم سياسات مهمة.

المدن

 

 

 

 

من خان شيخون إلى مطار الشعيرات/ عديد نصار

أثارت جريمة خان شيخون الكثير من الأسئلة حول هدف النظام الأسدي من ارتكابها في ذلك الوقت تحديدا، في حين تستعيد قواته مواقع كثيرة خسرتها في الأسابيع الماضية من جهة، وبعد تصريحات أميركية تجعل من إبعاد بشار الأسد عن السلطة خارج أولويات الإدارة الأميركية.

لقد ارتكب الأسد جريمته المروعة في خان شيخون مستخدما غاز السارين القاتل. ولكن من هي الجهة التي اتخذت القرار وما الهدف من ورائه؟ وهذا شأن آخر.

أميركيا، فعلها الرئيس دونالد ترامب مقرنا القول بالعمل ومنفذا وعيده ضد نظام الأسد، ولكن اللياقة لم تفته. فأبلغ زميله الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالضربة وبالمكان المستهدف، فأخليَ من الجنود الروس وغير الروس ومن الطائرات التي توزع الموت على أطفال سوريا.

تم تدمير مطار الشعيرات الذي انطلقت منه الهجمات الكيميائية على خان شيخون. لا يمكن لمن يتلقى الموت اليومي عبر هذا المطار وعبر سواه إلا أن يهلل لتتوقف تلك الطائرات عن توزيع الموت ولو ليوم واحد أو لساعات معدودات، فهل تتقاطع مصالح الشعوب وبالأخص ثوراتها مع المشاريع الإمبريالية للهيمنة؟

بالتأكيد هذا محال وقد أثبتت الثورة السورية استحالة أي تقاطع ولو كان ظرفيا بين ثورة لا يمكن إلا أن تكون ضد الهيمنة الإمبريالية مهما كانت هويتها، وبين تلك الإمبرياليات. وعليه، ينبغي ألا تزدهر الأوهام من جديد حول تدخل أميركي ينقذ الشعب السوري ويسقط النظام الدموي لبشار الأسد. هذه الضربة ليست مقدمة لإسقاط نظام الأسد.

أما بخصوص “المعارضة السعيدة” بهذه الضربات، فعليها أن تعرف أن ما نفذه ترامب لم يكن ليهدف إلى تغيير المعادلات على الساحة السورية بما يجعل النظام أقرب إلى التداعي والسقوط أو يتيح لها وللمعارضة المسلحة أن تستعيدا زمام المبادرة على الأرض، بقدر ما كان يهدف إلى استعادة دور الولايات المتحدة وتضخيمه في سوريا وفي المنطقة وأكثر من ذلك، استعادة هيبة ترامب نفسه وطاقمه السياسي وإدارته في النظام الأميركي نفسه بعد أن تعرض لكل تلك الخيبات على مدى الأشهر الثلاثة الأولى من ولايته من خلال إظهار ذلك الفارق بينه وبين سياسات سلفه باراك أوباما التي اتسمت بالتهاون حيال مجزرة الكيميائي الأولى في الغوطة الدمشقية قبل سنوات. وهنا يظهر الفارق الكبير بين ما يريده دونالد ترامب وبين ما يتوهمه بعض المعارضين السوريين.

من جهة أخرى، ليست المطارات الحربية السورية وكذلك الطائرات الحربية إلا مال الشعب السـوري الذي دفع أثمـانها من دمه وعرقه. ولكن، بين أن تُستخدم تلك الطائرات والمطارات لقتل أبناء هذا الشعب وتدمير مدنه وقـراه، وبين أن يطـالها التدمير سيقترع السوريون لمصلحة الخيار الأخير بغض النظر عن الجهة التي تنجز هذه المهمة.

وبين التهليل للضربات الصاروخية الأميركية على مطارات الأسد الحربية وبين التنديد والاستنكار من منطلق “وطني” وقومي باعتبار ذلك عدوانا على بلد ذي سيادة، ينبغي إبداء الملاحظات التالية:

المندّدون يتذرعون بخرق السيادة الوطنية ويعتبرون ذلك عدوانا سافرا يتناقض مع القوانين والأعراف الدولية. حسنا. هؤلاء “السياديون” لم يلحظوا أن القوات الأميركية تتواجد في عدة قواعد عسكرية داخل الأراضي السورية منذ تخليص عين العرب من تنظيم داعش على أيدي قوات كردية مدعومة بقوة من الأميركيين. وهم أنفسهم لم يلحظوا استمرار دعم الأميركيين لوحدات حماية الشعب (التي يهللون لها) وقوات سوريا الديمقراطية بالمال والعتاد والتدريب والتوجيه سواء في مواجهة داعش أو في مواجهة درع الفرات. ولم يلحظوا العلم الأميركي الذي رفعه بضع عشرات من الجنود الأميركيين في منبج لإيقاف التمدد التركي هناك.

طبعا هؤلاء غير معنيين بملاحظة الاحتلاليْن الإيراني والروسي، ولا بالتواجد الكاسح لميليشيات فاطميون (أفغانستان) وزينبيون (باكستان) والنجباء وعصائب أهل الحق وأبوالفضل العباس (العراق) وحزب الله اللبناني، باعتبار أنها جاءت إلى سوريا بدعوة من “الحكومة الشرعية” التابعة للنظام الأسدي، وبالتالي لا تمثل خرقا للسيادة الوطنية مهما كان حجم الجرائم التي ترتكبها.

الأميركيون قصفوا قاعدة جوية في سوريا، لكنها قاعدة جوية لم تستخدم إلا في ذبح الشعب السوري. وهذا ما أثار سخط المنددين. هؤلاء المنددون الحريصون على السيادة لم يلحظوا أن طيران التحالف، والأميـركي تحديدا، قـد ارتكب في نفـس اليـوم مجزرة بحق مـواطنين سوريـين مدنيين أبرياء في قـرية متواضعة شـرقي الرقة. هذا لا يعنيهم، طالما لا يمس نظام الأسد وقواته.

أما المهللون فيمثلون الامتداد الطبيعي لأولئك الذين ومنذ الأيام الأولى للثورة، ما برحوا يعولون على التدخل الخارجي لإسقاط الأسد ليشكلوا البديل السلطوي التابع. وقد استمروا في بيع الأوهام للسوريين على مدى السنوات الست وبلا هوادة، وبعضهم راهن حتى على الروس، تارة لإبعاد الإيرانيين وطورا لاستبعاد الأسد وأطوارا أخرى لإشراكهم في سلطة ما حتى لو استمر بشار الأسد في منصبه. وها هم اليوم يراهنون على أوهام التدخل الأميركي لإسقاط الأسد.

من يظن أن طائرات الأسد الحربية يمكن أن تتحرك في سماء سوريا دون إشارة من القوات الروسية فهو مخطئ. أما أطفال خان شيخون فقد ذهبوا ضحية العجرفة البوتينية التي أرادت استدراج دونالد ترامب ليكشـف عن حقيقة موقفه بعد تصريح مندوبة الولايات المتحدة إلى مجلس الأمن الذي قالت فيه إن إبعاد بشار الأسد لم يعد من أولويات الولايات المتحدة، ويبدو أن الروس قد حصلوا على الجواب. ترامب ليس أوباما بل يساوي أوباما زائد ضربة صاروخية.

كاتب لبناني

العرب

 

 

 

بوتين لم يدِن الغارة ولم يدافع عن الأسد/ هدى الحسيني

ندَّدَت روسيا بالغارة الأميركية على قاعدة «الشعيرات» الجوية في سوريا، لكن لم يصدر أي تصريح مباشر عن الرئيس فلاديمير بوتين، لا تنديداً بالغارة الأميركية، ولا دفاعاً عن بشار الأسد. ويوم الاثنين الماضي، قالت القيادة المركزية الأميركية (سنتكوم): «لم يكن الهدف جعل القاعدة خارج الصلاحية،

بل تقليص القدرة السورية على شن هجمات بالأسلحة الكيماوية». ومن ناحيتهم، أوضح الروس أن دفاعاتهم الجوية في سوريا هي للدفاع عن قواتهم هناك، وعن معداتهم، وليس للدفاع عن الجيش السوري أو معداته أو قواعده، أيضاً، وكما قال محلل عسكري روسي إنه على الرغم من الضجة الإعلامية التي ترافق أنظمة الدفاع الروسية، فإنها محدودة جداً فيما يمكن أن تفعله ضد صواريخ «الكروز»، خصوصاً إذا كانت متجهة إلى هدف ليست الصواريخ موجَّهَة للدفاع عنه.

يوم الأحد الماضي، استضافت القنوات التلفزيونية الأميركية كبار مسؤولي الإدارة الجديدة. الجنرال ه. آر. ماكماستر مستشار الأمن القومي قال على قناة «فوكس نيوز»: «نحن لا نقول إننا من سيتسبب بالتغيير في سوريا، فالحل للصراع هناك يتطلب إلحاق الهزيمة بـ(داعش)، وبعد ذلك تغييراً ملحوظاً في طبيعة النظام».

عندما وقَعَت الغارة كثرت التخمينات بتغيير في السياسة الأميركية الخارجية، لكن الغارة بحد ذاتها لا تغير مجرى اللعبة، هي كانت مجرد واحدة لها هدف محدد، ولإبلاغ الأسد بأن اللجوء إلى الأسلحة الكيماوية غير مقبول أميركياً، وكانت بمثابة ضربة على كتف روسيا، وبأن الولايات المتحدة ليست خائفة من الإقدام على عمل عسكري، حتى لو كان الروس منتشرين عسكرياً، والأهم كانت لإظهار الفارق الشاسع بين إدارة الرئيس دونالد ترمب والإدارة السابقة، ثم إن ترمب يعرف أن تغيير اللعبة في سوريا من الطرف الأميركي يتطلب دوراً من الكونغرس.

إذا راجعنا ما قاله الرئيس ترمب ووزارة الدفاع، نلحظ أن الغارة كانت لإعادة رسم الخطوط الحمراء. قال الجنرال جيمس ماتيس وزير الدفاع يوم الاثنين الماضي: «إن الحكومة السورية تكون مخطئة جداً، إذا ما حاولت اللجوء إلى السلاح الكيماوي مرة أخرى». يُفهَم من هذا أن الغارة ليست محاولة للإطاحة بالأسد، أو تصحيح كل الأخطاء في سوريا، لأنه لا أحد في الغرب يعتقد أن الحل في سوريا عسكري.

وأسأل أحد المراقبين السياسيين الغربيين عن أسباب لجوء الأسد إلى استعمال غاز السارين، وفي اعتقاده أن المعارك انقلبت على قواته، فأراد اختصار مسافاتها، ثم شعر بالقوة، إنما بالشكوك أيضاً من التحول في الموقف الأميركي تجاه بقائه في السلطة، واعتقد أن التحول جزء من تقارب روسي – أميركي قد يؤدي إلى اتفاق بينهما على تسوية سورية شاملة، خصوصاً بعدما فشلت روسيا في التوصل إلى حل بإشرافها.

ويضيف محدثي: «إن الاتفاق لتسليم أسلحته الكيماوية جرى بين روسيا والولايات المتحدة، وهذا يعني أن الدولتين ضامنتان للاتفاق، من هنا فإن لجوءه إلى استعمال غاز السارين هو تحدٍّ للاثنين معاً، وبمثابة صفعة للرئيس الروسي».

سوريا مشكلة معقدة جداً وشائكة، وأكثر العارفين بهذا الأمر هو بشار الأسد. لقد تحولت إلى مستنقع. قبل الغارة الأميركية قال ريكس تيلرسون وزير الخارجية: «لا دور للأسد في مستقبل سوريا». المشكلة في هذه العبارة أن الكثيرين رددوها سابقاً، لدرجة أصبحت بنظر الأسد مثل فقاعات صابون، لأنه إذا أراد الأميركيون أن يكون لتصريحاتهم وَقْع الفعل، فيجب أن تكون لهم قوات داخل اللعبة.

لو أن هذه الغارة الأميركية شُنَّت عام 2013، عندما سقط أكثر من ألف مدني ضحية القصف الكيماوي، لكانت غَيَّرت مجرى الحرب، لأنه في ذلك الوقت كان الأسد ضعيفاً، وهو الآن أقوى، بعدما أصبح الروس مشاركين إلى جانبه، والتغاضي عنه عام 2013 أعطاه ثقة بأنه قد ينجح هذه المرة أيضاً، إنما بضرب عصفورين بحجر واحد، خصوصاً أن الروسيَّ استثمر كثيراً في سوريا كخطوة أولى لإعادة بناء مجد غابر.

لكن هل الولايات المتحدة وروسيا على استعداد لخوض حرب ضد بعضهما من أجل سوريا؟ بالطبع لا، لا من أجل سوريا، ولا من أجل تركيا، ولا حتى من أجل إيران.

يوم السبت الماضي، أطل على شاشة «بي بي سي» البريطانية، سباستيان غوركا النائب المساعد للرئيس ترمب، قال: «ما حصل كان عملية جراحية استُعمِلَت فيها الصواريخ». الرئيس ترمب اليوم هو نفسه الذي قال: «ليس من اهتماماتنا غزو دول أخرى، أو احتلالها، هذا أمر غير أميركي (…)». رد غوركا على قول رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف إن العلاقة بين موسكو وواشنطن تدمَّرَت، فقال: «إن إرهاب المتطرفين هو خطر على دولنا. وتبقى روسيا جيواستراتيجياً دولة مهمة».

يقول بعض العارفين إن روسيا فُوجِئَت بالغارة الكيماوية، الأسبوع الماضي، وبالتالي فإن الأسد سيدفع لاحقاً ثمن إحراجه لبوتين. يقول محدثي: «إن روسيا تنظر إلى الصورة الأوسع، التوتر مرتفع الآن، لكن هناك مجالات أمام روسيا وأميركا للعمل معاً في سوريا، ويجب أن تتوفر، لأنه لا مجال لتسوية أحادية في سوريا. فالكثير من الدول لها دور في تلك البلاد؛ من أميركا إلى روسيا، إلى إيران، إلى تركيا إلى دول الخليج، والكل يجب أن يفكر في الصورة الأبعد، لذلك على الدول كلها أن تعمل معاً، ثم إن زيارة تيلرسون إلى موسكو فرصة للطرفين لإيجاد طرح لتجاوز هذا الوضع». ويضيف: «تقول روسيا إن كل المحاولات لفرض وقف لإطلاق النار في سوريا فشلت، لأن الأميركيين والروس غير قادرين على التحكم في كل الأطراف على الأرض».

الغرب يريد أن يكون حاسماً مع روسيا، ويجب، لكنه اختلف حول فرض عقوبات اقتصادية. العارفون يقولون إن سيطرة روسيا على الأسد مبالغ فيها، وفكرة أنها تستطيع إلغاء الأسد ساعة تشاء غير صحيحة، هي تود أن تسيطر أكثر مما تفعل الآن، لكنها لا تستطيع، والهجوم الكيماوي الأخير أثبت ما قاله تيلرسون يوم الأحد الماضي لقناة «إيه بي سي» الأميركية: «لا أقول إن الروس تواطأوا، إنما كان عجزهم واضحاً، أو ربما ناور السوريون عليهم».

الدول الصناعية السبع، في قمتها في لوكا بإيطاليا، طالبت روسيا بوضع مسافة بينها وبين الأسد، لكن روسيا لا تستطيع ذلك، ليس لأن لها مصالح في المنطقة وحسب، بل ترى أنه إذا تمت إزاحة الأسد فمصير سوريا سيكون كمصير العراق أو ليبيا. في هذه الحالة، تفضل روسيا «الشيطان الذي تعرف على الشيطان الذي لا تعرف» على هذا يجيب محدثي: «إن الشيطان في كل الأحوال شيطان، والواقع أن الروس موجودون في سوريا وبإمكانهم فعل أكثر مما يفعلون». يضيف: «نتفق على أن النفوذ الروسي على الأسد غير معروف، لكن الروس هم القوة الأكبر التي تحمي الأسد، ولولا التدخل الروسي لكان الأسد سقط». يقول: «ما سيأتي بعد الأسد لن يختلف عن الواقع السوري الآن. قد يكون ما بعد الأسد سيئاً، لكن ما هو في ظل الأسد الآن سيئ جداً».

في النهاية، رغم كل التصريحات القوية، لا يبدو أن الأوروبيين أو الأميركيين يرون أن الصراع في سوريا جدي وخطير إلى درجة تدفعهم لنشر قوات على الأرض. والمثير في هذه الحالة أن يخسر بوتين رئاسة روسيا، العام المقبل، ويبقى الأسد في سوريا.

تيلرسون في موسكو في زيارة محددة سابقاً، ليس معروفاً كيف ستتطور العلاقة الروسية – الأميركية بعد هذه الزيارة. والمهم، كما ذكرت، أن بوتين لم يُدِن العملية ولم يدافع عن الأسد، وهذا يعني أنه يتطلع إلى علاقة جديدة مع واشنطن؛ فبعد هذه الغارة الأميركية، خفتت الأصوات الأميركية التي كانت تتهم ترمب بأنه في جيب الكرملين. أثبت ترمب أنه سيد نفسه، فهل يثبت بوتين أنه كذلك وأنه لن يسمح للأسد بالمراوغة عليه؟!. . . .

الشرق الأوسط

 

 

 

 

ترامب و«داعش» في سوريا/ توماس فريدمان

وقع فريق ترامب للسياسة الخارجية في حيص بيص، بشأن الخطوة التالية الواجب اتخاذها في سوريا: إسقاط النظام، أم تكثيف المساعدات للثوار، أم الرد على أي هجمات جديدة على المدنيين الأبرياء؟ ولكن حين يشتد الضغط، هناك فكرة يبدو أن جميع أفراد الفريق يتفقون عليها: «هزيمة داعش»، مثلما يقول وزير الخارجية ريكس تيلرسون. حسناً، دعوني أزيد من حيرتهم عبر طرح سؤال واحد: لماذا؟

لماذا ينبغي أن يكون هدفنا في الوقت الحالي هو هزيمة «داعش» في سوريا؟ بالطبع إن «داعش» تنظيم بغيض وينبغي القضاء عليه، ولكن هل من مصلحتنا حقاً التركيز فقط على هزيمة «داعش» في سوريا في الوقت الراهن؟ لنحلل الأمور بشكل منطقي، هناك في الحقيقة شكلان لـ«داعش».

الأول هو «داعش الافتراضية». إنها شيطانية، وحشية، ولا شكل لها. تقوم بنشر إيديولوجيتها عبر الإنترنت، ولديها أتباع عبر أوروبا والعالم الإسلامي. وفي اعتقادي، فإن هذا النوع من «داعش» هو التهديد الرئيسي المحدق بنا، لأنه وجد طرقاً لنشر إيديولوجيته الجهادية السُنية التي تُلهم وتمنح الإذن لأولئك المسلمين الذين يعيشون على هامش المجتمع ويشعرون بالمهانة والإذلال – من لندن إلى باريس إلى القاهرة – لاستعادة كرامتهم عبر عمليات قتل للأبرياء تتصدر عناوين الأخبار.

أما الشكل الآخر الذي يتخذه، فهو «داعش الميدانية». إنها مازالت تسيطر على جيوب غرب العراق وقطاعات أوسع في سوريا، وهدفها هو هزم نظام بشار الأسد في سوريا – إضافة إلى حلفائه الروس والإيرانيين ومن «حزب الله» – وكذلك هزم النظام الشيعي الموالي لإيران في العراق، واستبدالهما بدولة الخلافة.

التحدي الأول: إن «داعش الافتراضية»، التي تملك أتباعاً عبر العالم، لن تختفي حتى في حال هزيمة «داعش الميدانية»، وأعتقدُ أن أذى «داعش الافتراضية» سيزداد قوة وتوسعاً قصد التغطية على حقيقة أنها فقدت الخلافة الميدانية لأعدائها اللدودين: إيران الشيعية، و«حزب الله»، والمليشيات الشيعية في العراق، ونظام الأسد الموالي لشيعة في دمشق، وروسيا، ناهيك عن أميركا.

التحدي الثاني: إن هدف أميركا في سوريا هو خلق ما يكفي من الضغط على الأسد وروسيا وإيران و«حزب الله»، حتى يتفاوضوا حول اتفاق لتقاسم السلطة مع المسلمين السُنة المعتدلين وتنحي الأسد من السلطة. وأحد طرق تحقيق ذلك تكمن في خلق الناتو لمنطقة آمنة يُحظر فيها الطيران في محيط محافظة إدلب، حيث يحتشد الكثير من الثوار المناوئين للأسد وحيث ألقى الأسد مؤخراً قنابل الغاز السام على المدنيين. ولكن الكونجرس والجمهور الأميركي يبدون تحفظاً على ذلك بالطبع.

وعليه، فماذا يمكننا أن نفعل عدا ذلك؟ إننا نستطيع نزيد بشكل كبير ونوعي من مساعداتنا العسكرية للثوار المناوئين للأسد، بحيث نمدّهم بما يكفي من الصواريخ المضادة للدبابات والمضادة للطائرات لتهديد المروحيات والمقاتلات السورية والإيرانية والروسية وتلك التابعة لـ«حزب الله»، وجعلهم ينزفون دماً إلى الحد الذي يجعلهم يرغبون في مفاوضات مفتوحة. وشخصياً، لا أرى مانعاً في ذلك.

وماذا بعد؟ يمكننا بكل بساطة التوقف عن محاربة «داعش الميدانية» في سوريا وجعلها بالكامل مشكلةً لإيران وروسيا و«حزب الله» والأسد. ففي نهاية المطاف، إنهم هم من يتحمل عبء الحرب في سوريا، وليس نحن. ولنجعلهم يخوضون حرباً على جبهتين – الثوار المعتدلين على جانب، و«داعش» على الجانب الآخر. أما إذا هزمنا «داعش الميدانية» الآن، فإن ذلك لن يؤدي إلا إلى تخفيف الضغط على الأسد وإيران وروسيا و«حزب الله» ويمكّنهم من تعبئة كل مواردهم لسحق الثوار المعتدلين في إدلب، وليس تقاسم السلطة معهم.

إنني لا أفهم. فالرئيس دونالد ترامب يعرض الآن هزم «داعش» في سوريا بالمجان – ثم الانتقال بعد ذلك إلى دعم الثوار المعتدلين المناوئين للأسد وتقويتهم. ولكن لماذا؟ متى كانت آخر مرة قدّم فيها ترامب، رجل الأعمال الذي يقول عن نفسه إنه يجيد التفاوض وعقد الصفقات المربحة، شيئاً بالمجان؟ إن هذا هو الوقت ليكون ترامب هو ترامب – شخصية لا يمكن التوقع بأفعالها ولا تهمها إلا مصلحتها الخاصة. فـ«داعش» اليوم هو أكبر تهديد يواجه إيران و«حزب الله» وروسيا والمليشيات الشيعية الموالية لإيران – لأن «داعش» تنظيمٌ إرهابي سني يلعب بقذارة على غرار إيران.

ولا شك أن على ترامب أن يرغب في هزيمة «داعش» في العراق. ولكن في سوريا؟ ليس بالمجان، وليس الآن. بل على ترامب أن يترك «داعش» في سوريا لتبقى مشكلة الأسد وإيران و«حزب الله» وروسيا – تماماً على نحو ما فعلنا عندما شجّعنا المقاتلين المجاهدين على إصابة الروس بنزيف في أفغانستان.

صحيح أننا على المدى الطويل نريد سحق «داعش» في كل مكان، ولكن سحق «داعش» والإبقاء عليها مسحوقة على الميدان لن يتحقق إلا إذا كان لدينا سنة معتدلون في سوريا والعراق قادرون وراغبون في الحلول محلها. والحال أن هؤلاء لن يظهروا إلا إذا كانت ثمة اتفاقات حقيقية لتقاسم السلطة في سوريا والعراق – وذلك لن يحدث إلا إذا شعر الأسد وروسيا وإيران و«حزب الله» بالضغط لتقاسم السلطة.

وعليه، فيجدر بنا ألا نساعدهم على الإفلات من المأزق الذين هم عالقون فيه، بل علينا أن نجعلهم يتحمّلون وزر الدور الذي أخذوا يلعبونه في سوريا – حلفاء بلد لا يتوانى عن استعمال الغاز السام ضد الأطفال. وصدّقوا أو لا تصدّقوا، إن هذه التسمية لن تعجبهم. كما يجدر بترامب أن يستخدم حسابه على تويتر بشكل استراتيجي. وإذا كان باراك أوباما لم يلعب هذه الورقة أبداً من قبل، فعلى ترامب أن يستعملها كل يوم لأن لها تأثيراً فعالاً.

إن سوريا ليست نادياً اجتماعياً، فالجميع هناك يلعب ألعاباً قذرة ويسلك مسالك ملتوية لا رحمة فيها ولا شفقة.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»

الاتحاد

 

 

 

هواجس التدخل في سوريا/ تشارلز إم. بلو

تنكر دونالد ترامب إلى حد كبير لكل ما قاله عن التورط العسكري الأميركي في سوريا، وأطلق ما يقرب من 60 صاروخاً على قاعدة الشعيرات الجوية. وزعم البيان الرسمي الأميركي أن الضربات جاءت رداً على استخدام النظام السوري للأسلحة الكيماوية ضد شعبه. ولكن البيان مضى أيضاً ليعزز إطار الخوف الذي غالباً ما يستخدم في الترويج للمهام الإنسانية، وجاء فيه أن «من المصلحة الأمنية القومية الحيوية للولايات المتحدة أن نمنع ونردع انتشار واستخدام الأسلحة الكيماوية القاتلة». وهذا يذكرنا بجورج بوش وقصة أسلحة الدمار الشامل التي زعم امتلاك نظام صدام حسين لها، وهي كذبة أدت بنا إلى حرب استمرت ما يقرب من عقد.

ولا أريد هنا أن أكون قاسياً، ولكن الفظائع تحدث في العالم دوماً، بل وحدثت على نطاق أوسع مما وقع في سوريا من قبل. فبعض البشر قادرون على ارتكاب القسوة بدرجة لا يمكن تخيلها. وأحياناً يموت الضحايا بسرعة، وتستطيع وسائل الإعلام عرض صورهم أمام العالم. وفي أوقات أخرى، يموتون ببطء بعيداً عن عدسات التصوير والعيون. وأحياناً قد تستخدم الأسلحة المحظورة وأحياناً أخرى تكون الأسلحة التقليدية، أو يقتل الضحايا الإهمال والحصار والجوع. والعالم بصفة عامة، وأميركا بصفة خاصة، يتقاعس عن اتخاذ قرارات لتحديد أي الفظائع يستحق رداً وأيها لا يستحقه. وهذه القرارات قد تكون خاضعة للنزوات في أفضل الأحوال، وأحياناً تكون محسوبة ولكنها مستترة ببواعث أخرى في أسوأ الأحوال. والواقع أن حوافز الأعمال المسلحة ليست مفردة على الإطلاق بل عادة ما تكون متعددة ومتشابكة.

ويمكن استخدام أعمال الحرب نفسها كسلاح سياسي. ويمكنها أن تشتت الانتباه وتهدئ الأجواء وتعزز الرغبة في الإنفاق العسكري وترفع مستويات التأييد الضعيفة. وتأثير «الالتفاف حول العلم» رصدته جيداً مراكز استطلاعات الرأي. وقد ذكر مركز «جالوب» في عام 2001 بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، أنه «عشية الهجمات الإرهابية، يوم الثلاثاء، ارتفعت معدلات التأييد لطريقة أداء الرئيس السابق جورج بوش عمله إلى 86% وهي رابع أعلى معدل تأييد تم قياسه في ستة عقود من طرح هذا السؤال على الأميركيين. ولم يحصل على نسبة أعلى منها إلا الرئيسان جورج بوش الأب وهاري ترومان. فقد حصل بوش الأب مرتين على نسبة 89% في حرب الخليج، وهي أعلى نسبة على الإطلاق، وذات مرة على نسبة 87% أيضاً، وحصل ترومان على نسبة 87% بعد استسلام الألمان في الحرب العالمية الثانية».

ومن السهل أن نروج لبطولة المهمة الإنسانية أو الخوف من الإرهاب أو للفكرتين معاً كما يحاول ترامب في هذه الحالة. والإغراء باستخدام آلة الحرب الأميركية الهائلة مغوٍ بطبيعة الحال، وقد يدفع إلى المزيد. فإطعام وحش الحرب يزيد شهيته أكثر. ويجب على العالم أن يخاف بسبب وجود هذه القوة في يد رجل مثل ترامب الذي يعتمد على الهوى والحدس أكثر مما يعتمد على التفكير.

وقد ذكرت شركة «ماركت ووتش» للتقارير الاقتصادية في الأيام القليلة الماضية أن «إحلال صواريخ كروز التي أمطر بها الجيش الأميركي أهدافاً سورية يوم الخميس الماضي قد يكلف 60 مليون دولار». ولكن صحيفة «فورشن» ذكرت أن أسهم شركات تصنيع الأسلحة بمجرد أن بدأ التداول يوم الجمعة حققت «مجتمعة ما يقرب من خمسة مليارات دولار مكاسب من القيمة السوقية». والحرب نشاط اقتصادي مربح. والأميركيون الذين روعتهم صور الأطفال القتلى يصفقون. ويشعرون بالفخر بأنهم قد ضربوا على يد الآثم دون المخاطرة بوقوع ضحايا أميركيين. لكن القوة الأميركية حالياً متورطة بشكل لا تراجع فيه. فقد أصبحنا نتحكم في ميزان القوى وسمعتنا معرضة للخطر. والعمل يؤدي غالباً إلى المزيد من العمل، والنتائج غير المقصودة تخرج مثل الأعشاب الضارة.

وفي أكثر الحالات تطرفاً، كل ما نقوم به هو اسقاط زعيم شرير في بلد فقير. وهذا، نظرياً، يساعد مواطني هذا البلد، ولكن الحقيقة المعقدة التي تعين علينا أن نتعلمها مراراً في التاريخ الحديث، هي أن ما نفعله هو خلق فراغ يحل فيه رجال أسوأ محل الزعيم الشرير المخلوع. ونحن الآن متورطون تماماً وأمام خيار مستحيل. فإما أن نبقى ونحاول ضبط ما كسرناه، أو نهجر الأمر ونرى الكوابيس وهي تتكاثر. ولهذا يستحسن بنا جميعاً أن نضبط خطب تمجيد الحرب والسياسيين والخبراء الذين عارض بعضهم استخدام القوة العسكرية من قبل في عهد أوباما بعد هجوم كيماوي أسوأ في سوريا عام 2013.

وإذا كنا نشعر بصواب موقفنا بشأن معاقبة الأسد، فعلينا أن ندرك أن سوريا وكر ثعالب معادية لأميركا، وهناك الأسد وروسيا وإيران في جانب و«داعش» على الجانب الآخر. ولا يمكن ضرب طرف دون مساعدة الطرف الآخر. ولذا فإن سوريا دولة لا يمكن الفوز بها تقريباً. وقد مشينا في هذه الطريق من قبل وأمامنا مرتقى حاد الانحدار تفرشه الدوافع السياسية والآمال العسكرية والدماء الأميركية والأموال المبددة. والضجر في هذه المرحلة ليس علامة ضعف بل على العكس هو علامة حكمة مكتسبة بشق الأنفس.

صحفي أميركي

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»

الاتحاد

 

 

 

 

موقع سورية في الصفقة الممكنة بين موسكو وواشنطن/ راغدة درغام

بدأ حديث المقايضات في إطار صفقة أميركية – روسية بشأن سورية إنما ليس في إطار الصفقة الكبرى بين البلدين بما يشمل أوكرانيا ومصير العقوبات المفروضة على روسيا والتي ما زالت هدفاً بعيد المنال وصعب التحقيق. موقع إيران داخل سورية جزء من الحديث الجاري بلغة الممرات و «المطارات». «حزب الله» لن يتواجد في الجولان تلبية لمطالب إسرائيل الاستراتيجية، إنما موقف إسرائيل من فكرة الممر الإيراني إلى لبنان مرفق بتسهيلات مطار له هو اللافت، إن أتى بالموافقة العلنية أو الخفية. زيارة وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون إلى موسكو واجتماعه بنظيره الروسي سيرغي لافروف لحوالى أربع ساعات تبعه استقبال الرئيس فلاديمير بوتين إياه دليل على بدء حديث جدي بين إدارة ترامب وحكومة بوتين حول العلاقة الثنائية ومواقع الصفقة الممكنة، ولقد وقع الخيار على سورية. مشروع القرار الأميركي- البريطاني- الفرنسي في مجلس الأمن الذي دان استخدام الأسلحة الكيماوية في إدلب وطالب بفتح المطارات للتحقيق لاقى الفيتو الروسية الثامنة بعدما طلب المندوب الروسي تأجيل التصويت نظراً لتفاهمات بين تيلرسون ولافروف. لكن مؤشرات التصعيد في نيويورك عبر معارك الفيتو ليست بأهمية المقايضات التي بدأت بالتوازي في موسكو في اليوم ذاته. السفيرة الأميركية نيكي هايلي أطلقت المواقف الأميركية الافتتاحية للمفاوضات مع روسيا من قاعة مجلس الأمن الذي تترأسه للشهر الجاري، مشددة على «الشراكة» التي تريدها الولايات المتحدة مع روسيا في سورية. اتفاق وزيري الخارجية على محطات الشراكة والتفاهمات كان له عنوان لافت عند التأكيد على وحدة أراضي سورية، إلى جانب التأكيد على الشراكة في ضرب «داعش» كأولوية، فسورية الموحدة تعني رفض تقسيمها الذي يتم ميدانياً بما يخدم «الهلال» الذي هو جزء من المشروع الإيراني في سورية، ولذلك يدور الحديث عن ممر ومطار، تعويضاً لطهران التي لا تريد موسكو التخلي عنها إثباتاً لوفائها لحلفائها في التكتيك وفي الاستراتيجية. فموسكو تريد الصفقة مع واشنطن إنما ليس بأي ثمن. كلاهما يقر بأن الرئيس السوري بشار الأسد راحل عاجلاً أم آجلاً، فهو بات الآن «العقدة» المرحلية وليس العقدة المصيرية لسورية. رسالة واشنطن الأساسية إلى موسكو هي أن الفرصة مواتية لتأمينها باستراتيجية خروج من التورط في سورية على أساس صيانة مصالح أساسية لها، وإلا أمامها أن ترث سورية مكسَّرة بكل ما فيها من «دواعش»، ومعارضة عسكرية مُمكَّنة أميركياً، وعزم أميركي على الاستمتاع بتورط روسيا وإيران معاً في المستنقع. رسالة موسكو إلى واشنطن فحواها أنها جاهزة للمقايضة شرط ألا ترتبط الصفقة بأي انطباع يقلّل من مكانة روسيا كدولة استعادت العظمة عبر البوابة السورية، وشرط إقرار الولايات المتحدة بمصالح روسيا الاستراتيجية. مساحة التقاطع بين الرغبتين تبدو اليوم واسعة في أعقاب العملية الأميركية العسكرية في سورية التي فتحت باب المفاوضات الجدية.

صانعو القرار الأميركي نحو روسيا في سورية داخل الإدارة الأميركية -وخارجها- هم عسكريون يتقنون لغة الاستراتيجية الجغرافية- السياسية، وهم من كبار القيادات العسكرية الأميركية وأبرزها. سفيرة الديبلوماسية الأميركية، نيكي هايلي، نالت تقدير وإعجاب هذه المجموعة الفاعلة في صنع القرار، وباتت المعبِّر الأول عن السياسة العسكرية- السياسية الصادرة عن إدارة ترامب. الفكرة الأساسية وراء الرد العسكري السريع على استخدام الأسلحة الكيماوية في خان شيخون هي رسم الخطوط الحمر في الرمال نحو روسيا وإيران وليس فقط نحو سورية.

العنوان الأساسي هو إنهاء النزيف في سورية وإبلاغ الكرملين أن إدارة ترامب تعي أن السياسة الروسية والإيرانية قائمة على «الحل العسكري» في سورية وليس «الحل السياسي»، ولذلك قررت أن فرض ظروف وشروط عسكرية أميركية بات العنصر الجديد في المعادلة، في انقلاب على ظروف النأي بالنفس التي تبنتها إدارة أوباما في سورية.

هناك حوالى ألف عنصر عسكري أميركي في ساحة الحرب السورية، إنما هناك قدرات استطلاعية ضخمة لها قيمتها في ساحة الحرب العصرية. الخطط العسكرية جاهزة، ولذلك تمكن الرئيس دونالد ترامب من اتخاذ قراره بفورية إنما ليس باعتباطية، فلقد أحاط نفسه بقيادات عسكرية- سياسية وبات براغماتياً وجاهزاً لممارسة دوره وصلاحياته كرئيس الولايات المتحدة بناءً على النصيحة المهنية.

هؤلاء الفاعلون في صنع السياسة الأميركية الخارجية يريدون حواراً استراتيجياً مع روسيا، وهم ينظرون إلى تحديد مستقبل العلاقة الأميركية- الروسية من منظور التفوق العسكري الأميركي القاطع في المعادلة العسكرية بين الدولتين. بكلام آخر، رهانهم هو أن روسيا لن تجرؤ على مواجهة الولايات المتحدة عسكرياً، وأن كل قراراتها في سورية ستأخذ المعادلة العسكرية في الاعتبار. هذه أداة تفاوضية، في نظرهم، وهم جاهزون «لإبلاغ» العزم العسكري تكراراً، إذا كانت هناك حاجة لمثل هذا الإبلاغ، إنما ما يريدونه هو الحوار الاستراتيجي والتفاهمات ضمن فن صنع الصفقة.

إدارة ترامب مستفيدة من انطباع التصعيد مع روسيا لأنه يضع الرأي العام الأميركي خارج حلقة الشكوك والتهم بعلاقة مشبوهة بين أركان حملة ترامب الانتخابية وبين الحلقة الفاعلة في الكرملين بقيادة فلاديمير بوتين. الخوف من التصعيد مع روسيا قد يساهم أيضاً في تقبّل الصفقة الأميركية- الروسية، فالمسألة ليست مجرد تغيير الحديث الداخلي وإنما هي تجهيز المزاج الداخلي لتقبل التفاهمات الأميركية- الروسية.

عناوين إدارة ترامب في المباحثات مع الكرملين، بحسب مطلعين عن كثب على الحديث الأميركي- الروسي الجديد هي: فرض الحدود على النفوذ الإيراني في سورية، إلحاق الهزيمة بتنظيم «داعش»، وعدم إلحاق أي أذى بالمصالح الإسرائيلية. الرسالة الأميركية الأساسية إلى روسيا -يقول هؤلاء- هي: احذري، إن الوعاء الذي تكسرينه سيصبح ملكك. وهذا، في رأي إدارة ترامب أداة تأثير فاعلة لإيقاظ الكرملين إلى مغبة رفض الشراكة المعروضة.

القصد من مقولة امتلاك الوعاء المكسور هو أن سورية، في حال فشل التفاهمات، ستكون ساحة حرب أهلية، وفي حال «صوملة» لعشر سنوات أو أكثر، وسيكون في وسع الإرهابيين الذين هاجروا إلى سورية العودة إلى بلادهم ومحيطهم للانتقام فيما روسيا تغرق في مستنقع سورية، والكلام هنا عن المقاتلين الشيشان ومن الجمهوريات الإسلامية الخمس المحيطة بروسيا. «أفغنة» سورية أو «صوملتها» ليس في مصلحة روسيا، وفق التقويم الأميركي، ولذلك هي تحتاج لأن تعيد النظر في مواقفها.

تمسك موسكو ببشار الأسد تكتيكي ومؤقت وقابل للمقايضات، بحسب التفكير الأميركي، لا سيما أن البحث متقدم في عملية صياغة البديل من الأسد المقبول أميركياً وروسياً. وبما أن واشنطن ليست في عجلة كبرى لترحيل الأسد، وهي جاهزة للقبول باستمرار أركان النظام في دمشق من دون عائلة الأسد، فآفاق التوافق متوافرة، فمصير الأسد لم يعد العقدة الرئيسية في حال التوصل إلى التفاهمات الاستراتيجية الضامنة للمصالح الروسية والأميركية في سورية. والتركيز هنا هو على شرط التوصل إلى التفاهمات والصفقة.

مصير «حزب الله» ومصير الميليشيات التي تديرها طهران في سورية هو العقدة الأكبر. موسكو ليست جاهزة للتخلي عن طهران، وواشنطن تفهم صعوبة ذلك. لهذا، يدور الحديث حول معالجات واقعية لعقدة إيران في سورية. «حزب الله» جاهز للانسحاب من سورية حالما ترتئي طهران أن الوقت حان، وطهران لن تفعل ما لم تضمن ممراً لها إلى «حزب الله» في لبنان. موسكو جاهزة للإصرار على طهران أن تتأقلم مع واقع التفاهمات -إذا حصلت- وهي تقع تحت ضغوط أميركية مصرّة على تقليص نفوذ إيران في سورية، في حال أرادت الصفقة مع واشنطن.

روسيا قادرة على احتواء الطموحات الإيرانية والمشروع الإيراني في سورية ولديها أكثر من أداة، أبرزها، «تعرية» إيران عسكرياً في سورية إذا سحبت عنها الغطاء الحامي لها في علاقتهما الميدانية الاستراتيجية. إيران تعي تماماً أنها غير قادرة على الاحتفاظ بالأسد بمفردها ولا على فرض مشروعها في سورية ما لم تسمح لها روسيا بذلك. إدارة ترامب تستخدم تلك المعادلة لمطالبة الكرملين بحسم أمره من إيران. ولهذا يبرز الكلام عن إمكان التوافق الأميركي- الروسي على ممر ومطار لإيران يلبي وصولها إلى «حزب الله» في لبنان.

ما لا تريده موسكو هو الإيحاء بموافقتها على تغيير النظام في دمشق، ليس لأنها متمسكة ببقاء الأسد وإنما لأنها تخشى «مبدأ» تغيير أي نظام، في سورية أو في أوكرانيا أو غيرهما، لأنها في الواقع تخشى أن يكون هذا المبدأ من نصيبها بقرار أميركي. موسكو لن تتخلى عن إنجازاتها في سورية في غياب ضمانات أميركية تقر بمصالحها الحيوية في سورية، من القواعد العسكرية إلى حصتها في إعادة الإعمار، إلى بقائها قوة كبرى في الشرق الأوسط تؤخذ في الاعتبار.

وإلى حين وضوح تام لإقرار إدارة ترامب بهذه الركائز الأساسية للمصالح الروسية، لن تتراجع موسكو إطلاقاً عن تمسكها بالأسد ولا عن تحالفها مع إيران، فالحديث عن الصفقة ما زال في بدايته والطريق إلى إتمام الصفقة السورية وعرة ومثقلة بمطبات المفاجآت على الساحة السورية كما في ساحة العلاقة الروسية مع حلف شمال الأطلسي (ناتو) وكذلك في موازين التطورات في أوكرانيا حيث تقبع تلك الصفقة الكبرى المستبعدة حالياً.

الولايات المتحدة لن تتدخل عسكرياً بتورط مباشر في الحرب السورية أو في أوكرانيا، لكن إدارة ترامب لن تنأى بنفسها كما فعلت إدارة أوباما، فهي متأهبة لتوجيه ضربة عسكرية تلو الأخرى إذا لزم الأمر، وهي واثقة من أن موسكو لن تجرؤ على مواجهتها عسكرياً. إدارة ترامب جاهزة لصفقة مع روسيا لكنها لا تخشى رفض روسيا الصفقة، لأن الرفض سيؤذي روسيا أكثر ويجرها إلى مستنقع خطير في سورية.

فإذا كانت سورية موقع استعادة فلاديمير بوتين كرامة روسيا القومية ومكانتها قوةً عالمية في زمن باراك أوباما، فإن دونالد ترامب عازم على تنفيذ تعهده بجعل أميركا دولة عظمى مجدداً، لذلك يخاطب روسيا بلهجة فوقية من البوابة السورية.

الحياة

 

 

 

 

الهجمات الكيميائية في سوريا – بين دهاء أوباما وغطرسة ترامب/ د. عبد الحميد صيام

صفق الكثيرون وهللوا وطبلوا داخل الولايات المتحدة وخارجها للضربة الصاروخية التي أمر بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على قاعدة الشعيرات الجوية جنوب مدينة إدلب السورية، صباح يوم السبت الماضي بتوقيت سوريا.

وقد برر الرئيس الأمريكي هذه الضربة بأنها رد على استخدام النظام السوري السلاح الكيميائي في خان شيخون قرب إدلب في 4 أبريل. بدأ الكثيرون يعيدون حساباتهم السلبية من الرئيس ترامب، ويردون له الاعتبار ويصفونه بالحزم بعكس سلفه أوباما، الذي اتهمه الكثيرون وأولهم ترامب بالضعف والتردد. وسأناقش في هذا المقال ردود فعل الرئيسين أوباما وترامب وكيف تصرف أوباما حيال الهجوم الكيميائي على الغوطة الشرقية يوم 21 أغسطس 2013 مقارنة بما قام به ترامب ردا على الهجوم الأخيرعلى خان شيخون، لنرى بطلان تلك المقولة ونتأكد أن ما قام به أوباما أعمق وأخطر وأبقى لإسرائيل على المدى البعيد.

استخدام السلاح الكيميائي في النزاع السوري

منذ أن تحولت الثورة السورية إلى نزاع مسلح، كانت الولايات المتحدة وحليفتها الأولى إسرائيل قلقتين على ترسانة الأسلحة الكيميائية في سوريا. وكان السؤال المرعب ماذا لو سقط النظام فجأة وعمت الفوضى البلاد ووقع السلاح الكيميائي في أيدي الجماعات المتطرفة أو حزب الله. وذكرت تقارير لاحقة أن الولايات المتحدة وضعت خطة سرية بالتشاور مع إسرائيل وبعض دول الجوار لإرسال الفرقتين المحمولتين جوا 101 و82 للتدخل السريع في سوريا في حال انهيار الدولة، لتأمين تلك الأسلحة وضمان عدم تسربها إلى أيدي الجماعات المرتبطة بتنظيم «القاعدة» أو حزب الله. وقد تضمنت الخطة جزءا يتعلق بتدمير الدفاعات الجوية السورية، وإرسال أعداد كبيرة من الجنود إلى المواقع العديدة المنتشرة فيها مخازن الأسلحة الكيميائية التي تزيد عن 20 موقعا، والتحضير لاستخدام قنابل خارقة للتحصينات تنفذ لمسافة 35 مترا في الإسمنت المسلح. وقد كان هذا القلق مبنيا على احتمالات أن تكون هناك مواقع غير مكشوفة، واحتمال أن تكون هناك مقاومة شرسة، لأن المعتدي أجنبي، واحتمال أن تسيطر الجماعات المسلحة على مناطق فيها مستودعات أسلحة كيميائية، وبالتالي يمكن أن تستخدمها ضد قوات النظام أو المدنيين في مناطق يسيطر عليها النظام.

وحسب مصادر صحيفة «الديلي تلغراف» البريطانية فقد طلبت الولايات المتحدة رسميا من إسرائيل عدم قصف مخازن الأسلحة الكيميائية السورية، لما في ذلك من تداعيات خطيرة على المدنيين من جهة وإعطاء النظام السوري شرعية بطولية، تجعل الشعب السوري يلتف حوله لأنه في معركة مصيرية مع العدو التاريخي لسوريا. وتؤكد مصادر استخباراتية نقلتها الصحيفة وغيرها، أن سوريا مع تفاقم النزاع عام 2012 اتصلت بالعراق وإيران، وتم بحث تأمين مخزونات الأسلحة الكيميائية بنقلها إلى إيران عبر العراق، خوفا من سقوط بعض المناطق في أيدي المعارضات. كما رفض الأسد عرضا روسيا بتخزينها في القاعدة البحرية الروسية في طرطوس.

وحسب وثائق الأمم المتحدة استخدم السلاح الكيميائي في النزاع السوري لأول مرة في خان العسل في منطقة حلب بتاريخ 19 مارس 2013، تلاه هجوم في 13 أبريل في الشيخ مقصود في حلب، وهجوم آخر في منطقة سراقب بإدلب في 29 أبريل 2013. ومنذ تلك الحوادث الثلاث تؤكد تقارير الأمم المتحدة أن الأسلحة الكيميائية استخدمت في النزاع نحو 27 مرة، كان أهمها على الإطلاق ما حدث في الغوطة 2013 وما حدث في خان شيخون 2017.

هجوم الغوطة

طلبت الحكومة السورية من الأمم المتحدة التحقيق في حادثة خان العسل، لكن الأمم المتحدة أصرت على التحقيق في الهجمات الثلاث المذكورة أعلاه. وصلت اللجنة دمشق يوم 18 أغسطس بهذه المهمة المحددة. في 21 أغسطس، أي بعد وصول اللجنة بثلاثة أيام، وأثناء وجود اللجنة في فندق «الفصول الأربعة» في دمشق، حدث إطلاق قذائف محملة بالأسلحة الكيميائية الحاملة لكميات كبيرة من غاز السيرين على منطقة الغوطة بريف دمشق. وقد وصف الهجوم بأنه مخطط له وجريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية، إذ سقط على أثره نحو 1400 شخص، من بينهم مئات الأطفال حسب التقارير التي اعتمدتها الأمم المتحدة. وكما هو الأمر في كل الحروب يوجه كل طرف اللوم لخصمه. فقد حملت الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة دون تحقيق مسؤولية الحادث للنظام السوري، متعللة بأن كميات الذخيرة المستخدمة ونوعيتها والمسافة التي أطلقت منها ونظام القذائف المستخدمة تشير إلى النظام. لقد أثار الهجوم استياء دوليا عارما، وشكل تحديا للرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي كان قد أطلق مقولة «استخدام السلاح الكيميائي خط أحمر»، فهل سينفذ أوباما ما ألزم نفسه به ويقوم بتحرك عسكري قوي لردع نظام بشار الأسد الذي في رأيه «تجاوز الخط الأحمر».

أعد الرئيس أوباما الرأي العام الأمريكي لهجوم على سوريا لمعاقبة بشار الأسد، وأخذ تفويضا من الكونغرس، وكانت كل المؤشرات تشير إلى أن الضربة العسكرية مقبلة، إلى أن التقى أوباما بالرئيس الروسي بوتين على هامش قمة العشرين يوم 6 سبتمبر، وتوصلا إلى حل سياسي شامل يضمن انصياع النظام السوري الكامل لتدمير كافة مخزوناته من الأسلحة الكيميائية، وتفكيك المختبرات وتدمير المعامل بشكل شامل، وعلى سوريا أن تنضم إلى منظمة حظر الأسلحة الكيميائية كشرط مسبق. وقد أعلن وزير الخارجية السوري وليد المعلم، فورا قبول النظام بالشروط يوم 9 سبتمبر. بعد تلك الموافقة على كل هذه الشروط القاسية اعتمد مجلس الأمن القرار 2118 بالإجماع بتاريخ 27 سبتمبر 2013 بهدف التدمير الكامل للأسلحة بتاريخ لا يتجاوز 30 يونيو 2014. وهكذا كان، عينت الأمم المتحدة الهولندية سيغرد كاغ التي أشرفت على التدمير، وكانت تقدم تقارير دورية لمجلس الأمن إلى أن أنهت مهتمها بنجاح وأعلنت خلو سوريا من الأسلحة الكيميائية.

الهجوم على خان شيخون

الهجوم الآخر الذي أثار الرأي العام الدولي على طريقة الغوطة، هو ما حدث يوم 4 أبريل الحالي في خان شيخون، حيث قامت طائرة بإلقاء كميات من غاز السيرين أيضا على منطقة سكانية، بما فيها مستشفى أو على مستودع للذخائر التابعة للمعارضة، حسب الرواية الروسية، وألقت بحمولتها فقتلت نحو 72 شخصا من بينهم أطفال ونساء. تحرك الرأي العام الدولي والتأم مجلس الأمن على الفور في اليوم التالي، وأمامه مشروع مقدم من فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة لحق به مشروعان آخران. وأثناء مناقشات مجلس الأمن يوم الجمعة قامت البوارج الأمريكية في شرق المتوسط بإطلاق 59 صاروخا على قاعدة الشعيرات الجوية. وقد ألقى الرئيس ترامب بيانا مقتضبا أكد فيه «أن المحاولات السابقة لتغيير تصرف الأسد قد فشلت وفشلت بشكل ذريع، ونتيجة لذلك تفاقمت مشكلة اللاجئين واستمرت مرحلة عدم الاستقرار في المنطقة، الأمر الذي يهدد الولايات المتحدة وحلفاءها».

هللت كافة الدول والجماعات المعارضة للنظام السوري بالضربة الجوية وراحت تصف الرئيس ترامب بالحزم والشجاعة، لكن السؤال ماذا حققت الضربة الجوية؟ لقد أبلغت الولايات المتحدة كافة حلفائهاعن الضربة قبل وقوعها. ومن بين الذين بلغوا بالضربة روسيا، التي بدورها أبلغت النظام السوري الذي قام بإخلاء القواعد الجوية الأساسية بما فيها قاعدة الشعيرات. وأبقى النظام بعض الطائرات القديمة «الخردة» للتضحية بها. ولم تتعطل القاعدة حيث قامت بعد أربع ساعات فقط بشن هجمات جوية على مناطق المعارضة، وقيل إن عدد الضحايا بين 6 و 19. وارتطمت الجهود السياسية بفيتو روسي ثامن في مجلس الأمن. والضربة الصاروخية عززت من موقف الرئيس السوري، بل صورته على أنه يقاوم الولايات المتحدة وإسرائيل معا، خاصة بعد أن أطلق صاروخا يتيما على غارة إسرائيلية يوم 17 مارس الماضي لأول مرة منذ عام 1973.

أما المنتصر الحقيقي في الغارة فهو ترامب نفسه، الذي كان يعيش مأزقا كبيرا بعد ثبوت اتصالاته مع الجانب الروسي في موريشياس بترتيب إماراتي. وكانت أسهم الرئيس تكاد تشير إلى أنه في مأزق قد يطيح به كليا. وفي هذا الإطار نستطيع أن نفهم أسباب الضربة الصاروخية. وأترك أمر المقارنة بين تصرف أوباما وترامب على الحادثتين للقراء والسؤال المهم: من أحدث منهما تغييرا إستراتيجيا في المنطقة لصالح الكيان الصهيوني لا ينمحي مع الأيام وكبل سوريا إلى الأبد بعدم اقتناء أسلحة كان حافظ الأسد يسميها «توازن الرعب» وفتح البلاد أمام المفتشين الدوليين للتحقيق في أي حادثة تتعلق بالسلاح الكيميائي؟

محاضر في مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة رتغرز بنيوجرسي

القدس العربي

 

 

 

إدارة ترامب والأسد: يبقى لا يبقى!/ أسامة أبو ارشيد

من يتابع الفوضى التي تعصف بأركان إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في مقاربتها الموقف من رأس النظام السوري، بشار الأسد، فإنه لا بُدَّ سيصاب بحيرةٍ وشعورٍ بِالتَوَهانِ، ذلك أنه لا يمكن لأحدٍ أن يجزم بالموقف الرسمي لهذه الإدارة من بقاء الأسد من عدمه، بعد مجزرة بلدة خان شيخون الكيماوية في الرابع من إبريل/ نيسان الجاري في ريف إدلب.

مباشرة، وفي يوم المجزرة، خرج علينا الناطق باسم البيت الأبيض، شون سبايسر، ليخبرنا أن إزاحة الأسد من موقعه ليست أولوية لإدارته، بل إنه وصف ذلك بأنها “فكرة سخيفة”. ثمّ تبعه وزير الخارجية، ريك تيلرسون، في السادس من الشهر نفسه، ساعات، بتوقيت الساحل الشرقي الأميركي، بعد قصف مطار الشعيرات السوري العسكري بصواريخ توماهاك، ليؤكد أن الأولوية المركزية لإدارته هي هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). وحسب تيلرسون، حينئذ، فإن هزيمة “داعش” ستقود إلى استقرار لاحق في كل مناطق سورية، عبر اتفاقات وقف إطلاق النار بين قوات النظام وقوات المعارضة، وبالتالي عودة اللاجئين إلى مناطق آمنة، بعد أن تشكل المعارضة إدارات محلية وقوات أمن، وهو ما سيؤدي إلى انطلاق عملية سياسية على أساس اتفاقات جنيف، ستؤدي، في نهاية المطاف، إلى رحيل الأسد. ولكن تصريح تيلرسون هذا لم يلبث أن نقضته السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة، نيكي هيلي، والتي صرحت، في التاسع من إبريل/ نيسان الجاري، بأن الولايات المتحدة “لا ترى سورية سلمية مع بقاء الأسد”. وهو موقف أكده مستشار الأمن القومي الأميركي، إتش. آر. ماكماستر، في اليوم نفسه، عندما قال: “نظن أن مسألة تغيير النظام أمر سيقع.. لا يوجد حل سياسي يمكن تصوره مع بقاء الأسد في القيادة”. ولكن ماكماستر لم يتوقف عند ذلك الحد، إذ أضاف أن إحداث ذلك التغيير ليس من مسؤولية الولايات المتحدة. وعلى الرغم من أن تيلرسون عاد وعدل موقفه قليلا بتصريح له، يوم الثلاثاء الماضي، على هامش قمة “مجموعة السبع” التي انعقدت في إيطاليا، عندما قال: “من الواضح أن عهد عائلة الأسد شارف على نهايته”، إلا أن ترامب، الذي نعت الأسد بـ”الحيوان” الذي يقتل شعبه، في مقابلة بثت يوم الأربعاء الماضي، أكد أنه لن يتورّط عسكريا في سورية. بمعنى آخر، فإنه لا جواب بعد كيف يمكن إزاحة الأسد من موقعه، إذا استمرت روسيا، حليفه الأبرز، بدعم بقائه.

لا تقف تعقيدات هذه الفوضى في مقاربة إدارة ترامب موضوع الأسد عند هذا الحد، وذلك إذا

“قد نكون أمام “ضربة تحريكية” لإعادة فرض الدور الأميركي في السياق السوري” ما أخذنا في الاعتبار مواقف ترامب من المسألة، حينما كان مرشحا، ومواقف أركان إدارته قبل مجزرة خان شيخون، والتي أشرت إليها في مقالي في “العربي الجديد” الأسبوع الماضي، وكان مفادها أن إطاحة الأسد ليست أولوية أميركية. وبسبب هذه الفوضى والتناقضات وغياب الانسجام والتماسك في مواقف شخصيات هذه الإدارة، بل وفي مواقف الواحد منهم، حسب التوقيت والمعطيات، فإن وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، لم يتمكّن من كتم غيظه خلال استقباله وزير الخارجية الأميركي، تيلرسون، في موسكو، يوم الأربعاء، حيث قال: “سأكون صريحا، لدينا تساؤلات كثيرة بشأن أفكار غامضة ومتناقضة كثيرة تصدر من واشنطن حيال كثير من الأجندة الثنائية والدولية”.

إذن، من نصدّق في إدارة ترامب حيال الموقف من الأسد؟ بل متى نصدق الفرد الواحد في تلك الإدارة، عندما يتحدث عن الأسد في أوقات مختلفة؟ الجواب ببساطة أنه لا يمكن الجزم بذلك أبدا، ذلك أن تخمينا في هذا السياق يصبح أقرب إلى من يقطف بَتَلاتِ زهرة، كما يفعل الرومانسيون، وهم يتساءلون: “تحبني .. لا تحبني”، متمنين أن تكون آخر بَتْلَةٍ: “تحبني”. أضف إلى كل ما سبق أن القصف الذي قامت به الولايات المتحدة لمطار الشعيرات بتسعة وخمسين صاروخ توماهاك، وقالت إنه دمر 20% من طائرات النظام العسكرية العاملة، لا يبدو أنه آتى أكله العسكرية، فطائرات النظام عادت لتقلع منه في اليوم التالي للقصف زارعة الموت بين أبناء الشعب السوري، ما حدا بعضو مجلس الشيوخ الأميركي، الجمهوري، ليندسي غراهام، ليقول إن الأسد، بذلك، يقول لترامب: “اللعنة عليك”. وبالمناسبة، فإنه استخدم تعبيرا سوقيا لا يمكن ذكره هنا، وخففت الترجمة إلى لغة أكثر ذوقا.

يدفعنا كل ما سبق إلى التساؤل، هل فعلا، ثارت ثائرة ترامب بسبب المشاهد المروّعة لضحايا قصف النظام الهمجي بغاز السارين في خان شيخون؟

لا أصدق ذلك، وأعتقد أن دوافع ترامب مختلطة، كما أشار تقدير موقف للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، نشر قبل أيام، وتتلخص بين اعتباراتٍ داخلية لحرف الجدل المتصاعد حول العلاقات المزعومة التي جمعت حملته الانتخابية بروسيا، وفشله المتراكم في قضايا كثيرة، كنقض برنامج الرعاية الصحية الذي وضعه الرئيس السابق، باراك أوباما، وتراجع شعبيته إلى مستويات تاريخية، مقارنة بأي رئيس في أول مائة يوم من حكمه. دع عنك أنه قد يكون أراد إرسال رسالة في هذه الضربة لخصوم أميركا، ككوريا الشمالية وإيران، ومن يدعمهما، كروسيا والصين، بأنه على عكس أوباما مستعدٌّ لاستخدام القوة إن لزم الأمر.

أمام ذلك كله، قد نكون أمام “ضربة تحريكية” لإعادة فرض الدور الأميركي في السياق السوري، بعد أن تراجع بشكل كبير في الأشهر الأخيرة من عمر إدارة أوباما. وبتأكيد المسؤولين الأميركيين أنهم لا يريدون تورّطا عسكريا في سورية، فإن حسابات إدارة ترامب قد تكون منحصرةً في اجتراح صفقةٍ مع الروس، تقصي الأسد ضمن معادلات تحفظ مصالح الطرفين في سورية، وتمنع انهيارا داخليا للدولة وأجهزتها. المشكلة، أن إدارة أوباما جرّبت هذا الطريق من قبل، فكان أن انتهت سورية إلى حيث هي اليوم.

كهاوٍ لصيد السمك، فإنك أحيانا كثيرة تصطاد سمكاً صغيرا فَتَغْرِسُ في عموده الفقري، حَياًّ،

“حصدت البراميل المتفجرة، وتحصد، من أرواح السوريين أكثر من الأسلحة الكيماوية” كَلَّابَ الصنارة المعدني (Hook)، أو أنك تُقَطِّعُهُ مباشرة إلى نصفين أو إلى ثلاث قطع، وهو حَيٌّ كذلك، وتضعه على عدة كَلَّاباتٍ من صنارتك لتصطاد به سمكا كبيرا ومرغوبا. تداعى إلى خاطري هذا التشبيه، على الرغم من توحشه، وأنا أصيد سمكا في الأمس في نهر الباتوميك في واشنطن، وقلت في نفسي هذا هو بالضبط ما تفعله أميركا وروسيا في سورية. الأسد وسورية ما هما إلا سمكتان صغيرتان يستخدمهما الأميركان والروس، ولاعبون آخرون، طُعْماً للظفر بمغانم استراتيجية أكبر، وكله على حساب دمائنا. ألم يقل الناطق باسم البيت الأبيض، سبايسر، يوم الاثنين الماضي، إن ترامب سيرد عسكريا إن استخدم الأسد البراميل المتفجرة ضد شعبه، قبل أن يتراجع البيت الأبيض عن هذا التصريح. بمعنى آخر، رسالة الولايات المتحدة إلى الأسد، اقتل من شئت من شعبك، ودمر ما شئت من بلدك، ولكن إياك والسلاح الكيماوي، الذي هو سلاح استراتيجي، يمكن أن يستخدم ضد الأعداء أيضا، كإسرائيل. بالمناسبة، حصدت البراميل المتفجرة، وتحصد، من أرواح السوريين أكثر من الأسلحة الكيماوية. وبالمناسبة أيضا، الولايات المتحدة هي من تضع “فيتو” على تسليح المعارضة السورية بالصواريخ المحمولة على الكتف، أرض- جو، بهدف حماية المدنيين السوريين من بربرية مقاتلات الأسد، وروسيا كذلك. أن نُقْتَلَ ونباد على أيدي الجميع.. هذا هو حصاد عقود طويلة من أنظمة الطغيان والتخلف العربية.

العربي الجديد

 

 

 

 

 

 

العقاب ينتظر المسؤولين عن الهجوم الكيماوي في سورية/ بوريس جونسون وجان مارك إرو

إنّ الرعب والموت هما مصير الأطفال السوريين في ظل نظام بشار الأسد. ففي 4 نيسان (أبريل) الجاري، أقلعت طائرتان من قاعدة الشعيرات الجوية التابعة للنظام الذي تدعمه روسيا. ومن المرجّح أنهما قصفتا بالغازات المميتة عدداً كبيراً من المدنيين في مدينة خان شيخون. أما نتيجة هذا القصف ففظيعة، لدرجة يصعب وصفها. عذاب طويل ومؤلم عاناه الأطفال الرضّع والنساء وكبار السن. قتلى بالعشرات. مئات الجرحى سيحملون إلى الأبد جروح هذا الهجوم. إنه لأمر مخزٍ للنظام السوري والجهات المساندة له. إنه لأمر مخزٍ للعالم. حتى متى سنتمكّن من تحمّل كلّ هذه الفظائع؟

نحن نأسف بشدة لعدم تمكّن مجلس الأمن في 12 الشهر الجاري من إظهار وحدته. فقد اقترحنا مع الولايات المتحدة قراراً يدين هذا الهجوم الكيماوي ويؤكد الدعم المحايد لفريق التحقيق الميداني التابع لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية. وكان هذا القرار بسيطاً ومتوازناً، غير أن روسيا استخدمت حق النقض للمرة الثامنة منذ اندلاع الأزمة السورية في عام 2011. وأرفقت هذا النقض بسلسلة من الادعاءات الكاذبة سعت من خلالها إلى إثارة الشكوك حول مسؤولية النظام.

بالفعل، لقد شهدنا سابقاً على هذه السلسلة من الأكاذيب المشينة. لم نعد نستطيع القبول بها. عندما يتم قتل الأطفال بالغازات السامة، لا يمكننا أن نقبل الأكاذيب الدنيئة. دعونا نوضّح الأمور.

لقد حلل علماء بريطانيون عينات أخذت من ضحايا الهجوم وأظهرت نتيجة التحاليل وجود مادة السارين أو مادة مشتقة منها فيها. واستناداً إلى تحليلنا، فقد كانت طائرتان سوريتان سريعتان على مقربة من مدينة خان شيخون والمناطق المتأثرة المحيطة بها. إننا نعتقد أن النظام السوري وحده قادر على القيام بهجوم مماثل. ومن المرجح أن يكون نظام بشار الأسد هو من نفذ هذا الهجوم. أمّا ادعاءات روسيا القائلة أنه تم استهداف مخزونات المعارضة فلا تتناسب مع الوقائع.

للنظام السوري تاريخ طويل من الرعب. وقد وثقت لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة وجميع المنظمات غير الحكومية الرئيسة أدلة كثيرة عن استخدام النظام القصف والتعذيب والإعدامات الجماعية بصورة منتظمة.

ولاستخدام النظام السوري الأسلحة الكيماوية تاريخ طويل. فقد وثقت آلية التحقيق في استخدام الأسلحة الكيماوية وتحديد المسؤولين الخاصة بالأمم المتحدة في التقريرين الصادرين في آب (أغسطس) وتشرين الأول (أكتوبر) 2016 حالات عدة استخدم فيها النظام السوري المواد الكيماوية ضد المدنيين بعد الهجوم الكيماوي على الغوطة الشرقية في عام 2013. ونسبت آلية التحقيق ثلاثة من هذه الاعتداءات إلى النظام السوري استناداً إلى أدلة «كافية» واعتداءً واحداً إلى تنظيم «داعش».

ولا يجوز أن يثير إنكار النظام الإعجاب، إذ صرّح بشار الأسد بأنّ الإرهابيين هم من نفذوا هذا الاعتداء، ولكنّه يزعم في الوقت نفسه عدم امتلاكه براميل متفجرّة وعدم قيامه بأي هجمات ضد المدنيين أو بأعمال التعذيب «لأن ذلك غير منطقيّ». كيف يدّعي النظام أنه لا يمتلك براميل متفجّرة، وصور هذه البراميل منشورة في كلّ مكان؟ وكيف يدّعي عدم قيامه بهجمات ضد المدنيين، ومخيّمات اللاجئين في تركيا مليئة بضحايا هذه الهجمات؟ وكيف يدّعي عدم قيامه بأعمال التعذيب، وقد وجدت منظمة العفو الدولية أنّه تمّ ذبح 13 ألف شخص في سجن صيدنايا وحده؟

أجل، يا سيادة الأسد. إنّ ذلك غير منطقي. وإنما هو القياس المنطقي القاتل الخاص بكم. إنّكم تؤكدون أن مخزوناتكم قد دمرت تماماً، تحت إشراف منظمة حظر الأسلحة الكيماوية. ولكن، من أين تأتي بعد ذلك الأسلحة الكيماوية التي استخدمت مؤخراً؟ وقد أثبتت منظمة حظر الأسلحة الكيماوية في شكل واضح أن تصريحات سورية في شأن مخزونات الأسلحة الكيماوية قد اتسمت بأوجه قصور وتناقضات خطيرة. ينبغي لنا أن نجري مزيداً من التحقيق في هذا الشأن.

وقد سعت كل من روسيا وإيران باستمرار إلى توفير الغطاء للنظام السوري. وقد رحبت الدولتان بآلية التحقيق في استخدام الأسلحة الكيماوية وتحديد المسؤولين، وهي آلية مشتركة بين منظمة حظر الأسلحة الكيماوية والأمم المتحدة، عندما بيّنت استخدام تنظيم «داعش» الأسلحة الكيماوية، ولكن روسيا وإيران تنصلتا من آلية التحقيق عندما قدمت أدلة دامغة ضد النظام السوري. وفي عام 2014، أعاقت روسيا مثول سورية أمام المحكمة الجنائية الدولية.

إنّ على المجتمع الدولي واجباً أخلاقياً يتمثل في المضي قدماً. فمن مسؤوليتنا دعم نظام عدم الانتشار والحظر الصارم للأسلحة الكيماوية. ومن مسؤوليتنا ضمان محاسبة منفذي هذه الاعتداءات الكيماوية. إنه أمر ضروري من أجل تحقيق السلام والأمن الدوليين.

وباسم المجتمع الدولي، ستجري بعثة تقصي الحقائق التابعة لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية تحقيقاً في شأن هذا الهجوم. وبعد ذلك، ستقوم آلية التحقيق في استخدام الأسلحة الكيماوية وتحديد المسؤولين، المشتركة بين منظمة حظر الأسلحة الكيماوية والأمم المتحدة، بتحديد الجهة المسؤولة عن هذا الهجوم. إننا نثق تماماً في هذه العملية ونقدم لها دعمنا التام. لن يكون هناك أيّ إفلات من العقاب.

وما هي الخطوة التالية؟ إنّ السوريين يعانون ومجلس الأمن منقسم، وعليه، فهو غير قادر على وضع حدّ لمعاناتهم. ينبغي لنا أن نتّحد من جديد. ينبغي لنا أن نواجه هذه الأزمة الرهيبة التي تقوّض القيم الأساسية الإنسانية. ولا بدّ لنا أن نبدأ بوقف إطلاق النار الذي يجب تنفيذه ومراقبته دولياً وتعزيزه. وهكذا، سنضمن عدم حدوث أي هجوم مماثل آخر. وبموازاة ذلك، علينا إعادة تنشيط العملية السياسية من طريق إشراك جميع الجهات الفاعلة الرئيسة من أجل تنفيذ عملية الانتقال السياسي بموجب القرار 2254، وهي عملية من شأنها المساعدة على تجنّب المجازر والمضي قدماً نحو الاستقرار الإقليمي الضروري إذا أردنا أن نهزم الإرهاب على المدى الطويل.

* وزيرا الخارجية في المملكة المتحدة وفرنسا

الحياة

 

 

 

ترامب… وأميركا العظيمة/ بيار عقيقي

كيف يمكن أن تستفز فلاديمير بوتين، وأنت مُتهّم بأنك وصلت بدعم غير مباشر منه إلى البيت الأبيض؟ عليك فقط أن تكون دونالد ترامب، أي رجلاً لا يمكن التنبؤ بتصرّفاته. لا يستطيع أن يحيا الرئيس الأميركي الـ45 بعيداً عن الأضواء. دائماً ما يكون في الواجهة. أحياناً تستصعب فكرة أنه رئيس خلفٌ لباراك أوباما، لكنه دائماً لديه شيء ما يقدمه لبلاده وللعالم.

من “صفر إلى بطل”. هكذا تحوّل ترامب في الأسابيع الأخيرة. كان الرجل “عنصرياً بغيضاً يقارع العرب والمسلمين”، وأصبح فجأة “البطل الذي يريد إنقاذ العالم من الشرور، وإنقاذ الأطفال”، لدى من كانوا من كارهيه وأصبحوا من مؤيديه. في هذه اللحظة، تحوّل أيضاً “من بطل إلى صفر” لدى من كان يناصره ثم انقلب عليه. في الحالتين، كرّس ترامب نفسه، عدا عن كونه رئيس الولايات المتحدة، سارقاً للأضواء في كل ما يفعله.

وإذا كان الروسي بوتين قد “تبنّى” ترشيح ترامب في أواخر عام 2015، أي قبل انطلاق الحملة الرئاسية الأميركية، في فبراير /شباط 2016، فإنه وجد نفسه محاصراً في هذا الترشيح. فترامب قصف مطار الشعيرات السوري، الأسبوع الماضي، داخلاً شريكاً أساسياً في صنع مستقبل سورية، بمعزل عن الإيراني والتركي والروسي. يريد القول: “الأميركيون عادوا، وعليكم التعامل مع ذلك”. حاول بوتين الحدّ من أثمان العودة الأميركية الصاخبة، عبر التلويح باتخاذ إجراءات عدة تتعلق بالعلاقة الأميركية ـ الروسية. لكن الأمر لم ينفع على ما يبدو.

يوم الخميس، ضرب ترامب مجدّداً، وهذه المرة عبر إلقاء الجيش الأميركي، قنبلة “جي بي يو 43” التي تزن 11 طناً، وتُعتبر “والدة كل القنابل”، في إقليم ننغارهار الأفغاني على الحدود مع باكستان. استهدفت القنبلة عناصر تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، لكن توقيتها كان متزامناً مع انعقاد قمة أفغانية في روسيا، أمس الجمعة، تهدف إلى درس سبل محاربة التنظيم في أفغانستان، واستطراداً إحكام النفوذ الروسي في وسط آسيا، وصولاً إلى أفغانستان. عبر إلقاء القنبلة، وجّه ترامب رسالة واضحة لبوتين: “لن تعود إلى أفغانستان”.

وإذا كان المسار الجغرافي والزمني الذي يخطّه ترامب سيفضي إلى كوريا الشمالية قريباً، فذلك يعني أن الأميركيين الذين سيتصرفون “بمفردهم”، كما أعلن رئيسهم، ينوون وضع حدّ لتجارب بيونغ يانغ، الصاروخية والنووية. قليلاً ولا يعود السؤال “هل سيضرب الأميركيون كوريا الشمالية؟”، بل “متى سيضرب الأميركيون كوريا الشمالية؟”. وعلى الرغم من إعلان الكوريين الشماليين استعدادهم للحرب، وأنهم سيقومون بردّ فعلٍ عنيف، إلا أن الثقة الأميركية بتحييد الصين من جهة، وعدم تحرّك روسيا من جهة أخرى، كفيلان بتحويل مجرى الأمور لصالحهم.

في سورية وأفغانستان، وغداً في كوريا الشمالية والعراق وليبيا، بدأ ترامب يتحول إلى مصدر إزعاج كبير للكرملين، وربما قد يؤدي ذلك إلى إبعاد الشبهات عنه حول تلقيه دعماً روسياً غير مباشر في الانتخابات الرئاسية. ماذا يعني ذلك؟ يعني أن ترامب قرّر تحدّي الجميع، خصوصاً روسيا، لإعادة “أميركا عظيمة مجدداً”. ولم يعد بوتين الذي اعتاد اختيار اللحظة المناسبة لتوجيه ضرباته، قادراً على مجاراة ترامب، تحديداً في حال قرّر الردّ الفوري عليه. لم يعد في وسع الرئيس الروسي سوى انتظار انتهاء نظيره الأميركي من “مهماته” للردّ. وهو أمر سيُصعّب من عمل الروس، في حال أدّت تحركات ترامب إلى نتائج سريعة، لا تفسح المجال معها للكرملين سوى تقبّلها كمن يتجرّع السمّ، كي لا يصبح أي ردّ لاحق بمثابة “اعتداء على أميركا”، وهو أمر تحاشاه بوتين طويلاً، منذ انتخابه رئيساً للمرة الأولى عام 2000. بالتالي، إذا قرّر “القيصر” الردّ، فلن يكون ذلك سوى في الحديقة الخلفية السابقة للاتحاد السوفييتي. روسيا قوية برئيسها لا بنظامها، وأميركا قوية بنظامها أياً كان رئيسها. هذا هو الفرق بين ترامب وبوتين.

العربي الجديد

 

 

 

«واشنطن بوست»: هل يمكن أن تدخل واشنطن وطهران في مسار تصادمي في سوريا؟

ترجمة وتحرير أسامة محمد – الخليج الجديد

قد يثير قرار الرئيس «دونالد ترامب» بإطلاق الصواريخ إلى سوريا التوتر مع إيران، الداعمة الرئيسية للرئيس السوري «بشار الأسد» في إشارة إلى خطوط معركة ضبابية خطيرة.

وقد أدانت طهران الهجوم الصاروخي على مطار الشعيرات، وقد أثار المسؤولون احتمال وجود عواقب. ويمثل الاحتكاك تحديا لواشنطن التي طالما دعمت جماعات المعارضة التي تقاتل «الأسد» وحلفاءه الإيرانيين دون الانضمام إلى المعركة نفسها. وتعني المشاركة الأمريكية الأعمق في سوريا فرصا أكبر للصراع المباشر مع عدو إيراني لا يمكن التنبؤ به في كثير من الأحيان.

يمكن أن تكون للتدابير الإرهابية من جانب إيران آثارا مضاعفة في المنطقة، ويمكن أن تستهدف كل شيء من السفن الحربية التابعة للبحرية الأمريكية إلى الحكومات العربية المتحالفة مع الولايات المتحدة. كما يمكن أن تستخدم إيران حزب الله وغيره من الميليشيات الشيعية لضرب القوات الأمريكية التي تحارب تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا، أو أن تهاجم العديد من حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة.

كما أن الضربات الصاروخية الأمريكية التي شنت كعقوبة على هجوم كيميائي سوري قتل أكثر من 80 شخصا، يمكن أن تدفع إيران أيضا إلى تعزيز قوات الحرس الثوري التي تقاتل إلى جانب حكومة «الأسد».

وقبل الهجوم الذي وقع يوم الخميس، اتخذت الولايات المتحدة الإجراءات المعتادة لمنع أي هجوم غير مقصود على الجيش الروسي، وهو حليف أخر للأسد. ولكن لا يوجد اتفاق مشابه مع الجيش الإيراني مما يعني أنه لا توجد وسيلة لمنع أفراده من أن يكونوا في المكان الخطأ في الوقت الخطأ أثناء الهجوم الصاروخي.

وقال «بيل أوربان»، المتحدث باسم الأسطول الخامس في البحرية الأمريكية في البحرين أنه لا يوجد أى دليل على أن طهران ردت على القوات الأمريكية فلم تبد أي تفاعلات غير آمنة أو غير مهنية مع القوات البحرية منذ الغارة.

وقال المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية «آية الله علي خامنئي» أن الضربة الأميركية على القاعدة هي «خطأ استراتيجي وجريمة».

وهدد أحد المشرعين الإيرانيين البارزين بالرد على الضربة. وقال رئيس اللجنة البرلمانية لشؤون الأمن القومي والسياسة الخارجية «علاء الدين بوروجيردي» إن «روسيا وإيران لن يهدئا في مقابل هذه الأعمال التي تنتهك مصالح المنطقة».

وقد تكبدت الولايات المتحدة آلاما كبيرة في السنوات الأخيرة جراء العمل حول المقاتلين الإيرانيين في العراق وسوريا في معارك تنظيم الدولة الإسلامية. وقد عكس ذلك جزئيا الجهد الذي بذل للحفاظ على الاتفاق النووي التاريخي، وتجنب اندلاع حرب أميركية أخرى في الشرق الأوسط.

وتبقى القوات البحرية من نخبة الحرس الثوري قريبة من تحركات السفن الأمريكية في الخليج ومضيق هرمز، حيث تمر خمس تجارة النفط في العالم. وفي شباط/فبراير، اقتربت العديد من الزوارق الحربية التابعة للحرس الثوري وقاموا بتصوير حاملة طائرات أمريكية تدخل الخليج. وقد هدد حزب الله منذ فترة طويلة المصالح الأمريكية في المنطقة، بما في ذلك أمن (إسرائيل).

لكن «جيورجيو كافيرو»، الرئيس التنفيذي لشركة «تحليلات دول الخليج» التي تتخذ من واشنطن مقرا لها، يتوقع أن ترجح إيران الانتظار. وقال «كافيرو» حول صواريخ كروز الأمريكية أنه إذا كانت هذه عملية لمرة واحدة، فسنرى على الأرجح استجابة هادئة ومحدودة نسبيا من إيران ووكلائها الشيعة.

في العراق، تقاتل الولايات المتحدة وإيران أساسا نفس العدو، وإن كان ذلك بشكل مستقل، وعن بعد. ومنذ بدء الضربات الجوية الأمريكية وعمليات تقديم المشورة والمساعدة في العراق في عام 2014، قامت الولايات المتحدة بحذر بدعم القوات البرية العراقية والكردية مع تجنب المشاركة المباشرة مع إيران.

لا توجد مثل هذه الحالة في سوريا، فقبل فترة طويلة من اندلاع الحرب الأهلية في البلاد، كانت سوريا شريكا إيرانيا رئيسيا، وشكلت بمثابة قناة لحزب الله وساعدت طهران في بسط عضلاتها على طول الطريق إلى الحدود الشمالية لـ(إسرائيل) والبحر الأبيض المتوسط، وكان هذا هو المكان الذي لم يحمل بصمة أمريكية قوية.

منذ بداية الحرب الأهلية السورية عام 2011، حارب المقاتلون الإيرانيون وحزب الله جنبا إلى جنب مع «الأسد» وقد دعمت الولايات المتحدة الجماعات التي اصطفت على الجانب الآخر من ساحة المعركة. وبينما طالب «ترامب» بتراجع الولايات المتحدة عن الإطاحة بنظام «الأسد»، فإنه تعهد أيضا باتخاذ نهج أكثر صرامة تجاه إيران. وقد فرض عقوبات جديدة على طهران وهدد بتفكيك الاتفاق النووي، وقد كثف الدعم للقوات السعودية والإماراتية التي تقاتل المتمردين المدعومين من إيران في اليمن.

وقد قال السفير الأميركي السابق في سوريا و(إسرائيل)، إدوارد دجيريجيان، والذي يدير حاليا معهد بيكر للسياسة العامة.في جامعة رايس: «لا اعتقد أن إدارة ترامب تحاول معاقبة إيران بالضربات في سوريا لكنها سترسل بالتأكيد رسالة قوية».

ومع ذلك، قال جيريجيان، أن «ترامب» يجب أن «يولي اهتماما لما يفعله الإيرانيون في المنطقة لأن لديهم القدرة على تعطيل الأشياء بطريقتهم الخاصة».

المصدر | واشنطن بوست

 

 

 

تعرف على “المشروع الأميركي الشامل” في سوريا

واشنطن – بيير غانم

تبدي الإدارة الأميركية اندفاعاً واضحاً لإيجاد حل للأزمة السورية، وأكدت مصادر للمعارضة السورية في #واشنطن لـ”العربية.نت” أن هذه الاندفاعة بدأت قبل مجزرة #خان_شيخون ، وتقوم على أسس وضعها مساعدو الرئيس الأميركي دونالد #ترمب ، وكانوا وصلوا إلى قناعة بضرورة خروج بشار #الأسد من السلطة في نهاية المطاف. وجاء قصف خان شيخون ليثبّت في قناعة الرئيس الأميركي أن لا سلام في سوريا مع بشار الأسد.

ووصف مسؤول في وزارة #الخارجية_الأميركية في حديث لـ”العربية.نت”، موقف الإدارة الأميركية منذ خان شيخون بالمتطور، مؤكداً أن الإدارة ستتابع العمل مع الوقت، وهدفها العمل على #انتقال_سياسي في #سوريا.

دحر الإرهاب أولاً

تجمع مصادر المعارضة ومصادر الإدارة الأميركية على إعطاء الانطباع أن إدارة ترمب وضعت خطة شاملة للوصول إلى حل في سوريا، وتريد بشكل خاص أن تصل إلى تعاون لصيق مع روسيا للوصول إلى حل شامل.

ويقوم الجزء الأول من الخطة الأميركية على دحر تنظيم #داعش و #التنظيمات_الإرهابية ، وتثبيت مناطق هدوء تسيطر عليها المعارضة وتكون آمنة من هجمات #النظام وتستطيع استيعاب أعداد كبيرة من اللاجئين الذين تركوا ديارهم خلال المواجهة مع النظام، أو خلال سيطرة “داعش” على مناطق واسعة من سوريا.

ولدى الحديث مع “العربية.نت”، أشار مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية إلى مثال مدينة #منبج حيث يقوم مجلس محلّي بإدارة أمور المدينة، واعتبره مثالاً، لكنه لم يؤكد أن الأميركيين سيطبقون هذا المثال بالذات على كل المناطق، نظراً لخصوصية المناطق السورية، وشدد على أن الأميركيين سيعملون على المساعدة لتأمين الحاجات الحياتية الضرورية.

ويهدف الأميركيون من ذلك لتخفيف المعاناة الهائلة التي يعيشها اللاجئون، وأيضاً تخفيف الضغط عن الدول المحيطة بسوريا مثل #لبنان و #الأردن و #تركيا.

مناطق التهدئة

تبدو منطقة #الرقة بعد تحريرها من “داعش” المرشحة الثانية بعد منبج لاستيعاب أهلها وإنشاء منطقة للمعارضة السورية تكون خالية من تنظيمات إرهابية أخرى مثل #النصرة، كما يجري الحديث عن إقامة منطقة مماثلة في جنوب سوريا، خصوصاً أن الاستخبارات الأردنية تسيطر بشكل كبير على الفصائل المعارضة في منطقة #درعا و #الجولان.

كما أن المنطقة التي تسيطر عليها الفصائل الموالية لتركيا وتنتشر في منطقة الحدود السورية التركية بين عين العرب و #اعزاز نزولاً إلى مدينة #الباب تبدو أيضاً منطقة مهيأة لهذه المهمة، لكن منطقة #إدلب تشكل تحديا كبيرا، خصوصاً أن هناك أعداداً كبيرة من التنظيمات المتطرفة فيها، ولا تفاهم بعد على كيفية تصفية هذه الفصائل وجعل المنطقة آمنة من النظام وتعيش تحت سيطرة معارضة معتدلة.

دعم وتنظيم المعارضة

من الخيارات المفتوحة تعزيز دعم وزارة الدفاع الأميركية ووكالة الاستخبارات الأميركية لبعض الفصائل في هذه المنطقة كما كان مخططاً لها أيام الرئيس السابق باراك #أوباما، لكن المشروع فشل في حينه ووقعت كميات كبيرة من الأسلحة بيد النصرة في أول محاولة لإرسال قوات دربتها #القوات_الأميركية بالتعاون مع تركيا إلى داخل الأراضي السورية.

كذلك يقوم الجزء الثاني على المساعدة السياسية وربما توحيد المعارضة تحت لواء واحد أو شخصية واحدة، وهذا ما افتقدته المعارضة السورية منذ انطلاقتها.

ولم تحسم الإدارة موقفها من هذه الشخصية أو المجلس الذي يمكن أن يرعى المعارضة السورية، مع أن رئيس لجنة المفاوضات رئيس الحكومة السورية السابق #رياض_حجاب ، كان في العاصمة الأميركية والتقى مسؤولين في #البيت_الأبيض ووزارة الخارجية ووزارة الدفاع، إضافة إلى أعضاء في #الكونغرس الأميركي ، وقد أبدى الكثير من الرسميين الأميركيين حماسهم للتوصل إلى حلول، وسمع حجاب الكثير من النوايا الحسنة لدعم #المعارضة_السورية.

التفاهم مع موسكو

تجدر الإشارة إلى أن الإدارة الأميركية بعد هجوم خان شيخون في وضع أكثر صعوبة للتفاهم مع موسكو على كل التفاصيل، لكن واشنطن توصلت إلى تفاهم غير مكتوب مع موسكو على منع بشار الأسد من استعمال #الأسلحة_الكيمياوية مرة أخرى.

كذلك تريد واشنطن تنسيق ما يحدث في الأشهر المقبلة مع روسيا، وترى أن #روسيا شريك ضروري يستطيع السيطرة على تصرفات النظام و #الميليشيات_الإيرانية والعناصر الموالية لها، كما أن إدارة ترمب لا ترى أن سقوط النظام السوري أمر ضروري، بل ترى أن منطقة سيطرة النظام ضرورية من وجهة النظر العملية لضرب طوق كامل على “داعش” والتنظيمات الإرهابية، لكن واشنطن لا تريد من النظام أن يستغل دوره هذا في قهر السوريين المدنيين والأبرياء.

عودة إلى جنيف

كما أن إدارة ترمب ترى أكثر من أي وقت مضى أن ضرورة النظام لا تعني أن الأسد سيبقى على رأس هذا النظام، بل إنها تريد مواجهته وإزاحته في نهاية المطاف من رئاسة النظام عن طريق اتهامه بـ #جرائم_حرب ، مثلما حدث مع رئيس #صربيا سلوبودان ميلوزوفيتش.

وتبدي الإدارة الأميركية رغبة في العودة إلى مسار #جنيف بالتعاون مع موسكو، لكن توقيت العودة سيكون مرتبطاً بحضور معارضة قوية، تستطيع الجلوس إلى الطاولة وتتفاوض مع نظام الأسد من باب القوة، وربما لن يحدث هذا قبل سيطرة المعارضة على #الرقة وظهور قوة سياسية معارضة تسيطر على أكثر من منطقة في سوريا.

 

 

 

العمل مع الأسد! ولكن لأجل ماذا؟/ أمير طاهري

قد يكون، أو لا يكون، الهجوم الصاروخي الأميركي الذي وقع الأسبوع الماضي على إحدى القواعد العسكرية الجوية التي يستخدمها سلاح الجو السوري التابع للرئيس بشار الأسد، نقطة تحول حاسمة بقدر ما يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية للولايات المتحدة. وعلى الرغم من ذلك، فلقد أعاد الهجوم الأميركي القضية الشائكة المتعلقة بمستقبل بشار الأسد مرة أخرى إلى جدول الأعمال الدبلوماسية الأميركية.

ومع توجيه الضربة الصاروخية ضد القاعدة الجوية الحكومية السورية في أعقاب الهجوم الكيماوي الذي شنته قوات الأسد على محافظة إدلب، توجه الرئيس دونالد ترمب إلى إنفاذ «الخط الأحمر» الذي أعلنه، ثم تراجع عنه، من قبل الرئيس السابق باراك أوباما.

فهل سيحاول الرئيس ترمب أيضاً إنفاذ المواقف الأخرى المعلنة التي تراجع عنها الرئيس الأميركي السابق: والتي تفيد بأنه لا وجود لبشار الأسد في مستقبل سوريا؟

أطلق الرئيس أوباما شعار «لا بد من رحيل الأسد» في عام 2012، الذي كان بمثابة الأنباء السارة لدى الخبراء في وزارتي الخارجية والدفاع الأميركيتين، والذين اعتقدوا أنه ما لم يرحل الديكتاتور السوري، لن تهدأ الأوضاع في سوريا على الإطلاق.

وبحلول عام 2013. برغم كل شيء، أعاد الرئيس أوباما صياغة شعاره السابق لكي يكون «لا بد أن يُنحى الأسد جانباً». وعقدت جولة المحادثات السرية الثانية حول صيغة تفيد ببقاء بشار الأسد على رأس السلطة في سوريا، ولكن مع تسليم السلطات إلى أحد نوابه الذين يترأسون مجلساً للوزراء من التكنوقراط المكلفين التحضير لصياغة دستور جديد للبلاد، ثم تليه الانتخابات العامة.

ومع ذلك، وبحلول عام 2015، تناسى الرئيس أوباما كل ذلك، وتقبل وجود الأسد بشكل جيد في مستقبل غير محدد لبقائه على رأس السلطة في البلاد.

وإحدى الحقائق التي ظلت غامضة تفيد بأن المأساة السورية هي، وفي جزء كبير منها، نتيجة لقرار الأسد، انطلاقاً من نزعة انتهازية أو جبانة، باعتماد أكثر المواقف راديكالية داخل النظام البعثي الحاكم.

وفيما بين عامي 2011 و2015، حاول العشرات من المسؤولين السوريين، وبعض منهم ظل في خدمة الرئيس حافظ الأسد والد الرئيس الحالي لعقود طويلة، وضع صيغة تساعد جميع أطراف الحرب الأهلية على الوصول إلى حل توافقي. أما بشار الأسد، الذي يستند إلى جيشه ونظامه الحاكم، رفض أن يتزحزح قيد أنملة؛ مما ساعد على استمرار المذابح والفواجع على أرضه. وتلاشت ذكرى الكثير من هؤلاء المسؤولين في هدوء غريب، أو تمكن بعضهم من الفرار إلى المنفى في الخارج. وظل بشار الأسد في مركزه في صميم زمرة الدم التي يدعمها ملالي طهران، ومنذ عام 2014 فصاعداً: «الدب الكبير» في الكرملين.

واليوم، ومن ناحية القوة الفعلية، أصبح موقف بشار الأسد غير ذي صلة بالواقع إلى حد كبير، فهو ليس أكثر من مجرد قناع للشرعية الزائفة التي يستغلها الروس إلى جانب ملالي طهران في مخططاتهم المشتركة، وإن كانت في بعض الأحيان متناقضة، بشأن سوريا.

ومع استبعاد روسيا وإيران، فإن البعض، وبما في ذلك المشتبه فيهم المعتادون في الحركات المعادية للغرب، لا يزالون يستخدمون تيمة بشار الأسد في إرباك الرأي العام فيما يتعلق بالمأساة السورية.

وبعض من دعاة النزعة السياسية البراغماتية، على سبيل المثال، جوليان لويس، الذي يرأس لجنة الدفاع في مجلس العموم البريطاني، الذي بدأ بمقدمة حول الشرور الكامنة في شخصية بشار الأسد، لكنه أنهى حديثه في نهاية المطاف بقوله: إنه ينبغي علينا العمل معه رغم كل شيء.

وحيث إن «الأعمال» التي يقوم بها بشار الأسد تتعلق في المقام الأول بقتل الناس، يجب على السيد لويس أن يخبرنا عن الطريقة التي يمكن بها لبريطانيا المساعدة في هذا المجال!

يقول لويس إنه أثناء الحرب العالمية الثانية تمكنت بريطانيا من تشكيل تحالف مع الديكتاتور السوفياتي ستالين لمواجهة هتلر، وتناست تماماً السجل الدموي الحافل للطاغية السوفياتي الراحل.

ومع ذلك، نسي العضو البارز في البرلمان البريطاني أن جوزيف ستالين كان قد أبرم تحالفاً مع هتلر ذاته، تحت اسم «حلف مولوتوف – ريبينتروب»، ولم يتحرك إلى الحرب إلا بعدما خرق هتلر المعاهدة وهاجمت ألمانيا الاتحاد السوفياتي. وعندما حدث هذا، كان ستالين هو من توسل إلى بريطانيا، وفي وقت لاحق الولايات المتحدة، لمساعدته في وقف الطاغية النازي وحربه على أراضيه.

سيطر جوزيف ستالين على مساحات شاسعة من الأراضي، وحكم عشرات الملايين من الشبان الذين استغلهم وقوداً في حربه الحارقة.

ولا يملك بشار الأسد من ذلك من شيء. فهو يسيطر بالكاد على ما يقرب من 15 في المائة من الأراضي السورية، ولقد أعلن على الملأ أنه يفتقر إلى الموارد البشرية الكافية لتوسيع حكمه وسلطانه. ومن دون القوة العسكرية المقدرة بنحو 60 ألف مقاتل من مرتزقة لبنان، وأفغانستان، وباكستان، وغيرهم من المرتزقة الذين يحركهم الملالي في طهران، لم يكن للأسد أن يتمكن حتى من الدفاع عن قصره الرئاسي في دمشق. وفي غياب القوات الجوية الروسية التي مسحت معالم حلب، وغيرها من المدن السورية، من على الأرض، لم يكن لحليف السيد لويس المفترض أن يستطيع رفع علمه على أي مكان هناك.

والأهم من ذلك، ربما، أن بشار الأسد يقاتل السواد الأعظم من أبناء شعبه السوري الذين لا يمكن تشبيههم بالنازيين على أي حال.

فأي مصلحة تتوقعها بريطانيا أو أي دولة ديمقراطية أخرى من وراء استمرار المذابح والفظائع المروعة في سوريا؟

ومن ناحية السياسة الواقعية، فإن بشار الأسد هو من الشخصيات عديمة الفائدة، وفي كل يوم يمر نراه يتقلص كثيراً عن ذي قبل منزوياً إلى زاوية عدم الاعتبار.

ومن الحجج الأخرى المستعملة في خدمة صيغة «وجوب العمل مع الأسد» هي تلك التي يروّج لها فرنسوا فيون، المرشح اليميني المحاصر في الانتخابات الرئاسية الفرنسية المقبلة؛ إذ يقول: إنه ينبغي على الغرب العمل مع الأسد؛ نظراً لأنه يمثل الحكومة الشرعية في سوريا.

ولكن كيف حاز بشار الأسد شرعية حكمه للبلاد؟ لم تُعقد أي انتخابات حقيقية في سوريا، ولقد تم، بكل بساطة، الإعلان عن تولي بشار الأسد مهام رئاسة البلاد بعد وفاة والده في انتهاك صريح وواضح للدستور السوري.

ورغم ذلك، وحتى مع عدم الشك في شرعية حكومة بشار الأسد، فليس هناك من سبب وجيه يدعو الشرعية إلى منح أي رئيس اليد الطولى في ارتكاب جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، ولا سيما ضد أبناء شعبه. وبعد كل شيء، فلقد كانت حكومة أدولف هتلر شرعية بموجب فوزه في الانتخابات العامة التي أجريت وقتذاك.

ويروّج بوتين لحجة أخرى في هذا السياق مفادها: أن بشار الأسد يحارب الإرهابيين ويستحق الدعم والإسناد في ذلك. ورغم هذا الطرح، بات من الواضح وبجلاء أن قوات بشار الأسد، ومن يدعمهم من القوات الروسية والإيرانية، لم تتخذ أي إجراء ذي بال ضد تنظيم داعش الإرهابي، ولا يزال التنظيم الإرهابي يسيطر على مساحات كبيرة من الأراضي السورية. ومن البديهي القول وفقاً لذلك الطرح إن 80 في المائة من السوريين الذين يعارضون بشار الأسد هم من الإرهابيين. والملايين من اللاجئين والنازحين، وأغلبهم من النساء والأطفال والعجائز، هم من البشر العاديين الذين يرغبون في لمحة من لمحات الحرية والأمن لكي يعيشوا حياتهم بصورة طبيعية. ولقد تعمد الأسد و«داعش» وغيره من التنظيمات الإرهابية الأصغر حجماً حرمان الشعب السوري من هذه الحقوق البسيطة.

والحقيقة مفادها أنه ليس للأسد من مكان في سوريا.

حتى لو تسلّم بشار الأسد سوريا بالكامل على طبق من ذهب، فليس لديه ما يكفيه من المؤيدين والأنصار لضبط الأمن والنظام وإعادة الحد الأدنى من الحكومة إلى سابق عهدها. وفي حقيقة الأمر، لقد ماتت سوريا بالفعل من واقع أنها دولة. ولا بد من إنشاء دولة سورية جديدة. وليس بمقدور الأسد ولا «داعش» ولا عشرات الجماعات المسلحة التي تقاتل الأسد أن تتولى هذه المسؤولية الهائلة بمفردها. وعلى الرغم من ذلك، فإنه من شأن رحيل الأسد أن يتيح المجال لكل السوريين، بمن في ذلك الأقلية التي تناصر بشار الأسد، أن يجتمعوا معاً بغية تحمّل هذه المسؤولية الرهيبة.

ومن الناحية الأخلاقية والسياسية البراغماتية؛ «لا بد من رحيل الأسد»، وهي الصيغة المعقولة الوحيدة والجديرة بالاعتبار لوضع حد نهائي للمأساة السورية المستمرة.

* نقلاً عن “الشرق الأوسط”

 

 

 

ترامب في سوريا: ضربة واحدة لا تكفي وقرارات الحرب والسلم لا تقوم على الحدس/ إبراهيم درويش

علمت الضربة الأمريكية لقاعدة عسكرية سورية يوم 6 نيسان (إبريل) تحولا في مواقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الأزمة السورية. ونظر إلى الصواريخ الـ 59 التي انهمرت على قاعدة الشعيرات الجوية بأنها بداية لتورط أمريكي في سوريا أو ما يطلق عليه البعض «المهمة الزاحفة». فمع أن ترامب أكد طوال حملته الانتخابية العام الماضي أن لا شأن له فيما يجري في الحرب إلا أن معاقبته النظام السوري حملت الكثير من الرسائل وطرحت أسئلة أكثر مما أجابت عليها بل وقد تؤدي لتدهور الوضع على الأرض. واللافت في الأمر أن الانخراط العسكري الأمريكي جاء بعد سلسلة من التصريحات المتضاربة داخل الإدارة بين ترك مسألة تغيير النظام في دمشق للسوريين كما تحدث وزير الخارجية ريكس تيلرسون أو أن الإدارة الأمريكية لا تضع مسألة بقاء أو رحيل بشار الأسد على رأس أولوياتها كما قالت نيكي هيلي، مندوبة أمريكا في الأمم المتحدة فما يتفق عليه كل المسؤولين الأمريكيين هو أن تنظيم «الدولة» يعتبر أولوية الإدارة الحالية وهزيمته تعتبر حيوية في ضوء التصريحات الصارخة لترامب ورفعه ورقة التهديد الإرهابي ومصالح الأمن القومي. فأوامره الرئاسية التي تمنع المسلمين من 6 دول مرتبطة بالتخويف الإرهابي. كما أن خططه لبناء جدار مع المكسيك جاءت عبر فكرة الخطر الإرهابي وكذا منعه اللاجئين السوريين. ولم تكن إدارة ترامب ترى في النظام السوري حتى 4 نيسان (إبريل) خطرا إرهابيا. بل كانت تصريحات الرئيس في أيامه الأولى تقول إن الأسد يقاتل تنظيم «الدولة» وكذا إيران وروسيا وهؤلاء يمكن أن يكونوا عونا له على هدفه الأكبر وهو سحق تنظيم «الدولة» عن وجه الأرض كما قال. وفي هذه الأولوية لم تكن إدارة ترامب تملك استراتيجية واضحة حيث تبنت بعد مراجعة سريعة لاستراتيجية باراك أوباما الأساليب نفسها بتعديلات جديدة ومهمة مثل منح القادة العسكريين الخيار في اتخاذ القرارات دونما العودة للبيت الأبيض، وهذا يفسر زيادة أعداد القتلى بين المدنيين في سوريا والعراق واليمن وفي أفغانستان التي استخدم فيها الجيش الأمريكي «أم القنابل» لضرب مواقع قال إنها تابعة لتنظيم الدولة/ولاية خراسان. وزادت الإدارة من وتيرة استخدام الطائرات بدون طيار وأرسلت أعدادا جديدة من قوات العمليات الخاصة إلى العراق وأكدت تحالفها في سوريا مع قوات حماية الشعب، متجاوزة الاحتجاجات والتحفظات التركية.

حسابات داخلية

ولا يمكن فصل تصعيد واشنطن ضد النظام السوري عن المشاكل الداخلية التي تواجهها إدارة ترامب. فالخلافات العاصفة داخل البيت الأبيض بين تيار الأيديولوجي ستيفن بانون، مدير الإستراتيجيات والذي يقف وراء شعار «أمريكا أولا» الذي يحمل ملامح من العزلة وتخلي أمريكا عن دورها الذي اضطلعت به منذ الحرب العالمية الثانية، وتيار صهر الرئيس غارد كوشنر، الذي سلمه ترامب ملفات خارجية عدة مثل المكسيك والصراع الفلسطيني- الإسرائيلي والعراق وسوريا. ووصفته بعض التعليقات الصحافية بوزير خارجية الظل، وتساءلت عن قدرته للتعامل مع تعقيدات السياسة الخارجية وقد جاء من خارج المؤسسة. وبالإضافة لطريقة ترامب الفوضوية في إدارة فريقه هناك ضغوط عليه نابعة من التحقيقات التي تقوم بها لجان في الكونغرس ومكتب التحقيقات الفدرالية حول دور محتمل للكرملين في الانتخابات الرئاسية، تشرين الثاني (نوفمبر) 2016. حيث حاولت موسكو من خلال عمليات قرصنة ألكترونية وحملة تضليل إعلامي وتسريبات من معسكر هيلاري كلينتون ترجيح كفة المرشح الجمهوري ترامب. ورفض الأخير الاتهامات واعتبرها أخبارا زائفة. بل وذهب بعيدا وهاجم المؤسسات الأمنية واتهمها بالتصرف كالسلطات النازية واتهم سلفه أوباما بالتنصت على «برج ترامب». وهي اتهامات أثبت المسؤولون الأمنيون زيفها. بل وأكدت صحيفة «الغارديان» (13/4/2017) نقلا عن مصادر غربية قولها إن مؤسسة التنصت البريطانية «جي سي أتش كيو» كانت أول مؤسسة أمنية تلاحظ العلاقة بين مسؤولين في فريق ترامب وعملاء روس أو من يشتبه منهم بالتعامل مع الروس. واكتشفت العلاقة بطريقة عرضية من خلال مراقبة هؤلاء وأعلمت المسؤولين الأمنيين الأمريكيين الذي ردوا على الوضع ببطء. وأيا كان فعلاقة ترامب بالروس وتصريحاته التي عبر فيها عن إعجاب بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين جعلت الكثيرين ومنهم الروس يتوقعون إعادة ضبط للعلاقة بين القوتين النوويتين.

نهاية شهر العسل

ومن هنا جاءت الضربة العسكرية المحدودة في سوريا كرسالة لتؤكد أن علاقات الإعجاب بين ترامب وبوتين قد انتهت. وهو ما أكده نجل الرئيس إريك في تصريحات لصحيفة «دايلي تلغراف» (10/4/2017) أكد فيها أن ضربة سوريا تؤكد أن كل الحديث عن علاقة بروسيا لا قيمة لها وأن والده صعب المراس ولا أحد يستطيع التلاعب به. وقال إن والده من المؤمنين بعقيدة الرئيس الأمريكي السابق رونالد ريغان وهي تحقيق السلام عبر الاستخدام المفرط للقوة. وبهذا أغلق العمل العسكري أي تعاون بين البلدين بل وعلقت روسيا التعاون في الأجواء الروسية لمنع اصطدام المقاتلات التي تحلق في المجال نفسه وتقوم بمهام مختلفة. وخيمت العلاقات الأمريكية- الروسية على اجتماعات وزراء خارجية الدول السبع الكبار في توسكاني الإيطالية. وعلى الاجتماع البارد بين تيلرسون ونظيره الروسي سيرغي لافروف. فرغم الرسالة التي حملها تيلرسون معه ودعوة موسكو للتخلي عن نظام «بات يسمم سمعة روسيا» إلا أن الكرملين رد بعقد اجتماع شارك فيه وزيرا الخارجية الإيراني والسوري وأكد على دعم قوي للنظام السوري. وشكك العديد من المحللين بقدرة واشنطن التي فقدت معظم أوراق النفوذ في سوريا على تغيير الموقف الروسي. فقد استثمر بوتين في سوريا الكثير من المال والدم. وكما علقت صحيفة «نيويورك تايمز» (8/4/2017) فتأكيد الدعم وشجب «العدوان» الأمريكي يعني نهاية «فكرة التعاون مع الإدارة الأمريكية بناء على شروطه».

ونقلت عن المحلل السياسي المستقل ألكسندر موروزوف قوله: «حدد بوتين خياره وأكد على أن الأسد حليف» وهو ما سيقود إلى عزلة روسية جديدة إلا أن بوتين «سيصمد على موقفه». ولن يكون الموقف الجديد بدون ثمن تدفعه روسيا اقتصاديا وتورط طويل في الأزمة السورية، فحتى وقت قريب كان التدخل العسكري الروسي غير مكلف من الناحية العسكرية والبشرية والمالية. وظلت موسكو تتعامل مع التدخل في سوريا كمهمة قصيرة تستطيع الخروج منها في أي وقت. وفي ضوء تشديد الولايات المتحدة لهجتها بل وحديث تيلرسون عن التزام أمريكا بالدفاع عن المدنيين أيا كانوا في العالم فستجد روسيا نفسها أمام وضع جديد لم يعد فيه رئيس الولايات المتحدة يتردد في استخدام القوة لتأكيد قوة بلاده أو الظهور بمظهر الزعيم القوي خلافا للصورة التي قدمها أوباما الذي ظل مترددا في استخدام القوة الأمريكية.

عقيدة

وهذا لا يعني أننا أمام «عقيدة جديدة» لترامب. ويتفق الجميع أنه تصرف حيال الهجوم الكيميائي لأنه لم يرد الظهور بمظهر الرئيس الضعيف. وبالنظر لرد فعله الأولي نرى أنه حاول كعادته رمي المسؤولية على الإدارة السابقة وتحميلها فشل حل الأزمة السورية مع أن تغريداته ما بين 2013- 2014 كلها دعت أوباما لتوفير سلاحه لليوم المهم. وكان أول قرار اتخذه بعد وصوله إلى البيت الأبيض قطع الدعم القليل الذي كان يقدم للمعارضة السورية المعتدلة. ولهذا فالضربة المحدودة لا تعبر عن تحول جذري في مواقف الرئيس خاصة أنها جاءت ردا عاطفيا على ما شاهده من صور على شاشة «فوكس نيوز». وإن صدقنا التقارير وتصريحات نجله أن ابنته إيفانكا لعبت دورا في دفعه للتحرك فهذا يثير المخاوف. فقضايا الحرب والسلم كما قالت صحيفة «أوبزيرفر» (8/4/2017) لا تقوم على الردود العاطفية والرد الغريزي على خطأ فادح ارتكبه نظام ديكتاتوري قد يؤدي إلى جعل حياة المدنيين أخطر. وقالت إن ترامب لا يزال «طالبا مبتدئا» في شؤون الأمن الداخلي والخارجي. وبدا كل هذا واضحا في قراره ضرب النظام السوري، فلم تنقصه التجربة فقط بل وأظهر أنه لم يكن مستعدا للتعلم وفهم تعقيدات حرب أهلية تدور منذ 6 أعوام. واتخذ قراره بدون عودة إلى الكونغرس أو الأمم المتحدة وهذا يذكر بحرب العراق عام 2003. وذكر الكاتب ميكا زينكو في «فورين بوليسي» (9/4/2017) أن ترامب قام بتصحيح خطأ ارتكب بخطأ آخر.

ورغم تأكيد البنتاغون في بيانها على أن هدف العملية كان منع الأسد من استخدام السلاح الكيميائي مرة أخرى إلا أن العملية تعبر عن ضيق نظر. لأن الأسد يمكنه مواصلة قتل المدنيين بطرق أخرى. ففي العام الماضي قتل حول العالم 97.000 شخص بسبب النزاعات والحروب وربما قتل منهم بضعة مئات نتيجة للأسلحة الكيميائية. وعليه فالرد الأمريكي لا ينبع من استراتيجية لحل النزاع أو وقف معاناة المدنيين بل لشعور كل الطبقة السياسية والعسكرية والأمنية أن هناك حاجة لعمل شيء أمام ما يرونه من معاناة للمدنيين. وهناك مشكلة أو معضلة في اللجوء إلى القنابل والصواريخ لإرضاء النفس. وحسب مسؤول فالهجوم محدد أو كما يقال مثل «بيضة النعامة» وهو تعبير عن موقف وليس سياسة. فصور الصواريخ «الجميلة» التي وصفها معلق أمريكي كانت تهدف لإعطاء صورة أن الأسد قد دفع الثمن. وعلى المدى البعيد سيحاول كل طرف في الحرب تسليح جماعته أي بشكل عام تواصل الحرب الأهلية فيما سيواصل الأسد جرائمه وبدعم كامل من إيران وروسيا. وسيواجه ترامب التحدي نفسه عندما يتم ارتكاب جريمة أخرى: هل يسكت أم يرد بالقوة؟ كل هذا يجعل من العملية محاولة لرد الإعتبار لمصداقية الولايات المتحدة. وجاء التعجل باستخدام القوة ليمنع أي نقاش عام حول القرار. وهذا أمر يثير القلق خاصة أن ترامب بعد أكثر من 3 أشهر في الحكم لم يستكمل بعد فريقه للأمن القومي ولا يعرف المراقبون إلى أين تقود الهجمات. فالتدخل الإنساني يظل مدعاة للتدخلات الأخرى أو المهمة الزاحفة.

لا رؤية

وكما قالت مجلة «إيكونوميست» (12/4/2017) فضربة واحدة لا تصنع استراتيجية. ولا يوجد ما يشي لوجود اتفاق على الخطوة المقبلة وأن حديث الإدارة عن تغيير النظام يعني مواجهة عسكرية مع الروس في الجو. وبدلا من التصريحات المتناقضة على الإدارة التحضير لليوم التالي بعد إخراج تنظيم الدولة من «عاصمته» الرقة. وهي وإن رأت أن التقسيم الفعلي الحاصل في سوريا هو الحل الوحيد المفضي لرحيل الأسد إلا أن الإدارة لا تملك خطة بهذا الإتجاه. وكما لاحظ غوست هيلترمان في مقال نشره موقع مجلة «نيويورك ريفيو أوف بوكس» فلم يظهر ترامب «جدية» لتدخل عسكري واسع رغم الضربة الرمزية لقاعدة الشعيرات. ويرى الكاتب أن مسألة سوريا أعقد من عملية صواريخ، فما يجري في الحقيقة هو تنافس بين عدة قوى على «غنيمة» تنظيم «الدولة». ويقوم كل طرف بموضعة نفسه، مشيرا للدور الذي تلعبه إيران وما تقوم به من تحالفات مع أكراد سوريا وحزب العمال الكردستاني «بي كي كي» وخططها لبناء ممر يمتد من حدودها عبر العراق وسوريا إلى ساحل البحر المتوسط. ومن هنا فما حققته الولايات المتحدة من فائدة لن يؤدي إلى وضع مستقر في المنطقة بمرحلة ما بعد الحرب طالما لم تخطط لها. وكان توماس فريدمان، المعلق في صحيفة «نيويورك تايمز» كتب عن جدوى استراتيجية مكافحة تنظيم «الدولة» ودعا للتركيز على نظام الأسد والروس وإيران وجعلهم يدفعون الثمن بدلا من تقديم خدمة مجانية لهم بهزيمة عدو مشترك وهم الجهاديون.

وفي النهاية، لاحظت ديان فوندستين تشامبرلين في «فورين إفيرز»(14/4/2017) أن ضربة واحدة لن تغير من سلوك النظام. وستكون إدارة ترامب مخطئة لو ظنت أنها بعدد من الصواريخ ستردع ليس الأسد بل والأنظمة المارقة الأخرى مثل كوريا الشمالية.

القدس العربي

 

 

 

ترامب وسورية: تداعيات جدية لضربة ارتجالية/ حسن منيمنة

الآراء تتعدد حول الدوافع التي جعلت الرئيس الأميركي دونالد ترامب يقلب التوجه الذي اعتمدته الولايات المتحدة منذ اندلاع الأزمة السورية رأساً على عقب. فبعدما كان الرئيس السابق باراك أوباما التزم خطاباً مبدئياً داعياً إلى رحيل رأس الحكم في دمشق، من دون أن يُقدم على أية خطوة جدية لينسجم الفعل مع القول، بل بعد رسم أوباما خطاً أحمر، يتمثل بالتعهد بالتدخل والرد في حال أقدم النظام على استعمال السلاح الكيماوي، ليتخلف عن الوفاء بتعهده في الساعة الموعودة، بدا وكأن السياسة الأميركية بشأن سورية رست على الابتعاد عن أي دور حاسم.

ترك ذلك المجال لروسيا لتتدخل، بعد أن فشلت إيران التي زجت بأوراق عدة لتمكين النظام من تحقيق النصر من دون جدوى. وإذ تمكنت روسيا من تبديل موازين القوى لمصلحة النظام، فإن الحسم العسكري بقي مستعصياً.

لكن فوز ترامب في الانتخابات الأميركية كان واعداً بالنسبة الى روسيا وإيران والنظام في دمشق، إذ إن ترامب، الذي ظهر متفقاً مع منطق رفع اليد عن القضية السورية الذي اعتمده أوباما، تخطى سلفه في التنصل من أي مسؤولية أخلاقية أو معنوية تجاه السوريين، بل أصدر مرسوماً بمنعهم من اللجوء إلى الولايات المتحدة. وقبل أيام قليلة من الضربة، كان وزير الخارجية الأميركي، كما السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة، يشيران إلى استعداد للتعايش مع بقاء النظام.

فما الذي غيّر الأحوال، لتنهمر الصورايخ الأميركية على قاعدة جوية للنظام، وليصبح حديث حكومة ترامب اقتراب زوال حكم النظام القائم في دمشق؟

الواقع أن التفسيرات ذات المضمون لا تستقيم. فالحديث عن مسعى أميركي للإمساك بزمام الأمر في الشأن السوري يتطلب أن تكون ثمة رؤية أميركية للحل، وهذا غير متحقق. والكلام عن ضغط متعمد على روسيا يبدو خارج السياق، إذ لم يسبقه التواصل بين وزيري الخارجية لتكون الضربة تهديداً قائماً في حال لم تثمر المحادثات عن توافق. والضربة لا تزيد من فرص تطويق تنظيم الدولة ولا تمنح القوات التي تدعمها واشنطن حظوظاً جديدة. وإذ رحّب البعض بالضربة، فإنها كانت يتيمة وليس من دليل أنها الأولى من سلسلة كي يرى فيها من رحّب دعماً مستديماً في مواجهة النظام. وفي واشنطن نفسها، لا سيما في أروقة السلطة التشريعية، التساؤلات تتعدد، على رغم التأييد الواسع النطاق للضربة، حول مشروعيتها، أي أن هذه الخطوة تعكّر العلاقة التي يحتاجها ترامب من دون شوائب مع الكونغرس، بعد فشله في إنجاز أهم وعوده الانتخابية، أي قانون الرعاية الصحية.

فلتبيّن الحافز المباشر لخطوة ترامب التصعيدية، لا بد من مراجعة سجلّه القريب. ترامب، في أكثر من مناسبة يشاهد البرامج التلفزيونية وينطق بالتعليقات المستعارة منها جملة وتفصيلاً بغضّ النظر عن صحّتها. وفي اليوم السابق لقراره القيام بالضربة، كانت التغطية لضحايا الهجوم الكيماوي مروّعة، إذ أظهرت جثث أطفال مصفوفة في أعقاب الاعتداء. والتسريبات الصادرة من البيت الأبيض تشير إلى أن ترامب، وكذلك ابنته إيفانكا والتي يثق برأيها أكثر من أي مستشار آخر، قد تأثرا جداً بهذه المشاهد، فقرر الرئيس الإقدام حينها. قد يعجز البعض عن إقناع نفسه بقبول واقع أن هذه الرئاسة الأميركية مختلفة، وإن هذا الرئيس يتصرف بوحي من اعتبارات ذاتية وانفعالات ومشاعر، وليس بناءً على اطلاع ومنطق، غير أن كل الشواهد على مدى الأشهر الطويلة الماضية تشير تحديداً إلى ذلك.

أليس لدى هذا الرئيس مستشارون ومؤسسات يرعون مصالح الولايات المتحدة بما يمنعه من الارتجال؟ الجواب نعم ولا، المؤسسات التنفيذية في الولايات المتحدة راسخة وقادرة، ولكنها خاضعة للرئيس، إذ هي مؤسسات داعمة له وحسب. بالتأكيد، في هذه المؤسسات من يستغرب فوز ترامب ويستهجن أفعاله، ومن هنا يأتي التسريب وبعض المضايقات. إلا أن القول الفصل هو للرئيس، وليس لدولة عميقة مزعومة. ترامب أمر بالضربة ارتجالياً. هذا ما هو أقرب إلى الواقع، ومع الضربة تبدّلت الأمور على أكثر من مستوى.

في الشأن السوري، بعد أن كانت روسيا ممسكة بالملف وناشطة بدفعه في اتجاه تنفيس الثورة، على رغم الضعف الميداني للنظام، فإن الضربة، بغضّ النظر عن دوافعها، هي إعلان بأن الساحة لم تعد خالية لروسيا، بل لا بد من اعتبار الولايات المتحدة في أي تصور للمرحلة المقبلة. أي أن تصور الحسم العسكري تراجع، وعلى روسيا إيجاد الصيغة التي ترضى بها الولايات المتحدة.

في شأن العلاقات مع روسيا في ما يتعدى الملف السوري، أثبتت الضربة أن الاحتفال الروسي بفوز ترامب كان سابقاً لأوانه، وأن ترامب سواءً صحت استفادته من السعي الروسي إلى التأثير على الانتخابات في الولايات المتحدة أم لا، ليس عنصراً مضموناً لموسكو، بل هو عامل مستقل قد يتعارض مع مصالحها.

على مستوى العلاقات مع الحلفاء الأوروبيين وحلف شمالي الأطلسي والشركاء في منطقة الشرق الأوسط، تشكّل الضربة عودة مفاجئة وإن مشكورة للولايات المتحدة إلى موقف ينسجم مع مواقف الحلفاء، ولكن يبقى التساؤل عن مدى ديمومة هذا الموقف.

بالنسبة الى الخصوم والأعداء، ما قام به ترامب هو مدعاة قلق جدي، فالذي ضرب سورية قد يضرب إيران وقد يغامر في كوريا الشمالية، أو قد يرسل أسطولاً إلى بحر الصين الجنوبي كما أرسله إلى ضفاف كوريا الشمالية، وبعد أن كان هذا الرئيس قد تمرّس بالخطابيات الاستفزازية، إذاً هو اليوم يبدو قادراً على ألا يكتفي بالخطاب.

أي أن ترامب فاجأ، وأربك، وعطّل. وعليه فإن ثمة من يرفض القول بالارتجال ويرى في عمله هذا تفكيراً بعيد المدى وُضع موضع التنفيذ ليمسك بزمام الأمور. والحقيقة أنه لا فارق: فالولايات المتحدة، بحكم قوتها ونفوذها ووطأة تأثيرها قادرة على أن ترتكب الهفوات وأن تغامر، وإن هي اضطرت أن تدفع بعض الثمن لذلك، فإن أثماناً مضاعفة هي من نصيب غيرها، ما يدفع الجميع إلى الحيطة. أي أنه يمكن ترامب أن يرتجل، ولكن لفعله تداعيات لا بد لبقية العالم أن يتعاطى معها بجدية الخطوة التي تأتي بعد طول حساب.

الحياة

 

 

 

خان شيخون: قشة البعير؟/ سعيد يقطين

أعاد ضرب خان شيخون بأسلحة كيميائية القضية السورية إلى مستوى لم تكن عليه قبل بضعة أيام من حدوثه. كانت أمريكا مع ترامب قد صرحت بعدم مناقشة إزاحة بشار أو إثارة قضية مآله. وكان هذا تغييرا في السياسة الأمريكية التي ظلت ترى أن المشكلة الجوهرية في المفاوضات يجب أن تنصب، إلى جانب تحقيق الهدنة، القضاء بخروج بشار. لكن التدافع الروسي ـ الأمريكي أدى إلى تغيير نبرة الحديث، قبل المفاوضات، وكان التسليم بعدم مناقشة مصير الأسد بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير. لقد اعتبر النظام هذا الموقف دعما لسياسته في محاربة «الإرهاب» الذي يجمع العالم برمته على استئصاله. ولما كان أي حديث عن الهدنة لا يعمل في الحقيقة إلا على المزيد من حدة الحرب، وليس العمل على إطفائها تمهيدا للوصول إلى حل، لأن النظام يريد تحقيق مكاسب مهمة على الأرض لتكون المفاوضات لفائدته، فإن عمى النظام، وهو يستغل تأكيد أمريكا على أن مصير الأسد لا يمكن أن يقرره إلا الشعب السوري، من جهة، وسعيه إلى ضمان المزيد من الانتصارات بمضاعفة تحركاته، من جهة ثانية، لم يؤد به إلا إلى استخدام الأسلحة الكيمائية في خان شيخون في محافظة إدلب، فكانت الكارثة التي استنكرها العالم أجمع، بما فيه الصين التي ظلت حليفا للنظام.

جاء رد الفعل الأمريكي سريعا ومفاجئا للجميع. وقد ترجم في الضربة الأمريكية على قاعدة الجيش، وتغيرت نبرة الحديث إذ صار مصير الأسد في لب القضية، بعد أن كان التلويح بأن ذلك بيد الشعب. وطبيعي بعد هذا الحادث أن تتصارع التصريحات في سماء الإعلام. فروسيا تستنكر الضربة الأمريكية، وتؤكد أن النظام لا يمتلك أسلحة كيميائية، والنظام السوري يعتبر قضية خان شيخون «مفبركة»، وأنها جاءت لتبرر تلك الضربة. وكانت إيران تسير في ركب سوريا الروسية، فيما سارعت جهات عربية وغربية إلى دعم التدخل الأمريكي الذي جاء ليعبر عن التوجه الجمهوري في إدارة الصراع على المستوى الدولي. فما أشبه الليلة بالبارحة!

لقد قرر الشعب السوري مصير الأسد ونظامه منذ أن خرج إلى الشارع مطالبا بالحصول على الحرية. وكل من كان يرى غير ذلك واهم ولا يريد رؤية الحقيقة عارية. وبعد انصرام أزيد من ست سنوات على التقتيل والتهجير نجد من يناقش القضية السورية بمعزل عن مصير الأسد. وفي كل ذلك مصالح متضاربة ومتفاوتة، ولا سيما بين الأطراف المتصارعة على الأرض. ومنذ بداية الأحداث كان التنويه بضرورة عدم التدخل الخارجي في سوريا كي لا يتكرر المشهد الليبي، وخاصة بعد نهاية القذافي المأساوية. تدخل العالم في سوريا، وكانت طائرات التحالف، والطائرات الروسية، وكانت إيران وحزب الله على الأرض، وكان ما كان مما يذكر الجميع ما هو متواصل إلى الآن من كوارث بسبب قول الشعب لا للقمع، نعم للحريات. وها الشعب السوري يدفع ثمن الطلب باهظا.

استغلت روسيا وإيران الوضع الذي تولد مع مجيء الديمقراطيين إلى البيت الأبيض، ومحاولة إدارة أوباما عدم تكرار التجربة الأمريكية مع الجمهوريين في العراق التي أدت إلى تعاظم كراهية أمريكا في العالم. وكان من نتائجها الاتفاق حول الملف النووي الإيراني مع الغرب الذي اعتبرته إيران انتصارا عظيما وقتها، وفتح شهيتها للتمدد في المنطقة، وصارت تسعى لبسط يدها في العراق، ومد رجليها إلى اليمن. واستغلت روسيا الحدود التي وقفت عليها أمريكا في حربها في المنطقة، فاستأسدت، وصارت تقدم نفسها البديل لأمريكا، بحجة محاربة «الإرهاب»، وإذا بها تخوض الحرب إلى جانب النظام، ليس ضد الدولة الإسلامية، ولكن ضد الشعب وقواه المعارضة. لذلك لا عجب أن نجدها تنفي امتلاك النظام أسلحة كيميائية، وتستخدم الفيتو ضد قرار بهذا الشأن. وستستمر المهزلة المأساة! لقد أعاد موقف ترامب من القضية السورية، عن طريق تدخله المباشر بعد خان شيخون، إلى مستوى جديد من الصراع في المنطقة العربية، والذي تبدو فيه المصالح الدولية متضاربة ومتداخلة، والعرب غائبون ومغيبون ومتغيبون.

إن موقف أمريكا من النظام السوري، قبل استخدامه الأسلحة الكيميائية، من خلال تصريحات ترامب، حول مصيره، لا يعكس في واقع الأمر سوى الموقف الأمريكي من إسرائيل. فمناقشة مصير الأسد ليس له من معنى غير فتح المجال أمام المجهول الذي يمكن أن يعرض إسرائيل لمشاكل محتملة. أما سياسة النظام السوري تجاه إسرائيل فمعلومة، ولم تشكل أي خطر عليها. هذا ما يمكن فهمه مما روج له ترامب، ولعل هذا الترويج لم يكن إلا من باب إعطاء الفرص للأسد للمزيد من الاطمئنان على مصيره، واللعب بالنار التي ظل يقذف بها في الوجه السوري، بالبراميل المتفجرة، وبالأسلحة الكيميائية. فليست هذه المرة الأولى التي يلجأ فيها إلى هذه الأسلحة. وما استخدامها مباشرة بعد ذاك التصريح سوى دليل على ذلك. هذا من جهة. أما التدخل الأمريكي السريع والمباشر ضد القاعدة العسكرية السورية، فليس سوى تأكيد على أن أمريكا اليوم ليست هي أمريكا أوباما. وعلى الروس وإيران أن يستوعبوا الدرس جيدا، وأن أمريكا لا يمكنها أن تظل محايدة تجاه ما يجري، وهذا من جهة أخرى. إن رسالة ترامب، قبل خان شيخون وبعدها مزدوجة. فهي تعكس التصور الجديد للسياسة الأمريكية في المنطقة. فاجأ العالم انتخاب ترامب، وسال مداد كبير حول شعبوية الرجل، ولكن نجاحه في الانتخابات يعكس في واقع الأمر «القوة» الأمريكية التي فرط فيها أوباما، وهو يسعى إلى تقديم وجه آخر. وها ترامب يستعيد الوجه الأمريكي الذي لا يريد أن يحل وجه آخر بديلا عنه. إن خان شيخون في رأيي ليست سوى القشة التي قصمت ظهر بعير الصراع على المستوى الدولي والذي يشكل العرب فيه محور الموضوع. فكيف ستتطور المنطقة في ظل محاولة أمريكا استرجاع مكانتها في الشرق الأوسط؟ وحين نقول ذلك، لا نعني فقط مسلسلات المفاوضات حول سوريا، ولا مآل العراق، ولكن أيضا، وبصورة خاصة، مصير القضية الفلسطينية التي تم تجميدها نهائيا بسبب ما يجري، وترك إسرائيل نتنياهو تتحرك وفق مشيئتها.

إنها مرحلة جديدة، ستعاد فيها السيناريوهات القديمة ـ الجديدة، والتي لا يمكنها البتة أن تكون لصالح العرب، سواء في فلسطين، أو سوريا، أو العراق، أو اليمن، أو ليبيا… فالتوافق الروسي ـ الأمريكي لا يمكن أن يكون إلا لفائدة كل منهما. ولا تصب تلك المصلحة المشتركة إلا في مصلحة إسرائيل. فما هو الموقف العربي من هذه التحولات الممكنة؟ سؤال يفرض نفسه لأن كل التطورات تسير ضد المصلحة العربية، ولن تعمل على انفراج القضايا المعلقة والمطروحة. وماذا عن الإرهاب الذي ظل يجمع العالم؟

تصرح بغداد بأن المساحة التي ما تزال تحتلها «الدولة الإسلامية»، لا تتعدى ستة في المئة. فهل نحن أمام نهاية وشيكة لتكالب العالم على الرقعة العربية؟ هل فكر العراق في جعل أربعة وتسعين في المئة للتعايش والحوار والسلم بين مختلف المكونات وتجاوز خلافات رفع الرايات، وتجاذب الطوائف؟ وماذا عن اليمن وليبيا؟ والصراع المغربي ـ الجزائري؟ والمـصــري ـ الــسـوداني؟ كانت خــان شـيخون بمثابة قـشـة البعير. فكيف سيجري بعدها عقر البعير؟

كاتب مغربي

القدس العربي

 

 

 

سورية بين الثابت والمتحول/ محمد بدر الدين زايد

يثير المشهد السوري الراهن الكثير من التساؤلات والاحتمالات التي تفرض ضرورة العودة لنقاش هادئ بهذا الصدد.

1- فأول ما يجب تذكره – مع التطورات الأخيرة بالضربة الأميركية ضد مطار الشعيرات، أنها أعادت التأكيد أو أعطت الانطباع بأن سورية كانت ولا تزال أحد الأبعاد الرئيسة للصراع في المنطقة، إلى الحد الذي يذكرنا ببعض ما كان يتردد في الخمسينات من القرن الماضي من أن السيطرة على سورية تعطي لصاحبها فرصة نفوذ أكبر في المنطقة – وفي الواقع أن هذا الطرح فيه قدر من المبالغة – فسورية كانت ترتبط منذ عقود بالنفوذ الروسي – بل كان من المفارقات أن انهيار الاتحاد السوفياتي كقطب دولي رئيس -لم يؤد إلى خروج روسي كامل من سورية – بل استمر الترابط والتفاهم الاستراتيجي بين البلدين في شكل جعل سورية أحد مظاهر أو بقايا الدور العالمي لروسيا أو لعله المظهر الوحيد حتى الآن، فالنفوذ الروسي في دول آسيا الإسلامية لا يختلف كثيراً عن ما تتمتع به دولة كجنوب إفريقيا في دول السادك وفي دول جنوب القارة الإفريقية في شكل خاص، أو على الأقل هو مشابه لهذا النمط من النفوذ لدولة كبرى أو متوسطة مع جيران أصغر مترابطين اقتصادياً وثقافياً. ما جعل سورية منذ البداية حالة خاصة بالنسبة لروسيا، والذي حدث بعد التدخل الروسي العميق في سورية أن العلاقة انتقلت من الترابط والتلاحم الاستراتيجي، إلى ما يؤهلها -أي سورية- لأن تكون مجالاً أكبر للنفوذ الروسي، ونقطة انطلاق محتملة لهذا النفوذ إقليمياً. وهنا أعود للمقولة التي بدأنا بها الحديث، وهي أن النفوذ والمكانة الروسيين اللذين لم يتوقفا في سورية لم يعطيا لموسكو أي فرصة حقيقية لنفوذ إقليمي شرق أوسطي أو عربي خلال هذه العقود السابقة، وقد لا يعطيانها في المستقبل حتى إذا نجحت في أن ترسخ من نفوذها في سورية.

2- إنه عبر كل مراحل الثورة ثم الحرب في سورية، كانت مفردات الصراع والتسوية في معظمها واحدة، بقاء الأسد مع استمرار النظام أو رحيل الأسد وبقاء النظام، أو رحيل الأسد والنظام معاً، توحيد المعارضة وتشرذمها، وأخيراً أيهما يجب التركيز عليه رحيل الأسد أم القضاء على التنظيمات الإرهابية المتشددة، ومن المسؤول عن ظهور هذه التنظيمات.

3- إنه لا يمكن إنكار أن مسؤولية ظهور هذه التنظيمات المتشددة – التي تتخذ من الإسلام شعاراً لها عن غير حق -أن مسؤولية بروز هذه الظاهرة تقع على عاتق كثير من الأطراف الدولية والإقليمية، فضلاً عن النظام السوري، فالمعلومات كثيرة حول تورط أطراف عدة في دعم هذه التنظيمات -في أكثر من مرحلة بتأثير وهم أنه دعم مرحلي حتى التخلص من هذا النظام المدان تاريخياً والملوث بدماء مئات الألوف من شعبه، أما مسؤولية النظام فواضحة سواء كان صحيحاً الاتهام بأنه في بعض المراحل أفسح الطريق لهذه العصابات لتغيير شكل الصراع وأبعاده، أو لأن استمراره وقسوته أثارا كثيراً من ردود الفعل المتطرفة واليائسة. وفي النهاية بصرف النظر عن المسؤولية تجاه هذه الظاهرة، فإنه لا يمكن استمرار تجاهل خطورة ما تمثله هذه الظاهرة ليس فقط سورياً وعربياً بل على البشرية كلها، وإنه لا بد من اتخاذ إجراءات حاسمة للتعامل مع هذا التهديد والخطر الوجودي.

4- إن أخطار الأزمة السورية بسبب جملة التعقيدات والتطورات المحيطة بها، قد أصبحت تمتد إلى صلب وجود الدولة والمجتمع في سورية، وكلما استمر الصراع والقتال، وما يحيط بهما من حركة للبشر باتجاه النزوح والتهجير، زادت صعوبة إنقاذ كيان الدولة في سورية، فضلاً عن استمرار النزيف البشري غير المقبول.

5- إن الضربة الأميركية أعادت مواقف الأطراف إلى بعض وليس كل منطلقاتها الأولى، فاللغة الأوروبية التي كانت قد تأثرت بالواقع الجديد الذي سببه التدخل الروسي، فقبلت الحديث عن سورية بوجود الأسد -سواء كمرحلة انتقالية أو كأمر واقع، عاد أغلبها للحديث مجدداً عن ضرورة رحيل الأسد. والأطراف العربية التي تبنت هذا الاتجاه منذ البداية أيدت من دون تردد هذه الخطوة – وعارضت الدول الحليفة والمتورطة كإيران و «حزب الله» هذه الخطوة كموقف واضح بالنسبة لها، كما عارضت تلك الدول التي ترتاب في السياسات الأميركية كالصين وبعض دول أميركا اللاتينية، وواصلت تركيا سياساتها الانتهازية التي تمارسها منذ فترة، فبعد أن دعمت «داعش»، تركت حلفاءها وسايرت روسيا بعض الوقت، ثم أيدت هذه الضربة -لتثير كثيراً من التساؤلات لحلفائها قبل أعدائها عن مدى مصداقيتها ومدى جديتها.

6- إن التقييم الدقيق لآثار هذه الضربة سيتوقف من دون شك على ما إذا كانت هناك خطوات أخرى تالية أم لا، وهنا نلاحظ أنه بينما صدرت تصريحات من مسؤولين أميركيين بما في ذلك ترامب نفسه بأنه ربما تلى هذا عمليات عسكرية أخرى، فإنه من ناحية أخرى تم تداول مواقف نسبت لبعض أعضاء الكونغرس بتأييدهم لهذه الخطوة بشرط العودة للكونغرس قبل الإقدام على خطوة تالية، وفي الواقع أن الشواهد التالية بخاصة تبين أن تأثير هذه العملية المحدود نسبياً بسبب إخطار روسيا والتعبئة العسكرية الروسية، فضلاً عن استعادة تصريحات ترامب خلال الحملة الانتخابية تشير كلها إلى عدم توقع تصعيد أميركي كبير، وأن ترامب كان في حاجة لتحويل الأنظار عن فشله في تنفيذ عدد من برامجه الانتخابية الرئيسة كما أشرنا في مقالنا السابق، وتوقعنا أنه قد يلجأ لتحركات خارجية تعويضاً عن إحباط سياساته الداخلية حتى الآن.

7- مع استبعادي تصعيداً أميركياً متواصلاً، وأن يتم الاكتفاء بهذا أو ببعض التدخلات المحدودة المتشابهة، فالمتوقع أن يتبلور هدف هذه الضربة حول مجرد إعادة التوازن للعملية السياسية بما يسمح باستيعاب الدور الأميركي في التفاعلات في شكل أكثر جدية، كما تزداد الاحتمالات أن يتم استثمار هذه الخطوة في تصعيد مخطط نحو إعادة شروط التسوية في ما يتعلق بمفردة بقاء الأسد أم رحيله، ويؤكد هذا نمط التفاعلات المحيطة بزيارة تيلرسون وزير الخارجية الأميركي لموسكو، رغم استمرار الحديث عن الخلاف بين الجانبين، وعموماً فإن هذا سيتوقف على مدى ثبات الموقف الأميركي في هذا الاتجاه، كما سيتوقف على حين بدء التراجع الحقيقي لتيارات العنف المتأسلم كلها. يبقى أن ما هو أكثر وضوحاً حتى الآن أن معاناة الشعب السوري الشقيق ستستمر، وأنه لم تتضح بعد معالم تسوية شاملة لمعاناته تشمل المفردات الأخرى التي لا تقل أهمية عن ما سبق ذكره، وهي إعادة الإعمار، وعودة النازحين والمهجرين، وتطبيق العدالة الانتقالية، وشروط كل هذه الأبعاد بما في ذلك إنهاء كل مظاهر الظلم والتجاوزات بحق هذا الشعب العربي.

* كاتب مصري

الحياة

 

 

 

ضربة التفاوض الأميركية في الشعيرات/ داود الشريان

الغارة الأميركية على مطار الشعيرات بداية لحل سياسي جديد في سورية. الضربة لن توقف الحرب على السوريين، لكنها ستضع حداً لتمادي روسيا وإيران في القتل والتهجير. الإدارة الأميركية الجديدة تريد وقف الحل العسكري الذي ينتهجه بوتين وحلفاؤه، والاتفاق على خطة سياسية استراتيجية تقوم على أسس مختلفة عن السابق. واشنطن ليست في وارد الدخول في حرب على الساحة السورية، فضلاً عن الوجود العسكري على طريقتها في العراق. وهي تدرك أن لروسيا مصالح في سورية، ومستعدة للتفاهم حولها.

روسيا وجدت في الغارة الأميركية مخرجاً محتملاً لورطتها في سورية، والتي بدأت آثارها تظهر على أمنها الداخلي، فضلاً عن أن تغوُّل الجيش الروسي والميليشيات الإيرانية في القتل، أفضى إلى تحويل سورية ساحة جاذبة للعنف والجماعات المتطرفة. الضربة الأميركية أوجدت ظروفاً من شأنها إنقاذ روسيا من ويلات الحرب السورية، وموسكو باتت مستعدة للجلوس إلى طاولة التفاهم مع واشنطن، لكنها تبحث عن ضمانات أميركية تسمح بحماية هيبتها، وبقاء قواعدها في سورية، وحصة شركاتها في إعادة الإعمار. هذا الثمن، في نظر الإدارة الأميركية، في حاجة إلى تنازلات، منها وضع حد للنفوذ الإيراني في سورية، وعدم التمسُّك بالرئيس بشار الأسد، مع التسامح ببقاء بعض أركان نظامه، غير المتورّطين بجرائم حرب.

الطرفان الأميركي والروسي يُدركان أن التعامل مع طهران بصفتها مرتزقاً انتهى دوره، غير ممكن. وإيران لن تتخلى عن مشروعها في تمكين «حزب الله» في لبنان، والتمسُّك بحبل- ولو كان قصيراً- يضمن لها استمرار دعم الحزب، ورعاية دوره في لبنان، وغيره من الدول العربية. لكن هذا الحل لن يرضي حلفاء أميركا في المنطقة. فاستمرار التواصل العسكري مع «حزب الله» ودعمه، يعني أن طهران أبقت أهم أذرعها في العالم العربي وخرجت منتصرة.

لا شك في أن القضية السورية دخلت منعطفاً جديداً، لكنه ليس حاسماً. فاختيار بديل من الأسد لن يكون سهلاً، والمعارضة السورية، أو ما تبقّى منها، لن تتفق على اسم محدد، وهذا يعني أن اختيار النظام البديل ربما عاود تفجير الوضع مجدداً.

الأكيد أن الغارة الأميركية محاولة جدّية لرسم طريق جديد للقضية السورية. لكن هذه المحاولة تسير على ألغام حقوق الأقليات، ومصالح دول الجوار، وستتم في النهاية على حساب مصالح الشعب السوري، فضلاً عن مصالح الدول العربية، الرافضة المشروعَ الإيراني في المنطقة.

الحياة

 

 

 

الرؤية التركية للضربة الصاروخية الأمريكية للأسد/ محمد زاهد جول

أعربت تركيا عن ترحيبها بفوز الرئيس الأمريكي ترامب على أمل أن يغير سياسة سلفه باراك أوباما نحو تركيا وقضايا الشرق الأوسط بما فيها القضية السورية. ولو أن أمريكا وافقت وجهة نظر الحكومة التركية على عدد من القضايا مثل، المنطقة الآمنة وتحرير منبج من قوات حماية الشعب التابعة للحزب الديمقراطي وحزب العمال الكردستاني، ولو أن إدارة ترامب لم تقف حجر عثرة أمام تحرير منبج والرقة في عملية درع الفرات، لأمكن القول ان الضربة الأمريكية لقاعدة الشعيرات الجوية، تمت بالتفاهم والتنسيق مع تركيا. ولكن لا أدلة حتى الآن على أن أمريكا نسقت مع تركيا على ذلك، كما أنها لم تعلن انها نسقت مع تركيا أو أحد من الدول العربية بخصوص هذه الضربة، بما فيها المملكة العربية السعودية، ولكنها أعلنت بعد ساعات من توجيه الضربة للأسد أنها أخبرت روسيا بها، كما أعلنت أن خبراء روسا وسوريين مختصين بالأسلحة الكيميائية غادروا قاعدة الشعيرات قبل ساعات من قصفها، ما قد يفيد أن الأسد وروسيا قد نسقوا هذه الضربة واتفقوا عليها مع أمريكا مسبقاً، أو على الأقل ان التنسيق تم مع روسيا وحدها، وفي الحالتين لا بد من معرفة أهداف الضربة، لأن السياسة لا تعالج الماضي، بما فيه القصف الكيميائي لخان شيخون، وإنما تمهد للإجراءات السياسية المقبلة في سوريا، ضمن الاتفاق الأمريكي الروسي، ولأن الدولتين لا تخططان لحرب عالمية من أجل سوريا ولا من أجل عيون بشار الأسد، فإن الضربة هي الخطوة الأولى في الحل السياسي من وجهة نظر ترامب.

وحيث أن الضربة الصاروخية كانت محدودة الزمان والمكان والنتائج، فإن أولى الخلاصات أنها رسالة سياسية أكثر منها عسكرية، فتأثيرها على جيش الأسد ضعيف جداً، وأمريكا ليست بحاجة لتوجيه رسالة إلى روسيا لأنها قادرة على التفاهم معها سياسيا ومباشرة، وبينهما لغة مشتركة لأكثر من قرن تقريباً، فبقي المقصود الأخير هو إيران، التي عرقلت اتفاقيات جنيف وأستانا أيضاً، وانتهاء الحاجة السابقة إليها ومتعلقات الملف النووي معها، فالرسالة موجهة إلى إيران في الدرجة الأولى بأن الخيار العسكري الأمريكي في سوريا يمكنه أن يغير معادلات الأوضاع العسكرية، وبالتالي لا بد ان تكتفي إيران في سوريا بالحصة التي ستأخذها روسيا ضمن أي اتفاق سياسي مقبل بعد تصفية حكم أسرة الأسد كما قال وزير الخارجية الأمريكي تيلرسون في ختام اجتماع الدول السبع قبل أيام، فالضربة العسكرية موجهة ضد الغطرسة الإيرانية في العراق وسوريا أكثر مما هي موجهة لبشار الأسد نفسه، ولذلك ينبغي فهم الضربة الصاروخية الأمريكية على الشعيرات بأنها الخطوة الأولى لتقليم أظافر إيران في سوريا، وبالتالي فإن على إيران ان تتقبل زوال أسرة الأسد ضمن مراحل الحل السياسي في جنيف أولاً، وإلا فإن مصيره مصير القذافي كما قال مقتدى الصدر وهو يوجه نصيحته لبشار وإيران معاً بضرورة تنحي الأسد لتجنيب إيران خسارة عسكرية شنعاء ثانياً.

وعلى أساس ذلك نعتقد أن الإدارة الجديدة في الولايات المتحدة عملت على خلق توازن بين تركيا والأحزاب الكردية في سوريا، والأرجح ان هذا التفاهم يشمل وضع روسيا في الصورة، ولعله تم في اجتماع القمة لقادة الأركان العسكرية الثلاثة التركية والأمريكية والروسية، الذي عقد في انطاليا التركية قبل شهر تقريباً، فأمريكا وكذلك روسيا يريدان التفاهم مع تركيا أولاً، ويحرصان على أمنها القومي الداخلي والخارجي، ولكنهما لا يريدان التخلي عن الأحزاب الكردية ثانياً، لأن كل طرف منهما ينافس نظيره في التحالف مع الأحزاب الكردية لما لها من دور عسكري وسياسي في مستقبل سوريا، والأكراد ورقة سياسية وعسكرية أساسية بالنسبة لأمريكا أكثر من روسيا، لأن القواعد العسكرية الأمريكية في سوريا ستكون في الكيان الكردي المصطنع، ولذلك لا تريد خسارتهم لصالح روسيا أولاً، ولا لصالح إيران ثانياً، ولكن عليها التعهد لتركيا بعدم تحويلهم لمصدر قلق واضطراب ضدها، وبالأخص في المرحلة التي تحتاج بها أمريكا الميليشيات الكردية في محاربة «داعش»، سواء في سوريا أو العراق وربما في إيران مستقبلاً، أو في تركيا إذا عارضت تركيا المشاريع الأمريكية في سوريا!!

لذلك فإن تركيا بحاجة إلى التفاهم مع أمريكا بما يضمن تبادل المصالح والأمن المشترك أولاً، وعدم العمل ضد بعض ثانياً، وهذا ينطبق على العلاقات التركية الروسية، فتركيا لا تضع روسيا أو أمريكا في كفة العلاقات الدولية بديلا عن الآخر، وإنما تريد التعاون الدولي معهما معاً، فقط انتهت تحالفات الحرب الباردة بكل أسبابها وأهدافها، وتركيا اليوم تصنع سياستها الخارجية بما يخدم مصالحها أولاً.

إن السياسة التركية ترى ان الضربة الصاروخية هي لإضعاف بشار الأسد وداعميه من الإيرانيين وغيرهم، وتزامنها بعد ضرب الأسد لخان شيخون بالأسلحة الكيميائية سبب رئيسي للتأييد التركي والعربي والإسلامي، وفي الأخص ان الضربة الكيميائية جاءت لحماية الميليشيات الإيرانية وحزب الله اللبناني الموجودة في المنطقة نفسها، فقالت تركيا إن الضربة الأمريكية الصاروخية على الأسد ضرورية، وإن تأخرت ولكن لا بد منها، بل لا ينبغي الوقوف عندها أيضاً، بينما جاء الموقف الإيراني منددا بالضربة لأنه هو المقصود منها، فقد أعلن خامنئي شخصياً رفضه للضربة الصاروخية الأمريكية، ليس حرصا على سوريا ولا على دولة عربية أو إسلامية وإنما حرصا على التواجد العسكري الإيراني في سوريا، فهو يدرك ان الرسائل الأمريكية موجهة لإيران باعتبار الدولة الأولى الراعية للإرهاب من وجهة نظر أمريكية.

إن من الإسراف الإيراني والروسي أن يتذرعا بمخالفة الضربة للقانون الدولي، وهما يقتلان صباح مساء الشعب السوري بالأسلحة المحرمة دولياً، وليس بمستبعد أن تكشف التقارير المستقبلية عن تعرض الشعب السوري لأسلحة نووية من روسيا أو إيران كما ضرب الجيش الأمريكي الشعب العراقي باليورانيوم المنضب وتعرض جنوده للأذى النووي أيضاً، فروسيا تعلن أن سوريا ميدان تجارب لأسلحتها وصواريخها البالستية، وقد تجرب الأسلحة النووية والكيميائية، ولا حجة لهما ادعاء الدفاع عن دولة عربية أو شعب عربي، لأن المقصود بالضربة الأسد وإيران فقط، وبسبب استعمالهما الأسلحة الكيميائية في مخالفة صريحة للقانون الدولي، فالاستعمال الأول الفاضح للكيميائي كان بتاريخ 20 آب/اغسطس 2013 عندما عزمت أمريكا على معاقبة بشار الأسد هربت روسيا جنودها من سوريا أولاً، وتوسطت لنزع مخزون السلاح الكيميائي السوري مقابل توقف إدارة أوباما عن توجيه ضربة عقابية لنظام الأسد، وفي الشهر نفسه آب/أغسطس2013 أصدر مجلس الأمن الدولي قراره 2118 ندَّد فيه باستخدام النظام للسلاح الكيميائي وأكد على منع سوريا من تصنيع وتخزين واستخدام مثل هذا السلاح في المستقبل، ولكن بشار الأسد لم يتوقف عن ذلك بالسر والعلن حتى جريمة خان شيخون.

ان الحكومة التركية في تأكيدها الاتهام الأمريكي لبشار الأسد باستخدام السلاح الكيميائي لا تنطلق من تفاهم سياسي مع أمريكا، بل أكّد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أنّ بلاده لديها تسجيلات رادارية تُظهر المقاتلات التي قامت بقصف بلدة خان شيخون بريف محافظة إدلب، بالأسلحة الكيميائية، وقال أردوغان: «إنّ تصريحات بعض الجهات حول انبعاث الغازات الكيميائية من مواقع المعارضة التي استهدفتها مقاتلات النظام السوري ببلدة خان شيخون، عارية عن الصحة تماماً» فالموقف التركي واضح وصريح برفض استخدام الأسلحة الكيميائية، ومعاقبة من يستخدمها وعدم دعمه، ولذلك طالبت تركيا روسيا بوقف دعمها لبشار الأسد.

ولا حجة لمن يدعم الأسد لأنه لم يستخدم السلاح الكيميائي فقط، فأيهما أشد إجراماً وإرهابا ان يقتل الأسد مئة سوري بالأسلحة الكيميائية أو ان يقتل مئات الآلاف منهم بالأسلحة التقليدية أو المحرمة دولياً؟ فالمذابح البشرية وتهجير الشعب من مدنه وقراه زادت عن نصف الشعب السوري، وكذلك ترحيل السوريين من مدنهم وقراهم ضمن اتفاقيات ترعاها روسيا والأمم المتحدة أكثر من جريمة، والسكوت الأمريكي عن ذلك جريمة أيضاً، وهو تخاذل من الدول العربية والإسلامية، فالتغيير الديموغرافي يهدف إلى تغيير مستقبل سوريا من دولة عربية مركزية إلى دويلة طائفية مسخ، وإيران تتحمل مسؤولية ذلك تاريخيا أكثر من غيرها.

القدس العربي

 

 

 

 

الأردن: «مغامرة» محتملة مع مشروع ترامب في سوريا والعراق، قد تكون «الخيار اليتيم» لمعالجة الأزمة المالية والبقاء في «الدور الإقليمي»/ بسام البدارين

عمان ـ «القدس العربي»: يتوجس الأردن من سيناريوهات وكلف الركوب المفاجئ على موجة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في الوقت الذي يقول فيه المسؤولون بعدم وجود خيارات متعددة أمام المملكة لتحسين بيئتها الاستثمارية في المجالين السياسي والإقليمي.

الحسابات الأردنية الداخلية تبدو متقاطعة ومتعاكسة عندما يتعلق الأمر بكلفة مشاركة الرئيس ترامب مغامرته الجديدة في المنطقة خصوصا شراسته المتواصلة في تهديد الرئيس السوري بشار الأسد أو انقلابه المحتمل على إيران.

في أوساط القرار الأردنية يتواصل التحذير داخليا من مغامرة عسكرية أمنية داخل الحدود مع سوريا خصوصا بعدما امتدح ترامب الأردنيين واصفا اياهم بالمقاتلين الأشداء ضد الإرهاب ولصالح العدالة الإنسانية.

لكن في الأوساط المقربة من رئيس الوزراء الدكتور هاني الملقي يتداول الوزراء والساسة تشخيصات عن ممر واحد آمن واضطراري ومتاح معروض على المملكة حاليا لإنجاز مصالحها وان كان ينطوي على بعض المجازفة خصوصا وان تجاهل برنامج ترامب الجديد في عمق المعادلة السورية لم يعد خيارا بالنسبة للأردنيين وهم يراقبون تزايد العمليات الإرهابية في حضن منطقة الركبان المحاذية لأكتاف حدودهم.

يركب بعض الأردنيين موجة المغامرة الجديدة بعد سلسلة الاستشعارات التي برزت عند التقارب الكبير من إدارة ترامب وطاقمه مؤخرا في الوقت الذي يشكو فيه صناع القرار من انغلاق ملموس في آفاق معالجة الأزمة المالية والاقتصادية حيث الرهان الوحيد المتبقي يتعلق بمسألتين لا ثالث لهما.

الأولى التوظيف في المجال الأمني واختبار وعود إدارة ترامب بزيادة وتعزيز المساعدات على خلفية عسكرية للأردن نظرا لدوره الاستثنائي فيما يسمى تثبيت استقرار المنطقة، والثانية الحرص على التواجد في أي منطقة حيوية لها علاقة بالاستثمار في إعادة الإعمار ومشاريعه في الجوار السوري.

المشكلة تكمن في ان تلك العوامل مهما تطلب الأمر تحتاج فعلا إلى روح المغامرة وقد تحتاج لاحقا إلى مستويات غير مسبوقة لإسقاط بعض قواعد اللعبة في الجانب الأردني حيث الجزء المتعلق بعدم التدخل عسكريا في الأزمة السورية وهو أمر قد لا يبقي من الخيارات المتاحة للأردن في ضوء المشروع المستجد للرئيس ترامب.

تغيير قواعد اللعبة أردنيا يعني على نحو أو آخر التدخل والتداخل باعتبارهما ملاذا لمعالجة مشكلة الاستعصاء المالي والاقتصادي بعدما اعتذرت السعودية مباشرة وبلغة صريحة عن تقديم معونات مالية نقدية مباشرة للأردن بحجة انها لا تريد فتح المجال أمام حكومات أخرى في المنطقة تطالب الدعم المالي من ضمنها العراق ولبنان وهو الأمر الذي دفع الرياض لإبلاغ عمان بانها تحتاج لحزمة مشاريع استثمارية مشتركة تدعمها ولن تخوض في مسألة تقديم دعم مالي مباشر للخزينة الأردنية.

العديد من الاعتبارات بدأت تضغط على حكومة الملقي الأردنية فحتى الاستثمار في مؤتمر لندن الشهير لدعم اللجوء السوري لم يعد منتجا وبدا واضحا ان خيارات وزير التخطيط الدولي الأردني الدكتور عماد الفاخوري الذي يترأس الطاقم الوزاري الاقتصادي خالية تماما فقد نقل الرجل اهتمامه بعد خيبة مخرجات مؤتمر لندن إلى مؤتمر بروكسل.

يبحث الفاخوري ورفاقه بهوس عن مدخل مناسب لإنصاف بلاده في مجال تقديم المساعدات للاجئين السوريين، حيث صرح الملقي الاسبوع الماضي مجددا ان اللجوء السوري يضغط بشدة على البنية الاقتصادية لبلاده.

بعد قواعد اللعبة النقدية السعودية الجديدة والاخفاق الحكومي في تدبير مساعدات لملف اللاجئين تضيق الخيارات مجددا أمام مسؤولي التخطيط والخزينة في الأردن، الأمر الذي يحشر صانع القرار في ظل الملاذ الاضطراري الذي يمكن ان يتوفر عند الاستثمار في يافطة محاربة الإرهاب ودعم استقرار وأمن المنطقة.

هنا تحديدا تبرز ملامح اللعبة الجديدة مع ترامب الذي يستثمر بدوره في اللحظة الراهنة باعتباره كبير المقاولين وبصورة دفعت الأردنيين لتغيير حساباتهم وقد تدفعهم لاحقا لتغيير قواعد اللعبة الاستراتيجية التي حكمتهم طوال الوقت عندما يتعلق الأمر حصريا بالعراق وسوريا.

وفقا لهذه المستجدات والظروف يتحرك الأردن مثـقــلا بهـــمـــومه المـــالية والاقتصادية وشغوفا بالبحث عن ملاذات واختراقات في فناء الاستراتيجية الجديدة للرئيس ترامب.

هي حــركة تبدو لبعض المراقبين والمتحفظين محلـــيـــا اعتـــبــاطية وتنطوي على مغامرة غير محسوبة وتورط في التفاصيل واعـــلان مواجـهة مفتوحة مع تنظيم «الدولة» الذي يتربص بجنوب الأردن وشماله.

لكنها مغامرة اجبارية بالنسبة لدوائر القرار الرسمي التي تحسب أمورها بناء على معادلة تقدر ان كلفة البقاء على الحياد في مواجهة التطورات الحادة التي يشهدها الإقليم والنمو الكبير لاستراتيجية ترامب تحديدا أعلى بكثير من كلفة عدم المشاركة أو البقاء على الحياد خصوصا وان تصرفات النظام السوري تمنح خصوم بشار الأسد في المجتمع الدولي يوميا ذرائع جديدة للتدخل حتى عندما لا يحتاج ترامب لذرائع أصلا.

عمان هنا تحسب معطياتها بدقة والعبور عبر لافتة الاشتباك مع الإرهاب في سوريا وداخل الأرض السورية من الواضح انه أصبح في ظل الواقع الجيوسياسي أولا واستقرار الأزمة المالية الاقتصادية ثانيا، بمثابة الخيار اليتيم المتاح، لأن استراتيجية الأردن من البداية في القضايا الإقليمية والاشكالية تؤمن أصلا بضرورة البقاء في حالة البحث عن خيار حتى عندما تغلق أبواب كل الخيارات.

القدس العربي

 

 

 

إيران وحزب الله والشعيرات: الأسد خط أحمر باق مع قليل من الإصلاحات!/ نجاح محمد علي

استبقت إيران الضربة الأمريكية على مطار الشعيرات في سوريا بتحذير سربه اللواء قاسم سليماني قائد فيلق القدس من خلال حسابات مقربة من الحرس الثوري تداولت ما سمتها «رسالة إيرانية سورية بشكل عاجل عبر وسيط عربي إلى واشنطن في حال قيامها بأي حماقة غير محسوبة سيكون الرد مزلزلا وعلى جميع الاتجاهات والبلدان المجاورة».

وقيل ان الدولة لم تكن سوى سلطنة عمان التي سعت منذ فوز الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالرئاسة إلى مد جسور التواصل بين واشنطن وطهران لنزع فتيل الأزمة المتوقعة بسبب الاتفاق النووي.

ويرى الإيرانيون أن عليهم اظهار المزيد من التشدد، مع الإدارة الأمريكية الجديدة، دون أن يغلقوا الباب نهائياً مع واشنطن، ليس فقط عبر الوسيط العُماني الذي نجح في السابق في تعبيد الطريق ليصبح سالكاً نحو الاتفاق النووي بل ومن خلال دول أخرى منها الكويت وسويسرا التي تقوم برعاية المصالح الأمريكية في طهران.  وقبل ذلك كان العرض العسكري لحليف إيران القوي في سوريا حزب الله في بلدة القصيِّر رسالة في اتجاهات عدّة أكّدت قبل أيّ شيء آخر أنّ إيران موجودة في سوريا وذلك ليس عبر مستشاريها فحسب، بل عبر قوات حليفة أخرى أيضاً أهمها حزب الله.

هذا يعني في طبيعة الحال، أنّ ليس في استطاعة أي جهة، أكانت أمريكية أو إسرائيلية أو تركية أو حتى روسية خصوصاً، أو أي اتفاقات بين هذه الدولة أو تلك، تجاوز الوجود الإيراني في الأراضي السورية. فإيران شريك في أي قرار متعلّق بمستقبل سوريا بغض النظر عمّا كان يروج له البعض ويتمنونه أن يحصل بين روسيا وتركيا، وما يتمنونه أن يحصل في المستقبل بين فلاديمير بوتين ودونالد ترامب، أو بين إسرائيل وكلّ من تركيا وروسيا، والأردن الذي دخل بقوة على الخط، وافتعل – من وجهة نظر إيرانية- توتراً جديداً مع طهران بسبب تصريحات أدلى بها العاهل الأردني الملك عبد الله لصحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية وجاء فيها: إن استمرار الاستيطان يزيد من مخاطر الإرهاب وقوة إيران، وزعيم تنظيم الدولة أبي بكر البغدادي.

ولم يشر الملك عبد الله مباشرة إلى العرض العسكري لحزب الله الذي جرى في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، لكنه كان واضحاً في ذكر الحرس الثوري الإيراني الذي قال إنه صار قريباً من بلاده، وهي إشارة إلى زيادة حدة القتال في الأسابيع الأخيرة، في جنوب سوريا حيث تسعى الطائرات الحربية الروسية والجيش السوري والقوات الحليفة لسوريا، بدعم من المستشارين الإيرانيين إلى استعادة السيطرة على مدينة درعا، التي تقع على الطريق السريع الرئيس المؤدي إلى دمشق وتبعد بضعة أميال فقط شمال الحدود الأردنية.

وفي هذا الواقع تفسر طهران الاحتقان الدبلوماسي الجديد مع عمان، بالدعوات المستمرة لإقامة منطقة آمنة في الجنوب بحجة حماية المدنيين السوريين من النظام وحلفائه حزب الله والإيرانيين.

من هنا فان عرض حزب الله في القصيّر، ذات الموقع الاستراتيجي على الطريق الممتد بين دمشق وحمص، يراه المعارضون للوجود الإيراني في سوريا بأنه يرمز إلى سياسة تقوم على ربط دمشق بحمص كجزء من مشروع «سوريا المفيدة» الذي يقولون إن إيران ترى أنّ لديها حصّة كبيرة فيه تقوم على التحكّم بدمشق عبر وسائل عدة. من بين هذه الوسائل ربط «سوريا المفيدة» بحزب الله في لبنان.

ولا يمكن للمراقب أن يتجاهل أن عرض حزب الله المذكور في القصير كان رسالة أرادت إيران إبلاغها للإدارة في واشنطن أنّها لاعب أساسي في سوريا، وأنّ لا مجال لتجاهل ذلك بأي شكل. وأن لا شيء يمكن أن يحصل في سوريا من دونها، تماما كما عليه الحال في العراق.

أهداف ترامب

إيران وحزب الله يعتبران ما جرى لا يعدو كونه من الضغوط باستخدام ورقة التهويل بالخيار العسكري الهدف منه تهيئة الأجواء للقبول بوجود منطقة فاصلة بين فلسطين وسوريا تكون تحت سيطرة جبهة النصرة، والقبول بقيام حكم كردي ذاتي تحت الهيمنة الأمريكية وبقواعد عسكرية أمريكية، والقبول بتمدد الولايات المتحدة عبر الاْردن باتجاه البادية السورية، والقبول بقطع التواصل بين العراق وسوريا وهو ما يفسر تأخر معركة الموصل، ومحاصرة حزب الله في لبنان وإخراجه من سوريا، وقطع أي نفوذ له في العراق.

وفي البين يثقف الإيرانيون وحزب الله والقوات العراقية الأخرى عناصرهم على ما يلي من احتمالات حول أهداف الضربة الأمريكية وهي:

1-إعادة التساوي في موازين القوى بين الحكومة السورية والمعارضة بعد خسارة الأخيرة حلب خصوصاً عند الرأي العام وإن كان هذا الأمر غير ملموس على الأرض بشكل فعلي لاسيما أن إدارة ترامب أبلغت موسكو بالضربة قبل حدوثها. 2-رغبة الإدارة الأمريكية في إبراز فعالية واشنطن في الميدان السوري لكسب المزيد من الدعم الخليجي بعد تصريحات ترامب التي كانت تلمح بالتخلي عن المعارضة السورية التي قال إنها تنشر الفوضى في المنطقة.

3-توجيه رسالة لحلفاء الحكومة السورية خصوصاً روسيا بأن إدارة ترامب بوسعها القيام بأي شيء في حال أرادت ذلك لمنع القيام بأي إعاقة في مناطق عمليات واشنطن في محيط الرقة خصوصاً بعد التقدم الكبير للجيش السوري غرب نهر الفرات.

4-تأجيل مناقشة إمكانية فك الحصار عن مدينة دير الزور، عبر فتح طريق تدمر دير الزور لما يعود ذلك من ضرر على تقدم الأكراد باتجاه الرقة وعدم ترك خط انسحاب لداعش من محور الرقة باتجاه المناطق الشرقية.

بعد الضربة

أكثر من إشارة صدرت عن طهران حذرت من أن الغارة على سوريا تقوض العملية السياسية، وتزيد من التطرف، وكان التركيز واضحاً على أن أحداً في المنطقة لن يسلم منه، ولهذا أوفدت طهران على عجل اللواء قاسم سليماني إلى كردستان العراق بعد أزمة بشأن الاستفتاء على الاستقلال ورفع العلم الكردي في كركوك وهي من المناطق المتنازع عليها، وزار سليماني كلاً من السليمانية وأربيل، وظهرت زيارته وكأنها لتهدئة الأزمة بين الإقليم والمركز، لكنها كانت فرصة لعقد لقاءات جانبية مع شخصيات عراقية فاعلة ومؤثرة، يمكن التعويل عليها إذا اتخذت الأزمة السورية مساراً يشبه ما كانت عليه في العام 2013 عندما كان الحديث يدور حول تدخل عسكري غربي بقيادة أمريكا وبمشاركة تركيا والسعودية للإطاحة بنظام الرئيس بشار الأسد.

وتشير ردة فعل طهران بعد قصف الشعيرات إلى أنها تركت لموسكو كيفية التعاطي سياسياً مع الواقعة، ولكنها نجحت في الخروج بموقف موحد لحلفاء سوريا الذين أصدروا بياناً مشتركاً يشبه كثيراً ما سربه الحرس الثوري قبل يوم من الضربة، حدد فيه سقف الرد على واشنطن تلويحاً بأن الأسد خط أحمر.

بيان الحلفاء استخدم كلمة «العدوان» واعتبره تجاوزاً خطيراً واعتداءً سافراً على السيادة السورية، وأشار إلى ما يمكن أن يكون عليه الرد فيما لو تكرر، بالربط بين ما تقوم به أمريكا في شمال سوريا، وشمال غرب العراق، «ويجب ان يعلموا أننا نرصد كل خطواتهم وتحركاتهم ونتابعهم بدقة»، وهذا يفسر أيضاً زيارة سليماني إلى كردستان العراق والتي أعلن عنها الأكراد (حلفاء واشنطن) محاولين حصر أهدافها فقط بالأزمة مع المركز.

الإصلاحات

وإذ نقلت وسائل الإعلام عن إيران قولها وهي تندد بما يقال عن استخدام «الكيميائي في خان شيخون» وتأكيدها أنها أكثر الدول المتضررة من السلاح الكيميائي وتعارض أي استخدام له، ورفضها استخدام ما جرى كذريعة لتحرك أحادي الجانب ووصفته بأنه أمر خطير ومنافي للقوانين الدولية، فقد تجاهلت إبراز – ربما عن عمد – تصريح لافت للرئيس حسن روحاني في مؤتمره الصحافي الأخير في طهران دعا فيه الدول الغربية، لوقف دعم ما أسماه «المنظمـــات الإرهابية» قائلاً: «ينبغي أيضا على الدولة السورية إجراء إصلاحات».

تصريح روحاني عكس مرونة إيرانية غير عادية، في التعاطي مع الملف السوري برغم التشدد الذي يفترض أن تكون عليه طهران بعد تنسيق عسكري يقوم به أمين عام المجلس الأعلى للأمن القومي الأميرال علي شمخاني مع وزراء دفاع روسيا وسوريا وإيران، وقبيل اجتماع روسي- سوري- إيراني عقد الجمعة على مستوى وزراء الخارجية أكد مجدداً متانة التعاون الثلاثي والاصرار على تحقيق دقيق بهجوم خان شيخون، ما يعكس ثقة هذه الدول بأن دمشق بريئة منه، والاصرار أيضاً على المواقف السابقة نفسها خصوصاً من الرئيس بشار ومن دوره بعد انتهاء ولايته في 2021 ولو بلغ ما بلغ.

القدس العربي

 

 

 

صواريخ ترامب في الشعيرات سددت ضربة للعلاقات الروسية الأمريكية/ فالح الحمراني

موسكو ـ «القدس العربي»: ألحقت الضربة الصاروخية الأمريكية لمطار الشعيرات السوري العسكري في 7 الجاري تدميرا ليس فقط بالقدرات الجوية للنظام السوري المتهم بتورطه في استعمال الأسلحة الكيميائية، وانما أيضا بالعلاقات مع روسيا، وبددت كافة أوهام موسكو المتعلقة بالسياسة الخارجية لدونالد ترامب. كما تشير الدلائل إلى ان العلاقات بين البلدين دخلت في طريق مسدود، وعززت الميول الداعية إلى ضرورة ان تقوي روسيا جبروتها العسكري وقدراتها الاقتصادية في مواجهة الاحتمالات، بما في ذلك العقوبات التي تشل مصادر مواردها المالية أو احتمال مواجهات عسكرية مع الغرب.

واعترف الرئيس فلاديمير بوتين بانحطاط مستوى الثقة بين روسيا وأمريكا، لاسيما على المستوى العسكري. وكان الرئيس الروسي وصف في وقت سابق الضربة الأمريكية للقاعدة العسكرية في حمص بانها انتهاك سافر للقانون الدولي.

وحسب تقييم وزارة الخارجية الروسية فإن علاقات الولايات المتحدة وروسيا تمر بأكثر المراحل تعقيدا منذ نهاية الحرب الباردة، وجاء في بيان لها ان إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما استعملت كافة الأساليب لتعقيد خلافات الولايات المتحدة مع روسيا، وحاولت فرض القيود على تنامي نفوذ موسكو في الشؤون الدولية، فضلا عن إنزال ضربة باقتصاد روسيا من خلال العقوبات ولم تحقق أهدافها.

ويحدد الجانب الروسي شروط انفراج العلاقات بين البلدين بالاعتراف بمصالح موسكو المشروعة والتعاون على أساس متكافئ ولكن هذه الشروط لا تحظى بترحيب تام في واشنطن رغم ان موسكو مستعدة للحوار مع واشنطن حول كافة القضايا الثنائية والدولية، لاسيما في المجالات التي تتطابق فيها أهدافهما مثل مكافحة الإرهاب ومنع انتشار أسلحة الإبادة وتسوية النزاعات الإقليمية وضمان الإنماء الاقتصادي.

تفجير التناقضات

وفجرت الضربة الأمريكية بقوة أكبر، كافة النقاط الخلافية في العلاقات الروسية الأمريكية، وبرهنت على مدى عمق التناقضات بين رؤية موسكو للنظام الدولي والإقليمي ونهج الطرفين في تسوية النزاعات والمشاكل الثنائية أو على مستوى الساحة الإقليمية. في ما يبدو ان بقاء الدولتين على طرفي نقيض سيستمر لفترة طويلة أخرى، ومن دون شك ستترك خلافاتهما تداعيات سلبية على الشؤون الدولية بما في ذلك منطقة الشرق الأوسط وموازين واصطفاف القوى فيها.

وتربط موسكو التغيرات الحادة التي طرأت على نهج سياسة الرئيس ترامب إزاء سوريا بالمشاكل السياسية الأمريكية وبترامب نفسه، الذي كما تقول يتعرض لضغوط داخلية متنامية بسبب احتمالات ارتباط بعض أعضاء فريقه بموسكو. ويجري النظر في موسكو لهذا، كشاهد على تأثير القوى التي تضمر عداء مستداما حيال روسيا وعلى توجهات الرئيس ترامب التي أعلن عنها. وثمة اعتقادات بأن التجاء ترامب لاستعمال القوة على الساحة الدولية قد منحه متنفسا، لأن خصومه أوقفوا، ولو مؤقتا الحملات ضده. وانه في الوقت نفسه كان مضطرا للخضوع لبرنامجهم السياسي الخارجي.

ويلفت مدير مؤسسة كارنيغي للسلام في موسكو ترينين إلى ان ترامب بإعطائه الأوامر بإنزال ضربة في سوريا، يكون قد تصرف مثل فلاديمير بوتين مع باراك اوباما في ايلول/سبتمبر 2015 حين بدأ حملته العسكرية في الشرق الأوسط. والآن حسب المراقب السياسي: «ان روسيا وأمريكا تورطتا في النزاع السوري، وان أهدافهما تتطابق جزئيا وحسب».

ويجمع المراقبون على انه بعد الضربة الأمريكية الأخيرة فإن أخطار المواجهة بين أمريكا وروسيا زادت أكثر، بيد ان الخيارات ما زالت مفتوحة وتعتمد في الدرجة الأولى على النهج الذي سوف تختطه الإدارة الأمريكية، فاذا ما تبنى الرئيس ترامب نصائح بعض مستشاريه الداعين إلى التركيز على إزاحة بشار الأسد ونظامه ومن ثم تصفية الدولة الإسلامية، فان هذا سيعني إذلالا لروسيا ويصعد من احتمالات المواجهة بين موسكو وواشنطن وتأجيج أزمة ترتقي بمستواها إلى أزمة الكاريبي الشهيرة عام 1962 حينما حاول الاتحاد السوفييتي نشر أسلحة نووية في كوبا وهددت أمريكا بتدمير السفن التي كانت تحملها. ولكن في حال الخيار الدبلوماسي فهناك احتمال أكبر للتوصل إلى عقد اتفاقية، وهو ما تميل له موسكو لتعزيز انجازاتها. وهناك قناعات في موسكو مفادها ان ترامب يسعى بصدق للتوصل إلى اتفاق ما، ولا يستبعد ان يكون الحديث قد جرى عن ذلك خلال المباحثات التي أجراها وزير الخارجية الأمريكي تيلرسون خلال مباحثاته مع وزير الخارجية سيرغي لافروف والرئيس فلاديمير بوتين في 12 نيسان/ابريل الحالي، والتي اعتبر الرئيس ترامب نتائجها «غير سيئة».

البعد الجيوسياسي

وهناك تناقضات مستدامة في مصالح موسكو وواشنطن تتخطى جدول أعمال الساعة، في مقدمتها الشرق الأوسط، إذ ثمة تطابق واختلاف في المصالح. وتقول روسيا انها معنية بالدرجة الأولى في ضمان الأمن في المنطقة ولا تريد زعزعة الاستقرار في المنطقة القريبة من حدودها وانتقال القوى الإرهابية لأراضيها. وعلى الرغم من ان روسيا تعتقد انها لاعب نافذ في الشرق الأوسط، إلا أنها تفتقر إلى الثروات والبرامج لاستعادة الوضع الذي كان الاتحاد السوفييتي يتمتع به في وقت ما.

وتدرك موسكو ان المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط متعددة الأبعاد، من بينها دعم إسرائيل من دون حدود، والانطلاق من رؤيتها لآفاق التسوية الشرق أوسطية، وبالتالي تحديدها موقفها إزاء القضايا الإقليمية في المنطقة من وجهة نظر إسرائيلية. فضلا عن ان السياسة الخارجية الأمريكية ازاء دول الخليج كما ترى موسكو، تنطلق من الاهتمامات التجارية مع المنطقة والسماح لها بالوصول للثروات النفطية، علاوة على ذلك فان أمريكا تشارك في مكافحة الإرهاب في المنطقة، ويدفع تنامي قدرات الدولة الإسلامية أمريكا إلى حضورها العسكري في المنطقة.

وتتطابق وجهة نظر روسيا وأمريكا في ان الدولة الإسلامية والحركات الجهادية المتطرفة تشكل خطرا على الاستقرار في المنطقة. ويرى مراقبون ان مكافحة الإرهاب تمنح الفرصة لإقامة تعاون عميق بين روسيا وأمريكا. بيد ان الحرب في سوريا كشفت عن خلافات جوهرية بين البلدين. وترفض روسيا قطعا تغيير النظام السوري ورئيسه الأسد، بدعم أمريكي. وتدرج موسكو مثل هذا التغيير في إطار «ثورات الورود» التي شهدتها بعض دول الاتحاد السوفييتي السابق، وتعتقد انها ستكون مصدرا لنشر الفوضى في الشرق الأوسط. وترى ان بوسع الانتخابات في سوريا وحدها ان تقرر مصير الأسد وحكومته. بينما تذهب أمريكا إلى ان روسيا تدعم نظام الأسد من خلال قصفها المعارضة المعتدلة. وتقول ان السلام لن يحل في سوريا ولن تكون دولة موحدة ما دام الأسد في السلطة. كما ان هناك تباينا في منهج ودوافع محاربة الولايات المتحدة وروسيا للإرهاب، واختلاف رؤيتها لمستقبل الأمن في أوروبا وفي شؤون الطاقة وتسوية المشاكل الدولية بما في ذلك البرامج النووية في كوريا الشمالية والموقف من إيران وتسوية النزاعات.

إلى جانب ذلك فثمة خلاف كبير في اسلوب الحرب ضد الإرهاب. وهناك مؤشرات على تجميد موسكو وواشنطن خلافاتهما الآن، لإتاحة الفرصة للعثور على طرق لتسويتها.

القدس العربي

 

 

استراتيجية القضاء على الإرهاب تبقى أولوية ترامب رغم الضربة الأمريكية/ رلى موفّق

الضربة الأمريكية على مطار الشعيرات بعد الهجوم الكيميائي للنظام السوري على بلدة خان شيخون، شكّلت خطاً فاصلاً بين أمريكا بالأمس واليوم. خاض المرشح الرئاسي الجمهوري دونالد ترامب حملته الانتخابية تحت شعار «لنعيد العظمة إلى أمريكا مجدداً». فأمريكا الدولة الأقوى في العالم فقدت تلك الصفة في زمن الرئيس السابق باراك أوباما، حتى أن روسيا، إزاء وهن «سيد البيت الأبيض»، أعادت إحياء حلم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بمجد الامبراطورية والدولة العظمى وزمن القطبين، لا بل إن إيران وجدت الفرصة الذهبية في إعادة إحياء الامبراطورية الفارسية، وأضحت الشوكة في خاصرة دول المنطقة. تمددت حيثما أمكنها، واستثمرت في الشيعة العرب لتحقيق مشروعها التوسعي على مرأى من واشنطن، وعلى حساب حلفائها التقليديين.

تغيّر المشهد مع الضربة الأمريكية. كان خصوم ترامب ينتظرون أن يروا كيف سيتصرّف الرجل في أول امتحان له. استخدام غاز السارين في خان شيخون كان الامتحان، والذي على أساس نتائجه ستعمد كل الأطراف إلى بناء حساباتها. لم يكن واضحاً بالملموس كيف يمكن لهذا الرجل أن يتصرّف. فأوباما تحدث كثيراً عن خطوط حمر، وعند الامتحان لم يحوّل أقواله إلى أفعال. الخلَف فعل ما قاله. أرسى المعادلة التي سيسير عليها في سياسته، وإن كان معروفاً أن أمريكا تتميز بقدر عال من «البراغماتية»، بحيث أنها قادرة على تعديل مسارها في الاتجاه الذي يخدم مصالحها أولاً.

الضربة الأمريكية أعادت شدّ عصب حلف شمال الأطلسي الذي أيّد الرئيس الأمريكي في خطوته، كما أعطت دول الخليج نموذجاً مختلفاً عن أداء سلفه في التعامل مع الأزمة السورية، حيث أصاب الحلفاء بخيبات أمل كبيرة، نتيجة سياسة إدارة الظهر للحلفاء التقليديين لواشنطن على حساب غض الطرف عن إيران وتدخلها في شؤون المنطقة. وهي أرسلت رسالة إلى إيران أن زمن الإفادة من تراخي أوباما حيالها قد انتهى، وهي جازمة في وضع حد لتوسّعها العسكري والأمني في المنطقة، ولتهديدها شركاء الولايات المتحدة، سواء أكانوا في الخليج أم في العالم العربي أم في المنطقة بشكل عام. لكن في الضربة أيضاً رسالة إلى موسكو، التي أخطرتها أمريكا بها، في إشارة واضحة لرغبتها في ترك باب التعاون مفتوحاً، وفي الذهاب باستفزاز موسكو، وكانت الإدارة الأمريكية حريصة على العمل بمذكرة التفاهم الثنائية في شأن ضمان سلامة الطيران في الأجواء السورية.

ولكن السؤال الذي يُطرح هو: ماذا بعد الضربة؟

يقول المتابعون لسياسة ترامب الخارجية، ولا سيما حيال الشرق الأوسط، أن الرجل رسم الخطوط العريضة لاستراتيجيته في المنطقة منذ حملته الانتخابية ولم يُغيّر فيها. الأولوية للقضاء على الإرهاب الذي يشكله «تنظيم الدولة الإسلامية». وهذا يتطلب وضع خطة عمل متكاملة. القضاء على «داعش» يتطلب خطوات تحضيرية لما قبل ولما بعد. وهذا ما يتم العمل عليه. الضربة الأمريكية كانت تأديبية للأسد، في رسالة له ولمن وراءه، بأنه ممنوع تجاوز الخطوط الحمر، سواء عبر استخدام الأسلحة الكيميائية أو اللعب في الوقت الضائع. فإنزال أمريكا لقواتها في شمال سوريا لوقف تقدّم الأتراك وحلفائهم أو النظام وحلفائه أو قوات سوريا الديمقراطية في اتجاه الرقة رسالة للأطراف جميعاً بأن تغيير «الستاتيكو القائم» ممنوع قبل أن تصبح الإدارة الأمريكية جاهزة في خطتها.

المتابعون في واشطن يتحدثون عن مؤتمر سيُعقد، على أبعد تقدير في تموز/يوليو المقبل، لتحالف دول الشرق الأوسط، الدول التي ستساهم في عملية القضاء على تنظيم «الدولة». تلك الخطة تتضمن أعداد القوات التي ستشارك على الأرض، وفي مقدمها الجيش السوري الحر، الذي لا يزال الرهان عليه، كما القوات التي ستمسك بالأرض بعد تحريرها. في المسلمات أن المناطق المحررة ستكون في عهدة قوى محلية معتدلة، من أبناء المناطق نفسها، مدعومة بقوى هذا التحالف.

على أن الخطة لا تبحث في مدى إمكانية تطبيق المناطق الآمنة سواء على الحدود مع تركيا أو الأردن وتوقيتها فحسب، بل إن المسألة الرئيسية ترتبط في أن عملية مكافحة الإرهاب «السنّي»، سواء المتعلق بتنظيم «الدولة» أو التنظيمات الأخرى، لا يمكن أن تتم من دون تبعات مرتبطة بها، وفي مقدمها مصير التواجد العسكري الإيراني من خلال الميليشيات الشيعية التابعة له، سواء من الميليشيات اللبنانية، وهي الأبرز، المتمثلة بحزب الله، أو العراقية أو الأفغانية أو الباكستانية وغيرها.

وهذا المسار لا يمكن أن يتم من دون روسيا، التي هي في نظر الأمريكيين الراعي والحليف لإيران في سوريا. فعين أمريكا على روسيا. هي في استراتيجيتها تريد فصلها عن إيران. بالطبع ليست المهمة سهلة، وربما باتت أصعب بعد ضربة مطار الشعيرات. لكن بعدما يهدأ الروس من صدمة «الصفعة»، ومن الضغط الدبلوماسي عليهم، وبعد أن تبرّد اجتماعات موسكو، بين وزيري خارجية البلدين سيرغي لافروف وريكس تيلرسون، مفاعيل الغضب الروسي، سيبدأ البحث في العمق بشكل أفضل، ولا سيما أن واشنطن تدرك أن سوريا لم تكن يوماً دولة صديقة لأمريكا بل كانت على الدوام في المحور الروسي، وأن لموسكو قواعدها ومصالحها على شاطئ المتوسط، وأن مسار الحل للأزمة لا يمكن إلا أن يكون سياسياً. هو بدأ برعاية الطرفين ومقوّمات النجاح تتطلب تعاوناً ورعاية مشتركة للحل. أما مصير الأسد، فإنه أصبح جزءاً من أوراق الضغط القريبة المدى، ذلك أن بداية مسار العملية الانتقالية ووضع الدستور، وسط موازين غير مختلة وتحديد طبيعة النظام المقبل، من شأنه أن يرسم عنده المعالم النهائية لمصلحة الأطراف المعنيين بالأزمة.

وأمريكا التي ترغب في أن ترى نوعاً من فك الارتباط الروسي عن إيران، تدرك أن في يدها أوراقاً عدة يمكنها أن تضغط بها على موسكو، من العقوبات الاقتصادية إلى التمسك بالمطالبة بالخروج من جزيرة القرم وإعادتها إلى أوكرانيا، إلى العلاقة مع دول الحلف الأطلسي. تماماً كما تدرك موسكو أن هيبتها الداخلية على المحك، إذا لم يُفض تدخلها العسكري في سوريا إلى تسوية سياسية، وأن احتجاجات الشارع الروسي على الوضع الاقتصادي وواقع الحريات ممكن أن تذهب إلى حدود الانفلات، وأن استقرارها الأمني، الذي بدأ بالاهتزاز، سيضعها تحت ضغوط كبيرة. إنها وقائع من شأنها أن تدفع موسكو إلى الانخراط أكثر في الاستراتيجية الأمريكية وتوفير مظلة دولية بدل أن تذهب نحو التطويق والمواجهة التي ستكون حكماً مكلفة على الطرفين، لكنها مكلفة عليها أكثر إذا لم تلجم إيران، ولم تكن جزءاً في الحرب على الإرهاب ضمن استراتيجية متكاملة ترسمها أمريكا مع حلفائها!

القدس العربي

 

 

 

 

الارتباك الروسي بعد الضربة الأميركية/ حسن شاهين

منذ بدء تدخلها العسكري المباشر في سورية، نهاية سبتمبر/ أيلول 2015، اتسم سلوك روسيا بكثير من العنجهية واستعراض القوة، بما يشي بأنها جاءت إلى سورية بعد أن اطمأنت إلى أنها ساحةٌ لا أطماع لأحد من اللاعبين الدوليين الكبار فيها، وأن تدخلها العسكري مرحبٌ به من الأميركيين والأوروبيين، وإن كانت مواقفهم المعلنة تقول عكس ذلك. خصوصًا أنها راعت ألّا تصطدم بمصالح الغرب، ولا تركيا، في سورية، بل قدّمت نفسها بسلوكها على الأرض ضامناً لتلك المصالح، فأتاحت للأتراك قضم حصتهم في الشمال، وبنت علاقات جيدة مع الأكراد، حلفاء الأميركان، ونسّقت في عملياتها معهم، ولم تهدّد حرية الطيران الإسرائيلي في الأجواء السورية، وأبعدت قواتها عن مسرح العمليات الإسرائيلي- الأميركي- العربي في الجنوب، وحدّت من نفوذ إيران وأدواتها، وضمنت، في الوقت عينه، بقاء النظام، بعد أن كان على وشك السقوط قبل تدخلها، والذي يبدو أن الغرب لا يرغب بسقوطه، أو على الأقل لا يرغب أن يكون سقوطه غير منظم ومحسوب.

إلا أن الضربة الأميركية الأخيرة لقاعدة الشعيرات الجوية أربكت الروس بشكل واضح، وجاء الارتباك الروسي ليشي بأن تغيّرًا في الحسابات الأميركية والغربية كان وراء الضربة، لا مجرد رد فعل على التفجير الكيميائي في خان شيخون، ما يجعل موقفهم في سورية بالغ التعقيد، وعلى حافة الورطة. ومن أهم مظاهر الارتباك الروسي:

أولاً، بعد الهجوم الكيميائي على خان شيخون مباشرة، قال المتحدّث باسم وزارة الدفاع الروسية، اللواء إيغور كوناشينكوف، إنه “وفقا لوسائل الرصد الجوية الروسية، قصفت القوات الجوية السورية في الساعة 11.30 و12 ظهراً بالتوقيت المحلي أمس، مستودعًا ضخمًا للذخيرة تابعًا للإرهابيين في الأطراف الشرقية لبلدة خان شيخون في ريف إدلب، وكان المستودع يحوي ذخيرة ومعدات، فضلاً عن العثور على مصنع محلي لإنتاج قنابل محشوة بمواد سامة”. وأضاف أن “المستودع احتوى على ذخائر أسلحة كيميائية تم نقلها إلى البلاد من العراق”. وفي نهاية بيانه، أكد أن “المعلومات الواردة أعلاه موضوعية تمامًا وموثوق بها”. وهي رواية صادق النظام السوري عليها على لسان وزير خارجيته، وليد المعلم.

وفي الثاني عشر من إبريل/ نيسان الجاري، قال الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في حديث

“حاضر العراق اليوم هو مستقبل سورية إن غزتها القوات الأميركية، وربما أسوأ بمراحل” لقناة مير الروسية: “هنالك فرضيات عديدة بخصوص الكيميائي في خان شيخون، منها ما يرجّح أن تكون مسرحية أو أن الطيران السوري قصف ورشة لصناعة المواد السامة”. أي أن “المعلومات الموضوعية تمامًا وموثوق بها”، بحسب وزارة الدفاع الروسية، قبل الضربة الأميركية أضحت فرضية من بين فرضيات، بحسب الرئيس الروسي بعد الضربة.

ثانيًا، تعدّد الروايات حول عدم اعتراض أنظمة الدفاع الجوي الروسي صواريخ توماهوك الأميركية. في البدء نقلت وسائل إعلام روسية عن محللين روس أن روسيا لم ترغب في اعتراض الصواريخ الأميركية تجنبًا لتطور الأمور نحو حرب مع الولايات المتحدة، بعد ذلك قالوا إن “توماهوك” عبرت الأجواء اللبنانية، ولا تستطيع الدفاعات الروسية التصدّي للصواريخ الأميركية فوق لبنان، لعدم وجود اتفاق مع هذا البلد، يسمح للروس بالعمل في أجوائه، وكأن حالات الدفاع القاهرة تتطلب تفاهمًا واتفاقيات دولية، ثم أين كانت حساسية الروس نحو السيادة الوطنية للبنان، عندما أغلقوا معظم مجاله الجوي ثلاثة أيام، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2015، بحجة قيامهم بمناورات عسكرية في البحر المتوسط؟

ثالثًا، بعد قصف مطار الشعيرات، نشرت وسائل إعلام النظام وإيران وحزب الله بياناً لما سمتها “غرفة العمليات المشتركة لروسيا وإيران والقوات الرديفة”، تتوعد فيه بالرد على أي عدوان أميركي جديد (كأن الوجود العسكري الأميركي على الأرض في شمال شرق سورية ليس عدواناً)، لم ينف الروس البيان، لكنهم ردّوا عليه وكذّبوه ضمنياً بتصريح لرئيس لجنة الدفاع والأمن في مجلس الاتحاد الروسي، فيكتور أوزيروف، قال فيه إن “قواتنا المسلحة منتشرة في سورية من أجل محاربة الإرهاب، وليس لحماية سورية من التهديدات الخارجية، وليست لدينا مثل هذه المهمة. ولذا لن نقوم باعتراض شيء”.

ماذا بعد الارتباك الروسي؟

جاءت الهجمة الصاروخية الأميركية إعلاناً عن مرحلة جديدة، تتدخل فيها الولايات المتحدة مباشرة في الصراع المركزي على من يحكم سورية، وليس فقط في الصراع الهامشي ضد “داعش”، والذي يُتَّخذ ذريعة من كل الأطراف لإدامة الأزمة ومد وتأمين مناطق نفوذها داخل البلد المنكوب.

ويبدو أن الضربة الأميركية حققت هدفها الأساسي غير المعلن، وهو تحجيم الروس، وإفهامهم أن الوقت يمر، وهو ليس في صالحهم، وعليهم التجاوب مع المبادئ الغربية للحل.

وفي هذا السياق، حملت الضربة الأميركية تهديدًا ضمنيًا للوجود العسكري الروسي نفسه في سورية، لم يكن بالضربة الصاروخية بحد ذاتها، بل بعدد الصواريخ الكبير الذي تم إطلاقه. 59 صاروخًا في موجة واحدة كافية لإرباك أي نظام دفاع جوي، مهما كان مستوى تطوره، وجاء إطلاق هذا العدد الكبير استعراضًا للقوة النارية الهائلة للولايات المتحدة في الإقليم،

“الضربة الأميركية حققت هدفها الأساسي غير المعلن، وهو تحجيم الروس، وإفهامهم أن الوقت يمر، وهو ليس في صالحهم” وتذكيرًا للروس بها. يكفي أن نعلم أن القطعة الحربية الأهم في مجموعات السفن الحربية الروسية المرابطة قبالة سواحل روسيا في البحر المتوسط، الفرقاطة الأميرال غريغوروفيتش، تمتلك ثماني حاويات فقط لصواريخ كروز الروسية كاليبر، بينما الرشقة الصاروخية الأميركية جاءت من مدمرة أميركية واحدة هي “يو إس إس بورتر”، وهي واحدة من بين 32 قطعة حربية بحرية ضمن الأسطول السادس الأميركي المرابط في المتوسط بشكل دائم، والذي يشتمل على حاملتي طائرات و175 طائرة، ناهيك عن قدرات باقي دول حلف الأطلسي المتوسطية.

الآن، وفي ظل هذا الواقع المتغير، يبدو أن الروس في مأزق، عبّرت عنه حالة الإرباك في التعاطي مع القصف الأميركي، والمخرج منه بتقديمهم تنازلاتٍ قد يكون منها القبول بحل وفق الشروط الغربية، وهو أمر خطير، فعلى الرغم من كل الرفض والإدانة للتدخل الروسي في سورية، إلا أنه يجب الاعتراف بأنهم الطرف الوحيد الذي ظل ينادي بحل سياسي، يضمن وحدة سورية وسيادة الدولة المركزية الكاملة. أما الغرب وحلفاؤه الإقليميون فقد أعطوا إشاراتٍ كثيرة حول قبول مبدأ الفدرلة، أو المحاصَصَة الطائفية، في نظام الحكم بعد الحل وحتى التقسيم، وقدّم حلفاء النظام الإقليميون مثل تلك الإشارات بدورهم، ويمكن مراجعة تصريحين لنائب أمين عام حزب الله، نعيم قاسم، عن إمكانية التقسيم، الثاني نهاية مارس/ آذار الماضي، والأول في أغسطس/ آب 2016.

من هنا، وبشيء من الاستطراد خارج عنوان هذا المقال، مِن المُلِح التأكيد على أن تهليل بعض السوريين والعرب للتدخل الأميركي العسكري ساذج وأرعن، ويدل على ضعف قدرات التعلم لدى هؤلاء. هذا إن افترضنا حسن النيات. الأميركان لا تعنيهم بشيء مصالح الشعب السوري بدولة ديمقراطية موحدة سيدة، فمصالحهم في سورية، وفي مقدمتها ضمان أمن إسرائيل الدائم، تتعارض مع هذا. على من ينتظر الخلاص في احتلال أميركي لسورية أن يشيح بعينه شرقًا نحو العراق، ليرى أين أوصل التدخل العسكري الأميركي هذا البلد العربي. إن حاضر العراق اليوم هو مستقبل سورية إن غزتها القوات الأميركية، وربما أسوأ بمراحل.

العربي الجديد

 

 

 

 

“عضلات” ترامب/ حسام كنفاني

بات واضحاً أن تغييراتٍ كبيرة تحدث حالياً في الإدارة الأميركية، وأن الرئيس الذي دخل إلى البيت الأبيض قبل نحو 100 يوم، ببرنامج سياسي ضحل وفريق رئاسي يحمل أفكاراً يمينية عنصرية، ليس هو نفسه الذي يدير السياسة الأميركية اليوم، وأن نهجاً جديداً بدأ يظهر، لا علاقة لدونالد ترامب به، أو على الأقل لم يكن مدرجاً ضمن حسابات البرنامج الانتخابي لذاك المرشح المغمور الآتي من خلفية غير سياسية.

التخبّط الذي رافق الأيام الأولى لرئاسة دونالد ترامب، عبر التصريحات المثيرة للجدل والمراسيم الرئاسية العنصرية، وما رافقها من إبطال عبر المحاكم الفيدرالية، إضافة إلى الفشل في إقرار برنامج التأمين الصحي البديل لـ “أوباماكير”، كل هذا دفع أطرافاً فاعلين في “الاستبلشمنت” الأميركي، وتحديداً في الحزب الجمهوري، للدخول بقوة على الخط الرئاسي، وإعادة تشكيل ملامح العهد الجديد.

ملامح حملت تغييرات على مستويات عدة، في الداخل والخارج، ولكن على مستوياتٍ متفاوتة. فإن كانت التغييرات الخارجية أحدثت صدى عالمياً مدوياً، فإن التبديلات في الداخل تتم بهدوء ومن دون إثارة القدر نفسه من الضجة. فالانسحابات من إدارة ترامب، أو إبعاد الأشخاص عن مراكز القرار، باتت تتم تدريجياً. ولعل نموذج ستيف بانون الأكثر وضوحاً في هذا المجال. فالرجل الذي كان “رئيس الظل”، حتى أسابيع قليلة ماضية، أصبح على عتبة الخروج النهائي من البيت الأبيض، بعدما فقد دوره كأحد مستشاري الأمن القومي للرئيس الأميركي الذي أعلن ضمناً أنه “لم يعد يثق به”.

هذا الانسحاب، وما سبقه من استقالات، على غرار مايكل فلين، فتحت المجال أمام سيطرة “الاستبلشمنت” من خلف الكواليس على القرار في الولايات المتحدة، والتي يبدو أنها قريبة من استعادة عهد جورج بوش الابن، وإنْ بوجوه مختلفة. مثل هذه السيطرة لا تعلن عن نفسها بالوجوه والأسماء، وإنما بالممارسة التي أنبتت لترامب “عضلات” في الداخل والخارج، وهو ما بدأ يتوضح بالاستغناء عن جزء أساسي من فريقه وسياساته الداخلية، إضافة إلى رسائله السياسية – العسكرية الخارجية، والتي أصبحت تطلق في كل الاتجاهات.

قد لا تكون التغييرات الداخلية على القدر نفسه من المتابعة بالنسبة لما يحدث من الولايات المتحدة خارجياً، ولا سيما أن “استعراض العضلات” بدأ يأخذ مناحي تصعيدية على أكثر من ساحة عالمياً. إذ بات واضحاً أن زخة صواريخ “توماهوك” على سورية ليست مجرد رد فعل خارج عن سياق تسير فيه الإدارة الأميركية الجديدة، ولا سيما بعدما تم إرفاقها بتهديدات كثيرة، وصلت إلى حد الجزم “بنهاية حكم آل الأسد”. والسياق يتعدّى الساحة السورية إلى مناطق أخرى في العالم. فكما صواريخ توماهوك، جاءت “أم القنابل” في أفغانستان لتفاجئ المتابعين للموقف الأميركي، ولا سيما أنها ألقيت من دون مقدّمات، ومن دون وجود فعل واضح يستوجب مثل هذا الرد. غير أن ترامب وإدارته لم يقفا عند هذا الحد، بل عمدا إلى توسيع الرقعة الجغرافية لعسكرة السياسة الخارجية، لتصل إلى شبه الجزيرة الكورية، والتي تعيش أجواء حرب حقيقية مع المؤشرات المتزايدة من الولايات المتحدة إلى نيتها توجيه ضربة عسكرية إلى كوريا الشمالية.

يستهدف التصعيد الأميركي في سورية وأفغانستان وشبه الجزيرة الكورية بالدرجة الأولى “الخصوم” على الساحة الدولية، وتحديداً روسيا والصين، ويوجه رسائل بعودة الولايات المتحدة إلى الساحة الدولية. وهي عودةٌ قد لا تكون هناك علاقة لترامب بها، وهو الذي أخطأ أخيراً في حواره مع “فوكس نيوز” بمكان الضربة الأميركية، مشيراً إلى إطلاق الصواريخ نحو العراق بدل سورية، ما دفع المذيعة إلى التدخل لتصويب الوجهة.

العربي الجديد

 

 

معركة ترامب مع إيران/ محمد أبو رمان

صحيح أنّ الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لم يقم إلى الآن بإعادة النظر في الاتفاقية النووية الإيرانية التي تمّ إقرارها في عهد الإدارة الأميركية السابقة، وشكّلت في حينها تحولاً كبيراً وتاريخياً للمقاربة الأميركية تجاه المنطقة العربية، منذ العام 1979. لكن الإدارة الأميركية الجديدة تقوم بما هو أكثر من ذلك، بهدم مقاربة الرئيس السابق باراك أوباما تجاه إيران، وإعادة تعريفها بوصفها خطراً وعدوا للولايات المتحدة الأميركية، وجعل مواجهة نفوذها ضمن أولويات الإدارة الجديدة.

هذا التصوّر الجديد واضح تماماً فيما يتعلق بسورية، فالإدارة الأميركية أعادت تعريف أهدافها لتصبح، بدلاً من محاربة داعش وهزيمتها (كما انتهت الإدارة السابقة) ثلاثة؛ هزيمة داعش، وفي الوقت نفسه تحجيم دور إيران، ومنعها من إقامة مجال حيوي يمتد إلى البحر المتوسط، وثالثاً إنهاء حكم بشار الأسد.

تقتضي مثل هذه الأهداف، كما ذكرنا في المقال السابق (“العربي الجديد” 9/4/2017)، عملياً قلب قواعد اللعبة في سورية، بل في المنطقة، والدخول في مواجهةٍ مفتوحةٍ مع إيران التي دفعت كلفة كبيرة للوصول إلى هذا النفوذ المتنامي في سورية، ودعمت الأسد، وماضية في الطريق إلى إقامة “سورية المفيدة”.

لو فرضنا، جدلاً، وهذا مستبعدٌ تماماً، أنّ الإدارة الأميركية نجحت، فعلياً، في تفكيك تحالف الروس مع الإيرانيين خلال الفترة المقبلة، فهل ستكون قادرةً على هزيمة النفوذ الإيراني، وتمكين الأطراف الأخرى في سورية من تضييق الخناق على بشار الأسد، وإخراجه من الحكم، وتحجيم نفوذ إيران في سورية؟

المسألة أكثر تعقيداً من هذا التبسيط. لكن، مع المواقف الأميركية الجديدة، دخل الصراع السوري منعرجاً جديداً، يعتمد أولاً على موقف الروس، وهو مهم وأساسي في دعم النظام السوري، وثانياً على رد فعل الإيرانيين على المواقف الأميركية الجديدة، فيما إذا كانوا سيكتفون بإعادة خلط الأوراق في سورية أم سيوّسعون المتاعب الأميركية لتصل إلى العراق، وتهديد المصالح الأميركية هناك.

أيّاً كان الأمر، فإنّ من المهم إدراكه أنّ الإيرانيين يمتلكون اليوم شبكةً عريضةً وكبيرةً من التحالفات الإقليمية والداخلية في كل من سورية والعراق، ودول عربية أخرى، ليس من السهل تدميرها أو إضعافها، ويقفون على الأرض عسكرياً بقوة، عبر الأذرع العسكرية للحرس الثوري الإيراني في المنطقة، فيلق القدس، والمليشيات الشيعية العراقية، وحزب الله، والمليشيات التي تمّ تشكيلها في سورية، وأصبحت تحت الوصاية العملية الإيرانية.

لن يترك الإيرانيون الأميركيين يهدمون ما أنجزوه من نفوذٍ كبير خلال الأعوام الماضية من الأحداث في سورية، وبعد أن دفعوا كلفةً كبيرةً عسكرياً ومالياً. لذلك، لن تكون المواجهة مع إيران سهلةً، ولا في متناول اليد، من الرئيس الأميركي الجديد.

قد لا تظهر على المدى القصير نتائج وعلامات مباشرة وواضحة للمواجهة الأميركية- الإيرانية في سورية، خصوصا إذا فشل الأميركيون في إبعاد الروس عن طهران، فستركّز إدارة ترامب على بناء نفوذ داخلي وإقليمي في سورية، وتعزيز وجودها العسكري، سواء مباشرة في بعض القواعد العسكرية، وتدشين قواعد جديدة، أو غير المباشرة عبر التحالف مع الأكراد والقوى العشائرية السورية في الجنوب، وربما تحاول الإدارة الأميركية تعزيز ذلك عبر تحالفٍ مصغّر، يضم دولاً عربية وغربية تشارك الأجندة الأميركية.

لكن، على المدى المتوسط، فإنّ الصراع على “تركة داعش” سيظهر جلياً في المشهد السوري، فهنالك معارك الرقّة وريفها وريف حلب، ودير الزور وريفها وبادية الشام، حيث انحاز عدد كبير من عناصر “داعش”، في محاولة لإعادة بناء قوتهم في الصحراء السورية الممتدة.

بكلمة؛ لا تزال هنالك فجوة واسعة بين التحولات الأميركية الجديدة على صعيد الأهداف، وإمكانية تحقيقها وتنفيذها على صعيد الخطط الواقعية، والواقع الأكثر تعقيداً وتشابكاً بين مصالح الأميركان والروس والإيرانيين والأتراك والأكراد والعرب.

العربي الجديد

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى