صفحات الناس

الضغط على الأسد… مطلوب لإيقاف المذبحة/ ترودي روبن

هذه قصة ثلاث فتيات سوريات حاولن النجاة من قطاع يحتله الثوار في حلب. وخلال بضعة أيام عصيبة وصلن إلى الحدود مع تركيا. وكانت من بينهن «أسماء» البالغة من العمر 26 عاماً، وهي خريجة كلية آداب اللغة الإنجليزية، وعملت خلال السنتين الماضيتين ممرضة متطوعة في مستشفى ميداني، وكانت تتولى معالجة الضحايا المدنيين من جراء الحرب الدائرة هناك والتي أدت لتقسيم مدينتها إلى قطاعين متقاتلين أحدهما يسيطر عليه الثوار والآخر تحت سيطرة النظام.

أما صديقتاها الأخريان، فهما الشقيقتان «سلام» (30 عاماً)، و«إسلام» (28 عاماً)، واللتين كانتا قبل الحرب تعملان مدرستين وما لبثتا أن تطوعتا للعمل في مأوى للأيتام يؤوي 650 طفلا ممن فقدوا آباءهم خلال القتال. وقالت لي سلام: «لا يشكل هؤلاء الأطفال إلا جزءاً ضئيلا من أيتام الحرب».

وإنه لمن الصعب على المرء أن يصدق أن تتمكن هاتان الشقيقتان الجميلتان اللتان لا تفارق الابتسامة محياهما، والمرتديتان حجابان يغطيان رأسيهما، من البقاء حيتين لمدة تفوق السنتين وهما تحت القصف المتواصل لقوات النظام.

وبعد وصول الفتيات الثلاث إلى مدينة «غازي عنتاب» التركية، بدأ نظام الأسد بإلقاء البراميل المتفجرة التي تحتوي على مئات الكيلو جرامات من المتفجرات والمسامير على الأبنية السكنية المجاورة لمكان سكنهن، ما أسفر عن قتل مئات المدنيين وجرح مئات آخرين. وكانت الصديقات الثلاث تخططن للعودة لتقديم يد العون للجرحى والمصابين الجدد.

وشرحت لي «أسماء» الموقف فيما كنا نتناول وجبة غداء خفيفة تتألف من الخبز والجبن والخيار، فقالت: «لا يتوفر عدد كاف من الأطباء والممرضات والمواد الطبية. وهم يعملون في أروقة ضيقة ويعمدون إلى بتر الأطراف المصابة من دون تخدير». وتبيّن أن الهدف الذي طاله القصف الجديد مدرسة، وكان معظم الضحايا من الأطفال.

ولم يكن كل هذا الذي يحدث يمثل مفاجأة بالنسبة لي. فلقد كانت حرب الأسد ضد شعبه هي حرب ضد المدنيين والأطفال الأبرياء. وهي أضخم مأساة في القرن الحادي والعشرين. وتجاوزت شناعة الجرائم التي ترتكبها بعض الفصائل المؤيدة للأسد تلك التي ارتكبت في دارفور والبوسنة.

وبالرغم من كل ذلك، فشل المجتمع الدولي في الاتفاق على اتخاذ أي موقف يمكنه أن يخفف أو ينهي هذه الجرائم المروّعة. وما فتئت إدارة أوباما تساعد الأسد على الاستمرار في مذابحه ضد المدنيين من دون أن تدري. ولا بد لهذا الموقف أن يتغير.

وأشارت إحصائية أنجزتها «مجموعة أوكسفورد للبحوث»، إلى أن 11 ألفاً من أصل 113 ألف ضحية في الحرب السورية، هم ممن لم يتجاوزوا 18 عاماً. وأكثر من 70 بالمئة من هؤلاء الأطفال قتلوا بقذائف المدفعية الثقيلة. وتم توثيق 764 عملية إعدام و389 حالة استهداف للأطفال من طرف القنّاصة الموالين للنظام. وينبغي التذكير هنا بأن الثورة السورية اندلعت أواخر عام 2011 بسبب اعتقال أطفال وتعذيبهم لأنهم كتبوا على الجدران عبارات مناهضة للأسد.

ويعتمد الأسد على القصف بالطائرات والمدفعية الثقيلة كأسلحة مختارة لترهيب وترحيل سكان المناطق التي تقع تحت سيطرة الثوار. وكانت النتيجة قد تمثلت في تحوّل ثلث سكان سوريا، والبالغ عددهم 23 مليوناً، إلى لاجئين في الدول المجاورة أو نازحين داخل سوريا. وأصبح معظمهم يقيمون في المدارس والمساجد أو في العراء.

ومع حلول فصل الشتاء، منع الأسد وصول الأغذية والأدوية إلى 250 ألف مواطن مدني من الذين يعانون المجاعة وهم محاصرون بقوات النظام. وكما سمعت من أطباء في مدينة «غازي عنتاب»، فإن الدكتاتور يعمل على نشر وباء مرض الأطفال عن قصد حتى بدأ بالتحول إلى جائحة يمكن أن تنتشر في المناطق الشمالية التي يسيطر عليها الثوار. وتقضي سياسة النظام بالتأكد من حرمان الأطفال المهددين بالوباء من الحصول على اللقاح.

وقال محققون تابعون للأمم المتحدة إن الحكومة السورية تمارس «حملة ترهيب» ضد المدنيين، تشتمل على عمليات الاختطاف والإخفاء. وتحدثت نافي بيلاي، رئيسة مكتب حماية حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، عن توفر أدلة تربط بين الأسد وارتكاب جرائم ضد الإنسانية بما فيها التعذيب حتى الموت والاغتصاب داخل سجون النظام. صحيح أن بعض فصائل المعارضة ارتكبت جرائم حرب إلا أنها لا تعادل إلا كسراً بسيطاً من جرائم النظام.

ومع كل هذا، يشعر الأسد الآن بالسعادة من عقد محادثات سلام مع المعارضة والتي سوف تنظم في سويسرا في 22 يناير المقبل. وخلال الأسبوع الماضي، عطل داعموه الروس مشروع توصية تدين استخدام البراميل المتفجرة. على أن استخدام الروس لحق النقض (الفيتو) يجعل من غير الممكن إحالة الأسد إلى محكمة الجنايات الدولية لمحاكمته على الجرائم التي ارتكبها ضد الإنسانية.

وكان قرار أوباما بإلغاء الضربة الجوية ضد المواقع العسكرية للنظام السوري مقابل تدمير أسلحته الكيميائية، قد أعطى الأسد الضوء الأخضر لذبح المدنيين بطرق ووسائل أخرى. وعندما يعمد الأسد إلى تصعيد عمليات قتل المدنيين قبل انطلاق محادثات السلام، فإن الورقة الوحيدة أمام أوباما هي الطلب من موسكو بأن تعمل على لجمه.

وإذا لم تعمل روسيا وإيران على إجبار الأسد على التوقف عن قتل المدنيين وإعلان الالتزام بحقوق الإنسان قبل انطلاق محادثات السلام، فإن هذه المباحثات ستكون بلا جدوى. وما لم تلتزم الإدارة الأميركية بهذا الشرط المسبق، فسوف تصبح شريكاً في جرائم الأسد.

وهذه الحرب التي تدور رحاها في سوريا تتعلق بدكتاتور يمكن أن يفعل أي شيء حتى يبقى في السلطة. وهو الذي تسبب بأزمة إنسانية مهولة تهدد المنطقة كلها بالتوتر. وكان للعنف الذي مارسه الأسد أن يشجع على ظهور الإسلام المتطرف الذي يهدد الشرق الأوسط برمته والغرب أيضاً.

إم. سي. تي. إنترناشيونال

الاتحاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى