صفحات الناس

الطفولة المختطفة:آلاف السوريين يعملون في مهن خطرة في الأردن/ عمان _ علاء الدين كيلاني

 

 

وجد راغب نفسه فجأة وجهاً لوجه أمام أحد عناصر الشرطة الأردنية، استدار مسرعاً محاولاً الفرار بما يحمل بين يديه في الاتجاه المعاكس، لكن عنصراً آخر أمسك به، على بعد أمتار قليلة. خضع لتحقيق انتهى بإخلاء سبيله، شرط ألا يعود إلى نشاطه المعتاد في جمع الخردوات والنفايات المعدنية من حاويات القمامة في شوارع مدينة المفرق، شمال الأردن.

بدأت قصة انخراط اللاجئ السوري راغب (14عاماً) في سوق العمل، في وقت مبكّر. فقد قصفت بلدته الواقعة على بعد عشرة كيلومترات شمال مدينة درعا. كان يحلم بمواصلة تعليمه ليدخل الجامعة، ويعود إلى أسرته بشهادة التخرج، التي لطالما رسم لها مستقبلاً وردياً مع زملائه على مقاعد الدراسة، لكن مخاطر الحرب التي عانت أسرته منها مطولاً، دفعت الجميع إلى مغادرة البلدة، واجتياز الحدود الأردنية هرباً من براميل الموت التي كانت تلاحقهم في كل مكان.

مسؤولية كبيرة

في أواخر العام 2013، أصبح راغب مع أسرته وعدد من أقربائه ضمن سجلات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في الأردن. ولأول مرة شعر بحجم المسؤولية الملقاة على عاتقه، عندما تعرض والده الذي يعمل في قطاع الإنشاءات لحادث أثناء العمل، وأصبحت الأسرة عاجزة عن الوفاء بالتزاماتها، كتسديد أجرة مسكن، وفواتير الكهرباء والماء.

بمشاركة ثلاثة من أبناء عمومته، انقطعوا بدورهم عن التعليم، يقول راغب: “بدأنا في جمع المخلفات المعدنية من حاويات القمامة المنتشرة في شوارع المدينة، حيث نقوم ببيعها لتجار وشركات تعمل على إعادة تدويرها. أنا لست راضياً، غير أن ظروف اللجوء أجبرتني على مزاولة هذا العمل”.

يعد العمل الذي يزاوله راغب مع أقربائه، وفق المادة 182 من اتفاقية منظمة العمل الدولية، من الأعمال غير الآمنة التي تعرضهم للخطر، وهناك المئات من الأطفال السوريين اللاجئين يمارسون هذا النوع من الأنشطة، وآخرون معرضون للانزلاق نحو مهن أكثر خطورة.

” وفق بيانات حكومية، تضاعف عدد العاملين الأطفال على الصعيد الوطني إلى 60 ألف طفل منذ بداية تدفق اللاجئين في العام 2011. وتبلغ نسبتهم من مجموع عمالة الأطفال في الأردن بشكل عام نحو 70% وبأعمار تتراوح بين 15-17 عاماً، معظمهم من الذكور.

يقول الخبير الاجتماعي مسعف رمضان: “برز عمل الأطفال السوريين كإحدى الظواهر المقلقة منذ أول تقييم مشترك أجرته الأمم المتحدة والحكومة الأردنية في العام 2012، حيث تبين وجود أطفال يمارسون أعمالاً مختلفة داخل وخارج المخيمات”. ويشير إلى أن الطفل المنقطع أو المتسرب من المدرسة، هو من فئة الأطفال المعرضين للخطر بكل تأكيد، إذ يمكن أن ينضم لسوق العمل بسهولة تحت ضغط حاجات أسرته ومتطلباتها. ويضيف: “بعض أصحاب العمل يرغبون بتشغيل الأطفال السوريين من باب التعاطف الإنساني، بينما يفضل آخرون تشغيلهم لقلة أجورهم، ومرونة التعامل معهم، وسهولة إدارتهم على خلاف البالغين. إلا أن معظمهم لا يتمتع بأية حقوق قانونية”، بحسب رمضان.

وإلى جانب هذه الأنشطة، يعمل الأطفال السوريون في سوق العمل غير النظامية في قطاعات متنوعة داخل المحلات التجارية والمطاعم والمخابز ومحلات الحلويات والإنشاءات والزراعة، وتكاد وظائفهم تنحصر في التنظيف، أو خدمة العملاء، أو صنع القهوة والشاي، أو حتى المساعدة في رفع وتحميل البضائع. ويتراوح أجر الطفل بين 70 ديناراً إلى 150 ديناراً شهرياً، أي أقل بكثير من الحد الأدنى الرسمي للأجور. وتعد الأجور التي يتقاضونها مصدراً ثانياً وهاماً لدخل عائلاتهم، التي تتلقى في بعض الأحيان مساعدات نقدية ضئيلة تقدمها المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، للأسر الضعيفة خارج مخيمات اللجوء.

ومع أن قانون العمل الأردني يفرض غرامات مالية على أصحاب العمل الذين يشغلون الأطفال، كما يقول الخبير الاقتصادي محمد جرادات، إلا أن أكثرهم غير مبالين بالملاحقة القانونية نتيجة تدني قيمة الغرامة التي لا تتجاوز 500 دينار. ويؤكد جرادات أن الدافع وراء انخراط هؤلاء الأطفال في مثل هذه المهن، افتقار أسرهم إلى دخل ثابت يساعدها على التكيف مع ظروف اللجوء القاسية، كتسديد الفواتير المعيشية الموازية كإيجار المسكن ونفقات الغذاء. ويقول:” إن 90% من الأسر التي خضعت أوضاعها لتقييم منظمات أممية، ترزح اليوم تحت المديونية، إما لأقاربها أو لمالكي العقارات التي تسكن فيها أو أصحاب المحلات والجيران. وهناك سيدات كثر، وجدن أنفسهن للمرة الأولى مسؤولات عن أسرهن في غياب الزوج أو فقدانه، ما شجع الأطفال للعمل، وهذا بدوره أدى إلى رفع نسبة المتسربين من التعليم إلى %48 بينما بقي نحو 52% في المدارس”.

وبلغ عدد الأطفال الذين تسربوا من مدارسهم، وفق تقديرات الجمعية الأردنية للبحث العلمي نحو 60 ألف طفل سوري، فيما تقدر منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة، عددهم الوطني في المملكة بنحو 180 ألف طفل، منهم 3508 أطفال من مدارس مخيم الزعتري، وفق معلومات تربية البادية الشمالية الغربية.

ويضاف إلى دوافع التسرب المذكورة، بحسب الخبير التربوي أحمد سعيدات، ضعف البنى التحتية لنظام التعليم في الأردن، رغم الجهود المبذولة لمضاعفة الطاقة الاستيعابية للمدارس القائمة من خلال نظام الدراسة على فترتين في اليوم، وعدم وجود وثائق كافية للتسجيل لدى السوريين، وبقاء أعداد أخرى على قوائم الانتظار بسبب اكتظاظ المدارس بالطلاب، وعدم قدرة بعض الأسر على توفير التكاليف المرتبطة بنفقات الاحتياجات التعليمية. ويقول: “من أجل التخفيف من حجم مخاطر هذا الوضع، جرى اعتماد مشروع التعليم غير الرسمي “المكاني”، في الأردن، الذي تنفذه جمعية المركز الإسلامي بدعم من منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسيف”، وبالتعاون مع وزارات أردنية عديدة، حيث يهدف المشروع إلى توفير خدمات التعليم البديل للطلبة السوريين المتسربين من المدارس، وتعزيز مهارات الحياة والدعم النفسي الاجتماعي، من أجل حماية الطفولة المختطفة”.

وتنص المادة 32 من الاتفاقية العالمية لحقوق الطفل، على أن كل طفل يملك الحق في أن يكون محمياً من الاستغلال الاقتصادي، ومن تأدية والقيام بأي عمل من الممكن أن يكون مؤذياً له أو يعرضه للمخاطر.

العربي الجديد

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى