صفحات العالم

الضغوط الغربية على دمشق: أن تأتي متأخرة خير من أن لا تأتي أبداً


كان يجب ان تمر خمسة أشهر من القمع الدموي، وضجيج الدبابات والرشاشات، خمسة أشهر وأكثر من 2000 قتيل… قبل ان يحزم الغرب أمره ويرفع صوته عاليا ليطالب بشار الأسد بالتنحي.

في 18 من آب الجاري، بادر اوباما، ثم تبعه نيقولا ساركوزي ودافيد كامرون وانجيلا مركل، فقال ما كان عليه قوله: لقد فقد الأسد كل شرعية وعليه ان يرحل.

خلال الأشهر الخمسة تلك، لم تتوقف المعارضة السلمية والشجاعة عن تسريب الحكايات واشرطة الفيديو عن قتلى وعن ضحايا تعذيب، كل واحدة تنم عن وحشية تفوق سابقاتها. على الرغم من الاطباق الاعلامي الذي فرضته دمشق، كان كل شيء يشهد على الشراسة القاتلة لنظام مستعد للقيام بأي شيء من اجل ان يستمر.

الدول الغربية تردّدت طويلا، بل غالت في التردّد، قبل ان تتخطى العتبة وتطالب بتغيير النظام. وبهذا التردّد، غذّت هذه الدول الاتهامات الموجّهة اليها بأنها “تكيل بمكيالين”: ففي ليبيا، كان يكفي اسبوع واحد من القمع العسكري للمتظاهرين حتى تنطلق النداءات الغربية: “القذافي يجب ان يرحل”. لا شيء من هذا القبيل في سوريا.

لنكن واضحين: المتظاهرون السوريون لم يطالبوا ابدا بتدخل عسكري خارجي. ولكن كان من حقهم ان ينتظروا، هم ايضا، من الامم المتحدة ان تعلن مبدأ “مسؤولية الحماية”، الرامي الى احباط أبشع الفظائع، أو أن تهدد الامم المتحدة باللجوء الى المحكمة الجزائية الدولية لمعاقبة جرائم ديكتاتورية دموية.

اسباب البطء الديبلوماسي هذا معروفة. نعلم ان الامم المتحدة عرضة للاعاقة من قبل روسيا، طالما ان موسكو ما زالت متوترة من السابقة الليبية ومازالت ايضا منكبة على حساباتها الجيو سياسية التي لا تدخل فيها مسألة حقوق الانسان.

اما تحفّظ مجموعة الدول “الصاعدة”، أي الهند وأفريقيا الجنوبية والبرازيل، فهي ليست مفاجئة: فزعماؤها يودّون تصديق الوعود “الاصلاحية” التي اطلقها الرئيس السوري. فيما بلدان المنطقة، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية وتركيا، احتاجت الى قدر من الوقت لتخلص الى ان لا شيء طيبا يمكن انتظاره من بشار الاسد. فالوساطات التي قادها البلدان لم تفض الى اية نتيجة.

اخيرا، جميع الاطراف كانت تخشى ان يؤدي سقوط آل الأسد الى فتح علبة البندورا الشرق أوسطية. وذلك قبل ان يدرك الجميع، أيضا، بأن الاستقرار في هذه المنطقة بات مهددا اذا ابقي على قائد لا يردعه ارتكاب اي نوع من انواع العنف.

حتى الآن، لا شيء مضمونا. فالغربيون وحدهم هم الذين يطالبون برحيل الاسد. وأدوات الضغط التي بحوزتهم محدودة ضد هكذا سلطة متخندقة خلف الدبابات. اما الشارع السوري، فقد ابدى مقاومة عظيمة، مثيرة للإعجاب، ضد نظام يعتمد الطرق الوحشية بالقدر الذي يقوم على دعاية كاذبة وسينيكية. والأسرة الدولية لا يجب ان تتخلى عن هذا الشعب.

الاوروبيون الذين يشترون 95% من النفط السوري سيكونون على درجة من النباهة لو اوقفوا المعاملات الاقتصادية والمالية التي تساعد نظام الاسد على البقاء. بل لو قطعوا تلك العلاقات، فسوف تكون أفعالهم مطابقة لأقوالهم، الداعية الى سقوط الطاغية.

افتتاحية “لوموند” (20 آب 2011)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى